ﰡ
قال : هو الذنب بعد الذنب، وقال الحسن : هو الذنب على الذنب، حتى يعمى القلب.
وقال غيره : لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم.
وأصل هذا : أن القلب يصدأ عن المعصية، فإذا زادت غلب الصدأ.
حتى يصير رانا، ثم يغلب حتى يصير طبقا وقفلا وختما. فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه، ويسوقه حيث أراد، والمعافى من عافاه الله.
وقال في :«شفاء العليل ».
وأما الران : فقد قال تعالى :﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾.
قال أبو عبيدة : غلب عليها. والخمر ترين على عقل السكران، والموت يرين على الميت، فيذهب به، ومن هذا حديث أسيفع جهينة وقول عمر رضي الله عنه :( فأصبح قد رين به ) أي غلب عليه، وأحاط به الرين.
وقال أبو معاذ النحوي :«الرين » أن يسود القلب من الذنوب، و«الطبع » : أن يطبع على القلب. وهو أشد من الرين. و«الأقفال » أشد من الطبع. وهو أن يقفل على القلب.
وقال الفراء : كثرت الذنوب والمعاصي منهم، فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها.
وقال أبو إسحاق : ران : غطى، يقال : ران على قلبه الذنب يرين رينا.
أي غشيه. قال : والرين كالغشاء يغشى القلب. ومثله الغين.
قلت : أخطأ أبو إسحاق. فالغين ألطف شيء وأرقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ».
وأما الرين والران : فهو من أغلظ الحجب على القلب وأكثفها.
وقال مجاهد : هو الذنب على الذنب، حتى تحيط الذنوب بالقلب وتغشاه، فيموت القلب.
وقال مقاتل : غمرت القلوب أعمالهم الخبيثة، وفي سنن النسائي والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه. وإن زاد زيد فيها حتى تعلو قلبه. وهو الران الذي ذكر الله ﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ » قال الترمذي : هذا حديث صحيح.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :«كلما أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، حتى يسود القلب كله »، فأخبر سبحانه أن ذنوبهم التي اكتسبوها أوجبت لهم رينا على قلوبهم، فكان سبب الران منهم. وهو خلق الله فيهم، فهو خالق السبب ومسببه، لكن السبب باختيار العبد، والمسبب خارج عن قدرته واختياره.