ﰡ
قوله: (استفهام توبيخ) أي فلا نافية، دخل عليها همزة الاستفهام، فألا هنا ليست استفتاحية، بل هي همزة الاستفهام، دخلت على لا النافية، فأفادت التوبيخ والإنكار. قوله: ﴿ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ إلخ، أشار المفسر إلى أن الظن بمعنى اليقين، أي لا يوقن أولئك، إذ لو أيقنوا ما نقصوا في الكيل الوزن، وقيل: الظن بمعنى التردد، والمعنى: إن كانوا لا يستيقنون بالبعث، فهلا ظنوه حتى يتدبروا ويأخذو بالأحواط، وأولئك اشارة للمطففين، أتى بها نظراً إلى بعدهم عن مرتبة الأبرار، وعدهم من الأشرار. قوله: (فناصبه مبعوثون) أي مقدراً، لأن البدل على نية تكرار العامل. قوله: (حقاً) أي فكلا كلام مستأنف، فالوقف على ما قبلها، وقيل: إنها كلمة ردع وزجر، والعنى: ليس الأمر على ما هم عليه من بخس الكيل والميزان، فعلى هذا يكون الوقف عليها.
قوله: (حقاً) وقيل: حرف ردع وزجر، أي ليس الأمر كما يقولون، بل ﴿ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ ﴾ الخ، قوله: (فلا يرونه) هذا هو الصحيح، وقيل: يرونه ثم يحجبون حسرة وندامة. قوله: ﴿ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ ﴾ ثم للتراخي في الرتبة، فإن صلى الجحيم أشد من الإهانة والحرمان من الرحمة والكرامة. قوله: ﴿ ثُمَّ يُقَالُ ﴾ (لهم) أي من طرف الخزنة على سبيل التقريع والتوبيخ. قوله: ﴿ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ أي في الدنيا.
قوله: ﴿ مَّخْتُومٍ ﴾ (على إنائها) أي لشرفها ونفاستها، إن قلت: في سورة محمد صلى الله عليه وسلم﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ ﴾[محمد: ١٥] والنهر لا ختم فيه، فكيف طريق الجمع بين الآيتين؟ أجيب: بأن هذه الأواني غير خمر الأنهار. قوله: ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾ صفة ثانية لرحيق، وفي قراءة سبعية أيضاً خاتمه بتاء مفتوحة بعد الألف بيان الجنس الخاتم، وقرئ شذوذاً بكسر التاء، والمعنى خاتم رائحته مسك. قوله: (يفوح منه رائحة المسك) أي إن رائحة المسك تظهر في آخر الشراب، فوجه التخصيص أن في العادة يمل آخر الشراب في الدنيا، فأفاد أن آخر الشراب، يفوح منه رائحة المسك، فلا يمل منه. قوله: ﴿ وَفِي ذَلِكَ ﴾ اشارة للرحيق وما بعده، أو إلى ما ذكر من أحوال الأبرار. قوله: ﴿ ٱلْمُتَنَافِسُونَ ﴾ أي الذين شأنهم المنافسة، بكثرة الأعمال الصالحة والنيات الخالصة، لعلو همتهم وطهارة نفوسهم، قال تعالى:﴿ لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ ﴾[الصافات: ٦١].
قوله: ﴿ مِن تَسْنِيمٍ ﴾ اسم للعين، سميت بذلك لما روي أنها تجري في الهواء مسنمة، فتصب في أواني أهل الجنة على مقدرا الحاجة، فإذا امتلأت امسكت، فالمقربون يشربونها صرفاً، وتمزج لسائر أهل الجنة. قوله: (أو ضمن) أشار بذلك إلى أن التضمين إما في الحرف أو في الفعل.
قوله: (من منازلهم) قال كعب: لأهل الجنة كوى، ينظرون منها إلى أهل النار، وقيل: حصن شفاف بينهم يرون منه حالهم، وفي سبب هذا الضحك وجوه منها: أن الكفار كانوا في ترفه ونعيم، فيضحكون من المؤمنين بسبب ما هم فيه من البؤس والضر، وفي الآخرة ينعكس الحال؛ فيكون المؤمنون في النعيم، والكفار في الجحيم. ومنها: أنه يقال لأهل النار وهم فيها اخرجوا، وتنفتح أبوابها لهم، فإذا رأوها وقد فتحت أبوابها، أقبلوا عليها يريدون الخروج، والمؤمنون ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى أبوابها، أغلقت دونهم، يفعل ذلك بهم مراراً. ومنها: أنهم إذا دخلوا الجنة وأجلسوا على الأرائك، ينظرون إلى الكفار كيف يعذبون في النار، يرفعون أصواتهم بالويل والثبور، ويلعن بعضهم بعضاً، فهذا سبب ضحكهم. قوله: ﴿ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ ﴾ الخ، يحتمل أنه مقول قول محذوف، والتقدير: يقول الله لأهل الجنة، أو يقول بعض المؤمنين لبعض: ﴿ هَلْ ثُوِّبَ ﴾ الخ، ويحتمل أنه متعلق بينظرون، والمعنى: ينظرون هل جوزي الكفار؟ فمحلها نصب، إما بالقول المحذوف، أو ينظرون، وقوله: (جوزي) أشارة إلى أن التثويب بمعنى الجزاء، وهو يكون في الخير والشر، والمراد هنا الثاني، وقوله: (نعم) جواب الاستفهام على كل.