تفسير سورة الحاقة

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ الْحاقَّةُ * ما الْحاقَّةُ ﴾.
والحاقة [ ٢٠٤/ب ] : القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء، والعرب تقول : لما عرفت الحقة مني هربت، والحاقة. وهما في معنى واحد.
وَالحاقة : مرفوعة بما تعجبت منه من ذكرها، كقولك : الحاقة ما هي ؟ والثانية : راجعة على الأولى. وكذلك قوله :﴿ وأصْحابُ الْيَمِينِ ما أصْحابُ الْيَمِين ﴾ و﴿ القارِعَةُ، ما الْقَارِعَةُ ﴾ معناه : أي شيء القارعة ؟ فما في موضع رفع بالقارعة الثانية، والأولى مرفوعة بجملتها، والقارعة : القيامة أيضاً.
وقوله :﴿ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوما ﴾.
والحسوم : التِّباع إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوله عن آخره، قيل فيه : حسوم، وإنما أُخذ والله أعلم من حسم الداء إذا كُوي صاحبُه ؛ لأنه يكوى بمكواةٍ، ثم يتابع ذلك عليه.
وقوله :﴿ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ﴾. من بقاء، ويقال : هل ترى منهم باقياً ؟، وكل ذلك في العربية جائز حسن.
وقوله :﴿ وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ ﴾.
قرأها عاصم والأعمش وأهل المدينة :( ومن قَبله )، وقرأ طلحة بن مصرِّف والحسن، أو أبو عبد الرحمن شكّ الفراء :( ومن قِبَلهُ )، بكسر القاف. وهي في قراءة أبيّ :( وجاء فِرْعَوْنُ ومَن مَعَه )، وفي قراءة أبي موسى الأشعرى :«ومن لقاءه »، وهما شاهدان لمن كسر القاف ؛ لأنهما كقولك : جاء فرعون وأصحابه. ومن قال : ومن قَبْلَهُ : أراد الأمم العاصين قبله.
وقوله :﴿ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ﴾.
الذين ائتفكوا بخطئهم.
وقوله :﴿ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ﴾.
أخذة زائدة، كما تقول : أربيتَ إذا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول : قد أربيت فَرَبا رِباك.
وقوله :﴿ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً ﴾ لنجعل السفينة لكم تذكرة : عظة.
وقوله :﴿ وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾.
يقول : لتحفظها كل أذن ؛ لتكون عظة لمن يأتي بعد.
وقوله :﴿ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا ﴾
ولم يقلْ : فدككن ؛ لأنه جعل الجبال كالواحد وكما قال :﴿ أنّ السَّماواتِ والأَرْضَ كانَتَا رَتْقاً ﴾ ولم يقل : كنّ رتقا، ولو قيل في ذلك : وحملت الأرض والجبال فدكَّت لكان صوابا ؛ لأن الجبال والأرض كالشيء الواحد.
وقوله :﴿ دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾.
ودكُّها : زلزلتها.
وقوله :﴿ وَانشَقَّتِ السَّماء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴾ وَهْيُها : تشققها.
وقوله :﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ﴾ يقال : ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة.
وقوله :﴿ لاَ يخْفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾.
قرأها يحيى بن وثاب بالياء، وقرأها الناس بعد بالتاء ( لا تخفى )، وكلٌّ صواب، وهو مثل قوله :﴿ وأَخذَ الذينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ﴾. وأخذت.
وقوله :﴿ فَأَما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾.
نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد، كان مؤمنا، وكان أخوه الأسود كافرا، فنزل فيه :﴿ وَأَما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمالِهِ ﴾.
وقوله :﴿ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ أي : علمت، وهو مِن علم مالا يعايَن، وقد فسِّر ذلك في غير موضع.
وقوله :﴿ في عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾
فيها الرضاء، والعرب [ ٢١٦/ا ] تقول : هذا ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلا، وهو مفعول في الأصل، وذلك : أنهم يريدون وجه المدح أو الذم، فيقولون ذلك لا على بناء الفعل، ولو كان فعلا مصرحا لم يُقَل ذلك فيه، لأنه لا يجوز أن تقول للضارب : مضروب، ولا للمضروب : ضارب ؛ لأنه لا مدح فيه ولا ذم.
وقوله :﴿ يا لَيْتَها كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾.
يقول : ليت الموتة الأولى التي متها لم أحيَ بعدها.
وقوله :﴿ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ﴾.
ذكر أنها تدخل في دبر الكافر، فتخرج من رأسه، فذلك سَلْكُه فيها. والمعنى :
ثم اسلكوا فيه سلسلة، ولكن العرب تقول : أدخلت رأسي في القلنسوة، وأدخلتها في رأسي، والخاتَم يقال : الخاتم لا يدخل في يدي، واليد هي التي فيه تدخل من قول الفراء.
قال أبو عبد الله [ محمد بن الجهم ] : والخف مثل ذلك، فاستجازوا ذلك ؛ لأن معناه لا يُشكل على أحد، فاستخفوا من ذلك ما جرى على ألسنتهم.
وقوله :﴿ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ﴾ يقال : إنه ما يسيل من صديد أهل النار.
وقوله :﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ﴾ يقول : لو أن محمدا صلى الله عليه تقوّل علينا ما لم يؤمر به ﴿ لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴾، بالقوة والقدرة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٤:وقوله :﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ﴾ يقول : لو أن محمدا صلى الله عليه تقوّل علينا ما لم يؤمر به ﴿ لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴾، بالقوة والقدرة.
وقوله :﴿ فَما مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ﴾.
أحد يكون للجميع وللواحد، وذكر الأعمش في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( ألم تَحل الغنائم لأحد سُودِ الرءوس إلاّ لنبيكم صلى الله عليه وسلم )، فجعل : أحداً في موضع جمع. وقال الله جل وعز :﴿ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ فهذا جمع ؛ لأنّ بين لا يقع إلاّ على اثنين فما زاد.
Icon