تفسير سورة الحجر

تفسير غريب القرآن للكواري
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري .
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿رُبَمَا﴾ رُبَّمَا تُسْتَعْمَلُ مُخَفَّفَةً وَمُشَدَّدَةً، وأصلُها أن تُسْتَعْمَلَ في القليلِ، وقد تُسْتَعْمَلُ في الكثيرِ، والمعنى: يَتَمَنَّى الكفارُ في أوقاتٍ كثيرةٍ لَوْ كانوا مُسْلِمِينَ، وذلك كُلَّمَا عَايَنُوا نوعًا من أنواعِ العذابِ أو ذَاقُوهُ عِنْدَ المَوْتِ أو في المَحْشَرِ أو فِي جهنم، يَتَمَنَّوْنَ لو كانوا في الدنيا مع المسلمين.
﴿فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ﴾ الَّذِينَ سَبَقُوا أُمَّتَكَ، وَالشِّيَعُ جَمْعُ شِيعَةٍ، وهي الفِرْقَةُ والطَّائِفَةُ من الناس المتآلفةِ المُتَّفِقَةِ الكَلِمَةِ، والشِّيَعُ في الآيَةِ: أَهْلُ القُرَى والأُمَمُ الماضِيَةُ.
﴿نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ﴾ أي: نَسْلُكُ الذِّكْرَ المُنَزَّلَ (القُرْآنَ) في عقولهم لِتَقُومَ الحُجَّةُ عليهم عَلَى سُنَّةِ إبلاغِ الرسالاتِ لمَنْ قَبْلَهَمُ، فَهُمْ يَسْمَعُونَهُ وَيَفْهَمُونَهُ، ولكنه لا يَسْتَقِرُّ في عقولهم استقرارَ تَصْدِيقٍ وَإِذْعَانٍ، وَالسَّلْكُ: إِدْخَالُ الشيءِ في الشيءِ كَإِدْخَالِ الخيطِ في المَخِيطِ.
﴿يَعْرُجُونَ﴾ يَصْعَدُونَ.
﴿سُكِّرَتْ﴾ أي: سُدَّتْ، من قَوْلِكَ: سَكَّرْتُ النَّهْرَ، إذا سَدَدْتُهُ.
﴿لَوَاقِحَ﴾ جمع لَاقِحَةٍ أي: حَوَامِلَ تَحْمِلُ السَّحَابَ، وَاللِّقَاحُ للشَّجَرِ، والخيرُ والنَّفْعُ للنَّاسِ.
﴿صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ الصَّلْصَالُ: الطِّينُ اليَابِسُ الَّذِي إذا نَقَرْتَهُ سمعتَ له صَلْصَلَةً، أي: صَوْتًا، والحَمَأ: الطينُ الأسودُ، والمَسْنُونُ: المُتَغَيِّرُ، قال «القرطبي»: كَانَ آدَمُ أولَ الأمرِ تُرَابًا مُتَفَرِّقَ الأَجْزَاءِ، ثم بُلَّ فَصَارَ طِينًا، ثم تُرِكَ حتى أُنْتِنَ فَصَارَ حَمَأً مَسْنُونًا، أي: مُتَغَيِّرًا، ثم يَبُسَ فَصَارَ صَلْصَالًا، ثم نَفَخَ فيه الروحَ فَكَانَ بَشَرًا سَوِيًّا.
﴿نَارِ السَّمُومِ﴾ مِنْ نَارٍ لا دُخَانَ لها، والسَّمُومُ أيضًا: الريحُ الحَارَّةُ التي تَقْتُلُ، سُمِّيَتْ سَمُومًا؛ لتأثيرِها عَلَى مَسَامِّ الجِسْمِ.
﴿قَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ خَرُّوا.
﴿الْوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ النفخةِ الأُولَى، وإنما سَمَّاهُ مَعْلُومًا؛ لأنه لا يَعْلَمُهُ غيرُه.
﴿الْغَابِرِينَ﴾ أي: البَاقِينَ مع الكفار لِيَهْلِكُوا معهم.
﴿لَعَمْرُكَ﴾ قَسَمِي، والخطابُ للنبيِّ - ﷺ -، ومعناه: وَحَيَاتِكَ يا محمدُ، وما خَلَقَ اللهُ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ من محمدٍ - ﷺ -، وما أَقْسَمَ بحياةِ أحدٍ إلا بحياته تَشْرِيفًا له، والعَمْرُ بفتحِ العينِ وَضَمِّهَا معناهما واحدٌ، وهو اسمٌ لمدةِ عِمَارَةِ بَدَنِ الإنسانِ بالروحِ وبقائِه مُدَّةَ حياتِه، وَقِيلَ: الخطابُ لِلُوطٍ، والقَسَمُ بحياتِه.
﴿سَكْرَتِهِمْ﴾ ذَهَابُ العَقْلِ مُشْتَقَّةٌ من السَّكْرِ بفتحِ السينِ وهو السدُّ، والمرادُ هنا حيرتُهم وَضَلَالتُهُمْ.
﴿لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ النَّاظِرِينَ نَظَرَ اعْتِبَارِ وَاتِّعَاظٍ، وقيل: المُتَفَرِّسِينَ، وقيل: المُبْصِرِينَ، وهذه الآيةُ أَصْلٌ في الفِرَاسَةِ -بِكَسْرِ الفَاءِ-؛ وهي: مَلَكَةٌ صَيَّادَةٌ لمعرفةِ أخلاقِ الإنسانِ وأحوالِه بأحوالِه الظاهرةِ.
﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ﴾ وَإِنَّ قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ لَبِطَرِيقٍ وَاضِحٍ تَرَوْنَهَا حِينَ سَفَرِكُمْ إلى الشَّامِ.
﴿أَصْحَابُ الحِجْرِ﴾ هُمْ ثَمُودُ، وَالحِجْرُ: وَادِيهِمْ؛ بَيْنَ المدينةِ والشَّامِ، وقيل: الحِجْرُ: مدينةُ ثَمُودَ.
﴿المُقْتَسِمِينَ﴾ أي: أهل الكتابِ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا القرآنَ اسْتِهْزَاءً به، وقيل: كُفَّارُ قُرَيْشٍ، فبعضُهم قال: إِنَّهُ شِعْرٌ، وبعضُهم قال: أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ.
﴿عِضِينَ﴾ أي: أجزاءً مُتَفَرِّقَةً بعضُه شِعْرٌ، وَبَعْضُهُ سِحْرٌ، وقيل: إيمانُهم ببعضِ الكتابِ وَكُفْرُهُمْ بِبَعْضٍ.
91
سُورة النَّحْل
Icon