ﰡ
قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان، ولغتان في رب. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي من أهل مكة وغيرهم. قوله: (وإذا عاينوا حالهم) أي من العذاب. قوله: (وحال المسلمين) أي من النعيم المقيم. قوله: ﴿ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ يصح في ﴿ لَوْ ﴾ أن تكون امتناعية، وجوابها محذوف تقديره لسروا بذلك، أو مصدرية تسبك مع ما بعدها بمصدر معمول ليود، والتقدير ربما يود الذين كفروا كونهم مسلمين. قوله: (ورب للتكثير) أي وما كافة لها عن الجر. إن قلت: إن (رب) إذا دخلت عليها ما الكافة، اختصت بالفعل الماضي، وهنا قد دخلت على المضارع. أجيب: بأن المضارع بالنسبة لعلم الله واقع ولا شك، فلا تفاوت بين ماض ومستقبل بالنسبة لعلمه تعالى، وإنما ذلك بالنظر لعقولنا. قوله: (وقيل للتقليل) أي باعتبار الأوقات التي يفيقون فيها من الدهشة، فالكفار من شدة الهول يدهشون، فلا يفيقون إلا في بعض الأوقات، فإذا أفاقوا كثر منهم التمني.
قوله: ﴿ وَيُلْهِهِمُ ﴾ مجزوم أيضاً بحذف الياء، وفيه ثلاث قراءات سبعية. كسر الهاء الثانية والميم وضمهما، وكسر الهاء وضم الميم، وأما الهاء الأولى فمكسورة لا غير، لأنها من بنية الكلمة. قوله: ﴿ ٱلأَمَلُ ﴾ فاعل ﴿ وَيُلْهِهِمُ ﴾.
قوله: (عاقبة أمرهم) قدره إشارة إلى أن مفعول ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ محذوف. قوله: (وهذا قبل الأمر بالقتال) أي قوله: ﴿ ذَرْهُمْ ﴾ الخ فهذه الآية منسوخة بآية القتال. قوله: (زائدة) أي في المفعول. قوله: (أريد أهلها) أي ففيه مجاز، إما بالحذف، أو مرسل من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه. قوله: ﴿ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾ الجملة حالية، والمعنى وما أهلكنا قرية في حال من الأحوال، إلا في حال أن يكون لها كتاب، أي أجل مؤقت لهلاكها، وجعلنا الواو حالية، أسهل من جعلها زائدة بين الصفة والموصوف. قوله: ﴿ مِنْ أُمَّةٍ ﴾ فاعل تسبق، و ﴿ مِنْ ﴾ لا زائدة في الفاعل للتأكيد قوله: ﴿ أَجَلَهَا ﴾ أي وهو الكتاب المتقدم. قوله: (يتأخرون عنه) أي الأجل. قوله: ﴿ وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ ﴾ نادوه صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم والاستهزاء، لا إقرار بأنه نزل عليه الذكر، ولذا قال المفسر (في زعمه) فدفع به ما قد يقال، إن في الآية مضاربة أولها لآخرها. قوله: ﴿ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ أي إنك لتقول قول المجانين، حيث تدعي أن الله نزل عليك الذكر، وقولهم هذا كقول فرعون﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾[الشعراء: ٢٧] والحاصل أنهم قالوا مقالتين: الأولى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ ﴾، والثانية ﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ ﴾ وقد رد الله ذلك على سبيل اللف والنشر والمشوش فقوله:﴿ مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ ﴾[الحجر: ٨] رد للثانية، قوله:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ ﴾[الحجر: ٩] رد للأولى. قوله: ﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا ﴾ تستعمل ﴿ لَّوْ مَا ﴾ حرف تحضيض، وحرف امتناع لوجود، فالتحضيضية لا يليها إلا الفعل ظاهراً أو مضمراً، والامتناعية لا يليها إلا الأسماء لفظاً أو تقديراً، إذا علمت ذلك فهي هنا للتحضيض، ولذا فسرها بهلا. قوله: ﴿ بِٱلْمَلائِكَةِ ﴾ أي لتخبرنا بصدقك.
قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ أي طريقتهم، والجملة مستأنفة. قوله: (وهؤلاء مثلهم) أي فانتظر ما ينزل بالمكذبين من العذاب. قوله: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم ﴾ أي على كفار مكة. قوله: ﴿ فَظَلُّواْ ﴾ الضمير إما عائد على المشركين، والمعنى فتحنا باب السماء لهؤلاء المشركين، ولو صعدوا إلى السماء ورأوا عجائبها لقالوا إلخ، أو على الملائكة، والمعنى لو كشفنا عن أبصار الكفار، فرأوا باب السماء مفتوحاً، والملائكة تصعد منه لما آمنوا.
قوله: (بسطناها) أي على الماء. قوله: (لئلا تتحرك بأهلها) أي لأن الله لما خلقها وبسطها على الماء، تحركت واضطربت، فثبتها بالجبال الرواسي فسكنت. قوله: (معلوم) أي الله، فيعلم قدر ما يحتاج إليه الخلق في معاشهم. قوله: ﴿ مَعَايِشَ ﴾ جمع معيشة، وهي ما يعيش بها الإنسان، من المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك. قوله: (بالياء) أي بإتفاق السبعة، لأنها في المفرد أصلية، فلا تقلب في الجمع همزة، بل تبقى على حالها، بخلاف المد الزائد في المفرد، فإنه يقلب همزة في الجمع، قال ابن مالك: والمد زيد ثالثاً في الواحد همزاً يرى في مثل كالقلائدوقرىء شذوذاً بالهمزة على التشبيه بشمائل. قوله: ﴿ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴾ مشى المفسر على أنه معطوف على ﴿ مَعَايِشَ ﴾ حيث قدر قوله جعلنا لكم. قوله: (من العبيد) أي والخدم وغيرهم، فأنتم تنتفعون بتلك الأشياء، ولستم برازقين لها، وإنما رزقها على خالقها. قوله: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ كالدليل لقوله: ﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾ و ﴿ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴾ فهو إعلام بسعة فضله سبحانه وتعالى، قوله: ﴿ شَيْءٍ ﴾ نكرة في سياق النفي، فنعم كل شيء كان في الدنيا أو الآخرة، جليلاً أو حقيراً. قوله: ﴿ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ أي إلا يوجده الله، إذا تعلقت قدرته وإرادته به، ففي الكلام مجاز، حيث شبه سرعة إيجاده الأشياء بحصولها بالفعل، وجعلها في خزائن، والجامع بينهما سرعة الحصول في كل، فالمعنى بيده الأشياء كلها، خيرها وشرها، جليلها وحقيرها، فإذا أراد الله شيئاً حصل، فلا يطلب الإنسان من غيره بل بطلب المفاتيح ممن بيده الخزائن، والمفاتيح كناية عن التسهيل، فمن أراد الله شيئاً أعطاه مفتاحه، بمعنى سهل أسبابه. قوله: ﴿ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ أي فيسعد هذا ويشقي هذا، ويفقر هذا ويغنى هذا، على حسب ما قدره الله، إذا علمت ذلك، فالمناسب للمفسر أن يقول على حسب تقدير الله، فإن الله تعالى ليس مراده مقيداً بمصالح عباده، بل أفعاله على حسب ما أراده وعلمه، وإلا فنجد الكافر يطول عمره، وهو في فقر ومرض، ثم يختم له بالكفر ويكون في النار، فأي مصلحة في ذلك؟
قوله: ﴿ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي ﴾ أي جميع الخلق، وإن حرف توكيد ونصب، ونا اسمها، وجملة ﴿ نُحْيِي ﴾ خبرها، وقوله: ﴿ لَنَحْنُ ﴾ ضمير منفصل توكيد لنا، لا ضمير فصل، لما تقدم أنه مردود بأن ضمير الفصل لا يقع إلا بين اسمين، وهنا ليس كذلك. قوله: ﴿ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ ﴾ الوارث في الأصل، هو الذي يأخذ المال بعد موت مورثه، ثم أطلق الإرث وأريد لازمه، وهو البقاء بعد فناء غيره، فإنه يلزم من أخذ الوراث مال الموروث بقاؤه بعد موت صاحبه، فهو سبحانه وتعالى وارث جميع الخلق بمعنى أنه يبقى بعد فنائهم. قوله: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ ﴾ أي علماً تفصيلياً، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. قوله: (المتأخرين) أشار بذلك إلى أن السين والتاء في المستقدمين والمستأخرين زائدتان، والمعنى أن عمله محيط بجميع خلقه، متقدمهم ومتأخرهم، طائعهم وعاصيهم، لا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه. قوله: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ أي يجمعهم للحساب، ثم بعد ذلك ينقسمون فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير. قوله: ﴿ مِن صَلْصَالٍ ﴾ الصلصال بمعنى المصلصل، كالزلزال بمعنى المزلزل، ووزنه فعلال بتكرار اللام، فقلبت الأولى منهما من جنس فاء الكلمة، والصلصال طور رابع من أطوار آدم الطينية، لأنه أولاً كان تراباً ثم عجن بأنواع المياه فصار طيناً، ثم ترك حتى أنتن واسود، فصار حماً مسنوناً، ثم يبس بعد تصويره فصار صلصالاً، ثم نفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين سنة، أربعين وهو طين، وأربعين وهو حماً مسنون، وأربعين وهو صلصال مصور، وهكذا أطوار أولاد آدم، تمكث النطفة في الرحم أربعين يوماً، ثم تصير علقة مثل ذلك، ثم تصير مضغة مثل ذلك، ثم تنفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين يوماً. قوله: (متغير) أي من طول مكثه حتى يتخمر.
قوله: (لدوران الأسرة بهم) أي أنهم إذا اجتمعوا وتلاقوا، ثم أرادوا الانصراف، يدور سرير كل واحد منهم، بحيث يبقى مقابلاً بوجهه لمن كان عنده، وقفاه إلى الجهة التي يسير لها السرير، وهذا أبلغ في الأنس والإكرام.
قوله: ﴿ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ ﴾ أي اليقين الذي لا لبس فيه. قوله: (أي لا) ﴿ يَقْنَطُ ﴾ أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (بكسر النون وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان، وقرىء شذوذاً بضم النون. قوله: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ ﴾ أي الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة فإن البشارة يكفي فيها واحد، فلا تحتاج لعدد. قوله: ﴿ إِلاَّ آلَ لُوطٍ ﴾ يحتمل أن يكون مستثنى من الأرسال، والمعنى إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط، فلم نرسل لهلاكهم، بل أرسلنا لنجاتهم، وحينئذ يكون الاستثناء متصلاً، أو مستثنى من قوم مجرمين، فهو منقطع، لأنهم لم يدخلوا في القوم المجرمين، ويشير للثاني قول المفسر لإيمانهم. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ ﴾ الأقرب أنه مستثنى من ضمير منجوهم. قوله: ﴿ قَدَّرْنَآ ﴾ إسناد التقدير للملائكة مجاز، إذ المقدر حقيقة هو الله تعالى، وهذا كما يقول خواص الملك: أمرنا بكذا، والآمر هو الملك. قوله: (الباقين في العذاب) أي فيقال غبر الشيء بقي، ويقال أيضاً مضى، فهو من الأضداد. قوله: ﴿ فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ﴾ أي بعد أن خرجوا من عند إبراهيم، وسافروا لقرية لوط، وكان بينهما أربعة فراسخ. قوله: (أي لوطاً) أشار بذلك إلى أن لفظة آل زائدة، بدليل الآية الأخرى﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً ﴾[هود: ٧٧].
قوله: ﴿ مُّنكَرُونَ ﴾ أي تنكركم نفسي وتجزع منكم، وإنما جزع منهم، لخوفه من قومه عليهم، بدليل آية هود﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾[هود: ٧٧].
قوله: (هي غيضة شجر) الغيضة في الأصل اسم للشجر الملتف، والمراد بها هنا، المكان الذي فيه الشجر الكثير، ونسبوا لها لملازمتهم لها وإقامتهم عندها، وكان عامة شجرهم المقل أي الدوم. قوله: (بتكذيبهم شعيباً) أي وبخسهم الكيل والميزان وقطعهم الطريق. قوله: (بشدة الحر) أي فسلطها الله عليهم سبعة أيام، حتى قربوا من الهلاك، فبعث الله لهم سحابة كالظلة، فالتجؤوا إليها، واجتمعوا تحتها للتظلل بها، فبعث الله عليهم منها ناراً فأحرقتهم جميعاً، فإهلاكهم أولاً بشدة الحر، ثم بالظلة، وأما أهل مدين، فأهلكوا بالصيحة، كما تقدم في سورة هود، من أنه أرسل لأهل مدين ولأصحاب الأيكة. قوله: (طريق) ﴿ مُّبِينٍ ﴾ أي وسمي الطريق إماماً، لأنه يؤم ويتبع، لأن الإنسان إذا أراد الانتقال من موضع لآخر، فإنه يأتم بالطريق حتى يصل إلى الموضع الذي يريده. قوله: ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ﴾ شروع في قصة صالح. قوله: (واد بين المدينة والشام) أي وآثاره باقية، يمر عليها الذاهب من الشام للحجاز. قوله: (لأنه تكذيب لباقي الرسل) جواب عما يقال: لم جمع المرسلين مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً. قوله: ﴿ وَآتَيْنَاهُمْ ﴾ أضاف الايتاء لهم، وإن كان لصالح لأنه مرسل لهم. قوله: (في الناقة) أشار بذلك إلى أن الناقة، وإن كانت آية واحدة، إلا أنها اشتملت على آيات، كخروجها من الصخرة، وعظم جثتها، وغزارة لبنها، وولادتها فصيلاً قدرها. قوله: (لا يتفكرون) أي لا يتأملون ولا ينظرون فيها. قوله: ﴿ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً ﴾ أي ينقرون الجبال بالمعاويل، حتى تصير بيوتاً من غير بنيان. قوله: ﴿ آمِنِينَ ﴾ أي من وصول اللصوص لهم، ومن تخريب الأعداء لبيوتهم لشدة اتقانها. قوله: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ ﴾ أي من السماء، والزلزلة من الأرض، لما عقروا الناقة، وتقدم في هود، أن صالحاً قال لهم قبل نزول العذاب بهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام. قوله: (وقت الصباح) أي بعد مضي الثلاثة الأيام.