بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المطففين وهي مدنية قال ابن عباس : هي أول سورة نزلت بالمدينة، قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة، وهم أخبث الناس كيلا ووزنا، فأنزل الله تعالى هذه السورة، فاستقاموا، فهم أوفى الناس كيلا ووزنا إلى ( اليوم )١.ﰡ
وَعَن السّديّ هُوَ وَاد فِي جَهَنَّم، يسيل فِيهِ صديد أهل النَّار.
وَقَوله: ﴿لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ هم الَّذين لَا يُوفونَ الْكَيْل وَالْوَزْن ويبخسون.
قَالَ الزّجاج: سمى مطففا، لِأَنَّهُ لَا يطف بِهَذَا الْفِعْل بالشَّيْء الطفيف أَي: الْيَسِير وَقد بَينا أَنَّهَا نزلت فِي أهل الْمَدِينَة، وَقيل: نزلت فِي أبي جُهَيْنَة، كَانَ رجلا من أهل الْمَدِينَة لَهُ صَاعَانِ يَكِيل بِأَحَدِهِمَا على النَّاس أَي: عَن النَّاس وَيُقَال: اكتلت على فلَان أَي: استوفيت مَا عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿يستوفون﴾ أَي: يستوفون حُقُوقهم على الْكَمَال، وَقيل: يستوفونه راجحا.
وَكَذَلِكَ: ﴿أَو وزنوهم﴾ أَي: وزنوا لَهُم.
[قَالَه] أَبُو عُبَيْدَة والأخفش وَالْفراء - والأخفش هُوَ سعيد بن [مسْعدَة]، وَهُوَ الْأَخْفَش الْكَبِير - وَقَالَ الْفراء: هُوَ لُغَة حجازية سَمِعت بَعضهم بِمَكَّة يَقُول: إِذا
و ﴿يخسرون﴾ أَي: ينقصُونَ.
وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: خمس بِخمْس: مَا نقص قوم الْعَهْد إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم عدوهم، وَمَا حكم قوم بِغَيْر مَا أنزل الله إِلَّا فَشَا فيهم الْفقر، وَمَا ظَهرت فيهم الْفَاحِشَة إِلَّا فَشَا فيهم الْمَوْت، وَمَا نَقَصُوا من الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إِلَّا منعُوا النَّبَات وأجدبوا بِالسِّنِينَ، وَمَا منع قوم الزَّكَاة إِلَّا حبس عَنْهُم الْقطر.
وَعَن مَالك بن دِينَار قَالَ: دخلت على جَار لي أعوده، وَقد نزل بِهِ الْمَوْت، فَجعلت ألقنه كلمة الشَّهَادَة، وَهُوَ يَقُول: جبلان من نَار، جبلان من نَار.
فَمَا زَالَ يَقُول حَتَّى مَاتَ، فسالت عَنهُ؟ قَالُوا: كَانَ لَهُ مكيال وميزان يطفف بهما.
وَقيل فِي قَوْله: ﴿أَلا يظنّ﴾ يَعْنِي: أَنهم لَا يعْملُونَ عمل من يظنّ أَنهم مبعوثون.
سَمَّاهُ عَظِيما لعظم مَا فِيهِ وشدته.
وروى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين﴾ قَالَ: " يقومُونَ حَتَّى يبلغ الرشح
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْحُسَيْن بن النقور، أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص.
أخبرنَا ابْن بنت منيع - هُوَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ - أخبرنَا أَبُو نصر التمار، أخبرنَا حَمَّاد بن سَلمَة، الحَدِيث.
خرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي نصر التمار، وَذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ، وَذكر أَنهم يقومُونَ حَتَّى يبلغ الرشح أَنْصَاف آذانهم، وروى سليم بن عَامر، عَن الْمِقْدَاد بن الْأسود أَن النَّبِي قَالَ: " تدنى الشَّمْس من رُءُوس الْخَلَائق، حَتَّى تكون على قدر ميل من رُءُوسهم " قَالَ سليم: فَلَا أَدْرِي أَرَادَ ميل الْمسَافَة أم ميل الَّذِي يكتحل بِهِ - قَالَ: " فتصهرهم الشَّمْس، فيكونون فِي الْعرق على قدر أَعْمَالهم، فَمنهمْ من يَأْخُذهُ الْعرق إِلَى كعبيه، وَمِنْهُم إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُم إِلَى حقوه، وَمِنْهُم من يلجمه إلجاما، وَوضع رَسُول الله يَده على (فَمه) ".
وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الْعرق يذهب فِي الأَرْض سبعين ذِرَاعا " وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه كتاب الْأَعْمَال، وَالْآخر: أَنه أَرْوَاح الْكفَّار، وَالْأَظْهَر هُوَ الأول.
وَقَوله: ﴿لفي سِجِّين﴾ هُوَ فعيل من السجْن، قَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي: هُوَ الأَرْض السفلي فِيهَا إِبْلِيس وَذريته.
وَعَن مُجَاهِد: صَخْرَة تَحت الأَرْض السَّابِعَة تقلب، وَيجْعَل تحتهَا كتاب الْفجار.
وَعَن الحبر أَنه قَالَ فِي قَوْله: ﴿إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين﴾ : هُوَ روح الْكَافِر تقبض ويصعد بِهِ إِلَى السَّمَاء، فتأبى السَّمَاء أَن تقبله، ثمَّ يهْبط بِهِ إِلَى الأَرْض، فتأبى الأَرْض أَن تقبله، فيهبط بِهِ تَحت الْأَرْضين، فَيجْعَل تَحت خد إِبْلِيس.
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي: " أَن الفلق جب فِي جَهَنَّم مغطى، والسجين جب فِي جَهَنَّم مَفْتُوح ".
قَالَ الْفراء: استكثروا من الْمعاصِي والذنُوب فأحاطت بقلوبهم.
وروى الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِن العَبْد إِذا أَخطَأ خَطِيئَة نكتت فِي قلبه نُكْتَة، فَإِن هُوَ نزع واستغفر وَتَابَ صقلت، وَإِن عَاد زيد فِيهَا حَتَّى يغلق قلبه، فَهُوَ
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث الشريف أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي، أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص، أخبرنَا الْبَغَوِيّ، أخبرنَا زغبة، عَن اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم الحَدِيث.
وَيُقَال: ران أَي: غطى وغشى، وَهُوَ قريب من الأول.
قَالَ الْحسن: هُوَ الذَّنب على الذَّنب حَتَّى يسود قلبه، وروى نَحْو هَذَا عَن مُجَاهِد.
وَمثل هَذَا رَوَاهُ الرّبيع بن سُلَيْمَان، عَن الشَّافِعِي، قَالَ الرّبيع: قلت للشَّافِعِيّ: أيرى الله بِهَذَا؟ فَقَالَ: لَو لم أوقن أَن الله يرى فِي الْجنَّة لم أعبده فِي الدُّنْيَا.
وَقد رُوِيَ هَذَا الدَّلِيل عَن (أَحْمد بن يحيى بن ثَعْلَب الشَّيْبَانِيّ ابْن عَبَّاس).
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: لَو عرف الْمُؤْمِنُونَ أَنهم لَا يرَوْنَ الله فِي الْآخِرَة، لانزهقت أَرْوَاحهم فِي الدُّنْيَا.
وَفِي الْآيَة أبين دَلِيل من حَيْثُ الْمَعْنى على مَا قُلْنَا، لِأَنَّهُ ذكر قَوْله: {كلا إِنَّهُم عَن
وَقد ذكر الْكَلْبِيّ فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة: أَن الْمُؤمنِينَ يرونه فِي الْجنَّة، ويحجب الْكفَّار.
وَعَن الْحُسَيْن بن الْفضل قَالَ: كَمَا حجبهم فِي الدُّنْيَا عَن توحيده، كَذَلِك فِي الْآخِرَة عَن رُؤْيَته.
وَقَالَ كَعْب: يقبض روح الْمُؤمن فيصعد بِهِ إِلَى السَّمَاء، فتتلقاه الْمَلَائِكَة إِلَى أَن تبلغ السَّمَاء السَّابِعَة، فَيُوضَع تَحت الْعَرْش.
يُقَال: إِن الْكتاب هُوَ كتاب الْأَعْمَال، وَقد بَينا أَنه أظهر الْقَوْلَيْنِ، وَالْمعْنَى: أَنه يوضع فِي أَعلَى الْأَمْكِنَة إِظْهَارًا لخسة عمل الْفجار.
وَهُوَ
وَقَوله: ﴿مختوم﴾ أَي: لم تمسسه الْأَيْدِي.
وَعَن جمَاعَة من الْمُفَسّرين أَنهم قَالُوا: إِذا بلغ آخر الشّرْب وجد رَائِحَة الْمسك وَالْمعْنَى: أَن الشَّرَاب الَّذِي يكون فِي الدُّنْيَا يكون فِي آخِره الكدر، وَمَا تكرههُ النَّفس، فَذكر الله تَعَالَى أَن شراب الْآخِرَة على خِلَافه.
وَقَرَأَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - " خَاتِمَة مسك " وَقَرَأَ عِيسَى بن عمر " خاتِمة مسك " بِكَسْر التَّاء، وَقيل فِي معنى قَوْله تَعَالَى: " خاتَمَهُ مسك " بِفَتْح التَّاء أَي: (طينته) مسك وَفِي قَوْله: " خاتِمَهُ مسك " بِكَسْر التَّاء أَي: آخِره وعاقبته.
وَقَوله: ﴿وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ﴾ أَي: فليتبادر المتبادرون، والمنافسة إِظْهَار شدَّة الطّلب، وَقيل: هِيَ الْمُسَابقَة إِلَى التَّحْصِيل.
وَقيل فِي التسنيم: هُوَ عين تتسنم على أهل الْجنَّة من الغرف، وَقيل: هُوَ عين من مَاء.
وَقَوله: ﴿بهَا﴾ أَي: مِنْهَا.
وَقيل: هَذَا فِي قوم مخصوصين من قُرَيْش، مِنْهُم أَبُو جهل والوليد بن الْمُغيرَة، وَالْأسود بن عبد يَغُوث، وَالنضْر بن الْحَارِث وَغَيرهم.
وَقَوله: ﴿كَانُوا من الَّذين آمنُوا يَضْحَكُونَ﴾ قيل: إِنَّه فِي قوم مخصوصين من الْمُؤمنِينَ مِنْهُم خباب وبلال وَأَبُو ذَر وعمار وَغَيرهم من فُقَرَاء الصَّحَابَة.
وَقيل: طيبين الْأَنْفس مستبشرين.
وَالْعرب تَقول: رجل فكه وفاكه إِذا كَانَ ضحوكا طيب النَّفس.
أَي مَا أرسل الْكفَّار على الْمُؤمنِينَ، وَالْمعْنَى: أَنهم مَا وكلوا بِالْمُؤْمِنِينَ ليحفظوا عَلَيْهِم مَا يَفْعَلُونَ.
وَقيل: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْمُنَافِقين.
وَقيل: إِنَّهَا نزلت فِي أبي جهل وَأَصْحَابه.
وَقَوله: ﴿من الَّذين آمنُوا﴾ على رضى الله عَنهُ وَأَصْحَابه.
وَهُوَ قَول بعيد.
وَقَوله: ﴿من الْكفَّار يَضْحَكُونَ على الأرائك ينظرُونَ﴾ فِي بعض التفاسير إِن للجنة كوى إِلَى أهل النَّار مَتى شَاءَ أهل الْجنَّة فتحُوا الكوى ونظروا إِلَى النَّار وَضَحِكُوا مِنْهُم.
وَقد بَينا معنى الأرائك من قبل.
وقوله :( من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون ) في بعض التفاسير إن للجنة كوى إلى أهل النار متى شاء أهل الجنة فتحوا الكوى ونظروا إلى النار وضحكوا منهم. وقد بينا معنى الأرائك من قبل.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿إِذا السَّمَاء انشقت (١) وأذنت لِرَبِّهَا وحقت (٢) وَإِذا الأَرْض مدت (٣) ﴾.تَفْسِير سُورَة الكدح
وَهِي مَكِّيَّة، وَالله أعلم