تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب معاني القرآن
.
لمؤلفه
الفراء
.
المتوفي سنة 207 هـ
ﰡ
قوله :﴿ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ٣ ﴾ قاتل نفسكَ ﴿ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ موضع ( أن ) نصب لأنها جزاء، كأنك قلت : إن لم يؤمنوا فأنتَ قاتل نفسك. فلما كان ماضِياً نصبتَ ( أن ) كما تقول أتيتك أَنْ أتيتني. ولو لم يكن ماضياً لقلت : آتيكَ إلى تَأتنِي. ولو كانت مجزومةً وكسرْتَ ( إن ) فيها كَانَ صواباً. ومثله قول الله ﴿ وَلاَ يجْرِمَنّكم شَنآنُ قَوْم أَنْ صَدُّوكُم ﴾ و ﴿ إن صَدُّوكم ﴾. وقوله ﴿ من الشهدَاء أَن تَضِلّ ﴾ و ﴿ إِنْ تَضِلّ ﴾ وكذلك ﴿ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذكرَ صَفْحا إنْ كُنْتُم ﴾ وَ ﴿ أن كنتم ﴾ وَجهان جَيِّدَان.
وقوله :
﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّماء آيَةً٤ ﴾ ثم قال
﴿ فظلَّت ﴾ ولم يقل ( فتَظللّ ) كما قَالَ
﴿ ننزل ﴾ وذلك صواب : أن تعطف على مَجزوم الجَزاء بِفَعَلَ ؛ لأنّ الجزاء يصلح في موضع فعَل يفعل، وفي موضع يفعَل فعل، ألا ترى أنك تقول : إن زرتني زرتكَ وإن تزرْني أزركَ والمعنَى وَاحدٌ. فلذلك صَلح قوله
﴿ فظلّت ﴾ مَردودةً على يفعَل، وكذلك قوله
﴿ تباركَ الذي إن شاء جَعَل لكَ خَيرا من ذلكَ جَنات ﴾ ثم قال
﴿ ويَجْعَلْ لك قصُوراً ﴾ فرَدَّ يفعَل على وهو بمنزلة ردّه ( فظَلَّت ) على ( نُنَزِّل ) وكذلك جَواب الجزاء يُلقَى يَفعْل بفَعَل، وفَعَل بيفعل كقولك :( إنْ قمت أقم، وإِن تقم قمت ). وَأَحْسَنُ الكلام أن تجعَل جَواب يفعل بمثلها، وفَعَل بمثلها ؛ كَقولك : إن تَتْجُرْ تَرْبَحْ، أَحْسَنُ مِن أن تقول : إن تَتْجُرْ ربِحتَ. وكذلك إن تَجَرْت ربحتَ أحسنُ مِن أن تقول : إن تَجَرتَ تربَحْ. وهما جَائزَان. قال الله
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزينَتَها نُوَفِّ إليهم ﴾ فقال
﴿ نُوَفّ ﴾ وهي جواب لَكانَ. وقال الشاعر :
إن يَسمَعُوا سُبَّة طارُوا بها فَرَحا | منى وما يَسَمَعُوا من صَالحٍ دَفَنُوا |
فَرَدَّ الجَوَابَ بَفعَل وقبله يفعَلُ قال الفراء :( إن يسمعوا سُبَّة على مثال غيَّة ).
وقوله :
﴿ فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خَاضِعِينَ ﴾ والفعْل للأعناق فيقول القائل : كيف لم يقل : خاضِعَةً : وفي ذلك وُجُوه كلّها صَوَاب. أوّلها أن مُجاهِداً جَعَلَ الأعناق : الرجَال الكُبَراء. فكانت الأعناق ها هُنا بمنزلة قولِكَ : ظلَّت رءوسهم رُءُوسُ القوم وكبراؤهم لها خَاضِعِينَ للآية. والوجه الآخر أن تجعَلَ الأعناق الطوائفِ، كما تقول : رأيتُ الناسَ إلى فُلانٍ عُنقاً وَاحِدَةً فتجعَل الأعناق الطّوائف العُصَبَ وَأَحبُّ إليّ مِنْ هذين الوجهين في العَربيّةِ أن الأعناق إذا خَضَعتْ فأربابها خاضِعُونَ فجعلْتَ الفعل أوّلا للأعناق ثم جَعَلت ( خَاضِعِينَ ) للرجال كما قال الشاعر :
على قَبِضة مَوْجُوءة ظهرُ كَفّه | فلا المرْءُ مُسْتَحْىٍ ولا هو طَاعِمُ |
فأنَّث فعل الظهر لأن الكف تَجمع الظهر وتكفي منه : كما أنكَ تكتفي بِأن تقولَ : خَضَعتْ لك رَقبتي ؛ ألا ترى أن العرب تقول : كلُّ ذي عَيْنٍ ناظِرٌ وناظِرَةٌ إليكَ ؛ لأن قولكَ : نظرَتْ إليك عيني ونظرتُ إليكَ بمَعْنى وَاحِدٍ فتُرك ( كُلّ ) وَلهُ الفِعْل ورُدّ إلى العيْن. فلو قلت : فظلَّت أعْناقهم لها خاضعة كانَ صَوَاباً. وقد قال الكسائي : هذا بمنزلة قول الشاعر :
ترى أرْبَاقَهُم متقلِّدِيها | إذا صَدِئ الحدِيدُ على الكُماةِ |
ولا يشبه هذا ذلك لأن الفعل في المتقلّدينَ قد عاد بذكر الأرباق فصَلح ذَلكَ لعودة الذكر. ومثل هَذَا قولك : ما زالت يدُك باسطَها لأن الفعل منكَ على اليد واقعٌ فَلاَ بُدَّ من عَوْدةِ ذكر الذي في أول الكلام. ولو كانت فظلت أعناقهم لها خَاضعيها كان هذا البيت حُجَّة له. فإذا أوقعت الفعل على الاسم ثم أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أنْ يوافق فعلَ الأول ؛ كقولك ما زالت يدُ عبد الله مُنفقاً ومنفقةً فهذا من الموافِقِ ١٣٣ ب لأنك تقولُ يدُه مِنفقةٌ وهو منفقٌ ولا يَجوز كانت يده بَاسطاً لأنه باسطٌ لليد واليد مبسوطة، فالفعل مختِلف، لا يكفي فعل ذَا من ذا، فإن أعدت ذكر اليد صَلح فقلت : ما زالت يده باسطها.
وقوله :﴿ أَنبَتْنا فِيها مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ٧ ﴾ يقولُ : حَسَنٍ، يقال : هو كما تقول للنخلة : كريمة إذا طابَ حِمْلها، أو أكثر كما يقال للشاة وللناقة كريمة إذا غَزُرتا. قال الفراء : مِنْ كُلِّ زوجٍ من كل لَوْنٍ.
وقوله : في كلّ هذه السُّورة ﴿ وَما كان أكثرهم مؤمِنِينَ ﴾ في علم الله. يَقول : لهم في القرآنِ وتنزيلِه آية ولكنَّ أكثرَهُم في عِلم الله لن يُؤمنُوا.
وقوله :﴿ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ١١ ﴾
فقوله :﴿ أَلا يَتَّقُونَ ﴾ لو كانَ مكانها : ألاَ تَتَّقون كان صَوَاباً ؛ لأن موسَى أُمر أَن يقولَ لهم ألا تتَّقونَ. فكانت التّاء تجوز لخطاب موسَى إيَّاهم. وَجَازت اليَاء لأنَّ التَّنزيلَ قبل الخطاب، وهو بمنزلة قول الله ﴿ قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ﴾ و ﴿ سيُغْلَبونَ ﴾.
وقوله :﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِي١٣ ﴾ مرفوعة لأنَّها مردودة على ( أخاف ) ولو نُصبَت بالرد على ﴿ يُكَذبُونَ ﴾ كانت نَصباً صَوَاباً. والوجه الرفع ؛ لأنَّه أخْبر أنّ صدرهُ يضيق وذكر العلَّة التي كانَتْ بلسانِه، فتلك مِما لا تخاف ؛ لأنها قد كانت.
وقوله :﴿ فَأَرْسِلْ إِلَى هارُونَ ﴾ ولم يذكر مَعُونة ولا مؤازرة. وذلكَ أن المعنَى مَعْلوم كما تقول : لو أتاني مَكروهٌ لأرسلت إليك، ومعناهُ : لتعينني وتغيثني. وإذا كان المعنى مَعْلوما طُرح منه ما يرد الكلام إلى الإيجاز.
وقوله :﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ١٩ ﴾ قتْلَه النفسَ فالفعلةَ منصوبة الفاء لأنها مَرَّةٌ واحدةٌ. ولا تكون وَهي مَرَّة فِعلةً. ولو أريد بها مثل الجِلسة والمِشيَة جَاز كسرها. حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثني موسَى الأنصَاريّ عن السَّرِيّ بن إسماعيل عن الشّعْبيّ أنه قرأ ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ﴾ بكسر الفاء ولم يقرأ بها غيره.
وقوله :﴿ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ وأنت الآن من الكافرينَ لنعمتي أي لتربيَتي إياك وهي في قراءة عبد الله ( قال فعلتها إذاً وأنا من الجَاهلين ) والضالّين والجاهلين يَكُونان بمعنى واحدٍ ؛ لأنك تقول : جهلت الطريق وضَلَلَتْه. قال الفراء : إذا ضاعَ منك الشيء فقد أضللتَهُ.
وقوله :﴿ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْما٢١ ﴾ التوراة.
وقوله :
﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عليّ أَنْ عَبَّدتَّ٢٢ ﴾ يقول : هي - لعمري- نعمة إذْ رَبَّيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بنى إسرائيل. فأنْ تدلّ على ذلك. ومثله في الكلام أن تترك أحد عبديك أن تضربه وتضربَ الآخر، فيقول المتروكُ هذه نعمة علي أَن ضربتَ فلانا وتركتني. ثم يحذف ( وتركتني ) والمعْنَى قائم معروف. والعرب تقول : عبَّدت العَبيدَ وأعبدتهم.
أنشدني بعض العرب :علام يُعْبِدُني قَومي وقد كثُرت | فيهم أبا عرُما شاءوا وعِبْدانَ |
وقد تكون ( أن ) رفعاً ونصباً. أما الرفع فعلى قولك وتلك نعمة تُمنّها علي : تعبيدُك بنى إسرائيل والنصب : تمنَّها علي لتعبيدك بنى إسرائيل.
ويقول القائل : أين جَواب قوله :﴿ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ٢٥ ﴾
فيقال : إنه إنما أراد بقوله :﴿ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ ﴾ إلى قول مُوسَى. فردّ موسَى لأنه المراد بالجواب فقال : الذي أدعوكم إلى عبادته.
وقوله :﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائكُمُ الأَوَّلِينَ٢٦ ﴾ وكذلك قوله :﴿ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ٢٨ ﴾
يقول : أدعوكم إلى عبادة رَبّ المشرق والمغرب وما بينهما.
وقوله :﴿ أَن كُنا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ٥١ ﴾ وجه الكلام أن تفتح ( أنْ ) لأنها ماضية وهي في مذهب جزاء. ولو كُسرت ونُوى بما بعدها الجزم كان صَوابَا. وقوله :﴿ كُنا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ يقولون : أول مؤمني أهلِ زماننا.
وقوله :
﴿ إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ٥٤ ﴾
يقول عُصْبَةٌ قليلة وقليلونَ وكثيرونَ وأكثر كلام العرب أن يقولوا : قومك قليل وقومنا كثير. وقليلُونَ وكثيرونَ جَائز عَرَبيّ وإنما جَاز لأن القِلَّة إنما تَدخلهم جَميعاً. فقيلَ : قليلٌ، وأوثر قليل على قليلينَ. وجاز الجمع إذ كانت القِلَّة تلزم جَميعهم في المعنى فظهَرت أسماؤهم على ذلكَ. ومثله أنتم حَيٌّ واحد وحىّ واحِدُونَ. وَمَعْنَى وَاحِدُونَ وَاحدٌ كما قال الكميت :
فردّ قواصِيَ الأحيَاء منهم | قد رَجَعوا كحيّ وَاحِدِينا |
وقوله :﴿ حاذِرُونَ٥٦ ﴾ وحِذرُونَ حدّثنا أبو العباس قال حَدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثني أبو ليلى السجِستانيّ عن أبى جَرير قاضى سجستان أن ابن مسْعُود قرأ ( وإنا لجَميِعٌ حاذِرُونَ ) يقولون : مُؤدونَ في السّلاح. يقول : ذَوُو أداةٍ من السّلاح. و ﴿ حذِرُونَ ﴾ وكأن الحاذِر : الذي يَحْذرك الآن، وكأنّ الحذِر : المخلوق حَذِراً لا تلقاه إلاَّ حَذِراً.
وقوله :﴿ إِنا لَمُدْرَكُونَ٦٢ ﴾ و﴿ لَمُدَّركُونَ ﴾ مفتعلون من الإدراك كما تقول : حفرت واحتفرت بمعنىً واحدٍ، فكذلك ﴿ لَمُدْرَكُونَ ﴾ و ﴿ لَمُدَّرَكُونَ ﴾ معناهما واحد والله أعلم.
وقوله :﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ٧٧ ﴾ أي كُلَّ آلهةٍ لكم فلاَ أعبدها إلا ربّ الْعَالمَينَ فإني أعبده. ونصبه بالاستثناء، كأنه قال هم عدوّ غير معبود إلاَّ رب العالمين فإني أعبده. وإنما قالوا ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ﴾ أي لو عبدتُهم كانوا لي يومَ القيامة ضِدّاً وعَدُوّاً.
وقوله :﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ٨٤ ﴾
حدَّثني عمرو بن أبى المقدام عن الحَكَم عن مجاهد قال : ثناء حسَنا.
وقوله :﴿ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ١١١ ﴾ وذُكر أن بعض القراء قرأ : وأتباعك الأرذلونَ ولكنّي لم أجدهُ عن القراء المَعْروفينَ وهو وجه حَسَنٌ.
وقوله :﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ١٢٨ ﴾
وَ( رَيْع ) لغتان مثل الرِّيرِ والرار وهو المُخّ الردئ. وتقول راعَ الطَّعامُ إذا كان له رَيْعٌ.
وقوله :﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ١٢٩ ﴾ معناه : كيما تَخْلُدُوا.
وقوله :﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ١٣٠ ﴾ : تقتُلونَ على الغَضب. هذا قول الكلبيّ. وقال غيره ( بَطَشْتُم جَبّارينَ ) بالسوط.
وقوله :﴿ خُلُقُ الأَوَّلِينَ١٣٧ ﴾ وقراءة الكسائي ( خَلْق الأوَّلِينَ ) قال الفراء : وقراءتي ( خَلَق الأولينَ ) فمن قرأ ( خَلْق ) يقول : اختلاقهم وكذبهم ومن قرأ ﴿ خَلُق الأولينَ ﴾ يقول : عادة الأولين أي وراثة أبيك عن أول. والعرب تقول : حَدِّثنا بأحاديث الخَلْق وهي الخرافات المفتعلة وأشباهها فلذلك اخترت الخُلُق.
وقوله :﴿ هَضِيمٌ١٤٨ ﴾ يقول : ما دام في كوافيره وهو الطَّلْع. والعرب تسمّى الطلع الكُفُرَّى والكوافِيرُ واحدته كافورة، وكُفُرَّاةٌ واحدة الكُفُرّى.
وقوله :﴿ بُيُوتاً فَارِهِينَ١٤٩ ﴾ حاذقينَ و﴿ فَرِهينَ ﴾ أَشِرين.
وقوله :
﴿ إِنَّما أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ١٥٣ ﴾ قالوا له : لست بملَك إنما أنت بشر مثلها. والمسحَّر : المجوَّف، كأنه - والله أعْلَم - منْ قولكَ : انتفخ سَحرْكَ أي أنك تأكل الطعام والشراب وتُسَحرَّ به وتعلَّل. وقال الشاعر :
فإن تسألينا فيمن نحن فإنَّنا | عصَافير مِنْ هَذَا الأنامِ المسَحَّر |
١٣٤ ب/ يريد : المُعَلَّل والمخدوع. ونُرَى أَنَّ السَّاحر من ذلك أُخِذ.
وقوله :﴿ لَّها شِرْبٌ١٥٥ ﴾
لها حظّ من الماء. والشَّرْب والشُّرْب مصدران. وقد قالت العرب : آخرها أقلّها شُرْباً وشِرْباً وشَرْباً.
وقوله :﴿ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ١٦٦ ﴾ ما جعل لكم من الفروج. وفي قراءة عَبد الله ( ما أصلح لكم ربّكم ).
وقوله :
﴿ إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ١٧١ ﴾ والغابرونَ الباقونَ. ومن ذلك قول الشاعر : وهو الحارث بن حِلِّزَةَ :
لا تكْسَعِ الشَّوْل بأغبارها | إنَّكَ لا تَدْرى مَنِ الناتجُ |
الأغبار ها هُنا بقايا اللبن في ضروع الإبل وغيرها، واحدها غُبْر. قال وأنشدني بعض بنى أسَدٍ وهو أبو القَمْقام :
تَذُبُّ منها كُلَّ حَيزَبُونِ | مانِعَةٍ لغُبْرِها زَبُونِ |
وقوله :﴿ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ١٨٤ ﴾
قرأها عاصم والأعمش بكسر الجيم وتشديد اللام، ورفعها آخرون. واللام مشدّدة في القولين :﴿ والجُبُلّة ﴾.
وقوله :﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ١٩٣ ﴾
كذا قرأها القراء. وقرأها الأعمش وعاصم والحسَن ( نَزَّلَ به ) بالتشديد. ونصبوا ( الرُوحَ الأمِين ) وهو جبريل ﴿ على قَلْبِكَ ﴾ يتلوه عَليك. ورَفع أهْل المدينة ﴿ الرُّوح الأمين ﴾ وخَفَّفُوا ﴿ نَزل ﴾ وهما سواء في المعنى.
وقوله :﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ١٩٦ ﴾
وإنّ هذا القرآن لفي بَعض زُبُر الأولينَ وكتبهم. فقال :﴿ في زُبُر ﴾ وإنما هو في بعضها، وذلك واسِع ؛ لأنك تقول : ذهب الناس وإنما ذهب بعضهم.
وقوله :﴿ أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَماء بَنِي إِسْرَائيلَ١٩٧ ﴾
يقول : يعلمون عِلْم محمد صَلى الله عليه وسَلم أنه نبيّ في كتابهم. ( الآية ) مَنْصُوبَة و ( أنْ ) في موضع رفع. ولو قلت :﴿ أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةٌ ﴾ بالرَّفع ( أن يعلمه ) تجعَل ( أن ) في موضع نصب لجاز ذلكَ.
وقوله :﴿ وَلَوْ نَزَّلْناهُ على بَعْضِ الأَعْجَمِينَ١٩٨ ﴾
الأعجم في لسانه. والأعجميّ المنسوب إلى أصْله إلى العَجَم وإِن كان فصِيحا. ومن قال : أعجم قال للمرأة عجماء إذا لم تُحْسن العربيَّة ويجوز أن تقول عَجَميّ تريد أعجميّ تنسبه إلى أصْله.
وقوله :
﴿ كَذَلِكَ سَلَكْناهُ٢٠٠ ﴾ يقول : سلكنا التكذيبَ في قُلوب المجرِمين كي لا يؤمنُوا به
﴿ حَتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ ﴾ وإن كان موقع كي في مثل هذا ( لا ) وأَنْ جميعاً صلح الجزم في ( لا ) والرفع. والعرب تقول : ربطت الفرس لا يتفَلَّتُْ جزما ورفعاً. وأوثقت العبد لا يَفِرر جزما ورفعاً. وإنما جزم لأن تأويله إن لم أربطه فَرَّ فجزم على التأويل. أنشدني بعض بني عُقَيل :
وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا | مُسَاكتةَ لا يقرف الشرَّ قارف |
يُنشَد رفعاً وجزما. وقال آخر :لو كنت إذ جئتنا حاولت رُؤْيتنا | أو جئتنا ماشياً لا يُعْرف الفرسُ |
رفعاً وجزما وقوله :لطالما حَلأنماها لا ترِدْ | فخلِّياها والسِّجالَ تبتردْ |
من ذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠٠:وقوله :﴿ كَذَلِكَ سَلَكْناهُ٢٠٠ ﴾ يقول : سلكنا التكذيبَ في قُلوب المجرِمين كي لا يؤمنُوا به ﴿ حَتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ ﴾ وإن كان موقع كي في مثل هذا ( لا ) وأَنْ جميعاً صلح الجزم في ( لا ) والرفع. والعرب تقول : ربطت الفرس لا يتفَلَّتُْ جزما ورفعاً. وأوثقت العبد لا يَفِرر جزما ورفعاً. وإنما جزم لأن تأويله إن لم أربطه فَرَّ فجزم على التأويل. أنشدني بعض بني عُقَيل :وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا | مُسَاكتةَ لا يقرف الشرَّ قارف |
يُنشَد رفعاً وجزما. وقال آخر :لو كنت إذ جئتنا حاولت رُؤْيتنا | أو جئتنا ماشياً لا يُعْرف الفرسُ |
رفعاً وجزما وقوله :لطالما حَلأنماها لا ترِدْ | فخلِّياها والسِّجالَ تبتردْ |
من ذلك.
وقوله :﴿ إلاَّ لَها مُنذِرُونَ٢٠٨ ﴾
وفي موضع آخر :﴿ إلاَ وَلَها كِتَابٌ معلوم ﴾ وقد فُسّر هذا.
وقوله :﴿ ذِكْرَى وَما كُنا ظَالِمِينَ٢٠٩ ﴾ ذِكْرى في مَوضع نصب أي ينذرونهم تذكرة وذِكرى. ولو قلت :( ذكرى ) في موضع رفعٍ أصَبت، أي : ذلك ذكرى، وتلكَ ذكرى.
وقوله :﴿ وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ٢١٠ ﴾ ترفع النون.
قال الفراء : وجاء عن الحسن ( الشياطونَ ) وكأنه من غلط الشيخ ظنّ أنه بمنزلة المسْلمينَ والمسْلمُونَ.
وقوله :﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ٢١٢ ﴾ يعنى الشياطين برَجْم الكواكب.
وقوله :﴿ يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ٢١٨ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ٢١٩ ﴾
يقول : يرى تقبلكَ ١٣٥ ا في المصَلّين. وتقلّبه قيامُهُ وركوعُهُ وسُجُوده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١٨:وقوله :﴿ يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ٢١٨ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ٢١٩ ﴾
يقول : يرى تقبلكَ ١٣٥ ا في المصَلّين. وتقلّبه قيامُهُ وركوعُهُ وسُجُوده.
وقوله :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ٢٢١ ﴾ كانت الشياطين قبل أن تُرجم تأتى الكَهنَة مثل مسيلمة الكذّاب وطُلَيحة وسجاحِ فيُلقون إليهم بعض ما يسمعونَ ويكذبُونَ. فذلك ﴿ يُلْقُون ﴾ إلى كهنتهم ﴿ السَّمْعَ ﴾ الذي سمعُوا ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢١:وقوله :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ٢٢١ ﴾ كانت الشياطين قبل أن تُرجم تأتى الكَهنَة مثل مسيلمة الكذّاب وطُلَيحة وسجاحِ فيُلقون إليهم بعض ما يسمعونَ ويكذبُونَ. فذلك ﴿ يُلْقُون ﴾ إلى كهنتهم ﴿ السَّمْعَ ﴾ الذي سمعُوا ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾.
وقوله :﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ٢٢٤ ﴾
نزلت في ابن الزَبَعْرَى وأشباهه لأنهم كانوا يهجون النبيّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وقوله :﴿ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ غُواتهم الذين يرونَ سَبَّ النبي عليه السلام.
وقد قرئت ﴿ يَتَّبِعُهُم الغاوون ﴾ و ﴿ يَتْبَعَهُم ﴾ وكل صواب.
ثم استثنى شعراء المسلمين. فقال :﴿ إلا الذِينَ آمَنُوا ﴾ لأنهم رَدُّوا عليهم : فذلك قوله :﴿ وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ ما ظُلِمُواْ ﴾ وقد قرئت ﴿ يَتَّبِعُهُم الغاوون ﴾ و ﴿ يَتْبَعَهُم ﴾ وكل صواب.