تفسير سورة سورة الحجر من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
الر
سُورَة الْحِجْر : مَكِّيَّة إِلَّا آيَة ٨٧ فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا ٩٩ نَزَلَتْ بَعْد يُوسُف قَالَ النَّحَّاس : قُرِئَ عَلَى أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن شُعَيْب بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن حُرَيْث قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيد أَنَّ عِكْرِمَة حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس : الر، حم ونون حُرُوف الرَّحْمَن مُفَرَّقَة ; فَحَدَّثْت بِهِ الْأَعْمَش فَقَالَ : عِنْدك أَشْبَاه هَذَا وَلَا تُخْبِرنِي بِهِ ؟.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ :" الر " أَنَا اللَّه أَرَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق يَمِيل إِلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ قَدْ حَكَى مِثْله عَنْ الْعَرَب وَأَنْشَدَ :
وَقَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة :" الر " قَسَم.
وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة :" الر " اِسْم السُّورَة ; قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ هِجَاء فِي الْقُرْآن.
وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ فَوَاتِح السُّوَر.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هِيَ تَنْبِيه، وَكَذَا حُرُوف التَّهَجِّي.
وَقُرِئَ " الر " مِنْ غَيْر إِمَالَة.
وَقُرِئَ بِالْإِمَالَةِ لِئَلَّا تُشْبِه مَا وَلَا مِنْ الْحُرُوف.
سُورَة الْحِجْر : مَكِّيَّة إِلَّا آيَة ٨٧ فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا ٩٩ نَزَلَتْ بَعْد يُوسُف قَالَ النَّحَّاس : قُرِئَ عَلَى أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن شُعَيْب بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن حُرَيْث قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيد أَنَّ عِكْرِمَة حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس : الر، حم ونون حُرُوف الرَّحْمَن مُفَرَّقَة ; فَحَدَّثْت بِهِ الْأَعْمَش فَقَالَ : عِنْدك أَشْبَاه هَذَا وَلَا تُخْبِرنِي بِهِ ؟.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ :" الر " أَنَا اللَّه أَرَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق يَمِيل إِلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ قَدْ حَكَى مِثْله عَنْ الْعَرَب وَأَنْشَدَ :
بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا | وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا |
وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة :" الر " اِسْم السُّورَة ; قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ هِجَاء فِي الْقُرْآن.
وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ فَوَاتِح السُّوَر.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هِيَ تَنْبِيه، وَكَذَا حُرُوف التَّهَجِّي.
وَقُرِئَ " الر " مِنْ غَيْر إِمَالَة.
وَقُرِئَ بِالْإِمَالَةِ لِئَلَّا تُشْبِه مَا وَلَا مِنْ الْحُرُوف.
الْكِتَابِ
قِيلَ فِيهِ : إِنَّهُ اِسْم لِجِنْسِ الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، ثُمَّ قَرَنَهُمَا بِالْكِتَابِ الْمُبِين.
وَقِيلَ : الْكِتَاب هُوَ الْقُرْآن، جَمَعَ لَهُ بَيْن الِاسْمَيْنِ.
قِيلَ فِيهِ : إِنَّهُ اِسْم لِجِنْسِ الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، ثُمَّ قَرَنَهُمَا بِالْكِتَابِ الْمُبِين.
وَقِيلَ : الْكِتَاب هُوَ الْقُرْآن، جَمَعَ لَهُ بَيْن الِاسْمَيْنِ.
رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ
" رُبَّ " لَا تَدْخُل عَلَى الْفِعْل، فَإِذَا لَحِقَتْهَا " مَا " هَيَّأَتْهَا لِلدُّخُولِ عَلَى الْفِعْل تَقُول : رُبَّمَا قَامَ زَيْد، وَرُبَّمَا يَقُوم زَيْد.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " نَكِرَة بِمَعْنَى شَيْء، وَ " يَوَدّ " صِفَة لَهُ ; أَيْ رُبَّ شَيْء يَوَدّ الْكَافِر.
وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم " رُبَمَا " مُخَفَّف الْبَاء.
الْبَاقُونَ مُشَدَّدَة، وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ أَبُو حَاتِم : أَهْل الْحِجَاز يُخَفِّفُونَ رُبَّمَا ; قَالَ الشَّاعِر :
وَتَمِيم وَقَيْس وَرَبِيعَة يُثَقِّلُونَهَا.
وَحُكِيَ فِيهَا : رَبَّمَا وَرَبَمَا، وَرُبَّتَمَا وَرَبَتَمَا، بِتَخْفِيفِ الْبَاء وَتَشْدِيدهَا أَيْضًا.
وَأَصْلهَا أَنْ تُسْتَعْمَل فِي الْقَلِيل وَقَدْ تُسْتَعْمَل فِي الْكَثِير ; أَيْ يَوَدّ الْكُفَّار فِي أَوْقَات كَثِيرَة لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ; قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ لِلتَّقْلِيلِ فِي هَذَا الْمَوْضِع ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي بَعْض الْمَوَاضِع لَا فِي كُلّهَا ; لِشَغْلِهِمْ بِالْعَذَابِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ :" رُبَمَا يَوَدّ " وَهِيَ إِنَّمَا تَكُون لِمَا وَقَعَ ; لِأَنَّهُ لِصِدْقِ الْوَعْد كَأَنَّهُ عِيَان قَدْ كَانَ.
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيّ أَبُو الْقَاسِم مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَيَكُونُونَ فِي النَّار مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُونُوا ثُمَّ يُعَيِّرهُمْ أَهْل الشِّرْك فَيَقُولُونَ مَا نَرَى مَا كُنْتُمْ تُخَالِفُونَا فِيهِ مِنْ تَصْدِيقكُمْ وَإِيمَانكُمْ نَفَعَكُمْ فَلَا يَبْقَى مُوَحِّد إِلَّا أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْ النَّار - ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ " ).
قَالَ الْحَسَن " إِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ دَخَلُوا الْجَنَّة وَمَأْوَاهُمْ فِي النَّار تَمَنَّوْا أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الضَّحَّاك : هَذَا التَّمَنِّي إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْمُعَايَنَة فِي الدُّنْيَا حِين تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى مِنْ الضَّلَالَة.
وَقِيلَ : فِي الْقِيَامَة إِذَا رَأَوْا كَرَامَة الْمُؤْمِنِينَ وَذُلّ الْكَافِرِينَ.
" رُبَّ " لَا تَدْخُل عَلَى الْفِعْل، فَإِذَا لَحِقَتْهَا " مَا " هَيَّأَتْهَا لِلدُّخُولِ عَلَى الْفِعْل تَقُول : رُبَّمَا قَامَ زَيْد، وَرُبَّمَا يَقُوم زَيْد.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " نَكِرَة بِمَعْنَى شَيْء، وَ " يَوَدّ " صِفَة لَهُ ; أَيْ رُبَّ شَيْء يَوَدّ الْكَافِر.
وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم " رُبَمَا " مُخَفَّف الْبَاء.
الْبَاقُونَ مُشَدَّدَة، وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ أَبُو حَاتِم : أَهْل الْحِجَاز يُخَفِّفُونَ رُبَّمَا ; قَالَ الشَّاعِر :
رُبَمَا ضَرْبَة بِسَيْفٍ صَقِيل | بَيْن بُصْرَى وَطَعْنَة نَجْلَاء |
وَحُكِيَ فِيهَا : رَبَّمَا وَرَبَمَا، وَرُبَّتَمَا وَرَبَتَمَا، بِتَخْفِيفِ الْبَاء وَتَشْدِيدهَا أَيْضًا.
وَأَصْلهَا أَنْ تُسْتَعْمَل فِي الْقَلِيل وَقَدْ تُسْتَعْمَل فِي الْكَثِير ; أَيْ يَوَدّ الْكُفَّار فِي أَوْقَات كَثِيرَة لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ; قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَلَا رُبَّمَا أَهْدَتْ لَك الْعَيْن نَظْرَة | قُصَارَاك مِنْهَا أَنَّهَا عَنْك لَا تُجْدِي |
قَالَ :" رُبَمَا يَوَدّ " وَهِيَ إِنَّمَا تَكُون لِمَا وَقَعَ ; لِأَنَّهُ لِصِدْقِ الْوَعْد كَأَنَّهُ عِيَان قَدْ كَانَ.
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيّ أَبُو الْقَاسِم مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَيَكُونُونَ فِي النَّار مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُونُوا ثُمَّ يُعَيِّرهُمْ أَهْل الشِّرْك فَيَقُولُونَ مَا نَرَى مَا كُنْتُمْ تُخَالِفُونَا فِيهِ مِنْ تَصْدِيقكُمْ وَإِيمَانكُمْ نَفَعَكُمْ فَلَا يَبْقَى مُوَحِّد إِلَّا أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْ النَّار - ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ " ).
قَالَ الْحَسَن " إِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ دَخَلُوا الْجَنَّة وَمَأْوَاهُمْ فِي النَّار تَمَنَّوْا أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الضَّحَّاك : هَذَا التَّمَنِّي إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْمُعَايَنَة فِي الدُّنْيَا حِين تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى مِنْ الضَّلَالَة.
وَقِيلَ : فِي الْقِيَامَة إِذَا رَأَوْا كَرَامَة الْمُؤْمِنِينَ وَذُلّ الْكَافِرِينَ.
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا " تَهْدِيد لَهُمْ.
" وَيُلْهِهِمْ الْأَمَل " أَيْ يَشْغَلهُمْ عَنْ الطَّاعَة.
يُقَال : أَلْهَاهُ عَنْ كَذَا أَيْ شَغَلَهُ.
وَلَهِيَ هُوَ عَنْ الشَّيْء يَلْهَى.
" فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " إِذَا رَأَوْا الْقِيَامَة وَذَاقُوا وَبَال مَا صَنَعُوا.
وَهَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِالسَّيْفِ.
الثَّانِيَة : فِي مُسْنَد الْبَزَّار عَنْ أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَرْبَعَة مِنْ الشَّقَاء جُمُود الْعَيْن وَقَسَاوَة الْقَلْب وَطُول الْأَمَل وَالْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا ).
وَطُول الْأَمَل دَاء عُضَال وَمَرَض مُزْمِن، وَمَتَى تَمَكَّنَ مِنْ الْقَلْب فَسَدَ مِزَاجه وَاشْتَدَّ عِلَاجه، وَلَمْ يُفَارِقهُ دَاء وَلَا نَجَحَ فِيهِ دَوَاء، بَلْ أَعْيَا الْأَطِبَّاء وَيَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء.
وَحَقِيقَة الْأَمَل : الْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا وَالِانْكِبَاب عَلَيْهَا، وَالْحُبّ لَهَا وَالْإِعْرَاض عَنْ الْآخِرَة.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( نَجَا أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة بِالْيَقِينِ وَالزُّهْد وَيَهْلِك آخِرهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَل ).
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ عَلَى دَرَج مَسْجِد دِمَشْق فَقَالَ :( يَا أَهْل دِمَشْق، أَلَا تَسْمَعُونَ مِنْ أَخ لَكُمْ نَاصِح، إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ كَثِيرًا وَيَبْنُونَ مَشِيدًا وَيَأْمُلُونَ بَعِيدًا، فَأَصْبَحَ جَمْعهمْ بُورًا وَبُنْيَانهمْ قُبُورًا وَأَمَلهُمْ غُرُورًا.
هَذِهِ عَاد قَدْ مَلَأَتْ الْبِلَاد أَهْلًا وَمَالًا وَخَيْلًا وَرِجَالًا، فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْيَوْم تَرِكَتهمْ بِدِرْهَمَيْنِ ! وَأَنْشَدَ :
وَقَالَ الْحَسَن :( مَا أَطَالَ عَبْد الْأَمَل إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَل ).
وَصَدَقَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ! فَالْأَمَل يُكَسِّل عَنْ الْعَمَل وَيُورِث التَّرَاخِي وَالْتَوَانِي، وَيُعَقِّب التَّشَاغُل وَالتَّقَاعُس، وَيُخْلِد إِلَى الْأَرْض وَيُمِيل إِلَى الْهَوَى.
وَهَذَا أَمْر قَدْ شُوهِدَ بِالْعِيَانِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى بَيَان وَلَا يُطْلَب صَاحِبه بِبُرْهَانٍ ; كَمَا أَنَّ قِصَر الْأَمَل يَبْعَث عَلَى الْعَمَل، وَيُحِيل عَلَى الْمُبَادَرَة، وَيَحُثّ عَلَى الْمُسَابَقَة.
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا " تَهْدِيد لَهُمْ.
" وَيُلْهِهِمْ الْأَمَل " أَيْ يَشْغَلهُمْ عَنْ الطَّاعَة.
يُقَال : أَلْهَاهُ عَنْ كَذَا أَيْ شَغَلَهُ.
وَلَهِيَ هُوَ عَنْ الشَّيْء يَلْهَى.
" فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " إِذَا رَأَوْا الْقِيَامَة وَذَاقُوا وَبَال مَا صَنَعُوا.
وَهَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِالسَّيْفِ.
الثَّانِيَة : فِي مُسْنَد الْبَزَّار عَنْ أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَرْبَعَة مِنْ الشَّقَاء جُمُود الْعَيْن وَقَسَاوَة الْقَلْب وَطُول الْأَمَل وَالْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا ).
وَطُول الْأَمَل دَاء عُضَال وَمَرَض مُزْمِن، وَمَتَى تَمَكَّنَ مِنْ الْقَلْب فَسَدَ مِزَاجه وَاشْتَدَّ عِلَاجه، وَلَمْ يُفَارِقهُ دَاء وَلَا نَجَحَ فِيهِ دَوَاء، بَلْ أَعْيَا الْأَطِبَّاء وَيَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء.
وَحَقِيقَة الْأَمَل : الْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا وَالِانْكِبَاب عَلَيْهَا، وَالْحُبّ لَهَا وَالْإِعْرَاض عَنْ الْآخِرَة.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( نَجَا أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّة بِالْيَقِينِ وَالزُّهْد وَيَهْلِك آخِرهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَل ).
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ عَلَى دَرَج مَسْجِد دِمَشْق فَقَالَ :( يَا أَهْل دِمَشْق، أَلَا تَسْمَعُونَ مِنْ أَخ لَكُمْ نَاصِح، إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ كَثِيرًا وَيَبْنُونَ مَشِيدًا وَيَأْمُلُونَ بَعِيدًا، فَأَصْبَحَ جَمْعهمْ بُورًا وَبُنْيَانهمْ قُبُورًا وَأَمَلهُمْ غُرُورًا.
هَذِهِ عَاد قَدْ مَلَأَتْ الْبِلَاد أَهْلًا وَمَالًا وَخَيْلًا وَرِجَالًا، فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْيَوْم تَرِكَتهمْ بِدِرْهَمَيْنِ ! وَأَنْشَدَ :
يَا ذَا الْمُؤَمِّل آمَالًا وَإِنْ بَعُدَتْ | مِنْهُ وَيَزْعُم أَنْ يَحْظَى بِأَقْصَاهَا |
أَنَّى تَفُوز بِمَا تَرْجُوهُ وَيَكَ وَمَا | أَصْبَحْت فِي ثِقَة مِنْ نَيْل أَدْنَاهَا |
وَصَدَقَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ! فَالْأَمَل يُكَسِّل عَنْ الْعَمَل وَيُورِث التَّرَاخِي وَالْتَوَانِي، وَيُعَقِّب التَّشَاغُل وَالتَّقَاعُس، وَيُخْلِد إِلَى الْأَرْض وَيُمِيل إِلَى الْهَوَى.
وَهَذَا أَمْر قَدْ شُوهِدَ بِالْعِيَانِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى بَيَان وَلَا يُطْلَب صَاحِبه بِبُرْهَانٍ ; كَمَا أَنَّ قِصَر الْأَمَل يَبْعَث عَلَى الْعَمَل، وَيُحِيل عَلَى الْمُبَادَرَة، وَيَحُثّ عَلَى الْمُسَابَقَة.
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ
أَيْ أَجَل مُؤَقَّت كُتِبَ لَهُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
أَيْ أَجَل مُؤَقَّت كُتِبَ لَهُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ
" مِنْ " صِلَة ; كَقَوْلِك : مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَد.
أَيْ لَا تَتَجَاوَز أَجَلهَا فَتَزِيد عَلَيْهِ، وَلَا تَتَقَدَّم قَبْله.
وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ٣٤ ].
" مِنْ " صِلَة ; كَقَوْلِك : مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَد.
أَيْ لَا تَتَجَاوَز أَجَلهَا فَتَزِيد عَلَيْهِ، وَلَا تَتَقَدَّم قَبْله.
وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ٣٤ ].
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ
قَالَهُ كُفَّار قُرَيْش لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِهَة الِاسْتِهْزَاء.
قَالَهُ كُفَّار قُرَيْش لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِهَة الِاسْتِهْزَاء.
لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
ثُمَّ طَلَبُوا مِنْهُ إِتْيَان الْمَلَائِكَة دَلَالَة عَلَى صِدْقه.
وَ " لَوْمَا " تَحْضِيض عَلَى الْفِعْل كَلَوْلَا وَهَلَّا.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمِيم فِي " لَوْمَا " بَدَل مِنْ اللَّام فِي لَوْلَا.
وَمِثْله اِسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْء وَاسْتَوْمَى عَلَيْهِ، وَمِثْله خَالَمْته وَخَالَلْته، فَهُوَ خِلِّي وَخِلْمِي ; أَيْ صَدِيقِي.
وَعَلَى هَذَا يَجُوز " لَوْمَا " بِمَعْنَى الْخَبَر، تَقُول : لَوْمَا زَيْد لَضُرِبَ عَمْرو.
قَالَ الْكِسَائِيّ : لَوْلَا وَلَوْمَا سَوَاء فِي الْخَبَر وَالِاسْتِفْهَام.
قَالَ اِبْن مُقْبِل :
يُرِيد لَوْلَا الْحَيَاء.
وَحَكَى النَّحَّاس لَوْمَا وَلَوْلَا وَهَلَّا وَاحِد.
وَأَنْشَدَ أَهْل اللُّغَة عَلَى ذَلِكَ :
أَيْ هَلَّا تَعُدُّونَ الْكَمِيّ الْمُقَنَّعَا.
ثُمَّ طَلَبُوا مِنْهُ إِتْيَان الْمَلَائِكَة دَلَالَة عَلَى صِدْقه.
وَ " لَوْمَا " تَحْضِيض عَلَى الْفِعْل كَلَوْلَا وَهَلَّا.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمِيم فِي " لَوْمَا " بَدَل مِنْ اللَّام فِي لَوْلَا.
وَمِثْله اِسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْء وَاسْتَوْمَى عَلَيْهِ، وَمِثْله خَالَمْته وَخَالَلْته، فَهُوَ خِلِّي وَخِلْمِي ; أَيْ صَدِيقِي.
وَعَلَى هَذَا يَجُوز " لَوْمَا " بِمَعْنَى الْخَبَر، تَقُول : لَوْمَا زَيْد لَضُرِبَ عَمْرو.
قَالَ الْكِسَائِيّ : لَوْلَا وَلَوْمَا سَوَاء فِي الْخَبَر وَالِاسْتِفْهَام.
قَالَ اِبْن مُقْبِل :
لَوْمَا الْحَيَاء وَلَوْمَا الدِّين عِبْتُكُمَا | بِبَعْضِ مَا فِيكُمَا إِذْ عِبْتُمَا عَوَرِي |
وَحَكَى النَّحَّاس لَوْمَا وَلَوْلَا وَهَلَّا وَاحِد.
وَأَنْشَدَ أَهْل اللُّغَة عَلَى ذَلِكَ :
تَعُدُّونَ عَقْر النِّيب أَفْضَل مَجْدكُمْ | بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلَا الْكَمِيّ الْمُقَنَّعَا |
مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ
قَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل " مَا تُنَزَّل الْمَلَائِكَة ".
الْبَاقُونَ " مَا تَنَزَّل الْمَلَائِكَة " وَتَقْدِيره : مَا تَتَنَزَّل بِتَاءَيْنِ حُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا تَخْفِيفًا، وَقَدْ شَدَّدَ التَّاء الْبَزِّيّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ :" تَنَزَّل الْمَلَائِكَة وَالرُّوح " [ الْقَدْر : ٤ ].
قَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل " مَا تُنَزَّل الْمَلَائِكَة ".
الْبَاقُونَ " مَا تَنَزَّل الْمَلَائِكَة " وَتَقْدِيره : مَا تَتَنَزَّل بِتَاءَيْنِ حُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا تَخْفِيفًا، وَقَدْ شَدَّدَ التَّاء الْبَزِّيّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ :" تَنَزَّل الْمَلَائِكَة وَالرُّوح " [ الْقَدْر : ٤ ].
إِلَّا بِالْحَقِّ
إِلَّا بِالْقُرْآنِ.
وَقِيلَ بِالرِّسَالَةِ ; عَنْ مُجَاهِد.
وَقَالَ الْحَسَن : إِلَّا بِالْعَذَابِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
إِلَّا بِالْقُرْآنِ.
وَقِيلَ بِالرِّسَالَةِ ; عَنْ مُجَاهِد.
وَقَالَ الْحَسَن : إِلَّا بِالْعَذَابِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ
أَيْ لَوْ تَنَزَّلَتْ الْمَلَائِكَة بِإِهْلَاكِهِمْ لَمَا أُمْهِلُوا وَلَا قُبِلَتْ لَهُمْ تَوْبَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَوْ تَنَزَّلَتْ الْمَلَائِكَة تَشْهَد لَك فَكَفَرُوا بَعْد ذَلِكَ لَمْ يُنْظَرُوا.
وَأَصْل " إِذًا " إِذْ أَنْ - وَمَعْنَاهُ حِينَئِذٍ - فَضُمَّ إِلَيْهَا أَنْ، وَاسْتَثْقَلُوا الْهَمْزَة فَحَذَفُوهَا.
أَيْ لَوْ تَنَزَّلَتْ الْمَلَائِكَة بِإِهْلَاكِهِمْ لَمَا أُمْهِلُوا وَلَا قُبِلَتْ لَهُمْ تَوْبَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَوْ تَنَزَّلَتْ الْمَلَائِكَة تَشْهَد لَك فَكَفَرُوا بَعْد ذَلِكَ لَمْ يُنْظَرُوا.
وَأَصْل " إِذًا " إِذْ أَنْ - وَمَعْنَاهُ حِينَئِذٍ - فَضُمَّ إِلَيْهَا أَنْ، وَاسْتَثْقَلُوا الْهَمْزَة فَحَذَفُوهَا.
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
يَعْنِي الْقُرْآن.
يَعْنِي الْقُرْآن.
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
مِنْ أَنْ يُزَاد فِيهِ أَوْ يُنْقَص مِنْهُ.
قَالَ قَتَادَة وَثَابِت الْبُنَانِيّ : حَفِظَهُ اللَّه مِنْ أَنْ تَزِيد فِيهِ الشَّيَاطِين بَاطِلًا أَوْ تُنْقِص مِنْهُ حَقًّا ; فَتَوَلَّى سُبْحَانه حِفْظه فَلَمْ يَزَلْ مَحْفُوظًا، وَقَالَ فِي غَيْره :" بِمَا اُسْتُحْفِظُوا " [ الْمَائِدَة : ٤٤ ]، فَوَكَلَ حِفْظه إِلَيْهِمْ فَبَدَّلُوا وَغَيَّرُوا.
أَنْبَأَنَا الشَّيْخ الْفَقِيه الْإِمَام أَبُو الْقَاسِم عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ الشَّيْخ الْفَقِيه الْإِمَام الْمُحَدِّث أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن خَلَف بْن مَعْزُوز الْكَوْمِيّ التِّلِمْسَانِيّ قَالَ : قُرِئَ عَلَى الشَّيْخَة الْعَالِمَة فَخْر النِّسَاء شُهْدَة بِنْت أَبِي نَصْر أَحْمَد بْن الْفَرَج الدِّينَوَرِيّ وَذَلِكَ بِمَنْزِلِهَا بِدَارِ السَّلَام فِي آخِر جُمَادَى الْآخِرَة مِنْ سَنَة أَرْبَع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائَةٍ، قِيلَ لَهَا : أَخْبَرَكُمْ الشَّيْخ الْأَجَلّ الْعَامِل نَقِيب النُّقَبَاء أَبُو الْفَوَارِس طَرَّاد بْن مُحَمَّد الزَّيْنِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنْتِ تَسْمَعِينَ سَنَة تِسْعِينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيّ عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُمَر بْن عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد الْعَزِيز بْن جُرَيْج الْمَعْرُوف بِالطُّومَارِيِّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن فَهْم قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن أَكْثَم يَقُول : كَانَ لِلْمَأْمُونِ - وَهُوَ أَمِير إِذْ ذَاكَ - مَجْلِس نَظَر، فَدَخَلَ فِي جُمْلَة النَّاس رَجُل يَهُودِيّ حَسَن الثَّوْب حَسَن الْوَجْه طَيِّب الرَّائِحَة، قَالَ : فَتَكَلَّمَ فَأَحْسَن الْكَلَام وَالْعِبَارَة، قَالَ : فَلَمَّا تَقَوَّضَ الْمَجْلِس دَعَاهُ الْمَأْمُون فَقَالَ لَهُ : إِسْرَائِيلِيّ ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ لَهُ : أَسْلِمْ حَتَّى أَفْعَل بِك وَأَصْنَع، وَوَعَدَهُ.
فَقَالَ : دِينِي وَدِين آبَائِي ! وَانْصَرَفَ.
قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بَعْد سَنَة جَاءَنَا مُسْلِمًا، قَالَ : فَتَكَلَّمَ عَلَى الْفِقْه فَأَحْسَن الْكَلَام ; فَلَمَّا تَقَوَّضَ الْمَجْلِس دَعَاهُ الْمَأْمُون وَقَالَ : أَلَسْت صَاحِبنَا بِالْأَمْسِ ؟ قَالَ لَهُ : بَلَى.
قَالَ : فَمَا كَانَ سَبَب إِسْلَامك ؟ قَالَ : اِنْصَرَفْت مِنْ حَضْرَتك فَأَحْبَبْت أَنْ أَمْتَحِن هَذِهِ الْأَدْيَان، وَأَنْتَ تَرَانِي حَسَن الْخَطّ، فَعَمَدْت إِلَى التَّوْرَاة فَكَتَبْت ثَلَاث نُسَخ فَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت، وَأَدْخَلْتهَا الْكَنِيسَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْت إِلَى الْإِنْجِيل فَكَتَبْت ثَلَاث نُسَخ فَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت، وَأَدْخَلْتهَا الْبِيعَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْت إِلَى الْقُرْآن فَعَمِلْت ثَلَاث نُسَخ وَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت، وَأَدْخَلْتهَا الْوَرَّاقِينَ فَتَصَفَّحُوهَا، فَلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان رَمَوْا بِهَا فَلَمْ يَشْتَرُوهَا ; فَعَلِمْت أَنَّ هَذَا كِتَاب مَحْفُوظ، فَكَانَ هَذَا سَبَب إِسْلَامِي.
قَالَ يَحْيَى بْن أَكْثَم : فَحَجَجْت تِلْكَ السَّنَة فَلَقِيت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة فَذَكَرْت لَهُ الْخَبَر فَقَالَ لِي : مِصْدَاق هَذَا فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
مِنْ أَنْ يُزَاد فِيهِ أَوْ يُنْقَص مِنْهُ.
قَالَ قَتَادَة وَثَابِت الْبُنَانِيّ : حَفِظَهُ اللَّه مِنْ أَنْ تَزِيد فِيهِ الشَّيَاطِين بَاطِلًا أَوْ تُنْقِص مِنْهُ حَقًّا ; فَتَوَلَّى سُبْحَانه حِفْظه فَلَمْ يَزَلْ مَحْفُوظًا، وَقَالَ فِي غَيْره :" بِمَا اُسْتُحْفِظُوا " [ الْمَائِدَة : ٤٤ ]، فَوَكَلَ حِفْظه إِلَيْهِمْ فَبَدَّلُوا وَغَيَّرُوا.
أَنْبَأَنَا الشَّيْخ الْفَقِيه الْإِمَام أَبُو الْقَاسِم عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ الشَّيْخ الْفَقِيه الْإِمَام الْمُحَدِّث أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن خَلَف بْن مَعْزُوز الْكَوْمِيّ التِّلِمْسَانِيّ قَالَ : قُرِئَ عَلَى الشَّيْخَة الْعَالِمَة فَخْر النِّسَاء شُهْدَة بِنْت أَبِي نَصْر أَحْمَد بْن الْفَرَج الدِّينَوَرِيّ وَذَلِكَ بِمَنْزِلِهَا بِدَارِ السَّلَام فِي آخِر جُمَادَى الْآخِرَة مِنْ سَنَة أَرْبَع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائَةٍ، قِيلَ لَهَا : أَخْبَرَكُمْ الشَّيْخ الْأَجَلّ الْعَامِل نَقِيب النُّقَبَاء أَبُو الْفَوَارِس طَرَّاد بْن مُحَمَّد الزَّيْنِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنْتِ تَسْمَعِينَ سَنَة تِسْعِينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيّ عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُمَر بْن عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد الْعَزِيز بْن جُرَيْج الْمَعْرُوف بِالطُّومَارِيِّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن فَهْم قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن أَكْثَم يَقُول : كَانَ لِلْمَأْمُونِ - وَهُوَ أَمِير إِذْ ذَاكَ - مَجْلِس نَظَر، فَدَخَلَ فِي جُمْلَة النَّاس رَجُل يَهُودِيّ حَسَن الثَّوْب حَسَن الْوَجْه طَيِّب الرَّائِحَة، قَالَ : فَتَكَلَّمَ فَأَحْسَن الْكَلَام وَالْعِبَارَة، قَالَ : فَلَمَّا تَقَوَّضَ الْمَجْلِس دَعَاهُ الْمَأْمُون فَقَالَ لَهُ : إِسْرَائِيلِيّ ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ لَهُ : أَسْلِمْ حَتَّى أَفْعَل بِك وَأَصْنَع، وَوَعَدَهُ.
فَقَالَ : دِينِي وَدِين آبَائِي ! وَانْصَرَفَ.
قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بَعْد سَنَة جَاءَنَا مُسْلِمًا، قَالَ : فَتَكَلَّمَ عَلَى الْفِقْه فَأَحْسَن الْكَلَام ; فَلَمَّا تَقَوَّضَ الْمَجْلِس دَعَاهُ الْمَأْمُون وَقَالَ : أَلَسْت صَاحِبنَا بِالْأَمْسِ ؟ قَالَ لَهُ : بَلَى.
قَالَ : فَمَا كَانَ سَبَب إِسْلَامك ؟ قَالَ : اِنْصَرَفْت مِنْ حَضْرَتك فَأَحْبَبْت أَنْ أَمْتَحِن هَذِهِ الْأَدْيَان، وَأَنْتَ تَرَانِي حَسَن الْخَطّ، فَعَمَدْت إِلَى التَّوْرَاة فَكَتَبْت ثَلَاث نُسَخ فَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت، وَأَدْخَلْتهَا الْكَنِيسَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْت إِلَى الْإِنْجِيل فَكَتَبْت ثَلَاث نُسَخ فَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت، وَأَدْخَلْتهَا الْبِيعَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وَعَمَدْت إِلَى الْقُرْآن فَعَمِلْت ثَلَاث نُسَخ وَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت، وَأَدْخَلْتهَا الْوَرَّاقِينَ فَتَصَفَّحُوهَا، فَلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان رَمَوْا بِهَا فَلَمْ يَشْتَرُوهَا ; فَعَلِمْت أَنَّ هَذَا كِتَاب مَحْفُوظ، فَكَانَ هَذَا سَبَب إِسْلَامِي.
قَالَ يَحْيَى بْن أَكْثَم : فَحَجَجْت تِلْكَ السَّنَة فَلَقِيت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة فَذَكَرْت لَهُ الْخَبَر فَقَالَ لِي : مِصْدَاق هَذَا فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ قُلْت : فِي أَيّ مَوْضِع ؟ قَالَ : فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل :" بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه " [ الْمَائِدَة : ٤٤ ]، فَجَعَلَ حِفْظه إِلَيْهِمْ فَضَاعَ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " فَحَفِظَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فَلَمْ يَضِعْ.
وَقِيلَ :" وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " أَيْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يَتَقَوَّل عَلَيْنَا أَوْ نَتَقَوَّل عَلَيْهِ.
أَوْ " وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " مِنْ أَنْ يُكَاد أَوْ يُقْتَل.
نَظِيره " وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس " [ الْمَائِدَة : ٦٧ ].
وَ " نَحْنُ " يَجُوز أَنْ يَكُون مَوْضِعه رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَ " نَزَّلْنَا " الْخَبَر.
وَالْجُمْلَة خَبَر " إِنَّ ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " نَحْنُ " تَأْكِيدًا لِاسْمِ " إِنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب، وَلَا تَكُون فَاصِلَة لِأَنَّ الَّذِي بَعْدهَا لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَة، وَالْجُمَل تَكُون نُعُوتًا لِلنَّكِرَاتِ فَحُكْمهَا حُكْم النَّكِرَات.
وَقِيلَ :" وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " أَيْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يَتَقَوَّل عَلَيْنَا أَوْ نَتَقَوَّل عَلَيْهِ.
أَوْ " وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " مِنْ أَنْ يُكَاد أَوْ يُقْتَل.
نَظِيره " وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس " [ الْمَائِدَة : ٦٧ ].
وَ " نَحْنُ " يَجُوز أَنْ يَكُون مَوْضِعه رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَ " نَزَّلْنَا " الْخَبَر.
وَالْجُمْلَة خَبَر " إِنَّ ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " نَحْنُ " تَأْكِيدًا لِاسْمِ " إِنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب، وَلَا تَكُون فَاصِلَة لِأَنَّ الَّذِي بَعْدهَا لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَة، وَالْجُمَل تَكُون نُعُوتًا لِلنَّكِرَاتِ فَحُكْمهَا حُكْم النَّكِرَات.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ
الْمَعْنَى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك رُسُلًا، فَحَذَفَ.
وَالشِّيَع جَمْع شِيعَة وَهِيَ الْأُمَّة، أَيْ فِي أُمَمهمْ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
الْحَسَن : فِي فِرَقهمْ.
وَالشِّيعَة : الْفِرْقَة وَالطَّائِفَة مِنْ النَّاس الْمُتَآلِفَة الْمُتَّفِقَة الْكَلِمَة.
فَكَأَنَّ الشِّيَع الْفِرَق ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا " [ الْأَنْعَام : ٦٥ ].
وَأَصْله مَأْخُوذ مِنْ الشِّيَاع وَهُوَ الْحَطَب الصِّغَار يُوقَد بِهِ الْكِبَار - كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْأَنْعَام ".
- وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّ الشِّيَع هُنَا الْقُرَى.
الْمَعْنَى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك رُسُلًا، فَحَذَفَ.
وَالشِّيَع جَمْع شِيعَة وَهِيَ الْأُمَّة، أَيْ فِي أُمَمهمْ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
الْحَسَن : فِي فِرَقهمْ.
وَالشِّيعَة : الْفِرْقَة وَالطَّائِفَة مِنْ النَّاس الْمُتَآلِفَة الْمُتَّفِقَة الْكَلِمَة.
فَكَأَنَّ الشِّيَع الْفِرَق ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا " [ الْأَنْعَام : ٦٥ ].
وَأَصْله مَأْخُوذ مِنْ الشِّيَاع وَهُوَ الْحَطَب الصِّغَار يُوقَد بِهِ الْكِبَار - كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْأَنْعَام ".
- وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّ الشِّيَع هُنَا الْقُرَى.
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ كَمَا فَعَلَ بِك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فَكَذَلِكَ فُعِلَ بِمَنْ قَبْلك مِنْ الرُّسُل.
تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ كَمَا فَعَلَ بِك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فَكَذَلِكَ فُعِلَ بِمَنْ قَبْلك مِنْ الرُّسُل.
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ
قَوْله تَعَالَى :" كَذَلِكَ نَسْلُكهُ " أَيْ الضَّلَال وَالْكُفْر وَالِاسْتِهْزَاء وَالشِّرْك.
" فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ " مِنْ قَوْمك ; عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا.
أَيْ كَمَا سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوب مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شِيَع الْأَوَّلِينَ كَذَلِكَ نَسْلُكهُ فِي قُلُوب مُشْرِكِي قَوْمك حَتَّى لَا يُؤْمِنُوا بِك، كَمَا لَمْ يُؤْمِن مَنْ قَبْلهمْ بِرُسُلِهِمْ.
وَرَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد قَالَ : نَسْلُك التَّكْذِيب.
وَالسَّلْك : إِدْخَال الشَّيْء فِي الشَّيْء كَإِدْخَالِ الْخَيْط فِي الْمِخْيَط.
يُقَال : سَلَكَهُ يَسْلُكهُ سَلْكًا وَسُلُوكًا، وَأَسْلَكَهُ إِسْلَاكًا.
وَسَلَكَ الطَّرِيق سُلُوكًا وَسَلْكًا وَأَسْلَكَهُ دَخَلَهُ، وَالشَّيْء فِي غَيْره مِثْله، وَالشَّيْء كَذَلِكَ وَالرُّمْح، وَالْخَيْط فِي الْجَوْهَر ; كُلّه فَعَلَ وَأَفْعَل.
وَقَالَ عَدِيّ بْن زَيْد :
وَقَدْ سَلَكُوك فِي يَوْم عَصِيب
وَالسِّلْك ( بِالْكَسْرِ ) الْخَيْط.
وَفِي الْآيَة رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْمُعْتَزِلَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى نَسْلك الْقُرْآن فِي قُلُوبهمْ فَيُكَذِّبُونَ بِهِ.
وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَقَتَادَة الْقَوْل الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَر أَهْل التَّفْسِير، وَهُوَ أَلْزَم حُجَّة عَلَى الْمُعْتَزِلَة.
وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : نَسْلك الذِّكْر إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ ; ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ.
قَوْله تَعَالَى :" كَذَلِكَ نَسْلُكهُ " أَيْ الضَّلَال وَالْكُفْر وَالِاسْتِهْزَاء وَالشِّرْك.
" فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ " مِنْ قَوْمك ; عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا.
أَيْ كَمَا سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوب مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شِيَع الْأَوَّلِينَ كَذَلِكَ نَسْلُكهُ فِي قُلُوب مُشْرِكِي قَوْمك حَتَّى لَا يُؤْمِنُوا بِك، كَمَا لَمْ يُؤْمِن مَنْ قَبْلهمْ بِرُسُلِهِمْ.
وَرَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد قَالَ : نَسْلُك التَّكْذِيب.
وَالسَّلْك : إِدْخَال الشَّيْء فِي الشَّيْء كَإِدْخَالِ الْخَيْط فِي الْمِخْيَط.
يُقَال : سَلَكَهُ يَسْلُكهُ سَلْكًا وَسُلُوكًا، وَأَسْلَكَهُ إِسْلَاكًا.
وَسَلَكَ الطَّرِيق سُلُوكًا وَسَلْكًا وَأَسْلَكَهُ دَخَلَهُ، وَالشَّيْء فِي غَيْره مِثْله، وَالشَّيْء كَذَلِكَ وَالرُّمْح، وَالْخَيْط فِي الْجَوْهَر ; كُلّه فَعَلَ وَأَفْعَل.
وَقَالَ عَدِيّ بْن زَيْد :
وَقَدْ سَلَكُوك فِي يَوْم عَصِيب
وَالسِّلْك ( بِالْكَسْرِ ) الْخَيْط.
وَفِي الْآيَة رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْمُعْتَزِلَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى نَسْلك الْقُرْآن فِي قُلُوبهمْ فَيُكَذِّبُونَ بِهِ.
وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَقَتَادَة الْقَوْل الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَر أَهْل التَّفْسِير، وَهُوَ أَلْزَم حُجَّة عَلَى الْمُعْتَزِلَة.
وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : نَسْلك الذِّكْر إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ ; ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ.
وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ
أَيْ مَضَتْ سُنَّة اللَّه بِإِهْلَاكِ الْكُفَّار، فَمَا أَقْرَب هَؤُلَاءِ مِنْ الْهَلَاك.
وَقِيلَ :" خَلَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ " بِمِثْلِ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ مِنْ التَّكْذِيب وَالْكُفْر، فَهُمْ يَقْتَدُونَ بِأُولَئِكَ.
أَيْ مَضَتْ سُنَّة اللَّه بِإِهْلَاكِ الْكُفَّار، فَمَا أَقْرَب هَؤُلَاءِ مِنْ الْهَلَاك.
وَقِيلَ :" خَلَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ " بِمِثْلِ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ مِنْ التَّكْذِيب وَالْكُفْر، فَهُمْ يَقْتَدُونَ بِأُولَئِكَ.
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ
يُقَال : ظَلَّ يَفْعَل كَذَا، أَيْ يَفْعَلهُ بِالنَّهَارِ.
وَالْمَصْدَر الظُّلُول.
أَيْ لَوْ أُجِيبُوا إِلَى مَا اِقْتَرَحُوا مِنْ الْآيَات لَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْر وَتَعَلَّلُوا بِالْخَيَالَاتِ ; كَمَا قَالُوا لِلْقُرْآنِ الْمُعْجِز : إِنَّهُ سِحْر.
" يَعْرُجُونَ " مِنْ عَرَجَ يَعْرُج أَيْ صَعِدَ.
وَالْمَعَارِج الْمَصَاعِد.
أَيْ لَوْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاء وَشَاهَدُوا الْمَلَكُوت وَالْمَلَائِكَة لَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْر ; عَنْ الْحَسَن وَغَيْره.
وَقِيلَ : الضَّمِير فِي " عَلَيْهِمْ " لِلْمُشْرِكِينَ.
وَفِي " فَظَلُّوا " لِلْمَلَائِكَةِ، تَذْهَب وَتَجِيء.
أَيْ لَوْ كُشِفَ لِهَؤُلَاءِ حَتَّى يُعَايِنُوا أَبْوَابًا فِي السَّمَاء تَصْعَد فِيهَا الْمَلَائِكَة وَتَنْزِل لَقَالُوا : رَأَيْنَا بِأَبْصَارِنَا مَا لَا حَقِيقَة لَهُ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
يُقَال : ظَلَّ يَفْعَل كَذَا، أَيْ يَفْعَلهُ بِالنَّهَارِ.
وَالْمَصْدَر الظُّلُول.
أَيْ لَوْ أُجِيبُوا إِلَى مَا اِقْتَرَحُوا مِنْ الْآيَات لَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْر وَتَعَلَّلُوا بِالْخَيَالَاتِ ; كَمَا قَالُوا لِلْقُرْآنِ الْمُعْجِز : إِنَّهُ سِحْر.
" يَعْرُجُونَ " مِنْ عَرَجَ يَعْرُج أَيْ صَعِدَ.
وَالْمَعَارِج الْمَصَاعِد.
أَيْ لَوْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاء وَشَاهَدُوا الْمَلَكُوت وَالْمَلَائِكَة لَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْر ; عَنْ الْحَسَن وَغَيْره.
وَقِيلَ : الضَّمِير فِي " عَلَيْهِمْ " لِلْمُشْرِكِينَ.
وَفِي " فَظَلُّوا " لِلْمَلَائِكَةِ، تَذْهَب وَتَجِيء.
أَيْ لَوْ كُشِفَ لِهَؤُلَاءِ حَتَّى يُعَايِنُوا أَبْوَابًا فِي السَّمَاء تَصْعَد فِيهَا الْمَلَائِكَة وَتَنْزِل لَقَالُوا : رَأَيْنَا بِأَبْصَارِنَا مَا لَا حَقِيقَة لَهُ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ
مَعْنَى " سُكِّرَتْ " سُدَّتْ بِالسِّحْرِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك.
وَقَالَ الْحَسَن : سُحِرَتْ.
الْكَلْبِيّ : أُغْشِيَتْ أَبْصَارنَا ; وَعَنْهُ أَيْضًا عَمِيَتْ.
قَتَادَة : أُخِذَتْ.
وَقَالَ الْمُؤَرِّج : دِيرَ بِنَا مِنْ الدَّوَرَان ; أَيْ صَارَتْ أَبْصَارنَا سَكْرَى.
جُوَيْبِر : خُدِعَتْ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء :" سُكِّرَتْ " غُشِّيَتْ وَغُطِّيَتْ.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَقَالَ مُجَاهِد :" سُكِّرَتْ " حُبِسَتْ.
وَمِنْهُ قَوْل أَوْس بْن حَجَر :
قُلْت : وَهَذِهِ أَقْوَال مُتَقَارِبَة يَجْمَعهَا قَوْلك : مُنِعَتْ.
قَالَ اِبْن عَزِيز :" سُكِّرَتْ أَبْصَارنَا " سُدَّتْ أَبْصَارنَا ; هُوَ مِنْ قَوْلك، سَكَرْت النَّهْر إِذَا سَدَدْته.
وَيُقَال : هُوَ مِنْ سُكْر الشَّرَاب، كَأَنَّ الْعَيْن يَلْحَقهَا مَا يَلْحَق الشَّارِب إِذَا سَكِرَ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " سَكِرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ، .
وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : سُكِّرَتْ مُلِئَتْ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَالتَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد فِي " سُكِّرَتْ " ظَاهِرَانِ، التَّشْدِيد لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّخْفِيف يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَاهُ.
وَالْمَعْرُوف أَنَّ " سَكِرَ " لَا يَتَعَدَّى.
قَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون سُمِعَ مُتَعَدِّيًا فِي الْبَصَر.
وَمَنْ قَرَأَ " سَكِرَتْ " فَإِنَّهُ شَبَّهَ مَا عَرَضَ لِأَبْصَارِهِمْ بِحَالِ السَّكْرَان، كَأَنَّهَا جَرَتْ مَجْرَى السَّكْرَان لِعَدَمِ تَحْصِيله.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ [ مِنْ ] سُكْر الشَّرَاب، وَبِالتَّشْدِيدِ أُخِذَتْ، ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيّ.
وَقَالَ النَّحَّاس : وَالْمَعْرُوف مِنْ قِرَاءَة مُجَاهِد وَالْحَسَن " سَكِرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ.
قَالَ الْحَسَن : أَيْ سُحِرَتْ وَحَكَى أَبُو عُبَيْد عَنْ أَبِي عُبَيْدَة أَنَّهُ يُقَال : سُكِّرَتْ أَبْصَارهمْ إِذَا غَشِيَهَا سَمَادِير حَتَّى لَا يُبْصِرُوا.
وَقَالَ الْفَرَّاء : مَنْ قَرَأَ " سُكِّرَتْ " أَخَذَهُ مِنْ سُكُور الرِّيح.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة.
وَالْأَصْل فِيهَا مَا قَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى، قَالَ : هُوَ مِنْ السُّكْر فِي الشَّرَاب.
وَهَذَا قَوْل حَسَن ; أَيْ غَشِيَهُمْ مَا غَطَّى أَبْصَارهمْ كَمَا غَشِيَ السَّكْرَان مَا غَطَّى عَقْله.
وَسُكُور الرِّيح سُكُونهَا وَفُتُورهَا ; فَهُوَ يَرْجِع إِلَى مَعْنَى التَّحْيِير.
مَعْنَى " سُكِّرَتْ " سُدَّتْ بِالسِّحْرِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك.
وَقَالَ الْحَسَن : سُحِرَتْ.
الْكَلْبِيّ : أُغْشِيَتْ أَبْصَارنَا ; وَعَنْهُ أَيْضًا عَمِيَتْ.
قَتَادَة : أُخِذَتْ.
وَقَالَ الْمُؤَرِّج : دِيرَ بِنَا مِنْ الدَّوَرَان ; أَيْ صَارَتْ أَبْصَارنَا سَكْرَى.
جُوَيْبِر : خُدِعَتْ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء :" سُكِّرَتْ " غُشِّيَتْ وَغُطِّيَتْ.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَطَلَعَتْ شَمْس عَلَيْهَا مِغْفَر | وَجَعَلَتْ عَيْن الْحَرُور تَسْكُر |
وَمِنْهُ قَوْل أَوْس بْن حَجَر :
فَصِرْت عَلَى لَيْلَة سَاهِره | فَلَيْسَتْ بِطَلْقٍ وَلَا سَاكِره |
قَالَ اِبْن عَزِيز :" سُكِّرَتْ أَبْصَارنَا " سُدَّتْ أَبْصَارنَا ; هُوَ مِنْ قَوْلك، سَكَرْت النَّهْر إِذَا سَدَدْته.
وَيُقَال : هُوَ مِنْ سُكْر الشَّرَاب، كَأَنَّ الْعَيْن يَلْحَقهَا مَا يَلْحَق الشَّارِب إِذَا سَكِرَ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " سَكِرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ، .
وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : سُكِّرَتْ مُلِئَتْ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَالتَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد فِي " سُكِّرَتْ " ظَاهِرَانِ، التَّشْدِيد لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّخْفِيف يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَاهُ.
وَالْمَعْرُوف أَنَّ " سَكِرَ " لَا يَتَعَدَّى.
قَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون سُمِعَ مُتَعَدِّيًا فِي الْبَصَر.
وَمَنْ قَرَأَ " سَكِرَتْ " فَإِنَّهُ شَبَّهَ مَا عَرَضَ لِأَبْصَارِهِمْ بِحَالِ السَّكْرَان، كَأَنَّهَا جَرَتْ مَجْرَى السَّكْرَان لِعَدَمِ تَحْصِيله.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ [ مِنْ ] سُكْر الشَّرَاب، وَبِالتَّشْدِيدِ أُخِذَتْ، ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيّ.
وَقَالَ النَّحَّاس : وَالْمَعْرُوف مِنْ قِرَاءَة مُجَاهِد وَالْحَسَن " سَكِرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ.
قَالَ الْحَسَن : أَيْ سُحِرَتْ وَحَكَى أَبُو عُبَيْد عَنْ أَبِي عُبَيْدَة أَنَّهُ يُقَال : سُكِّرَتْ أَبْصَارهمْ إِذَا غَشِيَهَا سَمَادِير حَتَّى لَا يُبْصِرُوا.
وَقَالَ الْفَرَّاء : مَنْ قَرَأَ " سُكِّرَتْ " أَخَذَهُ مِنْ سُكُور الرِّيح.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة.
وَالْأَصْل فِيهَا مَا قَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى، قَالَ : هُوَ مِنْ السُّكْر فِي الشَّرَاب.
وَهَذَا قَوْل حَسَن ; أَيْ غَشِيَهُمْ مَا غَطَّى أَبْصَارهمْ كَمَا غَشِيَ السَّكْرَان مَا غَطَّى عَقْله.
وَسُكُور الرِّيح سُكُونهَا وَفُتُورهَا ; فَهُوَ يَرْجِع إِلَى مَعْنَى التَّحْيِير.
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ
لَمَّا ذَكَرَ كُفْر الْكَافِرِينَ وَعَجْز أَصْنَامهمْ ذَكَرَ كَمَال قُدْرَته لِيَسْتَدِلّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيّته.
وَالْبُرُوج : الْقُصُور وَالْمَنَازِل.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوج الشَّمْس وَالْقَمَر ; أَيْ مَنَازِلهمَا.
وَأَسْمَاء هَذِهِ الْبُرُوج : الْحَمَل، وَالثَّوْر، وَالْجَوْزَاء، وَالسَّرَطَان، وَالْأَسَد، وَالسُّنْبُلَة، وَالْمِيزَان، وَالْعَقْرَب، وَالْقَوْس، وَالْجَدْي، وَالدَّلْو، وَالْحُوت.
وَالْعَرَب تَعُدّ الْمَعْرِفَة لِمَوَاقِع النُّجُوم وَأَبْوَابهَا مِنْ أَجَلّ الْعُلُوم، وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الطُّرُقَات وَالْأَوْقَات وَالْخِصْب وَالْجَدْب.
وَقَالُوا : الْفَلَك اِثْنَا عَشَر بُرْجًا، كُلّ بُرْج مِيلَانِ وَنِصْف.
وَأَصْل الْبُرُوج الظُّهُور وَمِنْهُ تَبَرُّج الْمَرْأَة بِإِظْهَارِ زِينَتهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي النِّسَاء.
وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : الْبُرُوج النُّجُوم، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِظُهُورِهَا.
وَارْتِفَاعهَا.
وَقِيلَ : الْكَوَاكِب الْعِظَام ; قَالَهُ أَبُو صَالِح : يَعْنِي السَّبْعَة السَّيَّارَة.
وَقَالَ قَوْم :" بُرُوجًا " ; أَيْ قُصُورًا وَبُيُوتًا فِيهَا الْحَرَس، خَلَقَهَا اللَّه فِي السَّمَاء.
فَاَللَّه أَعْلَم.
" وَزَيَّنَّاهَا " يَعْنِي السَّمَاء ; كَمَا قَالَ فِي سُورَة الْمُلْك :" وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح " [ الْمُلْك : ٥ ].
" لِلنَّاظِرِينَ " لِلْمُعْتَبِرِينَ وَالْمُتَفَكِّرِينَ.
لَمَّا ذَكَرَ كُفْر الْكَافِرِينَ وَعَجْز أَصْنَامهمْ ذَكَرَ كَمَال قُدْرَته لِيَسْتَدِلّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيّته.
وَالْبُرُوج : الْقُصُور وَالْمَنَازِل.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوج الشَّمْس وَالْقَمَر ; أَيْ مَنَازِلهمَا.
وَأَسْمَاء هَذِهِ الْبُرُوج : الْحَمَل، وَالثَّوْر، وَالْجَوْزَاء، وَالسَّرَطَان، وَالْأَسَد، وَالسُّنْبُلَة، وَالْمِيزَان، وَالْعَقْرَب، وَالْقَوْس، وَالْجَدْي، وَالدَّلْو، وَالْحُوت.
وَالْعَرَب تَعُدّ الْمَعْرِفَة لِمَوَاقِع النُّجُوم وَأَبْوَابهَا مِنْ أَجَلّ الْعُلُوم، وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الطُّرُقَات وَالْأَوْقَات وَالْخِصْب وَالْجَدْب.
وَقَالُوا : الْفَلَك اِثْنَا عَشَر بُرْجًا، كُلّ بُرْج مِيلَانِ وَنِصْف.
وَأَصْل الْبُرُوج الظُّهُور وَمِنْهُ تَبَرُّج الْمَرْأَة بِإِظْهَارِ زِينَتهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي النِّسَاء.
وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : الْبُرُوج النُّجُوم، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِظُهُورِهَا.
وَارْتِفَاعهَا.
وَقِيلَ : الْكَوَاكِب الْعِظَام ; قَالَهُ أَبُو صَالِح : يَعْنِي السَّبْعَة السَّيَّارَة.
وَقَالَ قَوْم :" بُرُوجًا " ; أَيْ قُصُورًا وَبُيُوتًا فِيهَا الْحَرَس، خَلَقَهَا اللَّه فِي السَّمَاء.
فَاَللَّه أَعْلَم.
" وَزَيَّنَّاهَا " يَعْنِي السَّمَاء ; كَمَا قَالَ فِي سُورَة الْمُلْك :" وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح " [ الْمُلْك : ٥ ].
" لِلنَّاظِرِينَ " لِلْمُعْتَبِرِينَ وَالْمُتَفَكِّرِينَ.
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ
أَيْ مَرْجُوم.
وَالرَّجْم الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ.
وَقِيلَ : الرَّجْم اللَّعْن وَالطَّرْد.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : كُلّ رَجِيم فِي الْقُرْآن فَهُوَ بِمَعْنَى الشَّتْم.
وَزَعَمَ الْكَلْبِيّ أَنَّ السَّمَوَات كُلّهَا لَمْ تُحْفَظ مِنْ الشَّيَاطِين إِلَى زَمَن عِيسَى، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه تَعَالَى عِيسَى حَفِظَ مِنْهَا ثَلَاث سَمَوَات إِلَى مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَفِظَ جَمِيعهَا بَعْد بَعْثه وَحُرِسَتْ مِنْهُمْ بِالشُّهُبِ.
وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( وَقَدْ كَانَتْ الشَّيَاطِين لَا يُحْجَبُونَ عَنْ السَّمَاء، فَكَانُوا يَدْخُلُونَهَا وَيُلْقُونَ أَخْبَارهَا عَلَى الْكَهَنَة، فَيَزِيدُونَ عَلَيْهَا تِسْعًا فَيُحَدِّثُونَ بِهَا أَهْل الْأَرْض ; الْكَلِمَة حَقّ وَالتِّسْع بَاطِل ; فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوهُ صَدَّقُوهُمْ فِيمَا جَاءُوا بِهِ، فَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام مُنِعُوا مِنْ ثَلَاث سَمَوَات، فَلَمَّا وُلِدَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مِنْ السَّمَوَات كُلّهَا، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَد يُرِيد اِسْتِرَاق السَّمْع إِلَّا رُمِيَ بِشِهَابٍ ; عَلَى مَا يَأْتِي.
أَيْ مَرْجُوم.
وَالرَّجْم الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ.
وَقِيلَ : الرَّجْم اللَّعْن وَالطَّرْد.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : كُلّ رَجِيم فِي الْقُرْآن فَهُوَ بِمَعْنَى الشَّتْم.
وَزَعَمَ الْكَلْبِيّ أَنَّ السَّمَوَات كُلّهَا لَمْ تُحْفَظ مِنْ الشَّيَاطِين إِلَى زَمَن عِيسَى، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه تَعَالَى عِيسَى حَفِظَ مِنْهَا ثَلَاث سَمَوَات إِلَى مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَفِظَ جَمِيعهَا بَعْد بَعْثه وَحُرِسَتْ مِنْهُمْ بِالشُّهُبِ.
وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( وَقَدْ كَانَتْ الشَّيَاطِين لَا يُحْجَبُونَ عَنْ السَّمَاء، فَكَانُوا يَدْخُلُونَهَا وَيُلْقُونَ أَخْبَارهَا عَلَى الْكَهَنَة، فَيَزِيدُونَ عَلَيْهَا تِسْعًا فَيُحَدِّثُونَ بِهَا أَهْل الْأَرْض ; الْكَلِمَة حَقّ وَالتِّسْع بَاطِل ; فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوهُ صَدَّقُوهُمْ فِيمَا جَاءُوا بِهِ، فَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام مُنِعُوا مِنْ ثَلَاث سَمَوَات، فَلَمَّا وُلِدَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مِنْ السَّمَوَات كُلّهَا، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَد يُرِيد اِسْتِرَاق السَّمْع إِلَّا رُمِيَ بِشِهَابٍ ; عَلَى مَا يَأْتِي.
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ
أَيْ لَكِنْ مَنْ اِسْتَرَقَ السَّمْع، أَيْ الْخَطْفَة الْيَسِيرَة، فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع.
وَقِيلَ، هُوَ مُتَّصِل، أَيْ إِلَّا مِمَّنْ اِسْتَرَقَ السَّمَاع.
أَيْ حَفِظْنَا السَّمَاء مِنْ الشَّيَاطِين أَنْ تَسْمَع شَيْئًا مِنْ الْوَحْي وَغَيْره ; إِلَّا مَنْ اِسْتَرَقَ السَّمْع فَإِنَّا لَمْ نَحْفَظهَا مِنْهُ أَنْ تَسْمَع الْخَبَر مِنْ أَخْبَار السَّمَاء سِوَى الْوَحْي، فَأَمَّا الْوَحْي فَلَا تَسْمَع مِنْهُ شَيْئًا ; لِقَوْلِهِ :" إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْع لَمَعْزُولُونَ " [ الشُّعَرَاء : ٢١٢ ].
وَإِذَا اِسْتَمَعَ الشَّيَاطِين إِلَى شَيْء لَيْسَ بِوَحْيٍ فَإِنَّهُمْ يَقْذِفُونَهُ إِلَى الْكَهَنَة فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَة عَيْن، ثُمَّ تَتْبَعهُمْ الشُّهُب فَتَقْتُلهُمْ أَوْ تَخْبِلهُمْ ; ذَكَرَهُ الْحَسَن وَابْن عَبَّاس.
قَوْله تَعَالَى :" فَأَتْبَعَهُ شِهَاب مُبِين " أَتْبَعَهُ : أَدْرَكَهُ وَلَحِقَهُ.
شِهَاب : كَوْكَب مُضِيء.
وَكَذَلِكَ شِهَاب ثَاقِب.
وَقَوْله :" بِشِهَابٍ قَبَس " [ النَّمْل : ٧ ] بِشُعْلَةِ نَار فِي رَأْس عُود ; قَالَهُ اِبْن عَزِيز.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة :
وَسُمِّيَ الْكَوْكَب شِهَابًا لِبَرِيقِهِ، يُشْبِه النَّار.
وَقِيلَ : شِهَاب لِشُعْلَةٍ مِنْ نَار، قَبَس لِأَهْلِ الْأَرْض، فَتُحْرِقهُمْ وَلَا تَعُود إِذَا أَحْرَقَتْ كَمَا إِذَا أَحْرَقَتْ النَّار لَمْ تَعُدْ، بِخِلَافِ الْكَوْكَب فَإِنَّهُ إِذَا أَحْرَقَ عَادَ إِلَى مَكَانه.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَصْعَد الشَّيَاطِين أَفْوَاجًا تَسْتَرِق السَّمْع فَيَنْفَرِد الْمَارِد مِنْهَا فَيَعْلُو، فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ فَيُصِيب جَبْهَته أَوْ أَنْفه أَوْ مَا شَاءَ اللَّه فَيَلْتَهِب، فَيَأْتِي أَصْحَابه وَهُوَ يَلْتَهِب فَيَقُول : إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَمْر كَذَا وَكَذَا، فَيَذْهَب أُولَئِكَ إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ الْكَهَنَة فَيَزِيدُونَ عَلَيْهَا تِسْعًا، فَيُحَدِّثُونَ بِهَا أَهْل الْأَرْض ; الْكَلِمَة حَقّ وَالتِّسْع بَاطِل.
فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوا قَدْ كَانَ صَدَّقُوهُمْ بِكُلِّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ كَذِبهمْ.
وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا فِي سُورَة " سَبَأ " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتُلِفَ فِي الشِّهَاب هَلْ يَقْتُل أَمْ لَا.
فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الشِّهَاب يَجْرَح وَيُحْرِق وَيَخْبِل وَلَا يَقْتُل.
وَقَالَ الْحَسَن وَطَائِفَة : يَقْتُل ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْل فِي قَتْلهمْ بِالشُّهُبِ قَبْل إِلْقَاء السَّمْع إِلَى الْجِنّ قَوْلَانِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَبْل إِلْقَائِهِمْ مَا اِسْتَرَقُوهُ مِنْ السَّمْع إِلَى غَيْرهمْ ; فَعَلَى هَذَا لَا تَصِل أَخْبَار السَّمَاء إِلَى غَيْر الْأَنْبِيَاء، وَلِذَلِكَ اِنْقَطَعَتْ الْكِهَانَة.
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْد إِلْقَائِهِمْ مَا اِسْتَرَقُوهُ مِنْ السَّمْع إِلَى غَيْرهمْ مِنْ الْجِنّ ; وَلِذَلِكَ مَا يَعُودُونَ إِلَى اِسْتِرَاقه، وَلَوْ لَمْ يَصِل لَانْقَطَعَ الِاسْتِرَاق وَانْقَطَعَ الْإِحْرَاق ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ
قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " الصَّافَّات ".
أَيْ لَكِنْ مَنْ اِسْتَرَقَ السَّمْع، أَيْ الْخَطْفَة الْيَسِيرَة، فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع.
وَقِيلَ، هُوَ مُتَّصِل، أَيْ إِلَّا مِمَّنْ اِسْتَرَقَ السَّمَاع.
أَيْ حَفِظْنَا السَّمَاء مِنْ الشَّيَاطِين أَنْ تَسْمَع شَيْئًا مِنْ الْوَحْي وَغَيْره ; إِلَّا مَنْ اِسْتَرَقَ السَّمْع فَإِنَّا لَمْ نَحْفَظهَا مِنْهُ أَنْ تَسْمَع الْخَبَر مِنْ أَخْبَار السَّمَاء سِوَى الْوَحْي، فَأَمَّا الْوَحْي فَلَا تَسْمَع مِنْهُ شَيْئًا ; لِقَوْلِهِ :" إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْع لَمَعْزُولُونَ " [ الشُّعَرَاء : ٢١٢ ].
وَإِذَا اِسْتَمَعَ الشَّيَاطِين إِلَى شَيْء لَيْسَ بِوَحْيٍ فَإِنَّهُمْ يَقْذِفُونَهُ إِلَى الْكَهَنَة فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَة عَيْن، ثُمَّ تَتْبَعهُمْ الشُّهُب فَتَقْتُلهُمْ أَوْ تَخْبِلهُمْ ; ذَكَرَهُ الْحَسَن وَابْن عَبَّاس.
قَوْله تَعَالَى :" فَأَتْبَعَهُ شِهَاب مُبِين " أَتْبَعَهُ : أَدْرَكَهُ وَلَحِقَهُ.
شِهَاب : كَوْكَب مُضِيء.
وَكَذَلِكَ شِهَاب ثَاقِب.
وَقَوْله :" بِشِهَابٍ قَبَس " [ النَّمْل : ٧ ] بِشُعْلَةِ نَار فِي رَأْس عُود ; قَالَهُ اِبْن عَزِيز.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة :
كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عِفْرِيَة | مُسَوَّم فِي سَوَاد اللَّيْل مُنْقَضِب |
وَقِيلَ : شِهَاب لِشُعْلَةٍ مِنْ نَار، قَبَس لِأَهْلِ الْأَرْض، فَتُحْرِقهُمْ وَلَا تَعُود إِذَا أَحْرَقَتْ كَمَا إِذَا أَحْرَقَتْ النَّار لَمْ تَعُدْ، بِخِلَافِ الْكَوْكَب فَإِنَّهُ إِذَا أَحْرَقَ عَادَ إِلَى مَكَانه.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَصْعَد الشَّيَاطِين أَفْوَاجًا تَسْتَرِق السَّمْع فَيَنْفَرِد الْمَارِد مِنْهَا فَيَعْلُو، فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ فَيُصِيب جَبْهَته أَوْ أَنْفه أَوْ مَا شَاءَ اللَّه فَيَلْتَهِب، فَيَأْتِي أَصْحَابه وَهُوَ يَلْتَهِب فَيَقُول : إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَمْر كَذَا وَكَذَا، فَيَذْهَب أُولَئِكَ إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ الْكَهَنَة فَيَزِيدُونَ عَلَيْهَا تِسْعًا، فَيُحَدِّثُونَ بِهَا أَهْل الْأَرْض ; الْكَلِمَة حَقّ وَالتِّسْع بَاطِل.
فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوا قَدْ كَانَ صَدَّقُوهُمْ بِكُلِّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ كَذِبهمْ.
وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا فِي سُورَة " سَبَأ " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتُلِفَ فِي الشِّهَاب هَلْ يَقْتُل أَمْ لَا.
فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الشِّهَاب يَجْرَح وَيُحْرِق وَيَخْبِل وَلَا يَقْتُل.
وَقَالَ الْحَسَن وَطَائِفَة : يَقْتُل ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْل فِي قَتْلهمْ بِالشُّهُبِ قَبْل إِلْقَاء السَّمْع إِلَى الْجِنّ قَوْلَانِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَبْل إِلْقَائِهِمْ مَا اِسْتَرَقُوهُ مِنْ السَّمْع إِلَى غَيْرهمْ ; فَعَلَى هَذَا لَا تَصِل أَخْبَار السَّمَاء إِلَى غَيْر الْأَنْبِيَاء، وَلِذَلِكَ اِنْقَطَعَتْ الْكِهَانَة.
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْد إِلْقَائِهِمْ مَا اِسْتَرَقُوهُ مِنْ السَّمْع إِلَى غَيْرهمْ مِنْ الْجِنّ ; وَلِذَلِكَ مَا يَعُودُونَ إِلَى اِسْتِرَاقه، وَلَوْ لَمْ يَصِل لَانْقَطَعَ الِاسْتِرَاق وَانْقَطَعَ الْإِحْرَاق ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ
قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " الصَّافَّات ".
وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ رُمِيَ بِالشُّهُبِ قَبْل الْمَبْعَث ; فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ نَعَمْ.
وَقِيلَ لَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَعْد الْمَبْعَث.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي سُورَة " الْجِنّ " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي " الصَّافَّات " أَيْضًا.
قَالَ الزَّجَّاج : وَالرَّمْي بِالشُّهُبِ مِنْ آيَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا حَدَثَ بَعْد مَوْلِده ; لِأَنَّ الشُّعَرَاء فِي الْقَدِيم لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي أَشْعَارهمْ، وَلَمْ يُشَبِّهُوا الشَّيْء السَّرِيع بِهِ كَمَا شَبَّهُوا بِالْبَرْقِ وَبِالسَّيْلِ.
وَلَا يَبْعُد أَنْ يُقَال : اِنْقِضَاض الْكَوَاكِب كَانَ فِي قَدِيم الزَّمَان وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، ثُمَّ صَارَ رُجُومًا حِين وُلِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْعُلَمَاء : نَحْنُ نَرَى اِنْقِضَاض الْكَوَاكِب، فَيَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَمَا نَرَى ثُمَّ يَصِير نَارًا إِذَا أَدْرَكَ الشَّيْطَان.
وَيَجُوز أَنْ يُقَال : يَرْمُونَ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَار مِنْ الْهَوَى فَيُخَيَّل إِلَيْنَا أَنَّهُ نَجْم سَرَى.
وَالشِّهَاب فِي اللُّغَة النَّار السَّاطِعَة.
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ قَالَ : لَمَّا بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُجِمَتْ الشَّيَاطِين بِنُجُومٍ لَمْ تَكُنْ تُرْجَم بِهَا قَبْل، فَأَتَوْا عَبْد يَالِيل بْن عَمْرو الثَّقَفِيّ فَقَالُوا : إِنَّ النَّاس قَدْ فَزِعُوا وَقَدْ أَعْتَقُوا رَقِيقهمْ وَسَيَّبُوا أَنْعَامهمْ لِمَا رَأَوْا فِي النُّجُوم.
فَقَالَ لَهُمْ - وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى - : لَا تَعْجَلُوا، وَانْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ النُّجُوم الَّتِي تُعْرَف فَهِيَ عِنْد فِنَاء النَّاس، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَف فَهِيَ مِنْ حَدَث.
فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ نُجُوم لَا تُعْرَف، فَقَالُوا : هَذَا مِنْ حَدَث.
فَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى سَمِعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ لَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَعْد الْمَبْعَث.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي سُورَة " الْجِنّ " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي " الصَّافَّات " أَيْضًا.
قَالَ الزَّجَّاج : وَالرَّمْي بِالشُّهُبِ مِنْ آيَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا حَدَثَ بَعْد مَوْلِده ; لِأَنَّ الشُّعَرَاء فِي الْقَدِيم لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي أَشْعَارهمْ، وَلَمْ يُشَبِّهُوا الشَّيْء السَّرِيع بِهِ كَمَا شَبَّهُوا بِالْبَرْقِ وَبِالسَّيْلِ.
وَلَا يَبْعُد أَنْ يُقَال : اِنْقِضَاض الْكَوَاكِب كَانَ فِي قَدِيم الزَّمَان وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، ثُمَّ صَارَ رُجُومًا حِين وُلِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْعُلَمَاء : نَحْنُ نَرَى اِنْقِضَاض الْكَوَاكِب، فَيَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَمَا نَرَى ثُمَّ يَصِير نَارًا إِذَا أَدْرَكَ الشَّيْطَان.
وَيَجُوز أَنْ يُقَال : يَرْمُونَ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَار مِنْ الْهَوَى فَيُخَيَّل إِلَيْنَا أَنَّهُ نَجْم سَرَى.
وَالشِّهَاب فِي اللُّغَة النَّار السَّاطِعَة.
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ قَالَ : لَمَّا بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُجِمَتْ الشَّيَاطِين بِنُجُومٍ لَمْ تَكُنْ تُرْجَم بِهَا قَبْل، فَأَتَوْا عَبْد يَالِيل بْن عَمْرو الثَّقَفِيّ فَقَالُوا : إِنَّ النَّاس قَدْ فَزِعُوا وَقَدْ أَعْتَقُوا رَقِيقهمْ وَسَيَّبُوا أَنْعَامهمْ لِمَا رَأَوْا فِي النُّجُوم.
فَقَالَ لَهُمْ - وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى - : لَا تَعْجَلُوا، وَانْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ النُّجُوم الَّتِي تُعْرَف فَهِيَ عِنْد فِنَاء النَّاس، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَف فَهِيَ مِنْ حَدَث.
فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ نُجُوم لَا تُعْرَف، فَقَالُوا : هَذَا مِنْ حَدَث.
فَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى سَمِعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا
هَذَا مِنْ نِعَمه أَيْضًا، وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى كَمَال قُدْرَته.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : بَسَطْنَاهَا عَلَى وَجْه الْمَاء ; كَمَا قَالَ :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٣٠ ] أَيْ بَسَطَهَا.
وَقَالَ :" وَالْأَرْض فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ " [ الذَّارِيَات : ٤٨ ].
وَهُوَ يَرُدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَالْكُرَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
هَذَا مِنْ نِعَمه أَيْضًا، وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى كَمَال قُدْرَته.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : بَسَطْنَاهَا عَلَى وَجْه الْمَاء ; كَمَا قَالَ :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٣٠ ] أَيْ بَسَطَهَا.
وَقَالَ :" وَالْأَرْض فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ " [ الذَّارِيَات : ٤٨ ].
وَهُوَ يَرُدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَالْكُرَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ
جِبَالًا ثَابِتَة لِئَلَّا تَتَحَرَّك بِأَهْلِهَا.
جِبَالًا ثَابِتَة لِئَلَّا تَتَحَرَّك بِأَهْلِهَا.
وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
أَيْ مُقَدَّر مَعْلُوم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر.
وَإِنَّمَا قَالَ " مَوْزُون " لِأَنَّ الْوَزْن يُعْرَف بِهِ مِقْدَار الشَّيْء.
قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ قتادة : مَوْزُون يَعْنِي مَقْسُوم.
وَقَالَ مُجَاهِد : مَوْزُون مَعْدُود ; وَيُقَال : هَذَا كَلَام مَوْزُون ; أَيْ مَنْظُوم غَيْر مُنْتَثِر.
فَعَلَى هَذَا أَيْ أَنْبَتْنَا فِي الْأَرْض مَا يُوزَن مِنْ الْجَوَاهِر وَالْحَيَوَانَات وَالْمَعَادِن.
وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَيَوَان :" وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا " [ آل عِمْرَان : ٣٧ ].
وَالْمَقْصُود مِنْ الْإِنْبَات الْإِنْشَاء وَالْإِيجَاد.
وَقِيلَ :" أَنْبَتْنَا فِيهَا " أَيْ فِي الْجِبَال " مِنْ كُلّ شَيْء مَوْزُون " مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالنُّحَاس وَالرَّصَاص وَالْقَصْدِير، حَتَّى الزِّرْنِيخ وَالْكُحْل، كُلّ ذَلِكَ يُوزَن وَزْنًا.
رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ الْحَسَن وَابْن زَيْد.
وَقِيلَ : أَنْبَتْنَا فِي الْأَرْض الثِّمَار مِمَّا يُكَال وَيُوزَن.
وَقِيلَ : مَا يُوزَن فِيهِ الْأَثْمَان لِأَنَّهُ أَجَلّ قَدْرًا وَأَعَمّ نَفْعًا مِمَّا لَا ثَمَن لَهُ.
أَيْ مُقَدَّر مَعْلُوم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر.
وَإِنَّمَا قَالَ " مَوْزُون " لِأَنَّ الْوَزْن يُعْرَف بِهِ مِقْدَار الشَّيْء.
قَالَ الشَّاعِر :
قَدْ كُنْت قَبْل لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّة | عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِم مِيزَانه |
وَقَالَ مُجَاهِد : مَوْزُون مَعْدُود ; وَيُقَال : هَذَا كَلَام مَوْزُون ; أَيْ مَنْظُوم غَيْر مُنْتَثِر.
فَعَلَى هَذَا أَيْ أَنْبَتْنَا فِي الْأَرْض مَا يُوزَن مِنْ الْجَوَاهِر وَالْحَيَوَانَات وَالْمَعَادِن.
وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَيَوَان :" وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا " [ آل عِمْرَان : ٣٧ ].
وَالْمَقْصُود مِنْ الْإِنْبَات الْإِنْشَاء وَالْإِيجَاد.
وَقِيلَ :" أَنْبَتْنَا فِيهَا " أَيْ فِي الْجِبَال " مِنْ كُلّ شَيْء مَوْزُون " مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالنُّحَاس وَالرَّصَاص وَالْقَصْدِير، حَتَّى الزِّرْنِيخ وَالْكُحْل، كُلّ ذَلِكَ يُوزَن وَزْنًا.
رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ الْحَسَن وَابْن زَيْد.
وَقِيلَ : أَنْبَتْنَا فِي الْأَرْض الثِّمَار مِمَّا يُكَال وَيُوزَن.
وَقِيلَ : مَا يُوزَن فِيهِ الْأَثْمَان لِأَنَّهُ أَجَلّ قَدْرًا وَأَعَمّ نَفْعًا مِمَّا لَا ثَمَن لَهُ.
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ
يَعْنِي الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب الَّتِي يَعِيشُونَ بِهَا ; وَاحِدهَا مَعِيشَة ( بِسُكُونِ الْيَاء ).
وَمِنْهُ قَوْل جَرِير :
وَالْأَصْل مَعْيَشَة عَلَى مَفْعَلَة ( بِتَحْرِيكِ الْيَاء ).
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَاف.
وَقِيلَ : إِنَّهَا الْمَلَابِس ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ : إِنَّهَا التَّصَرُّف فِي أَسْبَاب الرِّزْق مُدَّة الْحَيَاة.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَهُوَ الظَّاهِر.
يَعْنِي الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب الَّتِي يَعِيشُونَ بِهَا ; وَاحِدهَا مَعِيشَة ( بِسُكُونِ الْيَاء ).
وَمِنْهُ قَوْل جَرِير :
تُكَلِّفنِي مَعِيشَة آلِ زَيْد | وَمَنْ لِي بِالْمُرَقَّقِ وَالصِّنَاب |
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَاف.
وَقِيلَ : إِنَّهَا الْمَلَابِس ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ : إِنَّهَا التَّصَرُّف فِي أَسْبَاب الرِّزْق مُدَّة الْحَيَاة.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَهُوَ الظَّاهِر.
وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ
يُرِيد الدَّوَابّ وَالْأَنْعَام ; قَالَهُ مُجَاهِد.
وَعِنْده أَيْضًا هُمْ الْعَبِيد وَالْأَوْلَاد الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ :" نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ " [ الْإِسْرَاء : ٣١ ] وَلَفْظ " مَنْ " يَجُوز أَنْ يَتَنَاوَل الْعَبِيد وَالدَّوَابّ إِذَا اِجْتَمَعُوا ; لِأَنَّهُ إِذَا اِجْتَمَعَ مَنْ يَعْقِل وَمَا لَا يَعْقِل، غُلِّبَ مَنْ يَعْقِل.
أَيْ جَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِش وَعَبِيدًا وَإِمَاء وَدَوَابّ وَأَوْلَادًا نَرْزُقهُمْ وَلَا تَرْزُقُونَهُمْ.
فَ " مَنْ " عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي مَوْضِع نَصْب ; قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَغَيْره.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِهِ الْوَحْش.
قَالَ سَعِيد : قَرَأَ عَلَيْنَا مَنْصُور " وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ " قَالَ : الْوَحْش.
فَ " مَنْ " عَلَى هَذَا تَكُون لِمَا لَا يَعْقِل ; مِثْل " فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه " [ النُّور : ٤٥ ] الْآيَة.
وَهِيَ فِي مَحَلّ خَفْض عَطْفًا عَلَى الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله :" لَكُمْ ".
وَفِيهِ قُبْح عِنْد الْبَصْرِيِّينَ ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوز عِنْدهمْ عَطْف الظَّاهِر عَلَى الْمُضْمَر إِلَّا بِإِعَادَةِ حَرْف الْجَرّ ; مِثْل مَرَرْت بِهِ وَبِزَيْدٍ.
وَلَا يَجُوز مَرَرْت بِهِ وَزَيْد إِلَّا فِي الشِّعْر.
كَمَا قَالَ :
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " وَسُورَة " النِّسَاء ".
يُرِيد الدَّوَابّ وَالْأَنْعَام ; قَالَهُ مُجَاهِد.
وَعِنْده أَيْضًا هُمْ الْعَبِيد وَالْأَوْلَاد الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ :" نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ " [ الْإِسْرَاء : ٣١ ] وَلَفْظ " مَنْ " يَجُوز أَنْ يَتَنَاوَل الْعَبِيد وَالدَّوَابّ إِذَا اِجْتَمَعُوا ; لِأَنَّهُ إِذَا اِجْتَمَعَ مَنْ يَعْقِل وَمَا لَا يَعْقِل، غُلِّبَ مَنْ يَعْقِل.
أَيْ جَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِش وَعَبِيدًا وَإِمَاء وَدَوَابّ وَأَوْلَادًا نَرْزُقهُمْ وَلَا تَرْزُقُونَهُمْ.
فَ " مَنْ " عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي مَوْضِع نَصْب ; قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَغَيْره.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِهِ الْوَحْش.
قَالَ سَعِيد : قَرَأَ عَلَيْنَا مَنْصُور " وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ " قَالَ : الْوَحْش.
فَ " مَنْ " عَلَى هَذَا تَكُون لِمَا لَا يَعْقِل ; مِثْل " فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه " [ النُّور : ٤٥ ] الْآيَة.
وَهِيَ فِي مَحَلّ خَفْض عَطْفًا عَلَى الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله :" لَكُمْ ".
وَفِيهِ قُبْح عِنْد الْبَصْرِيِّينَ ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوز عِنْدهمْ عَطْف الظَّاهِر عَلَى الْمُضْمَر إِلَّا بِإِعَادَةِ حَرْف الْجَرّ ; مِثْل مَرَرْت بِهِ وَبِزَيْدٍ.
وَلَا يَجُوز مَرَرْت بِهِ وَزَيْد إِلَّا فِي الشِّعْر.
كَمَا قَالَ :
فَالْيَوْم قَرَّبْت تَهْجُونَا وَتَشْتُمنَا | فَاذْهَبْ فَمَا بِك وَالْأَيَّام مِنْ عَجَب |
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ
قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا عِنْدنَا خَزَائِنه " أَيْ وَإِنْ مِنْ شَيْء مِنْ أَرْزَاق الْخَلْق وَمَنَافِعهمْ إِلَّا عِنْدنَا خَزَائِنه ; يَعْنِي الْمَطَر الْمُنَزَّل مِنْ السَّمَاء، لِأَنَّ بِهِ نَبَات كُلّ شَيْء.
قَالَ الْحَسَن : الْمَطَر خَزَائِن كُلّ شَيْء.
وَقِيلَ : الْخَزَائِن الْمَفَاتِيح، أَيْ فِي السَّمَاء مَفَاتِيح الْأَرْزَاق ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
وَالْمَعْنَى وَاحِد.
" وَمَا نُنَزِّلهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُوم " أَيْ وَلَكِنْ لَا نُنَزِّلهُ إِلَّا عَلَى حَسْب مَشِيئَتنَا وَعَلَى حَسْب حَاجَة الْخَلْق إِلَيْهِ ; كَمَا قَالَ :" وَلَوْ بَسَطَ اللَّه الرِّزْق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْض وَلَكِنْ يُنَزِّل بِقَدَرٍ مَا يَشَاء " [ الشُّورَى : ٢٧ ].
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَالْحَكَم بْن عُيَيْنَة وَغَيْرهمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَام أَكْثَر مَطَرًا مِنْ عَام، وَلَكِنَّ اللَّه يُقَسِّمهُ كَيْف شَاءَ، فَيُمْطَر قَوْم وَيُحْرَم آخَرُونَ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمَطَر.
فِي الْبِحَار وَالْقِفَار.
وَالْخَزَائِن جَمْع الْخِزَانَة، وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَسْتُر فِيهِ الْإِنْسَان مَا لَهُ وَالْخِزَانَة أَيْضًا مَصْدَر خَزَنَ يَخْزُن.
وَمَا كَانَ فِي خِزَانَة الْإِنْسَان كَانَ مُعَدًّا لَهُ.
فَكَذَلِكَ مَا يُقَدِّر عَلَيْهِ الرَّبّ فَكَأَنَّهُ مُعَدّ عِنْده ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَرَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّهُ قَالَ : فِي الْعَرْش مِثَال كُلّ شَيْء خَلَقَهُ اللَّه فِي الْبَرّ وَالْبَحْر.
وَهُوَ تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا عِنْدنَا خَزَائِنه ".
وَالْإِنْزَال بِمَعْنَى الْإِنْشَاء وَالْإِيجَاد ; كَقَوْلِهِ :" وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج " وَقَوْله :" وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد " [ الْحَدِيد : ٢٥ ].
وَقِيلَ : الْإِنْزَال بِمَعْنَى الْإِعْطَاء، وَسَمَّاهُ إِنْزَالًا لِأَنَّ أَحْكَام اللَّه إِنَّمَا تَنْزِل مِنْ السَّمَاء.
قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا عِنْدنَا خَزَائِنه " أَيْ وَإِنْ مِنْ شَيْء مِنْ أَرْزَاق الْخَلْق وَمَنَافِعهمْ إِلَّا عِنْدنَا خَزَائِنه ; يَعْنِي الْمَطَر الْمُنَزَّل مِنْ السَّمَاء، لِأَنَّ بِهِ نَبَات كُلّ شَيْء.
قَالَ الْحَسَن : الْمَطَر خَزَائِن كُلّ شَيْء.
وَقِيلَ : الْخَزَائِن الْمَفَاتِيح، أَيْ فِي السَّمَاء مَفَاتِيح الْأَرْزَاق ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
وَالْمَعْنَى وَاحِد.
" وَمَا نُنَزِّلهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُوم " أَيْ وَلَكِنْ لَا نُنَزِّلهُ إِلَّا عَلَى حَسْب مَشِيئَتنَا وَعَلَى حَسْب حَاجَة الْخَلْق إِلَيْهِ ; كَمَا قَالَ :" وَلَوْ بَسَطَ اللَّه الرِّزْق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْض وَلَكِنْ يُنَزِّل بِقَدَرٍ مَا يَشَاء " [ الشُّورَى : ٢٧ ].
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَالْحَكَم بْن عُيَيْنَة وَغَيْرهمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَام أَكْثَر مَطَرًا مِنْ عَام، وَلَكِنَّ اللَّه يُقَسِّمهُ كَيْف شَاءَ، فَيُمْطَر قَوْم وَيُحْرَم آخَرُونَ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمَطَر.
فِي الْبِحَار وَالْقِفَار.
وَالْخَزَائِن جَمْع الْخِزَانَة، وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَسْتُر فِيهِ الْإِنْسَان مَا لَهُ وَالْخِزَانَة أَيْضًا مَصْدَر خَزَنَ يَخْزُن.
وَمَا كَانَ فِي خِزَانَة الْإِنْسَان كَانَ مُعَدًّا لَهُ.
فَكَذَلِكَ مَا يُقَدِّر عَلَيْهِ الرَّبّ فَكَأَنَّهُ مُعَدّ عِنْده ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَرَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّهُ قَالَ : فِي الْعَرْش مِثَال كُلّ شَيْء خَلَقَهُ اللَّه فِي الْبَرّ وَالْبَحْر.
وَهُوَ تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا عِنْدنَا خَزَائِنه ".
وَالْإِنْزَال بِمَعْنَى الْإِنْشَاء وَالْإِيجَاد ; كَقَوْلِهِ :" وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج " وَقَوْله :" وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد " [ الْحَدِيد : ٢٥ ].
وَقِيلَ : الْإِنْزَال بِمَعْنَى الْإِعْطَاء، وَسَمَّاهُ إِنْزَالًا لِأَنَّ أَحْكَام اللَّه إِنَّمَا تَنْزِل مِنْ السَّمَاء.
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح " قِرَاءَة الْعَامَّة " الرِّيَاح " بِالْجَمْعِ.
وَقَرَأَ حَمْزَة بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الرِّيح الْجَمْع أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَفْظهَا لَفْظ الْوَاحِد.
كَمَا يُقَال : جَاءَتْ الرِّيح مِنْ كُلّ جَانِب.
كَمَا يُقَال : أَرْض سَبَاسِب وَثَوْب أَخْلَاق.
وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ شَيْء اِتَّسَعَ.
وَأَمَّا وَجْه قِرَاءَة الْعَامَّة فَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى نَعَتَهَا بِ " لَوَاقِح " وَهِيَ جَمْع.
وَمَعْنَى لَوَاقِح حَوَامِل ; لِأَنَّهَا تَحْمِل الْمَاء وَالتُّرَاب وَالسَّحَاب وَالْخَيْر وَالنَّفْع.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ : وَجَعَلَ الرِّيح لَاقِحًا لِأَنَّهَا تَحْمِل السَّحَاب ; أَيْ تُقِلّهُ وَتُصَرِّفهُ ثُمَّ تَمْرِيه فَتَسْتَدِرّهُ، أَيْ تُنَزِّلهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا " [ الْأَعْرَاف : ٥٧ ] أَيْ حَمَلَتْ.
وَنَاقَة لَاقِح وَنُوق لَوَاقِح إِذَا حَمَلَتْ الْأَجِنَّة فِي بُطُونهَا.
وَقِيلَ : لَوَاقِح بِمَعْنَى مُلْقِحَة وَهُوَ الْأَصْل، وَلَكِنَّهَا لَا تُلَقِّح إِلَّا وَهِيَ فِي نَفْسهَا لَاقِح، كَأَنَّ الرِّيَاح لَقِحَتْ بِخَيْرٍ.
وَقِيلَ : ذَوَات لَقْح، وَكُلّ ذَلِكَ صَحِيح ; أَيْ مِنْهَا مَا يُلْقِح الشَّجَر ; كَقَوْلِهِمْ : عِيشَة رَاضِيَة ; أَيْ فِيهَا رِضًا، وَلَيْل نَائِم ; أَيْ فِيهِ نَوْم.
وَمِنْهَا مَا تَأْتِي بِالسَّحَابِ.
يُقَال : لَقِحَتْ النَّاقَة ( بِالْكَسْرِ ) لَقَحًا وَلَقَاحًا ( بِالْفَتْحِ ) فَهِيَ لَاقِح.
وَأَلْقَحَهَا الْفَحْل أَيْ أَلْقَى إِلَيْهَا الْمَاء فَحَمَلَتْهُ ; فَالرِّيَاح كَالْفَحْلِ لِلسَّحَابِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَرِيَاح لَوَاقِح وَلَا يُقَال مَلَاقِح، وَهُوَ مِنْ النَّوَادِر.
وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة : لَوَاقِح بِمَعْنَى مَلَاقِح، ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ جَمْع مُلْقِحَة وَمُلْقِح، ثُمَّ حُذِفَتْ زَوَائِده.
وَقِيلَ : هُوَ جَمْع لَاقِحَة وَلَاقِح، عَلَى مَعْنَى ذَات اللِّقَاح عَلَى النَّسَب.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى لَاقِح حَامِلًا.
وَالْعَرَب تَقُول لِلْجَنُوبِ : لَاقِح وَحَامِل، وَلِلشِّمَالِ حَائِل وَعَقِيم.
وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : يُرْسِل اللَّه الْمُبَشِّرَة فَتَقُمّ الْأَرْض قَمًّا، ثُمَّ يُرْسِل الْمُثِيرَة فَتُثِير السَّحَاب، ثُمَّ يُرْسِل الْمُؤَلِّفَة فَتُؤَلِّفهُ، ثُمَّ يَبْعَث اللَّوَاقِح فَتُلَقِّح الشَّجَر.
وَقِيلَ : الرِّيح الْمَلَاقِح الَّتِي تَحْمِل النَّدَى فَتَمُجّهُ فِي السَّحَاب، فَإِذَا اِجْتَمَعَ فِيهِ صَارَ مَطَرًا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الرِّيح الْجَنُوب مِنْ الْجَنَّة وَهِيَ الرِّيح اللَّوَاقِح الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي كِتَابه وَفِيهَا مَنَافِع لِلنَّاسِ ).
وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( مَا هَبَّتْ جَنُوب إِلَّا أَنْبَعَ اللَّه بِهَا عَيْنًا غَدَقَة ).
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح " قِرَاءَة الْعَامَّة " الرِّيَاح " بِالْجَمْعِ.
وَقَرَأَ حَمْزَة بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الرِّيح الْجَمْع أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَفْظهَا لَفْظ الْوَاحِد.
كَمَا يُقَال : جَاءَتْ الرِّيح مِنْ كُلّ جَانِب.
كَمَا يُقَال : أَرْض سَبَاسِب وَثَوْب أَخْلَاق.
وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ شَيْء اِتَّسَعَ.
وَأَمَّا وَجْه قِرَاءَة الْعَامَّة فَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى نَعَتَهَا بِ " لَوَاقِح " وَهِيَ جَمْع.
وَمَعْنَى لَوَاقِح حَوَامِل ; لِأَنَّهَا تَحْمِل الْمَاء وَالتُّرَاب وَالسَّحَاب وَالْخَيْر وَالنَّفْع.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ : وَجَعَلَ الرِّيح لَاقِحًا لِأَنَّهَا تَحْمِل السَّحَاب ; أَيْ تُقِلّهُ وَتُصَرِّفهُ ثُمَّ تَمْرِيه فَتَسْتَدِرّهُ، أَيْ تُنَزِّلهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا " [ الْأَعْرَاف : ٥٧ ] أَيْ حَمَلَتْ.
وَنَاقَة لَاقِح وَنُوق لَوَاقِح إِذَا حَمَلَتْ الْأَجِنَّة فِي بُطُونهَا.
وَقِيلَ : لَوَاقِح بِمَعْنَى مُلْقِحَة وَهُوَ الْأَصْل، وَلَكِنَّهَا لَا تُلَقِّح إِلَّا وَهِيَ فِي نَفْسهَا لَاقِح، كَأَنَّ الرِّيَاح لَقِحَتْ بِخَيْرٍ.
وَقِيلَ : ذَوَات لَقْح، وَكُلّ ذَلِكَ صَحِيح ; أَيْ مِنْهَا مَا يُلْقِح الشَّجَر ; كَقَوْلِهِمْ : عِيشَة رَاضِيَة ; أَيْ فِيهَا رِضًا، وَلَيْل نَائِم ; أَيْ فِيهِ نَوْم.
وَمِنْهَا مَا تَأْتِي بِالسَّحَابِ.
يُقَال : لَقِحَتْ النَّاقَة ( بِالْكَسْرِ ) لَقَحًا وَلَقَاحًا ( بِالْفَتْحِ ) فَهِيَ لَاقِح.
وَأَلْقَحَهَا الْفَحْل أَيْ أَلْقَى إِلَيْهَا الْمَاء فَحَمَلَتْهُ ; فَالرِّيَاح كَالْفَحْلِ لِلسَّحَابِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَرِيَاح لَوَاقِح وَلَا يُقَال مَلَاقِح، وَهُوَ مِنْ النَّوَادِر.
وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة : لَوَاقِح بِمَعْنَى مَلَاقِح، ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ جَمْع مُلْقِحَة وَمُلْقِح، ثُمَّ حُذِفَتْ زَوَائِده.
وَقِيلَ : هُوَ جَمْع لَاقِحَة وَلَاقِح، عَلَى مَعْنَى ذَات اللِّقَاح عَلَى النَّسَب.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى لَاقِح حَامِلًا.
وَالْعَرَب تَقُول لِلْجَنُوبِ : لَاقِح وَحَامِل، وَلِلشِّمَالِ حَائِل وَعَقِيم.
وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : يُرْسِل اللَّه الْمُبَشِّرَة فَتَقُمّ الْأَرْض قَمًّا، ثُمَّ يُرْسِل الْمُثِيرَة فَتُثِير السَّحَاب، ثُمَّ يُرْسِل الْمُؤَلِّفَة فَتُؤَلِّفهُ، ثُمَّ يَبْعَث اللَّوَاقِح فَتُلَقِّح الشَّجَر.
وَقِيلَ : الرِّيح الْمَلَاقِح الَّتِي تَحْمِل النَّدَى فَتَمُجّهُ فِي السَّحَاب، فَإِذَا اِجْتَمَعَ فِيهِ صَارَ مَطَرًا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الرِّيح الْجَنُوب مِنْ الْجَنَّة وَهِيَ الرِّيح اللَّوَاقِح الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي كِتَابه وَفِيهَا مَنَافِع لِلنَّاسِ ).
وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( مَا هَبَّتْ جَنُوب إِلَّا أَنْبَعَ اللَّه بِهَا عَيْنًا غَدَقَة ).
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش : لَا تَقْطُر قَطْرَة مِنْ السَّحَاب إِلَّا بَعْد أَنْ تَعْمَل الرِّيَاح الْأَرْبَع فِيهَا ; فَالصِّبَا تُهَيِّجهُ، وَالدَّبُور تُلَقِّحهُ، وَالْجَنُوب تُدِرّهُ، وَالشَّمَال تُفَرِّقهُ.
الثَّانِيَة.
رَوَى اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك - وَاللَّفْظ لِأَشْهَب - قَالَ مَالِك : قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح " فَلِقَاح الْقَمْح عِنْدِي أَنْ يُحَبَّب وَيُسَنْبَل، وَلَا أَدْرِي مَا يَيْبَس فِي أَكْمَامه، وَلَكِنْ يُحَبَّب حَتَّى يَكُون لَوْ يَبِسَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فَسَاد الْأَخِير فِيهِ.
وَلِقَاح الشَّجَر كُلّهَا أَنْ تُثْمِر ثُمَّ يَسْقُط مِنْهَا مَا يَسْقُط وَيَثْبُت مَا يَثْبُت، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ تُوَرِّد.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا عَوَّلَ مَالِك فِي هَذَا التَّفْسِير عَلَى تَشْبِيه لِقَاح الشَّجَر بِلِقَاحِ الْحَمْل، وَأَنَّ الْوَلَد إِذَا عُقِدَ وَخُلِقَ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوح كَانَ بِمَنْزِلَةِ تَحَبُّب الثَّمَر وَتَسَنْبُله ; لِأَنَّهُ سُمِّيَ بِاسْمِ تَشْتَرِك فِيهِ كُلّ حَامِلَة وَهُوَ اللِّقَاح، وَعَلَيْهِ جَاءَ الْحَدِيث ( نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الْحَبّ حَتَّى يَشْتَدّ ).
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : الْإِبَار عِنْد أَهْل الْعِلْم فِي النَّخْل التَّلْقِيح، وَهُوَ أَنْ يُؤْخَذ شَيْء مِنْ طَلْع [ ذُكُور ] النَّخْل فَيُدْخَل بَيْن ظَهْرَانَيْ طَلْع الْإِنَاث.
وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي سَائِر الثِّمَار طُلُوع الثَّمَرَة مِنْ التِّين وَغَيْره حَتَّى تَكُون الثَّمَرَة مَرْئِيَّة مَنْظُورًا إِلَيْهَا.
وَالْمُعْتَبَر عِنْد مَالِك وَأَصْحَابه فِيمَا يُذَكَّر مِنْ الثِّمَار التَّذْكِير، وَفِيمَا لَا يُذَكَّر أَنْ يَثْبُت مِنْ نُوَارِهِ مَا يَثْبُت وَيَسْقُط مَا يَسْقُط.
وَحَدّ ذَلِكَ فِي الزَّرْع ظُهُوره مِنْ الْأَرْض ; قَالَهُ مَالِك.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ إِبَاره أَنْ يُحَبَّب.
وَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْحَائِط إِذَا اِنْشَقَّ طَلْع إِنَاثه فَأُخِّرَ إِبَاره وَقَدْ أُبِّرَ غَيْره مِمَّنْ حَاله مِثْل حَاله، أَنَّ حُكْمه حُكْم مَا أُبِّرَ ; لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَيْهِ وَقْت الْإِبَار وَثَمَرَته ظَاهِرَة بَعْد تَغَيُّبهَا فِي الْحَبّ.
فَإِنْ أُبِّرَ بَعْض الْحَائِط كَانَ مَا لَمْ يُؤَبَّر تَبَعًا لَهُ.
كَمَا أَنَّ الْحَائِط إِذَا بَدَا صَلَاحه كَانَ سَائِر الْحَائِط تَبَعًا لِذَلِكَ الصَّلَاح فِي جَوَاز بَيْعه.
الثَّالِثَة : رَوَى الْأَئِمَّة كُلّهمْ عَنْ ابْن عُمَر قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَنْ اِبْتَاعَ نَخْلًا بَعْد أَنْ تُؤَبَّر فَثَمَرَتهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِط الْمُبْتَاع.
وَمَنْ اِبْتَاعَ عَبْدًا فَمَاله لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهُ الْمُبْتَاع ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا لَمْ يَدْخُل الثَّمَر الْمُؤَبَّر مَعَ الْأُصُول فِي الْبَيْع إِلَّا بِالشَّرْطِ ; لِأَنَّهُ عَيْن مَوْجُودَة يُحَاط بِهَا أُمِنَ سُقُوطهَا غَالِبًا.
بِخِلَافِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّر ; إِذْ لَيْسَ سُقُوطهَا مَأْمُونًا فَلَمْ يَتَحَقَّق لَهَا وُجُود، فَلَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ اِشْتِرَاطهَا وَلَا اِسْتِثْنَاؤُهَا ; لِأَنَّهَا كَالْجَنِينِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك.
الثَّانِيَة.
رَوَى اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك - وَاللَّفْظ لِأَشْهَب - قَالَ مَالِك : قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح " فَلِقَاح الْقَمْح عِنْدِي أَنْ يُحَبَّب وَيُسَنْبَل، وَلَا أَدْرِي مَا يَيْبَس فِي أَكْمَامه، وَلَكِنْ يُحَبَّب حَتَّى يَكُون لَوْ يَبِسَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فَسَاد الْأَخِير فِيهِ.
وَلِقَاح الشَّجَر كُلّهَا أَنْ تُثْمِر ثُمَّ يَسْقُط مِنْهَا مَا يَسْقُط وَيَثْبُت مَا يَثْبُت، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ تُوَرِّد.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا عَوَّلَ مَالِك فِي هَذَا التَّفْسِير عَلَى تَشْبِيه لِقَاح الشَّجَر بِلِقَاحِ الْحَمْل، وَأَنَّ الْوَلَد إِذَا عُقِدَ وَخُلِقَ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوح كَانَ بِمَنْزِلَةِ تَحَبُّب الثَّمَر وَتَسَنْبُله ; لِأَنَّهُ سُمِّيَ بِاسْمِ تَشْتَرِك فِيهِ كُلّ حَامِلَة وَهُوَ اللِّقَاح، وَعَلَيْهِ جَاءَ الْحَدِيث ( نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الْحَبّ حَتَّى يَشْتَدّ ).
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : الْإِبَار عِنْد أَهْل الْعِلْم فِي النَّخْل التَّلْقِيح، وَهُوَ أَنْ يُؤْخَذ شَيْء مِنْ طَلْع [ ذُكُور ] النَّخْل فَيُدْخَل بَيْن ظَهْرَانَيْ طَلْع الْإِنَاث.
وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي سَائِر الثِّمَار طُلُوع الثَّمَرَة مِنْ التِّين وَغَيْره حَتَّى تَكُون الثَّمَرَة مَرْئِيَّة مَنْظُورًا إِلَيْهَا.
وَالْمُعْتَبَر عِنْد مَالِك وَأَصْحَابه فِيمَا يُذَكَّر مِنْ الثِّمَار التَّذْكِير، وَفِيمَا لَا يُذَكَّر أَنْ يَثْبُت مِنْ نُوَارِهِ مَا يَثْبُت وَيَسْقُط مَا يَسْقُط.
وَحَدّ ذَلِكَ فِي الزَّرْع ظُهُوره مِنْ الْأَرْض ; قَالَهُ مَالِك.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ إِبَاره أَنْ يُحَبَّب.
وَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْحَائِط إِذَا اِنْشَقَّ طَلْع إِنَاثه فَأُخِّرَ إِبَاره وَقَدْ أُبِّرَ غَيْره مِمَّنْ حَاله مِثْل حَاله، أَنَّ حُكْمه حُكْم مَا أُبِّرَ ; لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَيْهِ وَقْت الْإِبَار وَثَمَرَته ظَاهِرَة بَعْد تَغَيُّبهَا فِي الْحَبّ.
فَإِنْ أُبِّرَ بَعْض الْحَائِط كَانَ مَا لَمْ يُؤَبَّر تَبَعًا لَهُ.
كَمَا أَنَّ الْحَائِط إِذَا بَدَا صَلَاحه كَانَ سَائِر الْحَائِط تَبَعًا لِذَلِكَ الصَّلَاح فِي جَوَاز بَيْعه.
الثَّالِثَة : رَوَى الْأَئِمَّة كُلّهمْ عَنْ ابْن عُمَر قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَنْ اِبْتَاعَ نَخْلًا بَعْد أَنْ تُؤَبَّر فَثَمَرَتهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِط الْمُبْتَاع.
وَمَنْ اِبْتَاعَ عَبْدًا فَمَاله لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطهُ الْمُبْتَاع ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا لَمْ يَدْخُل الثَّمَر الْمُؤَبَّر مَعَ الْأُصُول فِي الْبَيْع إِلَّا بِالشَّرْطِ ; لِأَنَّهُ عَيْن مَوْجُودَة يُحَاط بِهَا أُمِنَ سُقُوطهَا غَالِبًا.
بِخِلَافِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّر ; إِذْ لَيْسَ سُقُوطهَا مَأْمُونًا فَلَمْ يَتَحَقَّق لَهَا وُجُود، فَلَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ اِشْتِرَاطهَا وَلَا اِسْتِثْنَاؤُهَا ; لِأَنَّهَا كَالْجَنِينِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك.
وَقِيلَ : يَجُوز اِسْتِثْنَاؤُهَا ; هُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
الرَّابِعَة : لَوْ اُشْتُرِيَ النَّخْل وَبَقِيَ الثَّمَر لِلْبَائِعِ جَازَ لِمُشْتَرِي الْأَصْل شِرَاء الثَّمَرَة قَبْل طِيبهَا عَلَى مَشْهُور قَوْل مَالِك، وَيَرَى لَهَا حُكْم التَّبَعِيَّة وَإِنْ أُفْرِدَتْ بِالْعَقْدِ.
وَعَنْهُ فِي رِوَايَة : لَا يَجُوز.
وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَأَهْل الظَّاهِر وَفُقَهَاء الْحَدِيث.
وَهُوَ الْأَظْهَر مِنْ أَحَادِيث النَّهْي عَنْ بَيْع الثَّمَرَة قَبْل بُدُوّ صَلَاحهَا.
الْخَامِسَة : وَمِمَّا يَتَعَلَّق بِهَذَا الْبَاب النَّهْي عَنْ بَيْع الْمَلَاقِح ; وَالْمَلَاقِح الْفُحُول مِنْ الْإِبِل، الْوَاحِد مُلْقِح.
وَالْمَلَاقِح أَيْضًا الْإِنَاث الَّتِي فِي بُطُونهَا أَوْلَادهَا، الْوَاحِدَة مُلْقَحَة ( بِفَتْحِ الْقَاف ).
وَالْمَلَاقِيح مَا فِي بُطُون النُّوق مِنْ الْأَجِنَّة، الْوَاحِدَة مَلْقُوحَة ; مِنْ قَوْلهمْ : لُقِحَتْ ; كَالْمَحْمُومِ مِنْ حُمَّ، وَالْمَجْنُون مِنْ جُنَّ.
وَفِي هَذَا جَاءَ النَّهْي.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ ( نَهَى عَنْ الْمَجْر وَهُوَ بَيْع مَا فِي بُطُون الْإِنَاث.
وَنَهَى عَنْ الْمَضَامِين وَالْمَلَاقِيح ).
قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْمَضَامِين مَا فِي الْبُطُون، وَهِيَ الْأَجِنَّة.
وَالْمَلَاقِيح مَا فِي أَصْلَاب الْفُحُول.
وَهُوَ قَوْل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره.
وَقِيلَ بِالْعَكْسِ : إِنَّ الْمَضَامِين مَا فِي ظُهُور الْجِمَال، وَالْمَلَاقِيح مَا فِي بُطُون الْإِنَاث.
وَهُوَ قَوْل اِبْن حَبِيب وَغَيْره.
وَأَيّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ، فَعُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز.
وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ عَنْ اِبْن هِشَام شَاهِدًا بِأَنَّ الْمَلَاقِيحَ مَا فِي الْبُطُون لِبَعْضِ الْأَعْرَاب :
وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيّ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا قَوْل الرَّاجِز :
قَوْله تَعَالَى :" وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء " أَيْ مِنْ السَّحَاب.
وَكُلّ مَا عَلَاك فَأَظَلَّك يُسَمَّى سَمَاء.
وَقِيلَ : مِنْ جِهَة السَّمَاء.
" مَاء " أَيْ قَطْرًا.
" فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ " أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ الْمَطَر لِسُقْيَاكُمْ وَلِشُرْبِ مَوَاشِيكُمْ وَأَرْضكُمْ.
وَقِيلَ : سَقَى وَأَسْقَى بِمَعْنًى.
وَقِيلَ بِالْفَرْقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ " أَيْ لَيْسَتْ خَزَائِنه عِنْدكُمْ ; أَيْ نَحْنُ الْخَازِنُونَ لِهَذَا الْمَاء نُنْزِلهُ إِذَا شِئْنَا وَنُمْسِكهُ إِذَا شِئْنَا.
وَمِثْله " وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا " [ الْفُرْقَان : ٤٨ ]، " وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْض وَإِنَّا عَلَى ذَهَاب بِهِ لَقَادِرُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٨ ].
وَقَالَ سُفْيَان : لَسْتُمْ بِمَانِعِينَ الْمَطَر.
الرَّابِعَة : لَوْ اُشْتُرِيَ النَّخْل وَبَقِيَ الثَّمَر لِلْبَائِعِ جَازَ لِمُشْتَرِي الْأَصْل شِرَاء الثَّمَرَة قَبْل طِيبهَا عَلَى مَشْهُور قَوْل مَالِك، وَيَرَى لَهَا حُكْم التَّبَعِيَّة وَإِنْ أُفْرِدَتْ بِالْعَقْدِ.
وَعَنْهُ فِي رِوَايَة : لَا يَجُوز.
وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَأَهْل الظَّاهِر وَفُقَهَاء الْحَدِيث.
وَهُوَ الْأَظْهَر مِنْ أَحَادِيث النَّهْي عَنْ بَيْع الثَّمَرَة قَبْل بُدُوّ صَلَاحهَا.
الْخَامِسَة : وَمِمَّا يَتَعَلَّق بِهَذَا الْبَاب النَّهْي عَنْ بَيْع الْمَلَاقِح ; وَالْمَلَاقِح الْفُحُول مِنْ الْإِبِل، الْوَاحِد مُلْقِح.
وَالْمَلَاقِح أَيْضًا الْإِنَاث الَّتِي فِي بُطُونهَا أَوْلَادهَا، الْوَاحِدَة مُلْقَحَة ( بِفَتْحِ الْقَاف ).
وَالْمَلَاقِيح مَا فِي بُطُون النُّوق مِنْ الْأَجِنَّة، الْوَاحِدَة مَلْقُوحَة ; مِنْ قَوْلهمْ : لُقِحَتْ ; كَالْمَحْمُومِ مِنْ حُمَّ، وَالْمَجْنُون مِنْ جُنَّ.
وَفِي هَذَا جَاءَ النَّهْي.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ ( نَهَى عَنْ الْمَجْر وَهُوَ بَيْع مَا فِي بُطُون الْإِنَاث.
وَنَهَى عَنْ الْمَضَامِين وَالْمَلَاقِيح ).
قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْمَضَامِين مَا فِي الْبُطُون، وَهِيَ الْأَجِنَّة.
وَالْمَلَاقِيح مَا فِي أَصْلَاب الْفُحُول.
وَهُوَ قَوْل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره.
وَقِيلَ بِالْعَكْسِ : إِنَّ الْمَضَامِين مَا فِي ظُهُور الْجِمَال، وَالْمَلَاقِيح مَا فِي بُطُون الْإِنَاث.
وَهُوَ قَوْل اِبْن حَبِيب وَغَيْره.
وَأَيّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ، فَعُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز.
وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ عَنْ اِبْن هِشَام شَاهِدًا بِأَنَّ الْمَلَاقِيحَ مَا فِي الْبُطُون لِبَعْضِ الْأَعْرَاب :
مَنِيَّتِي مَلَاقِحًا فِي الْأَبْطُن | تُنْتَج مَا تَلْقَح بَعْد أَزْمُن |
إِنَّا وَجَدْنَا طَرَدَ الْهَوَامِل | خَيْرًا مِنْ التَّأْنَان وَالْمَسَائِل |
وَعِدَّة الْعَام وَعَام قَابِل | مَلْقُوحَة فِي بَطْن نَاب حَامِل |
وَكُلّ مَا عَلَاك فَأَظَلَّك يُسَمَّى سَمَاء.
وَقِيلَ : مِنْ جِهَة السَّمَاء.
" مَاء " أَيْ قَطْرًا.
" فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ " أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ الْمَطَر لِسُقْيَاكُمْ وَلِشُرْبِ مَوَاشِيكُمْ وَأَرْضكُمْ.
وَقِيلَ : سَقَى وَأَسْقَى بِمَعْنًى.
وَقِيلَ بِالْفَرْقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ " أَيْ لَيْسَتْ خَزَائِنه عِنْدكُمْ ; أَيْ نَحْنُ الْخَازِنُونَ لِهَذَا الْمَاء نُنْزِلهُ إِذَا شِئْنَا وَنُمْسِكهُ إِذَا شِئْنَا.
وَمِثْله " وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا " [ الْفُرْقَان : ٤٨ ]، " وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْض وَإِنَّا عَلَى ذَهَاب بِهِ لَقَادِرُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٨ ].
وَقَالَ سُفْيَان : لَسْتُمْ بِمَانِعِينَ الْمَطَر.
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ
أَيْ الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلَا يَبْقَى شَيْء سِوَانَا.
نَظِيره " إِنَّا نَحْنُ نَرِث الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " [ مَرْيَم : ٤٠ ].
فَمُلْك كُلّ شَيْء لِلَّهِ تَعَالَى.
وَلَكِنْ مَلَّكَ عِبَاده أَمْلَاكًا فَإِذَا مَاتُوا اِنْقَطَعَتْ الدَّعَاوَى، فَكَانَ اللَّه وَارِثًا مِنْ هَذَا الْوَجْه.
وَقِيلَ : الْإِحْيَاء فِي هَذِهِ الْآيَة إِحْيَاء النُّطْفَة فِي الْأَرْحَام.
فَأَمَّا الْبَعْث فَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْد هَذَا فِي قَوْله :" وَإِنَّ رَبّك هُوَ يَحْشُرهُمْ ".
أَيْ الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلَا يَبْقَى شَيْء سِوَانَا.
نَظِيره " إِنَّا نَحْنُ نَرِث الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " [ مَرْيَم : ٤٠ ].
فَمُلْك كُلّ شَيْء لِلَّهِ تَعَالَى.
وَلَكِنْ مَلَّكَ عِبَاده أَمْلَاكًا فَإِذَا مَاتُوا اِنْقَطَعَتْ الدَّعَاوَى، فَكَانَ اللَّه وَارِثًا مِنْ هَذَا الْوَجْه.
وَقِيلَ : الْإِحْيَاء فِي هَذِهِ الْآيَة إِحْيَاء النُّطْفَة فِي الْأَرْحَام.
فَأَمَّا الْبَعْث فَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْد هَذَا فِي قَوْله :" وَإِنَّ رَبّك هُوَ يَحْشُرهُمْ ".
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل :
الْأُولَى : فِيهِ ثَمَان تَأْوِيلَات :
الْأَوَّل - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي الْخَلْق إِلَى الْيَوْم، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " الَّذِينَ لَمْ يُخْلَقُوا بَعْد ; قَالَهُ قَتَادَة وَعِكْرِمَة وَغَيْرهمَا.
الثَّانِي - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " الْأَمْوَات، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " الْأَحْيَاء ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك.
الثَّالِث :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " مَنْ تَقَدَّمَ أُمَّة مُحَمَّد، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ مُجَاهِد.
الرَّابِع - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي الطَّاعَة وَالْخَيْر، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " فِي الْمَعْصِيَة وَالشَّرّ ; قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا.
الْخَامِس - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي صُفُوف الْحَرْب، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " فِيهَا ; قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب.
السَّادِس :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " مَنْ قُتِلَ فِي الْجِهَاد، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " مَنْ لَمْ يُقْتَل، قَالَهُ الْقُرَظِيّ.
السَّابِع :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " أَوَّل الْخَلْق، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " آخِر الْخَلْق، قَالَهُ الشَّعْبِيّ.
الثَّامِن :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي صُفُوف الصَّلَاة، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " فِيهَا بِسَبَبِ النِّسَاء.
وَكُلّ هَذَا مَعْلُوم لِلَّه تَعَالَى ; فَإِنَّهُ عَالِم بِكُلِّ مَوْجُود وَمَعْدُوم، وَعَالِم بِمَنْ خَلَقَ وَمَا هُوَ خَالِقه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
إِلَّا أَنَّ الْقَوْل الثَّامِن هُوَ سَبَب نُزُول الْآيَة ; لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :" كَانَتْ اِمْرَأَة تُصَلِّي خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْنَاء مِنْ أَحْسَن النَّاس، فَكَانَ بَعْض الْقَوْم يَتَقَدَّم حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْأَوَّل لِئَلَّا يَرَاهَا، وَيَتَأَخَّر بَعْضهمْ حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْمُؤَخَّر، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْت إِبْطه، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ".
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء وَلَمْ يَذْكُر اِبْن عَبَّاس.
وَهُوَ أَصَحّ.
الثَّانِيَة : هَذَا يَدُلّ عَلَى فَضْل أَوَّل الْوَقْت فِي الصَّلَاة وَعَلَى فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل ; قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْ يَعْلَم النَّاس مَا فِي النِّدَاء وَالصَّفّ الْأَوَّل ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ).
فَإِذَا جَاءَ الرَّجُل عِنْد الزَّوَال فَنَزَلَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل مُجَاوِر الْإِمَام، حَازَ ثَلَاث مَرَاتِب فِي الْفَضْل : أَوَّل الْوَقْت، وَالصَّفّ الْأَوَّل، وَمُجَاوَرَة الْإِمَام.
فَإِنْ جَاءَ عِنْد الزَّوَال فَنَزَلَ فِي الصَّفّ الْآخِر أَوْ فِيمَا نَزَلَ عَنْ الصَّفّ الْأَوَّل، فَقَدْ حَازَ فَضْل أَوَّل الْوَقْت وَفَاته فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل وَالْمُجَاوَرَة.
فَإِنْ جَاءَ وَقْت الزَّوَال وَنَزَلَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل دُون مَا يَلِي الْإِمَام فَقَدْ حَازَ فَضْل أَوَّل الْوَقْت وَفَضْل الصَّفّ الْأَوَّل، وَفَاتَهُ مُجَاوَرَة الْإِمَام.
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل :
الْأُولَى : فِيهِ ثَمَان تَأْوِيلَات :
الْأَوَّل - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي الْخَلْق إِلَى الْيَوْم، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " الَّذِينَ لَمْ يُخْلَقُوا بَعْد ; قَالَهُ قَتَادَة وَعِكْرِمَة وَغَيْرهمَا.
الثَّانِي - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " الْأَمْوَات، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " الْأَحْيَاء ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك.
الثَّالِث :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " مَنْ تَقَدَّمَ أُمَّة مُحَمَّد، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ مُجَاهِد.
الرَّابِع - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي الطَّاعَة وَالْخَيْر، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " فِي الْمَعْصِيَة وَالشَّرّ ; قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا.
الْخَامِس - " الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي صُفُوف الْحَرْب، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " فِيهَا ; قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب.
السَّادِس :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " مَنْ قُتِلَ فِي الْجِهَاد، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " مَنْ لَمْ يُقْتَل، قَالَهُ الْقُرَظِيّ.
السَّابِع :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " أَوَّل الْخَلْق، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " آخِر الْخَلْق، قَالَهُ الشَّعْبِيّ.
الثَّامِن :" الْمُسْتَقْدِمِينَ " فِي صُفُوف الصَّلَاة، وَ " الْمُسْتَأْخِرِينَ " فِيهَا بِسَبَبِ النِّسَاء.
وَكُلّ هَذَا مَعْلُوم لِلَّه تَعَالَى ; فَإِنَّهُ عَالِم بِكُلِّ مَوْجُود وَمَعْدُوم، وَعَالِم بِمَنْ خَلَقَ وَمَا هُوَ خَالِقه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
إِلَّا أَنَّ الْقَوْل الثَّامِن هُوَ سَبَب نُزُول الْآيَة ; لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :" كَانَتْ اِمْرَأَة تُصَلِّي خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْنَاء مِنْ أَحْسَن النَّاس، فَكَانَ بَعْض الْقَوْم يَتَقَدَّم حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْأَوَّل لِئَلَّا يَرَاهَا، وَيَتَأَخَّر بَعْضهمْ حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْمُؤَخَّر، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْت إِبْطه، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ".
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء وَلَمْ يَذْكُر اِبْن عَبَّاس.
وَهُوَ أَصَحّ.
الثَّانِيَة : هَذَا يَدُلّ عَلَى فَضْل أَوَّل الْوَقْت فِي الصَّلَاة وَعَلَى فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل ; قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْ يَعْلَم النَّاس مَا فِي النِّدَاء وَالصَّفّ الْأَوَّل ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ).
فَإِذَا جَاءَ الرَّجُل عِنْد الزَّوَال فَنَزَلَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل مُجَاوِر الْإِمَام، حَازَ ثَلَاث مَرَاتِب فِي الْفَضْل : أَوَّل الْوَقْت، وَالصَّفّ الْأَوَّل، وَمُجَاوَرَة الْإِمَام.
فَإِنْ جَاءَ عِنْد الزَّوَال فَنَزَلَ فِي الصَّفّ الْآخِر أَوْ فِيمَا نَزَلَ عَنْ الصَّفّ الْأَوَّل، فَقَدْ حَازَ فَضْل أَوَّل الْوَقْت وَفَاته فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل وَالْمُجَاوَرَة.
فَإِنْ جَاءَ وَقْت الزَّوَال وَنَزَلَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل دُون مَا يَلِي الْإِمَام فَقَدْ حَازَ فَضْل أَوَّل الْوَقْت وَفَضْل الصَّفّ الْأَوَّل، وَفَاتَهُ مُجَاوَرَة الْإِمَام.
فَإِنْ جَاءَ بَعْد الزَّوَال وَنَزَلَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل فَقَدْ فَاتَهُ فَضِيلَة أَوَّل الْوَقْت، وَحَازَ فَضِيلَة الصَّفّ الْأَوَّل وَمُجَاوَرَة الْإِمَام.
وَهَكَذَا.
وَمُجَاوَرَة الْإِمَام لَا تَكُون لِكُلِّ أَحَد، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَام وَالنُّهَى ) الْحَدِيث.
فَمَا يَلِي الْإِمَام يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَته، فَإِنْ نَزَلَهَا غَيْره أُخِّرَ وَتَقَدَّمَ هُوَ إِلَى الْمَوْضِع ; لِأَنَّهُ حَقّه بِأَمْرِ صَاحِب الشَّرْع، كَالْمِحْرَابِ هُوَ مَوْضِع الْإِمَام تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قُلْت : وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : تَأَخَّرْ يَا فُلَان، تَقَدَّمْ يَا فُلَان ; ثُمَّ يَتَقَدَّم فَيُكَبِّر.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْب أَنَّ الرَّجُل مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة لَيَخِرّ سَاجِدًا فَيُغْفَر لِمَنْ خَلْفه.
وَكَانَ كَعْب يَتَوَخَّى الصَّفّ الْمُؤَخَّر مِنْ الْمَسْجِد رَجَاء ذَلِكَ، وَيَذْكُر أَنَّهُ وَجَدَهُ كَذَلِكَ فِي التَّوْرَاة.
ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الصَّافَّات " زِيَادَة بَيَان لِهَذَا الْبَاب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الثَّالِثَة : وَكَمَا تَدُلّ هَذِهِ الْآيَة عَلَى فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل فِي الصَّلَاة، فَكَذَلِكَ تَدُلّ عَلَى فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل فِي الْقِتَال ; فَإِنَّ الْقِيَام فِي نَحْر الْعَدُوّ، وَبَيْع الْعَبْد نَفْسه مِنْ اللَّه تَعَالَى لَا يُوَازِيه عَمَل ; فَالتَّقَدُّم إِلَيْهِ أَفْضَل، وَلَا خِلَاف فِيهِ وَلَا خَفَاء بِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَد يَتَقَدَّم فِي الْحَرْب بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَشْجَع النَّاس.
قَالَ الْبَرَاء :( كُنَّا وَاَللَّه إِذَا اِحْمَرَّ الْبَأْس نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاع مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
وَهَكَذَا.
وَمُجَاوَرَة الْإِمَام لَا تَكُون لِكُلِّ أَحَد، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَام وَالنُّهَى ) الْحَدِيث.
فَمَا يَلِي الْإِمَام يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَته، فَإِنْ نَزَلَهَا غَيْره أُخِّرَ وَتَقَدَّمَ هُوَ إِلَى الْمَوْضِع ; لِأَنَّهُ حَقّه بِأَمْرِ صَاحِب الشَّرْع، كَالْمِحْرَابِ هُوَ مَوْضِع الْإِمَام تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قُلْت : وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : تَأَخَّرْ يَا فُلَان، تَقَدَّمْ يَا فُلَان ; ثُمَّ يَتَقَدَّم فَيُكَبِّر.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْب أَنَّ الرَّجُل مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة لَيَخِرّ سَاجِدًا فَيُغْفَر لِمَنْ خَلْفه.
وَكَانَ كَعْب يَتَوَخَّى الصَّفّ الْمُؤَخَّر مِنْ الْمَسْجِد رَجَاء ذَلِكَ، وَيَذْكُر أَنَّهُ وَجَدَهُ كَذَلِكَ فِي التَّوْرَاة.
ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الصَّافَّات " زِيَادَة بَيَان لِهَذَا الْبَاب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الثَّالِثَة : وَكَمَا تَدُلّ هَذِهِ الْآيَة عَلَى فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل فِي الصَّلَاة، فَكَذَلِكَ تَدُلّ عَلَى فَضْل الصَّفّ الْأَوَّل فِي الْقِتَال ; فَإِنَّ الْقِيَام فِي نَحْر الْعَدُوّ، وَبَيْع الْعَبْد نَفْسه مِنْ اللَّه تَعَالَى لَا يُوَازِيه عَمَل ; فَالتَّقَدُّم إِلَيْهِ أَفْضَل، وَلَا خِلَاف فِيهِ وَلَا خَفَاء بِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَد يَتَقَدَّم فِي الْحَرْب بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَشْجَع النَّاس.
قَالَ الْبَرَاء :( كُنَّا وَاَللَّه إِذَا اِحْمَرَّ الْبَأْس نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاع مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ
أَيْ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاء.
أَيْ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاء.
إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
يَضَع كُلّ شَيْء مَوْضِعه
يَضَع كُلّ شَيْء مَوْضِعه
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ
يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
مِنْ صَلْصَالٍ
أَيْ مِنْ طِين يَابِس ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
وَالصَّلْصَال : الطِّين الْحُرّ خُلِطَ بِالرَّمَلِ فَصَارَ يَتَصَلْصَل إِذَا جَفَّ، فَإِذَا طُبِخَ بِالنَّارِ فَهُوَ الْفَخَّار ; عَنْ أَبِي عُبَيْدَة.
وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ.
وَأَنْشَدَ أَهْل اللُّغَة :
كَعَدْوِ الْمُصَلْصِل الْجَوَّال
وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الطِّين الْمُنْتِن ; وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيّ.
قَالَ : وَهُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب : صَلَّ اللَّحْم وَأَصَلَّ إِذَا أَنْتَنَ - مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ نِيئًا - يَصِلّ صُلُولًا.
قَالَ الْحُطَيْئَة :
ذَاكَ فَتًى يَبْذُل ذَا قِدْرِهِ... لَا يُفْسِد اللَّحْم لَدَيْهِ الصُّلُول
وَطِين صَلَّال وَمِصْلَال ; أَيْ يُصَوِّت إِذَا نَقَرْته كَمَا يُصَوِّت الْحَدِيد.
فَكَانَ أَوَّل تُرَابًا، أَيْ مُتَفَرِّق الْأَجْزَاء ثُمَّ بُلَّ فَصَارَ طِينًا ; ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ فَصَارَ حَمَأ مَسْنُونًا ; أَيْ مُتَغَيِّرًا، ثُمَّ يَبِسَ فَصَارَ صَلْصَالًا ; عَلَى قَوْل الْجُمْهُور.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " بَيَان هَذَا.
وَالْحَمَأ : الطِّين الْأَسْوَد، وَكَذَلِكَ الْحَمْأَة بِالتَّسْكِينِ ; تَقُول مِنْهُ : حَمِئْت الْبِئْر حَمْأ ( بِالتَّسْكِينِ ) إِذَا نَزَعْت حَمْأَتهَا.
وَحَمِئَت الْبِئْر حَمَأ ( بِالتَّحْرِيكِ ) كَثُرَتْ حَمْأَتهَا.
وَأَحْمَأْتهَا إِحْمَاء أَلْقَيْت الْحَمْأَة ; عَنْ اِبْن السِّكِّيت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْحَمْأَة ( بِسُكُونِ الْمِيم ) مِثْل الْكَمْأَة.
وَالْجَمْع حَمْء، مِثْل تَمْرَة وَتَمْر.
وَالْحَمَأ الْمَصْدَر، مِثْل الْهَلَع وَالْجَزَع، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ.
وَالْمَسْنُون الْمُتَغَيِّر.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( هُوَ التُّرَاب الْمُبْتَلّ الْمُنْتِن، فَجُعِلَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ ).
وَمِثْله قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة، قَالَا : الْمُنْتِن الْمُتَغَيِّر ; مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَسَنَّ الْمَاء إِذَا تَغَيَّرَ ; وَمِنْهُ " يَتَسَنَّهْ " [ الْبَقَرَة : ٢٥٩ ] وَ " مَاء غَيْر آسِن " [ مُحَمَّد : ١٥ ].
وَمِنْهُ قَوْل أَبِي قَيْس بْن الْأَسْلَت :
سُقْت صَدَايَ رُضَابًا غَيْر ذِي أَسَن... كَالْمِسْكِ فُتَّ عَلَى مَاء الْعَنَاقِيد
وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ الْمُتَغَيِّر، وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ : سَنَنْت الْحَجَر عَلَى الْحَجَر إِذَا حَكَكْته بِهِ.
وَمَا يَخْرُج مِنْ الْحَجَرَيْنِ يُقَال لَهُ السَّنَانَة وَالسَّنِين ; وَمِنْهُ الْمِسَنّ.
قَالَ الشَّاعِر :
ثُمَّ خَاصَرْتهَا إِلَى الْقُبَّة الْحَمْرَاء... تَمْشِي فِي مَرْمَر مَسْنُون
أَيْ مَحْكُوك مُمَلَّس.
حُكِيَ أَنَّ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة قَالَ لِأَبِيهِ : أَلَا تَرَى عَبْد الرَّحْمَن بْن حَسَّان يُشَبِّب بِابْنَتِك.
فَقَالَ مُعَاوِيَة : وَمَا قَالَ ؟ فَقَالَ قَالَ :
هِيَ زَهْرَاء مِثْل لُؤْلُؤَة الْغَوَّاص... مُيِّزَتْ مِنْ جَوْهَر مَكْنُون
فَقَالَ مُعَاوِيَة : صَدَقَ ! فَقَالَ يَزِيد :[ إِنَّهُ يَقُول ] :
وَإِذَا مَا نَسَبْتهَا لَمْ تَجِدهَا... فِي سَنَاء مِنْ الْمَكَارِم دُونِ
فَقَالَ : صَدَقَ ! فَقَالَ : أَيْنَ قَوْله : ثُمَّ خَاصِرَتهَا... الْبَيْت.
فَقَالَ مُعَاوِيَة : كَذَبَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَسْنُون الْمَصْبُوب، وَهُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب : سَنَنْت الْمَاء وَغَيْره عَلَى الْوَجْه إِذَا صَبَبْته.
وَالسَّنّ الصَّبّ.
أَيْ مِنْ طِين يَابِس ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
وَالصَّلْصَال : الطِّين الْحُرّ خُلِطَ بِالرَّمَلِ فَصَارَ يَتَصَلْصَل إِذَا جَفَّ، فَإِذَا طُبِخَ بِالنَّارِ فَهُوَ الْفَخَّار ; عَنْ أَبِي عُبَيْدَة.
وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ.
وَأَنْشَدَ أَهْل اللُّغَة :
كَعَدْوِ الْمُصَلْصِل الْجَوَّال
وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الطِّين الْمُنْتِن ; وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيّ.
قَالَ : وَهُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب : صَلَّ اللَّحْم وَأَصَلَّ إِذَا أَنْتَنَ - مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ نِيئًا - يَصِلّ صُلُولًا.
قَالَ الْحُطَيْئَة :
ذَاكَ فَتًى يَبْذُل ذَا قِدْرِهِ... لَا يُفْسِد اللَّحْم لَدَيْهِ الصُّلُول
وَطِين صَلَّال وَمِصْلَال ; أَيْ يُصَوِّت إِذَا نَقَرْته كَمَا يُصَوِّت الْحَدِيد.
فَكَانَ أَوَّل تُرَابًا، أَيْ مُتَفَرِّق الْأَجْزَاء ثُمَّ بُلَّ فَصَارَ طِينًا ; ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ فَصَارَ حَمَأ مَسْنُونًا ; أَيْ مُتَغَيِّرًا، ثُمَّ يَبِسَ فَصَارَ صَلْصَالًا ; عَلَى قَوْل الْجُمْهُور.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " بَيَان هَذَا.
وَالْحَمَأ : الطِّين الْأَسْوَد، وَكَذَلِكَ الْحَمْأَة بِالتَّسْكِينِ ; تَقُول مِنْهُ : حَمِئْت الْبِئْر حَمْأ ( بِالتَّسْكِينِ ) إِذَا نَزَعْت حَمْأَتهَا.
وَحَمِئَت الْبِئْر حَمَأ ( بِالتَّحْرِيكِ ) كَثُرَتْ حَمْأَتهَا.
وَأَحْمَأْتهَا إِحْمَاء أَلْقَيْت الْحَمْأَة ; عَنْ اِبْن السِّكِّيت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْحَمْأَة ( بِسُكُونِ الْمِيم ) مِثْل الْكَمْأَة.
وَالْجَمْع حَمْء، مِثْل تَمْرَة وَتَمْر.
وَالْحَمَأ الْمَصْدَر، مِثْل الْهَلَع وَالْجَزَع، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ.
وَالْمَسْنُون الْمُتَغَيِّر.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( هُوَ التُّرَاب الْمُبْتَلّ الْمُنْتِن، فَجُعِلَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ ).
وَمِثْله قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة، قَالَا : الْمُنْتِن الْمُتَغَيِّر ; مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَسَنَّ الْمَاء إِذَا تَغَيَّرَ ; وَمِنْهُ " يَتَسَنَّهْ " [ الْبَقَرَة : ٢٥٩ ] وَ " مَاء غَيْر آسِن " [ مُحَمَّد : ١٥ ].
وَمِنْهُ قَوْل أَبِي قَيْس بْن الْأَسْلَت :
سُقْت صَدَايَ رُضَابًا غَيْر ذِي أَسَن... كَالْمِسْكِ فُتَّ عَلَى مَاء الْعَنَاقِيد
وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ الْمُتَغَيِّر، وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ : سَنَنْت الْحَجَر عَلَى الْحَجَر إِذَا حَكَكْته بِهِ.
وَمَا يَخْرُج مِنْ الْحَجَرَيْنِ يُقَال لَهُ السَّنَانَة وَالسَّنِين ; وَمِنْهُ الْمِسَنّ.
قَالَ الشَّاعِر :
ثُمَّ خَاصَرْتهَا إِلَى الْقُبَّة الْحَمْرَاء... تَمْشِي فِي مَرْمَر مَسْنُون
أَيْ مَحْكُوك مُمَلَّس.
حُكِيَ أَنَّ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة قَالَ لِأَبِيهِ : أَلَا تَرَى عَبْد الرَّحْمَن بْن حَسَّان يُشَبِّب بِابْنَتِك.
فَقَالَ مُعَاوِيَة : وَمَا قَالَ ؟ فَقَالَ قَالَ :
هِيَ زَهْرَاء مِثْل لُؤْلُؤَة الْغَوَّاص... مُيِّزَتْ مِنْ جَوْهَر مَكْنُون
فَقَالَ مُعَاوِيَة : صَدَقَ ! فَقَالَ يَزِيد :[ إِنَّهُ يَقُول ] :
وَإِذَا مَا نَسَبْتهَا لَمْ تَجِدهَا... فِي سَنَاء مِنْ الْمَكَارِم دُونِ
فَقَالَ : صَدَقَ ! فَقَالَ : أَيْنَ قَوْله : ثُمَّ خَاصِرَتهَا... الْبَيْت.
فَقَالَ مُعَاوِيَة : كَذَبَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَسْنُون الْمَصْبُوب، وَهُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب : سَنَنْت الْمَاء وَغَيْره عَلَى الْوَجْه إِذَا صَبَبْته.
وَالسَّنّ الصَّبّ.
وَرَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :( الْمَسْنُون الرَّطْب ) ; وَهَذَا بِمَعْنَى الْمَصْبُوب ; لِأَنَّهُ لَا يَكُون مَصْبُوبًا إِلَّا وَهُوَ رَطْب.
النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; لِأَنَّهُ يُقَال : سَنَنْت الشَّيْء أَيْ صَبَبْته.
قَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : وَمِنْهُ الْأَثَر الْمَرْوِيّ عَنْ عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَسُنّ الْمَاء عَلَى وَجْهه وَلَا يَشُنّهُ.
وَالشَّنّ ( بِالشِّينِ ) تَفْرِيق الْمَاء، وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة صَبّه مِنْ غَيْر تَفْرِيق.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : الْمَسْنُون الْمُصَوَّر.
أُخِذَ مِنْ سُنَّة الْوَجْه وَهُوَ صُورَته.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة :
وَقَالَ الْأَخْفَش : الْمَسْنُون.
الْمَنْصُوب الْقَائِم ; مِنْ قَوْلهمْ : وَجْه مَسْنُون إِذَا كَانَ فِيهِ طُول.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الصَّلْصَال لِلتُّرَابِ الْمُدَقَّق ; حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الصَّلْصَال هُوَ الْمُنْتِن فَأَصْله صَلَّال، فَأُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى اللَّامَيْنِ.
النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; لِأَنَّهُ يُقَال : سَنَنْت الشَّيْء أَيْ صَبَبْته.
قَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : وَمِنْهُ الْأَثَر الْمَرْوِيّ عَنْ عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَسُنّ الْمَاء عَلَى وَجْهه وَلَا يَشُنّهُ.
وَالشَّنّ ( بِالشِّينِ ) تَفْرِيق الْمَاء، وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة صَبّه مِنْ غَيْر تَفْرِيق.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : الْمَسْنُون الْمُصَوَّر.
أُخِذَ مِنْ سُنَّة الْوَجْه وَهُوَ صُورَته.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة :
تُرِيك سُنَّة وَجْه غَيْر مُقْرِفَة | مَلْسَاء لَيْسَ لَهَا خَال وَلَا نَدَب |
الْمَنْصُوب الْقَائِم ; مِنْ قَوْلهمْ : وَجْه مَسْنُون إِذَا كَانَ فِيهِ طُول.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الصَّلْصَال لِلتُّرَابِ الْمُدَقَّق ; حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الصَّلْصَال هُوَ الْمُنْتِن فَأَصْله صَلَّال، فَأُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى اللَّامَيْنِ.
مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
مُفَسِّر لِجِنْسِ الصَّلْصَال ; كَقَوْلِك : أَخَذْت هَذَا مِنْ رَجُل مِنْ الْعَرَب.
مُفَسِّر لِجِنْسِ الصَّلْصَال ; كَقَوْلِك : أَخَذْت هَذَا مِنْ رَجُل مِنْ الْعَرَب.
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ
أَيْ مِنْ قَبْل خَلْق آدَم.
وَقَالَ الْحَسَن : يَعْنِي إِبْلِيس، خَلَقَهُ اللَّه تَعَالَى قَبْل آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَسُمِّيَ جَانًّا لِتَوَارِيهِ عَنْ الْأَعْيُن.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث ثَابِت عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَمَّا صَوَّرَ اللَّه تَعَالَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجَنَّة تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَتْرُكهُ فَجَعَلَ إِبْلِيس يُطِيف بِهِ يَنْظُر مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَف عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَك ).
أَيْ مِنْ قَبْل خَلْق آدَم.
وَقَالَ الْحَسَن : يَعْنِي إِبْلِيس، خَلَقَهُ اللَّه تَعَالَى قَبْل آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَسُمِّيَ جَانًّا لِتَوَارِيهِ عَنْ الْأَعْيُن.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث ثَابِت عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَمَّا صَوَّرَ اللَّه تَعَالَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجَنَّة تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَتْرُكهُ فَجَعَلَ إِبْلِيس يُطِيف بِهِ يَنْظُر مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَف عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَك ).
مِنْ نَارِ السَّمُومِ
قَالَ اِبْن مَسْعُود :( نَار السَّمُوم الَّتِي خَلَقَ اللَّه مِنْهَا الْجَانّ جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَار جَهَنَّم ).
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( السَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة الَّتِي تَقْتُل ).
وَعَنْهُ ( أَنَّهَا نَار لَا دُخَان لَهَا )، وَالصَّوَاعِق تَكُون مِنْهَا، وَهِيَ نَار تَكُون بَيْن السَّمَاء وَالْحِجَاب.
فَإِذَا أَحْدَثَ اللَّه أَمْرًا اِخْتَرَقَتْ الْحِجَاب فَهَوَتْ الصَّاعِقَة إِلَى مَا أُمِرَتْ.
فَالْهَدَّة الَّتِي تَسْمَعُونَ خَرْق ذَلِكَ الْحِجَاب.
وَقَالَ الْحَسَن : نَار السَّمُوم نَار دُونهَا حِجَاب، وَاَلَّذِي تَسْمَعُونَ مِنْ اِنْغِطَاط السَّحَاب صَوْتهَا.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ :( كَانَ إِبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة - قَالَ - : وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار.
قُلْت : هَذَا فِيهِ نَظَر ; فَإِنَّهُ يَحْتَاج إِلَى سَنَد يَقْطَع الْعُذْر ; إِذْ مِثْله لَا يُقَال مِنْ جِهَة الرَّأْي.
وَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور وَخُلِقَ الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ).
فَقَوْله :( خُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور ) يَقْتَضِي الْعُمُوم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : مَارِج مِنْ نَار نَار لَا دُخَان لَهَا خُلِقَ مِنْهَا الْجَانّ.
وَالسَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة تُؤَنَّث ; يُقَال مِنْهُ : سُمّ يَوْمنَا فَهُوَ يَوْم مَسْمُوم، وَالْجَمْع سَمَائِم.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة :( السَّمُوم بِالنَّهَارِ وَقَدْ تَكُون بِاللَّيْلِ، وَالْحَرُور بِاللَّيْلِ وَقَدْ تَكُون بِالنَّهَارِ ).
الْقُشَيْرِيّ : وَسُمِّيَتْ الرِّيح الْحَارَّة سَمُومًا لِدُخُولِهَا فِي مَسَامّ الْبَدَن.
قَالَ اِبْن مَسْعُود :( نَار السَّمُوم الَّتِي خَلَقَ اللَّه مِنْهَا الْجَانّ جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَار جَهَنَّم ).
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( السَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة الَّتِي تَقْتُل ).
وَعَنْهُ ( أَنَّهَا نَار لَا دُخَان لَهَا )، وَالصَّوَاعِق تَكُون مِنْهَا، وَهِيَ نَار تَكُون بَيْن السَّمَاء وَالْحِجَاب.
فَإِذَا أَحْدَثَ اللَّه أَمْرًا اِخْتَرَقَتْ الْحِجَاب فَهَوَتْ الصَّاعِقَة إِلَى مَا أُمِرَتْ.
فَالْهَدَّة الَّتِي تَسْمَعُونَ خَرْق ذَلِكَ الْحِجَاب.
وَقَالَ الْحَسَن : نَار السَّمُوم نَار دُونهَا حِجَاب، وَاَلَّذِي تَسْمَعُونَ مِنْ اِنْغِطَاط السَّحَاب صَوْتهَا.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ :( كَانَ إِبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة - قَالَ - : وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار.
قُلْت : هَذَا فِيهِ نَظَر ; فَإِنَّهُ يَحْتَاج إِلَى سَنَد يَقْطَع الْعُذْر ; إِذْ مِثْله لَا يُقَال مِنْ جِهَة الرَّأْي.
وَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور وَخُلِقَ الْجَانّ مِنْ مَارِج مِنْ نَار وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ).
فَقَوْله :( خُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور ) يَقْتَضِي الْعُمُوم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : مَارِج مِنْ نَار نَار لَا دُخَان لَهَا خُلِقَ مِنْهَا الْجَانّ.
وَالسَّمُوم الرِّيح الْحَارَّة تُؤَنَّث ; يُقَال مِنْهُ : سُمّ يَوْمنَا فَهُوَ يَوْم مَسْمُوم، وَالْجَمْع سَمَائِم.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة :( السَّمُوم بِالنَّهَارِ وَقَدْ تَكُون بِاللَّيْلِ، وَالْحَرُور بِاللَّيْلِ وَقَدْ تَكُون بِالنَّهَارِ ).
الْقُشَيْرِيّ : وَسُمِّيَتْ الرِّيح الْحَارَّة سَمُومًا لِدُخُولِهَا فِي مَسَامّ الْبَدَن.
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا
إِذْ وَإِذَا حَرْفَا تَوْقِيت ; فَإِذْ لِلْمَاضِي ; وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ ; وَقَدْ تُوضَع إِحْدَاهُمَا مَوْضِع الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْمُبَرِّد : إِذَا جَاءَ " إِذْ " مَعَ مُسْتَقْبَل كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا ; نَحْو قَوْله :" وَإِذْ يَمْكُر بِك " [ الْأَنْفَال : ٣٠ ] " وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ " [ الْأَحْزَاب : ٣٧ ] مَعْنَاهُ مَكَرُوا، وَإِذْ قُلْت.
وَإِذَا جَاءَ " إِذَا " مَعَ الْمَاضِي كَانَ مَعْنَاهُ مُسْتَقْبَلًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة " [ النَّازِعَات : ٣٤ ] " فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّة " [ عَبَسَ : ٣٣ ] وَ " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه " [ النَّصْر : ١ ] أَيْ يَجِيء.
وَقَالَ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَبُو عُبَيْدَة :" إِذْ " زَائِدَة ; وَالتَّقْدِير : وَقَالَ رَبّك ; وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَالنَّحَّاس وَجَمِيع الْمُفَسِّرِينَ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ " إِذْ " اِسْم وَهِيَ ظَرْف زَمَان لَيْسَ مِمَّا تُزَاد.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَذَا اِجْتِرَام مِنْ أَبِي عُبَيْدَة ; ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلْق النَّاس وَغَيْرهمْ ; فَالتَّقْدِير وَابْتَدَأَ خَلْقكُمْ إِذْ قَالَ ; فَكَانَ هَذَا مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام ; كَمَا قَالَ :
يُرِيد أَيْنَمَا ذَهَبَ.
وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون مُتَعَلِّقَة بِفِعْلٍ مُقَدَّر تَقْدِيره وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ.
وَقَوْل اللَّه تَعَالَى وَخِطَابه لِلْمَلَائِكَةِ مُتَقَرِّر فِي الْأَزَل بِشَرْطِ وُجُودهمْ وَفَهْمهمْ.
وَهَكَذَا الْبَاب كُلّه فِي أَوَامِر اللَّه تَعَالَى وَنَوَاهِيه وَمُخَاطَبَاته.
وَهَذَا مَذْهَب الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَات اللَّه الْعُلَى.
وَالرَّبّ : الْمَالِك وَالسَّيِّد وَالْمُصْلِح وَالْجَابِر ; وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه.
قَوْله تَعَالَى " لِلْمَلَائِكَةِ " الْمَلَائِكَة وَاحِدهَا مَلَك.
قَالَ اِبْن كَيْسَان وَغَيْره : وَزْن مَلَك فَعَل مِنْ الْمُلْك.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة ; هُوَ مَفْعَل مِنْ لَأَكَ إِذَا أَرْسَلَ.
وَالْأَلُوكَة وَالْمَأْلَكَة وَالْمَأْلُكَة : الرِّسَالَة ; قَالَ لَبِيد :
وَقَالَ آخَر :
وَيُقَال : أَلَكَنِي أَيْ أَرْسَلَنِي ; فَأَصْله عَلَى هَذَا مَأْلَك، الْهَمْزَة فَاء الْفِعْل فَإِنَّهُمْ قَلَبُوهَا إِلَى عَيْنه فَقَالُوا : مَلْأَك.
وَقِيلَ أَصْله مَلْأَك مِنْ مَلَكَ يَمْلِك، نَحْو شَمْأَل مِنْ شَمَلَ ; فَالْهَمْزَة زَائِدَة عَنْ اِبْن كَيْسَان أَيْضًا ; وَقَدْ تَأْتِي فِي الشِّعْر عَلَى الْأَصْل ; قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : لَا اِشْتِقَاق لِلْمَلَكِ عِنْد الْعَرَب.
إِذْ وَإِذَا حَرْفَا تَوْقِيت ; فَإِذْ لِلْمَاضِي ; وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ ; وَقَدْ تُوضَع إِحْدَاهُمَا مَوْضِع الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْمُبَرِّد : إِذَا جَاءَ " إِذْ " مَعَ مُسْتَقْبَل كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا ; نَحْو قَوْله :" وَإِذْ يَمْكُر بِك " [ الْأَنْفَال : ٣٠ ] " وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ " [ الْأَحْزَاب : ٣٧ ] مَعْنَاهُ مَكَرُوا، وَإِذْ قُلْت.
وَإِذَا جَاءَ " إِذَا " مَعَ الْمَاضِي كَانَ مَعْنَاهُ مُسْتَقْبَلًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة " [ النَّازِعَات : ٣٤ ] " فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّة " [ عَبَسَ : ٣٣ ] وَ " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه " [ النَّصْر : ١ ] أَيْ يَجِيء.
وَقَالَ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَبُو عُبَيْدَة :" إِذْ " زَائِدَة ; وَالتَّقْدِير : وَقَالَ رَبّك ; وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
فَإِذْ وَذَلِكَ لَا مَهَاة لِذِكْرِهِ | وَالدَّهْر يُعْقِب صَالِحًا بِفَسَادِ |
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ " إِذْ " اِسْم وَهِيَ ظَرْف زَمَان لَيْسَ مِمَّا تُزَاد.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَذَا اِجْتِرَام مِنْ أَبِي عُبَيْدَة ; ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلْق النَّاس وَغَيْرهمْ ; فَالتَّقْدِير وَابْتَدَأَ خَلْقكُمْ إِذْ قَالَ ; فَكَانَ هَذَا مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام ; كَمَا قَالَ :
فَإِنَّ الْمَنِيَّة مَنْ يَخْشَهَا | فَسَوْفَ تُصَادِفهُ أَيْنَمَا |
وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون مُتَعَلِّقَة بِفِعْلٍ مُقَدَّر تَقْدِيره وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ.
وَقَوْل اللَّه تَعَالَى وَخِطَابه لِلْمَلَائِكَةِ مُتَقَرِّر فِي الْأَزَل بِشَرْطِ وُجُودهمْ وَفَهْمهمْ.
وَهَكَذَا الْبَاب كُلّه فِي أَوَامِر اللَّه تَعَالَى وَنَوَاهِيه وَمُخَاطَبَاته.
وَهَذَا مَذْهَب الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَات اللَّه الْعُلَى.
وَالرَّبّ : الْمَالِك وَالسَّيِّد وَالْمُصْلِح وَالْجَابِر ; وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه.
قَوْله تَعَالَى " لِلْمَلَائِكَةِ " الْمَلَائِكَة وَاحِدهَا مَلَك.
قَالَ اِبْن كَيْسَان وَغَيْره : وَزْن مَلَك فَعَل مِنْ الْمُلْك.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة ; هُوَ مَفْعَل مِنْ لَأَكَ إِذَا أَرْسَلَ.
وَالْأَلُوكَة وَالْمَأْلَكَة وَالْمَأْلُكَة : الرِّسَالَة ; قَالَ لَبِيد :
وَغُلَام أَرْسَلَتْهُ أُمّه | بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلَ |
أَبْلِغْ النُّعْمَان عَنِّي مَأْلُكًا | إِنَّنِي قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي |
وَقِيلَ أَصْله مَلْأَك مِنْ مَلَكَ يَمْلِك، نَحْو شَمْأَل مِنْ شَمَلَ ; فَالْهَمْزَة زَائِدَة عَنْ اِبْن كَيْسَان أَيْضًا ; وَقَدْ تَأْتِي فِي الشِّعْر عَلَى الْأَصْل ; قَالَ الشَّاعِر :
فَلَسْت لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلْأَكٍ | تَنَزَّلَ مِنْ جَوّ السَّمَاء يَصُوب |
وَالْهَاء فِي الْمَلَائِكَة تَأْكِيد لِتَأْنِيثِ الْجَمْع ; وَمِثْله الصُّلَادِمَة.
وَالصُّلَادِم : الْخَيْل الشِّدَاد، وَاحِدهَا صِلْدِم.
وَقِيلَ : هِيَ لِلْمُبَالَغَةِ، كَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَة.
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي : خَاطَبَ اللَّه الْمَلَائِكَة لَا لِلْمَشُورَةِ وَلَكِنْ لِاسْتِخْرَاجِ مَا فِيهِمْ مِنْ رُؤْيَة الْحَرَكَات وَالْعِبَادَة وَالتَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس، ثُمَّ رَدَّهُمْ إِلَى قِيمَتهمْ.
وَالصُّلَادِم : الْخَيْل الشِّدَاد، وَاحِدهَا صِلْدِم.
وَقِيلَ : هِيَ لِلْمُبَالَغَةِ، كَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَة.
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي : خَاطَبَ اللَّه الْمَلَائِكَة لَا لِلْمَشُورَةِ وَلَكِنْ لِاسْتِخْرَاجِ مَا فِيهِمْ مِنْ رُؤْيَة الْحَرَكَات وَالْعِبَادَة وَالتَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس، ثُمَّ رَدَّهُمْ إِلَى قِيمَتهمْ.
مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
مِنْ طِين
مِنْ طِين
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
أَيْ سَوَّيْت خَلْقه وَصُورَته.
أَيْ سَوَّيْت خَلْقه وَصُورَته.
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي
النَّفْخ إِجْرَاء الرِّيح فِي الشَّيْء.
وَالرُّوح جِسْم لَطِيف، أَجْرَى اللَّه الْعَادَة بِأَنْ يَخْلُق الْحَيَاة فِي الْبَدَن مَعَ ذَلِكَ الْجِسْم.
وَحَقِيقَته إِضَافَة خَلْق إِلَى خَالِق ; فَالرُّوح خَلْق مِنْ خَلْقه أَضَافَهُ إِلَى نَفْسه تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا ; كَقَوْلِهِ :( أَرْضِي وَسَمَائِي وَبَيْتِي وَنَاقَة اللَّه وَشَهْر اللَّه ).
وَمِثْله " وَرُوحٌ مِنْهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " مُبَيَّنًا.
وَذَكَرْنَا فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) الْأَحَادِيث الْوَارِدَة الَّتِي تَدُلّ عَلَى أَنَّ الرُّوح جِسْم لَطِيف، وَأَنَّ النَّفْس وَالرُّوح اِسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِد.
وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَمَنْ قَالَ إِنَّ الرُّوح هُوَ الْحَيَاة قَالَ أَرَادَ : فَإِذَا رُكِّبَتْ فِيهِ الْحَيَاة.
النَّفْخ إِجْرَاء الرِّيح فِي الشَّيْء.
وَالرُّوح جِسْم لَطِيف، أَجْرَى اللَّه الْعَادَة بِأَنْ يَخْلُق الْحَيَاة فِي الْبَدَن مَعَ ذَلِكَ الْجِسْم.
وَحَقِيقَته إِضَافَة خَلْق إِلَى خَالِق ; فَالرُّوح خَلْق مِنْ خَلْقه أَضَافَهُ إِلَى نَفْسه تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا ; كَقَوْلِهِ :( أَرْضِي وَسَمَائِي وَبَيْتِي وَنَاقَة اللَّه وَشَهْر اللَّه ).
وَمِثْله " وَرُوحٌ مِنْهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " مُبَيَّنًا.
وَذَكَرْنَا فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) الْأَحَادِيث الْوَارِدَة الَّتِي تَدُلّ عَلَى أَنَّ الرُّوح جِسْم لَطِيف، وَأَنَّ النَّفْس وَالرُّوح اِسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِد.
وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَمَنْ قَالَ إِنَّ الرُّوح هُوَ الْحَيَاة قَالَ أَرَادَ : فَإِذَا رُكِّبَتْ فِيهِ الْحَيَاة.
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ
أَيْ خِرُّوا لَهُ سَاجِدِينَ.
وَهُوَ سُجُود تَحِيَّة وَتَكْرِيم لَا سُجُود عِبَادَة.
وَلِلَّهِ أَنْ يُفَضِّل مَنْ يُرِيد ; فَفَضَّلَ الْأَنْبِيَاء عَلَى الْمَلَائِكَة.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ الْقَفَّال : كَانُوا أَفْضَل مِنْ آدَم، وَامْتَحَنَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ تَعْرِيضًا لَهُمْ لِلثَّوَابِ الْجَزِيل.
وَهُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة.
وَقِيلَ : أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِلَّهِ عِنْد آدَم، وَكَانَ آدَم قِبْلَة لَهُمْ.
أَيْ خِرُّوا لَهُ سَاجِدِينَ.
وَهُوَ سُجُود تَحِيَّة وَتَكْرِيم لَا سُجُود عِبَادَة.
وَلِلَّهِ أَنْ يُفَضِّل مَنْ يُرِيد ; فَفَضَّلَ الْأَنْبِيَاء عَلَى الْمَلَائِكَة.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ الْقَفَّال : كَانُوا أَفْضَل مِنْ آدَم، وَامْتَحَنَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ تَعْرِيضًا لَهُمْ لِلثَّوَابِ الْجَزِيل.
وَهُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة.
وَقِيلَ : أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِلَّهِ عِنْد آدَم، وَكَانَ آدَم قِبْلَة لَهُمْ.
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
قَوْله تَعَالَى " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ.
إِلَّا إِبْلِيس " فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : لَا شَكَّ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ مَأْمُورًا بِالسُّجُودِ ; لِقَوْلِهِ :" مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد إِذْ أَمَرْتُك " [ الْأَعْرَاف : ١٢ ] وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِكْبَار وَالِاسْتِعْظَام ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " بَيَانه.
ثُمَّ قِيلَ : كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة ; فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ الْجِنْس.
وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَة ; فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْجَانّ أَبُو الْجِنّ وَلَيْسُوا شَيَاطِين.
وَالشَّيَاطِين وَلَد إِبْلِيس ; لَا يَمُوتُونَ إِلَّا مَعَ إِبْلِيس.
وَالْجِنّ يَمُوتُونَ، وَمِنْهُمْ الْمُؤْمِن وَمِنْهُمْ الْكَافِر.
فَآدَم أَبُو الْإِنْس.
وَالْجَانّ أَبُو الْجِنّ.
وَإِبْلِيس أَبُو الشَّيَاطِين ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " خِلَاف هَذَا، فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ.
الثَّانِيَة : الِاسْتِثْنَاء مِنْ الْجِنْس غَيْر الْجِنْس صَحِيح عِنْد الشَّافِعِيّ، حَتَّى لَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَار إِلَّا ثَوْبًا، أَوْ عَشْرَة أَثْوَاب إِلَّا قَفِيز حِنْطَة، وَمَا جَانَسَ ذَلِكَ كَانَ مَقْبُولًا، وَلَا يَسْقُط عَنْهُ مِنْ الْمَبْلَغ قِيمَة الثَّوْب وَالْحِنْطَة.
وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَكِيلَات وَالْمَوْزُونَات وَالْمُقَدَّرَات.
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : اِسْتِثْنَاء الْمَكِيل مِنْ الْمَوْزُون وَالْمَوْزُون مِنْ الْمَكِيل جَائِز، حَتَّى لَوْ اِسْتَثْنَى الدَّرَاهِم مِنْ الْحِنْطَة وَالْحِنْطَة مِنْ الدَّرَاهِم قُبِلَ.
فَأَمَّا إِذَا اِسْتَثْنَى الْمُقَوَّمَات مِنْ الْمَكِيلَات أَوْ الْمَوْزُونَات، وَالْمَكِيلَات مِنْ الْمُقَوَّمَات، مِثْل أَنْ يَقُول : عَلَيَّ عَشَرَة دَنَانِير إِلَّا ثَوْبًا، أَوْ عَشَرَة أَثْوَاب إِلَّا دِينَارًا لَا يَصِحّ الِاسْتِثْنَاء، وَيَلْزَم الْمُقِرّ جَمِيع الْمَبْلَغ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن : الِاسْتِثْنَاء مِنْ غَيْر الْجِنْس لَا يَصِحّ، وَيَلْزَم الْمُقِرّ جُمْلَة مَا أَقَرَّ بِهِ.
وَالدَّلِيل لِقَوْلِ الشَّافِعِيّ أَنَّ لَفْظ الِاسْتِثْنَاء يُسْتَعْمَل فِي الْجِنْس وَغَيْر الْجِنْس ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا.
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا " [ الْوَاقِعَة :
٢٥ - ٢٦ ] فَاسْتَثْنَى السَّلَام مِنْ جُمْلَة اللَّغْو.
وَمِثْله " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ.
إِلَّا إِبْلِيس " وَإِبْلِيس مِنْ جُمْلَة الْمَلَائِكَة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِلَّا إِبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْر رَبّه " [ الْكَهْف : ٥٠ ] وَقَالَ الشَّاعِر :
فَاسْتَثْنَى الْيَعَافِير وَهِيَ ذُكُور الظِّبَاء، وَالْعِيس وَهِيَ الْجِمَال الْبِيض مِنْ الْأَنِيس ; وَمِثْله قَوْل النَّابِغَة :
قَوْله تَعَالَى " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ.
إِلَّا إِبْلِيس " فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : لَا شَكَّ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ مَأْمُورًا بِالسُّجُودِ ; لِقَوْلِهِ :" مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد إِذْ أَمَرْتُك " [ الْأَعْرَاف : ١٢ ] وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِكْبَار وَالِاسْتِعْظَام ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " بَيَانه.
ثُمَّ قِيلَ : كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة ; فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ الْجِنْس.
وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَة ; فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْجَانّ أَبُو الْجِنّ وَلَيْسُوا شَيَاطِين.
وَالشَّيَاطِين وَلَد إِبْلِيس ; لَا يَمُوتُونَ إِلَّا مَعَ إِبْلِيس.
وَالْجِنّ يَمُوتُونَ، وَمِنْهُمْ الْمُؤْمِن وَمِنْهُمْ الْكَافِر.
فَآدَم أَبُو الْإِنْس.
وَالْجَانّ أَبُو الْجِنّ.
وَإِبْلِيس أَبُو الشَّيَاطِين ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " خِلَاف هَذَا، فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ.
الثَّانِيَة : الِاسْتِثْنَاء مِنْ الْجِنْس غَيْر الْجِنْس صَحِيح عِنْد الشَّافِعِيّ، حَتَّى لَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَار إِلَّا ثَوْبًا، أَوْ عَشْرَة أَثْوَاب إِلَّا قَفِيز حِنْطَة، وَمَا جَانَسَ ذَلِكَ كَانَ مَقْبُولًا، وَلَا يَسْقُط عَنْهُ مِنْ الْمَبْلَغ قِيمَة الثَّوْب وَالْحِنْطَة.
وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَكِيلَات وَالْمَوْزُونَات وَالْمُقَدَّرَات.
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : اِسْتِثْنَاء الْمَكِيل مِنْ الْمَوْزُون وَالْمَوْزُون مِنْ الْمَكِيل جَائِز، حَتَّى لَوْ اِسْتَثْنَى الدَّرَاهِم مِنْ الْحِنْطَة وَالْحِنْطَة مِنْ الدَّرَاهِم قُبِلَ.
فَأَمَّا إِذَا اِسْتَثْنَى الْمُقَوَّمَات مِنْ الْمَكِيلَات أَوْ الْمَوْزُونَات، وَالْمَكِيلَات مِنْ الْمُقَوَّمَات، مِثْل أَنْ يَقُول : عَلَيَّ عَشَرَة دَنَانِير إِلَّا ثَوْبًا، أَوْ عَشَرَة أَثْوَاب إِلَّا دِينَارًا لَا يَصِحّ الِاسْتِثْنَاء، وَيَلْزَم الْمُقِرّ جَمِيع الْمَبْلَغ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن : الِاسْتِثْنَاء مِنْ غَيْر الْجِنْس لَا يَصِحّ، وَيَلْزَم الْمُقِرّ جُمْلَة مَا أَقَرَّ بِهِ.
وَالدَّلِيل لِقَوْلِ الشَّافِعِيّ أَنَّ لَفْظ الِاسْتِثْنَاء يُسْتَعْمَل فِي الْجِنْس وَغَيْر الْجِنْس ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا.
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا " [ الْوَاقِعَة :
٢٥ - ٢٦ ] فَاسْتَثْنَى السَّلَام مِنْ جُمْلَة اللَّغْو.
وَمِثْله " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ.
إِلَّا إِبْلِيس " وَإِبْلِيس مِنْ جُمْلَة الْمَلَائِكَة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِلَّا إِبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْر رَبّه " [ الْكَهْف : ٥٠ ] وَقَالَ الشَّاعِر :
وَبَلْدَة لَيْسَ بِهَا أَنِيس | إِلَّا الْيَعَافِير وَإِلَّا الْعِيس |