تفسير سورة الدّخان

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الدخان من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي خمسون وسبع آيات

﴿حم﴾
﴿والكتاب المبين﴾
﴿إنا أنزلناه﴾ أَيْ: القرآن ﴿في ليلة مباركة﴾ قيل: هي ليلة القدر في رمضان أنزل الله القرآن فيها من أمِّ الكتاب إلى سماء الدُّنيا ثمَّ أنزله على نبيِّه عليه السَّلام نجوماَ وقيل: ليلة النِّصف من شعبان ﴿إنا كنا منذرين﴾ مُحذِّرين عبادنا العقوبة بإنزال الكتاب
﴿فيها يفرق﴾ يُفصل ﴿كلُّ أمر حكيم﴾ مُحكمٍ من أرزاق العباد وآجالهم وذلك أنَّه يُدبِّر في تلك الليلة أمر السَّنة
﴿أمراً من عندنا﴾ معناه: يُفْرق كلُّ أمرٍ حكيمٍ فرقاً من عندنا فوضع الأمر موضع الفرق لأنَّه أمرٌ ﴿إنا كنا مرسلين﴾ محمَّداً إلى قومه
﴿رحمةً﴾ أَيْ: للرًّحمة وقوله:
﴿إن كنتم موقنين﴾ أَيْ: إن أيقنتم بأنَّه ربُّ السماوات والأرض فأيقنوا أنَّ محمداً رسوله لأنه أرسله
﴿لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم وربُّ آبائكم الأولين﴾
﴿بل هم في شك﴾ من البعث والنَّشر ﴿يلعبون﴾ مُشتغلين بالدُّنيا
﴿فارتقب﴾ فانتظر ﴿يوم تأتي السماء بدخان مبين﴾ وذلك حين دعا رسول الله ﷺ على قومه بالقحط فمنع القطر وأجدبت الأرض وانجرَّت الآفاق وصار بين السَّماء والأرض كالدُّخان
﴿يغشى الناس﴾ ذلك الدخان وهم يقولون: ﴿هذا عذاب أليم﴾
﴿ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون﴾ مُصدِّقون بنبيِّك قال الله تعالى:
﴿أنى لهم الذكرى﴾ من أين لهم التَّذكُّر والاتِّعاظ ﴿و﴾ حالهم أنَّهم ﴿قد جاءهم رسول مبين﴾ يبيِّن لهم أحكام الدِّين يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم
﴿ثمَّ تولوا﴾ أعرضوا ﴿عنه وقالوا معلَّم﴾ أَيْ: إنَّه معلَّم يُعلِّمه ما يأتي به بشر
﴿إنا كاشفوا العذاب قليلاً﴾ أَيْ: يكشف عنكم عذاب الجوع في الدُّنيا ثمَّ تعودون في العذاب وهو قوله: ﴿إنكم عائدون﴾
﴿يوم نبطش البطشة الكبرى﴾ أَيْ: يوم القيامة وقيل: يوم بدرٍ
﴿ولقد فتنا﴾ بلونا ﴿قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم﴾ على الله تعالى يعني: موسى عليه السَّلام
﴿أن أدوا إليَّ عباد الله﴾ أَيْ: سلِّموهم إليَّ ولا تُعذِّبوهم يعني: بني إسرائيل كما قال: ﴿فأرسل معي بني إسرائيل﴾ ﴿إني لكم رسول أمين﴾ على وحي الله عز وجل
﴿وأن لا تعلوا على الله﴾ لا تعصوه ولا تخالفوا أمره ﴿إني آتيكم بسلطان مبين﴾ بحجة واضحة تدلُّ على أنَّني نبيٌّ
﴿وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون﴾ أَن تقتلون وذلك أنَّهم توعَّدوه بالقتل
﴿وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون﴾ أَيْ: لا تكونوا عليَّ ولا لي وخلُّوا عني
﴿فدعا ربَّه أنَّ﴾ أَيْ: بأنَّ ﴿هؤلاء﴾ أَيْ: يا ربِّ هؤلاء ﴿قوم مجرمون﴾ مشركون فقال الله تعالى:
﴿فأسرِ بعبادي﴾ بني إسرائيل ﴿ليلاً إنكم متبعون﴾ يتَّبعكم فرعون وقومه
﴿واترك البحر رهواً﴾ خلِّفه وراءك ساكناً غير مضطربٍ وذلك أنّ الماء وقف له كالطود العظيم حين جاوز البحر ﴿إنهم جندٌ مغرقون﴾ نغرقهم في ذلك البحر الذي تجاوزوه رهواً
﴿كم تركوا﴾ بعد هلاكهم ﴿من جنات وعُيُون﴾ الآية مُفسَّرةٌ في سورة الشُّعراء
﴿وزروع ومقام كريم﴾
﴿ونعمة كانوا فيها فاكهين﴾
﴿كذلك﴾ أَيْ: الأمر كما وصفنا ﴿وأورثناها﴾ أعطيناها ﴿قوماً آخرين﴾ يعني: بني إسرائيل
﴿فما بكت عليهم السماء والأرض﴾ لأنَّهم ماتوا كفَّاراً والمؤمن يبكي عليه مصعد عمله ومُصلاَّه من الأرض ﴿وما كانوا منظرين﴾ مؤخَّرين حين أخذناهم بالعذاب
﴿ولقد نجينا بني إسرائيل﴾ بإهلاك فرعون وقومه ﴿من العذاب المهين﴾ يعني: قتل الأبناء واستخدام النِّساء
﴿من فرعون إنه كان عالياً﴾ مستكبراً مُتعظِّماً ﴿من المسرفين﴾ الكافرين المُتجاوزين حدِّهم
﴿ولقد اخترناهم﴾ بني إسرائيل ﴿على علمٍ﴾ منَّا بهم ﴿على العالمين﴾ عالمي زمانهم
﴿وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين﴾ نعمةٌ ظاهرةٌ من فلق البحر وإنزال المنِّ والسَّلوى
﴿إنَّ هؤلاء﴾ أَيْ: مشركي مكَّة ﴿ليقولون:﴾
﴿إن هي إلاَّ موتتنا الأولى﴾ أَيْ: ليس إلاَّ الموت ولا نشر بعده وهو قوله: ﴿وما نحن بمنشرين﴾
﴿فأتوا بآبائنا﴾ الذين ماتوا ﴿إن كنتم صادقين﴾ أنَّا نُبعث بعد الموت
﴿أهم خير﴾ أَيْ: أقوى وأشدُّ ﴿أم قوم تبع﴾ الحِميريِّ ﴿والذين من قبلهم﴾ من الكفَّار ﴿أهلكناهم﴾
﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين﴾ ونحن نلعب في خلقهما أَيْ: إنَّما خلقناهما لأمرٍ عظيم وهو قوله: ﴿ما خلقناهما إلاَّ بالحق﴾ أَيْ: لإقامة الحقِّ وإظهاره من توحيد الله وإلزام طاعته
﴿ما خلقناهما إلاَّ بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾
﴿إنَّ يوم الفصل﴾ وهو يوم القيامة يفصل الله تعالى فيه بين العباد ﴿ميقاتهم﴾ الذي وقَّتنا لعذابهم ﴿أجمعين﴾
﴿يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً﴾ قريبٌ عن قريبٍ ﴿ولا هم ينصرون﴾ يُمنعون من عذاب الله
﴿إلا من رحم﴾ لكن مَنْ رحم الله فإنَّه يُنصر
﴿إنَّ شجرة الزَّقوم﴾
﴿طعام الأثيم﴾ أَيْ: صاحب الإثم وهو أبو جهل
﴿كالمهل﴾ أَيْ: كالذَّائب من الفضَّة والنُّحاس في الحرارة ﴿يَغلي في البطون﴾ في بطون آكليه
﴿كغلي الحميم﴾ وهو الماء الحارُّ
﴿خذوه﴾ يعني: الأثيم ﴿فاعتلوه﴾ سوقوه سوقاً بالعنف ﴿إلى سواء الجحيم﴾ وسط الجحيم
﴿ثمَّ صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم﴾ كما قال: ﴿يصبُّ من فوقِ رؤوسهم الحميم﴾ ويقال له:
﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ بزعمك وعلى قولك وذلك أنَّه قال: ما بين جبليها أعزُّ ولا أكرم مني
﴿إنَّ هذا﴾ الذي ترون من العذاب ﴿ما كنتم به تمترون﴾ فيه تشكُّون
﴿إنَّ المتقين في مقام أمين﴾ أمنوا فيه من الغير
﴿في جنات وعيون﴾
﴿يلبسون من سندس﴾ وهو ما رقَّ من الثّياب ﴿وإستبرق﴾ وهو ما غلظ منه ﴿متقابلين﴾ متواجهين
﴿كذلك﴾ كما وصفنا ﴿وزوجناهم بحور﴾ وهنَّ النِّساء النَّقيات البياض ﴿عين﴾ واسعة الأعين
﴿يدعون فيها بكلِّ فاكهة آمنين﴾ من الموت
﴿لا يذوقون فيها الموت إلاَّ﴾ سوى ﴿الموتة الأولى﴾ الموتة التي ذاقوها في الدنيا
﴿فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم﴾
﴿فإنما يسرناه﴾ سهَّلنا القرآن ﴿بلسانك لعلهم يتذكرون﴾ يتَّعظون
﴿فارتقب﴾ فانتظر الفتح والنَّصر ﴿إنهم مرتقبون﴾ مُنتظرون قهرك وهلاكك
Icon