بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المطففين ١ مكية ٢٢ ساقط من أ. وهذه السورة مكية في قول ابن مسعود والضحاك ويحيى بن سلام في تفسير الماوردي٤/٤١٨، وزاد القرطبي في تفسيره: ١٩/٢٥١ أنه قول مقاتل أيضاً. وهو قول ابن عباس وابن الزبير في الدر٨/٤٤١. وهي مدنية في قول الحسن وعكرمة ومقاتل في رواية أخرى عنه انظر: تفسير الماوردي٤/٤١٨ وتفسير القرطبي١٩/٢٥١..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ويل للمطففينمكية
- قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾، إلى قوله: ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
أي: قبوح للمخسرين في كيلهم، الناقصين (الناس) إذا اكتالوا لهم أو وزنوا لهم.
وقيل: ﴿وَيْلٌ﴾ معناه: الوادي [الذي] في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهلها للذين ينقصون الناس ويبخسونهم حقوقهم في كيلهم ووزنهم.
والمطففون: الناقصون. وأصل ذلك في الشيء الطفيف وهو القليل، التَّزْرُ.
والمطفف في اللغة: المُقَلِّلُ حَقَّ صاحبِ الحقِّ عَمَّا لَهُ من الوفاء في كيل أو وزن.
وحكى القتبي: " إناء [طفان] إذا لم يكن ممتلأ ".
وطفف فلان صلاته: إذا لم يجودها.
ويقال للشيء المطرح: طفيف.
وهذا الخبر يدل على أن السورة نزلت بالمدينة.
- وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ﴾.
أي: إذا اكتالوا من الناس ما لهم عليهم من حق استوفوا لأنفسهم وافياً.
وقيل: إن معنى الكلام بِ " عَلَى " خلاف معناه بِ " مِنْ " يقال: اكتلت عليك، بمعنى: أخذت ما عليك من حق. واكتلت منك، بمعنى: استوفيت/ منك.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾.
أي: وإذا [كالوا] للناس أو وزنوا لهم ينقصون، فَ " هم " في موضع نصب، على هذا يقال: كِلْتُكَ حَقَّكَ، وكِلْتُ لَكَ حَقَّكَ. وهو قول أكثر النحويين. ودل على ذلك أن الخط لا ألف فيه بين الضميرين. وقال عيسى بن عمر: الهاء والميم في موضع رفع فيهما، وتقديره عنده: وهم إذا كالوا أو وزنوا يخسرون.
وقيل: " هم " في موضع رفع تأكيد للمضمر [المرفوع] في
- ثم قال تعالى: ﴿أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
أي: ألا يظن المطففون أنهم مبعوثون ليوم القيامة من قبورهم فيجازون على تطفيفهم وبخسِهم الناس حقوقهم.
روي أنها نزلت في رجل من قريش كان بالمدينة معه صاعان: واف يقبض به، وناقص يعطي به، ثم هي عامة في كل من نقس الكيل إذا دفع وأوفى إذا قبض.
- قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين﴾، إلى قوله: ﴿كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾.
أي: يبعثون يوم يقوم.
ويجوز [أن يكون] بدلاً من ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ على الموضع.
روي أن الناس يقومون يوم القيامة حتى يلجمهم العرق، فيقومون مقدار أربعين عاماً.
وقيل: مقدار ثلاثمائة عام.
وروى ابن عمر [عن النبي ﷺ أَنَّهُ قال: " يَقْدُمُ أَحَدُكُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيْهِ " وروى أبو هريرة] أن النبي ﷺ قال لبشير الغفاري: " كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ
وعن ابن عمر أنه قال: " يقومون مائة سنة ".
وقال ابن مسعود: يمكثون أربعين عاماً رافعي رؤوسهم إلى السماء، لا يكلمهم أحد، قد ألجم العرق كل بر وفاجر. قال: [فينادي] مناد: أليس عدلاً من ربكم أنه خلقكم ثم صوركم (ثم رزقكم) ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد
وقال كعب: يقومون قدر ثلاثمائة سنة.
وروى عقبة بن عامر عن النبي ﷺ قال: " تَدْنُو الشَّمْسُ يَومَ القيامةِ من الأَرضِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْرَقُ إلى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى عَجْزِهِ، وَمنهم مَنْ يَعْرَقُ إلى خَاصِرَتِهِ، وَمِنْهم مَنْ يَعْرَقُ إلى مَنْكِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى عُنُقِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى نِصْفِ فَمِهِ مُلْحَماً بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بيَشْمَلُهُ] العَرَقُ " قال عمير [بن] هانئ: يحشر الناس يوم القيامة على أرض قد مدها [الله] تبارك وتعالى مد الأديم العُكَاظِي، فهم من ضيق مقامهم فيها كضيق سهام
﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: ١].
- ثم قال تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ﴾.
من جعل ﴿كَلاَّ﴾ وقفا، كان تقديره: ليس الأمر كما يظن هؤلاء الكفار أنهم غير مبعوثين، إن كتابهم الذي كتبت فيه أعمالهم في الدنيا لفي سجين.
ومن لم يره وقفا، جعل ﴿كَلاَّ﴾ بمعنى " أَلاَ "، افتتاح كلام.
و ﴿سِجِّينٍ﴾: الأرض السفلى، فيه أعمال الكفار وأرواحهم.
وروي أن إبليس موثق بالحديد والسلاسل في الأرض السفلى. (وسأل ابن عباس كعباً عن ﴿سِجِّينٍ﴾، فقال/: هي الأرض السابعة السفلى)، فيها أرواح الكفار تحت خد إبليس.
وقال ابن جبير: ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾: " تحت خد إبليس ".
وقال ابن أبي نجيح: ﴿سِجِّينٍ﴾ صخرة تحت الأرض السابعة، تقلب [فتجعل] تحتها.
وقال ابن عباس: " أعمالهم في كتاب في الأرض السفلى ".
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " الْفَلَقُ جُبٌّ في جَهَنَّمَ مُغَطَّى. وأما ﴿سِجِّينٍ﴾، فمفتوح ". يعني أنه جب مفتوح.
وقال أبو عبيد: ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾: لفي حبس. وهو فِعِّيلٌ من السجن.
وقيل: ﴿سِجِّينٍ﴾: هي الصخرة التي تحت الأرض السفلى وهو صفة، وليس باسم الصخرة، ولو كان اسماً لها لم تنصرف.
وروى البراء بن عازب أن النبي ﷺ قال: " إِنَّ العَبْدَ (الكَافِرَ - أَوْ) الفاجِرَ - إِذَا مَاتَ صَعِدُوا بِروحِهِ إلى السماءِ، فَيَقُولُ اللهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ -: اكْتُبُوا كِتَابَه في سَجِّينٍ. وَهِيَ الأَرْضُ السُّفْلَى ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾.
أي: وأي شيء أدراك يا محمد ما سجين؟! على التعظيم لأمره. ثم بَيَّنَ فقال: ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾. أي: مكتوب فيه عمل الكفار.
قال قتادة: مرقوم: مكتوب رُقِمَ لهم فيه بِشَرٍّ.
- ثم (قال تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
قد تقدم تفسيره في مواضع).
- ثم قال: ﴿الذين يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدين﴾.
أي: لا يؤمنون بالجزاء والبعث والنشور.
- ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ﴾.
..﴾ أي: كل من تعدى حدود الله. ﴿أَثِيمٍ﴾ أي: مأثوم في فعله.
﴿إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا...﴾. أي: حججنا وأدلتنا.
﴿قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين...﴾. أي: قال: هذه أخبار الأولين وأحاديثهم وما كتب عنهم وَسُطِّرَ.
- ثم قال تعالى: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.
﴿كَلاَّ﴾ عند أبي حاتم لا يوقف عليها. وهي بمعنى " أَلاَ " [و] بمعنى " حَقاً ".
ويوقف عليها عند غيره، على معنى: ليس الأَمْرُ على ما قال هؤلاء المكذبون بيوم الدين: إن آياتنا أساطير الأولين.
ثم ابتدأ فأخبر عَنْهُم ما نزل بهم حين كفروا بالبعث فقال: {بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا
يقال: رانت الخمرُ على عقله: إذا غلبت (عليه). وغَانَتْ بمعناه.
وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: " إِذَا أَذْنَبَ العَبْدُ نُكِتَ (فِي) قَلبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإن (تاب) صُقِلَ مِنْهَا، فإن عَادَ عَادَتْ حتى تَعْظُم فِي قَلْبِهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ ".
وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يَعْمَى القلب فيموت.
قال ابن زيد: ﴿بَلْ رَانَ﴾، أي: غلبت على قلوبهم ذنوبُهم، فلا يَخْلُصُ إليها معها خير.
- ثم قال تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾.
" كلا " عند أبي حاتم بمعنى " ألا ". ولا يوقف عليها.
ويوقف عليها عند غيره، على معنى: ليس الأمر كما يقول هؤلاء المكذبون بيوم الدين: إن لهم عند الله زلفة يوم القيامة لكنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، فلا يرونه ولا يرون شيئاً من كرامته.
قال مالك C: في هذا دليل على أن ثم قوماً لا يحجبون عن الله وينظرون إليه/.
وبه استدل الشافعي على النظر إلى الله تعالى يوم القيامة. وقد قدره منكرو النظر إلى الله على معنى أنهم عن كرامة ربهم لمحجوبون.
وفي جواز هذا نقض كلام العرب كله. ولا يجوز إخراج الكلام عن ظاهره إلا لضرورة تدعو إلى ذلك مع امتناع جوازه على ظاهره. فإذا امتنعك جواز الكلام على ظاهره، جاز الإضمار الذي يسوغ معه جواز الكلام. ولا ضرورة تدعو إلى أضمارٍ هنا على مذهب أهل السنة.
قال الحسن: يكشف (الحجاب) فينظر إليه المؤمنون دون الكافرين، ثم يحجب الكافرون، وينظر إليه المؤمنون كل يوم غُدْوَةً وَعَشِيَةً.
أي: لَوَارِدُهُ مع [حجبهم] عن النظر إلى الله.
- ﴿ثُمَّ [يُقَالُ] هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾.
أي: يقال لهم: هذا العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا.
- قوله: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار...﴾، إلى قوله: ﴿يَشْرَبُ بِهَا المقربون﴾.
أي: ألا إن كتاب الأبرار، أي: كتاب أعمالهم لفي عليين.
والأبرار: الذين بروا ربهم بأداء فرائضه واجتناب محارمه.
وقيل: هم المؤمنون الذي بَرَّوا الآباء والأبناء.
وقال الحسن: " [هم الذين] لا يؤذون شيئاً حتى الذر ". وسأل ابن
وروي (عنه أنه قال (له: إن) أرواح المؤمنين إذا قبضت صُعِدَ بها ففتحت لها أبواب السماء وتلقتها الملائكة بالبُشرى، ثم عَرَجُوا مَعَهَا حتى ينتهوا إلى العرش فيُخْرَحُ لها من عند العرش رَقٌّ [فَيُرْقَم] ويختم بمعرفتها النجاة يوم القيامة، ويشهدها الملائكة المقربون.
وقال قتادة ومجاعج: هي " السماء السابعة ".
وقيل: السماء الرابعة، اسمها عليون، وفيها أعمال المؤمنين وأرواحهم.
وقال قتادة أيضاً: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾: " فوق السماء السابعة [عند قائمة] العرش اليمنى ".
وعن ابن عباس: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ لفي " الجنة ".
وروى الأجلح عن الضحاك أنه قال: إذا قبض روح العبد المؤمن عُرِج به إلى السماء الدنيا، فينطلق معه المقربون إلى السماء الثانية. قال الأجلح: (قلت): وما المقربون؟ قال: أقربهم إلى السماء [الثانية. قال: فينطلق معه (المقربون) إلى السماء] الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة حتى يُنْتَهى به إلى سدرة المنتهى. قال الأجلح: قلت للضحاك: لم سميت سدرة المنتهى؟... قال: لأَنَّه يَنتهي إليها كل شيء من أمر الله،
وعن ابن عباس: أيضاً: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ لفي السماء عند الله وهو قول الفراء ﴿﴾ وهي الرواية الأولى عن الضحاك.
وإنما أعرب ﴿عِلِّيُّونَ﴾ بإعراب الجمع (لأنه) لا واحد له، فأشبَهَ " عشرين ". ومعناه: من علو إلى علو، أي: من سماء إلى سماء، (إلى) السابعة.
وقيل: إن ﴿عِلِّيِّينَ﴾ (من صفة الملائكة)، فلذلك جمع بالواو والنون.
- وقوله: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾.
أي: وأي شيء أدراك يا محمد ما عليون؟! يُعَجِّبُ نبيه ﷺ من عليين، ثم بينه فقال:
- ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾.
أي: مكتوب [بأمان الله للأبرار من العذاب يوم القيامة والفوز بالجنة.
- وقوله: ﴿يَشْهَدُهُ المقربون﴾.
أي: يشهدُ ذلِكَ الكتابَ المكتوبَ] بأمان الله للبَرِّ من عباده من النار
قال [ابن عباس]: المقربون. أهل كل سماء. وقاله الضحاك.
- ثم قال: ﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ﴾.
[أي]: يتمتعون في الجنان ﴿عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ﴾.
أي: [السرر] في الحجال من اللؤلؤ والياقوت ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة.
رَوَى الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: " (على الأرائك متكئون) [يَنْظُرُونَ] إلى أَعْدَائِهِمْ فِي النَّارِ ".
- ثم قال: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم﴾.
أي: حسن النعيم وبريقه.
- ثم قال تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ﴾.
أي: من خمر [صرف لا] غش فيها.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الرحيق: الخمر. وهو قول الحسن، [و] قاله ابن مسعود.
وقال أهل اللغة: الرحيق [صَفْوُ] الخمر.
وقال أبو عبيدة: (الرحيق): الخالص من الشراب.
وقال ابن مسعود: مختوم: أي مخلوط.
أي: خلطه مسك.
وقال علمقة: " طعمه وريحه مسك ".
وقال ابن عباس: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ أي: تختم الخمر بالمسك، آخر: شرابهم مسك.
قال ابن عباس: طيب الله تعالى ( مُقَدَّمَ) شرابهم، كان آخر شيء جعل فيه مِسْكاً ختامه بالمسك.
وقال قتادة: آخره مسك، عاقبته مسك، قوم تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك.
قال الضحاك: " طيب الله لهم الخمر فوجدوا في آخر شيء منها ريح المسك ".
وعن مجاهد أن معناه أنه مختوم (مطين) بخاتم من مسك، وقال ابن زيد.
وهذا إنما يكون على قراءة الكسائي، لأنه قد قرأ: (خاتمه مسك).
والقراءة الأولى [معناها]: آخره مسك. وهو اختيار الطبري. قال:
وقراءة الكسائي (تروى) عن علي بن أبي طالب رضي [الله] عنه. والخِتام: مصدر " خَتَمَ يَخْتِمُ خَتْمَاً وَخِتَامأً "، " والخَاتَمْ " الاسم.
- ثم قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون﴾.
أي: وفي ما تقدم وصفه من النعيم فلتنافس المتنافسون، مأخوذ من الشيء النفيس، وهو العالي الشريف الذي تحرص عليه نفوس الناس وتطلبه وتشتهيه.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون﴾.
أي: ومزاج هذا الرحيق - وهو الخمر التي آخرها مسك - ﴿مِن تَسْنِيمٍ﴾ أي: من عُلُوٍّ ينزل عليهم.
تَسْنِيمٌ: تفعيل، من قول القائل: سَنَمْتُهُمْ العينَ تسنيماً، إذا أجريتها عليهم من فوقهم. ويقال: سمنتُ الماء أسنمه تسنيماً، إذا أخرجته من موضع عال.
وقبرٌ مُسَنَّمٌ، أي: مرتفع. ومنه سنام البعير، وَهُوَ اسْمٌ لمذكر وهو الماء. ولذلك انصرف.
وقال ابن زيد: بلغنا أنها عين تخرج من تحت العرش، فهي مزاج هذا
وقال الضحاك: " هو شراب اسمه تسنيم، وهو من أشرف الشراب ". وعنه أنه قال: ﴿تَسْنِيمٍ﴾: عين تتسنم من أعلى الجنة، ليس في الجنة عين أشرف منها.
فأما انتصاب " عين "، ففيه أقوال:
قال الأخفش: هي منصوبة [بِ " يسقون "] عيناً، (أي): ما [عين].
وقال المبرد: نصبها على إضمار أعني.
وقال الفراء: تقديره: من تسنيم عين، فلما نونت " تسنيماً " [نصبت] عيناً، يقدر نصبه نصب المفعول بمنزلة ﴿يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٥]. وقيل: نصبه على الحال، لأن
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ (مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ)﴾ إلى آخر السورة.
أي: إن الذين اكتسبوا المآثم في الدنيا وكفروا بالله كانوا يضحكون في الدنيا من المؤمنين استهزاء بهم.
(قال قتادة: كانوا يقولون في الدنيا: والله إن هؤلاء لكذبة وما هم/ على شيء، استهزاءً بهم).
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾.
أي: وإذا مروا بالمؤمنين غمَز بعضهم بعضاً استهزاءً بالمؤمنين.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ﴾.
قال ابن عباس: ﴿فَكِهِينَ﴾: " معجبين ".
وقال ابن زيد: انقلبوا ناعمين، ثم أعقبهم الله النار في الآخرة.
ويروى أن أبا جهل وأصحابه ضحكوا واستهزءوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهـ وأصحابه.
وحكى أبو عبيد عن أبي زيد أن العرب تقول: رجل فكهٌ أي: ضحوكٌ طيب النفس.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾.
أي: وما بعث هؤلاء المجرمون القائلون للمؤمنين: إن هؤلاء لضالون حافظين عليهم أعمالهم رقباء عليهم: إنما كلفوا أنفسهم ليؤمنوا بالله [ورسوله] وكتابه [وليعلموا] بطاعة ربهم.
- ثم قال تعالى: ﴿فاليوم الذين (آمَنُواْ) مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ﴾.
أي: فيوم القيامة يضحك المؤمنون من الكفار على سررهم في الحجال ينظرون.
(وقال ابن عباس: يفتح في السور الذي بين الجنة والنار أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون) كيف يعذبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرَّ الله به أعْيُنَهم كيف ينتقم الله منهم.
قال سفيان: [يجاء بالكفار] حتى [ينظروا] إلى أهل الجنة في الجنة على سرر، فحين ينظرون إليهم تغلق دونهم الأبواب (ويضحك) أهل الجنة منهم، فهو قول الله تعالى ذكره:
- ﴿فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ﴾.
(أي: هل جوزي الكفار ثواب ما كانوا يفعلون) في الدنيا بالمؤمنين من سخريتهم بهم وضحكهم بهم.
قال مجاهد: الأرائك لؤلؤ وزبرجد؟
وقوله: ﴿يَنظُرُونَ﴾ تَمَامٌ، المعنى ينظرون إلى الكفار وليس ينظرون [﴿هَلْ ثُوِّبَ الكفار﴾] أو لم يجاوزوا. ومعنى ﴿ثُوِّبَ﴾: جوزي.