تفسير سورة المطفّفين

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة المطففين من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة المطففين وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿ويل لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ: يَدْعَوْنَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فِي النَّارِ، بَلَغَنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ
﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يخسرون﴾
قَالَ مُحَمَّد: ﴿ويل﴾ رفع بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر ﴿لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ وَالْوَيْلُ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ فِي عَذَابٍ وَهَلَكَةٍ، وَالْمُطَفِّفُونَ: الَّذِينَ يَنْقُصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، وَقَوْلُهُ: ﴿على النَّاس﴾ أَي: من النَّاس
(وَإِذا كالوهم أَو
105
وزنوهم} أَيْ: كَالُوا لَهُمْ أَوْ وَزَنُوا لَهُم ﴿يخسرون﴾ يُقَالُ: أَخْسَرْتَ الْمِيزَانَ، وَخَسِرْتَهُ وَالْقِرَاءَةُ على (أخسرت).
106
قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمين﴾
يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مِقْدَارَ ثَلَاثمِائَة سنة قبل أَن يفصل بَينهم.
يَحْيَى: عَنْ خَدَّاشٍ، عَنْ عَوْفٍ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم]: " مَا طُولُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا كَرَجُلٍ دَخَلَ فِي صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَتَمَّهَا وَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا ".
﴿كلا إِن كتاب الْفجار﴾ الْمُشْركين ﴿لفي سِجِّين﴾ تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلْتُ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْفجار لفي سِجِّين﴾ فَقَالَ: حَجَرٌ أَسْوَدُ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ تُكْتَبُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ.
قَالَ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ أَيْ: لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا كُنْتَ تعلمه أَنْت وَلَا قَوْمك،
ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ أَي: مَكْتُوب.
﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَد﴾ أَي: ظَالِم ﴿أثيم﴾ آثم، وَهُوَ الْمُشرك
﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ كَذِبِ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلِهِمْ
﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ قَالَ الْكَلِّبِيُّ: يَعْنِي: طُبِعَ عَلَى قُلُوبهم ﴿مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾،
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ (الْأَسَاطِيرِ): أُسْطُورَةٌ، مِثْلُ: أُحْدُوثَةٍ وَأَحَادِيثٍ، وَمَعْنَى (كَلَّا) عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ رَدْعٌ وَتَنْبِيهٌ، و (ران) بِمَعْنَى غَطَّى، يُقَالُ: رَانَ عَلَى قلبه الذَّنب يرين رينا.
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لمحجوبون﴾ يَحْتَجِبُ اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فَلا يَرَوْنَهُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَرَوْنَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ، حَتَّى ينْظرُوا إِلَيْهِ.
﴿هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلمْشُرْكِينَ وهم فِي النَّار. تَفْسِير سُورَة المطففين من آيَة ١٨ - ٣٦.
﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عليين﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: عِلِّيُّونَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَة
قَالَ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَدْرِ مَا عليون؟ حَتَّى أعلمتك
﴿كتاب مرقوم﴾ مَكْتُوب، يكْتب فِي عليين
﴿يشهده المقربون﴾ مُقَرَّبُو أَهْلِ كُلِّ سَمَاءٍ يَشْهَدُونَ كِتَابَ عَمَلِ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يُكْتَبُ فِيهِ، وَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهَا أَعْمَالهم.
﴿على الأرائك ينظرُونَ﴾ الْأَرَائِكُ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ سُرُرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَاقُوت.
﴿يسقون من رحيق مختوم﴾ يَعْنِي: الشَّرَاب، وَهِي الْخمر
﴿ختامه مسك﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يُخْتَمُ بِهِ آخِرُ جَرْعَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: أَنَّهُمْ إِذا شربوا هَذَا الرَّحِيق فقني مَا فِي الْكَأْسِ وَانْقَطَعَ الشُّرْبُ، انْخَتَمَ ذَلِكَ بِطَعْمِ الْمِسْكِ وَرَائِحَتِهِ.
قَالَ: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة
قَالَ: ﴿ومزاجه من تسنيم﴾ ومزاج ذَلِك الشَّارِب من تسنيم
﴿عينا يشرب بهَا المقربون﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
108
و (تسنيم) أَشْرَفُ شَرَابٍ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ: وَنصب (عينا) لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ عَيْنٍ، كَمَا قَالَ: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ أَي: من طين.
109
﴿إِن الَّذين أجرموا﴾ أَشْرَكُوا ﴿كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا، أَيْ: يَسْخَرُونَ بِهِمْ
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمُ النَّبي [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَأَصْحَابُهُ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلاءِ الَّذِينَ تَرَكُوا شَهَوَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا (ل ٣٨٩) يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ - زَعَمُوا - نَعِيمَ الْآخِرَةِ
﴿وَإِذا انقلبوا﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿إِلَى أهلهم﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿انقلبوا فاكهين﴾ أَي: مسرورين
﴿وَإِذا رَأَوْهُمْ﴾ رَأَوْا أَصْحَابَ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم] ﴿قَالُوا إِن هَؤُلَاءِ لضالون﴾ يتركون شهواتهم فِي الدُّنْيَا.
قَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافظين﴾ يحفظون أَعْمَالهم يَعْنِي: الْمُشْركين
﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هَذِهِ وَاللَّهِ الدَّوْلَةُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي أَدَالَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ، فَهُمْ يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ، وَهُمْ مُتَّكِئُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ يَنْظُرُونَ كَيْفَ يُعَذَّبُونَ، كَمَا كَانَ الْكُفَّارُ يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ.
قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم]: " يجاء بالمستهزئين يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا، فَإِذَا جَاءُوا أُغْلِقَ دُونَهُمْ فَيَرْجِعُونَ، ثُمَّ يُدْعَوْنَ فَإِذَا جَاءُوا أُغْلِقَ دُونَهُمْ فَيَرْجِعُونَ، فَيُدْعَوْنَ لِيَدْخُلُوا فَإِذَا جَاءُوا أُغْلِقَ
109
دُونَهُمْ حَتَّى إِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ فَمَا يجيئون من الْيَأْس ".
110
وهم متكئون على فرشهم ينظرون كيف يعذبون ؛ كما كان الكفار يضحكون منهم في الدنيا والجنة في السماء.
قال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يجاء بالمستهزئين يوم القيامة فيفتح لهم باب إلى الجنة، فيقال لهم : ادخلوا ؛ فإذا جاءوا أغلق دونهم فيرجعون، ثم يدعون فإذا جاءوا أغلق دونهم فيرجعون، فيدعون ليدخلوا فإذا جاءوا أغلق دونهم حتى إنهم يدعون فما يجيئون من اليأس " ١.
١ تقدم تخريجه..
قَوْله: ﴿هَل ثوب الْكفَّار﴾ هَلْ جُوزِيَ الْكُفَّارُ؟ ﴿مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ أَيْ: قَدْ جُوزُوا شَرَّ الْجَزَاءِ.
110
تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا السَّمَاءِ انْشَقَّتْ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الانشقاق من آيَة ١ - ١٥
111
Icon