تفسير سورة الشعراء

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
اشتملت هذه السورة في بدايتها علي التنويه بشأن القرآن، وانتقلت بعده إلي ذكر تهديد الكافرين بقدرة الله علي إنزال العذاب بهم، وتسلية النبي صلي الله عليه وسلم عن تكذيب قومه بما لقيه فريق من رسل الله من تكذيب أممه، فحدثت عن لقاء موسى وهارون لفرعون، وتكذيبه لهما، ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم أبي الأنبياء، ونبأ نوح مع قومه، وشأن هود مع عاد، وصالح مع ثمود، ثم شرحت السورة دعوة لوط، وقصة شعيب مع أصحاب الأيكة.
ويرى المتأمل في قصص هؤلاء النبيين أن أصول دعوتهم واحدة، وأسلوب الكافرين في رد رسالتهم واحد. ثم ختمت السورة بالتنويه بشأن القرآن، كما افتتحت به، وأنهت الحديث بإبطال أن يكون الرسول من الشعراء وأن يكون القرآن شعرا.

١- هذه الحروف لبيان أن القرآن المعجز للبشر ركبت كلماته منها ومن أخواتها، وهي في طوقهم، فمن ارتاب في أنه من عند الله فليأت بمثله، ولن يستطيع.
٢- هذا الكلام الذي أوحيت به إليك آيات الكتاب الموضح لما اشتمل عليه من أحكام.
٣- أشفق علي نفسك - أيها النبي - أن تقتلها حزناً علي عناد قومك، وعدم إيمانهم.
٤- إن في قدرتنا أن نأتيهم بمعجزة تلجئهم إلي الإيمان، فيخضعوا لأمره، ويتم ما ترجوه، ولم نأتهم بذلك لأن سنتنا تكليف الناس بالإيمان دون إلجاء، كي لا تفوت الحكمة في الابتلاء، وما وراءه من ثواب وعقاب.
٥- وما يجدد الله لقومك بوحيه ما يذكرهم بالدين الحق، رحمة بهم، إلا جددوا إعراضاً عنه، وكفراً به، حيث أغلقت أمامهم طرق الهداية.
٦- فقد كذّب هؤلاء بالحق الذي جئتهم به، وسخروا منه، فاصبر عليهم، فسيرون عاقبة استهزائهم القاصمة.
٧- فَعلوا ما فَعلوا من الكفر والتكذيب ولم ينظروا إلي بعض خلق الله في الأرض، ولو نظروا متأملين لاهتدوا، فهذه الكثرة من أصناف النباتات النافعة أخرجناها من الأرض، ولا يستطيع ذلك غير إله واحد قدير.
٨- إن في إخراج النبات من الأرض لدلالة عظيمة علي وجود الخالق القدير، وما كان أكثر القوم مؤمنين.
٩- وإن مالك أمرك وحافظك لهو المنتقم من المكذبين المتفضل بالرحمة علي المؤمنين.
١٠- واذكر - يا محمد - لقومك قصة موسى حين ناداه ربك : يا موسى، اذهب رسولا إلي القوم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وبني إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد.
١١- ائت قوم فرعون، فإنهم ماضون في ظلمهم. عجباً لهم ! أما يخافون عاقبة ذلك ويحذرونها ؟
١٢- قال موسى : يا رب إنني أخشى ألا يقبلوا رسالتي كبْراً وعناداً.
١٣- ويحيط بي الغم إذا كذبوني، ولا ينطلق لساني حينئذٍ في محاجتهم كما أحب، فأرسل جبريل إلي أخي هارون ليؤازرني في أمري.
١٤- ولهؤلاء ذنب علي، فقد قتلت منهم رجلا فأخاف أن يقتلوني قصاصاً قبل أداء مهمتي، ويزيدني ذلك خوفاً.
١٥- قال الله له : لن يقتلوك، وقد أجبت سؤالك في هارون، فاذهبا مزودين بمعجزاتنا، إني معكما بالحفظ أسمع ما يجرى بينكما وبين فرعون، فلكما النصر والتأييد.
١٦- فتوجها إلي فرعون فقولا له : إنَّا مرسلان إليك من رب العالمين.
١٧- يقول لك رب العالمين : أطلقْ سراح بني إسرائيل ليذهبوا معنا.
١٨- قال فرعون لموسى مُمْتَناً - وقد عرفه حينما دخلا عليه وأديا الرسالة حيث تربي في قصره - ألم نربك فينا وليداً، ومكثت في رعايتنا سنين من عمرك ؟.
١٩- وجنيت جنايتك النكراء بقتلك رجلا من قومي، وجحدت نعمتي التي سلفت منا عليك، فلم تحفظ رعيتي، واعتديت علي ألوهيتنا بادعاء أنك رسول رب العالمين.
٢٠- قال موسى : لقد فعلت ما ذكرت جهلا بما يفضى إليه العقل من القتل، فلا تثريب علي.
٢١- ففررت منكم لما خفت أن تقتلوني بهذه الجناية التي لم تكن عن عمد، فوهب لي ربي فهْماً وعلماً، تفضلا وإنعاماً، وجعلني من المرسلين.
٢٢- أشار موسى إلي خصلة ذميمة من خصال فرعون، وبيَّن أنها تعبيد بني إسرائيل وذبح أبنائهم، وأبى أن تسمى تربيته في بيته نعمة، فسببها اتصافه بما تقدم، فألقى في اليَم لينجو من قتله، فآل إلي بيته، ولولا ذلك لرباه أبواه.
٢٣- قال فرعون : وما صفة رب العالمين الذي تذكره كثيراً، وتدعى أنك رسوله حيث لا نعلم عنه شيئاً ؟
٢٤- قال موسى هو مالك السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بصدق هذا الجواب لانتفعتم واهتديتم، وعرفتم أن مُلْك فرعون المُدَّعى لا يذكر في جانب ملكه، فهو لا يعدو إقليماً واحداً في الأرض.
٢٥- قال فرعون - يعجب لمن حوله من جواب موسى، إذْ ذكر ربَّا غيره لا يذكر في جانب ملكه ملك فرعون : كيف تسمعون كلام موسى ؟
٢٦- قال موسى ماضياً في أمره غير مبال بغيظ فرعون وسوء مقالته : رب العالمين خالقكم وخالق آبائكم السابقين، ومنهم مَن كان يدَّعى الأُلوهية كما تدَّعى، وقد لحقهم الفناء، وستفنى مثلهم فيبطل ما تدعيه، إذ الإله الحق لا يموت.
٢٧- قال فرعون محرضاً قومه علي تكذيبه : إن رسولكم لمجنون، حيث سألته عن حقيقة ربه فذكر لي أشياء وصفات غريبة.
٢٨- قال موسى : إن كنتم تعقلون فآمنوا برسالتي، لأن شروق الشمس وغروبها بتقدير مُحكم دليل ظاهر علي الخالق، إذن فأنتم الأحِقَّاء بصفة الجنون.
٢٩- قال فرعون لموسى : لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك واحداً ممن عرفت سوء حالهم في سجوني، وقد لجأ إلي تهديده بهذا بعد أن يئس من رفع آثار صنع الخالق.
٣٠- قال موسى متلطفاً طمعاً في إيمانه : أتجعلني من المسجونين ولو جئتك ببرهان عظيم يصدقني فيما أقول ؟
٣١- قال فرعون : فأت بالذي يشهد بنبوتك إن كنت صادقاً في دعواك، قال ذلك طمعاً في أن يجد موطن ضعف في حجته.
٣٢- فألقى موسى عصاه في الأرض أمامهم، فانقلبت ثعباناً حقيقياً، لا شيئاً مُزَوراً بالسِّحر يُشْبه الثعبان.
٣٣- وأخرج موسى يده من جيبه آية ثانية، فإذا هي بيضاء، اشتد بياضها من غير سوء، حتى بهر الناظرين.
٣٤- قال فرعون لقومه : إن موسى لساحر فائق في سحره. قال ذلك خشية أن يخضعوا للحق الذي رأوْه من موسى.
٣٥- وقال فرعون أيضاً : يريد هذا الساحر أن يقهرني فيخرجكم من أرضكم، وذلك تحريض علي موسى. إذ من أَشَقّ الأشياء مفارقة الوطن لاسيما إذا كانت قهراً. وطلب الرأي ممن يعبدونه ناسياً ألوهيته لقوة آيات موسى.
٣٦- قال له قومه : أجِّل الفصل في أمرهما، وأرسل الجند في المدائن يجمعون لك السحرة من رعيتك، فالسحر يعارض بالسحر.
٣٧- يأتوك بالعدد الكثير، وكلهم قد أجاد فن السحر ويفوق موسى عملا به ومراناً عليه. وقصدوا بهذا التخفيف من قلق فرعون.
٣٨- فجمع السحرة من كل أرجاء البلاد، وحدد لهم وقت الضحى من يوم الزينة للاجتماع بموسى.
٣٩- وقال الناس - يحث بعضهم بعضاً علي الاجتماع في اليوم المعلوم لحضور الحفل المشهود - :«هل أنتم مجتمعون » ؟ أي اجتمعوا.
٤٠- وأعلنوا توقعهم انتصار السحرة، فيثبتون علي دينهم، حمْلا على الاهتمام والجد في مغالبة موسى.
٤١- فلما جاء السحرة فرعون قالوا له : أيكون لنا قِبَلك أجر عظيم إن كنا نحن الغالبين ؟.
٤٢- قال فرعون : نعم لكم ما ذكرتم، ومع هذا الأجر العظيم تكونون من المقربين لديّ، ومن أصحاب الجاه والسلطان.
٤٣- قال موسى للسحرة - حينما جاء الوقت المحدد في اليوم الموعود - ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر.
٤٤- فألقوا حبالهم وعصيّهم، وخُيّل للناس أنها حيات تسعى، وأقسموا بعزة فرعون وقوته إنهم الغالبون.
٤٥- فألقى موسى عصاه، فإذا هي حية عظيمة تبتلع ما كانوا يزوِّرونه بالسحر من حبالهم وعصيِّهم، متوهمين أنها حيات تسعى.
٤٦- فبادر السحرة بالسجود لله حينما أيقنوا أن أمر موسى ليس بالسحر.
٤٧- قالوا مؤكدين فعل السجود بالقول :﴿ آمنا برب العالمين ﴾.
٤٨- وبيَّنوا أن رب العالمين الذي آمنوا به ﴿ رب موسى وهارون ﴾.
٤٩- قال فرعون - منكراً علي قومه إيمانهم بموسى قبل إذنه لهم، مهدداً إياهم علي ذلك بأنه أستاذهم الذي عليه تلقوا فنون السحر، وسيعلمون ما سينزل بهم من العقاب - : لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف. أقطع اليمنى مع اليسرى أو العكس. ولأُصلبنكم أجمعين.
٥٠- قال السحرة : لا ضرر علينا مما يلحقنا من عذابك الذي توعدتنا به. لأنا راجعون إلي ثواب ربنا، وهو خير ثواب وخير عاقبة.
٥١- إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا التي أسلفْناها، إذ كنا أول المؤمنين في قومك.
٥٢- وأوحى الله إلي موسى - عليه السلام - أن يسير ليلا بالمؤمنين من بني إسرائيل حينما لم تُجْدِ مصابرة موسى، وقد نظم أمر الفريقين علي أن يتقدم موسى بقومه، ويتبعهم فرعون بقومه حتى يدخلوا مدخلهم من طريق البحر، فيهلكهم الله.
٥٣- فأرسل فرعون جنده في مدائن مملكته يجمعون الأشداء من قومه حينما علم بسير موسى ببني إسرائيل، ليحول بينهم وبين ما يقصدون.
٥٤- قال فرعون : إن بني إسرائيل الذين فروا مع موسى طائفة خسيسة في شأنها قليل عددها. يثير بذلك الحمية في نفوس جنده.
٥٥- وإنهم مع هذا فاعلون ما يثير غيظنا بمخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا.
٥٦- وإنا لجمع من عادتنا الحذر واليقظة، والحزم في الأمور.
٥٧- فأخرجنا فرعون وجنوده من أرضهم الشبيهة بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فأهلكوا بصرفهم عن الحق، وإثارتهم إلي الخروج وراء موسى بما جاء في الآيات الثلاث السابقة.
٥٨- وأخرجناهم كذلك من كنوز الذهب والفضة والأماكن التي كانوا يقيمون فيها، مُنَعَّمين بجمالها وحسن مرافقها.
٥٩- مثل هذا الإخراج العجيب الذي وصفناه لك أخرجناهم، وجعلنا هذا الملك وما فيه من ألوان النعيم لبنى إسرائيل بعد أن كانوا مُعْدمين.
٦٠- جدَّ فرعون وقومه في السير ليلحقوا ببني إسرائيل، فلحقوا بهم وقت شروق الشمس.
٦١- فلما رأى كل من الجمعين الآخر قال أصحاب موسى : إن فرعون وقومه سيدركوننا، فينزل بنا الهلاك.
٦٢- قال موسى : إن معي عناية الله تلاحقني بالحفظ، وسيرشدني إلي طريق النجاة. ليطمئنوا علي سلامتهم، ولتبتعد عن أذهانهم فكرة الإدراك المفزعة.
٦٣- فأوحينا إلي موسى : أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر إلي اثني عشر طريقاً بعدد طوائف بني إسرائيل، وكان كل طريق من هذه الطرق حاجزاً من الماء كالجبل العظيم الثابت.
٦٤- وقرَّبنا فرعون وقومه حتى دخلوا هذه الطرق وراء موسى وقومه.
٦٥- وأنجينا موسى ومن معه بحفظ البحر متماسكاً حتى تم عبورهم.
٦٦- ثم أغرقنا فرعون ومن معه بإطباق الماء عليهم عندما تبعوهم.
٦٧- إن في ذلك التصرف الإلهي العجيب لعبرة لمن أراد أن ينتفع، وما كان أكثر القوم مصدقين.
٦٨- وإن خالقك ومربيك لهو القوى في الانتقام من المكذبين، المنعم بالرحمات علي المؤمنين.
٦٩- واتْلُ علي الكافرين - أيها الرسول - قصة إبراهيم - عليه السلام.
٧٠- إذ قال لأبيه وقومه : أي شيء هذا الذي تعبدونه مما لا يستحق العبادة ؛ يقصد تقبيح عبادة الأصنام.
٧١- قالوا مجيبين بطريق المباهاة : نعبد أصناماً فنقيم علي عبادتها دائماً تعظيماً لها وتمجيداً.
٧٢- قال إبراهيم : هل يسمعون دعاءكم، أو يستجيبون لكم إذ تدعونهم ؟ يقصد بذلك التنبيه علي فساد مسلكهم.
٧٣- أو يقدمون لكم نفعاً إذا أطعتموهم، أو يصيبونكم بضر إذا عصيتموهم ؟.
٧٤- قالوا : لا يفعلون شيئاً من ذلك، ولكن وجدنا آباءنا يعبدونها مثل عبادتنا، فقلدناهم فيما كانوا يفعلون.
٧٥- قال إبراهيم - تبكيتاً لهم - : أفكَّرتم فعلمتم أي شيء تستمرون علي عبادته ؟
٧٦- أنتم وآباؤكم الأقدمون. أهو أهل لأن يعبد أم لا ؟. لو تأملتم لعلمتم أنكم في الضلال المبين.
٧٧- فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لي ولكم، فلا أعبدهم. لكن خالق العالمين ومالك أمرهم وحافظهم هو الذي أعبده، وأتقرب إليه.
٧٨- الذي أوجدني من العدم في أحسن تقويم، ووهبني الهداية لما يوصلني إلي سعادتي في الدنيا والآخرة.
٧٩- وهو الذي أنعم علي بالطعام والشراب، وأقدرني على تناولهما والانتفاع بهما، حفظاً لحياتي.
٨٠- وإذا نزل بي مرض فهو الذي يشفيني بتيسير أسباب الشفاء، وتفويض الأمر إليه.
٨١- والذي يُميتني إذا حلَّ أجلي، والذي يُحييني مرة أخرى للحساب والجزاء.
٨٢- والذي أطمع في غفرانه وتجاوزه عما فرط منى من الهفوات في الدنيا، إذا جاء وقت الحساب.
٨٣- قال إبراهيم - عليه السلام - داعياً : رب امنحني كمالا في العلم والعمل، حتى أكون أهلا لحمل رسالتك والحكم بين عبادك، ووفقني لانتظم في عداد الصالحين.
٨٤- واجعل لي ثناء حسناً، وذكراً جميلا في الأمم التي تجيء بعدي، يبقى أثره بين الناس إلي يوم القيامة.
٨٥- واجعلني من عبادك الذين منحتهم نعيم الجنة، ثواباً علي إيمانهم بك وعبادتهم لك.
٨٦- واجعل أبى أهلاً للمغفرة بتوفيقه للإسلام - وكان قد وعده بالإسلام يوم فارقه - لأنه كان من المنحرفين عن طريق الهدى والرشاد.
٨٧- ولا تُلْحق بي هواناً أو خجلا بين الناس يوم يخرجون من القبور للحساب والجزاء.
٨٨- يوم لا ينفع أحداً مال يُبذل، ولا بنون ينصرون.
٨٩- إلا من كان مؤمناً، وأقبل علي الله بقلب برئ من مرض الكفر والنفاق والرياء.
٩٠- وأُدنِيت الجنة وقُرِّبت من مكان السعداء، فيسير إليها الذين اتقوا الكفر والمعاصي، وأقبلوا علي الإيمان والطاعة في الدنيا.
٩١- وأُظْهِرت الجحيم للمنصرفين عن دين الحق، حتى يكاد يأخذهم لهبها فيتحسرون.
٩٢- وقيل لهم توبيخاً : أين آلهتكم التي كنتم تعبدونها ؟ !
٩٣- من دون الله وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم، هل ينفعونكم بنصرتهم لكم، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم ؟ لا شيء من ذلك، لأنهم وآلهتهم وقود النار.
٩٤- فألقوا في الجحيم علي وجوههم، ينقلبون مرة بعد أخرى إلي أن يستقروا في قاعها هم والذين أضَلُّوهم وأوقعوهم في الغي والضلال.
٩٥- ومعهم أعوان إبليس الذين كانوا يزينون للناس الشرور والآثام، أو الذين اتبعوه من عصاة الإنس والجن.
٩٦- قالوا - معترفين بخطئهم - وهم يتخاصمون مع مَن أضلُّوهم من معبوداتهم :
٩٧- والله إن كنا في دنيانا لفي تخبط واضح، وجهل مطبق، وزيغ عن الحق الذي لا خفاء فيه.
٩٨- إذ نسوِّيكم أيها المعبودون من دون الله برب العالمين في استحقاق العبادة، مع عجزكم وقدرته.
٩٩- وما أوقعنا في هذا الهلاك إلا المجرمون الذين أضلُّونا عن سواء السبيل.
١٠٠- فلا يوجد لنا شافعون يخلَّصوننا من العذاب كما توهمنا من قبل.
١٠١- ولا صديق يتوجع لحالهم، وإن لم يخلصهم.
١٠٢- فيتمنون لأنفسهم حينئذ رجعة إلي الدنيا ليكونوا من المؤمنين حتى ينجوا.
١٠٣- إن فيما ذكر الله من نبأ إبراهيم لعظة وعبرة لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، وما كان أكثر قومك الذين تتلو عليهم هذا النبأ مذعنين لدعوتك.
١٠٤- وإن ربك لهو القادر علي الانتقام من المكذبين، المتفضل بالإنعام علي المحسنين.
١٠٥- وذكر الله نبأ نوح في قوله : كذبت قوم نوح رسالته، وردّوها عليه، وبهذا كانوا مكذبين لجميع رسل الله، لاتحاد دعوتهم في أصولها وغايتها.
١٠٦- كذبوا هذه الرسالة حين قال لهم أخوهم نوح - نسباً لا ديناً - محذراً : ألا تتقون الله فتتركوا عبادة غيره.
١٠٧- إني رسول الله إليكم لأهديكم إلي طريق الرشاد، أمين علي تبليغ هذه الرسالة.
١٠٨- فخافوا الله وامتثلوا أمري فيما أدعوكم إليه من توحيد الله وطاعته.
١٠٩- وما أطلب منكم أي أجر علي ما أبذله لكم من النصح والدعاء، ما جزائي إلا علي خالق العالمين ومالك أمرهم.
١١٠- فاحذروا عقاب الله، وامتثلوا ما آمركم به.
١١١- قال قوم نوح - يردُّون دعوته - : لن يكون منا إيمان لك في حال اتباع سفْلة الناس وأقلهم جاهاً ومالا لك.
١١٢- قال نوح : أي شيء أعلمني ما هم عليه من قلة الجاه والمال ؟ إنما أطلب منهم الإيمان دون تعرض لمعرفة صناعاتهم وأعمالهم.
١١٣- ما جزاؤهم على أعمالهم إلا علي ربي، فهو المطلع على بواطنهم، لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك.
١١٤- وما أنا بطارد الذين يؤمنون بدعوتي مهما كان حالهم من فقر أو غنى، تلبية لرغبتكم كي تؤمنوا بي.
١١٥- ما أنا إلا رسول من الله لإنذار المكلفين إنذاراً واضحاً بالبرهان الذي يتميز به الحق من الباطل، لا فرق بين شريف وضعيف، فكيف يليق بي طرد المؤمنين لفقرهم ؟ !
١١٦- قالوا : لئن لم ترجع يا نوح عن دعوتك لَنرجُمنَّك بالحجارة. يقصدون بهذا القول تهديده بالقتل.
١١٧- قال نوح مظهراً استمرار قومه على التكذيب بندائه :﴿ رب إن قومي كذبون ﴾. ليبرر دعاءه عليهم.
١١٨- فاحكم بيني وبينهم حكماً تهلك به من جحد توحيدك، وكذَّب رسولك، ونجِّني ومن معي من المؤمنين من عذاب بغيهم.
١١٩- فأنجيناه ومن آمن معه في السفينة المملوءة بهم، وبما يحتاجون إليه، استجابة لدعوته.
١٢٠- ثم أغرق الله - بعد إنجاء نوح ومن آمن به - الباقين الذين لم يؤمنوا من قومه.
١٢١- إن فيما ذكره القرآن من نبأ نوح لحجة على صدق الرسل وقدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلو عليهم هذا القصص مؤمنين.
١٢٢- وإن ربك لهو القوى في الانتقام من كل جبار عنيد، المُنْعم بأنواع الفضل على المتقين.
١٢٣- كذبت قبيلة عاد رسولهم هوداً - عليه السلام - وبهذا كانوا مكذبين لجميع الرسل لاتحاد دعوتهم في أصولها وغايتها.
١٢٤- إذ قال لهم أخوهم هود : ألا تخشون الله فتخلصوا له العبادة ؟ !.
١٢٥- إني مرسل من الله لهدايتكم إلي الرشاد، حفيظ على رسالة الله، أبلغها إليكم كما أمرني ربي.
١٢٦- فامتثلوا أمر الله، وخافوا عقوبته، وأطيعوا ما آمركم به من عند الله.
١٢٧- وما أطلب منكم على نصحي وإرشادي أي نوع من أنواع الأجر، ما جزائي إلا على خالق العالمين.
١٢٨- أتُشَيِّدون بكل مكان مرتفع من الأرض بناء شامخاً تتفاخرون به، وتجتمعون فيه لتعيثوا وتفسدوا ؟ يريد سبحانه تنبيههم إلى ما ينفعهم، وتوبيخهم على ترك الإيمان وعمل الصالحات.
١٢٩- وتتخذون قصوراً مشيدة منيعة، وحياضاً للماء مؤملين الخلود في هذه الدنيا كأنكم لا تموتون.
١٣٠- وإذا أخذتم أخذ العقوبة أسرفتم في البغي جبارين، تقتلون وتضربون غاضبين بلا رأفة.
١٣١- فخافوا الله في البطش، وامتثلوا أمري فيما أدعوكم إليه، فإنه أنفع لكم وأبقى.
١٣٢- واحذروا غضب الله الذي بسط إليكم يد إنعامه بالذي تعلمونه بين أيديكم من ألوان عطائه.
١٣٣- عدَّد ما أمدهم به من إبل وبقر وغنم، وبنين أقوياء، ليحفظوا لهم الأنعام، ويعينوهم على تكاليف الحياة.
١٣٤- وبساتين مثمرات، وعيون تجري بالماء الذي تحتاجون إليه.
١٣٥- إني أخاف أن يُنزل الله بكم عذاباً شديداً في الدنيا، ويُدخلكم في الآخرة نار جهنم، بسبب طغيانكم وإنعام الله عليكم.
١٣٦- قالوا - استخفافاً به - : سواء لدينا بالغت في وعظنا وإنذارنا أم لم تكن من الواعظين.
١٣٧- ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين وأباطيلهم، اعتادوا تلفيق مثله، فلا نرجع عما نحن فيه.
١٣٨- وما نحن بمعذبين على ما يصدر منا من عمل.
١٣٩- فاستمروا على تكذيبه، فعاجلهم الله بالهلاك، إن في ذلك الذي أنزله الله بعاد جزاء تكذيبهم لحجة تدل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلو عليهم نبأ عاد مؤمنين.
١٤٠- وإن ربك لهو القاهر للجبارين، الرحيم بالمؤمنين.
١٤١- كذبت قبيلة ثمود صالحاً في رسالته ودعوته لهم إلى توحيد الله، وبهذا كذبوا جميع المرسلين، لاتحاد رسالاتهم في أصولها.
١٤٢- اذكر لقومك - أيها الرسول - وقت أن قال لثمود أخوهم صالح في النسب والوطن : ألا تخشون الله فتفردوه بالعبادة ؟ !
١٤٣- إني مرسل من الله إليكم بما فيه خيركم وسعادتكم، حفيظ على هذه الرسالة كما تلقيتها عن الله.
١٤٤- فاحذروا عقوبة الله، وامتثلوا ما أدعوكم إليه من أوامره.
١٤٥- وما أطلب منكم أي أجر على نصحي لكم وإرشادي، ما أجرى إلا على مالك العالمين.
١٤٦- أنكر عليهم اعتقادهم البقاء فيما هم فيه من النعيم، آمنين من العذاب والزوال والموت.
١٤٧- في حدائق مثمرات، وعيون تجرى بالماء الفرات.
١٤٨- وزروع يانعات، ونخل ثمرها الذي يظهر منها لين نضيج.
١٤٩- وتتخذون من الجبال بيوتاً عاليات. حاذقين نشطين فيما تصنعون.
١٥٠- فخافوا عقوبة الله لعدم شكركم له على نعمه، واقبلوا نصحي واعملوا به.
١٥١- ولا تطيعوا أمر الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك واتباع الهوى والشهوات.
١٥٢- الذين يعيثون في أرض الله فساداً، ولا يقومون فيها بإصلاح به تسعد البلاد.
١٥٣- قالوا ما أنت إلا من الذين سُحِروا سحراً شديداً حتى غلب على عقولهم. وفي هذا الرد عنف وسفاهة.
١٥٤- ما أنت إلا فرد مماثل لنا في البشرية، فكيف تتميز علينا بالنبوة والرسالة ؟ ! فإن كنت صادقاً في دعواك فأت بمعجزة تدل على ثبوت رسالتك.
١٥٥- قال لهم صالح - حينما أعطاه الله الناقة معجزة له - : هذه ناقة الله أخرجَها لكم آية، لها نصيب من الماء في يوم فلا تشربوا فيه، ولكم نصيب منه في يوم آخر فلا تشرب فيه.
١٥٦- ولا تلحقوا بها أذى، فيهلككم عذاب عظيم.
١٥٧- فذبحوا الناقة مخالفين ما اتفقوا عليه مع صالح، فحق عليهم العذاب، فأصبحوا على ما فعلوا نادمين.
١٥٨- فأهلكهم عذاب الله الذي توعدهم به صالح، ولم يدفع الندم عنهم عقابَ جُرمهم. إن في ذكر قصتهم لدلالة على قدرة الله علي إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين، وما كان أكثر قومك مؤمنين.
١٥٩- وإن خالقك لهو القادر علي إهلاك الجاحدين، المتفضل بإنجاء المتقين.
١٦٠- كذبت قوم لوط - حين دعاهم إلي توحيد الله وترك الشرك - جميع المرسلين.
١٦١- اذكر لقومك - أيها الرسول - إذ قال لوط لقومه - وهو أخوهم وصهرهم - : ألا تخافون عذاب الله ؟ !
١٦٢- إني مُرسَل لكم من الله بالدين الحق، أمين على تبليغ هذا الدين.
١٦٣- فاحذروا عذاب الله، وامتثلوا أمري فيما أدعوكم إليه.
١٦٤- وما أطلب منكم أجراً على ما أدعوكم إليه من الهدى والرشاد، ما جزائي إلا على مالك العالمين ومربيهم.
١٦٥- قال لوط : أتستمتعون بوطء الذكور دون الإناث ؟ يريد بذلك أن ينكر ما دأبوا عليه من ارتكاب هذه الفاحشة النكراء١.
١ ﴿أتأتون الذكران من العالمين﴾: اللواط: أصلا هو جريمة فسق بشعة تتقزز منها الأسماع، وتنفر منها الطباع، وتنزل بالآدمية إلي الحضيض، وتؤدي ـ لو شاعت ـ إلي تعطيل سنة الزواج وهي سنة طبيعية يتوقف عليها التناسل والتكاثر وعمارة الأرض.
وينتقل باللواط ما ينتقل بالونا من الأمراض كالزهري والسيلان والقرحة الرخوة، وأمراض الجلد كالجرب في الجلد، ويحدث بالشرج علامات منها ضعف العضلة العاصرة حتى إنها قد تفقد السيطرة علي عملية التبرز فيحدث من غير إرادة. ومنها تمزق بالشرج وزوال الأنسجة حوله، فيفوز ويشبه القمع شكلا. والشرج مليء بالميكروبات الأخرى التي قد تنتقل إلي عضو الجاني فتحدث فيه التهابات في مجرى البول، وقد يصبح المجني عليه مخنثا إذا لازمته هذه العادة من صغره، وقد يظهر علي العكس أكثر رجولة ليغطي النقص عنده.
وقد نهي الله ـ سبحانه ـ عن هذه الجريمة في كثير من الآيات وبين في بعضها حكمة من حكم هذا التحريم، فقال: ﴿أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون﴾..

١٦٦- وتتركون ما خلقه الله لمتاعكم من أزواجكم الحلائل، بل أنتم قوم متجاوزون الحد في الظلم بارتكاب جميع المعاصي.
١٦٧- قالوا - غاضبين لإنكاره وتشنيعه عليهم بسبب تلك الرذيلة - : لئن لم تترك توبيخنا لتكونن من المنفيين من بلادنا على أسوإ حال.
١٦٨- قال لوط : إني لعملكم هذا من المبغضين، فلا أترك إنكاره والتشنيع عليه.
١٦٩- ونادى ربه : أن ينقذه وأهله مما يعمل هؤلاء الجاهلون حينما يئس من استجابتهم له.
١٧٠- فاستجاب الله دعاءه، ونجَّاه ومن اتبع دعوته بإخراجهم جميعاً من بيوتهم وقت نزول العذاب بالمكذبين.
١٧١- إلا امرأته العجوز بقيت ولم تخرج معه فهلكت لكفرها وخيانتها بموالاتها للفاسقين.
١٧٢- ثم أهلك الله الكفرة الفجرة أشد إهلاك وأفظعه.
١٧٣- وأنزل الله على شُذَّاذ القوم حجارة من السماء فأهلكتهم، وكان مطراً هائلا في كثرته ونوعه، فساء مطر المنذرين مطرهم. إذ نزل بأشد أنواع الهلاك.
١٧٤- إن في ذلك العقاب الذي نزل بالقوم لحجة تدل على تمام قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين بدعوتك.
١٧٥- وإن ربك لهو الغالب على كل شيء. المتصف بالرحمة الكاملة فيعاقب المذنبين، ويثيب المؤمنين.
١٧٦- هذه قصة شعيب مع أصحاب الأيكة - وهي غَيْضة تنبت ناعم الشجر بقرب مَدْيَن - نزل بها جماعة من الناس وأقاموا بها، فبعث الله إليهم شعيباً كما بعث إلى مدين، فكذبوه في دعوته، وبهذا كانوا منكرين لجميع الرسالات.
١٧٧- اذكر - يا محمد - لقومك وقت قول شعيب لأصحاب الأيكة : ألا تخافون الله فتؤمنوا به ؟ ! فبادروا بتكذيبه.
١٧٨- إني لهدايتكم وإرشادكم مرسل من رب العالمين، أمين على توصيل رسالته إليكم.
١٧٩- فاحذروا عقوبة الله، وأطيعوني باتباع أوامر الله وتخليص أنفسكم من الآثام.
١٨٠- وما أطلب منكم على إرشادي وتعليمي أي أجر، ما جزائي الكامل في مقابل عملي إلا على رب العالمين.
١٨١- أمرهم شعيب بإعطاء الكيل وافياً حيث كان يشيع بينهم بخس الكيل والميزان، ونقص حقوق الناس بالتطفيف والخسران.
١٨٢- وزِنُوا بين الناس بالميزان السوي حتى يأخذوا حقهم بالعدل المستقيم.
١٨٣- ولا تنقصوا الناس شيئاً من حقوقهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بالقتل وقطع الطريق وارتكاب الموبقات وإطاعة الهوى.
١٨٤- واحذروا عقوبة الله الذي خلقكم، وخلق الأمم القوية العاتية المتقدمة.
١٨٥- قالوا : ما أنت إلا واحد من الذين أصابهم السحر إصابة شديدة، فذهب بعقولهم.
١٨٦- وما أنت إلا واحد منا مُساوٍ لنا في البشرية، فكيف تتميز علينا بالرسالة ؟ ! ونحن نعتقد أنك من الراسخين في الكذب.
١٨٧- فأسقط علينا قطع عذاب من السماء إن كنت من الصادقين في الرسالة. وهذا اقتراح تحته كل ألوان الإنكار.
١٨٨- قال شعيب : ربي بالغ العلم بما تعملونه من المعاصي، وبما تستحقونه من العذاب ينزله عليكم في وقته المقدر له. وهذا منه منتهى التفويض لله، وغايته التهديد لهم.
١٨٩- فاستَمرُّوا على تكذيبه، فسلَّط الله عليهم الحر الشديد، فكانوا يفرون منه إلى غير حمى، إلى أن أظلتهم سحابة من الشمس فاجتمعوا تحتها، فأسقطها الله عليهم ناراً فأهلكتهم جميعاً في يوم شديد الهول.
١٩٠- إن فيما نزل بأصحاب الأيكة من العقوبة - جزاء تمردهم - لدليل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين.
١٩١- وإن ربك لهو المتفرد بالقوة والغلبة المنعم بالرحمات على المؤمنين.
١٩٢- وإن هذا القرآن - الذي ذكرت فيه هذه القصص الصادقة - مُنَزَّلٌ من خالق العالمين ومالك أمرهم ومربيهم، فخبره صادق، وحكمه نافذ إلي يوم القيامة.
١٩٣- نزل به الروح الأمين، جبريل - عليه السلام -.
١٩٤- على قلبك متمكناً من حفظه وفهمه، مستقراً في قلبك استقراراً لا ينسى، لتنذرهم بما تضمنه من العقوبات للمخالفين.
١٩٥- نزل به جبريل - عليه السلام - عليك بلغة عربية، واضحة المعنى، ظاهرة الدلالة فيما يحتاجون إليه في إصلاح شئون دينهم ودنياهم.
١٩٦- وإن ذكر القرآن والإخبار عنه بأنه من عند الله نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - لثابت في كتب الأنبياء السابقين.
١٩٧- أكفر هؤلاء المعاندون بالقرآن وعندهم حجة تدل على صدق محمد - صلي الله عليه وسلم - وهي عِلْم علماء بني إسرائيل بالقرآن كما جاء في كتبهم ؟ !
١٩٨- ولو نزلنا القرآن على بعض من الأعجمين لا يقدر على التكلم بالعربية ولا يفصح بها، فلا يتوهم اتهامه باختراعه.
١٩٩- فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادة لكفروا به، وانتحلوا لجحودهم عذراً.
٢٠٠- أدخلنا التكذيب في قلوب المجرمين، وقرَّرناه فيها مثل تقريره في قلوب من هم على صفتهم.
٢٠١- فلا سبيل إلي أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده، حتى يعاينوا العذاب الشديد الذي وعدوا به.
٢٠٢- فينزل بهم العذاب فجأة من غير توقع وهم لا يشعرون بقدومه.
٢٠٣- فيقولون عند نزول العذاب :﴿ هل نحن مُنْظَرون ﴾ تحسراً على ما فاتهم من الإيمان وطلباً للإمهال، ولكن لا يجابون.
٢٠٤- قال تعالى : أَغَرَّ كفار مكة إمْهالي فيستعجلون نزول العذاب ؟ ! يريد سبحانه تسفيه عقولهم بسبب استعجالهم العذاب إثر تكرار إنذارهم وتخويفهم.
٢٠٥- أفكَّرتَ فعلمتَ أننا متعناهم بالحياة سنين طويلة مع طيب العيش ؟
٢٠٦- ثم نزل بهم العذاب الموعود.
٢٠٧- ما يدفع عنهم تمتعهم بطول العمر وطيب العيش من عذاب الله شيئاً، فعذاب الله واقع عاجلاً أو آجلاً، ولا خير في نعيم يعقبه عذاب.
٢٠٨- وسُنّتنا في الأمم جميعاً أننا لم ننزل هلاكاً بأمة إلا بعد أن نرسل إليها رسلا ينذرونها إلزاماً للحجة.
٢٠٩- تذكرة وعبرة، وما كان شأننا الظلم فنعذب أمة قبل أن نبعث إليها رسولا.
٢١٠- نفي القرآن ما قاله كفار مكة من أن لمحمد تابعاً من الجن، يلقى القرآن إليه فقال : وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن.
٢١١- وما يجوز لهم أن ينزلوا به، وما يستطيعون ذلك.
٢١٢- إنهم عن سماع القرآن الذي ينزل به الوحي على محمد - صلى الله عليه وسلم - لمحجوبون.
٢١٣- فتوجه إلى الله مستمراً على إخلاصك له في العبادة، ولا تهتم بفساد زعم المشركين وسوء مسلكهم. ودعوة الرسول إلى هذا اللون من الإخلاص دعوةٌ لأفراد أمته جميعاً.
٢١٤- وخوِّف بالعذاب على الشرك والمعاصي الأقرب فالأقرب من عشيرتك.
٢١٥- وأَلِنْ جانبك لمن أجاب دعوتك بالإيمان.
٢١٦- فإن عصوك ولم يتبعوك، فتبرأ منهم ومن أعمالهم، من الشرك وسائر المعاصي.
٢١٧- وفوض أمرك إلى القوي القادر على قهر أعدائك بعزته، وعلى نصرتك ونصرة كل مخلص في عمله برحمته.
٢١٨- الذي يراك حين تقوم إلي التهجد وأعمال الخير.
٢١٩- ويرى تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والقعود والركوع والسجود حين تؤمهم في الصلاة.
٢٢٠- إنه سبحانه هو السميع لدعائك وذكرك، العليم بنيتك وعملك، وكأنه سبحانه يقول له : هَوِّن على نفسك مشاق العبادة، فأنت تعمل بمرأى ومسمع منا.
٢٢١- قال المشركون : إن الشياطين تلقى السمع على محمد. فرد القرآن عليهم : هل أخبركم على من تتنزل الشياطين وتلقى الوساوس ؟ !
٢٢٢- تتنزل على كل مرتكب لأقبح أنواع الكذب وأشنع الآثام، وهم الكهنة الفجرة الذين بين طباعهم وطباع الشياطين تجانس ووفاق.
٢٢٣- يلقون أسماعهم إلى الشياطين، فيتلقون منهم ظنوناً، وأكثرهم كاذبون، حيث يزيدون في القول على ما تلقيه الشياطين.
٢٢٤- قال الكفار : إن القرآن شعر، ومحمد شاعر. فأبطل الله هذا بإثبات أن القرآن ملئ بالحكم والأحكام، فأسلوبه ينافي أسلوب الشعر الذي يقوم على الباطل والكذب، وبين أن حال محمد - صلي الله عليه وسلم - ينافي حال الشعراء، فهو ينطق بالحكمة، وهم ينطقون بالزور، وهذا حال أغلب الشعراء.
٢٢٥- ألم تر أنهم في كل واد من أودية القول يهيمون على وجوههم، فلا يهتدون إلى الحق ؟
٢٢٦- وأنهم يقولون بألسنتهم ما لا يلتزمونه في عملهم.
٢٢٧- لكن الذين اهتدوا بهدى الله وعملوا الصالحات حتى تمكنت فيهم ملكات فاضلة، وذكروا الله كثيراً حتى تمكنت خشيته من قلوبهم، هؤلاء يجعلون الشعر كالدواء يصيب الداء، وينتصرون لدينهم وإقامة الحق إذا جير على الحق، وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهجاء الرسول أي مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه.
Icon