تفسير سورة الحجر

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُوْرَةُ الحِجر
مكيةٌ، وآيُها تسعٌ وتسعونَ آيةً، وحروفُها ألفانِ وسبعُ مئةٍ وأحد وسبعونَ حرفًا، وكَلِمُها ستُّ مئةٍ وأربعٌ وخمسونَ كلمةً.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١)﴾.
[١] ﴿الر﴾ تقدَّمَ الكلامُ عليه، ومذاهبُ القراء فيه أولَ سورةِ يونسَ (١) ﴿تِلْكَ﴾ أي: هذه ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ﴾ أي: وآيات قرآنٍ.
﴿مُبِينٍ﴾ يُبَيِّنُ الحقَّ من الباطلِ، والحلالَ من الحرامِ، عطفُ القرآنِ على الكتابِ، وإن كان هو هو؛ لاختلافِ لفظيهما، وتنكيُره للتفخيمِ؛ أي: آياتُ الجامعِ؛ لكونِهِ كتابًا كاملًا، وقرآنًا يبينُ الرشدَ من الغيِّ بيانًا عربيًّا.
...
﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢)﴾.
[٢] ﴿رُبَمَا﴾ قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وعاصمٌ: بتخفيف الباءِ، والباقونَ: بتشديدها، وهما لغتان، و (رُبَّ) للتقليلِ، و (كَمْ) للتكثيرِ،
(١) الآية (١) منها.
و (رُبَّ) تدخلُ على الاسمِ، و (رُبَّمَا) على الفعل، يقال: رُبَّ رجلٍ جاءني، ورُبَّما جاءني رجلٌ، وأدخل (ما) هاهنا؛ للفعلِ بعدَها (١).
﴿يَوَدُّ﴾ يتمنَّى ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يومَ القيامةِ عندَ دخولهم النارَ، ومعرفتِهم بدخولِ المسلمينَ الجنةَ.
﴿لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ في الدنيا، فينجون النَّجاءَ الذي مانِعُه أن لم يكونوا مسلمين، فإن قيلَ: (ربما) للتقليل، وهذا التمنِّي يكثرُ من الكفار، فالجواب: أنهم إِذا شاهدوا أهوالَ يومِ القيامةِ، تذهبُ عقولُهم، فإذا ثابَتْ إليهم عقولُهم، وذلك قليلٌ، سألوا الإسلامَ، ويجوزُ أنهم لما تَمَنَّوا الإسلامَ، فلم ينفعْهم تَمَنِّيهم شيئًا، كان قليلًا؛ لأنه لم تحصلْ به فائدةٌ.
...
﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)﴾.
[٣] ثم تَهَدَّدَهم بقوله: ﴿ذَرْهُمْ﴾ يا محمدُ.
﴿يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا﴾ بنيلِ شهواتِ الدنيا.
﴿وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾ أي: يشغلْهم أملُهم لطولِ أعمارِهم عنِ النظر، والإيمانِ باللهِ ورسوله. قرأ رويسٌ عن يعقوبَ: (وَيُلْهِهُمُ) بضمِّ الهاءِ الثانيةِ والميمِ (٢).
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٦)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٥)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٥٧٣)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٤٩).
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٧٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٠).
﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وَبالَ صنيعِهم إذا عاينوا جزاءَهُ، والآيةُ منسوخةٌ بآيةِ القتال.
...
﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (٤)﴾.
[٤] ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ﴾ أي: وما أهلَكْنا أهلَ قريةٍ إلا لوقتِ أجلِها المحدودِ، والواوُ في (ولها) لتأكيدِ لصوقِ الصفةِ بالموصوفِ، فيقالُ: جاءني زيدٌ عليه ثوبٌ، وجاءني زيدٌ وعليهِ ثوبٌ.
...
﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٥)﴾.
[٥] ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ المعلوم، (مِنْ) صلةٌ.
﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عنه.
...
﴿وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَقَالُوا﴾ يعني: مشركي مكةَ للنبيِّ - ﷺ -:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ أي: القرآنُ.
﴿إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ أي: إنكَ لتقولُ قولَ المجانين حين تَدَّعي أن اللهَ نَزَّلَ عليكَ الذِّكْرَ.
...
﴿لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)﴾.
[٧] ﴿لَوْ مَا﴾ هَلَّا ﴿تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ﴾ يشهدون لكَ.
﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في دعواكَ.
...
﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (٨)﴾.
[٨] قال الله تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ أي: بالقرآن. قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، وحفصٌ عن عاصمٍ: (نُنَزِّلُ) بنونين، الأولى مضمومةٌ، والثانيةُ مفتوحةٌ، وكسرِ الزاي (الْمَلاَئِكَةَ) بالنصبِ، وروى أبو بكرٍ عن عاصمٍ: بالتاءِ مضمومةً، وفتحِ النونِ والزاي (الْمَلاَئِكَةُ) بالرفع، وقرأ الباقونَ كذلكَ، غير أنهم يفتحون التاءَ، والبزيُّ عن ابنِ كثيرٍ يشدِّدُ التاءَ وصلًا (١).
﴿وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾ و (إذًا) جوابٌ للمشركين، وجزاءُ الشرطِ مقدَّرٌ، تقديرُه: ولو نَزَّلْنا الملائكةَ، ما أَخَّرْنا عنهم العذابَ عندَ معاينةِ الملائكةِ.
...
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾.
[٩] ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ رَدٌّ لإنكارِهم ﴿وَإِنَّا لَهُ﴾ للقرآنِ ﴿لَحَافِظُونَ﴾ من الزيادةِ والنقصانِ والتبديلِ، وقيل: الضميرُ في (له) راجعٌ إلى محمدٍ - ﷺ -؛ أي: نحفظُه من الأَسْوأ.
...
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٦)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٥)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٥٧٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٣٥٠ - ٣٥١).
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ رُسُلًا ﴿فِي شِيَعِ﴾ أي: أُمَمِ.
﴿الْأَوَّلِينَ﴾ والشيعةُ: هم القومُ المجتمعةُ المتفقةُ كلمتُهم.
...
﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١)﴾.
[١١] ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ كما فعلوا بكَ، ذَكَرَهُ تسليةً للنبيِّ - ﷺ -.
...
﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: كما سَلَكْنا الكفرَ والاستهزاءَ بالرسلِ في قلوبِ شيعِ الأولينَ، كذلكَ ﴿نَسْلُكُهُ﴾ نُدْخِلُهُ.
﴿فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ من أهلِ مكة، والسَّلْكُ: إدخالُ الشيءِ في الشيءِ.
...
﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يعني: حتى لا يؤمنوا بمحمدٍ - ﷺ - وبالقرآنِ ﴿وَقَدْ خَلَتْ﴾ مضتْ.
﴿سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي: سنةُ اللهِ فيهم بإهلاك مَنْ لم يؤمنْ منهم، وهذا وعيدٌ لأهلِ مكةَ.
***
﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي: على هؤلاءِ المقترِحين.
﴿بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ﴾ أي: الملائكةُ في البابِ.
﴿يَعْرُجُونَ﴾ يصعَدُون وهم يرونَهم عيانًا.
...
﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ قرأ ابنُ كثيرٍ: (سُكِرَتْ) بتخفيفِ الكاف؛ أي: حُبِسَتْ ومُنِعَتِ النظرَ، وقرأ الباقون: بتشديدها؛ أي: سُدَّتْ (١).
﴿بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ بَلْ سحرَنا محمدٌ بذلك.
...
﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ أي: قصورًا، وهي منازلُ الشمسِ والقمرِ والكواكبِ السيارةِ، وهي اثنا عَشَرَ برجًا: الحملُ، والثورُ، والجوزاءُ والسَّرَطانُ، والأسدُ، والسنبلَةُ، والميزانُ، والعقربُ، والقَوْسُ، والجَدْيُ، والدَّلْوُ، والحوتُ.
﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ أي: السماءَ بالنجومِ.
﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾ المستدِلِّين بها على قدرةِ خالقِها.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٦)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٥)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٥٧٧)، و "معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٢).
﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ فلا يقدرُ أن يصعدَ إليها ويطِّلِعَ على أحوالها.
...
﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ﴾ استثناءٌ منقطعٌ؛ أي: ولكنْ منِ استرقَ السمعَ؛ أي: اختلَسَهُ سِرًّا.
﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ لَحِقَهُ.
﴿شِهَابٌ مُبِينٌ﴾ كوكبٌ مضيءٌ، وذلك أنَّ الشياطينَ يركبُ بعضُهم بعضًا إلى السماءِ الدنيا، فَيَسْتَرِقونَ السمعَ منَ الملائكةِ، فَيُرْمَوْنَ بالكواكبِ، فلا يخطئ أبدًا، فمنهم من يقتلُه، ومنهم من يحرقُ وجههُ أو يدهُ أو حيثُ شاءَ الله، أو يُخَبِّلُهُ لئلَّا يعودَ إلى استراقِ السمع، فيصيرُ غولًا في الأرض يغتالُ الناسَ.
عن ابنِ عباسٍ: أنهم كانوا لا يُحْجَبونَ عن السَّمواتِ إلى أن وُلِدَ عِيسى، فَمُنِعوا عن ثلاثِ سمواتٍ، فلما وُلدَ محمدٌ - ﷺ -، مُنِعُوا عن السمواتِ كلِّها (١).
...
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٢/ ٥٧٧)، و"تفسير القرطبي" (١٠/ ١٠).
﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾ بَسَطْناها على وجهِ الماءِ، يقال: إنها مسيرةُ خمسِ مئةِ سنةٍ في مثِلها دُحِيَتْ من تحتِ الكعبةِ.
﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ جِبالًا ثوابِتَ، وقد كانتِ الأرضُ تميدُ إلى أن أرساها بالجبالِ.
﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا﴾ أي: في الأرض.
﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾ مقدَّرٍ بما تقتضيه حكمتُه.
...
﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ ما تعيشون به من المطاعِمِ والملابِسِ.
﴿وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ أي: وجعَلْنا لكم مَنْ لستم له برازقينَ من العيالِ والخدمِ وسائرِ ما يظنون أنهم يرزقونهم ظنًّا كاذبًا، المعنى: اللهُ الرزاقُ، فلا تعتقدوا أنكم تَرْزُقون أحدًا.
...
﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)﴾.
[٢١] ثم أوضحَهُ بقوله: ﴿وَإِنْ﴾ أي: وما ﴿مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾ أي: و (١) إلا ونحن قادرونَ على إيجادِه..
(١) "و" زيادة من "ت".
﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾ مع كثرته، وتَمَكُّنِنا منه.
﴿إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ بحدٍّ محسوبٍ على قدرِ المصلحةِ.
...
﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ﴾ قرأ حمزةُ، وخلفٌ: (الرِّيحَ) على الإفراد، وعلى تأويلِ الجنس، والباقون: بالجمع (١) ﴿لَوَاقِحَ﴾ حوامِلَ تحملُ الماءَ إلى السحابِ، فهي جمَعُ لاقحةٍ، يقال: ناقةٌ لاقحةٌ: إذا حملتِ الولدَ.
﴿فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ فجعلْناه لكم سَقْيًا.
﴿وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ أي: ليستْ خزائنهُ في أيديكم.
...
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ﴾ الباقونَ، والوارثُ من صفاتِ الله.
...
﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ﴾ أي: مَنْ تقدَّمَ من الأممِ من لَدُنْ أُهْبِطَ آدمُ إلى الأرضِ.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ١٧٢)، و"التيسير" للداني (ص: ٧٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٣).
﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ أي: بمن تأخَّرَ في الزمنِ إلى يوم القيامة، فنجازي كُلًّا بعملِه.
...
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ﴾ جميعًا للجزاءِ.
﴿إِنَّهُ حَكِيمٌ﴾ متقِنٌ أفعالهَ.
﴿عَلِيمٌ﴾ بكلِّ شيءٍ.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ المرادُ: آدم عليه السلام، سُمِّيَ إنسانًا، لأنه عُهِدَ إليهِ فنسيَ، ودخلَ مَنْ بعدَهُ في ذلكَ؛ إذ هو من نسلِهِ.
﴿مِنْ صَلْصَالٍ﴾ طينٍ يابسٍ غيرِ مطبوخٍ، فإذا طُبِخَ، فهو فَخَّارٌ.
﴿مِنْ حَمَإٍ﴾ جمع حَمْأَةٍ، وهو الطينُ الأسودُ المتَغيِّرُ ﴿مَسْنُونٍ﴾ مصوَّرٍ.
﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿وَالْجَانَّ﴾ هو أبو الجنِّ، كآدم أبو البشرِ، وقيلَ: هو إبليسُ ﴿خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: قبل آدَمَ ﴿مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ أي: نارِ الحرِّ الشديدِ بالنهار؛ لأنه ينفذُ في المسامِّ.
***
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ واذكرْ وقتَ قوله ﴿لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ﴾ أي: سأخلقُ.
﴿بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ والبشرُ آدَمُ، وهو مأخوذٌ من البشرِة، وهو وجهُ الجلدِ في الأشْهَرِ منَ القولِ.
...
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ عَدَّلْتُ خَلْقَه ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ فصارَ بشرًا حَيًّا، والروحُ: جسمٌ لطيفٌ يحيا به الإنسانُ، وأضافَه إلى نفسِه تشريفًا إضافةَ خَلْقٍ ومُلْكٍ؛ إلى خالقٍ ومالك؛ أي: من الروحِ الذي هو لي.
﴿فَقَعُوا﴾ فاسْقُطوا ﴿لَهُ سَاجِدِينَ﴾ سجودَ تحيةٍ لا سجودَ عبادةٍ.
...
﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ أُكِّدَ بتأكيدينِ؛ للمبالغِة في التعميمِ ومنعِ التخصيصِ.
...
﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١)﴾.
[٣١] ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ استثناءٌ من الملائكةِ؛ لأنه كانَ منهم، وهو الظاهرُ من هذهِ الآيةِ ومن كثيرٍ من الأحاديثِ، وذلك أن الله تعالى أمرَ الملائكة
بالسُّجودِ، ولو لم يكنْ إبليسُ منهم لم يذنبْ في تركِ السجودِ، وتقدَّمَ في سورةِ البقرةِ أنه من الملائكةِ على الأصحِّ.
﴿أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ لآدم.
...
﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ كانَ اسمُهُ: عزازيل، فحينئذٍ سماه: إبليسَ؛ من الإبلاسِ، وهو الإبعادُ؛ أي: يا مُبْعَدُ.
...
﴿قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ أرادَ: أني أفضلُ منه؛ لأنه طينيٌّ، وأنا ناريٌّ، والنارُ تأكلُ الطينَ، وتقدمَ الكلامُ على ذلكَ في سورةِ الأعرافِ.
...
﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ أي: من الجنةِ ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ طريدٌ.
...
﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥)﴾.
[٣٥] ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ فهو ملعونٌ في السماواتِ والأرضِ إلى يومِ الجزاءِ.
***
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦)﴾
[٣٦] ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ من قبورِهم وقتَ النفخةِ الآخِرَة، أرادَ ألَّا يموتَ.
﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾.
﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ عندَ الله، هو يومُ موتِ الخلائقِ، وهو وقتُ النفخةِ الأولى، ومدةُ موتِ الخبيثِ أربعونَ سنةً قدرَ ما بينَ النفختينِ.
﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ أضلَلْتني، الباءُ للقسم؛ أي: أقسمُ بإغوائِكَ إيايَ ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ حُبَّ الدنيا ومعاصيَكَ.
﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ أُضِلَّنَّهم ﴿أَجْمَعِينَ﴾.
﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ واستثنى الخبيثُ المخلَصين؛ لعلمِه أنَّ كيده لا يضرُّهم. قرأ الكوفيون، ونافعٌ، وأبو جعفرٍ: (الْمُخْلَصِينَ) بفتحِ اللامِ حيثُ وقَعَ؛ أي: من أخلَصْتَهُ بتوحيدِكَ، فهديتَهُ
واصطَفيَتُه، وقرأ الباقون: بكسرها؛ يعني: المؤمنينَ الذين أخلصوا لكَ الطاعةَ والتوحيدَ (١).
...
﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿قَالَ﴾ اللهُ تعالى: ﴿هَذَا﴾ أي: الإخلاصُ.
﴿صِرَاطٌ عَلَيَّ﴾ بمعنى إليَّ ﴿مُسْتَقِيمٌ﴾ والمعنى: هذا طريق عليَّ بأَنْ أُراعيَه وهو ألَّا يتبعَكَ المخلَصون. قرأ يعقوبُ: (عَلِيٌّ) بكسرِ اللامِ ورفعِ الياءِ وتنوييها، من العلوِّ أي: رفيع، وقرأ الباقون: بفتح اللامِ والياءِ من غيرِ تنوينٍ على المعنى الأولِ (٢).
...
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: على قلوبهم.
﴿سُلْطَانٌ﴾ قدرة وتسلُّطٌ.
﴿إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ﴾ أي: لكنْ من اتبعَكَ.
﴿مِنَ الْغَاوِينَ﴾ لكَ عليهم سلطانٌ.
...
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٢٨)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٩٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٢/ ٢٥٤).
(٢) انظر: "المحتسب" لابن جني (٢/ ٣)، و "تفسير البغوي" (٢/ ٥٨٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٤).
﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)﴾.
[٤٣] ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ﴾ لَمصيرُ الغاوينَ ﴿أَجْمَعِينَ﴾ تأكيدٌ للضمير.
...
﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ بعضُها فوقَ بعضٍ؛ لأنَّها سبعُ طباق، أعلاها جهنمُ، ثم لَظَى، ثم الحُطَمَةُ، ثم السَّعِيُر، ثمَّ سَقَرُ، ثمَّ الجحيمُ، وفيه أبو جهلٍ، ثم الهاويةُ، وأشهرُ منازلِها جهنمُ، وهو موضعُ العصاةِ من المؤمنينَ الذين لا يخلَّدونَ.
﴿لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ﴾ من إبليسَ وأتباعِه ﴿جُزْءٌ﴾ نصيبٌ.
﴿مَقْسُومٌ﴾ للطبقةِ الأولى، وهي العليا، الموحِّدونَ من أهلِ الكبائرِ، وللثانيةِ النصارى، وللثالثةِ اليهودُ، وللرابعةِ الصابئونَ، وللخامسةِ المجوسُ، وللسادسةِ أهلُ الشركِ، وللسابعةِ المنافقون. قرأ أبو جعفرٍ: (جُزٌّ) بتشديدِ الزايِ بغيرِ همزٍ، وقرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ: بضمِّ الزايِ مع الهمزِ، والباقون: بإسكان الزاي والهمز (١).
...
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ﴾ بساتينَ.
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٨٢)، و"المحتسب" لابن جني (٢/ ٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢١٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٢/ ٢٥٤ - ٢٥٥).
﴿وَعُيُونٍ﴾ أنهارٍ. قرأ ابنُ كثيرٍ، وحمزةُ، والكسائيُّ، وابنُ ذكوانَ عن ابنِ عامرٍ، وأبو بكر عن عاصمٍ: (وَعِيُونٍ) بكسرِ العين، والباقون: بضمِّها (١).
...
﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (٤٦)﴾.
[٤٦] يقال لهم: ﴿ادْخُلُوهَا﴾ أي: الجناتِ. قرأ رويسٌ عن يعقوبَ بخلافٍ عنه: (وَعُيُونٌ ادْخِلُوها) بضمِّ التنوينِ وكسرِ الخاء على ما لم يُسَمَّ فاعلهُ، فهي همزةُ قطعٍ نُقِلَتْ حركتُها إلى التنوينِ، وقرأ الباقون: بضمِّ الخاءِ على أنه فعلُ أمرٍ، والهمزةُ للوصلِ، وهم على أصولهم في التنوينِ، فأبو عمروٍ، وعاصمٌ، وحمزةُ، ويعقوبُ يقرؤونَ بكسرِ التنوينِ في الوصلِ، والباقونَ: بالضمِّ بخلافٍ عنِ ابنِ ذكوانَ (٢).
﴿بِسَلَامٍ﴾ أي: سالمينَ من كلِّ آفة، وتسلِّمُ عليكمُ الملائكةُ.
﴿آمِنِينَ﴾ من كلِّ مخوفٍ.
...
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ حِقْدٍ بسببِ عداوةٍ كانَتْ بينَهم في الدنيا.
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٣٦)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٢٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٥).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠١)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٧٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٥).
﴿إِخْوَانًا﴾ نصبٌ على الحالِ ﴿عَلَى سُرُرٍ﴾ جمعُ سَريرٍ.
﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ في الوجوِه، إذ الأسرَّةُ متقابلةٌ، فهي أحسنُ في الرتبةِ.
...
﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿لَا يَمَسُّهُمْ﴾ لا يُصيبُهم ﴿فِيهَا نَصَبٌ﴾ وهو التعبُ.
﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ فإنّ تمامَ النعمةِ الخلودُ.
...
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿نَبِّئْ﴾ أَعْلِمْ يا محمدُ.
﴿عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ لمن تابَ. قرأ أبو جعفر: (نَبيِّ) بإسكانِ الياءِ بغيرِ همزٍ، والباقون: بالهمز (١)، وقرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وأبو عمروٍ، وابنُ كثيرٍ: (عِبَادِيَ) (أَنِّيَ) بفتحِ الياءِ فيهما، والباقون: بإسكانها (٢).
...
﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)﴾.
[٥٠] ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ لمن لم يتب.
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - ﷺ - يقولُ: "إِنَّ اللهَ
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٧٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٦).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٦).
خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِئَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وتسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْأَسْ مَنِ الْجَنَّةِ، ولَوْ يَعْلَمْ الْمُؤمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مَنْ النَّارِ" (١).
...
﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (٥١)﴾.
[٥١] ثم عطفَ على (نَبِّئ عِبَادِي) ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ﴾ أي: عن خبرِ ضيفِ ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ والضيفُ اسمٌ يقعُ على الواحدِ والجمعِ، والمذكرِ والمؤنثِ، والمرادُ بالضيفِ: الملائكةُ.
...
﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا﴾ أي: نسلِّم سلامًا.
﴿قَالَ﴾ إبراهيمُ ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ خائِفون؛ لأنهم لم يأكلوا من طعامِهِ.
...
﴿قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ﴾ قرأ حمزةُ (نَبْشُرُكَ) بفتحِ النونِ وإسكانِ الباءِ وتخفيفِ الشينِ وضَمِّها، من البِشْرِ، وهو البشرى والبِشارَةُ، وقرأ
(١) رواه البخاري (٦١٠٤)، كتاب: الرقاق، باب: الرجاء مع الخوف، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
الباقون: بضمِّ النونِ وفتح الباءِ وتشديدِ الشينِ مكسورةً من بَشَّرَ المضعَّفِ على التكثيرِ (١).
﴿بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ في صغرِه، حكيمٍ في كبِره، وهو إسحاقُ عليه السلام.
...
﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤)﴾.
[٥٤] فتعجَّبَ إبراهيمُ من أن يُولَدَ لهُ مع كِبَرِه وكبر امرأتِهِ.
﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي﴾ بالولدِ ﴿عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ أي: على حالَ الكِبَرِ.
﴿فَبِمَ﴾ فبأيِّ شيءٍ ﴿تُبَشِّرُونَ﴾ قرأ نافعٌ بكسرِ النونِ وتخفيفِها، وتقريرُ هذهِ القراءة أنه حُذِفَتِ النونُ التي للمتكلِّم، وكسرتِ النونُ التي هي علامةُ الرفعِ، ثم حذفتِ الياءُ لدلالةِ الكسرةِ عليها، قال ابنُ عطيةَ: وغلَّطَ أبو حاتم نافِعًا في هذهِ القراءةِ، وقال: إنَّ شاهدَ الشِّعْرِ في هذا اضطرارٌ، وهذا حمل منه (٢)، وقالَ الكواشيُّ: ولا يُلْتَفَتُ إلى الطاعنِ في هذهِ القراءةِ؛ لصحَّة نقلِها، بل لتواتُرِها، فتكونُ أصلًا يُحْتَجُّ به، لا لَهُ، وقرأ ابنُ كثيرٍ: بكسرِ النونِ مشدَّدَةً أي: (تُبَشِّرونِني)، أدغمت نونُ الجمعِ في نونِ الإضافة، ثم حذفتِ الياءُ للتعليلِ المتقدِّمِ، وقرأ الباقونَ: بفتح النونِ مخففةً علامة الرفعِ (٣).
...
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٧٨ - ٨٨)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٢٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٧).
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" (٣/ ٣٦٥).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٧)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٦)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٥٨٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٧٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٥٨).
﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (٥٥)﴾.
[٥٥] ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ بالصدقِ الواجبِ وجودُهُ.
﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾ الآيِسِينَ.
...
﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦)﴾.
[٥٦] ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ﴾ قرأ أبو عمرٍو، والكسائيُّ، ويعقوبُ: (يَقْنِطُ) بكسر النون، والباقون: بفتحِها، وهما لغتان، أي:. يَيْأَسْ (١).
﴿مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ المخطِئون، المعنى: لا أنكرُ وجودَ الولدِ مِنَّا قُنوطًا، بل استبعادًا، والقنوطُ من رحمةِ اللهِ كبيرةٌ؛ كالأَمنِ من مكرِهِ.
...
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧)﴾.
[٥٧] ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ أي: فما شأنكُم الذي أُرسلتُم لأجلِه سوى البشارةِ.
...
﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨)﴾.
[٥٨] ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ وهم أهلُ مدينةِ سَدومَ الذين بُعِثَ فيهم لوطٌ عليه السلام، والمجرم: الذي يرتكبُ المحظوراتِ.
(١) المصادر السابقة.
﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩)﴾.
[٥٩] ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ﴾ الآلُ: القومُ الذين يؤولُ أمرهم إلى المضافِ إليه، والاستثناءُ منقطِعٌ من قومٍ؛ لأنَّ القومَ موصوفون بالإجرام، وآلُ لوطٍ لم يجرموا.
﴿إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ مما يعذَّبُ به القومُ. قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، ويعقوبُ، وخلفٌ: (لَمْنُجُوهُمْ) بالتخفيف، والباقون: بالتشديد (١).
...
﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠)﴾.
[٦٠] ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ استثناءٌ من آلِ لوطٍ، فيكونُ استثناءً من استثناءٍ، تقديره: أهلكناهُم إلا آلَ لوطٍ إلا امرأتَهُ ﴿قَدَّرْنَا﴾ حَكَمْنا.
﴿إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ الباقِين في الهلاكِ الذين لم يُسْتَثْنَوا منه. قرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ: (قَدَرْنَا) بتخفيفِ الدالِ، والباقونَ: بتشديدِها (٢).
...
﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١)﴾.
[٦١] ﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ﴾ اختلافُ القراءِ في حكمِ الهمزتينِ
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٧)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٦)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٥٩٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦٠).
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٣٦)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٥٩٠)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦٠).
من قولِه: ﴿جَاءَ آلَ لُوطٍ﴾ كاختلافِهم فيهما مِنْ ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ في سورةِ النساءِ.
...
﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢)﴾.
[٦٢] ﴿قَالَ﴾ لوطٌ لهم ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ لا أعرفكُمُ.
...
﴿قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣)﴾.
[٦٣] ﴿قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ أي: يشكُّونَ أنه نازلٌ بهم، وهو العذابُ، وكان لوطٌ يعدُ قومَه نزولَ العذابِ فلا يُصَدِّقونه.
...
﴿وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٦٤)﴾.
[٦٤] فقالت الملائكةُ: ﴿وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ باليقينِ من عَذابِهم.
﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ في قولِنا.
...
﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥)﴾.
[٦٥] ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ فاذهبْ بهم. قرأ نافعٌ، وابنُ كثيرٍ، وأبو جعفرٍ: (فَاسْرِ) بوصلِ الألفِ من سَرَى، وقرأ الباقون: بقطعِها، من أَسْرَى، ومعناهما واحدٌ، وهو سيرُ الليلِ (١).
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٢٥)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري =
﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ بطائفةٍ منه، قيل: إنه السَّحَرُ الأولُ.
﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾ سِرْ خَلْفَهم.
﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ لينظرَ ما وراءَه فيرَى من الهولِ ما لا يُطيقُه.
﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ بالذهابِ إليه، وهو الشامُ. قرأ أبو عمرٍو: (حَيْث تؤْمَرُونَ) بإدغامِ الثاءِ في التاءِ (١).
...
﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦)﴾.
[٦٦] ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾ أي: أعلمناهُ ﴿أَنَّ دَابِرَ﴾ أي: آخِرَ.
﴿هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ﴾ مهلَكٌ.
﴿مُصْبِحِينَ﴾ أي: أوحينا إليه أَنَّهم يهلكونَ جميعًا وقتَ الصُّبحِ.
...
﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧)﴾.
[٦٧] ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ أي: سدومَ إلى لوطٍ. واختلاف القراء في (جَاءَ أَهْلُ) كاختلافهم في (جَاءَ آلَ) [الحجر: ٦١].
﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ طَمَعًا في نيلِ شهوتِهم الخبيثةِ من الملائكةِ.
...
= (٢/ ٢٩٠)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٧٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦٠).
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٦٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦١).
﴿قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (٦٨)﴾.
[٦٨] ﴿قَالَ﴾ لوطٌ لقومِه: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ﴾ بفضيحةِ ضَيْفي.
...
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (٦٩)﴾.
[٦٩] ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ﴾ بفعلِ الخبيثِ فيهم؛ لأن مَنْ أُهِينَ ضيفُه فقد أُهِين. قرأ يعقوبُ (تَفْضَحُونِي) (تُخْزُونِي) بإثباتِ الياءِ فيها، والباقونَ: بحذفِها (١).
...
﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠)﴾.
[٧٠] ﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ أي: عن ضيافةِ الناسِ؛ لأنهم كانوا يأخذون المارَّ بهم لِيَخْبُثُوا به، فيحولُ بينَهم وبينَه، ويُبَيِّتُهُ عندَه ضيفًا، فنَهوْهُ عن ذلكَ.
...
﴿قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١)﴾.
[٧١] ﴿قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ أُزَوِّجُهُنَّ إياكُم إن أسلَمْتُم، فَأْتوا الحلالَ، ودعوا الحرامَ.
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠٢)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٧٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦١).
﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ ما آمُرُكُمْ به، وقيل: أرادَ بالبناتِ: نساءَ قومِه؛ لأنَّ النبيَّ كالوالدِ لأُمَّتِهِ. قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ: (بَنَاتِيَ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (١).
...
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)﴾.
[٧٢] قالَ ابنُ عباسٍ: "ما خلقَ اللهُ تعالى خَلْقًا أكرمَ عليهِ من محمدٍ - ﷺ -، وما أَقْسَمَ بحياةِ أحدٍ إلا بحياتِه، فقال: ﴿لَعَمْرُكَ﴾ " (٢) أي: وحياتِكَ، فهو قسمٌ من اللهِ جل جلاله بمدةِ حياةِ محمدٍ - ﷺ -، وأصلُه ضَمُّ العينِ من العُمُرِ، ولكنَّها فُتِحَتْ لكثرةِ الاستعمالِ، أو معناه: وَبقَائِكَ يا مُحَمَّدُ، ولم يقسم اللهُ بحياةِ أحدٍ غيرِه؛ لأنه أكرمُ البريَّةِ عندَه.
﴿إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ﴾ ضلالَتِهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يَتَحَيَّرونَ.
...
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣)﴾.
[٧٣] ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ أي: صيحةُ جبريلَ بهم ﴿مُشْرِقِينَ﴾ مصادِفين شروقَ الشمسِ؛ لأنَّ ابتداءَ عذابِهم كانَ عندَ طلوعِ الصُّبْحِ، وآخرَه عندَ طلوعِ الشمسِ.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٨)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٧٦)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦٢).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٤٤)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (٩٣٤)، وغيرهما.
﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤)﴾.
[٧٤] فإن جبريلَ قلعَ الأرضين بهم، ورفعَها إلى السماءِ، ثم أهوى بها نحوَ الأرضِ، ثم صاحَ بهم صيحةً عظيمةً ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ مُنْخَفِضَها.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ على شذاذِ القُرى، وهُمْ مَنْ لم يَكُنْ فيها.
﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ سِجِّيلٌ وسِجِّينٌ: الصلبُ منَ الحجارةِ والطينِ.
...
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)﴾.
[٧٥] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ أي: المتفرِّسينَ.
...
﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦)﴾.
[٧٦] ﴿وَإِنَّهَا﴾ أي: قريةُ قومِ لوطٍ ﴿لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ بطريقٍ ثابتٍ يسلُكه الناسُ، لم يَنْدَرِسْ بعدُ، فاتَّعِظوا بآثارهم يا قريشُ إذا ذهبتُمْ إلى الشامِ؛ لأنها في طريقِكم.
...
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧)﴾.
[٧٧] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ باللهِ ورسولِه.
...
﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (٧٨)﴾.
[٧٨] ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ الغَيْضَةِ، وهو شجرٌ مجتمعٌ،
والأيكةُ أبعدُ الأرضِ منَ السماء، وهم قومُ شعيبٍ.
﴿لَظَالِمِينَ﴾ بعثَهُ اللهُ إليهم، فكذَّبوه، فَأُهْلِكوا بالظُّلَّةِ، وتقدَّمَ ذكرُ القصةِ في سورةِ الأعرافِ.
...
﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (٧٩)﴾.
[٧٩] ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ بالإهلاكِ ﴿وَإِنَّهُمَا﴾ أي: قريةُ قومِ لوطٍ والأيكةُ.
﴿لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ بطريقٍ واضحٍ مستبينٍ.
...
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠)﴾.
[٨٠] ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ﴾ هم ثمودُ، والحِجْرُ: واديهم بينَ المدينةِ والشامِ.
﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ أرادَ صالحًا، وقال: المرسَلين من حيثُ يجبُ بتكذيبِ رسولٍ واحدٍ تكذيبُ جميعِهم؛ إذ القولُ في المعتَقَداتِ واحدٌ للرسلِ أجمعَ، فهذهِ العبارةُ أشنعُ على المكذِّبين.
...
﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١)﴾.
[٨١] ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا﴾ هي الناقةُ، وخروجُها من الصخرة، وكثرةُ شربها، وولادتَهُا مثلُها في العِظَم في الحالِ وغزارةِ لبنِها.
﴿فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ يعني: الآياتِ.
***
﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (٨٢)﴾.
[٨٢] ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ من خرابها، والنحتُ: النَّقْرُ بالمعاولِ ونحوِها في الحجارةِ.
...
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣)﴾.
[٨٣] ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ صيحةُ العذابِ ﴿مُصْبِحِينَ﴾ وقتَ الصبحِ.
...
﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)﴾.
[٨٤] ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ من عَدَدِهم وعُدَدِهم وبناءِ حصونِهم.
...
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)﴾.
[٨٥] ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: بين جنسَي السمواتِ والأرضِ.
﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ لم نوجدْ شيئًا عَبَثًا ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ فيجازَى المحسنُ بإحسانِه، والمسيءُ بإساءتِه.
﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ أي: أعرضْ عن المشركينَ إعراضًا جميلًا، وأَكَّدَ الصفحَ بنعتِ الجمالِ؛ إذِ المرادُ منه أن يكونَ لا عَتْبَ فيه ولا حِقْدَ، ونُسِخَتْ بآيةِ القتالِ.
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦)﴾.
[٨٦] ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ بخلقِهِ.
...
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)﴾.
[٨٧] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي﴾ هي الفاتحةُ؛ لأنها سبعُ آياتٍ بإجماعٍ، ولأنها تُثَنَّى في الصلاةِ، وتقدَّمَ الكلام على ذلكَ في أولِ التفسيرِ.
﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ عطفٌ على السبعِ؛ لأنَّ ما عدا الفاتحةَ قرآنٌ.
...
﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨)﴾.
[٨٨] ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ أي: لا تنظَرنَّ يا محمدُ.
﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ أَصنافًا من الكفارِ، نهى اللهُ رسولَه - ﷺ - عن الرغبةِ في الدنيا، ومزاحمةِ أهلِها عليها.
﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ إنْ لم يؤمنوا.
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾ أي: تواضَعْ ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وارْفُقْ بهم.
...
﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩)﴾.
[٨٩] ﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾ بُرْهانُهُ. قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وابنُ كثيرٍ، وأَبو عمرٍو: (إِنِّيَ) بفتحِ الياءِ، والباقون: بإسكانِها (١).
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٦)، =
﴿كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠)﴾.
[٩٠] ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا﴾ أي: وأنذرْ قريشًا إنذارًا مِثْلَ ما أَنْزَلْنا من العذابِ.
﴿عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾ المتحالِفين.
...
﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)﴾.
[٩١] ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ﴾ المنزلَ على النبيِّ - ﷺ -.
﴿عِضِينَ﴾ عَضَوْهُ؛ أي: فَرَّقُوه إلى سحرٍ وكهانةٍ وشعرٍ وغيرِ ذلك.
...
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)﴾.
[٩٢] ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ يومَ القيامةِ سؤالَ توبيخٍ.
...
﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)﴾.
[٩٣] ﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا.
...
﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤)﴾.
[٩٤] ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي: فَرِّقْ بينَ الحقِّ والباطلِ بتبليغِ الرسالةِ.
= و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦٣).
قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، ورويسٌ عن يعقوبَ بخلافٍ عنه: (فَاصْدَعْ) بإشمام الصادِ الزايَ (١).
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ ولا تلتفِتْ إليهم، ونُسِخَتْ بآيةِ السيفِ.
...
﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾.
[٩٥] ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ بكَ، وبالقرآنِ، وهم قومٌ من كفارِ مكةَ أهلَكَهم الله.
...
﴿الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦)﴾.
[٩٦] ﴿الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ يعني: الأصنامَ.
﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ عاقبةَ أمرِهم.
...
﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧)﴾.
[٩٧] ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ من الشركِ والاستهزاءِ.
...
﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨)﴾.
[٩٨] ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ قُلْ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ.
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٥٠ - ٢٥١)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ١٢٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٦٣).
﴿وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ المصلِّين.
رُوِيَ أنه - ﷺ - كانَ إذا أحزنه أَمْرٌ، فَزِعَ إِلى الصَّلاةِ (١).
...
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)﴾.
[٩٩] ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الموتُ؛ لأنه مُتَيَقَّنٌ لا شَكَّ فيه، واللهُ أعلم.
...
(١) رواه أبو داود (١٣١٩)، كتاب: الصلاة، باب: وقت قيام النبي - ﷺ - من الليل، والإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٣٨٨)، وغيرهما عن حذيفة -رضي الله عنه-.
570
فَتْحُ الرَّحْمَن في تَفْسِيْرِ القُرآنِ
تَأليف
الإِمَامِ القَاضِي مُجِير الدِّينِ بْنِ مُحمَّد العُليِميِّ المَقدِسِيِّ الحَنبليِّ
المولود سنة (٨٦٠ هـ) - والمتوفى سنة (٩٢٧ هـ) رَحِمَهُ الله تعَالى
المُجَلَّد الرابع
اعتَنَى بِهِ
تَحقِيقًا وضَبْطًا وتَخْريجًا
نُوْرُ الدِّيْن طَالب
إصدَارات
وزَارة الأوقاف والشُؤُوْن الإِسلامِيّة
إدَارَةُ الشُؤُوْنِ الإِسلاَمِيّةِ
دولة قطر
1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

2
فَتْحُ الرَّحْمَنَ
3
حُقُوق الطَّبع مَحفُوظَة
لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
إدارة الشؤون الإسلامية
دولة قطر
الطَبعَة الأولى، ١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
قامت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج والطباعة
دارُ النَّوادر لصاحبها ومديرها العام نور الدين طالب
سوريا - دمَشق - ص. ب: ٣٤٣٠٦
لبنان - بَيروت - ص. ب: ٥١٨/ ١٤
هَاتف: ٠٠٩٦٣١١٢٢٢٧٠٠١ - فاكس: ٠٠٩٦٣١١٢٢٢٧٠١١
www.daralnawader.com
4
Icon