تفسير سورة الحاقة

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿الْحَاقَّةُ﴾ القيامة؛ سميت بذلك: لأن الأمور تحق فيها وتستقر، ولأنها يوم الحق
{مَا الْحَآقَّةُ *
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} تعظيم لأمرها، وتهويل لشأنها
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ قوم صالح عليه السلام ﴿وَعَادٌ﴾ قوم هود
-[٧٠٦]- عليه السلام ﴿بِالْقَارِعَةِ﴾ القيامة؛ لأنها تقرع الناس بهولها وفزعها
﴿بِالطَّاغِيَةِ﴾ قيل: هي الرجفة. أو الصيحة؛ التي طغت عليهم فأهلكتهم جميعاً
﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ هي الدبور. وصرصر: أي شديدة الصوت
﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ﴾ متتابعة؛ حتى أتت عن آخرهم (انظر آية ١٣صلى الله عليه وسلّم من سورة الأعراف) ﴿حُسُوماً﴾ حسمت آجالهم؛ أي قطعتها. وقيل: متتابعة ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ أي أصول نخل ساقطة
﴿وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ﴾ من الأمم الكافرة التي تقدمته، أو جاء فرعون وأتباعه؛ يؤيده قراءة من قرأ «ومن قبله» بكسر القاف وفتح الباء ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ﴾ قرى قوم لوط؛ وسميت بذلك: لأنها ائتفكت بهم؛ أي انقلبت ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ أي الخطأ الشائن؛ وهو الكفر ﴿فَأَخَذَهُمْ﴾ ربهم: عذبهم وأهلكهم ﴿أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾ شديدة
﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَآءُ﴾ فاض وزاد؛ وانقلب نفعه الكثير، إلى ضرر كبير، وشر مستطير: يوم الطوفان ﴿حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ السفينة التي تجري على وجه الماء
﴿لِنَجْعَلَهَا﴾ أي لنجعل هذه الفعلة؛ التي هي إنجاء المؤمنين، وإغراق الكافرين.
أو لنجعل هذه السفينة ﴿لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ عبرة وموعظة ﴿وَتَعِيَهَآ﴾ تحفظها وتفهمها ﴿أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ أي مصغية: تسمع ما يقال، فتنقله إلى الذهن. فيفهمه
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ وهو القرن؛ ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام النفخة الثانية؛ للفصل بين الخلائق
﴿فَدُكَّتَا﴾ أي دقتا وكسرتا
﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ أي قامت القيامة
﴿وَاهِيَةٌ﴾ ساقطة واهنة
﴿وَالْمَلَكُ﴾ يعني الملائكة عليهم السلام ﴿عَلَى أَرْجَآئِهَآ﴾ أي على جوانب السماء ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ هو تمثيل لعظمته تعالى؛ مثلما هو مشاهد من أحوال الملوك والسلاطين يوم خروجهم على الناس؛ لكون ذلك أقصى ما يتصور من الجلال والعظمة؛ وإلا فشؤونه سبحانه وتعالى أجل من أن تدركها إشارة، أو تحيط بها عبارة، أو يتسع لها فهم
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ﴾ أي كتاب أعماله ﴿بِيَمِينِهِ﴾ وهو المؤمن الصالح، الذي رجحت حسناته على سيئاته ﴿فَيَقُولُ﴾ لذويه وأهله - مفتخراً - أو يقول للملائكة ﴿هَآؤُمُ﴾ أي خذوا وتعالوا
﴿إِنِّي ظَنَنتُ﴾ علمت وتأكدت أن وعد الله حق، وأن القيامة قائمة، و ﴿أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ﴾ جزاء ما عملت في الدنيا
﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ ثمارها قريبة لمريدها
﴿بِمَآ أَسْلَفْتُمْ﴾ بما قدمتم ﴿فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ الماضية في الدنيا
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ﴾ وهو الكافر ﴿فَيَقُولُ يلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾ لما يرى فيه من القبائح والفضائح
﴿يلَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ أي يا ليت الموتة الأولى كانت القاضية؛ فلم أبعث، ولم أحاسب
﴿مَآ أَغْنَى﴾ ما نفع، وما دفع
﴿عَنِّي مَالِيَهْ﴾
-[٧٠٧]- الذي جمعته في الدنيا، ولم أتصدق منه، وكنت أفخر وأتعالى به
﴿هَّلَكَ﴾ ذهب ومضى وامحى ﴿عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ قوتي وحجتي، وعزي وهيبتي؛ فيقال لملائكة العذاب
﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ وهو قول الله تعالى لخزنة جهنم، أو قول بعضهم لبعض بأمر ربهم
﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ أدخلوه
﴿ذِرَاعاً﴾ طولها ﴿فَاسْلُكُوهُ﴾ فأدخلوه
﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ﴾ صديق يدفع عنه العذاب
﴿وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ غسالة أهل النار، وما يسيل منهم من الصديد
{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ *
وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} أقسم تعالى بالمشاهدات والمغيبات، أو بالدنيا والآخرة، أو بالأجسام والأرواح، أو بالإنس والجن، أو بالنعم الظاهرة والباطنة، أو بالخلق والخالق
﴿إِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ هو محمد عليه الصلاة والسلام؛ عن رب العزة جل شأنه وعز سلطانه
﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ كما تفترون
﴿وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ﴾ كما تزعمون. والكاهن: العراف الذي يتكهن بالغيب ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ تتعظون وتعتبرون
﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ﴾ أي لو افترى علينا محمد كما تتهمونه
﴿لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ أي لأخذناه بالقوة والشدة
﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ الوتين: نياط القلب؛ وهو عرق فيه؛ إذا انقطع: مات صاحبه. وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك: يؤخذ بالشدة والقسوة؛ ثم تقطع رأسه
﴿فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ أي في هذه الحال لا يستطيع أحد أن يمنع عنه عذابنا وتنكيلنا
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَتَذْكِرَةٌ﴾ لعظة
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي التكذيب بالقرآن، أو الإشارة إلى القرآن نفسه ﴿لَحَسْرَةٌ﴾ وندامة يوم القيامة ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ حين يرون ما أعده الله تعالى لمن صدق به من النعيم المقيم، ولمن كذب به من العذاب الأليم
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن، أو العذاب ﴿لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ أي للحق من ربك يقيناً
﴿فَسَبِّحْ﴾ نزه وقدس ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ الذي يصغر كل عظيم أمامه
707
سورة المعارج

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

708
Icon