ﰡ
مكية في قول الجمهور، وقال مجاهد: فيها مدني قوله: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الآية: ١٩٧]، وقوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤)﴾ إلى آخرها. آيها: مئتان وسبع وعشرون آية، وحروفها: خمسة آلاف وخمس مئة واثنان وأربعون حرفًا، وكلمها: ألف ومئتان وسبع وتسعون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿طسم (١)﴾.[١] ﴿طسم (١)﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وأبو بكر عن عاصم: بإمالة الطاء هنا، والنمل، والقصص، وقرأ الباقون: بفتحها، وأظهر أبو جعفر، وحمزة (١) نون (سين) عند الميم هنا، وفي القصص؛ للتبيين والتمكين، وأدغم الباقون النون في الميم لمجاورتها حروف الفم، وأبو جعفر يقطع الحروف على أصله (٢)، وتقدم الكلام في الخلاف في
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٧٠)، و "التيسير" للداني (ص: ١٦٥)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٣٥١)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري =
روي عن ابن عباس قال: "طسم عجزت العلماء عن تفسيرها" (١).
وقيل: هو قسم معناه: أقسم بطَوْلي وسناي وملكي، وهو اسم من أسماء الله تعالى.
...
﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢)﴾.
[٢] ﴿تِلْكَ﴾ أي: هذه.
﴿آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ يعني: القرآن الظاهرَ إعجازُه وصحته.
...
﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)﴾.
[٣] ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ أي: قاتلُها غمًّا ﴿أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ إن لم يؤمنوا، وهذا تسلية للنبي - ﷺ - لما كان فيه من القلق والحرص على إيمانهم، وخوطب بـ (لعل) على ما في نفس البشر من توقع الهلاك في مثل تلك الحال، ومعنى الآية: لا تهتم يا محمد بهم، وبلغ رسالتك، وما عليك من إيمانهم، فإن ذلك بيد الله، لو شاء لآمنوا.
...
﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤)﴾.
[٤] ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً﴾ دلالةً تُلجئهم إلى الإيمان.
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٣٥١)، و"تفسير أبي السعود" (١/ ٢١).
وقوله: ﴿خَاضِعِينَ﴾ ولم يقل: خاضعة، وهي صفة الأعناق؛ لأنه لما وصفت الأعناق بالخضوع، وهي صفة من يعقل، أجريت مجرى العقلاء، وقيل: المراد بالأعناق: الرؤساء والكبراء، وقيل غير ذلك.
...
﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥)﴾.
[٥] ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ في الوحي والتنزيل، وهو القرآن، المعنى: ما يأتيهم من شيء من القرآن.
﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ﴾ وعن الإيمان به.
﴿مُعْرِضِينَ﴾ إصرارًا على ما كانوا عليه.
...
﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)﴾.
[٦] ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ محمدًا ﴿فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ﴾ أخبار.
﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وهو وعيد لهم.
...
[٧] ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ صنف.
﴿كَرِيمٍ﴾ حسن نافع من النبات مما يأكل الناس والأنعام.
...
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨)﴾.
[٨] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الذي ذكرت ﴿لَآيَةً﴾ على توحيدي وكمال قدرتي.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: سبق علمي فيهم أنهم لا يؤمنون.
...
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)﴾.
[٩] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ بالانتقام من الكفرة ﴿الرَّحِيمُ﴾ للمؤمنين.
...
﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَإِذْ﴾ أي: واذكر يا محمد إذ ﴿نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ حين رأى الشجرة والنار ﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وظلموا بني إسرائيل باستعبادهم وتعذيبهم.
...
﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (١١)﴾.
[١١] يعني: ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ عقابَ الله بطاعته.
***
[١٢] ﴿قَالَ﴾ موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾.
﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ من تكذيبهم إياي.
﴿وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي﴾ للعقدة التي به.
﴿فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾ ليؤازرني، ويظاهرني على تبليغ الرسالة.
...
﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ أي: تَبِعة، وهو قتله القبطي ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ به. قرأ أبو عمرو: (قَال رَّبِّ) بإدغام اللام في الراء، وروي عن رويس، وروح، وغيرهما، وجميع رواة يعقوب: إدغام كل ما أدغمه أبو عمرو من حروف المعجم من المثلين والمتقاربين، وقرأ الباقون: بالإظهار (١)، وقرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو: (إِنِّيَ أَخَافُ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (٢)، وقرأ يعقوب: (وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقَ) بنصب
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٧٤)، و"التيسير" للداني (ص: ١٦٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٣٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٠٧).
...
﴿قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿قَالَ﴾ الله تعالى: ﴿كَلَّا﴾ ردع عن الخوف ﴿فَاذْهَبَا﴾ أنت وهارون ﴿بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ سامعون، فأنصركم عليه، وذكر (مَعَكُمْ) بلفظ الجمع، وهما اثنان أجراهما مجرى الجماعة، أو أراد: معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون.
...
﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ولم يقل: رسولا رب العالمين؛ لأن موسى كان الأصل، وهارون تابعه.
...
﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ إلى الشام، ولا تستعبدهم.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٣٥٣)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٣٥ - ٣٣٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٠٧).
[١٨] وكان فرعون استعبدهم أربع مئة سنة، وكانوا في ذلك الوقت ست مئة ألف وثلاثين ألفًا، فانطلق موسى إلى مصر، وهارونُ بها، فأخبره بذلك، وذهبا إلى باب فرعون ليلًا، ودقا الباب، ففزع البوابون وقالوا: من بالباب؟ فقال موسى: أنا رسول رب العالمين، فذهب البواب إلى فرعون، فقال (١): إن مجنونًا بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين، فتركه حتى أصبح، ثم دعاهما فدخلا عليه، وأديا رسالة الله عز وجل، فعرف فرعون موسى؛ لأنه نشأ في بيته، فثم قال له: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ صبيًّا صغيرًا.
﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ وهي ثلاثون سنة (٢). قرأ أبو عمرو، وأبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف (٣): (لَبِثتَّ) بإدغام الثاء في التاء، وكذلك (لَبثتُّمْ) كيف جاء، وأظهرها الباقون (٤).
...
﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾ يعني: قتل القبطي.
﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ أي: من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٣٥٤ - ٣٥٥)، و"تفسير الطبري" (١٣/ ٩٤).
(٣) "خلف" ساقطة من "ت".
(٤) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٣١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٠٨) دون ذكر خلف.
[٢٠] ﴿قَالَ﴾ موسى: ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا﴾ أي: فعلت ما فعلت حينئذ.
﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ أي: المخطئين؛ لأنه لم يتعمد قتله.
...
﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ إلى مدين.
﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا﴾ أي: نبوة.
﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ درجة ثانية للنبوة، فرب نبي ليس برسول، وتقدم الكلام على ذلك في سورة الحج.
...
﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ثم حاجه -عليه السلام- في مَنِّه عليه بالتربية وترك القتل، فقال: ﴿وَتِلْكَ﴾ أي: التربية.
﴿نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ يريد: كيف تمنُّ عليَّ بالتربية، وقد استعبدت قومي؟ فتعبيدُك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إلي.
...
﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ أيُّ شيء الذي تزعم أنك رسوله؟
[٢٤] ﴿قَالَ﴾ موسى:
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ أنه خالقهما، فآمِنوا.
...
﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (٢٥)﴾.
[٢٥] فتحير فرعون في جوابه، فثم ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ﴾ من أشراف قومه، وكانوا خمس مئة رجل؛ استبعادًا لقول موسى:
﴿أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ جوابه، سألته عن حقيقته، وهو يذكر أفعاله.
...
﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿قَالَ﴾ موسى زيادة في البيان:
﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ فعلم فرعون أنه محجوج، فنسبه إلى الجنون.
...
﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ يتكلم بكلام لا نعقله، ولا نعرف صحته، وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل.
***
[٢٨] فزاد موسى في البيان: ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من النيرات والموجودات.
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فتستدلون بما أقول، فتعرفون ربكم.
...
﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)﴾.
[٢٩] فلما لزمت فرعونَ الحجةُ، وانقطع عن الجواب ﴿قَالَ﴾ تكبرًا عن الحق:
﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ عدولًا إلى التهديد عن المحاجة بعد الانقطاع، وهكذا دَيْدَنُ المعاند المحجوج. قرأ أبو عمرو: (قَال لَّئِنِ) بإدغام اللام في اللام، وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، ورويس عن يعقوب: (اتَّخَذْتَ) بإظهار الذال عند التاء، والباقون: بالإدغام (١).
...
﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿قَالَ﴾ موسى: ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ﴾ الواو للحال دخلت عليها همزة الإنكار؛ أي: أتفعل ذلك ولو جئتك ﴿بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ برهان واضح يبين صدق دعواي.
[٣١] ﴿قَالَ﴾ فرعون: ﴿فَأْتِ بِهِ﴾ فإنا لا نسجنك حينئذ.
﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في أن لك بينة.
...
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ حية عظيمة، روي أنها ارتفعت قدر ميل، ثم انحطت إلى فرعون وهي تقول: مرني يا موسى بما شئت، وفرعون يقول: بالذي أرسلَكَ إلا أخذْتَها فعادت عصا (١).
...
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾.
[٣٣] فقال فرعون: هل غيرها؟ قال: نعم ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ من جيبه ﴿فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ﴾ ذات نور ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾ لها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق.
...
﴿قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿قَالَ﴾ فرعون ﴿لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ فائق في علم السحر.
[٣٥] ﴿يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ أغراهم به في قوله: ﴿يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ﴾ ثم استشارهم في أمره.
...
﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿قَالُوا﴾ يعني: الملأ: ﴿أَرْجِهْ﴾ أخره ﴿وَأَخَاهُ﴾ المعنى: اترك التعرض له بالقتل. قرأ ابن كثير، وهشام عن ابن عامر: (أَرْجِئْهُو) بالهمز وضم الهاء ووصلها بواو، وابن ذكوان عن ابن عامر: بالهمز، ويكسر الهاء ولا يصلها بياء، وأبو عمرو، ويعقوب: بالهمز والضم من غير صلة، والباقون: بغير همز، ثم نافع برواية ورش، والكسائي، وخلف: يشبعون الهاء كسرًا، ويسكنها عاصم وحمزة، ويختلسها أبو جعفر وقالون، وتقدم ذكر ذلك في حرف الأعراف [الآية: ١١١].
﴿وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ﴾ هي مدائن الصعيد من نواحي مصر.
﴿حَاشِرِينَ﴾ جماعة يحشرون الناس؛ أي: يجمعونهم، وهم الشُّرَط.
...
﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ يفضلون عليه في هذا الفن. واتفق القراء على هذا الحرف أنه (سحَّار) على وزن فعَّال بتشديد الحاء وألف بعدها؛ لأنه جواب لقول فرعون فيما استشارهم فيه من أمر موسى بعد قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾، فأجابوه بما هو أبلغ من قوله؛ رعاية
قرأ أبو عمرو، والكسائي من رواية الدوري: (سَحَّارٍ) بالإمالة أيضًا (١)، واختلف عن ابن ذكوان، وروي عن ورش وحمزة (٢): الإمالة بين بين، وقرأ الباقون: بالفتح (٣).
...
﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ وهو يوم الزينة، وهو عيد كان لهم يتزينون ويجتمعون فيه كل سنة، قال ابن عباس: "وافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة، وهو يوم النيروز" (٤).
...
﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾ حث للناس على الاجتماع.
...
(٢) "حمزة" زيادة من "ت".
(٣) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٠٨)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٣١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣١٠).
(٤) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٣٥٧).
[٤٠] ﴿لَعَلَّنَا﴾ لكي ﴿نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ لموسى.
...
﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا﴾ أي: تجعل لنا جعلًا.
﴿إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ لموسى. قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ورويس عن يعقوب: (أَيِنَّ) بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية بين بين؛ أي: بين الهمزة والياء، وفصل بين الهمزتين بألف: أبو عمرو، وأبو جعفر، وقالون، واختلف عن هشام، وقرأ الكوفيون، وابن عامر، وروح عن يعقوب: بتحقيق الهمزتين (١).
...
﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ وعدهم فرعون بالإحسان إليهم بشرط غلبة موسى. قرأ الكسائي: (نَعِمْ) بكسر العين، والباقون: بنصبها (٢).
...
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١١٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣١١).
[٤٣] ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ أي: بعدما قالوا له: ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ [الأعراف: ١١٥].
...
﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا﴾ حالفين.
﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ والقسم بغير الله من أقسام الجاهلية، قال - ﷺ -: "لا تحلفوا بآبائكم وأمهاتكم، ولا بالطواغيت، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون" (١).
...
﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ﴾ تتبع ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ ما يزورون ويخيلون أن حبالهم وعصيهم حيات. قرأ حفص عن عاصم: (تَلْقَفُ) بإسكان اللام مع تخفيف القاف، وقرأ الباقون: بفتح اللام مع تشديد القاف، وقرأ البزي: بتشديد التاء وصلًا؛ كأنه أراد: تتلقَّفُ، فأدغم (٢).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٧١)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٢)، =
[٤٦] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾ وإنما يدل الخرور بالإلقاء ليشاكل ما قبله، ويدل على أنهم لما رأوا ما رأوا، لم يتمالكوا أنفسهم، فكأنهم أخذوا فطرحوا على وجوههم.
...
﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
...
﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ قال عكرمة: أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء (١)، فالمغرور من اعتمد على شيء من أعماله وأقواله وأحواله.
...
﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ تقدم تفسير نظيرها، واختلاف القراء في الهمزتين في سورة طه.
(١) انظر: "تفسير ابن كثير" (٣/ ١٦٠)، و"الدر المنثور" للسيوطي (٦/ ٥١٣).
[٥٠] ﴿قَالُوا لَا ضَيْرَ﴾ أي: لا ضرر علينا بما تصنع بنا. قرأ حمزة: (لاَ ضَيْرَ) بالمد؛ بحيث لا يبلغ الإشباع (١) ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ﴾ فيثيبنا.
...
﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)﴾.
[٥١] ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا﴾ أي: لأن كنا.
﴿أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ في زماننا.
...
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير: (أَنِ اسْرِ) بوصل الألف ويكسرون النون من (أن) للساكنين وصلًا؛ كان سرى (٢) يسري (٣)، ويبتدئون بكسر الهمزة، وقرأ الباقون: بقطع الهمزة مفتوحة وحمزة يسكت على الساكن قبل الهمز؛ لبيان الهمز وتحقيقه (٤) ﴿بِعِبَادِي﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر: (بِعِبَادِيَ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (٥).
(٢) في "ت": "سري".
(٣) "يسري" ساقطة من "ت".
(٤) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٢٥)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٩٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣١٢).
(٥) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٧٤)، و"التيسير" للداني (ص: ١٦٧)، =
...
﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ﴾ حين أخبر بسراهم.
﴿فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ أي: جامعين الناس.
...
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤)﴾.
[٥٤] وقال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ﴾ أي: طائفة.
﴿قَلِيلُونَ﴾ ومنه: ثوب شراذم؛ أي: بالٍ منقطع، وكانت الشرذمة ست مئة وسبعين ألفًا، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.
...
﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥)﴾.
[٥٥] ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ مغضِبون، والغيظ: أشد الغضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه.
...
[٥٦] ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ قرأ الكوفيون، وابن ذكوان عن ابن عامر: (حَاذِرُونَ) بألف بعد الحاء؛ أي: تامُّو الأسلحة، وقرأ الباقون: بحذف الألف؛ أي: متيقظون (١).
...
﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧)﴾.
[٥٧] ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين كانت ممتدة على حافتي النيل.
﴿وَعُيُونٍ﴾ من الماء. قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر (٢)، وابن ذكوان: (وَعِيُونٍ) بكسر العين حيث وقع، والباقون: بضمها (٣).
...
﴿وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨)﴾.
[٥٨] ﴿وَكُنُوزٍ﴾ وهي أموالهم الظاهرة من الذهب والفضة، سميت كنوزًا؛ لأنها لم يُعط منها حقُّ الله تعالى.
﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ أي: المنازل الحسنة والمجالس البهية.
...
(٢) "وأبو بكر" زيادة من "ت".
(٣) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٢٦)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٣٢ - ٣٣٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣١٤).
[٥٩] ﴿كَذَلِكَ﴾ كما وصفنا ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا﴾ بهلاكهم.
﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وذلك أن الله تعالى ردهم إلى مصر بعد غرق فرعون وقومه، وخولهم في أموالهم ومساكنهم.
...
﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠)﴾.
[٦٠] ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ﴾ أي: لحقوهم القبط.
﴿مُشْرِقِينَ﴾ عند شروق الشمس وإضاءتها.
...
﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١)﴾.
[٦١] ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ أي: رأى كل الآخر. قرأ حمزة، وخلف: (تَرَاءَى) بإمالة فتحة الراء حالة الوصل، وأما إذا وقفا، أمالا الراء والهمزة جميعًا، ومعهما الكسائي في الهمزة فقط، وأما ورش: على أصله فيهما بين بين؛ بخلاف عنه (١).
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ سيدركنا قوم فرعون، ولا طاقة لنا بهم.
...
[٦٢] ﴿قَالَ﴾ موسى ثقةً بوعد الله إياه: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ طريق النجاة. قرأ حفص عن عاصم: (مَعِيَ) بفتح الياء (١)، وقرأ يعقوب: (سَيَهْدِينِي) بإثبات الياء (٢).
...
﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣)﴾.
[٦٣] ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ ولما وصل موسى إلى البحر، جاء بموج كالجبال، فقال يوشع: يا مكلم الله! أين أمرت؟ فقال: هاهنا، فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه، ثم أقحمه اللج، فارتسب في البحر، وأراد بقيتهم أن يفعلوا مثله فلم يقدروا (٣) ﴿فَانْفَلَقَ﴾ ماء البحر بعد أن ضربه، فانشق اثني عشر طريقًا لاثني عشر سبطًا.
﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ﴾ أي: كل جزء من البحر ﴿كَالطَّوْدِ﴾ أي: الجبل.
﴿الْعَظِيمِ﴾ وهو بحر القلزم، وتقدم ذكره ومحله في سورة البقرة عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ [الآية: ٥٠]، وروي (٤) أن
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٣٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣١٦).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (٣/ ٣٥٧).
(٤) في "ت": "روي".
...
﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤)﴾.
[٦٤] ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾ قَرَّبنا ﴿ثَمَّ﴾ حيث انفلق البحر.
﴿الْآخَرِينَ﴾ هم القبط، جمعناهم في البحر حتى غرقوا.
...
﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥)﴾.
[٦٥] ﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ﴾ من الغرق.
...
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦)﴾.
[٦٦] ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ يعني: فرعون وقومه.
...
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧)﴾.
[٦٧] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: إهلاك القبط ﴿لَآيَةً﴾ عبرة للمعتبرين.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾ أي: المصريين ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ قالوا: لم يكن فيهم
...
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨)﴾.
[٦٨] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في انتقامه من أعدائه.
﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين حين أنجاهم.
...
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩)﴾.
[٦٩] ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ﴾ على مشركي العرب.
﴿نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ﴾ قرأ الكوفيون، وابن عامر، وروح عن يعقوب: (نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ) بتحقيق الهمزتين، والباقون: بتحقيق الأولى، وتسهيل الثانية (١).
...
﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠)﴾.
[٧٠] ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ﴾ استفهام بمعنى التقرير.
...
﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١)﴾.
[٧١] ﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا﴾ والصنم: ما كان على صورة ابن آدم من حجر أو غيره.
...
﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢)﴾.
[٧٢] ﴿قَالَ﴾ إبراهيم.
﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ﴾ أي: يسمعون دعاءكم ﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾.
...
﴿أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)﴾.
[٧٣] ﴿أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ﴾ إن عبدتموهم ﴿أَوْ يَضُرُّونَ﴾ إن تركتم عبادتهم.
...
﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤)﴾.
[٧٤] فلما عجزوا عن الجواب ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ فقلدناهم.
...
﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥)﴾.
[٧٥] ﴿قَالَ﴾ إبراهيم: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾.
***
[٧٦] ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ﴾.
﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧)﴾.
[٧٧] ﴿فَإِنَّهُمْ﴾ أي: أصنامكم ﴿عَدُوٌّ لِي﴾ أي: أعداء، ووحَّده على معنى: أن كل معبود لكم عدو لي، وقوله: (عَدُوٌّ لِي) دون (لكم) زيادة نصح وتأدب؛ ليكون أعطف لقلوبهم، وأسرع لها إلى إيمانهم.
﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ استثناء منقطع؛ كأنه قال: فإنهم عدو لي، لكن رب العالمين وليي. قرأ نافع، وأبو جعفر، وأبو عمرو: (عَدُوٌّ لِيَ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (١).
...
﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)﴾.
[٧٨] ثم وصف معبوده فقال: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي﴾ مبتدأ، خبره:
﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ إلى إصلاح الدارين.
...
﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩)﴾.
[٧٩] ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ تعديد للنعمة في الرزق.
...
[٨٠] ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ من مرضي، وأسند إبراهيم المرض إلى نفسه، والشفاء إلى الله عز وجل، وهذا أحسن الأدب في العبارة، والكل من عند الله؛ كالخضر حين قال في العيب: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩]، وفي الخير: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢].
...
﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١)﴾.
[٨١] ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ أدخل (ثم) هنا للتراخي؛ أي: يميتني في الدنيا، ثم يحييني في الآخرة. قرأ يعقوب: (يَهْدِينِي) (يَسْقِيني) (يَشْفِينِي) (يُحْيِينِي) بإثبات الياء في الأربعة في الحالين، والباقون: بحذفها فيهما (١).
...
﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)﴾.
[٨٢] ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ أي: خطاياي يوم الجزاء، وهي قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩]، وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنياء: ٦٣]، وقوله لسارة: هذه أختي، وقوله للكوكب (٢): ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦]، وعلق المغفرة بيوم الدين، وإن
(٢) في "ت": "للكواكب".
...
﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣)﴾.
[٨٣] ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا﴾ نبوة.
﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ بآبائي المرسلين.
...
﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)﴾.
[٨٤] ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ﴾ ثناء حسنًا ﴿فِي الْآخِرِينَ﴾ في الأمم بعدي، فأعطاه الله ذلك، فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه.
...
﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥)﴾.
[٨٥] ﴿وَاجْعَلْنِي﴾ وارثًا ﴿مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ في الآخرة، وتقدم معنى الوراثة فيها (١) في أول سورة المؤمنون.
...
﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦)﴾.
[٨٦] ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ وقال هذا قبل أن يتبين له أنه
...
﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)﴾.
[٨٧] ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ يعني: العباد.
...
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨)﴾.
[٨٨] وتبدل منه ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾ أي: لا ينفعان أحدًا.
...
﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)﴾.
[٨٩] ﴿إِلَّا﴾ استثناء منقطع؛ أي: لكن.
﴿مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ من الشرك.
...
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠)﴾.
[٩٠] ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ﴾ قُربت ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ فنظروا إليها.
...
[٩١] ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾ أُظهرت.
﴿لِلْغَاوِينَ﴾ الكافرين، فيرونها مكشوفة، ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها.
...
﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢)﴾.
[٩٢] ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ يوم القيامة: ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾.
...
﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣)﴾.
[٩٣] ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ من الآلهة ﴿هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ﴾ بدفع العذاب عنكم.
﴿أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ بدفعه عن أنفسهم؟
...
﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤)﴾.
[٩٤] ﴿فَكُبْكِبُوا﴾ أُلقوا على رؤوسهم ﴿فِيهَا﴾ في النار.
﴿هُمْ﴾ أي: الآلهة ﴿وَالْغَاوُونَ﴾ الكفار.
...
﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)﴾.
[٩٥] ﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ﴾ أتباعه ﴿أَجْمَعُونَ﴾ ومن أطاعه من الجن والإنس.
***
[٩٦] ﴿قَالُوا﴾ أي: الداخلون فيها.
﴿وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ يخاصم بعض بعضًا.
...
﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧)﴾.
[٩٧] ويقول العابدون للمعبودين: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
...
﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)﴾.
[٩٨] ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ﴾ نعدلكم في العبادة ﴿بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فنعبدكم.
...
﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (٩٩)﴾.
[٩٩] ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ﴾ أي: رؤساؤهم الذين اقتدوا بهم؛ كإبليس والشياطين وقابيل؛ لأنه أول من سن القتل، وعمل بالمعاصي.
...
﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠)﴾.
[١٠٠] فثم تشفع الملائكة والأنبياء والمؤمنون في أصدقائهم، فيقول المشركون تأسفًا: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ أي: من يشفع لنا؟
***
[١٠١] ﴿وَلَا صَدِيقٍ﴾ هو من صدقك مودته ﴿حَمِيمٍ﴾ قريب خاص، وحامَةُ الرجل: خاصته، قال - ﷺ -: "إن الرجل ليقول في الجنة: ما فعل صديقي فلان؟ وصديقُه في الجحيم، فيقول الله تعالى: أخرجوا له صديقه إلى الجنة" (١)، قال الحسن: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين؛ فإن لهم شفاعة يوم القيامة (٢).
...
﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢)﴾.
[١٠٢] فلما أيسوا من الشفاعة قالوا: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ رجعة إلى الدنيا.
﴿فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: فنؤمن؛ ليشفع لنا، و (لو) هنا بمعنى ليت.
...
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣)﴾.
[١٠٣] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: فيما ذكر من قصة إبراهيم.
﴿لَآيَةً﴾ عظة لمن يعتبر بها.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾ يعني: قومه ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ به.
...
(٢) ذكره البغوي في "تفسيره" (٣/ ٣٦٤).
[١٠٤] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الذي لا يغلب ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالإمهال.
...
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)﴾.
[١٠٥] ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ القوم مؤنثة من حيث الـ (قوم): الأمة والجماعة، ولذلك تصغر على قويمة، وجمع (المرسلين)، وإن كانوا واحدًا؛ لأن من كذب رسولًا واحدًا، فقد كذب جميع المرسلين.
...
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٠٦)﴾.
[١٠٦] ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ﴾ في النسب، لا في الدين.
﴿نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ الله، فتتركوا عبادة غيره؟!
...
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧)﴾.
[١٠٧] ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ على الوحي.
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨)﴾.
[١٠٨] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ بطاعته ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ فيما آمركم به من الإيمان.
***
[١٠٩] ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي: على الدعاء والنصح.
﴿مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ﴾ ثوابي ﴿إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قرأ يعقوب: (وَأَطِيعُوني) بإثبات الياء، والباقون: بحذفها (١)، وكذلك في الأحرف السبعة بعد، وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب: (أَجْرِي) بإسكان الياء، والباقون: بفتحها (٢)، وكذلك في الأحرف الأربعة بعد.
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠)﴾.
[١١٠] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ كرره تأكيدًا.
...
﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)﴾.
[١١١] ﴿قَالُوا﴾ إنكارًا عليه: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ﴾ أي: وقد اتبعك ﴿الْأَرْذَلُونَ﴾ جمع الأرذل؛ يعني: السفلة، سموا بذلك؛ لاتضاع حِرفهم؛ كالحجامة والحياكة، وهذا لا يضر بالديانات، فكأنهم قالوا: إنما آمنوا لحقارتهم. قرأ يعقوب: (وَأَتْبَاعُكَ) بقطع الهمزة وإسكان التاء مخففة وضم
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٣٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٢٠).
...
﴿قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢)﴾.
[١١٢] ﴿قَالَ﴾ نوح: ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ المراد: انتفاء عليه بإخلاص أعمالهم، واطلاعه على سرائرهم.
...
﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣)﴾.
[١١٣] ﴿إِنْ حِسَابُهُمْ﴾ ما جزاؤهم.
﴿إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ لما عبدتموهم.
...
﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤)﴾.
[١١٤] ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ جواب لما أوهم قولهم من استدعاء طردهم، وتوقيف إيمانهم عليه.
...
﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥)﴾.
[١١٥] ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي: وما أنا إلا رجل مبعوث لإنذار المكلفين عن الكفر والمعاصي، سواء كانوا أعزاء أو أذلاء. قرأ قالون عن
...
﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦)﴾.
[١١٦] ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ﴾ عما تقول.
﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ أي: المقتولين.
...
﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧)﴾.
[١١٧] ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾ قرأ يعقوب: (كَذَّبُونِي) بإثبات الياء، والباقون: بحذفها (٢).
...
﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨)﴾.
[١١٨] ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا﴾ فاحكم بيني وبينهم حكمًا.
﴿وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ من قصدهم. قرأ ورش، وحفص: (مَعِيَ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (٣).
...
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٣٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٢١).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٧٤)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٣٣)، و "معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٢١).
[١١٩] ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ أي: المملوء من الناس والطير والحيوان كلها.
...
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (١٢٠)﴾.
[١٢٠] ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ﴾ أي: أغرقنا بعد إنجاء نوح وأهله من بقي من قومه.
...
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١)﴾.
[١٢١] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
...
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢)﴾.
[١٢٢] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ تقدم تفسير نظيرها.
...
﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)﴾.
[١٢٣] ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ﴾.
...
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤)﴾.
[١٢٤] ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ﴾ يعني: في النسب، لا في الدين.
﴿أَلَا تَتَّقُونَ﴾؟
[١٢٥] ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ على الرسالة.
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦)﴾.
[١٢٦] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
...
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢٧)﴾.
[١٢٧] ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
...
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨)﴾.
[١٢٨] ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ﴾ هو المكان المرتفع ﴿آيَةً﴾ علامة.
﴿تَعْبَثُونَ﴾ بمن مر بكم؛ لأنهم كانوا يبنون الغرف في الأماكن العالية؛ ليشرفوا على المارة، فيسخرون منهم، ويعبثون بهم.
...
﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩)﴾.
[١٢٩] ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ﴾ أي: حصونًا، وقيل: مصانع الماء تحت الأرض ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أي: كأنكم تبقون فيها خالدين لا تموتون، وقال ابن زيد: (لعل) استفهامٌ بمعنى التوبيخ؛ أي: فهل تخلدون حتى تبنوها؟
[١٣٠] ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ﴾ أَخذتم وسَطَوتم ﴿بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ قتلًا بالسيف، وضربًا بالسوط، والبطش: الأخذ بعنف، والجبار: الذي يضرب ويقتل على الغضب. قرأ ورش عن نافع، والدوري عن الكسائي: (جَبَّارِينَ) بالإمالة؛ بخلاف عن الأول (١).
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١)﴾.
[١٣١] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
...
﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢)﴾.
[١٣٢] ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: أعطاكم من الخير ما تعلمون.
...
﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣)﴾.
[١٣٣] ثم ذكر ما أعطاهم فقال: ﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ﴾.
...
﴿وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤)﴾.
[١٣٤] ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿وَعُيُونٍ﴾ أنهار.
[١٣٥] ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ إن عصيتموني ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ في الدنيا والآخرة.
...
﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (١٣٦)﴾.
[١٣٦] ﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ سووا بين وعظه وتركه، والوعظ: كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد.
...
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)﴾.
[١٣٧] ثم قالوا: ﴿إِنْ هَذَا﴾ أي: ما هذا ﴿إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ﴾ قرأ أبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو (١)، ويعقوب، والكسائي: بفتح الخاء وإسكان اللام؛ أي: اختلاق الأولين وكذبهم (٢)، وقرأ الباقون: بضم الخاء واللام؛ أي: عادة الأولين من قبلنا (٣).
...
(٢) "وكذبهم" زيادة من "ت".
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٧٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١٦٦)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٣٦٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٣٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٢٢).
[١٣٨] وأمرهم أنهم يعيشون ما عاشوا، ثم يموتون، ولا بعث ولا حساب.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ على ما نحن عليه.
...
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)﴾.
[١٣٩] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾ بريح صرصر ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
...
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)﴾.
[١٤٠] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ تلخيصه: أن هودًا أنذر قومه، ووعظهم، فلم يتعظوا، فأهلكوا.
...
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١)﴾.
[١٤١] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ﴾.
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٤٢)﴾.
[١٤٢] ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.
***
[١٤٣] ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾.
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤)﴾.
[١٤٤] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
...
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٤٥)﴾.
[١٤٥] ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
...
﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (١٤٦)﴾.
[١٤٦] ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ﴾ أي: في الدنيا.
﴿آمِنِينَ﴾ من الموت والعذاب.
...
﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧)﴾.
[١٤٧] ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾.
...
﴿وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (١٤٨)﴾.
[١٤٨] ﴿وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ﴾ عطفها على (جَنَّاتٍ) مع أن الجنة تعم النخل
﴿هَضِيمٌ﴾ لطيف لين، ويوصف بهضيم ما دام في كُفَرَّاه، والكُفَرُّ -بضم الكاف وفتح الفاء وتشديد الراء-: كم النخل؛ لأنه يستر في جوفه.
...
﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (١٤٩)﴾.
[١٤٩] ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ قرأ الكوفيون، وابن عامر: (فَارِهِينَ) بألف بعد الفاء؛ أي: حاذقين، وقرأ الباقون: بغير ألف؛ أي: بَطرين.
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠)﴾.
[١٥٠] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ فإن في طاعتي طاعةَ الله تعالى.
...
﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١)﴾.
[١٥١] ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ المشركين.
...
﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (١٥٢)﴾.
[١٥٢] ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ بالمعاصي والكفر (١).
...
﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣)﴾.
[١٥٣] ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ المسحر: الذي سُحِر كثيرًا حتى غلب على عقله.
...
﴿مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤)﴾.
[١٥٤] ﴿مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ تأكل الطعام، وتشرب الشراب، ولست بملك.
﴿فَأْتِ بِآيَةٍ﴾ على صحة ما تقول.
﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أنك رسول الله إلينا.
...
﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥)﴾.
[١٥٥] ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ﴾ أي: بعد ما أخرجها الله من الصخرة بدعائه كما اقترحوها.
﴿لَهَا شِرْبٌ﴾ نصيب من الماء ﴿وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ فاقتصروا على شربكم، فكانت تشرب جميع الماء يومًا، ويشربون يومًا (١). فيه دليل على جواز قسمة المنافع بالمهايأة؛ لأن قوله: ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ﴾ من
...
﴿وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦)﴾.
[١٥٦] ﴿وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ كضرب وعقر.
﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ عظم اليوم لعظم ما يحل فيه.
...
﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (١٥٧)﴾.
[١٥٧] روي أن عاقرها قال: لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين، فاستؤذن صغارهم وكبارهم، فرضوا (١) ﴿فَعَقَرُوهَا﴾ أسند العقر إلى كلهم؛ لأنهم رضوا بذلك، فأُخذوا جميعًا ﴿فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾ على عقرها؛ خوفًا من نزول العذاب، لا ندمَ توبة.
...
﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨)﴾.
[١٥٨] ﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ﴾ الموعود ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
[١٥٩] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
...
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠)﴾.
[١٦٠] ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ﴾.
...
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٦١)﴾.
[١٦١] ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.
...
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢)﴾.
[١٦٢] ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾.
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣)﴾.
[١٦٣] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
...
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٤)﴾.
[١٦٤] ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
***
[١٦٥] ثم استفهم منكرًا فقال: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ من جميع الناس، عبر عن الفاحشة بالإتيان؛ كما عبر به عن الحلال في قوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، المعنى: أتطؤون الذكور من الناس، مع كثرة إناثهم؟!
...
﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (١٦٦)﴾.
[١٦٦] ﴿وَتَذَرُونَ﴾ وتتركون ﴿مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ لأجل استمتاعكم.
﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ متجاوزون الحلال إلى الحرام.
...
﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧)﴾.
[١٦٧] ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ﴾ عن إنكارك علينا.
﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ من قريتنا.
...
﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (١٦٨)﴾.
[١٦٨] ﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ﴾ المبغضين.
***
[١٦٩] ثم دعا فقال: ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾ من العمل الخبيث؛ أي: من شؤمه وعذابه.
﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠)﴾.
[١٧٠] ﴿فَنَجَّيْنَاهُ﴾ فعصمناه ﴿وَأَهْلَهُ﴾ من العذاب ﴿أَجْمَعِينَ﴾.
﴿إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٧١)﴾.
[١٧١] ﴿إِلَّا عَجُوزًا﴾ هي امرأته ﴿فِي الْغَابِرِينَ﴾ الباقين في العذاب، تقديره: إلا عجوزًا مقدَّرًا غبورها أهلكناها؛ لأنها كانت معينة على الفاحشة، راضية بها، والاستثناء من الأهل؛ لأن الزوجة منهم.
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢)﴾.
[١٧٢] ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ﴾ أي: أهلكناهم.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣)﴾.
[١٧٣] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ على شُذَّاذهم ومسافريهم ﴿مَطَرًا﴾ حجارة.
﴿فَسَاءَ﴾ أي: فقبح ﴿مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ مطرُهم.
***
[١٧٤] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
...
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥)﴾.
[١٧٥] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
...
﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦)﴾.
[١٧٦] ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وابن عامر: (لَيْكَةَ) بلام مفتوحة من غير ألف وصل قبلها، ولا همزة بعدها، وبفتح تاء التأنيث في الوصل مثل طلحةَ، وكذلك رسم في جميع المصاحف، وقرأ الباقون: بألف الوصل مع إسكان اللام وهمزة مفتوحة بعدها وخفض تاء التأنيث، وحمزة: على أصله يقف على الساكن قبل الهمز، وورش: ينقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وحمزة: له النقل إذا وقف بخلاف عنه؛ فـ (أَيْكَة) اسم نكرة لشجر كثير ملتفّ، ثم دخله التعريف، و (لَيْكَة) أيضًا غير مصروف؛ لتعريفه وتأنيثه: اسم علم لبلد، أو شجر (١)، وتقدم ذكر الأيكة ومحلها في سورة الأعراف، فمن قرأ: (الأَيْكَةِ) أراد: الشجر، ومن قرأ: (لَيْكَة) أراد: البلد كما تقول فيمن صرف ثمود
...
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٧٧)﴾.
[١٧٧] ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ وإنما لم يقل في شعيب: أخوهم؛ لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب، وإنما أُرسل إليهم بعد مدين، وكان من أصحاب مدين، فلما ذكر مدين، قال: أخاهم شعيبًا في سورتي الأعراف، وهود، وفي الحديث: "إن شعيبًا أخا مدين أُرسل إلى أصحاب مدينَ، وإلى أصحابِ الأيكةِ" (١).
...
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨)﴾.
[١٧٨] ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾.
...
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩)﴾.
[١٧٩] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
[١٨٠] ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وإنما كانت دعوة الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة؛ لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة، والامتناع من أخذ الأجر على تبليغ الرسالة.
...
﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١)﴾.
[١٨١] وكان أصحاب الأيكة يطففون، فقال: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ أتموه.
﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾ الناقصين لحقوق الناس.
...
﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢)﴾.
[١٨٢] ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ بميزان العدل. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (بِالْقِسْطَاسِ) بكسر القاف، والباقون: بضمها (١).
...
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣)﴾.
[١٨٣] ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ لا تنقصوا شيئًا من حقوقهم.
...
﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤)﴾.
[١٨٤] ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ يعني: الأمم المتقدمين، والجبلة: الخلق، يقال: جُبل؛ أي: خُلق.
...
﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥)﴾.
[١٨٥] ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾.
...
﴿وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦)﴾.
[١٨٦] ﴿وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ تقدم تفسير نظيره، وأتوا بالواو؛ للدلالة على أنه جامع بين وصفين منافيين للرسالة؛ مبالغةً في تكذيبه.
﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في دعواك.
...
﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧)﴾.
[١٨٧] ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ قرأ حفص عن عاصم: (كِسَفًا) بفتح السين؛ أي: قطعًا، وقرأ الباقون: بالإسكان؛ أي: قطعة (١)، واختلافهم في الهمزتين من (السَّمَاءِ إِنْ)
...
﴿قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨)﴾.
[١٨٨] ﴿قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فهو مجازيكم بأعمالكم. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو: (رَبِّيَ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (١).
...
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩)﴾.
[١٨٩] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ هو أنه أصابهم حر شديد، وكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرًّا، فخرجوا، فجاءتهم سحابة، فدخلوا تحتها يستظلون، فأمطرت عليهم نارًا، فاحترقوا ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
...
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠)﴾.
[١٩٠] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
...
[١٩١] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ هذا آخر القصص السبع المذكورة؛ تسلية لرسول الله - ﷺ -، وتهديدًا للمكذبين به، وكرر في هذه القصة ما كرره في غيرها تقريرًا لمعانيها في الصدور؛ ليكون أبلغ في الوعظ والزجر.
...
﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢)﴾.
[١٩٢] ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: القرآن المنزل ﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
...
﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)﴾.
[١٩٣] ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ هو جبريل -عليه السلام-؛ لأنه أمين على الوحي. قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف، وأبو بكر عن عاصم: (نَزَّلَ) بتشديد الزاي ونصب (الرُّوحَ الأمينَ) مفعولًا، الفاعل الله تعالى؛ أي: نزل الله به جبريل -عليه السلام-؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وقرأ الباقون: بالتخفيف، ورفعهما الفاعل (الرُّوحُ الأَمِين) (١).
...
[١٩٤] ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ يا محمد حتى وعيته.
﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ المخوِّفين.
...
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾.
[١٩٥] ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ قال ابن عباس: "بلسان قريش؛ ليفهموا ما فيه" (١)، المعنى: لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان، وهم خمسة: هود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.
...
﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)﴾.
[١٩٦] ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: ذكر إنزال (٢) القرآن.
﴿لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ لمثبتٌ في كتب الأنبياء قبلك.
...
﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧)﴾.
[١٩٧] ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ على صحة القرآن، ونبوة محمد - ﷺ - ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ قرأ ابن عامر: (تَكُنْ) بالتاء
(٢) "إنزال" زيادة من "ت".
...
﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨)﴾.
[١٩٨] ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ﴾ يعني: القرآن ﴿عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴾ جمع أعجم، وهو الذي لا يُفصح، ولا يحسن العربية، وإن كان عربيًّا في النسب، والعجمي: المنسوب للعجم، وإن كان فصيحًا.
ومعنى الآية: ولو نزلناه على رجل ليس بعربي اللسان.
...
﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩)﴾.
[١٩٩] ﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ﴾ بغير لغة العرب ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾.
...
(٢) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (٦/ ٣٥٧).
[٢٠٠] وقالوا: ما نفقه قولك ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ﴾ أي: أدخلنا الشك والشرك ﴿فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾.
...
﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٢٠١)﴾.
[٢٠١] ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بالقرآن ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ عند الموت.
...
﴿فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٢٠٢)﴾.
[٢٠٢] ﴿فَيَأْتِيَهُمْ﴾ فيأخذهم ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة.
﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ به في الدنيا.
...
﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣)﴾.
[٢٠٣] ﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ مؤخَّرون؛ لنؤمن ونصدق، يتمنون الرجعة.
...
﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤)﴾.
[٢٠٤] ولما أوعدهم النبي - ﷺ - بالعذاب، قالوا: إلى متى توعدنا بالعذاب، ومتى هذا العذاب؟! فنزل قوله تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾
...
﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥)﴾.
[٢٠٥] ثم خاطبَ النبيَّ - ﷺ -؛ لإقامة الحجة عليهم في أن مدة الإرجاء والإمهال والإملاء لا تغني مع نزول العذاب بعدها، ووقوع النقمة، وذلك في قوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ﴾ كثيرة في الدنيا؛ يعني: كفار مكة، ولم نهلكهم. تقدم اختلاف القراء في (أَرَأَيْتَ) في سورة الفرقان عند تفسير قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الآية: ٤٣].
...
﴿ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦)﴾.
[٢٠٦] ﴿ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا﴾ يعني: العذاب.
...
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)﴾.
[٢٠٧] ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ لم يغن عنهم تمتُّعهم المتطاولُ بنعيم الدنيا في دفع العذاب عنهم.
...
﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨)﴾.
[٢٠٨] ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ﴾ رسل ينذرونهم.
***
[٢٠٩] ﴿ذِكْرَى﴾ محلها نصب؛ أي: ينذرونهم تذكرةً، وقيل: رفع؛ أي: تلك ذكرى ﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ في تعذيبهم؛ حيث قدمنا الحجة عليهم، وأعذرنا إليهم.
...
﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠)﴾.
[٢١٠] ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ﴾ أي: بالقرآن ﴿الشَّيَاطِينُ﴾ وذلك أن المشركين كانوا يقولون: إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد - ﷺ -، فنزلت الآية.
...
﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١)﴾.
[٢١١] ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ﴾ أن يتنزلوا بالقرآن ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ ذلك.
...
﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)﴾.
[٢١٢] ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ﴾ أي: عن استراقه من السماء.
﴿لَمَعْزُولُونَ﴾ أي: محجوبون بالشهب مرجومون.
...
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣)﴾.
[٢١٣] ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ قال ابن عباس:
...
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)﴾
[٢١٤] ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ فجمع - ﷺ - قومه، وقال: "إني نذيرٌ لكم بين يَدَي عذاب شديد" (٢).
...
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)﴾.
[٢١٥] ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾ أَلِنْ جانبك، وتواضَعْ.
﴿لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ من عشيرتك وغيرهم؛ فإن الفاسق والمنافق لا يُخفض له الجناح.
...
﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦)﴾.
[٢١٦] أي: خالفوك.
﴿فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والمعاصي.
...
(٢) رواه البخاري (٤٤٩٢)، كتاب: التفسير، باب: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، ومسلم (٢٠٨)، كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
[٢١٧] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ ليكفيك كيدَ الأعداء. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن عامر: (فَتَوَكَّلْ) بالفاء عطفًا على (فَقُلْ)، وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام، وقرأ الباقون: بالواو، وكذلك هو في مصاحفهم (١).
...
﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨)﴾.
[٢١٨] ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ للتهجُّد.
...
﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩)﴾.
[٢١٩] أي: ويرى تقلبك ﴿فِي السَّاجِدِينَ﴾ أي: تصفح أحوال المتهجدين من أصحابك، وعن ابن عباس قال: "من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيًّا" (٢).
...
﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)﴾.
[٢٢٠] ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لما تقوله ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما تنويه.
...
(٢) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (١/ ٢٤).
[٢٢١] ولما قال المشركون: إن الشيطان يلقي السمع (١) على محمد، نزل جواب قولهم: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾؟
...
﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)﴾.
[٢٢٢] ثم بين فقال: ﴿تَنَزَّلُ﴾ أي: تتنزل ﴿عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ﴾ كذاب.
﴿أَثِيمٍ﴾ مبالغة من آثم، وهم الكهنة الذين كانت تسرق الجن السمع فتلقيه إليهم. قرأ البزي: (تَّنزَّلُ) بتشديد التاء في الحرفين حالة الوصل (٢).
...
﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣)﴾.
[٢٢٣] ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ أي: يلقون إلى الكهنة ما يسمعون من الملائكة عند استراق السمع ﴿وَأَكْثَرُهُمْ﴾ أي: الكهنة.
﴿كَاذِبُونَ﴾ لأنهم كانوا يخلطون مع ما يستمعون (٣) كذبًا كثيرًا. جاء في الحديث: "الكلمةُ يخطَفُها الجني، فَيَقُرُّها في أذن وليه، فيزيد فيها أكثر من مئة كذبة" (٤).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٣٢ - ٢٣٤)، و"الغيث" للصفاقسي (ص: ٣١٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٣٠).
(٣) في "ش": "يسمعون".
(٤) رواه البخاري (٥٤٢٩)، كتاب: الطب، باب: الكهانة، ومسلم (٢٢٢٨)، كتاب: =
...
﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤)﴾.
[٢٢٤] ونزل في جماعة من الكفار كانوا يقولون الشعر، ويقولون: نحن نقول كما يقول محمد، واتبعهم غواة على ذلك ﴿وَالشُّعَرَاءُ﴾ مبتدأ، خبره:
﴿يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ السفهاء الذين يروون هجاء المسلمين. قرأ نافع: (يَتْبَعُهُمُ) بفتح الباء مخففًا، والباقون: بكسر الباء مشددًا (١).
...
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)﴾.
[٢٢٥] ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ﴾ تمثيل لذهابهم في كل فن من القول.
روي عن يعقوب وقنبل: الوقفُ بالياء على (وَادِي).
﴿يَهِيمُونَ﴾ يذهبون على غير قصد، كما يذهب الهائم على وجهه.
...
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٧٤)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٣١).
[٢٢٦] ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ﴾: فعلنا ﴿مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)﴾.
[٢٢٧] ولما نزلت هذه الآية، جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، ومن كان ينافح عن النبي - ﷺ -، وكان غالب شعرهم توحيدًا وذكرًا، فقالوا: يا رسول الله! قد نزل هذا، والله يعلم أنا شعراء، فقال - ﷺ -: "إنَّ المؤمنَ يجاهدُ بسيفه ولسانه، وإن الذي ترمونهم به نَضْحُ النبل" (١)، ونزل: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ استثناء لشعراء الإسلام ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ أي: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله تعالى.
﴿وَانْتَصَرُوا﴾ أي: بالرد على المشركين ﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ أي: هُجوا؛ لأن الكفار بدؤوهم بالهجاء، قال - ﷺ - لحسان: "اهجُ المشركين؛ فإن جبريلَ معك" (٢)، ثم أوعد شعراء المشركين فقال تعالى:
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أشركوا ﴿أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ أيَّ مرجعٍ يرجعون
(٢) رواه البخاري (٣٠٤١)، كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، ومسلم (٢٤٨٦)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل حسان بن ثابت -رضي الله عنه- عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-.
...