تفسير سورة الحجر

حومد
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿آيَاتُ﴾ ﴿الكتاب﴾ ﴿وَقُرْآنٍ﴾
(١) - أَلِفْ. لاَمْ، رَا. وَتُقْرَأُ مُقَطَّعَةً - اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
هذِهِ الآيَاتُ هِيَ آيَاتُ القُرآنِ الجَلِيِّ الوَاضِحِ (المُبِينِ).
(٢) - يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيشٍ حِينَمَا يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.
(وَرُبَّما كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا قَلِيلُ الحُصُولِ).
وَقِيلَ بَلْ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّ كُلَّ كَافِرْ يَوَدُّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ أَنْ لَوْ كَانَ مُسْلِماً.
وَفِي الحَدِيثِ: " إِذا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ، وَمَعَهُمْ مِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ، قَالَ الكُفَّارُ لِلْمُسْلِمِينَ: أَلَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالُوا: فَمَا أَغْنَى عَنْكُمُ الإِسْلاَمُ، وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا إِلَى النَّارِ؟ قَالُوا: كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنَا بِهَا. فَسَمِعَ اللهُ مَا قَالُوا، فَأَمَرَ بِمَنْ كَانَ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الكُفَّارُ قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ فَنَخْرُجَ كَمَا خَرَجُوا " ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ. (رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيًّ).
رُبَّ - لِلتَّقْلِيلِ.
(٣) - يَتَهَدَّدُ اللهُ تَعَالَى الكَافِرِينَ، وَيَقُولُ لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ: دَعْهُمْ فِي غَفَلاتِهِمْ، يَتَمَتَّعُوا وَيَأْكُلُوا وَيُلهِهِمُ الأَمَلُ بِالحَيَاةِ عَنِ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ إِلى اللهِ، فَسَوفَ يَعْلَمُونَ سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ إِذَا هُمْ عَايَنُوا سُوءَ الجَزَاءِ.
ذَرْهُمْ - دَعْهُمْ وَاتْرُكْهُمْ.
(٤) - وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ مِنَ القُرَى إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مُقَدَّرٌ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، لاَ يُنْسَى، وَلاَ يُغْفَلُ عَنْهُ، وَلاَ يَتَقَدَّمُ وَلاَ يَتَأَخَّرُ.
لَهَا كِتَابٌ - أَجَلٌ مُقَدَّرٌ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ.
﴿يَسْتَأْخِرُونَ﴾
(٥) - لاَ يَجِيءُ هَلاَكُ أُمَّةٍ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِ المُحَدَّدِ لَهَا، وَلاَ يَتَأَخَّرُ الهَلاَكُ مَتَى حَلَّ الأَجَلُ.
﴿ياأيها﴾
(٦) - وَقَالَ الكَفَرَةُ الظَّالِمُونَ - اسْتِهْزَاءً وَتَهَكُّماً - لِلنَّبِيِّ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الذِي زَعَمَ أَنَّ اللهَ نَزَّلَ عَلَيْهِ القُرْآنَ، إِنَّ مَا تَقُولَهُ إِنَّمَا أَمْلاَهُ عَلَيْكَ الجُنُونُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لآرَائِنَا وَمُعْتَقَدِاتِنا، فَكَيْفَ نَقْبَلُ مَا لاَ تَقْبَلُهُ العُقُولُ؟
﴿بالملائكة﴾ ﴿الصادقين﴾
(٧) - فَإِنْ كَانَ مَا تَدَّعِيهِ مِنْ أَنَّ اللهَ أَيَّدَكَ وَأَرْسَلَكَ حَقّاً، فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يُنَزِّلَ مَعَكَ المَلاَئِكَةَ مِنَ السَّمَاءِ لِيَشْهَدُوا بِصِدْقِ نُبُوَّتِكَ.
لَوْ مَا تَأْتِينَا - هَلاَّ أَتَيْتَنَا.
﴿الملائكة﴾
(٨) - وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً: إِنَّهُ لاَ يُنْزِلُ المَلاَئِكَةَ لِيَشْهَدُوا عَلَى صِدْقِ الأَنْبِيَاءِ فِي دَعْوَتِهِمْ، وَإِنَّمَا يُنْزِلُهُمْ لِنُصْرَةِ الرُّسُلِ، وَتَدْمِيرِ المُكَذِّبِينَ. وَحِينَ يُنْزِلُ اللهُ المَلاَئِكَةَ إِلَى قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِهِمُ العَذَابُ سَرِيعاً وَلاَ يُنْظَرُونَ، لأَنَّ سُنَّةَ اللهِ قَدْ جَرَتْ فِي الأُمَمِ السَّابِقَةِ أَنَّهُمْ إِذَا اقْتَرَحُوا آيَةً وَأَنْزَلَهَا اللهُ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا، أَهْلَكَهُمُ اللهُ فَوْراً دُونَ إِمْهَالٍ.
مُنْظِرِينَ - مُؤَخَّرِينَ فِي العَذَابِ.
إِلاَّ بِالحَقِّ - إِلاَّ بَالوْجَهِ الذِي تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ.
﴿لَحَافِظُونَ﴾
(٩) - يُقَرِّرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الذِي أَنْزَلَ القُرْآنَ (الذِّكْرَ) عَلَى رَسُولِهِ، وَهُوَ الحَافِظُ لَهُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ.
الذِّكْرَ - القُرْآنَ.
(١٠) - يُسَلِّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ عَنْ تَكْذِيبِ الكُفَّارِ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى الأُمَمِ الخَالِيَةِ التِي كَانَتْ تَكْفُرُ بِرَبِّهَا، وَتُكْذِّبُ رُسُلَهُ، وَقَدْ أًَهْلَكَهُمُ اللهُ، لأَنَّهُمْ أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ رَبِّهِمْ.
شِيَعِ الأَوَّلِينَ - فِرَقِ الأُمَمِ السَّابِقِينَ.
﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾
(١١) - وَلَمْ يَأْتِ أُمَّةً رَسُولٌ إِلاَّ اسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَكَذَّبُوهُ، لأنَّ حَمْلَ النَّفْسِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ، مُسْتَثْقَلٌ عَلَى النُّفُوسِ، كَمَا أَنَّ حَمْلَ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ مَا أَلِفُوهُ مِنَ المُعْتَقَدَاتِ هُوَ ثَقيلٌ أَيْضاً.
(١٢) - وَكَذَلِكَ يُلْقِي اللهُ تَعَالَى القُرْآنَ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ، وَيَسْلُكُهُ فِيها مُكَذَّباً بِمَا فِيهِ، مُسْتَهْزَأً بِهِ غَيْرَ مَقْبُولٍ لَدَيْهِمْ لأنَّهُ لَيْسَ فِي نُفُوسُهُمْ اسْتِعْدَادٌ لِتَلَقِّي الحَقِّ، وَلاَ تُضِيءُ نُفُوسُهُمْ بِمَصَابِيحِ هِدَايَتِهِ الرَّبَّانِيَّةِ كَمَا فَعَلَ الذِينَ مِنَ قَبْلِهِمْ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَلَكَ يَا مُحَمَّدُ أُسْوَةٌ بِمَنْ سَبَقَكَ مِنَ الرُّسُلِ.
نَسْلُكُهُ - نُدْخلُهُ.
(١٣) - وَقَوْمُكَ، يَا مُحَمَّدُ، لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَذا القُرْآنِ مَعَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِمَا فَعَلَهُ اللهُ بِمَنْ كَذَّبَ رُسُلَهُ مِنَ العَذَابِ وَالاسْتِئْصَالِ، وَكَيْفَ نَجَّى رُسُلَهُ وَالذِينَ آمَنُوا لَهُمْ، وَهَذِهِ هِيَ سُنَّةُ اللهِ، وَسَيَحِلُّ بِهؤُلاَءِ الذِينَ يُكَذِّبُونَكَ مَا حَلَّ بِالمُكَذِّبِينَ السَّابِقِينَ، وَنَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ حِينٍ.
خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ - مَضَتْ عَادَةُ اللهِ بٍِإِهْلاَكِ المُكَذِّبِينَ.
(١٤) - إِنَّ هؤُلاَءِ الكَفَرَةَ المُعَانِدِينَ يَطْلُبُونَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ لِيُؤْمِنُوا لَكَ، وَلَكِنَّهُمْ لَنْ يُؤْمِنُوا، حَتَّى إِنَّنا لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَظَلُّوا يَصْعَدُونَ فِي ذَلكَ البَابِ فَيَرَوْنَ مَنْ فِي السَّمَاءِ مِنَ المَلائِكَةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ العَجَائِبِ لِمَا صَدَّقُوا بِذَلِكَ.
يَعْرُجُونَ - يَصْعَدُونَ فَيَرَوْنَ المَلاَئِكَةَ وَالعَجَائِبَ.
﴿أَبْصَارُنَا﴾
(١٥) - وَلَقَالُوا: لَقَدْ سُدَّتْ أَبْصَارُنا، وَحُبِسَتْ عَنِ النَّظَرِ، وَشُبِّهَ عَلَيْنَا (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنا)، وَسُحِرْنَا، فَمَا نَرَاهُ هُوَ تَخَيُّلٌ لاَ حَقِيقَةَ لَهُ، وَقَدْ سَحَرَنَا مُحَمَّدُ بِمَا يَظْهَرُ عَلى يَدَيْهِ مِنَ الآيَاتِ. فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ يَقْتَرِحُ عَلَيْكَ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ؟
سُكِّرَتْ أَبْصَارُنا - سُدَّتْ وَمُنِعَتْ مِنَ الإِبْصَارِ.
قَوْمٌ مَسْحُورُونَ - أَصَابَنَا مُحَمَّدٌ بِسِحْرِهِ.
﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾
(١٦) - يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّهُ زَيَّنَ السَّمَاءَ بِالكَوَاكِبِ، وَجَعَلَ فِيهَا بُرُوجاً - وَهِيَ مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ - وَجَعَلَ السَّمَاءَ وَكَوَاكِبَهَا وَبُرُوجَهَا بَهْجَةً لِمَنْ تَأَمَّلَ، وَكَرَّرَ النَّظَرَ فِيمَا يَرَى مِنْ آيَاتِهَا البَاهِرَاتِ.
بُرُوجاً - مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، أَوْ مَنَازِلَ الكَوَاكِبِ السَّيَّارَاتِ.
﴿حَفِظْنَاهَا﴾ ﴿شَيْطَانٍ﴾
(١٧) - وَحَفِظَ اللهُ تَعَالَى السَّمَاءَ مِنْ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهَا كُلُّ شَيْطَانٍ مَطْرُودٍ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ.
رَجِيمٍ - مَطْرُودٍ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ - أَوْ مَرْجُومٍ بِالشُّهُبِ.
(١٨) - وَقَدْ يُحَاوِلُ شَيْطَانٌ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ لِيَسْتَرِقَ السَّمْعَ إِلَى مَا تَتَحَدَّثُ بِهِ المَلاَئِكَةُ فِي المَلأَ الأَعْلَى فَيْتَبَعُهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ مُشْتَعِلٌ نَاراً ظَاهِرَةً لِلْعَيَانِ فَيُهْلِكُهُ (كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى).
اسْتَرَقَ السَّمْعَ - خَطِفَ المَسْمُوعَ مِنَ المَلأِ الأَعْلَى.
فَأَتْبَعَهُ - أَدْرَكَهُ وَلَحِقَهُ.
شِهَابٌ - شُعْلَةُ نَارٍ مُنْقَضَّةٌ مِنَ السَّمَاءِ.
مُبِينٌ - ظَاهِرٌ لِلْمُبْصِرِينَ.
﴿مَدَدْنَاهَا﴾ ﴿رَوَاسِيَ﴾
(١٩) وَخَلَقَ اللهُ الأَرْضَ وَمَدَّهَا، وَوَسَّعَهَا، وَبَسَطَهَا أَمَامَ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ، لِيُمَكِّنَ الانْتِفَاعَ بِهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وَجَعَلَ فِيهَا جِبَالاً ثَوَابِتَ (رَاسِيَاتٍ)، لِئَلاَّ تَضْطَرِبَ بِمَنْ عَلَيْهَا مِنَ الخَلاَئِقِ، وَأَنْبَتَ فِيهَا الزُّرُوعَ وَالنَّبَاتَ وَالأَشْجَارَ. وَكُلَّ نَبَاتٍ قُدِّرَتْ عَنَاصِرُ تَكْوِينِهِ تَقْدِيراً وَوُزِنَتْ بِدِقَّةٍ. (وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى مَوْزُون هُنَا هُوَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ يُقَدَّرُ وَيُوزَنُ).
الأَرْضَ مَدَدْنَاهَا - بَسَطْنَاهَا لِلانْتِفَاعِ بِهَا.
رَوَاسِيَ - جِبَالاً ثَوَابِتَ كَيْلاَ تَمِيدَ.
مَوْزُونٍ - مُقَدَّرٍ بِمِيزَانِ الحِكْمَةِ.
﴿مَعَايِشَ﴾ ﴿بِرَازِقِينَ﴾
(٢٠) - وَقَدْ جَعَلَ اللهُ فِي الأَرْضِ مَعَايِشَ لِلنَّاسِ مِمَّا يَأْكُلُونَ مِنْ نَبَاتِهَا وَحُبُوبِهَا وَثِمَارِهَا، وَمِمَّا يَأْكُلُونَ مِنْ لُحُومِ الحَيَوَانَاتِ التِي تَعْيشُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ، وَكُلُّهَا تَتَغَذَّى عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ، وَمِمَّا تُخْرِجُهُ البِحَارُ وَالأَنْهَارُ، وَمِمَّا يَلْبِسُونَ مِنَ أَصْوَافِ الحَيَوانَاتِ وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَمِنْ بَعْضِ نَبَاتَاتِ الأَرْضِ كَالقُطْنِ وَالكِتَّانِ..
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ فِي الأَرْضِ دَوَابَّ وَأَنْعَاماً يَنْتَفِعُونَ بِهَا، وَلاَ يَتَوَلَّوْنَ هُمْ رِزْقَهَا وَإِطَعَامَهَا، وَإِنَّمَا تُحَصِّلُ رِزْقَهَا مِمَّا أَخْرَجَ اللهُ مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ، فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي يِرْزُقُهَا، وَيُؤْمِنُ لَهَا قُوتَهَا، وَلَيْسَ الإِنْسَانُ. وَفِي ذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللهِ عَلَى النَّاسِ عَظِيمٌ.
مَعَايِشَ - أَرْزَاقاً يُعَاشُ بِهَا.
﴿خَزَائِنُهُ﴾
(٢١) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَالِكُ كُلِّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ، وَأَنَّ كُلَّ شَيءٍ سَهْلٌ عَلَيهِ يَسِيرٌ، وَأَنَّ عِنْدَهُ خَزَائِنَ جَمِيعُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ العِبَادُ، وَلَكِنَّهُ يُنْزِلُ مِنْهَا بِحِسَابٍ وَمِقْدَارٍ، كَمَا يَشَاءُ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الحِكْمَةِ البَالِغَةِ، وَالرَّحْمَةِ بِالعِبَادِ.
عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ - نَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى خَلْقِهِ.
نُنَزِّلُهُ - نُوجِدُهُ أَوْ نُعْطِيهِ.
بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ - بِمِقْدَارِ مَا تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ.
﴿الرياح﴾ ﴿لَوَاقِحَ﴾ ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ ﴿بِخَازِنِينَ﴾
(٢٢) - وَيُرْسِلُ اللهُ تَعَالَى الرِّيَاحَ، فَتَلْقَحُ السَّحَابَ فَتَذُرُّ بِالمَاءِ، وَتَلْقَحُ الشَّجَرَ، فَتَتَفَتَّحُ عَنْ أَوْرَاقِهَا وَأَكْمَامِهَا وَأَثْمَارِهَا، فَهِيَ رِيَاحٌ يَكُونُ مِنْهَا الإِنْتَاجُ (وَهَذِهِ الرِّيَاحُ هِيَ غَيْرُ الرِّيحِ العَقِيمِ التِي لاَ تُنْتِجُ شَيْئاً)، وَيُنْزِلُ اللهُ المَاءَ مِنَ السَّمَاءِ عَذْباً تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَشْرَبُوا مِنْهُ، وَلَسْتُمْ أَنْتُمُ الذِينَ تَحْفَظُونَهُ، وَإِنَّمَا اللهُ هُوَ الذِي يَحْفَظُهُ فِي العُيُونِ وَالأَنْهَارِ وَالآبَارِ، لِيَسْتَقِي مِنْهُ النَّاسَ وَالأَنْعَامَ وَالزُّرُوعُ وَالأَشْجَارُ.
(وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى - لَسْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ - هُوَ: لَيْسَتْ خَزَائِنُهُ فِي أَيْدِيكُمْ).
الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ - حَوَامِلَ لِلسَّحَابِ أَوْ لِلمَاءِ تَمُجُّهُ فِيهِ، أَوْ مُلْقِحَاتٍ لِلسَّحَابِ أَوْ لِلأَشْجَارِ.
﴿الوارثون﴾ ﴿نُحْيِي﴾
(٢٣) - وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى بَدْءِ الخَلْقِ وَإِعَادَتِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الذِي أَحْيَا الخَلْقَ مِنَ العَدَمِ، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ كُلَّهُمْ لِيَومِ الجَمْعِ. وَأَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّه يَرِثُ الأَرْضَ وَمَا عَلَيهَا، لأَنَّهُ لاَ يَبْقَى فِي الوُجُودِ حَيٌّ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ.
الوَارِثُونَ - البَاقُونَ بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ.
﴿المستأخرين﴾
(٢٤) - قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ: المُسْتَقْدِمُونَ هُمُ الذِينَ هَلَكُوا مِنَ لَدُنِ آدَمَ حَتَّى تَارِيخِ نُزُولِ الآيَةِ. وَالمُسْتَأْخِرُونَ هُمُ الذِينَ كَانُوا أَحْيَاءً حِينَ نُزُولِ الآيَةِ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.
وَيَقُولُ تَعَالَى: لَقَدْ عَلِمْنَا مَنْ مَضَى مِنْكُمْ وَأَحْصَيْنَاهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَمَنْ هُوَ حَيٌّ، وَمَنْ سَيَأْتِي بَعْدُ، فَلاَ تَخْفَى عَلَيْنَا خَاِفيَةٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ.
(٢٥) - ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْعَثُ المُتَقَدِّمِينَ وَالمُتَأَخِّرِينَ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَهُ الحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِمْ جَمِيعاً.
﴿الإنسان﴾ ﴿صَلْصَالٍ﴾ ﴿حَمَإٍ﴾
(٢٦) - وَلَقَدْ خَلَقْنَا آدَمَ أَبَا البَشَرِ مِنْ طِينٍ يَابِسٍ لَهُ صَلْصَلَةٌ إِذَا نُقِرَ بِاليَدِ (صَلْصَالٍ)، وَكَانَ قَبْلاً طِيناً رَطْباً (حَمَأٍ) مَُغَيِّرَ اللَّوْنِ مُسْوَدَّةُ (مَسْنُونٍ).
صَلْصَالٍ - طِينٍ يَابِسٍ كَالفَخَّارِ.
حَمَأٍ - طِينٍ أَسْوَدَ مُتَغَيِّرٍ.
﴿خَلَقْنَاهُ﴾
(٢٧) - وَخَلَقْنَا الجَانَّ قَبْلَ الإِنْسَانِ (مِنْ قَبْلُ) مِنَ النَّارِ ذَاتِ الحَرَارَةِ الشَّدِيدَةِ التِي تَنْفُذُ فِي مَسَامِّ الجِسْمِ.
السَّمُومُ - الرِّيحُ الحَارَّةُ التِي تَقْتُلُ وَتَنْفُذُ فِي المَسَامِّ.
﴿لِلْمَلآئِكَةِ﴾ ﴿خَالِقٌ﴾ ﴿صَلْصَالٍ﴾ ﴿حَمَإٍ﴾
(٢٨) - وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ: إِنِّي سَأَخْلُقُ بَشَراً (هُوَ آدَمُ) مِنْ طِينٍ يَابِسٍ يُصَلْصِلُ إِذَا نُقْرَ بِاليَدِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ قَبْلُ، طِيناً رَطِباً (حَمَأٍ) مُتَغَيِّراً، مُسْوَدَّ اللَّوْنِ (مَسْنُونٍ).
﴿سَاجِدِينَ﴾
(٢٩) - وَيَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَمَرَ المَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآدَمَ، سَجَودَ تَعْظِيمٍ لاَ سُجُودَ عِبَادَةٍ، حِينَمَا يُسَوِّيهِ وَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ.
سَوَّيْتُهُ - أَتْمَمْتُ خَلْقَهُ وَهَيَّأْتُهُ لِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ.
﴿الملائكة﴾
(٣٠) - فَاسْتَجَابَ المَلاَئِكَةُ جَمِيعاً لأَمْرِ رَبِّهِمْ، فَسَجَدُوا لآدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
﴿الساجدين﴾
(٣١) - وَلَمْ يَشُذَّ عَنِ السُّجُودِ امْتِثَالاً لأَمْرِ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ إِبْلِيسُ، فَقَدْ رَفَضَ السُّجودَ حَسَداً وَكُفْراً وَعِنَاداً وَاسْتِكْبَاراً.
أَبَى - امْتَنَعَ.
﴿ياإبليس﴾ ﴿الساجدين﴾
(٣٢) - فَسَاَلَهُ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ قَائِلاً: مَا لِي، يَا إِبْلِيسُ، لاَ أَرَاكَ مَعَ السَّاجِدِينَ المُمْتَثِلِينَ لأَمْرِي؟
مَا لَكَ - أَيْ غَرَضٍ لَكَ، أَوْ مَا عُذْرُكَ؟
﴿صَلْصَالٍ﴾ ﴿حَمَإٍ﴾
(٣٣) - فَقَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ الكَرِيمِ: إِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعِدٍّ لِلسُّجُودِ لِمَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللهُ مِن طِينٍ يَابِسٍ مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ مُسْوَدِّهِ.
(٣٤) - فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى إِبْلِيسَ بِالخُرُوجِ مِنَ المَنْزِلَةِ التِي كَانَ فِيهَا مِنَ المَلإِ الأَعْلَى، وَهُوَ مَطْرُودٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ (أَوْ مَرْجُومٌ بِالشُّهُبِ - رَجِيمٌ).
رَجِيمٌ - مَطْرُودٌ مِنَ الرَّحْمَةِ أَوْ مَرْجُومٌ بِالشُّهُبِ.
(٣٥) - وَأَتْبَعَهُ لَعْنَةً لاَ تَزَالُ مُتَوَاصِلَةً لاَحِقَةً بِهِ، مُتَوَاتِرَةً عَلَيْهِ، إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، يَوْمِ الحِسَابِ (يَوْمِ الدِّينِ) وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ يُنْزِلُ بِهِ العِقَابَ الذِي يَسْتَحِقّهُ.
اللَّعْنَةُ - الإِبْعَادُ عَلَى سَبِيلِ السَّخْطِ.
(٣٦) - وَلَمَّا تَحَقَّقَ إِبْلِيسُ مِنَ الغَضَبِ الذِي لاَ مَصرفَ لَهُ عَنْهُ، سَأَلَ الرَّبَّ الكَرِيمَ النَّظِرَةَ وَالإِمْهَالَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَ مَوْتَهُ إِلَى ذَلِكَ اليَوْمِ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَسَدِهِ لآدَمَ وَذُرِّيَتِهِ.
أَنْظِرْنِي - أَمْهِلْنِي وَلاَ تُمِتْنِي.
(٣٧) - فَأَجَابَهُ الرَّبُّ تَعَالَى شَأْنُهُ إِلَى مَا سَأَلَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنَ المُمْهَلِينَ، اسْتِدْرَاجاً لَهُ.
(٣٨) - إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ الوَقْتُ المَعْلُومُ...
الوَقْتُ المَعْلُومِ - وَقْتِ النَّفْخَةِ الأُولَى التِي يَصْعَقُ اللهُ بِهَا الخَلاَئِقَ جَمِيعاً.
(٣٩) - فَقَالَ إِبْلِيسُ لِلرَّبِ جَلَّ وَعَلاَ: رَبِّ بِسَبَبِ إِغْوَائِكَ إِيَّايَ، وَإِضْلاَلِكَ لِي لأُحَبِّبَنَّ لِذرِّيَةِ آدَمَ (لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) المَعَاصِي، وَلأُرَغِّبَنَّهُمْ فِيهَا، وَلأُغْوِنَيَّهُمْ وَأُضِلَّنَّهُمْ جَمِيعاً، كَمَا أَغْوَيْتَنِي، وَقَدَّرْتَ ذَلِكَ عَلَيَّ.
لأُغْوِنَيَّهُمْ - لأَحْمِلَنَّهُمْ عَلَى الغِوَايَةِ وَالضَّلاَلِ.
(٤٠) - وَيُتَابِعُ إِبْلِيسُ خِطَابَهُ لِلرَّبِّ الكَرِيمِ قَائِلاً: وَلاَ أَسْتَثْنِي، مِنْ بَنِي آدَمَ الذِينَ سَأَعْمَلُ عَلَى إِضْلاَلِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ، إِلاَّ عِبَادَكَ الذِينَ أَخْلَصُوا لَكَ العِبَادَةَ، وَلَمْ أَتَمَكَّنْ مِنِ الاسْتِيلاَءِ عَلَى نُفُوسِهِمْ لِعُمْرَانِها بِذِكْرِكَ.
المُخْلَصِينَ - الذِينَ أَخْلَصْتَهُمْ لِطَاعَتِكَ.
﴿صِرَاطٌ﴾
(٤١) - فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لإِبْلِيسَ مُتَوَعِّداً مُتَهَدِّداً: إِنَّ مَرْجِعَكُمْ إِلَيَّ، وَلاَ مَهْرَبَ لَكُمْ مِنْهُ، وَسَأُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمْ إِنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً.
(وَقِيلَ بَلِ المَعْنَى هُوَ: أَنَّ طَرِيقَ الحَقِّ مَرْجِعُها إِلى اللهِ، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي).
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّ الطَرِيقَ المُسْتَقِيمَ حَقٌّ عَلَيَّ مُرَاعَاتُهُ).
﴿سُلْطَانٌ﴾
(٤٢) - إِنَّ عِبَادِي الذِينَ قَدَّرْتُ لَهُمُ الهِدَايَةَ لاَ سُلْطَانَ لَكَ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لَكَ قُدْرَةٌ عَلَى إِضْلاَلِهِمْ، وَلاَ عَلَى أَنْ تَحْمِلَهُمْ عَلَى ارْتِكَابِ ذُنُوبٍ يَضِيقُ عَنْهَا عَفْوِي، وَلَكِنَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنْهُمْ بِاخْتِيَارِهِ صَارَ مِنْ أَتْبَاعِكَ، وَسَيَكُونُ سُلْطَانُكَ عَلَى هَؤُلاَءِ.
سُلْطَانٌ - تسَلُّطٌ وَقُدْرَةٌ عَلَى الإِغْوَاءِ.
(٤٣) - وَإِنَّ جَهَنَّمَ هِيَ مَكَانُ اللّقَاءِ وَالاجْتِمَاعِ (مَوْعِدُهُمْ) لِجَمِيعِ مَنِ اتَّبَعُوا إِبْلِيسَ وَهِيَ مَقَرُّهُمْ وَبِئْسَ المِهَادُ.
﴿أَبْوَابٍ﴾
(٤٤) - وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ لِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ، وَقَدْ قَدَّرَ اللهُ لِكُلِّ بَابٍ مِنْ هَذِهِ الأَبْوَابِ السَّبْعَةِ نَصِيباً مُعَيّناً مِنْ أَتْبَاعِ إِبْلِيسَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ إِلَى جَهَنَّمَ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.
(وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: " لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوابٍ، بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ سَيْفاً عَلَى أُمَّتِي "). (رَوَاهُ التَّرْمِذِي).
(وَقِيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ سَبْعَ طَبَقَاتٍ - أَوْ دَرَكَاتٍ - يَنْزِلُونَهَا بِحَسَبِ مَرَاتِبِهِمْ فِي العَذَابِ).
جُزْءٌ مَقْسُومٌ - فَرِيقٌ مَعَيَّنٌ مَتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ.
﴿جَنَّاتٍ﴾
(٤٥) - ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى حَالَ أَهْلِ الجَنِّةِ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّقُوا رَبَّهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، وَتَنْبُعُ فِي أَرْضِهَا عُيُونُ المَاءِ.
﴿بِسَلامٍ﴾ ﴿آمِنِينَ﴾
(٤٦) - وَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ مِنَ الآفَّاتِ وَالمُنَغِّصَاتِ، آمِنُونَ مِنْ سَلْبِ تِلْكَ النِّعْمَةِ التِي أَنْعَمَ بِهَا اللهُ عَلَيْكُمْ، وَمِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَفَزَعٍ، لاَ تَخَافُونَ إِخْرَاجاً وَلاَ فَنَاءً وَلاَ زَوَالاً.
﴿إِخْوَاناً﴾ ﴿مُّتَقَابِلِينَ﴾
(٤٧) - وَيَنْزِعُ اللهُ الغِلَّ وَالحِقْدَ وَالضَّغِينَةَ مِنْ صُدُورِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَكُونُونَ إِخْوَاناً مُتَحابِيِّنَ، وَيَجْلِسُونَ عَلَى سُرُرٍ بَعْضُهُمْ يُقَابِلُ بَعْضاً، وَيَنْظُرُ بَعْضُهُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَهُمْ يَتَسَامَرُونَ وَيَتَحَادَثُونَ، وَلاَ يَتَدَابَرُونَ، وَلاَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى أَقْفِيَةِ بَعْضٍ، شَأْنَ المُتَبَاغِضِينَ المُتَجَافِينَ.
غِلٍّ - ضَغِينَةٍ وَعَدَاوَةٍ وَحِقْدٍ.
(٤٨) - لاَ تَلْحَقُهُمْ فِي الجَنَّةِ مَشَقَّةٌ وَلاَ أَذًى (نَصَبٌ)، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِحَاجَةٍ إِلَى العَمَلِ لِتَوْفِيرِ مَا هُمْ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، فَقَدْ كَفَاهُمْ رَبُّهُمُ اللهُ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِأَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَشْتَهُونَ وَيَطْلُبُونَ.
نَصَبٌ - تَعَبٌ وَعَنَاءٌ.
(٤٩) - أَخْبِرْ، يَا مُحَمَّدُ، عِبَادِي أَنِّي غَفُورٌ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ، أَغْفِرُ ذَنْبَ مَنْ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ وَأَخْلَصَ العَمَلَ، فَلاَ أَفْضَحُهُ وَلاَ أُعَاقِبَهُ، وَلاَ أُعَذِّبُهُ عَلَى ذَنْبٍ بَعْدَ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ.
(٥٠) - وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَذَابِي لِمَنْ كَفَرَ وَعَتَا وَاسْتَكْبَرَ، وَأَصَرَّ عَلَى ارْتِكَابِ المَعَاصِي، وَالإِقَامَةِ عَلَيْهَا... ، هُوَ العَذَابُ المُؤْلِمُ المُوجِعُ الذِي لاَ عَذَابَ مِثْلُهُ.
﴿إِبْرَاهِيمَ﴾
(٥١) - وَخَبِّرْهُمْ عَنْ قِصَّةِ الضَّيْفِ الذِي نَزَلُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، (وَكَلِمَةُ ضَيْفٍ تُطْلَقُ عَلَى الوَاحِدَ وَعَلَى الجَمِيعِ) وَضَيْفُ إِبْرَاهِيمَ هؤُلاَءِ هُمُ المَلاَئِكَةُ الكِرَامُ، الذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى قَوْمِ لُوطٍ لإِيقَاعِ العَذَابِ بِهِمْ.
ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ - أَضْيَافِهِ وَكَانُوا مِنَ المَلاَئِكَةِ.
﴿سَلاماً﴾
(٥٢) - فَقَدْ دَخَلُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ إِنَّهُ خَائِفٌ مِنْهُمْ (وَجِلُونَ). وَسَبَبُ خَوْفِهِ أَنَّهُ قَدَّمَ إِلَيْهِم العِجْلَ المَشْوِيَّ فَرَآهُمْ لاَ تَمْتَدُّ أَيْدِيهِمْ إَلَى الطَّعَامِ، فَظَنَّ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ شَرّاً.
وَجِلُونَ - فَزِعُونَ وَخَائِفُونَ.
﴿بِغُلامٍ﴾
(٥٣) - فَقَالُوا لَهُ لاَ تَخَفْ مِنّا إِنَّنَا رُسُلُ رَبِّكَ، وَقَدْ أَتَيْنَا لِنُبَشِرَكَ بِأَنَّ اللهَ سَيَرْزُقُكَ وَلَداً (وَهُوَ إِسْحَاقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، يَكُونُ ذَا عِلْمٍ وَفِطْنَةٍ وَفَهْمٍ فِي الدِّينِ.
(٥٤) - فَقَالَ لَهُمْ مُتَعَجِّباً أَنْ يُوْلَدُ لَهُ وَلَدٌ، بَعْدَ أَنْ كَبُرَ وَطَعَنَ فِي السِّنِّ هُوَ وَزَوْجَتُهُ: كَيْفَ تُبَشِّرُونَنِي بِوِلاَدَةِ وَلَدٍ لِي بَعْدَ أَنْ عَلاَنِيَ الكِبَرُ، وَأَثَّرَ فِيَّ، وَتِلْكَ حَالٌ تَتَنَافَى مَعْ هَذِهِ البُشْرَى، فَبَأَيِّ أُعْجُوبَةٍ تُبَشِّرُونَ؟ وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ هَذَا القَوْلَ مُتَعَجِّباً، لاَ مُسْتَبْعِداً حُصُولَ ذَلِكَ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُعْجِزُهُ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ.
﴿بَشَّرْنَاكَ﴾ ﴿القانطين﴾
(٥٥) - فَأَجَابَهُ الرُّسُلُ مُؤَكِّدِينَ البُشْرَى: إِنَّهُمْ يُبَشِّرُونَهُ بِالوَلَدِ تَحْقِيقاً وَبِشَارَةً، وَيَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَكُونَ مِنَ اليَائِسِينَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ.
القَانِطِينَ - الآيِسِينَ مِنَ الخَيْرِ أَوِ الوَلَدِ.
(٥٦) - فَأَجَابَهُمْ إِنَّهُ لَيْسَ قَانِطاً مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلَكِنَّهُ يَرْجُو الوَلَدَ مِنَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ كَبُرَ وَأَسَنَّتْ زَوْجَتُهُ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ قُدْرَةِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. وَلاَ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِلاَّ مَنْ ضَلَّ طَرِيقَ الهِدَايَةِ وَالإِيمَانِ، وَجَهِلَ عَظَمَةَ الخَالِقِ.
(٥٧) - وَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ، وَجَاءَتْهُ البُشْرَى، أَخَذَ يَسْأَلُ المَلاَئِكَةَ الكِرَامَ عَمَّا جَاؤُوا مِنْ أَجْلِهِ غَيْرَ البُشْرَى، فَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَالبُشْرَى لاَ تَحْتَاجُ إِلَى هَذا العَدَدِ.
فَمَا خَطْبُكُمْ - فَمَا شَأْنُكُمُ الخَطِيرُ؟
(٥٨) - فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُمْ مُرْسَلُونَ مِنْ قِبَلِ اللهِ تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ مِجْرِمِينَ، يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، وَلإِهْلاَكِهِمْ، وَهَؤُلاَءِ هُمْ قَوْمُ لُوطٍ.
﴿آلَ﴾
(٥٩) - وَإِنَّهُمْ سَيُنَجُّونَ لُوطاً وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ.
﴿الغابرين﴾
(٦٠) - وَلاَ يَسْتَثْنُونَ مِنْ آلِ لُوطٍ إِلاَّ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهَا سَتَكُونُ مِنَ الذِينَ يَبْقُونَ فِي المَدِينَةِ حِينَ نُزُولِ العَذَابِ بِقَوْمِهَا، فَتَهْلِكُ مَعَ مَنْ يَهْلِكُ مِنْ قَوْمِهَا.
الغَابِرِينَ - تَأْتِي بِمَعْنَى البَاقِينَ، وَبِمَعْنَى الهَالِكِينَ.
قَدَّرْنَا - قَضَيْنَا وَحَكَمْنَا أَوْ عَلِمْنَا.
﴿آلَ﴾
(٦١) - وَلَمَّا جَاءَ المُرْسَلُونَ إِلَى لُوْطٍ، فِي صُورَةِ شُبَّانٍ صِبَاحِ الوُُجُوهِ.
(٦٢) - فَضَاقَ لُوطٌ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، بِهَؤُلاَءِ الضُّيُوفِ ذَرْعاً، خَوْفاً عَلَيْهِمْ مِنْ فَسَادِ قَوْمِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمِ القُدُومَ إِلَى هَذِهِ القَرْيَّةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا.
قَوْمٌ مُنْكَرُونَ - أُنْكِرُكُمْ وَلاَ أَعْرِفُكُمْ.
﴿جِئْنَاكَ﴾
(٦٣) - فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُمْ جَاؤُوُهُ بِالعَذَابِ لِقَوْمِهِ، وَبِهَلاَكِهِمْ وَدَمَارِهِمْ وَقَدْ كَانُوا يَشُكُّونَ فِي حُلُولِهِ بِسَاحَتِهِمْ، حِينَمَا كَانَ لُوطٌ يُحَذِّرُهُمْ مِنْهُ، وَيُخَوِّفُهُمْ نُزُولَهُ بِهِمْ، عِقَاباً لَهُمْ مِنَ اللهِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَفِسْقِهِمْ وَفَسَادِهِمْ.
فِيهِ يَمْتَرُونَ - يَشُكُّونَ وَيُكَذِّبُونَ فِيهِ.
﴿وَآتَيْنَاكَ﴾ ﴿لَصَادِقُونَ﴾
(٦٤) - وَإِنَّا أَتَيْنَاكَ بِالأَمْرِ المُحَقَّقِ المُتَيَقّنِ الذِي لاَ مَجَالَ لِلشَّكِ فِيهِ، وَهُوَ العَذَابُ الذِي قَدَّرَ اللهُ إِنْزَالَهُ بِقَوْمِهِ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرْنَاكَ بِهِ مِنْ إِهْلاَكِ قَوْمِكَ وَإِنْجَائِكَ وَأَهْلَكَ.
﴿الليل﴾ ﴿أَدْبَارَهُمْ﴾
(٦٥) - ثُمَّ أَمَرَتِ المَلاَئِكَةُ لُوطاً بِأَنْ يُسْرِيَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ جَانِبٍ مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ بِطَائِفَةٍ مِنْهُ (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) وَأَنْ يَمْشِيَ لُوطٌ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، خَلْفَهُمْ فِي المُؤَخَّرَةِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهُمْ، وَأَمَرُوهُ بِأَنْ لاَ يَلْتَفِتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى الخَلْفِ حِينَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ تَنْزِلُ بِالقَوْمِ الفَاسِقِينَ، وَفِيهَا العَذَابُ وَالدَّمَارُ. وَلْيَتَّجِهْ لُوطٌ وَأَهْلُهُ إِلَى المَكَانِ الذِي عَيَّنَهُ اللهُ لَهُمْ، لِيَكُونَ دَارَ مَقَامِهِمِ الجَدِيدِ.
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ - جَانِبٍ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ آخِرِهِ.
اتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ - سِرْ خَلْفَهُمْ لِتَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ.
(٦٦) - وَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الأَمْرُ يَقْضِي مَبْتُوتٌ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ آخِرَ قَوْمِكَ (دَابِرَهُمْ) سَيَكونُ هَالِكاً مُسْتَأْصِلاً حِينَمَا يَدْخُلُ صَبَاحُ لَيْلَتِهِمْ تِلْكَ، وَلاَ يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ حَيّاً. (وَإِذَا هَلَكَ دَابِرُ القَوْمِ فَقَدْ هَلَكَ أَوَّلُهُمْ، أَيْ هَلَكُوا جَمِيعاً).
قَضَيْنَا إِلَيْهِ - أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ.
دَابِرَ هَؤُلاَءِ - آخِرَهُمْ. وَالمُرَادُ بِالتَّعْبِيرِ أَنَّهُمْ جَمِيعاً سَيَكُونُونَ هَالِكِينَ.
(٦٧) - ثُمَّ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى يَقصُّ مَا صَدَرَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، حِينَما عَلِمُوا بِقُدُومِ أَضْيَافٍ صِبَاحِ الوُجُوهِ إِلىَ دَارِ لُوْطٍ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ دَمَارِهِمْ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ تَعَالَى سَابِقاً. فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ أَهْلَ القَرْيَةِ جَاؤُوا إِلَى دَارِ لُوْطٍ مُسْرِعِينَ مُسْتَبْشِرينَ بِأَنَّهُمْ سَيَنَالُونَ بُغْيَتَهُمْ، بِفِعْلِ الفَاحِشَةِ، مِنْ هَؤُلاَءِ الضُّيُوفِ.
(وَقِيلَ إِنَّ امْرَأَةَ لُوْطٍ هِيَ التِي أَخْبَرَتْ قَوْمَهَا بِوُصُولِ الأَضْيَافِ إِلَى دَارِ زَوْجِها).
(٦٨) - وَقَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ لُوطٌ أَنَّ أَضْيَافَهُ هُمْ رُسُلُ رَبِّهِ إِلَيْهِ، أَخَذَ يُدَافِعُ قَوْمَهُ عَنْهُمْ، وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ أَضْيَافُهُ، وَرَجَاهُمْ أَنُ لاَ يَخْذُلُوهُ، وَيُهِينُوهُ بِالاعْتِدَاءِ عَلَى أَضْيَافِهِ وَخَفْرِ ذِمَّتِهِ.
(٦٩) - وَأَرَادَ لُوطٌ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِحَقِّهِ عَلَيْهِمْ، وَيَرْجُوَهُمْ أَنْ لاَ يُخْزُوهُ أَمَامَ ضُيُوفِهِ، فَنَاشَدَهُمُ اللهَ، وَذَكَّرَهُمْ بِمَا يَتَوَجّبُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَقْوَى اللهِ، وَمُرَاعَاةِ جَانِبِهِ تَعَالَى.
﴿العالمين﴾
(٧٠) - فَقَالُوا لَهُ: أَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ اسْتِضَافَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فِي قَرْيَتِنَا، فَقَدْ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ لِكُلِّ غَرِيبٍ بِالسُّوءِ، وَكَانَ لُوطٌ يُدَافِعُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ارْتِكَابِ الفَوَاحِشِ، وَيُدَافِعُهُمْ عَنْ أَضْيَافِهِ.
عَنِ العَالَمِينَ - عَنْ إِجَارَةِ أَوْ ضِيَافَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.
﴿فَاعِلِينَ﴾
(٧١) - فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْ نَسَاءِ القَرْيَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ.
(وَقَدْ سَمَّى نِسَاءَ قَوْمِهِ بِنَاتِهِ لأَنَّ رَسُولَ الأُمَّةِ كَالأَبِ فِيهَا).
(٧٢) - فَقَالَتِ المَلاَئِكَةُ لِلُوطٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَحَيَاتِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، إِنَّ قَوْمَكَ لَفِي ضَلاَلَتِهِمْ التِي جَعَلَتْهُمْ حَيَارَى لاَ يَعْرِفُونَ مَا أَحَاطَ بِهِمْ مِنَ البَلاَءِ، وَلاَ مَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنَ العَذَابِ، لِمَا أَصَابَهُمْ مِنْ عَمَى البَصِيرَةِ (يَعْمَهُونَ). (أَوْ أَنَّ القَسَمَ بِحَيَاةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ قِبَلِ اللهِ تَعَالَى).
سَكْرَتِهِمْ - غَوَايَتِهِمْ وَضَلاَلَتِهِمْ.
يَعْمَهُونَ - يَعْمَوْنَ عَنِ الرُّشْدِ أَوْ يَتَحَيَّرُونَ.
(٧٣) - فَنَزَلَ بِهِم العَذَابُ المُنْتَظَرُ، وَأَخْذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ، وَقتَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنَ الصُّبْحِ، وَانْتِهَاؤُهَا حِينَ الشُّرُوقِ، لِذَلِكَ قَالَ أَوْلاً (مُصْبِحِينَ) وَقَالَ هُنَا (مُشْرِقِينَ).
﴿عَالِيَهَا﴾
(٧٤) - فَهَدَمَ اللهُ بَلَدَهُمْ، وَقَلَبَهَا فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، زَلْزَلَ أَرْضَهُمْ، وَجَعَلَ عَالِيَ بَلَدِهِمْ سَافِلَهَا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ أَثْنَاءَ ذَلِكَ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مَشْوِيٍّ، أَوْ مُتَحَجِّرٍ، (سِجِّيلٍ)، فَقَتَلَتْ مِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ الزِّلْزَالُ، وَهَدَمَتِ البُيُوتَ.
سِجِّيلٍ - طِينٍ مُتَحَجِّرٍ طُبِخَ بِالنَّارِ.
﴿لآيَاتٍ﴾
(٧٥) - وَإِنَّ فِيمَا فَعْلَنَاهُ بِقَوْمِ لُوطٍ، مِنَ الهَلاَكِ وَالعَذَابِ، لِدَلاَلاَتٍ لِمَنْ يَتَفَكَّرُونَ فِي الكَوْنِ فَيَعْتَبِرُونَ بِمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ العِظَاتِ وَالعِبَرِ، وَلِمَنْ يَتَأَمَّلُونَ ذَلِكَ وَيَتَوَسَّمُونَهُ، وَيَنْظُرُونَهُ بِعَيْنِ البَصِيرَةِ وَالبَصَرِ.
لِلْمُتَوَسِّمِينَ - لِلْمُتَفَرِّسِينَ. المُتَأَمِّلِينَ.
(٧٦) - وَإِنَّ هَذِهِ القَرْيَةَ (قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ) التِي دَمَّرَهَا اللهُ تَعَالَى، وَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا لَهِيَ فِي طَرِيقٍ مُعْلَمٍ وَاضِحٍ يِمُرُّ بِهِ المُسَافِرُ مِنَ الحِجَازِ إِلَى الشَّامِ، وَيَرَى أثَارَها البَاقِيَةَ.
لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ - فِي طَرِيقٍ وَاضِحٍ بَاقٍ لَمْ يَنٍدَثِرْ.
﴿لآيَةً﴾
(٧٧) - وَالذِي صَنَعْنَاهُ بِقَوْمِ لُوطٍ مِنَ الهَلاَكِ وَالدَّمَارِ، وَمَا قُمْنَا بِهِ مِنْ إِنْجَاءِ لُوطٍ وَأَهْلِهِ، لَدَلاَلَةٌ، وَعِبْرَةٌ جَلِيَّةٌ لِلمُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، لأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ العَذَابِ إِنَّمَا كَانَ انْتِقَاماً مِنْ أُوْلَئِكَ الكَفَرَةِ الفَسَقَةِ، الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِهِ.
﴿أَصْحَابُ﴾ ﴿لَظَالِمِينَ﴾
(٧٨) - وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ هُمْ قَوْمُ شُعَيبٍ، وَكَانَ ظُلْمُهُمْ بِشِرْكِهِمْ بِاللهِ، وَقَطْعِهِم الطَّرِيقَ عَلَى السَّابِلَةِ، وَبَخْسِهِمْ المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ، فَأَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ شُعَيْباً فَكَذَّبُوهُ.
الأَيْكَةِ - البُقْعَةِ الكَثِيفَةِ الشَّجَرِ.
(٧٩) - فَانْتَقَمَ اللهُ مِنْهُمْ بِالصَّيْحَةِ وَالرَّجْفَةِ، وَعَذَابِ يَوْمِ الظُلَّةِ. وَكَانَتْ أَرْضُهُمْ قَرِيبَةٌ مِنْ أَرْضِ قَوْمِ لُوطٍ، وَكَانُوا بَعْدَهُمْ فِي الزَّمَانِ، وَكَانَتْ قَرْيَتُهُمْ وَقُرَى قَوْمِ لُوطٍ تَقَعُ عَلَى طَرِيقٍ ظَاهِرٍ يَأْتَمُّونَ بِهِ، وَيَهْتَدُونَ فِي سَيْرِهِمْ، بَيْنَ الحِجَازِ وَالشَّامِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ شُعَيبٌ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، حِينَمَا حَذَّرَهُمْ نَقْمَةَ اللهِ: ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ﴾.
وَإِنَّهُمَا - أَيْ قَرْيَةُ لُوطٍ وَقَرْيَةُ أَصْحَابِ الأَيْكَةِ.
لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ - بِطَرِيقٍ وَاضِحٍ يَأْتَمُّونَ بِهِ فِي أَسْفَارِهِمْ.
﴿أَصْحَابُ﴾
(٨٠) - وَأَصْحَابُ الحِجْرِ هُمْ قَوْمُ ثَمُودَ، وَقَدْ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ صَالِحاً، وَمَنْ كَذَّبَ بِرَسُولٍ فَقَدْ كَذَّبَ بِجَمِيعِ المُرْسَلِينَ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى إِنَّهُمْ كَذَّبُوا المُرْسَلِينَ.
الحِجْرِ - دِيَارُ ثَمُودَ بَيْنَ المَدِينَةِ وَتَبُوكَ.
﴿آتَيْنَاهُمْ﴾ ﴿آيَاتِنَا﴾
(٨١) - وَآتَاهُمُ اللهُ مِنَ الآيَاتِ مَا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُهُمْ صَالِحٌ، وَمِنْ هَذِهِ الآيَاتِ أَنَّهُ دَعَا اللهَ - بِنَاءً عَلَى اقْتِرَاحِ قَوْمِهِ - فَأَخْرَجَ لَهُمْ نَاقَةً عَشْرَاءَ مِنْ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ، وَكَانَتِ النَّاقَةُ تَسْرَحُ فِي بِلاَدِهِمْ، وَتَقْتَسِمُ مَعَهُمُ المَاءَ، فَتَشْرَبُهُ يَوْماً، وَيَشْرَبُونَهُ يَوْماً، فَضَاقُوا بِالنَّاقَةِ ذَرْعاً فَعَقَرُوهَا (ذَبَحُوهَا أَوْ قَتَلُوهَا)، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ عَنْ آخِرِهِمْ، وَدَمَّرَ عَلَيْهِمْ.
﴿آمِنِينَ﴾
(٨٢) - وَكَانُوا يَنْحِتُونَ بُيُوتَهُمْ فِي الجِبَالِ، مَخَافَةَ هَدْمِهَا أَوْ نَقْبِهَا مِنْ قِبَلِ اللُّصُوصِ، أَوْ مَخَافَةِ تَخْرِيبِ الأَعْدَاءِ لَهَا.
(وَقِيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْحِتُونَ بُيُوتَهُمْ فِي الجِبَالِ مِنْ غَيْرِ خُوْفٍ، وَمِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَطْراً وَأَشْراً وَعَبَثاً).
(٨٣) - فَلَمَّا كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ، وَعَقَرُوا النَّاقَةَ، قَالَ لَهُمْ صَالِحُ نَبِيُّهُمْ: لَقَدْ عَتَوْتُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّكُمْ فَانْتَظِرُوا عِقَابَ اللهِ، وَعَذَابَهُ عَلَى فِعْلِكُمْ، بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَفِي اليَوْمِ المُحَدَّدِ لِنُزُولِ العَذَابِ بِهِمْ - وَهُوَ اليَوْمُ الرَّابِعُ - أَخَذَتْهُمْ صَيْحَةُ العَذَابِ عَنِ الصَّبَاحِ، فَدَمَّرَهُمُ اللهُ جَمِيعاً وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَداً.
(٨٤) - فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ مَا كَانُوا يَسْتَغِلُّونَهُ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ التِي ضَنُّوا بِمَائِهَا عَلَى النَّاقَةِ، حَتَّى عَقَرُوهَا، لِكَيْلاَ تُشَارِكَهُمْ فِيهِ، وَلَمْ تَدْفَعُ عَنْهُمُ الأَمْوَالَُ التِي يَكْسِبُونَهَا مِنْ أَعْمَالِهِمْ فِي نَحْتِ البُيُوتِ، وَإِعْمَارِ الأَرْضِ، لَمَّا جَاءَهُمْ أَمْرُ اللهِ، كَمَا لَمْ تَمْنَعْهُمُ البُيُوتُ التِي نَحَتُوهَا فِي الجِبَالِ لِتَدْفَعَ عَنْهُمْ عَادِيَّاتُ الدَّهْرِ، مِنْ قَضَاءِ اللهِ شَيْئاً.
﴿السماوات﴾
(٨٥) - يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ، وَلْحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ. وَلَمْ يَخْلُقْهُمَا بَاطِلاً وَعَبَثاً، لِلَّهْوِ وَالتَّسْلِيَّةِ. ثُمَّ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ بِأَنَّ السَّاعَةَ سَتَقُومُ لاَ مَحَالَةَ، وَحِينَئِذٍ يَلْقَى كُلُّ وَاحِدٍ جَزَاءَهُ. ثٌمَّ أَمَرَهُ بِالصَّفْحِ عَنْ إِسَاءَاتِ المُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمْ لَهُ، وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ.
﴿الخلاق﴾
(٨٦) - وَيُقَرِّرُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّهُ سَيَبْعَثُ الخَلْقَ حِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ لأَنَّهُ الخَلاَّقُ الذِي لاَ يُعْجِزُهُ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ، لأَنَّهُ العَلِيمِ بِأَحْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَبِمَا تَفَرَّقَ مِنْ أَجْسَادِهِمْ فِي أَرْجَاءِ الأَرْضِ.
﴿آتَيْنَاكَ﴾ ﴿القرآن﴾
(٨٧) - يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِنَبِّيهِ ﷺ: إِنَّهُ آتَاهُ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي، وَآتَاهُ القُرْآنُ العَظِيمُ.
وَاخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ حَوْلَ المَقْصُودِ (بِالسَّبْعِ المَثَانِي) فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا سُوَرُ القُرْآنِ الطِّوَالِ (البَقَرَةُ وَآلِ عُمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالمَائِدَةُ وَالأَنْعَامُ وَالأَعْرَافُ وَيُونُسُ). وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ فِي هَذِهِ السُّوَرِ السَّبْعِ الفَرَائِضَ وَالحُدُودَ وَالقِصَاصَ وَالأَحْكَامَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَيَّنَ، فِي هَذِهِ السُّوَرِ السَّبْعِ، الأَمْثَالَ وَالخَبَرَ وَالعِبَرَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهَا سُورَةُ الفَاتِحَةِ، وَسُمِّيَتْ بِالسَّبْعِ المَثَانِي لأَنَّهَا تَتَأَلَّفُ مِنْ سَبْعِ آيَاتٍ فِيهَا الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللهِ، وَيُثَنَّي بِهَا فَتُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلاَةِ.
وَفِي حَدِيثٍ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ " أُمُّ القُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالقُرْآنُ العَظِيمُ " (رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ).
سَبْعاً - سَبْعَ آيَاتٍ وَهِيَ الفَاتِحَةُ.
مِنَ المَثَانِي - التِي تُثَنَّى وَتُكَرَّرُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلاَةِ.
﴿أَزْوَاجاً﴾
(٨٨) - لَقَدْ آتَيْنَاكَ، يَا مُحَمَّدُ، القُرْآنَ العَظِيمَ، وَالسَّبْعَ المَثَانِيَ، فَقَدْ أُوتِيتَ النِّعَمَ العَظِيمَةَ التِي لاَ تُدَانِيهَا نِعَمٌ فِي الدُّنْيا، فَلاَ تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى زِينَتِهَا وَزُخْرُفِهِا، وَلاَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَهْلَهَا مِنْ زَهْرَتِهَا الفَانِيَةِ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ، فَلا تَغْبِطْهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ، وَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ حُزْناً عَلَيْهِمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ لَكَ، وَمُخَالَفَتِكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ، وَأَلِنْ جَانِبَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ.
اخْفِضْ جَنَاحَكَ - تَوَاضَعْ وَأَلِنْ جَانِبَكَ.
أَزْوَاجاً مِنْهُمْ - أَصْنَافاً مِنَ الكُفَّارِ.
الأَزْوَاجُ - وَاحِدُهَا زَوْجٌ - وَهُوَ هُنَا الصّنْفُ.
(٨٩) - وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ بِأَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ إِنَّهُ نَذِيرٌ إِلَيْهِمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، قَدْ يَحِلُّ بِهِمْ، كَمَا حَلَّ بِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الأُمَمِ التِي كَذَّبَتْ رَسُلَهَا وَأَخَذَهَا اللهُ.
(٩٠) - المُقْتَسِمُونَ هُمُ الذِينَ يَجْتَمِعُونَ وَيَحْلِفُونَ (يَقْسِمُونَ) عَلَى مُخَالَفَةِ الأَنْبِيَاءِ، وَعَلَى إِيذَائِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ. أَوْ كَمَا فَعَلَ الرَّهْطُ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ الذِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ، إِذْ اجْتَمَعُوا وَأَقْسَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، عَلَى مَا اتَّفَقًوا عَلَيْهِ، لِكَيْلاَ يَنْكِلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَيَتَرَاجَعَ عَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فَكَانَ هَؤُلاَءِ المُقْتَسِمِينَ لاَ يَجْمَعُونَ عَلَى أَمْرٍ إِلاَّ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ.
وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ أَنْزَلَ العَذَابَ بِهَؤُلاَءِ، كَمَا أَنْزَلَهُ بِالَّذِينَ تَقَاسَمُوا وَتَحَالَفُوا عَلَى تَكْذِيبِ الأَنْبِيَاءَ وَقَتْلِهِمْ وَإِيذَائِهِمْ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ المَعْنَى هُوَ: إِنَّنَا آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي، كَمَا آتَيْنَا مِنْ قَبْلِكَ اليَهُودَ التَّوْرَاةَ، وَالنَّصَارَى الإِنْجِيلَ، وَهُمُ الذِينَ اقْتَسَمُوا القُرْآنَ، وَجَزَّؤُوهُ أَجْزَاءً، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ الذِي وَافَقَ كِتَابَهُمْ، وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ وَهُوَ مَا خَالَفَهُ).
المُقْتَسِمِينَ - أَهْلُ الكِتَابِ - أَوْ مَنْ يَقْسِمُونَ عُلَى كُلِّ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ.
﴿القرآن﴾
(٩١) - الذِينَ جَزَّؤُوا كِتَابَ اللهِ فَجَعَلُوهُ أَصْنَافاً فَآمَنُوا بِبَعْضٍ، وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ.
عِضِينَ - أَعْضَاءً وَأَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ.
﴿لَنَسْأَلَنَّهُمْ﴾
(٩٢) - وَيُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى بِذَاتِهِ الكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّهُ سَيَسْأَلُ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ وَالمُقْتَسِمِينَ... جَمِيعاً عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ فِيمَا بَعَثْنَاكَ بِهِ إِلَيْهِمْ.
(٩٣) - أَيْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى سَيَسْأَلُ هَؤُلاَءِ الذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ، فَآمِنُوا بِبِعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، عَنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، حِينَمَا يَحْشُرُهُمْ لِلْحِسَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
(٩٤) - يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ بِإِبْلاَغِ أَمْرِ رَبِّهِ إِلَى النَّاسِ، وَالصَّدْعِ بِهِ، وَمُوَاجَهَةِ المُشْرِكِينَ بِهِ، وَعَدَمِ الخَوْفِ مِنْهُمْ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ، وَحِفَظَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.
فَاصْدَعْ - فَاجْهَرْ بِهِ، أَوْ امْضِهِ وَنَفِّذْهُ.
﴿كَفَيْنَاكَ﴾ ﴿المستهزئين﴾
(٩٥) - وَاللهُ تَعَالَى قَدْ كَفَاكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ أَمْرَ الذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْكَ وَمِنَ القُرْآنِ، وَحَفِظَكَ مِنْهُمْ.
وَالمُسْتَهْزِئُونَ هُمْ رُؤُوسُ الشِّرْكِ الذِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ﷺ، وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ مَرَّ بِخَمْسَةٍ مِنْهُمْ، فَأَخَذُوا يَتَغَامَزُونَ عَلَيْهِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَكَفَاُه اللهُ أَمْرَهُمْ، وَشَرَّهُمْ.
﴿آخَرَ﴾
(٩٦) وَهَؤُلاَءِ حَلَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ وَعَذَابُهُ لأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَع اللهِ مَعْبُوداً آخَرَ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ مَصِيرَهُمْ فِي العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
(٩٧) - وَإِنَّا لَنَعْلَمُ - يَا مُحَمَّدُ - أَنَّكَ تَشْعُرُ بِالضِّيقِ وَالانْقِبَاضِ مِنْ أَذَاهُمْ، وَمَنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ، وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِكَ، فَلاَ يَضِيقَنَّ بِذَلِكَ صَدْرُكَ، وَلاَ يُثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْ إِبْلاَغِ رِسَالَةِ رَبِّكَ.
﴿الساجدين﴾
(٩٨) - وَإِذَا نَزَلَ بِكَ ضِيقٌ، وَأَخَذَتْكَ شِدَّةٌ، فَافْزَعْ إِلَى رَبِّكَ، وَتَوَّكَّلْ عَلَيْهِ، وَاشْتَغِلْ بِذِكْرِهِ وَحَمْدِهِ، وَتَسْبِيحِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالصَّلاَةِ لَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخَفِّفُ عَنْكَ مَا تَلْقَاهُ مِنْهُمْ. (وَلِذَلِكَ كَانَ الرَّسُولُ ﷺ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ لَجَأَ إِلَى الصَّلاَةِ).
(٩٩) - وَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ بِالدَّوَامِ عَلَى عِبَادَتِهِ تَعَالَى، وَبِالمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا حَتَّى يَحِينَ أَجَلُهُ.
اليَقِينُ - هُوَ المَوْتُ المُتَيَقَّنُ وُقُوعُهُ.
Icon