تفسير سورة المطفّفين

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المطففين من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة التطفيف مختلف فيها
وهي ست وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ ويل للمطففين ﴾، التطفيف : البخس، والنقص في الكيل والوزن، وعن١ ابن عباس : لما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة كانوا من أخبث٢ الناس كيلا، فأنزل الله، فأحسنوا الكيل بعد ذلك،
١ أخرجه ابن مردويه، والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند صحيح/١٢ فتح..
٢ وهذا الوعيد يلحق كل من يأخذ لنفسه زائدا أو يدفع إلى غيره ناقصا قليلا/١٢ فتح..
﴿ الذين إذا اكتالوا على الناس ﴾ : يكتالون حقوقهم من الناس، ﴿ يستوفون ﴾ : يأخذونها وافية، ولما كان اكتيالهم منهم أخذ حق عليهم عداه بعلى، قال الفراء : من وعلي يعتقبان في هذا الوضع،
﴿ وإذا كالوهم ﴾، أي : كالوا هم، ﴿ أو وزنوهم ﴾، أي : لهم، فهو من باب حذف الجار وإيصال الفعل، قيل : فيه حذف المضاف، أي : كالوا مكيلهم وموزونهم، ﴿ يخسرون ﴾ : ينقصون، وهؤلاء كأن عادتهم في أخذ حقهم من الناس الكيل دون الميزان لتمكنهم الاكتيال من الاستيفاء والسرقة بتحريك المكيال ونحوه ليسعه، وأما إذا أعطوا كالوا ووزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعا، ولذا ما ذكر الوزن في الأول،
﴿ ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ﴾، فإن الظن بالبعث رادع عن مثل تلك القبائح،
﴿ ليوم عظيم ﴾ : لعظم١ ما فيه،
١ يعني: وصف اليوم بالعظم لعظم ما فيه/١٢ منه..
﴿ يوم يقوم الناس ﴾، منصوب بأعني، أو مبعوثون، أو بدل من الجار والمجرور، ﴿ لرب العالمين ﴾ : لحكمه،
﴿ كلا ﴾، ردع عن الغفلة عن البعث، وعن التطفيف، ﴿ إن كتاب الفجار ﴾ : الذي فيه أعمالهم، ﴿ لفي سجين ﴾ : هي أرض السابعة، السفلى١ فيها الشياطين، وأرواح الكفار، وهي صخرة تحت الأرض السابعة أو بئر في جهنم،
١ هذا قول عبد الله بن عمر، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وقد نقل فيه حديث، والقول الثاني قول الكلبي، ونقل عن مجاهد أيضا، والثالث نقل فيه حديث غريب منكر/١٢ منه..
﴿ وما أدراك ما سجين١، لعظمه وغاية قباحته،
١ عن الزجاج: ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت، ولا قومك/١٢ منه..
﴿ كتاب مرقوم ﴾، من المفسرين من جعله خبرا ثانيا لقوله :" إن كتاب الفجار " أو خبر محذوف، أي : هو يعني كتاب الفجار كتاب مرقوم مسطور بين مفروع عنه، ومنهم من قال : السجين : كتاب جامع هو ديوان الشر فيه أعمال الأشرار، وهو كتاب مرقوم، وسمي كتاب سجينا الذي هو الحبس، والتضييق، لأنه سبب الحبس في جهنم، أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان وحش١، هو مسكن إبليس وجنوده استهانة، وليشهده الشيطان، وقيل : كتاب، أي : موضع كتاب بحذف المضاف،
١ وهذا ظاهر القرآن لكن قول كثير من السلف، وقد نقل فيه حديث لا بأس به أن السجين اسم للأرض السابعة، أو لصخرة تحتها فيها الشياطين، وأرواح الكفار، وعلى هذا توجيه القرآن أن قوله:" كتاب مرقوم" خبر ثان لقوله:" إن كتاب الفجار"، وقوله:" وما أدراك ما سجين" معترضة بين الخبرين، أو تقديره: هو كتاب مرقوم، ومرجع هو كتاب الفجار أو التقدير موضع كتاب مرقوم، فحذف المضاف لعلم من يعلم معنى السجين به/١٢ وجيز..
﴿ ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد ﴾ : متجاوز عن الحد، ﴿ أثيم ﴾ : منهمك في الحرمات،
﴿ إذا تتلى عليه آياتنا قال ﴾، من فرط الجهل والعناد، ﴿ أساطير الأولين ﴾،
﴿ كلا ﴾ ردع عن هذا القول، ﴿ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾، أي : ليس الأمر كما يقوله من أن ذلك أساطير الأولين، بل كثرة ارتكابهم الآثام، صارت سببا لحصول الرين في قلوبهم، ولهذا تفوه بهذا المقال، وكذب به، وفي الحديث١ " إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلوا قلبه، وذلك الران الذي ذكره الله في القرآن ﴿ كلا بل ران ﴾ "، ولفظ الترمذي والنسائي، وابن ماجة ( إن العبد ) بدل إن المؤمن، وعن كثير من السلف : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت، والرين : الصدأ،
١ روى الحديث ابن جرير، والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وهذه العبارة التي نقلها هي في مسند الإمام أحمد/١٢ منه..
﴿ كلا ﴾، ردع عن الكسب الراين، ﴿ إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ﴾ : فلا يرونه، أو عن رحمته وكرامته،
﴿ ثم إنهم لصالوا الجحيم ﴾ : ليدخلونها،
﴿ كلا ﴾، ردع عن التكذيب، أو تكرير للأول، ﴿ إن كتاب الأبرار لفي عليين ﴾، عن كثير من السلف : هي السماء السابع، وفيها أرواح المؤمنين، أو لوح من زبرجد خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه، أو قائمة العرش اليمنى،
﴿ وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم ﴾، الكلام فيه ما مر في نظيره بعينه،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم ﴾، الكلام فيه ما مر في نظيره بعينه،
﴿ يشهده١ المقربون ﴾ : يحضره من كل سماء مقربوها،
١ وهذا التفسير الإلهي يغني عن تفاسير الخلق/١٢ فتح..
﴿ إن الأبرار لفي نعيم ﴾، أي : يوم القيامة،
﴿ على الأرائك ﴾ : على السرر في الحجال، ﴿ ينظرون ﴾ : إلى ملكهم ونعيمهم، أو إلى الله أو إلى عدوهم كيف يعذبون،
﴿ تعرف في وجوههم نضرة النعيم ﴾ : بهجة التنعم ورونقه،
﴿ يسقون من رحيق١ : خمر خالص، ﴿ مختوم ﴾ : يختم أوانيه إكراما لهم كعادة الملوك،
١ الرحيق من أسماء الخمر، قاله ابن مسعود، وغيره من السلف/١٢..
﴿ ختامه مسك ﴾ : مقطعه١ عن الفم، وآخره مسك، أو تختم٢ الأواني بالمسك مكان الطين، ﴿ وفي ذلك فليتنافس ﴾ : فليرتغب، ﴿ المتنافسون٣ : المرتغبون، وفي الحديث المرفوع :" أيما مؤمن سقى مؤمنا شربة ماء على ظمأ، سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم "،
١ المقطع النهاية/١٢..
٢ والحاصل أن المختوم، والختام إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره، أو من ختم الشيء، وهو جعل الخاتم عليه كما تختم الأشياء بالطين ونحوه/١٢ فتح..
٣ وأصل التنافس: التشاجر على الشيء، والتنازع فيه، بأن يحب كل واحد
أن ينفرد به دون صاحبه، يقال: نفست الشيء عليه نفاسة، أي: ضننت به، ولم أحب أن يصير إليه، قال البغوي: أصله من الشيء النفيس، الذي تحرص عليه نفوس الناس، فيريده كل واحد لنفسه، وينفس به على غيره أي: يضن به/١٢ فتح..

﴿ ومزاجه من تسنيم ﴾، أي : تمزج تلك الخمر للأبرار من تسنيم، هو عين في الجنة،
﴿ عينا يشرب بها المقربون ﴾ : صرفا، وتمزج للأبرار، ونصب عينا على المدح، أو الحال، والكلام في بها كما مر في سورة ﴿ هل أتى على الإنسان ﴾،
﴿ إن الذين أجرموا ﴾ : كفار قريش، ﴿ كانوا من الذين آمنوا يضحكون ﴾ : يستهزئون بفقراء المؤمنين،
﴿ وإذا مروا بهم يتغامزون ﴾ : يشير بعضهم بعضا بأعينهم استهزاء،
﴿ وإذا انقلبوا ﴾ : رجعوا أي : هؤلاء المجرمون، ﴿ إلى أهلهم انقلبوا فكهين ﴾ : ملتذّين بالسخرية،
﴿ وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ﴾، نسب المجرمون المؤمنين إلى الضلال،
﴿ وما أرسلوا ﴾، قال الله تعالى : وما أرسل المجرمون، ﴿ عليهم ﴾ : على المؤمنين، ﴿ حافظين ﴾، لأعمالهم، شاهدين برشدهم وضلالهم،
﴿ فاليوم ﴾، أي : القيامة، ﴿ الذين آمنوا من الكفار يضحكون ﴾، في مقابلة ما ضحكوا بهم في الدنيا،
﴿ على الأرائك ينظرون ﴾، إليهم في النار، أو إلى الله، حال من يضحكون،
﴿ هل ثوب الكفار ﴾ : هل جوزوا، ﴿ ما كانوا يفعلون ﴾، من السخرية، وغيرها.
والحمد لله وحده.
Icon