ﰡ
قوله تعالى: ﴿ق وَالْقُرْآنِ... (١)﴾
قال: مكي (وَالْقُرْآنِ) قَسَمٌ جوابه قبله وهو ما دلت عليه (ق) والتقدير والقرآن المجيد لقضي الأمر، انتهى، تقديم جواب القسم عليه ممتنع لكنه جعله دليل عن الجواب لَا أنه نفس الجواب.
قوله تعالى: ﴿بَلْ... (٢)﴾
إضراب انتقال قبل تمام المنتقل عنه إلا أن يكون الجواب مقدم.
قوله تعالى: (أَنْ جَاءَهُمْ).
مفعول من أجله، فإن قلت: قد تقرر في المنطق أن التعجب لازم الإنسان بغير وسط فلا يقال: تعجبت لأجل كذا، قلت: التعجب زيادة في وصف الفاعل خفى سببها فنفس التعجب بغير واسطة؛ لكنه لَا بد له من سبب ولا يسمى ذلك السبب واسطة.
قوله تعالى: (فَقَالَ الْكَافِرُونَ).
العطف بالفاء إشارة لمبادرتهم بالإنكار وتعجبهم الأول شك وارتياب، والثاني استهزاء وتصميم على كفرهم.
قوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ... (٤)﴾
رد على قولهم: (أَئِذَا كُنَّا) ولم يقرر المفسرون وجه الرد، وتقريره أن إعادة الشيء تنبيه من شرطها قدرة الصانع وعلمه وكونه سبحانه وتعالى قادرا معلوم له بالضرورة لَا ينازعون فيه فبين لهم اتصافه بالعلم، ولما كان العلم بما ينقص في المستقبل أبلغ من العلم بما انتقص في الماضي [قيل (تنقص) دون نقصت*].
قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا... (٦)﴾
لما تضمن الكلام السابق أنهم في أمر ملتبس مختلط قد يتوهم أن هذه الضلالة لعدم وضوح الدلائل التي تهديهم إلى طريق الحق، فأتى بهذه الآية شبه الاحتراس والتقدير [أغفلوا*] فلم ينظروا، وتقدير المعطوف عليه قبل الهمزة أولى من جهة المعنى لأن المقصود [إنكار*] عدم النظر وتوبيخهم عليه، وأما الغفلة فهي ثابتة مقدرة، ولكنه عند النحويين مقدر بعد الهمزة.
قالوا: فوق إما حال أو ظرف، ويرد كونها حالا فإِن من شرطها الانتقال، فإِن قلت: هي هنا في حكم المنتقلة.
قالوا: في خلق الله تعالى الزرافة يديها أطول من رجليها إنها حال غير منتقلة لكنها في حكم المنتقلة؛ لأنها كانت قابلة لأن تخلق على غير تلك الصفة، قلت: لَا يمكن ذلك هنا؛ لأن السماء من حيث كونها سماء غير قابلة لأن تكون أسفل، ولا جواب عنه إلا بما قال ابن هشام، وغيره: من أن الأولى عدم اشتراط الانتقال في الحال، [ويرد*] أيضا على كونه شرطا أنهم شرطوا في الظرف كونه محلا للفاعل وفعله، فإِذا قلت: جلست فوق زيد، فالقول فيه محل لك ولجلوسك، والسماء هنا ليست محلا للناظر بل لنظره فقط، وجوابه: أن ذلك في الفعل الذي لَا يطلب مفعولا، وأما الفعل الذي يتعدى فقد يكون الظرف محلا لفاعله، وقد لَا يكون، فإن قلت: قد تقرر في مبادئ العربية أن قول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا غير مفيد، فما أفاد قوله تعالى: (فَوقَهُم)، قلت: هو إشارة إلى تمكن كل واحد منهم من النظر إليها، وهو أبلغ من قوله تعالى: (أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ) لأنهم وبخوا هنا على [عدم النظر*] مع تمكنهم منه في محالهم دون تكلف وسير، وهذا هو الذي يقوله الأصوليون: إن المعقولات فرع المحسوسات.
قوله تعالى: (وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ).
الفخر. هنا احتج بها الحكماء القائلون: بأنها ليست قابلة للخرق، والجواب: أن الآية أفادت إمكان الخرق فيها، فلذلك احتيج إلى نفيه، انتهى. فصار أمره أنه بطل استدلالهم بها فقط، ونحن نقول الآية حجة عليهم لَا لهم، وأفادت أنها قابلة للخرق، ولولا ذلك لما احتيج إلى نفي الخرق؛ لأن المحال لَا يحتاج إلى نفيه.
فإِن قلت: قد ثبت أن للسماء أبوابا، قلت: لها أبواب تفتح وتغلق، وليس فيها خرق [بوجه*]، وجمع خروق فروج، إشارة إلى كثرة الأفلاك التي فوقها والكواكب بحيث [لو تصورت*]، فما يكفي في رؤيتها خرق [واحد*] في السماوات بل [انشقاقات*]، وخروق جملة ليكون تحت كل واحد خرق يظهر منه.
قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ... (٧)﴾
وصوب ابن عطية هنا مذهب من يقول: إنها بسيطة.
قال الشيخ: والصحيح أنها عندهم [كورية*]، وعليه تبنى مذاهب المنجمين.
قوله تعالى: ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى... (٨)﴾
مفعول من أجله وهو بين على مذهبنا لاتحاد الفاعل، ولا يجري على مذهب المعتزلة القائلين: بأن العبد يخلق أفعاله.
وقال أبو العز: المقترح لما حكى القول بأن النظر بخروج أشعة من العين إلى المنظور، نرد هذا القول بأن الناظر [إذا قلب*] حدقته، فيرى نصف كثرة العالم وما عسى أن تبلغ من أشعة عينه من كثرة العالم، قال: وإنما النظر إدراك يخلقه الله تعالى للناظر عند تقليب الحدقة، انتهى. على تنازعه في رؤية الناظر نصف كثرة العالم بل يقول: يرى خلقا كثيرا خاصة لَا أنه نصف كثرة العالم بوجه.
فإِن قلت: لم قيل: إلى السماء فوقهم؟ ولم يقل: إلى الأرض تحتهم، كيف مددناها؟ قلت: لأن السماء بعيدة هنا لَا نشاهدها إلا بعد تقليب الحدقة إلى فوق، بخلاف الأرض فإنا لَا نحتاج في رؤيتها إلى تكلف تقليب الحدقة إلى فوق.
قوله تعالى: ﴿بَاسِقَاتٍ... (١٠)﴾
حال مقدرة.
قوله تعالى: (لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ).
إن كانت حالا متداخلة فهي [مجملة وإلا مقدرة*] كالأولى.
ابن عطية: [«الطلع» أول ظهور التمر في الكفرى وهو أبيض منضد كحب الرمان. فما دام ملتصقا بعضه ببعض فهو نَضِيدٌ، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد*]، انتهى؛ [الكفرى*] [**مواظف] الذي فيه العرجون، ووصف في الآية اسم الجنس بالجمع وهو جائز، ونص [الآبذي*] في شرح الجزولية، وابن مالك في التسهيل على جواز وصف اسم الجمع واسم الجنس بالفرد، وهو جائز، ونص المبرد في المقتضب على جواز جمع التكسير بالمفرد.
قوله تعالى: ﴿بَلْدَةً... (١١)﴾
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ... (١٢)﴾
الزمخشري: هو تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتخويف كفار قريش، انتهى. ويحتمل كونه تسلية للمؤمنين وإزالة ما يوسوس به إليهم الشيطان من كفر غيرهم من قريش، فبينت الآية أن كل نبي آمن به قوم، وكفر به آخرون، وفي الآية رد على ابن قتيبة بأن القبيلة تقتضي الاشتراك في التكذيب، والأمم السالفة إنما كذبوا بالرسالة، وهذه الآية رد على من كذب بالمعاد، وهو أمر مستقبل فأطلق عليه لفظ التكذيب فهو كذب لَا خلف، وجوابه: أنهم كذبوا بالرسالة، ومن لوازم ذلك التكذيب بالمعاد فأطلق التكذيب وهو الرسالة ودخل المعاد في ضمنه.
قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ... (١٤)﴾
قرئ "ليكة" و"الأيكة"، ابن عطية: الألف واللام من "الأيكة" غير معرفتين لأن أيكة اسم علم كطلحة، يقال: أيكة وليكة فهي كالألف واللام في الشمس والقمر، وفي الصفات الغالبة قال: وفي هذا نظر، انتهى. أراد بالنظر أن ليكة عَلَم، فالألف واللام فيه زائدتان؛ كما هي في الزيد [والْعَمْرو*] [في قوله:*] [بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِو مِنْ أَسِيرِهَا*]، [بخلافهما في*] الشمس والقمر، فإن الألف واللام فيهما للتعريف لأنهما كانا نكرتين.
قوله تعالى: (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ).
قول أبي حيان: إفراد الضمير على لفظ كل لأن مفرد الفخر إن كانت الألف واللام في الرسل للعهد، فيكون على التوزيع أي كل أمة كذبت رسولها ويكون تكذيبها رسولها واحدا، فقد كذب جميع الرسل لاتفاقهم على الأمر بتوحيد الله تعالى، وإن كان للجنس أن المراد جميع الرسل، فالتكذيب للجميع مطابقة لعجزنا عن الإعادة.
قوله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ... (١٥)﴾
قوله تعالى: (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ).
الزمخشري: إن قلت: لم عرفوا (الْخَلْقِ الأَوَّل) دون الثاني؟ فأجاب: بأن التنكير لتعظيم الخلق الجديد إشارة إلى أنه خلق له بيان عظيم وحال شديد يجب أن يهتم ويخاف ويبحث عنه، انتهى. إن قلت: يلزم على هذا بطلان القياس في الآية، فإنه إذا كان الخلق الثاني أعظم من الأول [لما*] يلزم من القدرة على الأول القدرة على الثاني، قلت: إنما جعله أعظمها باعتبار ما يعرض له من العذاب والنعيم، وما يرى فيه من الأهوال؛ لَا باعتبار الجرم والكبر والصغر، وقد يجاب [بوجه آخر*] وهو ما قال عمر رضي الله عنه، في قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) لن يغلب العسر يسرين، وفسره النَّاس بأن التعريف يقتضي الوحدة والتنكير يقتضي التعدد، فعرف الأول لأنه أول لم يسبقه مثله فهو واحد، ونكر الثاني لأنه مسبوق بخلق آخر قبله مثله.
فإن قلت: هذا المعنى مستفاد من وصفه بجديد، قلت: الوصف بجديد أتى ردا على من يقول بقدم العالم، فأفاد أن العالم جديد ليس بقديم؛ لَا أنه مسبوق بخلق آخر قبل.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ... (١٦)﴾
قلَّ ما تجد آية في القرآن ذكر فيها وصف القدرة إلا مع وصف العلم وبالعكس، وهو إشارة إلى إسناد كل [المعلومات*] إلى الله تعالى، ففيه إبطال الطبيعة لأن الذي يفعل بالطبيعة لَا يحتاج إلى العلم بل القدرة تكفيه، فإن قلت: لم أقسم على ذلك مع أنهم مقرون به، قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، قلت: من لوازم الإقرار بذلك الإقرار بالمعاد ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم.
أبو حيان: الواو في (ونعلم) للحال، وأبطله المختصر بأن المضارع لَا يقع حالا بالواو إلا قليلا، كقوله: قمت وأمك، ويبطل أيضا بلزوم المفهوم الباطل وهو معنى اشتراط الانتقال في الحال، وقال: (تُوَسْوِسُ) بلفظ المستقبل فليس إلا السوس فأين الموسوس؟ قلت: الجواب: من توسوس بلفظ المستقبل وجهين:
الأول: أن ابن يونس نقل عن ابن حبيب: أن الروح والنفس ما داما في الجسد هما شيئان فإذا خرجا منه صارا شيئا واحدا، فنقول: أن النفس توسوس الروح.
قوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
تنبيه على كمال تعلق علم الله تعالى بجميع الكائنات وأنك كما تفهم علم الواحد منا بأحوال من هو في المسافة منه بمنزلة (حَبْلِ الْوَرِيدِ) الذي هو في عنقك، كذلك وينبغي أن يعتقد في علم الله تعالى.
فإِن قلت: القرب بالنسبة إلى الله تعالى مجاز وفي (حَبْلِ الْوَرِيدِ) حقيقة فيلزم عليه استعمال اللفظة الواحدة في حقيقتها [ومجازها*]، وهو ممتنع عند الأصوليين نص عليه الفخر، وابن التلمساني في المسألة الخامسة من الباب الأول، قلت: في الكلام حذف مضاف أي من قرب (حَبْلِ الْوَرِيدِ) فيكون القرب المضمر حقيقة والمظهر مجازا.
قوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧)﴾
الزمخشري: العامل فيه أقرب؛ لأن معاني الأفعال قد تعمل، انتهى، وذكر ابن هشام في شرح الإيضاح خلافا عمل أفعل من ذكر ذلك، في قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
ابن عطية: ويحتمل أن يكون العامل فيه مضمرا، أي ذكر (إِذْ يَتَلَقَّى)، قال: ويحسن هذا؛ لأنه أخبر خبرا مجرداً بالخلق والعلم بخطرات الأنفس والقرب بالقدرة والملك، فلما تم الإخبار أخبر [بتلك*] الأحوال التي تصدق هذا الخبر، فمنها (إِذْ يَتَلَقَّى) المتلقيان، ومنها مجيء سكرة الموت والنفخ في الصور، ومجيء (كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)، انتهى. وهو حسن؛ لأنه إذا كان يعلم الوسوسة حين التلقي فيكون نفيا لما يتوهم من أنه إنما [يصل*] إلى علم ذلك من جهة الملائكة الحفظة فإذا
قوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ... (١٨)﴾
ذكر القول دون الفعل؛ لأنه أكثر، فإذا [أحصى*] القول فأحرى الفعل، فإِن قلت: هذا [لا يتناول*] حديث النفس، ولو قيل: ما يصدر من قول لتناوله، والعبد إذا هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، وإن هم بسيئة فلم يعملها ولم يوطن نفسه عليها لم تكتب، فإِن وطن نفسه عليها كتبت عليه سيئة، قلت: هذا راجع إلى العمل لَا إلى القول.
قوله تعالى: (رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
يحتمل أن يكون صفتين لموصفين، فيكون ملك الشمال رقيبا أي مراقبا عليه؛ لأنه يكتب السيئات، وملك اليمين عتيدا أي حافظا يحفظ له ما يصدر عنه من الحسنات فيكتبها ولا يضيعها، ويحتمل أن يكونا صفتين لموصوف واحد.
قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ... (١٩)﴾
حكى الفخر في [المحصول*]: الخلاف في الموت هل هو أمر وجودي أو أمر عدمي؟ واحتج لمن قال: إنه وجودي، بقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ)، وأجيب: بأن يكون خلق بمعنى قدَّر، والتحاكم في هذا إلى اللغة هل ورد خلق بمعنى قدَّر؟ وفي الآية رد على الفلاسفة [والطبائعيين*] القائلين بأن هذه الأجسام بطبعها فانية لَا تقبل البقاء لما فيها من العفونات، إذ لو كانت كذلك لما احتيج إلى نفي نفع [المحيد*] من ذلك، ولما احتيج إلى زيادة (بالحق)، وجعل الموت سكرة تشبيها له بالسكر من الخمر؛ لأنه يغيب العقل والحواس.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: ولا يذوق من شدة مرارة الموت إلا لمن سوى الأنبياء والأولياء، قال: وأما الأنبياء والأولياء فتألمهم بمفارقة النفوس لأبدانهم كما يتألم المحب بمفارقة محبوبه؛ لأن نفوسهم كانت [زكية*] شريفة وخالطت [... ] شرف بها، فعند انفصالها يتألم من الانفصال والمفارقة لَا بسبب الوجع الذي يجده من الانفصال والمفارقة، انتهى. ويرد هذا ما ورد في حديث مسلم: أن رجلا رأى النبي صلى الله
قوله تعالى: [(مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) *]
الزمخشري: [ومحل (مَعَها سائِقٌ) النصب على الحال*] من (كل) لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة، انتهى، أراد أنه تخصص فصارت إضافية محضة؛ لأنه كما يجوز الابتداء به إذ هو في معنى العموم، كذلك صح إتيان الحال من المضاف إليه.
وتعقبه أبو حيان غير صحيح. ابن عطية: وقرأ طلحة بن مصرف بالحاء مثقلة، أبو حيان: وقرئ [مَعَهَا*] بإدغام العين في الهاء، انتهى.
وقال ابن عصفور في شرحه الصغير: لَا تدغم العين في الهاء إلا بعد تحويل الحرفين بقول في [... ] لأنك لو قلبت العين هاء لكنت قلبت [... ] في الفم إلى جنس [... ] في الحلق وذلك لَا يجوز ولو قلبت الحاء عينا لاجتمع لك عينان، وذلك ثقيل لأن العين قريبة من الهمزة، فكما أن اجتماع الهمزتين ثقيل فكذلك العينان، فلذلك لم تدغم الهاء في العين، قال: وإذا أريد إدغامها قلبا معا حائين وأدغمت الحاء في الحاء.
قوله تعالى: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ... (٢٤)﴾
ابن عطية: هو كقول [الزجاج: يا حارسي اضربا عنقه*]، ابن هشام في [**شرح الشذور] ابن دريد. يستدل بكلام الحجاج في اللسان لَا في الأديان.
قوله تعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ... (٢٩)﴾
ظاهر الآية وجوب إبقاء الوعيد، كما [يقوله المعتزلة*]؛ لأنها عامة في الكفار والعصاة، والسبب خاص، والعام إذا أورد على سبب فالمشهور بقاؤه على عمومه ولا يقصر على سببه، فإِما أن نقول: عمومه مخصوص، بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
قوله تعالى: (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
الزمخشري: ما معناه أن ذلك كيف قال: (بِظَلَّامٍ)، ولم يقل: بظالم مع أن نفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم؟ ثم أجاب بوجهين:
الأول: أن الظلم باعتبار التعلق، فيقال: ما زيد بظالم لغيره لأنه عبد واحد، وما زيد بظلام لعبيده، فتبالغ في النفي لأنهم عبيد كثيرون، فالمبالغة باعتبار المتعلق، انتهى، يلزم عليه سبب النفي المفهوم وهو أن لَا يكون ظالما لمجموع عبيده فيكون ظالما لبعضهم.
قال: الجواب الثاني: أن الكبير العظيم من النَّاس إذا اتصف بقليل الذم فهو في حقه عظيم، فلو تصور الظاهر من الله تعالى لما كان عظيما، قال الشاعر:
[الْعَيْب فِي الخامل المغمور مغمور | وعيب ذِي الشّرف الْمَذْكُور مَذْكُور*] |
كفوفة الظّفر تخفى من مهانتها | ومثلها في سواد العين مشهور |
وقال امرئ القيس:
يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه | ليقتلني والمرء ليس بقتَّال |
وقال [الآبذي*] في شرح الجزولية: فإن قيل: يظهر من قوله تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أن فعالا ليس للمبالغة إذ لو كان كذلك لاقتضى مفهومه إثبات قليل الظلم، فالجواب: أن التكثير في الفعل على وجهين:
أحدهما: أن يكون المفعول جماعة، تقول: جرحت الزيدين ولم يتكرر الفعل في كل واحد، والآية من هذا، والمراد من أن تكون كررته في المفعول، تقول: جرحت زيدا، ولما خفي هذا على الحريري.
قال في درة الفؤاد: له الصفة المذمومة قليلها في حق العظيم كثير، كقوله: العيب في العالم المحقور محقور، والصحيح ما تقدم، انتهى، بل الصحيح ما قال الحريري
وقال آخرون: هو التصرف في ملك الغير، قال بعضهم: وإنما يضع الشيء في غير محله جاهل، فالظلم لَا يقع إلا من جاهل.
وقال الأكثرون: يصدر من العالم والجاهل، [واحتج*] الأولون بأن وضع الشيء في غير محله يقتضي ترجيح المرجوح وجعل الراجح مرجوحا، وهذا جهل لَا علم، وأما على الوجه الآخر فيتوجه مطلقا؛ لأن جميع الخلق ملك لله تعالى، فإِن قلت: كون الظلم وضع الشيء في غير محله مع منع اتصاف الله تعالى بذلك إنما يجري على مذهب المعتزلة في قاعدة التحسين والتقبيح، لأن وضع الشيء في غير محله قبيح، قلت: إذا وضع الله تعالى شيئا في أي محل كان، فهو محله [**إجزاء] [إذ لَا يوجد شيء في غير محله*]، [ووجوده*] أشد عشقا.
قوله تعالى: ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)﴾
ابن عطية، عن الرماني، تقوله: (خَزَنَتُهَا) ابن عطية: وكونها هي القائلة أظهر، انتهى، حقه أن يبين أن قول الرماني مخالف لمذهب أهل السنة؛ لأن مذهبهم عدم اشتراط الحياء والهيبة في الكلام، ومذهب المعتزلة اشتراط ذلك.
قوله تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ... (٣٣)﴾
الزمخشري: (بِالْغَيْبِ) حال من المفعول أي خشيه وهو غائب [لم يعرفه،*] لم يعرفه، وكونه معاقبا إلا بطريق الاستدلال.
فتعقبه أبو علي عمر بن خليل السُّكُوني بأن فيه سوء أدب من جهة إطلاقه على الله تعالى لفظ الغيبة، وإطلاقه عليه لفظ مفعول، وتعقبه غير لازم إذ لم يزل إمام الحرمين، وغيره يقولون: قياس الغائب على الشاهد بالجوامع الأربعة فهو إطلاق معهود عند الأصوليين، ويحتمل أن يكون المراد أنه يخشاه حالة كونه غائبا عن النَّاس وهي حالة الانفراد والانقطاع.
والزمخشري: (مَنْ خَشِيَ) بدل بعد بدل تابع لكل فألزمه أبو حيان تعدد الأبدال، قال: وهو غير جائز عندهم، انتهى، ووجه المنع أن البدل على نية الطرح عن جهة المعنى، فلا تتعدد المبدلات، واختاره [ابن بابشاذ*] في مقدمته، والإبدال أنه ليس على نية الطرح فعلى هذا يصح [تعدد*] الإبدال، وقد يجري ذلك على الخلاف في تعدد الحال وخبر المبتدأ بغير حرف عطف، فمنع الفارسي، وابن عصفور، والمحققون [تعدد*]
الزمخشري: ويجوز أن يكون بدلا من موصوف: (أَوَّابٍ حَفِيظٍ) ولَا يجوز أن يكون في حكم (أَوَّابٍ) و (حَفِيظٍ) لأن من لَا يوصف به ولَا يوصف من بين سائر الموصلات إلا بالذي [وحده*]، انتهى. يريد بقوله في حكم (أَوَّابٍ) أي صفة لأواب، ونقل ابن حيان في شرح تسهيل الفوائد لابن مالك، عن الزجاج: أنه أجاز وقوع (مَن) صفة.
قوله تعالى: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)﴾
ابن عطية: وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: "اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر [بل ما أطلعتهم عليه*]، وروي عن جابر، أن المزيد النظر إلى وجه الله عز وجل، انتهى، (بل) من ألفاظ الاستثناء بمعنى دع.
قال الترمذي: معنى الحديث سوى ما أطلعتم عليه، وقيل: دع ما أطلعتم.
قوله تعالى: ﴿أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا... (٣٦)﴾
لم يقل: أبطش منهم مع أنه ثلاثي يصح [بناء*] أفعل منه، فما الحكمة في ذلك؟ وجوابه: أنه قصد التنبيه على اتصاف المفعول بشدة البطش؛ لأن أفعل من تقتضي الشركة في مادة الفعل، وتقدم نحو هذا للزمخشري في سورة البقرة في: (أَو أَشَدُّ قَسْوَةً).
قوله تعالى: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ... (٣٨)﴾
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (٤٤)﴾
مقابل لقولهم: ذلك [رَجْعٌ بَعِيدٌ*] وهو جارٍ على الأمثل في استعمال الأخص في الثبوت، والأعم في النفي؛ لأن كلامهم يجري مجرى النفي، وقد استعمل فيه الرجع المطلق الذي هم من كونهم مجتمعين أو مفترقين، وقيل في الجواب ذلك حشر؛ لأن الحشر عبارة عن إعادتهم بقيد الاجتماع فهو أخص من الأول، فأفاد الإعادة وزيادة، فإن قلت: المطابق لقولهم ذلك حشر علينا قريب، فالجواب من وجهين:
الأول: أن القريب أعم من كونه سهلا أو صعبا، ويسير يفيد القرب، وزيادة.
الثاني: أن المراد بالبعد في كلامهم الاستحالة لَا بعد المسافة، وضد الاستحالة الإمكان.
* * *