تفسير سورة الشعراء

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم١
سورة الشعراء
مكية٢
١ ز: سورة الشعراء مكية بسم الله الرحمن الرحيم. قوله "..."..
٢ السورة كلها مكية في قول الجمهور، إلا أربع آيات من "والشعراء يتبعهم الغاوون" إلى آخر السورة. قاله ابن عباس، عطاء وقتادة، انظر: البحر٧/٥..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الشعراء
مكية
قوله تعالى ذكره: ﴿طسم﴾ [١] إلى قوله (يَسْتَهْزِئُونَ) [٥].
قال ابن عباس: طَسِم: قسم، أقسم الله جلّ ذكره به، وهو من أسماء الله.
وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن، فالتقدير على قول ابن عباس: والسميع إن هذه الآيات التي أنزلتها على محمد في هذه السورة، آيات الكتاب التي أنزلتها من قبلها الذي يبين لمن تدبره بفهم وفكر فيه. يعقل أنه من عند الله لم ينخرصه محمد، ولا تقوله من عند نفسه والمعنى في ﴿تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين﴾، أي:
هذه الآية التي كنتم وعدتم بها على لسان موسى، لأنهم قد وعدوا في التوراة والإنجيل بإنزال القرآن.
قال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ﴾ أي: لعلك قاتل نفسك يا محمد لأجل تأخرهم عن الإيمان بك.
قال تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً﴾، أي: إن نشأ يا محمد ننزل عليهم لأجل تكذيبهم لك من السماء آية.
﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾، أي: فظل القوم ختضعة أعناقهم لها. قال قتادة: معناه لو شاء الله لأنزل آية يذلون بها، فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله.
قال ابن جريج: معناه لو شاء لأراهم أمراً من أمره، لا يعمل أحد بعده بمعصية.
5276
وقيل: المعنى: لو نشاء لأنزلنا عليهم عليهم آية تلجئهم إلى الإيمان من غير أن يستحقوا على ذلك ثوابه ولا مدحاً، لأنهم اضطروا إلى ذلك، ولم يفعله الله بهم ليؤمنوا طوعاً. فيستحقوا على ذلك الثواب، إذ لو آمنوا كرهاً بآية لم يستحقوا على ذلك الثواب.
وقال مجاهد: أ'ناقهم: كبراؤهم.
وقال أبو زيد والأخفش: أعناقهم: جماعاتهم، يقال: جاءني عنق من الناس، أي: جماعة، ويقال: جاء في عنق من الناس أي: كبراؤهم. وهذا قول مجاهد.
وقال عيسى بن عمر: خاضعين، وخاضعة هنا واحد وهو اختيار المبرد. فمن قال: خاضعين رده على المضاف إليه. ومن قال: خاضعة رده على الأعناق لأنهم إذا ذلوا ذلت رقابهم، وإذا ذلت رقابهم ذلوا. ثم قال تعالى ذكره ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ﴾، أي: ما يأتي هؤلاء المشركين من تذكير يحدثه الله
5277
ثم قال تعالى ذكره١ ﴿ وما ياتيهم من ذكر من الرحمن محدث ﴾[ ٤ ]، أي : ما يأتي هؤلاء المشركين من تذكير٢ يحدثه الله إليك، ويوحيه إليك إلا أعرضوا عنه ولم يسمعوه٣، فهو محدث عند٤ النبي عليه٥ السلام٦، وعند من نزل عليه، وليس بمحدث في الأصل إنما٧ سمي محدثا لحدوثه عند من لم يكن يعلمه، فأنزل الله إياه، وهو غير محدث لأنه كلام الله، صفة من صفاته، لو كان القرآن محدثا لكانت الأخبار التي فيه لم يعلمها الله حتى حدثت تعالى الله عن ذلك. ولو كان محدثا لكان قوله :﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو ﴾٨ الآية، و﴿ قل هو الله أحد ﴾٩ السورة١٠ محدثا فيكون التوحيد لله محدثا، وتكون صفاته التي أخبرنا بها في القرآن محدثة١١ ؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا١٢.
١ "تعالى ذكره" سقطت من ز..
٢ ز: ذكر..
٣ ز: يستمعون..
٤ ز: عن..
٥ ز: صلى الله عليه وسلم..
٦ "الواو" من "وعند": سقطت من ز..
٧ ز: وإنما..
٨ آل عمران: ١٨..
٩ الإخلاص: ١..
١٠ "السورة" سقطت من ز..
١١ ز: محدثا..
١٢ ز: كثيرا..
إليك، ويوحيه إليك إلا أعرضوا عنه ولم يسمعوه، فهو محدث عند النبي عليه السلام، وعند من نزل عليه، وليس بمحدث في الأصل إنما سمي محدثاً لحدوثه عند من لم يكن يعلمه، فأنزل الله إياه، وهو غير محدث لأنه كلام الله، صفة من صفاته، ولو كان القرآن محدثاً لكانت الأخبار التي فيه لم يعملها الله حتى حدثت تعالى الله عن ذلك. ولو كان محدثاً لكان قوله: ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨] الآية، و ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] السورة محدثاً فيكون التوحيد لله محدثاً، وتكون صفاته التي أخبرنا بها في القرآن محدثة؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
أي: كذبوا بالذكر الذي أتاهم فسيأتيهم أخبار ما قد كذبوا به واستهزءوا منه، وهذا تهديد من الله لهم أنه سيحل بهم العقوبة على تماديهم على تكذيبهم وكفرهم وإنما أخبر
عنهم بالكذب، لأنه أخبر عنهم بالإعراض عن القرآن، ومن أعرض عن شيء فقد تركه، ومن ترك قبول شيء فقد كذب به، فلذلك أخبر عنهم بالتكذيب. وهذا من التدريج والإيماء، ودل قوله: ﴿مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، أن من كذب بشيء فقد استهزأ به، واستخف به.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا﴾.
المعنى: أَوَلَمْ ير هؤلاء المكذبون بالبعث إلى الأرض كم أنبتنا فيها بعد أن كانت مينة لا نبات فيها ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾، أي: من كل جنس حسن، فكما أحيينا الأرض بهذا النبات، كذلك نحييهم بعد الموت للبعث/ يوم القيامة، لأن أصلهم من الأرض فهم كالأرض.
قال الشعبي: الناس من بنات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم، ومن صار إلى النار فهو لئيم.
قال الفراء: الزوج اللون. قم قال ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أي: إن في إنباته النبات في الأرض لدلالة لهؤلاء المنكرين للبعث على كون البعث، وأن القدرة التي أنبت الله بها في الأرض ذلك النبات، ليقدر بها على نشر الموتى بعد مماتهم.
ثم قال ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾، أي: قد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون فأخبر عنهم ما سبق في علمه منهم.
قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ أي: لا يمتنع عليه شيء يريده ﴿الرحيم﴾، أي: ذو الرحمة لمن تاب من كفره.
قال ابن جريج: كل شيء في الشعراء من قوله " عزيز رحيم " فمعناه عزيز حين انتقم من أعدائه، رحيم بالمؤمنين حين أنجاهم ممن أهلك.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى أَنِ ائت القوم الظالمين﴾، أي: واذكر يا محمد، إذ نادى ربك " موسى " بأن إئت القوم الظالمين، ثم بيَّنهم فقال: ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ﴾، أي: فقل لهم: ألا يتقون، وجاء باليا، لأنهم غيب عن المخاطبة.
ودل قوله: ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾، على أنهم كانوا لا يتقون، ودل أيضاً على أنه أمر موسى أن يأمرهم بالتقوى، فهذا من باب الإيماء إلى الشيء بغيره، لأنه أمره بأن يأتي القوم الظالمين ولم يبين لأي شيء يأتيهم، فدل قوله ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾، لأي شيء يأتيهم وهو الأمر بالتقوى والتقوى اسم جامع للخير كله من الإيمان والعمل. فكأنه قال: أن إئت القوم الظالمين ومرهم بالتقوى فهذا مفهوم الخطاب.
ثم قال تعالى: حكاية عن قول موسى: ﴿قَالَ رَبِّ إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾، أي: أخاف من قوم فرعون أن يكذبون بقولي: إنك أرسلتني إليهم، ويضيق صدري
5281
من تكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بالعبارة عما ترسلني إليهم به للعلة التي في لساني.
ثم قال: ﴿فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ﴾، يعني أهاه، أي: ليؤازرني ويعينني، فالمعنى اجعله رسولاً لك معي.
ثم قال: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ﴾، أي: ولقوم فرعون علي ذنب أذنبته إليهم، وهو قتله القبطي بالوكزة ﴿فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾، يعني قود بالنفس التي قتلت منهم. ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾، وقف، و ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾، التمام و ﴿أَن يُكَذِّبُونِ﴾، وقف إن رفعت ﴿وَيَضِيقُ﴾ على الاستئناف، فإن رفعت عطفت على ﴿أَخَافُ﴾، أو نصبت عطفت على ﴿يُكَذِّبُونِ﴾، كان التمام ﴿أَن يَقْتُلُونِ﴾.
5282
ثم قال: ﴿قَالَ كَلاَّ فاذهبا بِآيَاتِنَآ﴾، أي: لن يقتلوك انزجر عن الخوف من ذلك فإنهم لا يصلون إليك. فاذهب أنت وأخوك بآياتنا، أي: بإعلامنا، وحججنا ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ﴾، ووجه قوله: ﴿مُّسْتَمِعُونَ﴾ أنه بمعنى سامعون لأن الاستماع إنما يكون بالإصغاء، وذلك لا يجوز على الله جلّ ذكره، وأخبر عن نفسه بلفظ الجماعة وذلك جائز. وقال: ﴿مَعَكُمْ﴾ وهما اثنان لأن الاثنين جمع، كما قال: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] يريد أخوين ويحتمل أن يكون ثم قال: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين﴾، وحد رسولاً وهما اثنان لأنه أراد به المصدر بمعنى الرسالة. يقول: أرسلت رسالة ورسولاً. وتقديره: إنا ذوا رسالة.
وقيل: رسول اسم للجمع كالعدو والصديق، فلذلك أتى موحداً.
أي: بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي: بأن
تطلقهم وتخلي سبيلهم.
قال: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً﴾ أي: قال فرعون لموسى حين قال له: أرسل معنا بني إسرائيل - ألم نربك ميتاً صغيراً، وفي الكلام حذف والتقدير: فلما ذهبا إليه قالا ذلك.
وقوله: / ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾، بمن فرعون على موسى بتربيته عنده إلى أن قتل القبطي.
وروى الخفاف عن أبي عمرو " عُمْرك " بإسكان الميم، وحكى سيبويه فتح العين وإسكان الميم في القسم في " لعمرك " فلا يستعمل في القسم عنده إلا مفتوحاً لخفته، وكثرة استعمالهم له في القَسَم.
قال تعالى: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ﴾، يعني قتله القبطي، يوبخ فرعون موسى بذلك. وقرأ الشعبي ﴿فَعْلَتَكَ﴾ بكسر الفاء يريد به الحال
5284
والهيئة كما تقول: هو حسن المثبه والركبة والجلسة.
وقوله: ﴿وَأَنتَ مِنَ الكافرين﴾.
قال السدي: معناه: وأنت من الكافرين على ديننا هذا التي تعيب؛ أي: أنت ساتر على ديننا.
قال ابن زيد: معناه: كفرت نعمتنا عليك، وتربيتنا لك فجازيتنا أن قتلت نفساً منا وكفرت نعمتنا. وكذلك قال ابن عباس: يريد كفر النعمة.
وقيل المعنى: وقتلت نفساً منا وأنت الآن من الكافرين لنعمتي، وتربيتي إياك. فقال موسى لفرعون: ﴿فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين﴾، أي: قتلت النفس وأنا من الجاهلين، لأن ذلك قبل أن يأتيه الوحي من الله بتحريم قتله. يقال: جهل فلان الطريق وضل الطريق بمعنى، وفي حرف ابن مسعود من الجاهلين.
5285
فقال موسى لفرعون :﴿ فعلتها إذا وأنا من الضالين ﴾[ ١٩ ]، أي : قتلت النفس وأنا من الجاهلين، لأن ذلك١ قبل أن يأتيه٢ الوحي من الله بتحريم قتله. يقال٣ : جهل فلان الطريق وضل الطريق بمعنى، وفي حرف ابن مسعود من الجاهلين٤.
وقال ابن زيد : معناه : وأنا من الخاطئين لقتله لم أتعمده٥، قال أبو عبيدة : من الضالين : من الناسين.
و٦قال الزجاج : وأنت من الكافرين لنعمتي ويجوز٧ من الكافرين لقتلك الذي٨ قتلت فنفى موسى الكفر، واعترف بأنه فعل ذلك جهلا.
وقيل : معنى٩ : الضالين : أي : قتلت القبطي وأنا ضال في العلم بأن وكزتي له تقتله، ولم أتعمد قتله ولا قصدت١٠ لذلك.
١ ز: "ذلك كان من"..
٢ ز: ينزل عليه..
٣ انظر: اللسان ١١/١٢٩، مادة، جهل..
٤ انظر: ابن جرير١٩/٦٧، والدر٩/٢٩١..
٥ انظر: ابن جرير١٩/٦٧، وزاد المسير٦/١١٩..
٦ "الواو" من "وقال" سقطت من ز..
٧ ز: وتخون..
٨ ز: التي قتلته..
٩ ز: المعنى..
١٠ ز: قصدة..
وقال ابن زيد: معناه: وأنا من الخاطئين لقتله لم أتعمده، قال أبو عبيدة: من الضالين: من الناسين.
وقال الزجاج: وأنت من الكافرين لنعمتي ويجوز من الكافرين لقتلك الذي قتلت فنفى موسى الكفر، واعترف بأنه فعل ذلك جهلاً.
وقيل: معنى: الضالين: أي: قتلت القبطي وأنا ضال في العلم بأن وكزتي له تقتله، لم أتعمد قتله ولا قصدت لذلك.
قال تعالى ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾، أي: هربت منك خوفاً أن تقتلوني بقتلي القبطي منكم ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً﴾، قال السدي: نبوة.
وقال الزجاج: الحكم: تعليمه التوراة التي فيها حكم الله.
5286
﴿وَجَعَلَنِي مِنَ المرسلين﴾، أي إلى خلقه.
ثم قال موسى لفرعون ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي وتربيتك إياي، وتركك استعبادي كما استعبدت بني إسرائيل نعمة منك تمنها عليّ، وفي الكلام حذف، والتقدير: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني لم تيتعبدني.
وقال الأخفش قيل المعنى: وتلك نعمة على الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتقريع.
وقال الفراء: في الكلام حذف والتقدير: هي لعمري نعمة إذ مننت علي فلم تستعبدني، واستعبدت بني إسرائيل.
5287
وقال الضحاك: المعنى إنك تمن علي بأن عبدتني وأنا من بني إسرائيل، لأنه روي أنه كان رباه على أن يستعبده.
وقيل المعنى: وأنت من الكافرين لنعمتي، وتربيتي لك فأجابه موسى فقال: نعم هي نعمة أن هبّدت بني إسرائيل ولم تستعبدني. وأن في موضع رفع على البدل من نعمة.
وقيل: هي في موضع نصب على معنى: بأن عبدت، يقال عبدت الرجل وأعبدته: إذا اتخذته عبداً.
وقيل: وتلك نعمة تمنها عليّ أن استعبدت بني إسرائيل فكلفتهم تربيتي. لأن فرعون لم يربه إنما أمر من يربيه من بني إسرائيل أمه وغيرها. فلما منّ عليه فرعون بتربيته له. قال له موسى أثر بيتك إيأي: باستعبادك بني إسرائيل وتكليفك لهم
5288
تربيتي نعمة لك علي لا نعمة لك في ذلك علي؛ لأن بني إسرائيل هم الذين تولوا تربيتي باستعبادك إياهم على ذلك.
قوله تعالى ذكره: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين﴾،
هذا يدل على أن موسى دعاه إلى طاعة رب العالمين. قال فرعون: ﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾، فهذا حذف، واختصار يدل عليه جواب فرعون. وهذا من إعجاز القرآن، وإيتان اللفظ القليل بالمعاني الكثيرة. ومثل هذا لا يوجد في كلام الناس: أي: قال فرعون: وأي: شيء رب العالمين. قال موسى ﴿قَالَ رَبُّ / السماوات والأرض﴾ أي: مالكهن ﴿وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ﴾، فأجابه موسى بصفات الله التي يعجز عنها المخلوقون، ولم يكن عنده رد على موسى غير أن قال لمن حوله: ﴿أَلاَ تَسْتَمِعُونَ﴾، أي: ألا تستمعون جواب موسى، لأن فرعون سأل موسى عن الأجناس أي: من أي: جنس رب العالمين فلما لم يكن الله جلّ ذكره جنساً من الأجناس
المعلومات ترك جوابه، وأجابه بدلالة أفعال الله، ومحدثاته من السماوات والأرض، ولم يخبره أنه جنس إذ لا يجوز، فعجّب فرعون قومه من جواب موسى له فقال لمن حول من القبط: ألا تستمعون إلى قول موسى، فزادهم موسى من البيان ما هو أقرب عليهم من الأول وأقرب إلى أفهامهم، فقال لهم ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين﴾، أي الذي دعوته إليه وإلى عبادته: ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين﴾، أي: خالقكم، وخالق آبائكم الأولين فدل عليه بأفعاله، وترك ظاهر جواب فرعون، لأنه سأل عن الجنس، والأجناس كلها محدثة، فلم يجبه موسى عن ذلك إذ سؤاله ممتنع، وأجابه بأفعاله الدالة على قدرته، وتوحيده، فأتى بدليل يقرب من أفهامهم فلم يحتجّ فرعون عليه فيما قال بأكثر من أن نسبه إلى الجنون، لأنه قد قرر عند قومه أنه لا رب لهم غيره.
فقال: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾، أي: لمغلوب على عقله، لأنه يقول قولاً لا نعرفه ولا نفهمه؛ يُلبس بذلك على قومه. يريد فرعون أن موسى مجنون إذ
5290
أجابني بغير ما سألته عنه. فلم يجبهم موسى إلا بما يجوز أن يوصف به رب العالمين. فقال موسى عند ذلك محتجّاً على فرعون وزائداً له في البيان ﴿رَبُّ المشرق والمغرب﴾، أي: مشرق الشمس، ومغربها وما بينهما من شيء.
﴿إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ما يقال لكم فأخبرهم أن ملك الله جلّ ذكره ليس كملك فرعون الذي لا يملك إلا بلداً واحداً، فلما علم فرعون صحة ما يقول موسى وتبين له ولقومه ذلك توعد موسى استكباراً وتجبراً فقال ﴿لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين﴾، أي: لئن أقررت بمعبود غيري لأسجننك مع من في السجن من أهله، فرفق به موسى، وقال له ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾، أي: بآية ظاهرة تدلك على صدق ما نقول، وما ندعوك إليه إن قبلت، قال له فرعون: فأت بها إن كنت صادقاً، فإني لا أسجنك بعد ذلك ﴿فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾، أي: تحولت ثعباناً ذكراً، وهي الحية. ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾، أي:
5291
أخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء تلمع للناظرين من غير برص.
قيل: كان بياضهما يغلب على ضوء الشمس.
وقيل: نزعها من قميصه.
وقال المنهال: ارتفعت الحية في السماء قدر ميل، ثم سفلت حتى صار رأس فرعون بين نابيها فجعلت تقول: يا موسى: مرني بما شئت، فجعل فرعون يقول: يا موسى أسألك بالذي أرسلك قال: فأخذه بطنه، ثم قال فرعون للملا حوله أي للأشراف من قومه ﴿إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾، قال ذلك بعدما أراه الآيتين، وأزال عنه ما خاف منه من الثعبان أن يبتلعه فلم بمكنه إنكار ما رأى فقال لقومه، ما قال عند ذلك: ﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ﴾، أي: يريد أن يخرج بني إسرائيل من أرضكم إلى الشام بقهره إياكم بالسحر، فالخطاب منه لأشراف قومه من القبط والمراد بنو
5292
إسرائيل لأن القبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل. فالمعنى: يريد أن يخرج خدمكم من أرض مصر إلى الشام، ويبين هذا قوله في طه: ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ﴾ [طه: ٤٧] وقوله: ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ١٧]، ثم قال فرعون لأشراف قومه من القبط: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ يشاورهم في أمر موسى فهذان كلامان اتصلا باللفظ، وهما من آيتين ومثله: اتصال كلام يوسف بكلام امرأة العزيز في قولها ﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾ [يوسف: ٥١] انقضى كلام امرأة العزيز فقال / يوسف ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ [يوسف: ٥٢] ومثله اتصال كلام بلقيس بكلام الله جلّ ذكره في قوله: ﴿وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] تم كرمها فقال الله جل ذكره: ﴿وكذلك يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤] وقد قيل: إنه من كلام سليمان عليه السلام، ولهذا نظائر
5293
كثيرة ﴿قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾، أي: أخرهما ﴿وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ﴾، يجمعون إليك، كل ساحر علم بالسحر.
قال تعالى: ﴿فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾، أي: فجمع الحاشرون السحرة لوقت معلوم، تواعد فرعون وموسى بالاجتماع فيه وذلك يوم الزينة.
﴿وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى﴾ [طه: ٥٩]، ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ﴾، لتنظروا لمن الغلبة ألموسى أم للسحرة؟ وقيل: المعنى: وقال بعض الناس لبعض: هل أنتم مجتمعون لننظر لمن الغلبة لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين موسى.
وروى: أن الاجتماع كان بالاسكندرية قاله ابن زيد.
فبلغ ذنب الحية يومئذ من وراء البحيرة وهربوا وأسلموا فرعون فهمّت
5294
به فقال: خذها يا موسى، وكان مما يلي الناس به منه أنه لا يضع على الأرض شيئاً فأحدث يومئذٍ تحته، وكان إرساله الحية في القبة الخضراء. فكل ذلك قاله ابن زيد.
وقال ابن لهيعة: كان فرعون لحيته خضراء، وكانت تضرب ساقه إذا رهب، وكانت له جمة خضراء مثل ذلك من خلفه، وكان إذا ركب غطى شعره، من خلفه الظهر، ومن بين يديه لحيته.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَآءَ السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً﴾، أي: لما جاء السحرة فرعون لموسى قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً قبلك على سحرنا إن كنا نحن الغالبين موسى. قال لهم فرعون: نعم لكم الأجر قبلي إن غلبتهم وإنكم إذا غلبتهم لمن المقربين مني، فقالوا عند ذلك لموسى ﴿إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين﴾ [الأعراف: ١٥]، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه وقد نصه تعالى في غير هذا الموضع ولم يحذفه للإفهام وحذفه هنا للاختصار
5295
والإيجاز، ودلالة الكلام عليه. فقال لهم موسى ﴿أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾، يعني من حبالهم وعصيهم، فألقوا ذلك. ﴿وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ﴾، أي: أقسموا بعزة فرعون وسلطانه ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون﴾، موسى ﴿فألقى موسى عَصَاهُ﴾، حين ألقت السحرة حبالها وعصيها ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾، أي: تزدري ما يأتون به من القرية والسحر الذي لا حقيقة له.
روي: أن حبالهم وعصيهم كانت حمل ثلاث مائة بعير، فابتلعت العصا جميع ذلك، ثم دنا موسى فقبض عليها بيده فصارت عصا، كما كانت أولاً وليس لتلك الحبال والعصي أثر، فألقي السحرة عند ذلك ساجدين مذعنين
5296
أي تبين لهم كذب ما أتوا به وصدق ما جاء به موسى وإنه لا يقدر على ذلك ساحر، وقالوا في سجودهم ﴿آمَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾، الذي دعا موسى إلى عبادته. ﴿رَبِّ موسى وَهَارُونَ﴾، والتقدير: فألقي الذين كانوا السحرة ساجدين لأنهم لم يسجدوا حتى آمنوا، وزال عنهم ذنب السحر فلا يسموا سحرة إلا على ما كانوا عليه. وذكر ابن وهب عن القاسم بن أبي بزة أنه قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل، وسبعين ألف عصا، حتى جعل موسى ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى﴾
[طه: ٦٦] فأوحى الله إليه ﴿أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ [الأعراف: ١١٧] فألقى عصاه فغذا هي ثعبانٌ مبين فاغرٌ فاه يبلغ حبالهم وعصيهم، فألقى السحرة عند ذلك ساجدين، فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلها، فعند ذلك قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، قال: وكانت امرأة فرعون تسأل: من غلب؟ فيقال غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت برب موسى وهارون. فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن هي رجعت عن قولها فهي
5297
امرأته فلما أتوها / رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في الجنة، فمضت على قوله وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.
قوله: قال فرعون ﴿آمَنتُمْ لَهُ﴾، أي: قال فرعون للسحرة آمنتم له أي: بأنّ ما جاء به حق ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾، في ذلك أي: قبل أن آمركم به.
قال ابن زيد خطاياهم: السحر، والكفر اللذان كانوا عليهما. قال ابن زيد: كانوا يومئذ أول من آمن بموسى، وكان قد آمن بموسى ست مائة ألف وسبعون ألفاً من بني إسرائيل، فأول من آمن من عند ظهور الآية السحرة.
قال ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بعبادي إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ﴾، أي: أوحينا إلى موسى إذ تمادى فرعون في غيه، أن اسر ببني إسرائيل من أرض مصر ﴿اإِنَّكُم مّتَّبَعُونَ﴾ أي: يتبعكم
فرعون وجنوده ليمنعوكم الخروج من أرض مصر.
أي: جامعين يجمعون الناس لطلب موسى ومن معه، والمدائن يجوز أن يكون مفاعل ويكون همزها سماعاً على غير أصل، فتكون مشتقة من دان يدين. ويجوز أن يكون فعائل، ويكون همزها على الأصل وتكون مشتقة من مدن، وهذا أحسن من الأول.
أي: قال فرعون لمن جمع من الناس: إن موسى ومن معه لشرذمة قليلون. والشرذمة الطائفة، وشرذمة كل شيء بقيته القليلة.
قال أبو عبيدة: كانوا ست مائة ألف وسبعين ألفاً فوصفهم بالقلة.
5299
قال عبد الله بن شداد بن الهاد: اجتمع يعقوب، وولده إلى يوسف وهم اثنان وسبعون وخرجوا مع موسى وهم ست مائة ألف غير من نات، وخرج فرعون على فرس أدهم حصان في عسكره ثمان مائة ألف.
قال الزجاج: كانت مقدمة فرعون: سبع مائة ألف، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة.
وقال قيس بن عباد: كانت مقدمة فرعون ست مائة ألف، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة، في يده حربة وهو خلفهم في الدهم، فلما انتهى موسى ببني إسرائيل البحر، قالت بنو إسرائيل: يا موسى أين ما وعدتنا؟ هذا البحر بين
5300
أيدينا، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا، فقال موسى للبحر: إنفلق يا أبا خالد، فقال: لا أنفلق يا موسى، أنا أقدم منك خلقاً، فنودي موسى ﴿أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر﴾ فضربه فانفلق البحر، وكانوا اثني عشر سبطاً، فسار لكل سبط طريق، فلما انتهى أول جنود فرعون إلى البحر، هابت الخيل البحر، ومثل الحصان منها وديق فرس، فوجد ريحها فاشتد، واتبعته الخيل فلما تتام آخر جنوده في البحر، وخرج آخر بني إسرائيل، أمر البحر فانطبق عليهم، فقالت
5301
بنو إسرائيل: ما مات فرعون وما كان ليموت أبداً، فسمع الله تكذيبهم لنبيه، فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمر فرآه بنو إسرائيل.
قال مالك: خرج مع موسى رجلان من التجار إلى البحر، فلما أتيا إليه قالا له: ماذا أمرك ربك به؟ قال: أمرني ربي أن أضرب البحر بعصاي هذه فيجف، فقالا / له " إفعل ما أمرك به ربك فلن يخلفك، قال ثم ابتدرا إلى البحر، فألقياه أنفسهما فيه تصديقاً به.
قال ابن جريج: أوحى الله جلّ ذكره إلى موسى قبل أن يسري بهم أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات في بيت، ثم اذبحوا أولاد الضأن فأضربوا بدمائها على
5302
الأبواب فإني سآمر الملائكة ألا تدخل بيتاً على بابه دم، وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون ثم أخبزوا خبزاً فطيراً، فإنه أسرع لكم، ثم أسر بعبادي حتى تنهي البحر، فيأتيك أمري، ففعل فلما أصبحوا، قال فرعون: هذا عمل موسى وقومه، قتلوا أبكارنا، فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مائة ألف وخمس مائة ملك مصور، مع كل ملك ألف رجل، وخرج فرعون في الكرسي العظيم، وقال: ﴿إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾، وكانوا ست مائة ألف، منهم أبناء عشرين سنة إلى الأربعين.
وقال ابن عباس كان مع فرعون يومئذ ألف جبار كلهم عليه تاج، وكلهم أمير على خيل.
قال ابن جريج: كان ثلاثون ألفاً يعني من الملائكة ساقة، خلف
5303
فرعون يحسبون أنهم معهم، وجبريل عليه السلام أمامهم يرد أوائل الخيل على آخرها، فأتبعهم حتى انتهوا إلى البحر.
أي: بقتلهم أبكارنا.
وقيل: معناه: ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ﴾ بذهابهم بالعواري التي كانوا استعاروها من الحلي.
وقيل: ﴿لَغَآئِظُونَ﴾ بخروجهم من أرضنا بغير رضانا.
وقال عمرو بن ميمون: قالوا لفرعون: إن موسى قد خرج ببني إسرائيل، فقال: لا تكلموهم حتى يصيح الديك، فلم يصح تلك الليلة ديك فلما أصبح: أحضر شاة فذبحت، وقال: لا يتم سلخها حتى يحضر خمسمائة ألف فارس من القبط فحضروا.
قوله: (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) من قرأ بألف وبغير ألف فمعناه عند أبي عبيدة واحد، وهو مذهب سيبويه لأنه أجاز أن تعدى بحذراً كما يعدى حاذراً.
وقال الجرمي: لا يجوز حذر زيداً إلا على حذف (من).
وقال الكسائي والفراء والمبرد: رَجُل حَذِرٌ. إذا كان الحَذَرُ في خلقته فهو متيقظ منتبه، فلا يتعدى على هذا المعنى كما لا يتعدى كريم وشريف. ومعنى حاذر عندهم: مستعد فيكون المعنى على قراءة من قرأ بغير ألف: وإنا لجميع قد استشعرنا الحذر حتى صار كالخلقة وقيل معناه: وإنا لجميع حاملون السلاح، وإن بني إسرائيل لا سلاح معهم. ومن قرأ بألف فمعناه: مستعدون بالسلاح، فهو أمر محدث فيهم.
قال ابن مسعود حاذرون مؤدون في الكراع والسلاح أي: معهم أداة ذلك.
وقيل حاذرون: شاكون في السلاح: وقرأ ابن عمار حادرون بالدال غير معجمة بمعنى: ممتلئين غيظاً. تقول العرب جمل حاذر: إذا كان ممتلئاً غيظاً.
وقيل: حاذرون ممتلئون بالسلاح.
قال تعالى ذكره: ﴿﴾، أي: أخرج الله فرعون وقومه من بساتين وعيون، وكنوز ذهب وفضة.
﴿﴾، أي: حسن، يعني المنابر.
وقال عبد الله بن عمرو: نيل مصر: سيد الأنهار، سخر الله له كل
نهر بين المشرق والمغرب وذلَّله له، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر يمده، فتمده الأنهار بمائها، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله، أوحى الله تعالى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.
وقال: كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعاً من أسوان إلى رشيد.
وقال: المقام الكريم: الفيوم.
أي: هكذا أخرجناهم من ذلك، كما وصفت لكم في هذه الآية.
﴿وَأَوْرَثْنَاهَا﴾، أي: أورثنا تلك الجنات، والعيون والكنوز، والمقام
الكريم: بني إسرائيل.
أي: اتبع فرعون وأصحابه موسى ومن معه وقت الشروق.
وقال أبو عبيدة نحو المشرق، يقال أشرقنا: دخلنا في الشروق، كما يقال: أصبحنا دخلنا في الصباح. ويقال: شرقنا، إذا أخذوا نحو المشرق، وغربنا إذا أخذوا نحو المغرب. فعلى هذا لا يصح قول أبي عبيدة إلا لو كان مُشْرِقين.
قال مجاهد: خرج موسى ليلاً فكسف بالقمر، وأظلمت الأرض وقال أصحابه: إن يوسف أخبرنا أنا سنُنَجَّى من فرعون، وأخذ علينا العهد لنخرجن بعظامه معنا: فخرج موسى من ليلته سأل عن قبره، فوجد عجوزاً بيتها على قبره، فأخرجته له بحكمها، وكان حكمها أن قالت: احملني فاجر بي معك، فجعل عظام يوسف في كسائه، وجعله على رقبته، وخيل فرعون في ملء أعنتها خضراء في
أعينهم، وهي لا تبرح، حبست عن موسى، وأصحابه حين تراءوا. الوقف عند نافع " كذلك " وعند أبي حاتم ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء: ٥٨].
قال تعالى ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان﴾، أي: رأى بعضهم بعضاً: قال أصحاب موسى ﴿لَمُدْرَكُونَ﴾، أي: الملحقون.
وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بالتشديد وهو مفتعلون، ومعنى التخفيف لملحقون، ومعنى التشديد: لمجتهد في لحاقنا، كما
5309
يقال: كسبت بمعنى أصبت وظفرت. وأكسبت بمعنى اجتهدت وطلبت.
وروي: أنهم قالوا ذلك تشاءموا بموسى وقالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا.
قال: السدي: لما نظرت بنو إسرائيل إلى فرعون، وقد ردفهم قالوا: إنا لمدركون، قالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا، فكانوا يذبحون أبناءنا، ويستحيون نسائنا، ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا إنا لمدركون، البحر من بين أيدينا، وفرعون من خلفنا.
وعن ابن عباس أنه قال: لما انتهى موسى البحر، هاجت الريح العواصف والقواصف، فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الرهج وإلى البحر أمامهم فقالوا يا موسى: إنا لمدركون. ﴿قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾، أي: ليس الأمر كما ذكرتم لا
5310
يدركونكم، إن معي ربي سيهدين طريقاً أنجو فيه من فرعون وقومه.
قال عبد الله بن شداد بن الهاد: لقد بلغني أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفاً من دهم الخيل سوى ما في جنده من شية الخيل، وخرج موسى حتى إذا قابله البحر ولم يكن عنه منصرف، طلع فرعون في جنده من خلفهم ثم قال تعالى ﴿فَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر﴾ روي: أن الله جلّ ذكره: أمر البحر أن لا ينغلق حتى يضربه موسى بعصاه.
قال السدي تقدم هارون فضرب البحر، فأبى البحر أن ينفتح: وقال: من هذا الحبل الذي يضربني حتى أاه موسى فكناه أبا خالد وضربه فانفلق.
5311
قال ابن جريج انفلق على اثني عشر طريقاً، في كل طريق سبط وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً فكانت الطريق كجدران، فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا، فلما رأى ذلك موسى، دعا الله فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان ينظر بعضهم إلى بعض، على أرض يابسة، كأن الماء لم يصبها قط حتى عبروا.
وقوله تعالى: ﴿فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم﴾، أي: كالجبل العظيم.
قال تعالى: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين﴾، أي: قربنا " ثم " أي: هنالك الآخرين يعني قوم فرعون من البحر، وقدمناهم إليه.
قال ابن عباس: أزلفنا قدمناهم / إلى البحر.
وقال ابن جرير: قربنا، وكذلك قال قتادة.
5312
وقال أبو عبيدة: أزلفنا: جمعنا، ومنه ليلة المزدلفة. أي: ليلة جمع.
وقيل: أزلفنا أهلكنا: وقرأ أبيُّ بن كعب: " أزلقنا " بالقاف. قال السدي، دنا فرعون وأصحابه بعدما قطع موسى ببني إسرائيل البحر من البحر، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال: ألآ ترون: أن البحر فرق مني، قد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أتت خيله أن تقتحم، فنزل جبريل عليه السلام على ما ذيانة فشمت الحُصُ، ريح الماذية، فاقتحمت في إثرها حتى إذا همّ أولهم أن يخرج ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم.
5313
قال تعالى ذكره ﴿وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ﴾، يعني بني إسرائيل ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين﴾، يعني فرعون وقومه ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: إن في فعلنا بهم لعلامة، وحجة، ووعظاً لقومك يا محمد أن ينالهم مثل ذلك على تكذيبهم لك. ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾، أن أكثر قومك يا محمد لم يكونوا مؤمنين، في سابق علم الله. ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾، أي: عزيز في انتقامه ممن كفر به، رحيم بمن أنجاه من الغرق ﴿لآيَةً﴾، قطع كاف، و ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ تمام، و ﴿الرحيم﴾ تمام.
قال تعالى: ﴿واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ﴾، أي: واقصص يا محمد على مشركي قومك خبر إبراهيم، حين قال لأبيه وقومه، أي: شيء تعبدون ﴿نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾، أي: نثبت خدماً مقيمين على عبادتها.
قال ابن جريج: هو الصلاة لأصنامهم. قال إبراهيم: ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾، أي: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:ثم قال تعالى١ :﴿ واتل عليهم نبأ إبراهيم٦٩ إذ قال أبيه وقومه٢ ما تعبدون٣[ ٧٠ ]، أي : واقصص يا محمد على مشركي قومك خبر إبراهيم، حين قال لأبيه وقومه، أي شيء تعبدون
١ "تعالى" سقطت من ز..
٢ "وقومه" سقطت من ز..
٣ ع: "ماذا تعبدون" وهو تحريف..

﴿ قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ﴾[ ٧١ ]، أي : نثبت١ خدما مقيمين عل عبادتها.
قال ابن جريج٢ : هو الصلاة لأصنامهم.
١ ز: نبيت..
٢ انظر: تفسير الطبري١٩/٨٣..
قال إبراهيم :﴿ هل يسمعونكم إذ تدعون ﴾[ ٧٢ ]، أي : هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم١.
قال٢ الأخفش٣ : التقدير هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم ثم حذف، وقرأ٤ قتادة : هل يُسمعونكم بضم الياء، أي : هل يُسمعونكم٥ كلامهم.
وقيل : المعنى : هل يسمعونكم إذا دعوتموهم٦ لصلاح أموركم، وهل يستجيبون لكم، ويعطونكم ما سألتموهم، وهل ينفعونكم إذ٧ عبدتموهم وهل يضرون من لا يعبدهم، كل ذلك توبيخا لهم٨ وتقريعا.
١ ز: تدعون..
٢ من "قال الأخفش... حذف" ساقط من ز..
٣ انظر: معاني الأخفش ٢/٦٤٦..
٤ انظر: شواذ القرآن ص١٠٨، والبحر٧/٢٣..
٥ ز: يسمعون..
٦ ز: إذ تدعون..
٧ ز: إذا..
٨ ز: توبيخ..
قال الأخفش التقدير هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم ثم حذف، وقرأ قتادة: هل يُسمِعونكم بضم الياء، أي: هل يُسمعونكم كلامهم.
وقيل: المعنى: هل يسمعونكم إذا دعوتموهم لصلاح أموركم، وهل يستجيبون لكم، ويعطونكم ما سألتموهم، وهل ينفعونكم إذ عبدتموهم وهل يضرون من لا يعبدهم، كل ذلك توبيخاً لهم وتقريعاً.
وقوله: ﴿أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾، أي: هل تنفعكم هذه الأصنام فترزقكم شيئاً على عبادتكم لها، أو يضرونكم إذا تركتم عبادتها. فقالوا: ﴿بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، أي: نحن نفعل ذلك، كما فعله آباؤنا وإن كانت لا تسمع ولا تنفع، ولا تضر، إنما نتبع في عبادتها فعل آبائنا لا غير. وهذا الجواب: حائد على السؤال لأنه سألهم: هل يسمعون الدعاء، أو ينفعون أو يضرون، فحادوا عن الجواب وقالوا: ﴿وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، وليس هذا
5315
جوابه، ولكن لما لم يكن لهم جواب، حادوا لأنهم لو قالوا: يسمعون، وينفعون، ويضرون لبان كذبهم عند أنفسهم وعند جماعهم، ولو قالوا: لا يسمعون، ولا ينفعون، ولا يضرون، لشهدوا على أنفسهم بالخطأ والضلال في عبادتهم من لا يسمع، ولا ينفع ولا يضر، فلم يكن لهم يد من الحيدة عن الجواب، فجاوبوا بما لم يسألوا عنه وقالوا: ﴿وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، ولم يُسألوا عن ذلك، وهذا من علامات انقطاع حجة المسؤول، ويبين أنهم حادوا عن الجواب، إدخال بل مع الجواب، وبل للإضراب عن الأولى والإيجاب للثاني فهم أضربوا عن سؤاله، وأخذوا في شيء آخر لم يسألهم عنه انقطاعاً منهم عن جوابه، وإقراراً بالعجز.
5316
قوله تعالى ذكره: قال ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾.
أي: ما تعبدون من الأصنام انتم وآباؤكم المتقدمون قبلكم.
﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي﴾، أي: يوم القيامة كما قال ﴿كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ [مريم: ٨٢] وأخبرنا الله تعالى عن الأصنام، كما يخبر عن من يعقل. جاز أن يقول هنا: عدو لي ". وعدو يقع للجمع والمؤنث بلفظ واحد وقد قالوا: عدوة الله بمعنى معادية.
وقيل: هذا من المقلوب، لأن الأصنام لا تعادي أحداً، ولا تعقل، والمعنى فإني عدو لهم أي: عدو لمن عبدهم. وأصل العداوة، من عدوت الشيء، إذا تجاوزته وتخلفته.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿إِلاَّ رَبَّ العالمين﴾، هو استثناء ليس من الأول أي: لكن رب العالمين، ويجوز أن يكون من الأول، على أن يكونوا قد كانوا يعبدون الله والأصنام، وتقدير الآية: أفرأيتم كل معبود لكم، ولآبائكم فإني منه بريء لا أعبد إلا رب العالمين.
قال تعالى: ﴿الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾، أي: يهدين للصواب من القول والعمل. ﴿والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾، أي: وهو الذي يغذيني بالطعام والشراب، ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾، أي: يبرءني ويعافين ﴿والذي يُمِيتُنِي﴾، إذا شاء ﴿ثُمَّ يُحْيِينِ﴾، إذا أراد بعد مماتي.
أي: يوم الجزاء على الأعمال، والطمع ها هنا بمعنى اليقين، كما جاء الظن بمعنى اليقين.
وقيل: الطمع على بابه. لكن أراد أنه يطمع أن يغفر الله للمؤمنين ذنوبهم
5318
يوم القيامة بإيمانهم، وهو على يقين من مغفرة الله له، لكن إجراء الخبر عن نفسه، والمراد غيره من المؤمنين.
قال مجاهد: الخطيئة قوله ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩] وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ [الأنبياء: ٦٣] وقوله في سارة إنها أختي، حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها.
وقرأ الحسن: خطاياي: بالجمع، وقال: ليست: خطيئة واحدة، والخطيئة تقع معنى الخطايا كما يقع الذنب بمعنى الذنوب.
قال تعالى ذكره: ﴿فاعترفوا بِذَنبِهِمْ﴾ [الملك: ١١] أي: بذنوبهم، وكما
5319
قال: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة﴾ [البقرة: ٤٣] أي: الصلوات.
قال ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً﴾، أي: نبوة ﴿وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾، أي: أرسلني إلى خلقك حتى أكون ممن ائتمنته على وحيك، ﴿واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين﴾، أي: ذِكراً جميلاً، وثناء حسناً باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي. قاله ابن زيد.
وقيل: ذلك اللسان الصدق: إيمان جميع الأمم به. فأعطاه ذلك؛ فليس يهودي ولا نصراني ولا غيرهما من أهل الكتاب إلا يؤمن به ويحبه ويثني عليه، ويقول: هو خليل الله، وقد قطع الله تعالى ولاية جميع أهل الكتاب منه لما تولوه وادعوه، فقال: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً﴾ [آل عمران: ٦٧] ثم ألحق ولايته بهذه الأمة فقال: ﴿إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي والذين آمَنُواْ﴾ [آل عمران: ٦٨] وهذا كله أجره الذي عجل له وهي الحسنة. إذ يقول ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدنيا حَسَنَةً﴾ وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه، هذا كله قول عكرمة. أو معنى قوله.
وقيل: معنى سؤاله، هو أن يجعل الله من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق، ويدعو إليه، وهذا الدعاء هو لمحمد ﷺ، لأنه الذي قام بذلك في آخر الزمان وهو من ولد إبراهيم، فأجاب الله دعاءه، وبعث محمداً من ولده، فأقام الحق وبين الدين، فهو اللسان الصادق الذي أتى في الآخرين.
أي: أورثني من منازل من هلك من أعدائك من الجنة.
﴿واغفر لأبي﴾ من شركه بك فلا تعاقبه عليه.
﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين﴾، أي: ممن ضل عن السبيل الهدى، وكفر بك.
أي: لا تذلني بعقابك إيأي: يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة.
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب / وعدتني
ألا تخزني يوم يبعثون. فيقول الله جلّ ذكره: إني حرمت الجنة على الكافرين ".
وروى أبو هريرة أيضاً أن النبي ﷺ قال: " إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة ".
أي: لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدنيا، ما كان له من مال وبنين.
أي: لا ينفع إلا القلب السليم من الشك في توحيد الله، والبعث بعد الممات. قاله مجاهد.
وقال قتادة: هو السليم من الشرك.
قال ابن زيد: سلم من الشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد.
وقال الضحاك: السليم، الخالص.
وقال سفيان: بلغني في قول الله تعالى ﴿إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، إنه الذي
يلقى ربه وليس في قلبه أحداً غيره.
أي: أدنيت وقربت، أي: قرب دخولهم إياها.
قال تعالى ﴿وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ﴾، أي: أظهرت النار للذين غووا.
يروى: أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، تتلظى على أعداء الله. ﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ الله﴾، أي: قيل للغاوين: أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، هل ينصرونكم من عذاب الله، أو ينتصرون لأنفسهم فينحونها مما يراد بها.
أي: رمي بهم في الجحيم، بعضهم على بعض مكبين على وجوههم. وأصل كبكبوا: كببوا: فأبدل من الباء الثاني كاف، استثقالاً لثلاث باءات.
وعن ابن عباس: كبكبوا: جمعوا فيها.
قال ابن زيد: كبكبوا: طرحوا، والمعنى: فكبب هؤلاء الأنداد التي كانت تعبد من دون الله في الجحيم والغاوين.
قال قتادة: الغاوون هنا: الشياطين، فيكون معنى الآية: فكبب فيها الكفار والشياطين.
وقال السدي: فكبكبوا: يعني مشركي قريش، والغاوون الآلهة وجنود إبليس. وحقيقة معنى كبكبوا: تكرير الانكباب، كأنه إذا ألقي ينكب مرة، بعد مرة حتى يستقر فيها نعوذ بالله منها.
أي: وكذلك جاث فيها مع
الأنداد جنود إبليس، وجنوده كل من كان من تباعه، ومن ذريته كان أم من غير ذريته.
وقيل: جنود إبليس هنا: كل من دعاه إلى عبادة الأصنام، فساعد إبليس على ما يريد فهم جنوده.
قال تعالى: ﴿قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾، أي: في جهنم: يعني قول الغاوين للأنداد، وجنود إبليس، وتخاصمهم في جهنم، ﴿تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾، أي: إنا كنا لفي ضلال مبين، أي: في حيرة ظاهرة.
وقال الزجاج: المعنى تالله ما كنا إلا في ضلال عن الحق ظاهر.
في العبادة والتعظيم.
(وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) [٩٩]، يعني إبليس وابن آدم القاتل أخاه.
قوله تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ﴾،
أي: فما لنا من شافع يشفع لنا عند الله من الأباعد، ولا صديق من الأقارب.
قال ابن جريج من شافعين: من الملائكة، ولا صديق حميم من الناس. وقال مجاهد: حميم شقيق.
وقال قتادة: يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحاً نفع، وأن الحميم إذا كان صالحاً: شفع.
وقال بعض أهل اللغة: الحميم الخاص.
قال تعالى: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ﴾، أي: رجعة إلى الدنيا.
﴿مِنَ المؤمنين﴾، بالله.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: لعلامة وذا إشارة إلى ما تقدم ذكره، والكاف خطاب النبي ﷺ، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾، أي: الشديد الانتقام، ممن عبد غيره من دونه ثم لم يتب من، كفره، / الرحيم
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٣:﴿ إن في ذلك لآية ﴾[ ١٠٣ ]، أي : لعلامة وذا إشارة إلى ما تقدم ذكره، والكاف خطاب١ النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وما كان أكثرهم مومنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم ﴾[ ١٠٤ ]، أي : الشديد٢ الانتقام، ممن عبد غيره من دونه٣ ثم لم يتب من، كفره، / الرحيم لمن تاب منهم٤.
١ ز: الخطاب..
٢ ز: شديد..
٣ ز: من دون الله..
٤ ز: منه..

لمن تاب منهم.
أي: كذبت جماعة قوم نوح المرسلين. وإنما جمع المرسلين ولم يرسل إليهم إلا نوح، لأن من كذب رسولاً بمنزلة من كذب جميع الرسل، ويجوز أن تكون قد كذبت الرسل مع تكذيبها لنوح، ولم تؤمن برسول كان قبله.
وقيل: إنما أخبر عنهم: بتكذيب الرسل، لأنهم كذبوا نوحاً فيما أتاهم به عن الله، وكذبوا كل من دعا إلى توحيد الله من سائر المسلمين قبل نوح، الذين بلغهم خبرهم، ودعاتهم إلى توحيد الله، فقد كان قبل نوح رسل، ودعاة إلى الله جلّ ذكره إدريس وغيره.
قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، سمي نوح أخاهم لأنه كان من قبيلتهم.
﴿أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، أي: تتقون عقاب الله على كفركم.
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾، أي: رسول من الله إليكم، أمين على وحيه إلي، ورسالته إيأي: إليكم. ﴿فاتقوا الله﴾، أي: عقابه على كفركم به ﴿وَأَطِيعُونِ﴾، وأطيعون في نصيحتي لكم، وأمري إياكم.
﴿وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾، أي: لا أسألكم على نصحي لكم، من ثواب ولا جزاء.
﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين﴾، أي: ما جزائي وثوابي على دعائي لكم إلا على رب العالمين، دونكم، ودون جميع الخلق.
﴿فاتقوا الله﴾، أي: عقابه على كفركم، وخافوا حلول سخطه بكم على كفركم.
قال: ﴿قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون﴾، أي: كيف نؤمن لك، ونصدقك، وإنما اتبعك منا سفلة الناس، دون الأشراف وذوي الأموال.
5328
روي: أنه إنما اتبعه، وآمن به سفلة الناس، وأصحاب الصناعات الخسيسة مثل الحاكة: فاتقوا أن تكونوا مثلهم، وتفعلوا فعلهم تجبراً على الله وكفراً به. ﴿قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، أي: إنما لي منهم ظاهرهم دون الباطن.
وقيل: " كان " زائدة. والتقدير: وما علمي بما يعملون الآن، فأما ما كانوا يعملون فقد كان يعلمه.
وقيل: معنى قوله: ﴿وَمَا عِلْمِي﴾، وما علمي بما يعملون أي: لست أسأل عما كانوا يعملون، ولا أطلب علم ذلك. ذلك إلى الله يحاسبهم على أعمالهم، ويجازيهم عليها، فقد أظهروا الإيمان فليس لي إلا ما ظهر، والله المطلع على الباطن، فأما فقرهم فلا يضرهم ذلك عند الله، يعني من يشاء، ويفقر من يشاء. ليس الفقر بضار في الدين، ولا الغني بنافع في الدين، إنما ينفع الإيمان ويضر الكفر.
قال مجاهد وقتادة: الأرذلون: الحاكة.
وقيل: هم الحجامون.
5329
﴿ قال وما علمي بما كانوا يعملون ﴾[ ١١٢ ]، أي : إنما لي منهم١ ظاهرهم دون الباطن.
وقيل : " كان " زائدة. والتقدير : وما علمي بما يعملون الآن، فأما ما كانوا يعملون فقد كان يعلمه.
وقيل٢ : معنى قوله :﴿ وما علمي ﴾٣، وما علمي بما يعملون٤ أي : لست٥ أسأل عما كانوا يعملون، ولا أطلب علم ذلك. ذلك إلى الله يحاسبهم على أعمالهم، ويجازيهم عليها، فقد أظهروا الإيمان فليس لي إلا ما ظهر، والله المطلع على الباطن، فأما فقرهم فلا يضرهم ذلك عند الله٦، يغني من يشاء، ويفقر٧ من يشاء. ليس الفقر بضار٨ في الدين، إنما ينفع الإيمان ويضر الكفر.
قال مجاهد وقتادة : الأرذلون : الحاكة٩.
وقيل : هم الحجامون.
وقرأ يعقوب١٠ : وأتباعك١١.
١ "منهم" سقطت من ز..
٢ انظر: زاد المسير ٦/١٣٤..
٣ بعده في ز: "يعملون"..
٤ "وما علمي بما يعملون" ساقط من ز..
٥ ز: ليست..
٦ ز: عند الله..
٧ ز: ويغفر..
٨ ز: يغاين..
٩ قاله الضحاك، وابن عباس، انظر: زاد المسير ٦/١٣٤، والدر ١٩/٣١١..
١٠ هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري أبو محمد، أحد القراء العشرة: مولده بالبصرة سنة ١١٧هـ. ووفاته بها سنة ٢٠٥هـ كان إمام البصرة ومقرئها، وله في القراءات رواية مشهورة. انظر: النجوم الزاهرة ٢/١٧٩ والأعلام ٩/٢٥٢..
١١ انظر: إملاء ما من به الرحمن..
وقرأ يعقوب: وأتباعك
يعني إنه تعالى: يعلم سر أمورهم وعلانيتها.
قال ابن جريج: معناه هو أعلم بما في أنفسهم.
أي: قال لهم نوح: وما أنا بطارد من آمن بي، واتبعني.
أي: ما أنا إلا منذر لكم عذاب الله، مبين عما جئتكم به.
أي: لئن لم تنته عما تقول، وتدعونا إليه، وتعيب به آلهتنا لتكونن من المشتومين أي: لنشتمنك.
وقيل: من المرجومين بالحجارة حتى نقتلك.
أي: كذبون فيما أتيتهم به من الحق.
﴿فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً﴾ أي: احكم بيني وبينهم حكماً.
وقال قتادة: معنى ذلك: فاقض بيني وبينهم قضاء. وكذلك قال ابن زيد.
﴿وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي﴾ أي: نجني من ذلك العذاب، أي يأتي به حكمك: ﴿وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين﴾، ﴿وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين﴾ يعني: ﴿فِي الفلك المشحون﴾، والفلك جمع واحدة فلك، كأسد وأسد.
وقيل: هو واحد وجمع، بلفظ واحد.
قال ابن عباس: كانوا ثمانين رجلاً، فلم يتناسل منهم أحد إلا لولد نوح، عليه السلام.
وهو قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين﴾ [الصافات: ٧٧] فجميع العالم بعد نوح ليس بنسب إلا لنوح.
قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: لعلامة وحجة على قدرة الله، وتوحيده، وذلك إشارة إلى ما تقدم من ذكر ما فعل بنوح، ومن آمن معه، وما فعل بالكفار من
الغرق. وبالكاف خطاب للنبي ﷺ.
﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾، يعني قوم نوح.
أي: في انتقامه ممن عطاه.
﴿الرحيم﴾، بالتائب منهم أن يعذبه بعد توبته.
قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين﴾. قد تقدم ذكر علة الجمع في ﴿المرسلين﴾. و " عاد " قبيلة وانصرف لخفته.
وقيل: هو اسم الأب لهم ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، أي: تتقون عقاب الله، ونقمته لكم على كفركم.
أي: رسول من عند الله. أمين على ما أرسلني به، فلا أبلغكم إلا ما أرسلت به، ولا أخفي عنكم منه شيئاً.
أي: اتقوا عقاب الله، وأطيعوني فيما آمركم به، وأنهاكم عنه.
﴿وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾، أي: لا أسألكم على تبليغي لكم رسالة الله جعلاً ولا ثواباً. ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين﴾، أي: ما ثوابي وجزائي على نصحي لكم وتبليغي إياكم ما جئتكم به إلا على الله.
أي: قال لهم هود موبخاً لهم: أتبنون بكل مشرف من الأرض بنياناً عَلَمَاً.
قال ابن عباس: بكل ريع: بكل شرف. وعنه: بكل طريق. وقال مجاهد: بكل فج، وعنه: الريع: الشية الصغيرة.
وعنه: الفج ما بين الجبلين.
وقال عكرمة: بكل فج وواد
وقال الضحاك: بكل طريق.
وقوله: ﴿آيَةً تَعْبَثُونَ﴾، قال مجاهد هي بروج الحمامات، والرّيع والرَّيْعُ: لغتان.
وقيل الريع: جمع ريعة. ومعنى ﴿تَعْبَثُونَ﴾ تلعبون.
قال تعالى: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ﴾، قال مجاهد: هي قصور مشيدة. وقال قتادة وسفيان: هي مصانع الماء. والمصانع جمع مصنعة، وكل بناء تسمية العرب مصنعة.
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾، قيل: لعل هنا، استفهام بمعنى التوبيخ والمعنى: أتخلدون ببنياكم لها.
وقيل: هي بمعنى: كما تخلدون أي: كيما تخلدون.
وقيل: هي بمعنى: لأن تخلدوا. قال الزجاج.
أي: إذا غضبتم، وسطوتم، سطوتم، قتلاً بالسيف وضرباً بالسياط. وهذا إنما يكره في الظلم، وهو جائز في الحق.
﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾، أي: اتقوا عقاب الله، وأطيعون فيما آمركم به، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، يعني بالبنين والأموال، والبساتين، والعيون، والأنهار.
يوم القيامة.
أي: معتدل عندنا وعظك إيانا، وتركك الوعظ.
﴿إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين﴾، أي: دين الأولين: قاله ابن عباس.
وقال قتادة: معناه خلقة الأولين أي: هكذا كانت خلقتهم يموتون ويحيون، فنحن نعيش كما عاشوا، ونموت كما ماتوا.
وقال الفراء، معناه: عادة الأولين. ومن أسكن اللام فمعناه: تخرص الأولين وكذبهم أن ثم بعثاً، وحساباً، وعقاباً.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾.
فمعنى قوله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: فكذبوا هوداً فيما جاءهم به، فأهلكوا بتكذيبهم.
﴿﴾ أي لعبرة: أي: إن في إهلاكنا عاداً بتكذيبهم رسلنا
﴿ وإن ربك لهو العزيز ﴾١ في انتقامه ﴿ الرحيم ﴾ بمن٢ تاب وآمن.
١ بعده في ز: "الرحيم"..
٢ ز: لمن..
لعظة.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾، أي: أكثر عاد لم يكونوا مؤمنين. ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ في انتقامه ﴿الرحيم﴾ بمن تاب وآمن.
قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين﴾، ثمود: اسم للقبيلة عند من لم يصرفه، ومن صرفه جعله اسماً للأب، وتفسير قوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ﴾، إلى قوله ﴿رَبِّ العالمين﴾، قد تقدم نظيره، وهو مثل ذلك.
قال تعالى: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ﴾، أي: أيترككم ربكم في هذه الدنيا: آمنين لا تخافون شيئاً. ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾، أي: بساتين تجري فيها العيون.
قال: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾، قال ابن عباس: هضيم: أي أينع وبلغ فهو هضيم. قال عكرمة: هو الرطب اللين.
قال الضحاك: إذا كثر حمل الثمرة: فتركب بعضه على بعض فهو حيمئذٍ هضيم.
وقال الزهري: هو الرخص اللطيف، أول ما يطلع وهو الطلع النضيد، لأن بعضه فوق بعض. وأصل الهضيم في اللغة انضمام الشيء، وتكسره، للينه، ورطوبته. ومنه: قولهم: هضيم فلان فلاناً حقه: إذا انتقصه وأبخسه، وهضيم مفعول صرف إلى فعيل.
وقيل: هضيم منه ما قد أرطب ومنه / ما هو مذنب.
وقيل: هضيم أي: هاضم مرئ، فيكون على هذا فهيل، بمعنى: فاعل.
أي: تنقبون في الجبال بيوتاً أشرين بطرين. وقال قتادة: معجبين، وعنه عن الحسن: آمنين.
5338
وقال الضحاك: كيسين.
وقال مجاهد: شرهين
وقال أبو صالح: حاذقين. وكذلك روي أيضاً عن الضحاك. وكذلك، قال معاوية بن قرة، ومنصور بن المعتمر. وقد روي ذلك عن ابن عباس أيضاً.
وقال ابن زيد: فرهين: أقوياء.
وقال أبو عبيدة: مرحين. ومن قرأ: فارهين: بألف، فقيل: الهاء بدل من حاء.
وقيل: هما لغتان. يقال فَرِه: يَفْرَه فهو: فاره، وفَرِه، يَفْرُهُ فهو فَرِهٌ وفاره: إذا
5339
كان نشيطاً.
قد مضى تفسيره.
أي: المسرفين على أنفسهم، في تماديهم على معصية الله جلّ وعز. يعني الرهط التسعة بينهم.
أي: يسعون في أرض الله بمعاصيه، ولا يصلحون أنفسهم بالعمل الصالح.
قال مجاهد وقتادة: من المسحرين: من المسحورين.
وقال ابن عباس: من المخلوقين. أي: ممن له سحر، والسِّحْر والسَّحْر: الرئة.
وقيل: السحر: الصدر الذي يجري فيه الطعام إلى المعدة.
وقيل: معناه من المعلَّلين بالطعام والشراب.
﴿مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾، أي: أنت من بني آدم: تأكل كما نأكل. تقول ذلك
5340
ثمود لصالح.
﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾، أي: فأتنا بدلالة وحجة تدل على أنك محق فيما تقول، فأتاهم بالناقة تدل على صدقه، وقال لهم: ﴿لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾.
روي أنه أخرجها لهم من صخرة. وقال لهم: لها يوم تشرب فيه فلا تعترضوا في شربها، ولكم أنتم شرب يوم آخر، لا تشارككم هي فيه.
وروي: أنهم سألوا صالحاً عليه السلام: فقالوا له: إن كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا ناقة من هذا الجبل. حمراء عُشَراء فتضع بكراً، ونحن ننظر، ثم ترد الماء فتشربه، وتغدو علينا بمثله لبناً، فجاءهم الله عزّ وجلّ بها، وجعل لها شرباً في يوم، ولهم شرب في يوم. فكانت يوم ترد الماء لا يردونه هم، ولكنهم تسقيهم مثل ما شربت لبناً، ويوم لا ترد هي يردونه هم فيشربون ويدخرون، فحذرهم صالح عقرها فعقروها فأهلكوا.
وروي: أنهم لما سألوه آية قال لهم: أي: آية تريدون؟ فقالوا: أخرج
5341
فأتاهم بالناقة تدل على صدقه، وقال لهم :﴿ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ﴾[ ١٥٥ ].
روي١أنه أخرجها لهم من صخرة. وقال لهم : لها يوم تشرب فيه فلا تعترضوا في شربها، ولكم أنتم شرب يوم آخر، لا تشارككم هي فيه.
وروي :٢ أنهم سألوا صالحا عليه السلام فقالوا له : إن كنت صادقا فادع الله٣ يخرج لنا ناقة من هذا الجبل. حمراء عُشراء فتضع بكرا، ونحن ننظر، ثم ترد الماء فتشربه، وتغدو علينا بمثله لبنا، فجاءهم الله عز٤ وجل بها، وجعل٥ لها شربا في يوم، ولهم شرب في يوم. فكانت يوم ترد الماء لا يردونه هم، ولكنهم تسقيهم مثل ما شربت لبنا، ويوم لا ترد هي يردونه هم فيشربون ويدخرون، فحذرهم صالح عقرها٦ فعقروها فأهلكوا.
وروي٧ : أنهم لما سألوه٨ آية قال لهم : أي : آية تريدون٩ ؟ فقالوا : أخرج لنا١٠ من هذا الجبل الذي تنزل بسفحه١١ : ناقة١٢ عشراء حتى نؤمن أنك رسول الله، فأمرهم أن يجتمعوا : ليخرج١٣ الله لهم الناقة من الجبل، على ما سألوه، فاجتمعوا ودعا صالح بإذن الله له١٤ فتحرك الجبل وانصدع، فخرجت منه ناقة، عظيمة الخلق وهي عشراء حاملة١٥ من غير فحل، فولدت فصيلا بعد ذلك، فجعل الله لهم فيها آيات١٦ من ذلك خروجها من جبل، وعظم خلقها، وحملها من غير فحل، فلم يؤمنوا مع ما رأوا من الآيات، وأقاموا على كفرهم، ثم نهاهم عن عقرها، فخالفوه فعقروها، فأهلكهم الله أجمعين. والشِّرب : الحظ والنصيب من الماء. والشِّرب، والشَّرب، والشُّرب مصادر١٧ كلها بلغات، والمضموم أشبهها بالمصادر، لأن المفتوح والمكسور يشتركان١٨ في شيء آخر. فيكون الشرب : الحظ من الماء، ويكون الشرب جمع شارب، كتاجر وتجر، واختار : أبو عمرو والكسائي الفتح في مصدر شرب١٩.
١ انظر: ابن جرير١٩/١٠٤..
٢ ز: روي..
٣ بعده في ز: لنا..
٤ "عز وجل" سقطت من ز..
٥ "وجعل لها" سقطت من ز: وفي الأصل "لهم" والسياق يقتضي ما أثبت..
٦ ز: عظمها..
٧ ز: روي..
٨ ز: سئلوا..
٩ ز: رأيت لو تبذون..
١٠ ز: "أخرجنا لنا هي""..
١١ ز: بسفحه..
١٢ ز: نادمة..
١٣ ز: لتخرج لهم..
١٤ "له" سقطت من ز..
١٥ ز: حامل..
١٦ ز: آية..
١٧ ز: "ما صادر" وهو تحريف..
١٨ ز: "تشاكان" وهو تحريف كذلك..
١٩ انظر: اللسان ١/٨٧ مادة: شرب..
لنا من هذا الجبل الذي تنزل بسفحه: ناقة عشراء حتى نؤمن أنك رسول الله، فأمرهم أن يجتمعوا: ليخرج الله لهم الناقة من الجبل، على ما سألوه، فاجتمعوا ودعا صالح بإذن الله له فتحرك الجبل وانصدع، فخرجت منه ناقة، عظيمة الخلق وهي عشراء حاملة من غير فحل، فولدت فصيلاً بعد ذلك، فجعل الله لهم فيها آيات من ذلك خروجها من جبل، وعظم خلقها، وحملها من غير فحل، فلم يؤمنوا مع ما رأوا من الآيات، وأقاموا على كفرهم، ثم نهاهم عن عقرها، فخالفوه فعقروها، فأهلكهم الله أجمعين. والشِّرب: الحظ والنصيب من الماء. والشِّرْب، والشَّرْب، والشُّرْب مصادر كلها بلغات، والمضموم أشبهها بالمصادر، لأن المفتوح والمكسور يشتركان في شيء آخر. فيكون الشرب: الحظ من الماء، ويكون الشرب جمع شارب، كتاجر وتجر، واختار: أبو عمرو والكسائي الفتح في مصدر شرب.
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء﴾، أي: بعقر، وضرب وشبهه.
﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، أي: يحل عليكم عذاب يوم القيامة.
أي: فخالفوا أمر صالح، فعقروا الناقة، فأصبحوا نادمين على عقرهم لها، لما أيقنوا بالعذاب، فأخذهم العذاب الذي كان صالح يوعدهم به فهلكوا.
وقيل: إنهم لما ندموا على عقرها. ولم يتوبوا من كفرهم، طلبوا صالحاً ليقتلوه، فتنحى من بين أيديهم، هو ومن آمن معه، فأخذهم العذاب.
قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، إلى قوله ﴿الرحيم﴾، وقد تقدم تفسيره.
قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين﴾، / إلى قوله ﴿رَبِّ العالمين﴾، قد تقدم تفسيره.
قال: ﴿أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين﴾، أي: أتنكحون الذكور الذين حرم الله عليكم نكاحهم، وتَدَعُون النساء اللواتي أحل الله لكم نكاحهن. وعن زيد بن أسلم، أن المعنى: أتأتون أدبار الرجال وتدعون النساء.
ثم قال :﴿ بل أنتم قوم عادون ﴾ أي : تتجاوزون١، ما أباحه الله لكم إلى ما حرم عليكم.
وأكثر أهل التفسير : على أن الإشارة في النساء هنا إنما هي الفروج.
وقيل٢ : عادون : معتدون٣.
١ ز: تجاوزون..
٢ انظر: زاد المسير ٦/١٤٠، والدر ١٩/٣١٧..
٣ ز: متعدون وهو نفس ما أثبته في الدر. انظر: ١٩/٣١٧، ورواية عن ابن جرير..
ثم قال: ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ أي: تتجاوزون، ما أباحه الله لكم إلى ما حرم عليكم.
وأكثر أهل التفسير: على أن الإشارة في النساء هنا إنما هي الفروج.
وقيل: عادون: معتدون.
قال: ﴿قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين﴾، أي: لئن لم تنته عما تقول لنا وتنهانا عنه، لنخرجنك من بين أظهرنا، ومن بلدنا. قال لهم لوط: ﴿إِنِّي لِعَمَلِكُمْ﴾، يعني من إتيان الذكور ﴿مِّنَ القالين﴾، أي: من المبغضين المنكرين. ثم قال مستغيثاً لمَّا تواعدوه بالإخراج: ﴿رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾، أي: من عقوبتك إياهم على ما يعملون. فاستجاب الله له دعاءه. فنجاه. ﴿وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾.
أي: في الباقين: أي: فيمن بقي من العذاب، يعني
امرأته، لأنها كانت تدل قومها على أضياف لوط عليه السلام.
وقيل: إنما قيل: ﴿فِي الغابرين﴾، بمعنى أنها بقيت حتى كبرت وهرمت.
وقيل: إنما كانت ممن بقي بعد قومها، ولم تهلك معهم في قريتهم، وإنما أصابها الحجر بعدما خرجت من قريتهم مع لوط فكانت من الباقين بعد قومها، ثم أهلكها الله بما أهلك به بقايا قوم لوط من الحجارة.
وقال قتادة: قيل من الغابرين: لأنها غبرت في عذاب الله أي: بقيت فيه.
وأبو عبيد: يذهب إلى أن المعنى: من الباقين في الهرم. أي: بقيت حتى هرمت.
أي: ثم أهلكنا الآخرين: يعني من بقي من قوم لوط.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً﴾، يعني من كان غائباً من قوم لوط أرسل عليه حجارة، فأما من كان في المدينة فإنه قلبت عليه عاليها سافلها، وأرسلت الحجارة على من لم يكن في المدينة، فتلقطتهم في الآفاق فأهلكتهم.
قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، إلى قوله ﴿الرحيم﴾ قد مضى تفسيره.
قوله: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ المرسلين﴾.
قال أبو عبيد: ليكة اسم قرية. والأيكة اسم البلد كله. وترك الصرف على قراءة نافع ومن تبعه يدل على ما قاله قتادة: أرسل شعيب إلى قوم أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة.
5346
والأيكة غيضة من شجر ملتف. وكان عامة شجرهم الدوم وهو شجر المقل وكان شعيب من ولد أبي أهل مدين ولذلك قال: ﴿وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾، ولم يكن من ولد أبي أصحاب الأيكة. ولذلك قال ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾، ولم يقل أخوهم شعيب، كما قال في من تقدم ذكره من الأنبياء: أخوهم نوح، أخوهم هود، أخوهم صالح. لأن هؤلاء كانوا من ولد أبي القوم، وشعيب هو ابن ثوبة من ولد مدين بن إبراهيم، وأصحاب ليكة من صنام من العرب،
5347
ولذلك قال :﴿ إذ قال لهم شعيب ﴾[ ١٧٧ ]، ولم يقل أخوهم شعيب، كما قال في١ من تقدم٢ ذكره من الأنبياء : أخوهم نوح، أخوهم هود، أخوهم صالح٣. لأن هؤلاء كانوا من ولد أبي٤ القوم٥، وشعيب هو ابن ثوبة٦ من ولد مدين بن إبراهيم. وأصحاب٧ ليكة من صنام من العرب، وأصحاب مدين من ولد مدين بن إبراهيم.
قال٨ الضحاك : خرج أصحاب ليكة. يعني حين أصابهم الحر، فانضموا إلى الغيضة والشجر، فأرسل الله عليهم سحابة، فاستظلوا بها، فلما تتاموا تحتها أحرقوا.
وقوله تعالى٩ :﴿ إذ قال لهم شعيب ألا تتقون ﴾[ ١٧٧ ]، أي : تتقون عقاب الله على معصيتكم إياه.
١ ز: فيمن..
٢ ز: قدم..
٣ بعده في ز: "أخوهم لوط"..
٤ ز: ابن..
٥ ز: بن ثوبة..
٦ "وشعيب هو ابن ثوبة" سقط من ز..
٧ من "وأصحاب.... إبراهيم" سقط من ز..
٨ ز: وقال..
٩ "تعالى" سقطت من ز..
وأصحاب مدين من ولد مدين بن إبراهيم.
قال الضحاك: خرج أصحاب ليكة. يعني حين أصابهم الحر، فانضموا إلى الغيضة والشجر، فأرسل الله عليهم سحابة، فاستظلوا بها، فلما تتاموا تحتها أحرقوا.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، أي: تتقون عقاب الله على معصيتكم إياه.
أي: أمين على ما جئتكم به.
قوله: ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾، إلى ﴿رَبِّ العالمين﴾، قد تقدم تفسيره.
أي: أوفوا الناس حقوقهم من الكيل، ولا تكونوا ممن ينقصهم حقوقهم.
أي: بالميزان المقوم الذي لا بخس فيه على من وزنتهم لهم به.
﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ﴾ أي: لا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن.
قال ابن عباس ومجاهد: القسطاس: العدل.
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ﴾، أي: لا تكثروا في الأرض الفساد.
أي: وخلق الخلق الأولين. وفي الجبلة لغات: جبلة، وجُبُله، وجُبْلة ومن هذا قولهم: جبل فلان على كذا: أي: خلق عليه. وقد تقدم تفسير.
﴿إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين﴾، إلى الكاذبين.
قال / تعالى: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء﴾، أي: يقول قوم شعيب له: أسقط علينا جانباً من السماء. ومن قرأ: بفتح السين جعله جمع: كسفة، كسدرة وسدر، وكسرة وكسر. ويجوز أن يكون من أسكن، جعله أيضاً جمع كسفة: كثمرة وتمر، فيكون المعنى: فأسقط علينا قطعاً من السماء، إن كنت صادقاً فيما جئتنا به.
أي: قال شعيب لقومه: ربي أعلم بما تعملون من عملكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة﴾، يعني بالظلة السحابة التي ظلتهم فلما تتاموا تحتها التهبت عليهم ناراً.
قال ابن عباس: بعث الله عليهم رمدة وحراً شديداً فأخذ بأنفاسهم، فدخلوا البيوت، فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هرباً إلى البرية، فبعث الله جلّ وعزّ عليهم سحابة، فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها برداً. فنادى بعضهم بعضاً، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم ناراً. ومثل هذا المعنى قال قتادة. وروي: أن الله جلّ ذكره بعث عليهم سموماً فخرجوا إلى الأيكة وهي شجر الدوم، يستظلون تحتها من الحر. فأضرمها الله عليهم ناراً فاحترقوا أجمعين.
وقيل: إن الله بعث عليهم حراً شديداً أو بعث العذاب في ظلة، فخرج رجل
فوجد برداً تحت الظلة فأنذرهم، فخرجوا بأجمعهم ليجدوا برد الظلة، فأهلكهم الله بها.
قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم﴾، إلى قوله ﴿الرحيم﴾ قد تقدم تفسير ذلك.
قال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين﴾، يعني وإن الذكر، قالها: تعود على الذكر من قوله: ﴿مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ﴾ وقال قتادة: تعود على القرآن. والمعنى واحد، أي: إن القرآن لتنزيل الله على جبريل: نزل به جبريل عليه السلام. ﴿على قَلْبِكَ﴾، أي: تلاه عليك يا محمد. ﴿لِتَكُونَ مِنَ المنذرين﴾، أي: من رسل الله الذين ينذرون الأمم ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾، أي: تنذر به قومك بلسانهم العربي الظاهر لهم، لئلا يقولوا: إنه نزل بغير لساننا، فلا نفهمه، وهذا تقريع
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩٢:ثم قال :﴿ وإنه لتنزيل رب العالمين ﴾[ ١٩٢ ]، يعني١ وإن الذكر، قالها٢ : تعود على الذكر من قوله :﴿ من ذكر من الرحمن محدث ﴾ وقال قتادة٣ : تعود٤ على القرآن. والمعنى واحد، أي : إن٥ القرآن لتنزيل الله٦ على جبريل : نزل٧ به جبريل عليه السلام.
١ "يعني" سقطت من ز..
٢ ز: والهاء..
٣ انظر: ابن جرير١٩/١١١، والقرطبي١٣/١٣٨، وابن كثير٥/٢٠٥، ومجمع البيان١٩..
٤ ز: يعود..
٥ ز: وأن..
٦ اسم الجلالة ساقط من ز..
٧ من "نزل.... وسلم" سقط من ز..

﴿ على قلبك ﴾[ ١٩٤ ]، أي : تلاه عليك يا محمد. ﴿ لتكون١ من المنذرين ﴾[ ١٩٤ ]، أي : من رسل الله الذين ينذرون الأمم
١ ز: "لتكون" وهو تحريف..
﴿ بلسان عربي مبين ﴾[ ١٩٥ ]، أي : تنذر به قومك بلسانهم العربي الظاهر١ لهم، لئلا٢ يقولوا : إنه نزل بغير لساننا، فلا نفهمه، وهذا٣ تقريع من الله، وإظهار الحجة عليهم، إذ أعرضوا عنه بغير عذر٤ يعتذرون٥ به٦.
١ ع ز: الطاهر..
٢ ز: كيلا..
٣ ز: فهذا..
٤ ز: حجة..
٥ ز: يعتردرون..
٦ ز: بها..
من الله، وإظهار الحجة عليهم، إذ أعرضوا عنه بغير عذر يعتذرون به.
أي: وإن هذا القرآن لفي كتب الأولين. فهذا لفظ عام ومعناه الخصوص، معناه: وإن هذا القرآن لفي بعض كتب الأولين، أي ذكره، وخبره في بعض ما أنزل على الأنبياء من الكتب.
وقد قيل: معناه: وإن الانذار بمن أهلك لفي كتب الأولين.
أي: أولم يكن لقريش علامة على صدقك، وحجة على أن القرآن من عند الله، وأن محمداً رسول الله ﷺ، أن علماء بني إسرائيل الذين أسلموا: يجدون ذكر محمد مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. قال ابن عباس: كان ابن
سلام من علماء بني إسرائيل، وكان من خيارهم، فآمن بالقرآن فقال لهم الله: ﴿أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ﴾.
قال ابن عباس: الأنبياء كلهم من بني إسرائيل إلا أحد عشر: إدريس، ونوح، وصالح، وهود، وشعيب، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب ومحمد ﷺ وعليهم أجمعين.
أي: ولو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم التي لا تنطق، فنطقت به ما آمنوا، ولقالوا: لولا فصلت آياته حتى نفهمه، والأعجمون جمع أعجم، وهو الذي لا يصفح، وإن كان غير أعجمي في
أصله والعجمي هو الذي أصله من العجم، وإن كان فصيح اللسان.
قوله تعالى ذكره: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين﴾ إلى قوله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ أي: كما ختم على قلوب هؤلاء أنهم لا يؤمنون بهذا القرآن، ولو نزلناه على بعض الأعجمين، فقرأه عليهم، كذلك سلكه التكذيب / والكفر في قلوب المجرمين، ومعنى: سلكناه: أدخلناه. والهاء في سلكناه، تعود على قوله ﴿مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾، التقدير: كذلك أدخلنا ترك الإيمان في قلوب المجرمين.
قال ابن جريج: سلكناه: يعني الكفر.
وقال ابن زيد: الشرك، فليس يؤمنون حتى يعاينوا العذاب. وكذلك قال الحسن.
قال: ﴿فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾، أي: يأتهم العذاب فجأة وهم لا يعلمون بمجيئه. فيقولوا حين يأتهم فجأة: ﴿هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ﴾، أي: يؤخر عن هذا العذاب وينسأ في آجالنا لتتوب من شركنا.
أي: يستعجل هؤلاء المشركون بالعذاب لقولهم لن نؤمن لك حتى تسقط السماء، كما زعمت، علينا كسفاً.
قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾، أي أرأيت يا محمد إن أخرنا في آجالهم سنين ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون.
" ما " الأول في موضع نصب بأغنى. و " ما " الثانية: الفاعلة ويجوز أن تكون ما الأولى نافية، والثانية فاعلة، وتقدر حذفها من آخر الكلام. والتقدير: لم يغن عنهم الزمان الذي كانوا
يمتعونه.
وقال عكرمة: عنى بالسنين: عمر الدنيا.
قال: ﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ﴾ أي: وما أهلكنا من قرية من القرى التي تقدم ذكرها، ومن غيرها إلا لها منذرون، ينذرونهم عذاب الله، ويكذرونهم نعمه، " ذكرى " في موضع نصب على المصدر، لأن منذرون بمعنى: مذكرون. فتقف على هذا على " ذكرى " وكذلك إن نصبت " ذكرى " بإضمار فعل: أي جعلنا ذلك ذكرى لهم.
وقيل: " ذكرى " في موضع رفع على إضمار المبتدأ تقديره: تلك ذكرى، وذلك ذكرى، وإنذارنا ذكرى.
﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾، أي: ما كنا نظلم قرية، فنهلكها من غير إنذار وتذكرة. فتقف على هذا " منذرون " ثم تبتدئ " ذرى " أي: هذا القرآن ذكرى للمتذكرين، ودل على هذا الإضمار قوله: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين﴾ [الشعراء: ٢١٠] الآية، أي:
القرآن ذكرى للمتذكرين، لم تنزل به الشياطين ﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [الشعراء: ٢١١].
أي: ما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على محمد ﷺ، ولكن نزل به عليه الروح الأمين وهو جبريل ﷺ. وقرأ الحسن: الشياطون بالواو وهو غلط لأنه جمع مكسر إعرابه في آخره.
أي: وما يتأتى للشياطين أن ينزلوا بالقرآن، ولا يصلح لهم ذلك ولا يستطيعون أن ينزلوا به، لأنهم لا يصلون إلى استماعه في المكان الذي هو به من السماء.
أي: إن الشياطين عن سمع القرآن في المكان الذي هو به لمعزلون، فكيف يستطيعون ان ينزلوا به، والسمع مصدر في موضع الاستماع.
قال: ﴿فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾، أي: قل يا محمد: لمن كفر لا تدع مع الله إلهاً آخر.
﴿فَتَكُونَ مِنَ المعذبين﴾، وقيل: هو خطاب للنبي ﷺ، والمراد به جميع الخلق. ومعناه إنه خوطب بذلك ليعلمه الله حكمه فيمن عبد غيره كائناً ما كان، ودليل هذا قوله: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾، فهذا خطاب للنبي ﷺ بلا اختلاف، والمعنى: أنذرهم لئلا يتكلوا على نسبهم، وقرابتهم منك فيدعوا ما يجب عليهم. " ولما نزلت هذه الآية بدأ النبي ﷺ ببني جده، وولده فحذرهم " وقالت عائشة رضي الله عنها: " لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ: يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت رسول الله، يا بني عبد المطلب: إني لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم ".
5358
وقال ابن عباس: " لما نزلت هذه الآية: قام رسول الله ﷺ على الصفا ثم نادى: يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه فبين رجل يجيء وبين آخر يبعث رسوله، فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني / أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لكم سائر اليوم، ما دعوتموني إلا لهذا؟.. ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ " السورة.
5359
قال تعالى: ﴿واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك﴾، أي: ألن لهم جانبك.
أي إن عصاك عشيرتك في إنذارك لهم وأبوا إلا الإقامة على كفرهم أي: من عملكم، وعبادتكم الأصنام.
قال: ﴿وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز﴾، أي العزيز في نقمته من أعدائه، ﴿الرحيم﴾ لمن تاب من كفره.
أي: تقوم إلى صلاتك.
قال مجاهد: حيت تقوم أينما كنت.
أي: ونرى تقلبك في صلاتك حين تركع وتسجد، وتقوم وتقعد. قاله ابن عباس وعكرمة، وعن ابن عباس معناه: وتقلبك في الطهور من طهر إلى طهر.
أي: السميع دعاءك، وتلاوتك، العليم بما تعمل أنت وغيرك.
أي: على من تنزل الشياطين من الناس.
أي: كذاب أثيم، أي: آثم.
قال قتادة: هم الكهنة تسرق الجن السمع، ثم يأتون به إلى أوليائهم من الإنس.
أي: يلق الشياطين ما استمعت إلى الكهنة. قاله مجاهد. وأكثر الكهنة كاذبون. وقيل: المعنى يلق الكهنة السمع أي: يسمعونه ويعقلونه ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾،. يعني الكهنة أيضاً.
قالت عائشة: كانت الشياطين تسترق السمع فتجيء بكلمة حق فتقذفها في
أذن وليها. قالت: وتزيد فيها أكثر من مائة كذبة.
أي: الشعراء يتبعهم أهل الغي، لا أهل الرشد.
قال ابن عباس: الغاوون: رواه الشعر. وقال مجاهد، وقتادة هم الشياطين. وقال عكرمة، هم عصاة الجن. وقيل: هم السفهاء. وعن ابن عباس: أنها نزلت في رجلين: أحدهما من الأنصار، والآخر من غيرهم، تهاجيا على عهد النبي ﷺ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه. أي: سفهاء. وكذلك
قال الضحاك. وقيل: الغاوون: ضلال الجن والإنس. وقال ابن زيد: الغاوون: المشركون، والشعراء هنا: شعراء، لأن الغاوون لا يتبع إلا غاوياً مثله. قال الطبري: هم شعراء المشركين، يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الجن.
هذا مثل ومعناه: أنهم في كل فن من القول الباطل يذهبون، يمدحون هذا بما ليس فيه، ويذمون هذا بما ليس فيه، فهم يذهبون، كالهائم على وجهه، قال ابن عباس: معناه في كل لغو يخوضون.
قال: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ﴾، أي: يكذبون، ثم قال: ﴿إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾،. فهذا الاستثناء يدل على أن الأول في المشركين نزل والسورة مكية إلا هذه الآيات نزلت بالمدينة في: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. وهم شعراء رسول الله ﷺ، ثم هي لكل من كان مثلهم. هذا قول ابن عباس، وأدخل الضحاك هذه الآيات في الناسخ والمنسوخ. فقال: ﴿إِلاَّ الذين آمَنُواْ﴾، نسخت ما قبلها. والصحيح أنه استثناء والاستثناء عند سيبويه بمنزلة التوكيد لأنه يبين به كما يبين بالتوكيد.
قال قتادة: قوله: ﴿إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ الآية، نزلت في
5364
حسان، وكعب بن مالك، وعبد الله الأنصاري الذين هاجوا عن النبي ﷺ.
ثم قال تعالى: ﴿وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً﴾، أي: ذكروه في حال كلامهم، ومحاورتهم ومخاطبتهم الناس / قاله ابن عباس. وقال ابن زيد: وذكروا الله كثيراً في شعرهم. وقيل المعنى: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله. إنما ناضلوا من كذّب رسول الله ﷺ، وهو أحق الناس بالهجاء ﴿وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ﴾، أي: هجوا من هجاهم، من شعراء المشركين، وجاوبوهم عن هجائهم.
قال ابن عباس: يردون على الكفار الذين هجوا المسلمين.
قال سالم مولى تميم الداري: لما نزلت: ﴿والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون﴾ الثلاث
5365
الآيات: جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلى النبي ﷺ، يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآيات أنا شعراء، فتلا النبي ﷺ: ﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾، إلى ﴿ظُلِمُواْ﴾.
وقال: أنتم. ثم قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾، يعنى مشركي مكة، الذين ظلموا أنفسهم بشركهم بالله، سيعلمون أي: مرجع يرجعون، وأي: معاد يعودون بعد مماتهم، وأي منصوب ينقلبون على المصدر، وليس بمفعول به، لأن " ينفعل " لا يتعدى: نحو: ينطلق، فإنما نصبه على أنه نعت لمصدر محذوف عمل ما فيه ﴿يَنقَلِبُونَ﴾، ولا ينتصب " سيعلم " لأن " سيعلم " خبر، أو " أي " استفهام ولا يعمل ما قبل الاستفهام فيه.
5366
Icon