ﰡ
«١» مكّيّة وآياتها تسع وتسعون ربّ يسّر وتمّم بالخير «٢» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ اشارة الى آيات السورة آياتُ الْكِتابِ الاضافة بمعنى من وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) الكتاب هو السورة او القران وتنكيره للتفخيم اى آيات ما هو جامع لكونه كتابا كاملا وقرانا يبين الرشد من الغى والحلال من الحرام بيانا عربيّا-.
رُبَما قرا نافع وعاصم وابو جعفر بتخفيف الباء والباقون بتشديدها- وربّ حرف جر للتقليل واستعمل هاهنا للتكثير مجازا لمناسبة المقابلة وإيذانا بانهم لو كانوا يودون الإسلام قليلا ولو مرة واحدة فبالحرىّ ان يسارعوا اليه فكيف وهم يودون كثيرا بل كل ساعة- او إيذانا بان ودادهم بلغت من الكثرة بحد لا يمكن التعبير عنه فاكتفى بما يدل على التقليل- وقيل استعمل هاهنا على الحقيقة للتقليل ووجه التقليل انه يدهشهم اهوال القيامة فان حانت منهم افاقة فى بعض الأوقات تمنوا ذلك- وما كافة تكف ربّ عن العمل فجاز دخولها على الفعل وحقها ان تدخل على الماضي لكن لمّا كان المترقب فى اخبار الله تعالى كالماضى فى تحققه دخلت على المضارع حيث قال الله تعالى يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) الغيبة فى حكاية ودادهم كالغيبة فى قولك حلف بالله ليفعلن مكان قولك لافعلن- اخرج ابن المبارك وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس وانس رضى الله عنهم انهما تذاكرا فى هذه الاية فقالا
(٢) الخطبة من الناشر-
ذَرْهُمْ يعنى دعهم يا محمّد يعنى الذين كفروا يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا بدنياهم وَيُلْهِهِمُ اى يشغلهم عن الاستعداد للمعاد الْأَمَلُ اى توقعهم طول الأعمار فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) سوء صنيعهم إذا عاينوا العذاب والغرض من هذا الكلام اقناط الرسول ﷺ عن انقيادهم واعلامه بانهم اهل الشقاوة فى علم الله تعالى وان نصحهم بعد ذلك مما لا فائدة فيه- وفيه الزام للحجة وتحذير عن إيثار التنعم وما يؤدى اليه طول الأمل.
وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ اى اهل قرية ومن زائدة إِلَّا وَلَها كِتابٌ اى وقت لهلاكها مقدر مكتوب فى اللوح المحفوظ مَعْلُومٌ (٤) عند الله تعالى والجملة صفة لقرية مستثناة من عموم الصفات والأصل ان لا تدخله الواو كما فى قوله تعالى إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ لكن لمّا شابهت صورتها صورة الحال ادخلت عليها تأكيدا للصوقها بالموصوف وجاز ان يقال الجملة حال من القرية لكونها فى حكم الموصوفة كانه قيل وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى. إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ من زائدة أَجَلَها اى لا تسبق امة الى الهلاك أجلها يعنى لا يهلك قبل ذلك وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) اى لا يستأخرون الهلاك عند بلوغ الاجل وتذكير ضمير امة حملا على المعنى.
وَقالُوا اى الكفار للنبى ﷺ تهكما واستهزاء يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) يعنون انك لتقول قول المجانين حيث تقول انزل علىّ الذكر اى.
القران لَوْ ما هل لا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ ليشهدوا لك بالصدق على ما تقول ويعضدون على الدعوة كقوله تعالى لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً- او للعقاب على تكذيبنا كما أتت الأمم السابقة إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) فى دعوى النبوة.
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ قرا حفص وحمزة والكسائي ننزّل بنونين على صيغة المضارع المتكلم المعروف من التفعيل مسندا الى الله تعالى والملئكة بالنصب على المفعولية وابو بكر بالتاء الفوقانية
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك أكده بوجوه وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) من التحريف والزيادة والنقصان ولا يتطرق اليه الخلل ابدا- وهذا دليل على كونه منزّلا من الله دون غيره إذ لو كان من عند غير الله لتطرق اليه الزيادة والنقصان وقدر الأعداء على الطعن فيه- ويل للرافضة حيث قالوا قد تطرق الخلل الى القران وقالوا ان عثمان وغيره حرّقوه والقوا منه عشرة اجزاء- وقيل الضمير فى له للنبى ﷺ يعنى انا لمحمّد حافظون ممن اراده بسوء نظيره قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ-.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رسلا فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) شيع جمع شيعة وهو القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم من شاعه إذا تبعه وأصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار.
وَما يَأْتِيهِمْ يعنى الشيع حكاية حال ماضية يعنى ما أتاهم مِنْ رَسُولٍ من زائدة لتعميم النفي إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كما يفعل هؤلاء بك تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم.
كَذلِكَ اى كما سلكنا الاستهزاء والكفر فى قلوب الشيع الأولين نَسْلُكُهُ اى ندخل الاستهزاء فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) يعنى مشركى مكة- والسلك إدخال الشيء فى الشيء كالخيط فى المخيط والرمح فى المطعون- وفيه رد للقدرية ودليل على انه تعالى يوجد الباطل فى قلوب الكفار.
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حال من المجرمين وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) اى سنة الله فيهم بان خذلهم وسلك الكفر فى قلوبهم او باهلاك من كذب الرسل منهم.
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ اى على هؤلاء المقترحين القائلين لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ بابا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) اى فظلت الملائكة يصعدون الى السماء وهم يرونها عيانا وقال الحسن فظل هؤلاء الكفار يعرجون الى السماء ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون.
لَقالُوا إِنَّما
اى سددت منا الابصار بالسحر اى حبست ومنعت النظر من السكر وهو سد النهر كذا فى القاموس- يدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف كذا قال ابن عباس وقال الحسن معنى سكّرت بالتشديد سحرت وقال قتادة أخرت وقال الكلبي عميت قال فى القاموس سكرت أبصارنا اى حبست عن النظر وحيرت او غطيت وغشيت بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) قد سحرنا محمّد ﷺ بذلك كما قالوه عند روية غير ذلك من المعجزات- وفى كلمة انّما وبل دلالة من الكفار على القطع بان ما يرونهم لا حقيقة له بل هو باطل خيّل إليهم بنوع من السحر-.
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً البرج هو النجم الكبير ماخوذ من التبرج اى الظهور يقال تبرجت المرأة إذا ظهرت- وقال عطية هى قصور فى السماء- وليس المراد بالآية مصطلح اهل الهيئة والنجوم فانها مبنية على كون السموات منطبقة بعضها على بعض بحيث يتحركن كلهن قسرا بحركة الفلك التاسع فلك الافلاك وكون حركة فلك الافلاك على منطقة وقطبين وحركة الفلك الثامن فلك الثوابت على منطقة وقطبين أخريين ولزوم الشمس منطقة الفلك الثامن وحصول التقاطع بين المنطقين ورسم خط يحصل به التقاطع بين الاقطاب الاربعة فيحصل اربعة أقواس كل قوس مشتملة على ثلاثة بروج- وذلك مما يأبى عنه الشرع فانه يثبت بالشرع حركة الكواكب دون السموات وبعد ما بين كل سمائين خمسمائة عام وعدد السموات لا يزيد على سبع وَزَيَّنَّاها اى البروج بالضياء او السماء بالشمس والقمر والكواكب لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها يعنى السماء مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) فلا يقدر ان يصعد إليها ويوسوس أهلها او يتصرف فى أمرها او يطلع على أحوالها- قال البغوي قال ابن عباس كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات وكانوا يدخلونها ويأتون باخبارها فيلقون على الكهنة فلمّا ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلمّا ولد محمّد ﷺ منعوا من السموات كلها فما منهم يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب- فلمّا منعوا تلك المقاعد ذكروا ذلك لابليس فقال لقد حدث فى الأرض حدث- قال فبعثهم فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ اى لكن من استرق السمع فَأَتْبَعَهُ اى تبعه ولحقه شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) ظاهر للمبصرين والشهاب شعلة نار تخرج من الكواكب قال البغوي وذلك ان الشياطين يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا فيسترقون السمع من الملائكة فيرمون بالشهب فلا يخطى ابدا فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه او جنبه او يده او حيث يشاء الله ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس فى البوادي عن ابى هريرة قال ان نبى الله ﷺ قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانّه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ وهو العلىّ الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتّى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن وربما أدركه الشهاب قبل ان يلقيها وربما القاها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السماء رواه البخاري ومن طريقه البغوي- وعن عائشة انها سمعت النبي ﷺ يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهى السحاب فيذكر الأمر قضى فى السماء فيسترق الشياطين السمع فيسمعه فيوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري ومن طريقه البغوي-.
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها اى بسطناها على الماء وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا ثوابت وقد كانت الأرض تميد الى ان أرساها بالجبال وَأَنْبَتْنا فِيها اى فى الأرض او فى الجبال بل فى كليهما مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) اى مقدر بمقدار معين يقتضيه الحكمة- او مستحسن متناسب من قولهم كلام موزون- اوله وزن فى أبواب النعم او ما يوزن من الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس وغيرها حتّى الزرنيخ والكحل- وفى الجبال كالياقوت والزبرجد والفيروزج وغيرها.
وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها اى فى الأرض والجبال مَعايِشَ جمع معيشة يعنى ما تعيشون بها فى الدنيا من المطاعم والمشارب والملابس والادوية وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) عطف على معايش اى جعلنا لكم من لستم
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ اى ما من شيء خلقناه الا نحن قادرون على إيجاد أضعاف ما وجد منه من جنسه وتكوينها فضرب الخزائن مثلا لاقتداره- او شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة الّتي لا يحتاج فى إخراجها الى كلفة واجتهاد- وشبّه إيجاده فى الخارج بانزاله من الخزائن وإخراجه منه فقال وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) مقدر فى الأزل إيجاده معلوم عند الله مقداره- قلت ولعل المراد بالخزائن الأعيان الثابتة فى علم الله تعالى وبانزاله إيجاده فى الخارج الظلي بوجود ظلى- قال البغوي وعن الامام جعفر بن محمّد الصادق رضى الله عنهما وعن ابائهما انه قال فى العرش تمثال جميع ما خلق الله فى البر والبحر وهو تأويل قوله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ- قلت لعل مراد الامام عليه السلام عالم المثال فانها بمنزلة الخيال للعالم الكبير ومحل الخيال للانسان الدماغ ومحل الخيال للعالم الكبير العرش- وقيل أراد بالخزائن المطر وهو خزينة لكل شيء حيث قال الله تعالى وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ- ويقال لا ينزل من السماء قطرة الا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله كذا قال البغوي-.
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ اى حوامل تحمل السحاب الماطرة جمع لاقحة يقال ناقة لاقحة إذا حملت الولد ومنه ما روى ان النبي ﷺ نهى عن بيع الملاقح يعنى بيع ما فى بطن الناقة من الولد- جمع ملقوح وجاز ان يكون لواقح جمع لقوح وهى ناقة ذات لبن- قال البيضاوي شبه الريح الّتي جاءت يخبر من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم- وقال ابن مسعود يرسل الله الريح فيحمل
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي القلوب بالمعرفة والأجسام بتعليق النفوس الحيوانية او النباتية او نحو ذلك وَنُمِيتُ بإزالتها وتكرير الضمير فى انّا لنحن للدلالة على الحصر وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) لا يبقى حىّ سوانا- استعير الوارث للباقى بعد فناء غيره استعارة من وارث الميت لانه يبقى بعد فنائه.
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ
(٢٤) اى لا يخفى علينا شيء من أحوالكم بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته فان ما يدل على قدرته دليل على علمه- قال البغوي قال ابن عباس أراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الاحياء- وقال الشعبي الأولين والآخرين وقال عكرمة المستقدمون من خلقه الله وحرج من أصلاب الآباء والمستأخرون من لم يخلق ولم يخرج بعد- وقال مجاهد المستقدمون الأمم السابقة والمستأخرون امة محمّد صلى الله عليه وسلم- وقال الحسن المستقدمون فى الطاعة والخير والمستأخرون المبطئون عنها- وقيل المستقدمون فى الصفوف فى الصلاة والمستأخرون فيها- اخرج ابن مردوية عن داود بن صالح انه سال سهل بن حنيف الأنصاري عن هذه الاية أنزلت فى سبيل الله قال لا ولكنها فى صفوف الصلاة- واخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه عن ابن عباس ان امراة حسناء كانت تصلى خلف رسول الله ﷺ فتقدم بعض القوم لئلا ينظروا إليها وتأخر بعض حتّى يكون فى الصف المؤخر فاذا ركع نظر من تحت ابطيه فنزلت هذه الاية- وقال الأوزاعي أراد المصلين فى أول الوقت والمؤخرين الى آخره- وقال مقاتل أراد المستقدمين فى صف القتال والمستأخرين فيه- وقال ابن عيينة أراد من اسلم ومن لم يسلم.
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ لا محالة للجزاء على ما عملوا من عمل عن جابر قال قال رسول الله ﷺ من مات على شيء بعثه الله تعالى عليه رواه احمد والحاكم والبغوي- وتوسيط الضمير للدلالة على انه هو القادر والمتولى لحشرهم لا غير وتصدير الجملة بان لتحقيق الوعد وو التنبيه على ان ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكمة كما صرح به قوله إِنَّهُ حَكِيمٌ ظاهر الحكمة متقن فى أفعاله عَلِيمٌ (٢٥) وسع علمه كل شيء-.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعنى جنس البشر بان خلق أباهم آدم عليه السلام وسمى إنسانا لظهوره- وادراك البصر إياه- ولموانسة بعضهم ببعض- وقيل من النسيان لانه عهد اليه فنسى مِنْ صَلْصالٍ اى طين يابس غير مطبوخ يصلصل اى يصوت إذا نقر- قال ابن عباس رضى الله عنهما هو الطين الحر الطيب الّذي إذا نضب
وَالْجَانَّ أريد به الجنس كما فى الإنسان لان تشعب الجنس إذا كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس باسره مخلوقا منها- وقال ابن عباس الجانّ ابو الجن كما ان آدم ابو البشر- وقال قتادة هو إبليس ويقال الجان ابو الجن وإبليس ابو الشياطين وفى الجن مسلمون وقاسطون ويحيون ويموتون وليس من الشياطين مسلم ويموتون إذا مات إبليس- وذكر وهب من الجن من يولد لهم ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين ومن الجن من هم بمنزلة الريح لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون منصوب بفعل مضمر يفسره خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ اى قبل خلق آدم عليه السلام مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) اى من نار الحر الشديد النافذ فى المسام- قال البغوي السموم ريح حارة تدخل مسام الإنسان وتقتله- ويقال السموم بالنهار والحرور بالليل وعن الكلبي عن ابى صالح السموم نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وهى نار بين السماء وبين الحجاب فاذا أحدث الله امرا خرّقت الحجاب فهوت الى ما أمرت فالهدة الّتي يسمعون خرق ذلك الحجاب- وقيل نار السموم لهب النار- وقيل من نار السموم اى من نار جهنم- وعن الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان إبليس من حى من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وخلقت الجن الذين ذكروا فى القران من مارج من نار فاما الملائكة خلقوا من النور.
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ اما تحقيقا بإدراك المعيّة المذكورة او تقليدا او امتثالا لامر العليم الحكيم كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) أكد الله سبحانه بتأكيدين للمبالغة فى التعميم ومنع التخصيص- وذكر عن المبرد انه قال أكد بالكل للاحاطة وبأجمعين للدلالة على انهم سجدوا مجتمعين دفعة واحدة وهذا ليس بشيء فانه لو كان كذلك لكان الثاني حالا منصوبا لا تأكيدا مرفوعا.
إِلَّا إِبْلِيسَ فانه لاجل عدم البصيرة لم يدرك المعيّة المذكورة ولم يستدل بان قول الحكيم لا يخلو من الحكمة- قيل الاستثناء منقطع لان إبليس لم يكن من الملائكة كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فعلى هذا يتصل به قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) اى ولكن إبليس ابى- وقيل الاستثناء متصل وهو كان من الملائكة من صنف منها يسمون بالجن فعلى هذا ابى كلام مستأنف كانه جواب سائل قال هلا سجد.
قالَ الله سبحانه يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) يعنى اى شيء عرض لك فى ان لا تكون مع الساجدين الى آدم مع وجوبه عليك بحكم الحاكم على الإطلاق وظهور فضل آدم واستحقاقه بأخبار العليم الصادق الخلاق.
قالَ إبليس لكمال غباوته لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ اللام لتأكيد النفي اى لا يصلح لى وينافي حال ان اسجد لِبَشَرٍ جسمانى كثيف خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) وهى اخس العناصر وخلقتنى من نار وهى ألطفها وأشرفها- وقد ذكرنا ما يناسب هذا المقام فى تفسير سورة الأعراف-.
قالَ الله تعالى فَاخْرُجْ يعنى ان عصيتنى فاخرج مِنْها اى من السماء او الجنة او من زمرة الملائكة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) مردود طريد من الخير والكرامة فان من يطرد يرجم بالحجارة- او انّك ترجم بالشهب ان تقربت السماء وهو وعيد متضمن للجواب عن شبهته وتعريضه على الله تعالى بانه لا ينبغى ان يؤمر الفاضل
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) فانه منتهى أمد الطرد واللعنة وبعد ذلك وقت الجزاء المترتب على تلك اللعنة والابعاد- او لانه بعد ذلك يعذب بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائد- وقيل انما حد اللعنة به لانه ابعد غاية يضربها الناس- قال البغوي قيل ان اهل السماء يلعنون إبليس كما يلعنه اهل الأرض فهو ملعون فى السماء والأرض- قلت بل يلعنه خالق السموات والأرض حيث قال وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ إبليس.
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي اى ان أخرجتني ولعنتنى فانظرنى اى أمهلني ولا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) أراد ان يجد فرصة الإغواء والنجات عن الموت إذ لا موت بعد البعث فاجابه الله فى الاول زيادة فى بلائه وشقائه لا إكراما له ولم يجبه فى الثاني و.
قالَ فَإِنَّكَ «١» مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) عند الله تعالى اى الوقت الّذي يموت فيه الخلائق وهو النفخة الاولى- يقال ان مدة موت إبليس أربعين سنة وهو ما بين النفختين-.
قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم وما مصدرية اى باغوائك واضلالك ايّاى قسمى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ اى فى الدنيا الّتي هى دار الغرور ازيّن لهم المعاصي- وقيل الباء للسببية اى لازيّننّ لهم بسبب اغوائك ايّاى وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) اى لاحملنهم على الغواية.
إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قرا ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بكسر اللام على صيغة الفاعل فى جميع القران يعنى أخلصوا دينهم بالتوحيد والطاعة لك ونفوسهم لاتباع مرضاتك والباقون بفتح اللام يعنى الذين أخلصتهم لنفسك عن طاعة غيرك وطهرتهم من الشوائب فهديتهم واصطفيتهم فلا يعمل فيهم كيدى-.
قالَ الله تعالى هذا اى الإخلاص صِراطٌ عَلَيَّ اى طريق للوصول الىّ من غير ضلال مُسْتَقِيمٌ (٤١) لا اعوجاج فيه أصلا قال الحسن صراط الحق مستقيم وقال مجاهد الحق يرجع على الله وعليه طريقه ولا يعرج على شيء- وقال الأخفش يعنى علىّ
إِنَّ عِبادِي الظاهر ان الاضافة للاستغراق بدليل الاستثناء فيشتمل المؤمن والكافر لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) يعنى سلطانك بتسليط الله تعالى ليس الا على الغاوين واما المؤمنون فلا سلطان لك عليهم فهو تصديق لابليس فيما استثناه فهذه الاية نظير قوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ والمقصود بيان عصمة المخلصين وانقطاع مخالب الشيطان عنهم ومن هاهنا يندفع قول من شرط ان يكون المستثنى اقل من الباقي لافضائه الى تناقض الاستثناءين- وجاز ان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن من اتبعك من الغاوين ليدخلنهم جهنم حذف الخبر لدلالة ما بعده عليه ويكون الكلام لتكذيب الشيطان فيما او هم ان له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده فان منتهى ما يقدر عليه الشيطان التحريض كما قال وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي- وجاز ان يكون الاضافة فى عبادى للعهد والمعنى انّ عبادى المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ والاستثناء حينئذ منقطع البتة-.
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ اى موعد الغاوين او المتبعين أَجْمَعِينَ (٤٣) تأكيد للضمير او حال والعامل فيها الموعد ان جعلته مصدرا على تقدير المضاف ومعنى الاضافة ان جعلته اسم مكان فانه لا يعمل لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ اخرج هناد وابن المبارك واحمد الثلاثة فى الزهد وابن جرير وابن ابى الدنيا فى صفة
لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ اى من الغاوين جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) اى لكل دركة قوم يسكنونها- ومنهم حال من جزء او من المستكن فى لكل باب لا فى مقسوم لان الصفة لا تعمل فيما تقدم على موصوفه- قرا ابو بكر جزّ «١» بالتشديد بلا همز- قال البغوي قال الضحاك فى الدركة الاولى اهل التوحيد الذين ادخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون وفى الثانية النصارى وفى الثالثة اليهود وفى الرابعة الصابئون وفى الخامسة المجوس وفى السادسة اهل الشرك وفى السابعة المنافقون قال الله تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ- وقال البغوي روى عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي او قال على امة محمّد صلى الله عليه وسلم- قال القرطبي الباب الاول جهنم»
وهو أهون عذابا من غيره وهو مختص بعصاة هذه الامة وسمى بذلك الاسم لانه يتجهّم فى وجوه الرجال والنساء فيأكل لحومهم والهاوية وهى أبعدها قعرا- واخرج البزار عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ للنار باب لا يدخله الا من شفى غيظه بسخط الله- واخرج الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ لجهنم سبعة أبواب أشدها غمّا وكربا وحزنا وانتنها للزناة الذين ركبوا الزنى بعد العلم- واخرج البيهقي عن الخليل بن مرة مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٢) اخرج ابن مردوية عن انس قال قال رسول الله ﷺ جزء أشركوا وجزء شكوا فى الله وجزء غفلوا- منه رحمه الله
إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين لم يتبعوا الشيطان فى الشرك فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) لكل واحد منهم جنة وعين او لكل واحد عدة منها- قرا نافع وابو عمرو وهشام وحفص عيون بضم العين حيث وقع والباقون بكسرها.
ادْخُلُوها على ارادة القول يعنى يقال لهم ادخلوا الجنات والعيون بِسَلامٍ اى سالمين او مسلّما عليكم آمِنِينَ (٤٧) من الموت والآفات والخروج.
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ اى حقد كان فى الدنيا والماضي هاهنا بمعنى المستقبل عبر به تنبيها على تحقق وقوعها- اخرج سعيد بن منصور وابو نعيم فى الفتن وابن ابى شيبة والطبراني وابن مردوية عن على رضى الله عنه قال أرجو ان أكون انا وعثمان وطلحة والزبير منهم- قلت وذلك حين وقع الشر والفتنة بينهم حتّى قتل عثمان فى حرب الدار وطلحة والزبير يوم الجمل- واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد عن عبد الكريم بن رشيد قال ينتهى اهل الجنة الى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ النيران فاذا دخلوها نزع الله تعالى ما فى صدورهم من غل فصاروا إخوانا- او المراد بالآية نزع التحاسد من صدور اهل الجنة على درجات الجنة ومراتب القرب إِخْواناً حال من ضمير فى جنت او من فاعل ادخلوها او من الضمير فى امنين او من الضمير المضاف اليه والعامل هاهنا معنى الاضافة وكذا قوله عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) ويجوز ان يكونا صفتين لاخوان او حالين من ضميره لانه بمعنى متصافين وان يكون متقابلين حالا من المستقر فى على سرر اخرج هناد عن مجاهد فى هذه الاية قال لا يرى بعضهم قفا بعض- قال البغوي وفى بعض الاخبار ان المؤمن
لا يَمَسُّهُمْ فِيها اى فى الجنة نَصَبٌ اى تعب استيناف او حال بعد حال من الضمير فى متقابلين وَما هُمْ مِنْها «١» اى من الجنة بِمُخْرَجِينَ (٤٨) فان تمام النعمة بالخلود- اخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال مر رسول الله ﷺ بنفر من أصحابه يضحكون قال أتضحكون وبين ايديكم النار فنزل جبرئيل وقال يا محمّد يقول لك ربك لم تقنط عبادى من رحمتى.
نَبِّئْ عِبادِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) واخرج ابن مردوية من وجه اخر عن رجل من اصحاب النبي ﷺ قال اطلع علينا رسول الله ﷺ من الباب الّذي يدخل منه بنوا شيبة قال الا أراكم تضحكون ثم أدبر ثم رجع القهقرى فقال انى خرجت حتّى إذا كنت عند الحجر جاء جبرئيل فقال يا محمّد ان الله يقول لم تقنط عبادى نبّئ عبادى الاية وفى نسق الكلام من هذه الاية فذلكة لما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له وفى ذكر المغفرة دليل على ان المراد بالمتقين من يتقى الشرك لا من يتقى الذنوب كلها صغيرها وكبيرها- قال البغوي قال قتادة بلغنا ان نبى الله ﷺ قال لو يعلم العبد قدر عفو الله لما نورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لتخرج نفسه- وروى الترمذي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) فى عطف هذه الجملة على نبّئ عبادى الاية تحقيق للوعد والوعيد فى الدنيا ايضا كما حققهما فى الاخرة فيما سبق- والضيف اسم يطلق على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث والمراد هاهنا الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى لبشارة ابراهيم بالولد وإهلاك قوم لوط.
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً اى نسلم او سلمنا سلاما قالَ ابراهيم إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) خائفون لانهم دخلوا بغير اذن او بغير وقت او لانهم لم يأكلوا طعامه- والوجل اضطراب النفس بتوقع المكروه.
قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا رسل ربك نُبَشِّرُكَ استيناف فى مقام التعليل للنهى عن الوجل فان المبشر لا يخاف منه قرأ حمزة بالتخفيف وفتح النون من المجرد والباقون من التفعيل بِغُلامٍ يعنى إسحاق عليه السلام لقوله تعالى فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ... عَلِيمٍ (٥٣) ذى علم بالغ إذا كبر فتعجب ابراهيم لاجل كبره وكبر امرأته و.
قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ اى مع مس الكبر إياي والاستفهام للانكار ان يبشر فى مثل هذه الحالة وكذلك قوله فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) اى فباىّ اعجوبة تبشروني فان البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة
قالُوا اى الملائكة بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ اى بالصدق او باليقين او بطريقة هى حق وهو قول الله عزّ وجلّ وامره الّذي لا راد لقضائه فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) اى من الآيسين وذلك لانه تعالى قادر على ان يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر- وكان استعجاب ابراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك.
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ قرا ابو عمرو والكسائي ويعقوب هاهنا وفى الروم يقنطون وفى الزمر لا تقنطوا بكسر النون فى الثلاثة والباقون بفتحها مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦) اى المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله وكمال علمه وقدرته فان القنوط من رحمة الله كبيرة كالامن من مكره-.
قالَ ابراهيم فَما خَطْبُكُمْ اى شأنكم الّذي أرسلتم لاجله سوى البشارة أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) لعله علم ان كمال المقصود ليس البشارة لانهم كانوا عددا والبشارة لا يحتاج الى العدد ولذلك اكتفى بالواحد فى بشارة زكريا ومريم عليهما السلام- او لانهم بشروه فى تضاعف الحال لازالة الوجل ولو كان تمام المقصود لابتدؤا بها.
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) اى مشركين يعنى قوم لوط.
إِلَّا آلَ لُوطٍ اى اتباعه واهل دينه ان كان استثناء من قوم كان منقطعا إذ القوم مقيد بالاجرام وان كان استثناء من الضمير فى مجرمين كان متصلا والقوم والإرسال شاملين للمجرمين- والمعنى انا أرسلنا الى قوم أجرموا كلهم الا ال لوط منهم لنهلك المجرمين وننجى ال لوط ويدل عليه قوله. إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ مما يعذب به غيرهم من القوم خفف حمزة والكسائي وشدده الباقون أَجْمَعِينَ (٥٩) حملة مستأنفة على تقدير اتصال الاستثناء وجار مجرى خبر لكن على تقدير الانفصال وعلى هذا جاز ان يكون قوله.
إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من ال لوط او من الضمير المنصوب فى
فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ لهم لوط إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) اى ينكركم نفسى إذ ليس عليكم زى السفر ولستم من اهل القرية فاخاف ان يصل الىّ منكم مكروه.
قالُوا اى الملائكة بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) يعنى ما جئنا بما تنكرنا لاجله بل جئناك بما يسرّك ويشفى لك فى أعدائك وهو العذاب الّذي تعد بها قومك فيمترون بها.
وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ باليقين من عذابهم او بالعذاب المحقق فى علم الله تعالى وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فيما أخبرناك.
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ اذهب بهم فى الليل قرا نافع وابن كثير فاسر بهمزة الوصل من السرى ومعناهما واحد بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ اى طائفة منها وقيل فى آخرها وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ يعنى كن على اثرهم حتّى تسرع بهم وتطلع على أحوالهم وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ اى لا ينظر وراءه فيرى من الهول ما لا يطيقه- او لئلا يروا ما نزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم فيصيبهم ما أصابهم- او لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف لغرض فيصيبه العذاب- وقيل نهوا عن الالتفات ليوطّنوا نفوسهم على المهاجرة او جعل النهى عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لان من يلتفت لا بد له فى ذلك من ادنى وقفة وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) يعنى الى حيث امر الله تعالى قال ابن عباس رضى الله عنهما يعنى الشام وقال مقاتل يعنى زغر.
وقيل أردن وَقَضَيْنا إِلَيْهِ اى أوحينا الى لوط مقضيّا ولذلك عدى بالى ذلِكَ
مبهم يفسره أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ يعنى أصلهم مَقْطُوعٌ ومحل انّ النصب على البدل منه وفيه تفخيم لذلك الأمر- والمعنى انهم يستأصلون عن آخرهم لا يبقى منهم أحد مُصْبِحِينَ (٦٦) اى داخلين فى الصبح وهو حال من هؤلاء او من الضمير فى مقطوع- وجمعه حملا على المعنى فان دابر هؤلاء فى معنى مدبرى هؤلاء-.
وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ سدوم يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) باضياف لوط يبشر بعضهم بعضا طمعا فى الفاحشة بهم فانهم كانوا فى صورة غلمان حسان الوجوه.
قالَ لهم لوط إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) فان تفضيح الضيف تفضيح للمضيف.
وَاتَّقُوا اللَّهَ فى ارتكاب الفاحشة وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قرا يعقوب لا تفضحونى ولا تخزونى بالياء والباقون بحذفها اى لا تذلّونى بسببهم من الخزي وهو الهوان او لا تخجلوني فيهم من الخزاية وهى الحياء.
قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ معطوف على محذوف تقديره أنترك هؤلاء ولم ننهك والاستفهام للانكار وهو من الإثبات نفى وبالعكس يعنى لا نتركهم وقد نهيناك عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) اى عن ان تجير منهم أحدا وتحول بيننا وبينهم فانهم كانوا يقطعون السبيل ويتعرضون كل واحد وكان لوط عليه السلام يمنعهم عنه بقدر وسعه- او عن ضيافة الناس وإنزالهم عندك فانا نركب منهم الفاحشة.
قالَ لهم لوط عليه السلام هؤُلاءِ بَناتِي قرا نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها وقد مر وجوه تأويله فى سورة هود عليه السلام إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) قضاء الشهوة او فاعلين ما أقول لكم فانكحوهن- قال الله تعالى.
لَعَمْرُكَ يا محمّد وحياتك قسمى وهو لغة فى العمر يختص به القسم لا يثار الأخف فيه لانه كثير الدور على الالسنة- قال البغوي روى عن ابى الجوزاء عن ابن عباس قال ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمّد ﷺ وما اقسم بحياة أحد الا بحياته إِنَّهُمْ يعنى كفار قريش لَفِي سَكْرَتِهِمْ اى غوايتهم وشدة انهماكهم فى قضاء الشهوات وعدم تميزهم بين الخطاء والصواب الّذي يشاربه إليهم يَعْمَهُونَ (٧٢) يتحبرون فكيف يسمعون نصحك والجملة معترضة فى قصة لوط- وقيل هذا من كلام الملائكة أضياف
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعنى الصيحة الهائلة المهلكة قيل صيحة جبرئيل مُشْرِقِينَ (٧٣) اى داخلين فى وقت شرق الشمس وإضائتها فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا وتمامه حين اشرقوا.
فَجَعَلْنا عالِيَها اى عالى المرتبة او عالى قرارهم سافِلَها رفعها جبرئيل الى السماء ثم قلبها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) اى من طين متحجرا وطين عليه كتاب من السجل وقد سبق مزيد بيان هذه القصة فى سورة هود- والفاء فى قوله فجعلنا تدل على تقدم الصيحة على قلب الأرض وامطار الحجارة والله اعلم.
إِنَّ فِي ذلِكَ الحديث لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) قال ابن عباس للناظرين وقال مجاهد للمتفرسين وقال قتادة للمعتبرين وقال مقاتل للمتفكرين قلت الوسم التأثير والسمة الأثر يعنى الناظرين فى ظواهر الأشياء وسماتها حتّى يتفرسوا بواطنها بسمات ظواهرها.
وَإِنَّها اى مدينة لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) اى بطريق ثابت واضح يسلكه الناس ويرون اثارها فالمقيم ما لم يندرس اثارها.
إِنَّ فِي ذلِكَ البيان لآية لّلمؤمنين (٧٧) بالله ورسوله المعتقدين بان هذا البيان من الله تعالى.
وَإِنْ اى انه كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ اى الأشجار المتكاثفة وهم قوم شعيب كانوا يسكنون غيظة وكانت عامة شجرهم الدوم وهو المقل لَظالِمِينَ (٧٨) اللام للتأكيد ظلموا أنفسهم وعرضوها للنار حيث كفروا بالله وكذبوا شعيبا.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وذلك ان الله سلط عليهم الحر سبعة ايام ثم بعث الله سحابة فالتجئوا إليها يلتمسون الروح فامطر الله عليهم منها نارا فاحرقتهم وذلك عذاب يوم الظلة وَإِنَّهُما يعنى سدوم قرية قوم لوط والايكة- وقيل الايكة ومدين فانه كان مبعوثا إليهما وكان ذكر إحداهما منبها على الاخرى لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) اى بطريق واضح أفلا يعتبر «١» بهما اهل مكة والامام اسم لما يؤتم به فسمى به اللوح ومطمر البناء والطريق لانها مما يؤتم بها-.
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ يعنى ثمود- والحجر واد بين المدينة والشام
وَآتَيْناهُمْ آياتِنا يعنى آيات الكتاب المنزل على نبيهم او معجزاته كالناقة وولدها وسقياها ودرها فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها- او امنين من عذاب الله لفرط غفلتهم وحسبانهم ان الجبال يحميهم منه.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صيحة العذاب مُصْبِحِينَ (٨٣) اى حال كونهم داخلين فى الصباح.
فَما أَغْنى عَنْهُمْ اى لم يدفع عنهم العذاب ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد- وقد ذكرنا فى تفسير سورة التوبة فى قصة غزوة تبوك انه ﷺ مر بالحجر فقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم وتقنّع بردائه وهو على الرحل واسرع حتّى أجاز الوادي-.
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى خلقا متلبسا بالحق كى يكون دليلا على وجود الصانع وصفاته وحجة على المنكرين مزيلا لعذرهم- او المعنى «١» متلبسا بالحق لا يلايم استمرار الفساد ودوام الشر فاقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وازالة فسادهم من الأرض وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فينتقم الله ممن أشرك بالله وكذّب رسله فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) اى اعرض عنهم ولا تعجل للانتقام منهم.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الّذي خلقك وخلق أعداءك وبيده الأمر كله الْعَلِيمُ (٨٦) بالمحسن والمسيء فيجازى كلا منهما على حسب عمله- او هو العليم بحالك وحالهم فهو حقيق بان تكل اليه أمرك- او هو الّذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم والأصلح اليوم الصفح-.
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي جمع مثناة اسم الظرف او مثنية اسم الفاعل صفة للايات او السور- قال البغوي قال عمر وعلىّ وابن مسعود رضى الله عنهم هى فاتحة الكتاب سبع آيات وهو قول قتادة وعطاء والحسن وسعيد بن جبير
(٢) فى الأصل بصفاته العظيم
لا تَمُدَّنَّ يا محمّد عَيْنَيْكَ اى لا ترفع بصرك طمعا إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ من امتعة الدنيا أَزْواجاً أصنافا مِنْهُمْ اى من الكفار فانها مستحقرة بالاضافة الى ما أوتيته من القران روى إسحاق بن راهويه فى مسنده من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص انه قال من اوتى القران فراى أحدا اوتى من الدنيا أفضل مما اوتى فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا- وقال البغوي روى ان سفيان بن عيينة تأول قول النبي ﷺ ليس منا من لم يتغنّ بالقران اى لم يستغن به روى الحديث البخاري عن ابى هريرة واحمد وابو داود وابن حبان والحاكم عن سعد وابو داود عن ابى لبابة عن عبد المنذر والحاكم عن ابن عباس وعائشة وروى البيهقي عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا تغبطن فاجرا بنعمة ان له عند الله قاتلا لا يموت ورواه البغوي بلفظ لا تغبطن فاجرا بنعمة فانك لا تدرى ما هو لاق بعد موته ان له عند الله قاتلا لا يموت- فبلغ ذلك وهب بن منبه فارسل اليه أبا داود الأعور فقال يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت قال عبد الله بن مريم النار- وروى احمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والبغوي عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ انظروا الى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة الله عليكم وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ اى على الكفار بانهم
وَقُلْ إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) أنذركم ببيان وبرهان ان عذاب الله نازل بكم ان لم تؤمنوا-.
كَما أَنْزَلْنا اى مثل الّذي أنزلنا من العذاب فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) قال البغوي حكى عن ابن عباس انه قال هم اليهود والنصارى.
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس قال سال رجل رسول الله ﷺ قال ارايت قول الله تعالى كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ قال اليهود والنصارى قال ما عضين قال أمنوا ببعض وكفروا ببعض جمع عضة كعدة الفرقة والقطعة كذا فى القاموس أصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء فاليهود والنصارى اقتسموا القران الى حق وباطل وجعلوه اجزاء صدقوا بعضه وقالوا هذا حق موافق للتورية والإنجيل وكذبوا بعضه وقالوا هذا باطل مخالف لهما- وقيل كانوا يستهزءون به فيقول بعضهم سورة البقرة لى ويقول الاخر سورة ال عمران لى- وقال مجاهدهم اليهود والنصارى وأريد بالقران ما يقرءون من كتبهم قسمت اليهود والنصارى كتابهم فعرفوه وتركوه- وقيل المقتسمون قوم اقتسموا القران فقال بعضهم سحر وقال بعضهم شعر وقال بعضهم كهانة وقال بعضهم أساطير الأولين- وقيل الاقتسام هو انهم فرقوا القول فى رسول الله ﷺ فقالوا شاعر ساحر كاهن- وقال مقاتل كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة ايام الموسم فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على أنقابها يقولون لمن جاء من الحاجّ لا تغتروا بهذا الخارج (الّذي يدعى النبوة) منّا يقول طائفة منهم انه مجنون وطائفة انه كاهن وطائفة انه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فاذا سئل عنه قال صدق أولئك يعنى المقتسمين- والعذاب النازل بالمقتسمين ان كان المراد بهم اليهود فقتل بنى قريظة واجلاء بنى النضير وغيرهم وان كان
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) من الكفر والمعاصي والتقسيم ونسبة القران الى الكذب او السحر ومجازيهم عليه- قال البغوي قال محمّد بن إسماعيل البخاري قال عدة من اهل العلم يعنى عن قول لا اله الا الله اخرج الترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية عن انس عن النبي ﷺ فى هذه الاية قال عن قول لا اله الا الله- واخرج مسلم عن ابى برزة الأسلمي رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ لا تزال قد ما عبد عن الصراط حتّى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه- واخرج الترمذي وابن مردوية مثله عن ابن مسعود واخرج
وقوله لَنَسْئَلَنَّهُمْ أجمعين يعنى توبيخا وتقريعا وقال عكرمة عن ابن عباس فى جمع الآيتين ان يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف فيسئلون فى بعض المواقف ولا يسئلون فى بعضها نظيره قوله تعالى هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وفى موضع اخر ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ كذا اخرج الحاكم.
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ قال ابن عباس اى اظهر امر للنبى ﷺ بإظهار الدعوة- روى عن عبد الله بن عبيدة قال كان مستخفيا حتّى نزلت هذه الاية فخرج هو وأصحابه- ويروى عن ابن عباس امضه قال الضحاك اعلم وقال الأخفش افرق بالقران بين الحق والباطل وقال سيبويه اقض بما تؤمر واصل الصدع الإبانة والفصل والتميز وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) لا تلتفت إليهم قيل نسخه اية القتال-.
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) بقمعهم وإهلاكهم قال البغوي يقول الله تعالى لنبيه ﷺ فاصدع بامر الله ولا تخف أحدا غير الله فان الله تعالى كافيك ممن عاداك كما كفاك المستهزئين وهم خمسة نفر من رؤساء قريش الوليد بن المغيرة المخزومي وكان رأسهم والعاص بن وائل السهمي والأسود ابن المطلب بن الحارث بن اسد بن عبد العزى ابو زمعة (وكان رسول الله صلى الله
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ اى يمتلى صدرك من الغيظ ولا تستطيع إنفاذه بِما يَقُولُونَ (٩٧) من الشرك والطعن فى القران والاستهزاء.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فافرغ الى الله بالتسبيح والتحميد يشغلك التسبيح والتحميد عن الغيظ ويكفيك الله ويكشف عنك الغم ويذهب عنك الغيظ ويشف صدرك- او فنزهه عما يقولون حامدا لله على ما هداك الى الحق قال ابن عباس فصل بامر ربك وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) من المتواضعين وقال الضحاك يعنى قل سبحان الله وبحمده وكن من المصلين- اخرج احمد وابو داود وابن جرير
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) اى الموت الموقن به فانه متيقن لحوقه كل مخلوق حىّ- والمعنى ما دمت حيّا ولا تخل بالعبادة كما فى قول عيسى أوصني بالصّلوة «١» ما دمت حيّا- روى البغوي بسنده وغيره عن جبير بن نفير قال قال رسول الله ﷺ ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان سبح بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ- وعن عمر رضى الله عنه قال نظر رسول الله ﷺ الى مصعب بن عمير مقيلا عليه إهاب كبش قد تنطق به فقال رسول الله ﷺ انظروا الى هذا الّذي قد نور الله قلبه لقد رايته بين أبويه يغذو انه بأطيب الطعام والشراب ولقد رايت عليه حلة شراها وشريت بمائتي درهم فدعاه حب الله وحب رسوله الى ما ترونه تمت تفسير سورة الحجر فى السادس والعشرين من الربيع الثاني من السنة الثانية بعد المائتين والف ويتلوه تفسير سورة النحل ان شاء الله تعالى- تمت سنة ١٢٠٢ هـ.
فهرس تفسير سورة النّحل من التّفسير المظهرى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه حديث إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح- ٨ حديث ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى إلخ ١١ حديث لا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار مثقال ذرة من ايمان- ١٢ وجه المقابلة بين الكبر والايمان- ١٢ وذكر الفناء المصطلح الصوفية- ١٢ حديث من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه الحديث ١٣ حديث قال الله كذبنى عبدى ولم يكن له ذلك وشتمنى الحديث- ١٩ حديث انى ارى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء أطا الحديث- ٢٣ حديث لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق- ٢٤