ﰡ
سورة الحجر
مكية
وآياتها تسع وتسعون
بسم الله الرحمن الرحيم
الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (١) رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (٤) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٥)شرح الكلمات:
آلر: الله أعلم بمراده بذلك، تُكتب آلر. ويقرأ: ألِفْ، لاَمْ، را.
تلك آيات الكتاب: الآيات المؤلفة مثل هذه الحروف المقطعة تلك آيات الكتاب أي القرآن.
يود: يحب ويرغب متمنياً أن لو كان من المسلمين.
ويتمتعوا: أي بالملذات الشهوات.
ويلههم الأمل: أي بطول العمر وبلوغ الأوطار وإدراك الرغائب الدنيوية.
إلا ولها كتاب معلوم: أي أجل محدود لإهلاكها.
ما تسبق من أمة أجلها: أي لا يتقدم أجلها المحدد لها ومن زائدة للتأكيد.
معنى الآيات:
بما أن السورة مكية فإنها تعالج قضايا العقيدة وأعظمها التوحيد والنبوة والبعث. قوله تعالى: ﴿آلر﴾ : الله أعلم بمراده به، ومن فوائد هذه الحروف المقطعة تنبيه السامع وشده بما يسمع من التلاوة، إذ كانوا يمنعون سماعه خشية التأثر به، فكانت هذه الفواتح التي لم يألفوا مثلها في كلامهم تشدهم إلى سماع ما بعدها من القرآن. وقوله: {تلك آيات
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- القرآن الكريم مبينٌ لكل ما يحتاج إليه في إسعاد الإنسان وإكماله.
٢ ربّ: حرف جرٌ يدخل على الأسماء، وإن أريد إدخالها على الأفعال لحقت بها (ما) كما في الآية. وقرأ نافع ﴿رُبَمَا﴾ بالتخفيف، وشدّدها غيره في هذه الآية ﴿ربما يودّ الذين كفروا..﴾ الخ وأصل استعمالها في التقليل، وقد تستعمل في الكثير.
٣ وقد ورد أنه لما يرى الكافرون وهم في النار أهل التوحيد يخرجون منها يودون لو كانوا موحدين، والكل وارد ولا مانع منه.
٤ ﴿من﴾ : صلة لتقوية النفي وتأكيد الخبر.
٣- تقرير عقيدة القضاء والقدر فما من شيء إلا وسبق به علم الله وكتبه عنده في كتاب المقادير الحياة كالموت، والربح كالخسارة، والسعادة كالشقاء، جميع ما كان وما هو كائنٌ وما سكون سبق به علم الله وكتب في اللوح المحفوظ.
وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (١١)
شرح الكلمات:
نزل عليه الذكر.: أي القرآن الكريم.
لو ما تأتينا بالملائكة: أي هلا تأتينا بالملائكة تشهد لك أنك نبي الله.
وما كانوا إذاً منظرين: أي ممهلين، بل يأخذهم العذاب فور نزول الملائكة.
إنا نحن نزلنا الذكر: أي القرآن.
في شيع الأولين: أي في فرق وطوائف الأولين.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر﴾ أي قال الكافرون المنكرون للوحي والنبوة ﴿إنك لمجنون﴾ أي غير عاقل وإلا لما ادعيت النبوة. وفي قولهم هذا استهزاء
لو ما الحياء ولوما الدين عبتكما
ببعض ما فيكما إذ عبتما عَوَري
٢ قرأ حفص: ﴿ما ننزل الملائكة﴾ وقرأ بعضهم ﴿ما تنزّل﴾ وقرأ ورش عن نافع ﴿ما تُنَزَّل﴾ بحذف إحدى التائين نخفيفاً، إذ الأصل: تتنزّل.
٣ أصل: إذاً: إذ أن، ومعناها حينئذ أي: تنزّلت الملائكة بإهلاكهم لما كانوا حينئذ منظرين أي. ممهلين ساعة من الزمن.
٤ قالت العلماء: لما وكل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى أهل الكتاب في قوله ﴿بما استحفظوا من كتاب الله﴾ أضاعوه فزادوا فيه ونقصوا منه، ولمّا تولى الله تعالى حفظ القرآن، حفظه فلم يردْ فبه حرف ولم ينقص منه حرف.
٥ ﴿ولقد أرسلنا﴾ الخ.. هذه الجملة إبطال لاستهزاء المشركين بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طريقة التمثيل بأشياعهم من الأمم السابقة.
٦ الشِيعَ: جمع شيعة، وهي الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة، وفيه قوله تعالى ﴿أو يلبسكم شيعا﴾ أي: فرقاً كل فرقة تتألف مع أفرادها، وتحارب عن مبادئها وأفكارها وما هي عليه من دين وعادة.
٧ تقديم الجار والمجرور (به) على فعل يستهزئون: لإفادة القصر للمبالغة أي: كأنهم لفساد قلوبهم لا شغل لهم إلا الاستهزاء برسول الله عز وجل.
من هداية الآيات:
١- بيان ما كان يلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من استهزاء وسخرية من المشركين.
٢- مظهر من مظاهر رحمة الله بالإنسان، يطلب نزول العذاب والله ينزل الرحمة.
٣- بيان حفظ الله تعالى للقرآن الكريم من الزيادة والنقصان ومن الضياع.
٤- بيان سنة الله تعالى في الأمم والشعوب وهي أنهم ما يأتيهم من رسول ينكر عليهم مألوفهم ويدعوهم إلى جديد من الخير والهدى إلا وينكرون ويستهزئون.
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ (١٥) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (١٨)
شرح الكلمات:
كذلك نسلكه: أي التكذيب بالقرآن أو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد خلت سنة الأولين: أي مضت سنة الأمم السابقة.
فظلوا فيه يعرجون: أي يصعدون.
إنما سُكِّرت: أي سدت كما يُسَكَّرُ النهر أو الباب.
في السماء بروجا: أي كواكب ينزلها الشمس والقمر.
شيطان رجيم: أي مرجومٌ بالشهب.
شهاب مبين: كوكب يُرجم به الشيطان يحرقه أو يمزقه أو يُخْبلُهُ أي يفسده.
ما زال السياق في المكذبين للنبي المطالبين بنزول الملائكة لتشهد للرسول بنبوته حتى يؤمنوا بها. قال تعالى: ﴿كذلك نسلكه١﴾ أي التكذيب في قلوب المجرمين من قومك، كما سلكناه حسب سنتنا في قلوب من كذبوا الرسل من قبلك فسلكه ﴿في قلوب المجرمين﴾ من قومك فلا يؤمنون بك ولا بالذكر الذي أنزل عليك. وقوله تعالى: ﴿وقد خلت سنة الأولين٢﴾ أي مضت وهى تعذيب المكذبين للرسل المستهزئين بهم لأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. وقوله تعالى: ﴿ولو فتحنا عليهم٣ باباً من السماء فظلوا﴾ أي الملائكة أو المكذبون ﴿فيه﴾ أي في ذلك الباب ﴿يعرجون﴾ أي يصعدون طوال النهار طالعين هابطين ولقالوا في المساء ﴿إنما سكرت أبصارنا﴾ أي منعت من النظر الحقيقي فلم نر الملائكة ولم نرى السماء ﴿بل نحن٤ قوم مسحورون﴾ فأصبحنا نرى أشياء لا حقيقية لها، وقوله تعالى: ﴿ولقد جعلنا٥ في السماء بروجا﴾ أي كواكب٦ هي منازل للشمس والقمر ينزلان بها وعلى مقتضاها يعرف عدد السنين والحساب. وقوله: ﴿زيناها﴾ أي السماء بالنجوم ﴿للناظرين﴾ فيها من الناس. وقوله: ﴿وحفظناها﴾ أي السماء الدنيا ﴿من كل شيطان رجيم﴾ أي مرجوم ملعون. وقوله: ﴿إلا من أسترق السمع﴾ إلا مارد من الشياطين طلع إلى السماء لاستراق السمع من الملائكة لينزل بالخبر إلى وليه من الكهان من الناس ﴿فاتبعه شهاب﴾ من نار ﴿مبين﴾ أي يبين أثره في الشيطان إما بإخباله وإفساده وإما بإحراقه. هذه الآيات وهي قوله تعالى: ﴿ولقد جعلنا
٢ في الآية تعريض للمجرين بالهلاك.
٣ هذه الآية كقوله تعالى: ﴿ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين﴾.
٤ أي: أضربوا عن القول الأوّل. وهو قولهم: إنّما سكّرت أبصارنا إلى قلولهم بل نحن قوم مسحورون. أي ما رأينا شيئاً ثم أقرّوا بأنهم رأوا ولكن ما رأوه إنما هو تخيلات المسحور لا غير.
٥ هذا شروع في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيد والمقررة للبعث والجزاء.
٦ هذا كقوله تعالى: ﴿تبارك الذي جعل في الماء بروجاً﴾ أي: كواكب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله تعالى في المكذبين المعاندين وهي أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم.
٢- مطالبة المكذبين المجرمين بالآيات كرؤية الملائكة لا معنى لها إذ القرآن أكبر آية ولم يؤمنوا به فلذا لو فتح باب من السماء فظلوا فيه يعرجون لما آمنوا.
٣- بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته فيما حملت الآيات من مظاهر لذلك، بدءاً من قوله: ﴿ولقد جعلنا في السماء بروجاً١﴾ إلى الآية السابعة والعشرين من هذا السياق الكريم.
وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠) وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ
شرح الكلمات:
والأرض مددناها: أي بسطناها.
وألقينا فيها رواسي: أي جبالا ثوابت لئلا تتحرك الأرض.
موزون: أي مقدر معلوم المقدار لله تعالى.
معايش: جمع معيشة أي ما يعيش عليه الإنسان من الأغذية.
ومن لستم له برازقين: كالعبيد والإماء والبهائم.
وما ننزله إلا بقدر معلوم: أي المطر.
وأرسلنا الرياح لواقح: أي تلقح السحاب فيمتلىء ماءً كما تنقل مادة اللقاح من ذكر الشجر إلى أنثاه.
وما أنتم له بخارنين: أي لا تملكون خزائنه. فتمنعونه أو تعطونه من تشاءون.
المستقدمين منكم والمستأخرين: أي من هلكوا من بني آدم إلى يومكم هذا والمستأخرين ممن هم أحياء وممن لم يوجدوا بعد إلى يوم القيامة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبات الإيمان به وعبادته وتوحيده والتقرب إليه بفعل محابه وترك مساخطه١. قوله تعالى: ﴿والأرض٢ مددناها﴾ أي بسطناها ﴿وألقينا فيها رواسي﴾ أي جبالاً ثوابت تثبت الأرض حتى لا
٢ هنا انتقال من عرض آيات الله في السماء إلى آياته في الأرض.
٢ واحد المعايش: معيشة، وهي المطاعم والمشارب والملابس والمراكب أيضاً، إذ كل هذا يدخل تحت العيش حتى قيل: المعايش: إنها التصرف في أسباب الرزق مدّة الحياة.
٣ الرزق: بفتح الراء مصدر رزقه يرزقه رزقاً، والرّزق بكسر الراء فهو الاسم وهو القوت.
٤ أي: نافع للناس لا مطلق الأشياء التي لا نفع للناس فيها.
٥ في قوله: ﴿وأرسلنا الرياح لواقح﴾ استدلال بظاهرة كرة الهواء بين السماء والأرض بعد الاستدلال بالسماء والأرض، ولواقح حال من الرياح ولواقح صالح لأن يكون جمع لاقح، وهي الناقة الحبلى أو ملقح وهو الذي يجعل غير لاقحاً.
٦ ويدخل في معنى الآية المستقدمين في الطاعة والخير، والمستأخرين في المعصية والشر كما يدخل أيضاً المستقدمين في صفوف الحرب والصلاة، والمستأخرين في ذلك، والآية دليل على فضل السبق في الخير وعلى فضل الصف الأول في القتال والصلاة، وفي الحديث الصحيح: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته المتجلية فيما يلي:
أ- خلق الأرض ومدّها وإلقاء الجبال فيها. إرسال الرياح لواقح للسحب.
ب- إنبات النباتات بموازين دقيقة. إحياء المخلوقات ثم إماتتها.
ج- إنزال المطر بمقادير معينة. علمه تعالى بمن مات ومن سيموت.
٢- تقرير التوحيد أن من هذه آثار قدرته هو الواجب أن يعبد وحده دون سواه.
٣- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٤- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هذا الكلام كلام الله أوحاه إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (٣٣)
شرح الكلمات:
ولقد خلقنا الإنسان: أي آدم عليه السلام.
من نار السموم:. نار لا دخان لها تنفذ في المسام وهي ثقب الجلد البشري.
فإذا سويته: أي أتممت خلقه.
فقعوا له ساجدين: أي خِرّوا له ساجدين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته. قوله تعالى: ﴿ولقد خلقنا الإنسان﴾ أي آدم ﴿من صلصال﴾ أي طين يابس يسمع له صوت صلصلة. ﴿من حمإ مسنون١﴾ أي طين أسود متغير الريح، هذا مظهر من مظاهر القدرة والعلم. وقوله: ﴿والجان خلقناه من قبل﴾ من قبل خلق آدم والجان هو٢ أبو الجن خلقناه ﴿من نار السموم﴾ ونار السموم نار لا دخان لها تنفذ في مسام الجسم.. وقوله: ﴿وإذ قال ربك﴾ أي اذكر يا رسولنا إذ قال ربك للملائكة اسجدوا لآدم أي سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادةٍ لآدم، إذ المعبود هو الآمر المطاع وهو الله تعالى. فسجدوا ﴿إلا إبليس٣ أبى﴾ أي امتنع أن يكون مع الساجدين. وقوله: ﴿قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين﴾ أي أيُ شيء حصل لك حتى امتنعت أن تكون من جملة الساجدين من الملائكة؟ فأظهر اللعين سبب امتناعه وهو حسده لآدم واستكباره، فقال ﴿لم أكن لأسجد لبشرٍ خلقته من صلصالٍ من حماءٍ مسنون﴾ وفي الآيات التالية جواب الله تعالى ورده عليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أصل خلق الإنسان وهو الطين، والجان وهو لهب النار.
٢- فضل السجود، إذ أمر تعالى به الملائكة فسجدوا أجمعون إلا إبليس.
٢ وفي صحيح مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".
٣ قال ابن عباس رضي الله عنهما: الجان: أبو الجن وليسوا شياطين، والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس، والجنّ يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر فآدم أبو الإنس، والجان أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين.
٤- ذم الكبر وأنه عائق لصاحبه عن الكمال في الدنيا والسعادة في الآخرة.
٥- فصل الطين على النار لأن من الطين خلق آدم ومن النار خلق إبليس.
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (٣٧) إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (٤٤)
شرح الكلمات:
قال فاخرج منها: أي من الجنة.
فإنك رجيم: أي مرجومٌ مطرودٌ ملعون.
إلى يوم الوقت المعلوم: أي وقت النفخة الأولى التي تموت فيها الخلائق كلها.
بما أغويتني: آي بسبب إغوائك لي أي إضلالك وإفسادك لي.
المخلصين: أي الذين استخلصتهم لطاعتك فإن كيدي لا يعمل فيهم.
هذا صراطٌ علي مستقيم: أي هذا طريقٌ مستقيم موصل اليَّ وعليَّ مراعاته وحفظه.
لها سبعة أبواب.: أي أبواب طبقاتها السبع التي هي جهنم، ثم لظى، ثم الحُطمة، ثم السعير، ثم سَقَر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.
قوله تعالى: ﴿فاخرج منها﴾ هذا جوابٌ عن قول إبليس، ﴿لم أكن لأسجد لبشر﴾. الآية إذاً فاخرج منها أي من الجنة ﴿فإنك رجيم﴾ أي مرجوم مطرود مبعد، ﴿وإن عليك﴾ لعنتي أي غضبي وإبعادي لك من السموات ﴿إلى يوم الدين﴾ أي إلى يوم القيامة وهو يوم الجزاء. فقال اللعين ما أخبر تعالى به عنه: ﴿قال رب فانظرني﴾ أي أمهلني لا تمتني ﴿إلى يوم يبعثون١﴾ فأجاب الرب تعالى بقوله: ﴿فإنك من المنظرين﴾ أي الممهلين ﴿إلى يوم الوقت المعلوم٢﴾ وهو فناء بني آدم حيث لم يبق منهم أحد وذلك عند النفخة الأولى. فلما سمع اللعين ما حكم به الرب تعالى عليه قال ما أخبر الله عنه بقوله: ﴿قال رب بما أغويتني﴾ أي بسبب إغوائك ﴿لأزينن لهم في الأرض٣﴾ أي الكفر والشرك وكبائر الذنوب، و ﴿لأغوينهم﴾ أي لأضلنّهم ﴿أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين﴾ فاستثنى اللعين من استخلصهم الله تعالى لطاعته وأكرمهم بولايته وهم الذين لا يَسْتَبِدُّ بهم غضبٌ ولا تتحكم فيهم شهوة ولا هوى. وقوله تعالى: ﴿قال هذا صراط علي مستقيم﴾ أي هذا طريق مستقيم إليَّ أرعاه وأحفظه وهو ﴿إن عبادي٤ ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين٥﴾ ﴿وإن جهنم﴾ لموعدك وموعد أتباعك الغاوين أجمعين ﴿لها سبعة أبواب﴾ إذ هي سبع طبقات لكل طبقة باب فوقها يدخل معه أهل تلك الطبقة، وهو معنى قوله تعالى: ﴿لكل باب منهم جزء مقسوم﴾ أي نصيبٌ معين وطبقاتها هي: جهنم، لظى، الحطمة، السعير، سقر، الجحيم، الهاوية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- حرمان إبليس من التوبة لاستمرار غضب الله عليه إلى يوم القيامة.
٢- استجاب الله لشر خلقه وهو إبليس فمن الجائز أن يستجيب الله دعاء الكافر لحكمة يريدها الله تعالى.
٢ قال ابن عباس: أراد به النفخة الأولى أي: حين تموت الخلائق.
٣ التزيين: يشمل أمرين. الأول: تزيين المعاصي والثاني: شغلهم بزينة الدنيا عن فعل الطاعات.
٤ أي: ليس له سلطان على قلوبهم، وقال ابن عيينة، أي: في أن يلقيهم في ذنب.
٥ الغاوين: الفاسدين بالشرك والمعاصي.
٤- عصمة الرسل وحفظ الله للأولياء حتى لا يتلوثوا بأوضار الذنوب.
٥- طريق الله مستقيم إلى الله تعالى يسلكه الناس حتى ينتهوا إلى الله سبحانه فيحاسبهم ويجزيهم بكسبهم الخير بالخير والشر بالشر.
٦- بيان أن لجهنم طبقات واحدة فوق أخرى ولكل طبقةٍ بابها فوقها يدخل معه أهل تلك الطبقة لا غير.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (٤٧) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (٥٠) وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (٥٥) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (٥٦)
شرح الكلمات:
إن المتقين: أي الذين خافوا ربهم فعبدوه وحده بما شرع لهم من العبادات.
على سرر متقابلين: أي ينظر بعضهم إلى بعض ما داموا جالسين وإذا انصرفوا دارت بهم الأسرة فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.
لا يمسهم فيها نصب: أي تعب.
العذاب الأليم: أي الموجع شديد الإيجاع.
ضيف إبراهيم: هم ملائكة نزلوا عليه وهم في طريقهم إلى قوم لوط لإهلاكهم كان من بينهم جبريل وكانوا في صورة شباب من الناس.
إنا منكم وجلون: أي خائفون وذلك لمَّا رفضوا أن يأكلوا.
بغلام عليم.: أي بولد ذي علم كثير هو إسحق عليه السلام.
فبم تبشرون: أي تَعَجَّبَ من بشارتهم مع كبره بولد.
من القانطين: أي الآيسين.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى جزاء اتباع إبليس الغاوين، ناسب ذكر جزاء عباد الرحمن أهل التقوى والإيمان فقال تعالى مخبراً عما أعد لهم من نعيم مقيم: ﴿إن المتقين١﴾ أي الله بترك الشرك والمعاصي ﴿في جنات وعيون٢﴾ يقال لهم ﴿ادخلوها٣ بسلامٍ آمنين﴾ أي حال كونكم مصحوبين بالسلام آمنين من الخوف والفزع. وقوله: ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل٤﴾ أي لم يُبقِ الله تعالى في صدور أهل الجنة ما يبغصُ نعيمها، أو يكدر صفوها كحقدٍ أو حسدٍ أو عداوةٍ أو شحناء. وقوله: ﴿إخواناً على سررٍ متقابلين﴾ لما طهر صدورهم مما
٢ هي الأنهار الأربعة: ماء، وخمر، ولبن، وعسل المذكورة في سورة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ بسلامة من كل داء وآفة، وقيل: بتحية من الله تعالى آمنين من الموت والعذاب.
٤ قال ابن عباس: أول ما يدخل أهل الجنة الجنة تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين فيذُهب الله ما في قلوبهم من غل ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم وتجري عليهم نضرة النعيم.
٢ هم الملائكة الذين بشروه بالولد وبهلاك قوم لوط: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام. والضيف: لفظ يطلق على الواحد والاثنين والجماعة.
٣ قال هذا بعد أن قرّب إليهم العجل المشوي ليأكلوا فلم يأكلوا.
٤ أن: مصدرية، والتقدير: على من الكبر إياي وزوجتي.
٥ الاستفهام للتعجب أو هو على حقيقة.
٦ أي: بما لا خلف فيه، وأن الولد لا بدّ منه.
٧ قراءة العامة: ﴿القانطين﴾، وقرىء القنطين بدون ألف، ويكون الفعل حينئذ من قنط يقنط كفرح يفرح فهو فرح، وعلى قراءة الجمهور فهو من باب فعل يفعل كضرب يضرب فهو ضارب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير نعيم الجنة، وأن نعيمها جسماني روحاني معاً دائم أبداً.
٢- صفاء نعيم الجنة من كل ما ينغصه أو يكدره.
٣- وعد الله بالمغفرة لمن تاب من أهل الإيمان والتقوى من موحديّه.
٤- وعيده لأهل معاصيه إذا لم يتوبوا إليه قبل موتهم.
٥- مشروعية الضيافة وأنها من خلال البر والكرم.
٦- حرمة القنوط واليأس من رحمة الله تعالى.
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (٦٢) قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (٦٦)
قال فما خطبكم: أي ما شأنكم؟
إلى قوم مجرمين: هم قوم لوط علية السلام.
إنا لمنجوهم أجمعين: أي لإيمانهم وصالح أعمالهم.
الغابرين: أي الباقين في العذاب.
قوم منكرون: أي لا أعرفكم.
بما كانوا فيه يمترون: أي بالعذاب الذي كانوا يشكون في وقوعه بهم.
حيث تؤمرون: أي إلى الشام حيث أمروا بالخروج إليه.
وقضينا إليه ذلك الأمر: أي فرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن ضيف إبراهيم، وها هو ذا قد سألهم بما أخبر به تعالى عنه بقوله: ﴿قال فما خطبكم١ أيها المرسلون﴾ أي ما شأنكم أيها المرسلون من قبل الله تعالى إذ هم ملائكته ﴿قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين٢﴾ أي على أنفسهم، وعلى غيرهم وهم اللوطيون لعنهم الله. قوله تعالى: ﴿إلا آل لوط﴾ آل بيته والمؤمنين معه، ﴿إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا﴾ أي قضينا٣ ﴿إنها لمن الغابرين﴾ أي الباقين في العذاب، أي قضى الله وحكم بإهلاكها في جملة من يهلك لأنها كافرة مثلهم. إلى هنا انتهى الحديث مع إبراهيم وانتقلوا إلى مدينة لوط عليه السلام قال تعالى ﴿فلما جآء آل لوط المرسلون﴾ أي انتهوا إليهم ودخلوا عليهم الدار قال لوط عليه السلام لهم ﴿إنكم قوم منكرون﴾ أي لا أعرفكم وأجابوه قائلين: نحن رسل ربك جئناك بما كان قومك فيه يمترون أي يشكون وهو عذابهم العاجل جزاء كفرهم وإجرامهم، ﴿وأتيناك بالحق﴾ الثابت الذي لا شك فيه ﴿وإنا لصادقون﴾ فيما أخبرناك به وهو عذاب قومه المجرمين.
٢ في الكلام إضمار جملة ﴿لنُهلكهم﴾ فلذا كان الاستثناء إلا آل لوط، وهم أتباعه وأهل بيته.
٣ وكتبنا في كتاب المقادير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التنديد بالإجرام وبيان عقوبة المجرمين.
٢- لا قيمة للنسب ولا للمصاهرة ولا عبرة بالقرابة إذا فصل الكفر والإجرام بين الأنساب والأقرباء فامرأة لوط هلكت مع الهالكين ولم يشفع لها أنها زوجة نبي ورسول عليه السلام.
٣- مشروعية المشي بالليل لقطع المسافات البعيدة.
٤- مشروعية مشي المسئول وكبير القوم وراء الجيش والقافلة لتفقد أحوالهم، والإطلاع على من يتخلف منهم لأمر، وكذا كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.
٥- كراهية الإشفاق على الظلمة الهالكين، لقوله: ولا يلتفت منكم أحد أي: بقلبه.
وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا
٢ أو نهوا عن الالتفات ليجدّوا في السير ويتباعدوا عن القرية قبل أن يفاجئهم الصبح موعد هلاك القوم.
٣ قضينا: قدرنا، وضمن معنى أوحينا فعدي بإلى، والقدير: وقضينا ذلك الأمر فأوحينا إليه بما قضينا، وجملة: ﴿أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين﴾. مفسرة لذلك الأمر والإشارة للتهويل.
٤ ﴿مصبحين﴾ أي: داخلين في الصباح، ومثله، مشرقين أي: داخلين في وقت الإشراق.
شرح الكلمات:
وجاء أهل المدينة يستبثسرون: أي مدينة سدُوم، أي فرحين بإتيانهم الفاحشة.
واتقوا الله ولا تخزون: أي لا تذلوني في انتهاك حرمة ضيفي.
أولم ننهك عن العالمين: أي عن إجارتك لهم واستضافتك.
لفي سكرتهم يعمهون: أي غوايتهم، وشدة غُلّمتهم١ التي أزالت عقولهم، يترددون.
مشركين: أي وقت شروق الشمس.
من سجيل: أي طين طُبِخَ بالنار.
لآيات للمتوسمين: أي الناظرين المعتبرين.
لبسبيل مقيم: أي طريق قريش إلى الشام مقيم دائم ثابت.
أصحاب الأيكة: أي قوم شعيب عليه السلام، والأيكة غيضة شجر بقرب مدين.
وإنهما لبإمام مبين: أي قوم لوط، وأصحاب الأيكة لبطريق مبين واضح.
معنى الآيات:
مازال السياق مع لوط عليه السلام وضيفه من الملائكة من جهة، وقوم لوط من جهة
٢ روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر المتوسمين بالمتفرسين إذ قال: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ: ﴿إن في ذلك لآيات للمتوسمين﴾ " رواه الترمذي واستغربه، وقيل: للناظرين كما قال الشاعر:
أو كلما وردت عكاظ قبلية
بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
وأصل التوسم: النظر بتثبت وتفكر وعليه فما ورد في التوسم من النظر والتفرس كله متقارب المعنى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان إهلاك قوم لوط.
٢- إنكار الفاحشة وأنها أقبح فاحشة تعرفها الإنسانية هي إتيان الذكور.
٣- بيان دفاع لوط عليه السلام عن ضيفه حتى فداهم ببناته.
٤- شرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث أقسم الله تعالى بحياته في قوله ﴿لعمرك﴾.
٥- الحث على نظر التفكر والاعتبار والتفرس فإنه أنفع للعقل البشري.
٦- بيان نقمة الله تعالى من الظالمين للاعتبار والاتعاظ.
٧- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مثل هذه الأخبار لن تكون إلا عن وحي إلهي.
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١) وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (٨٤)
شرح الكلمات:
أصحاب الحجر: هم قوم صالح ومنازلهم بين المدينة النبوية والشام.
وآتيناهم آياتنا: أي في الناقة وهي أعظم آية.
ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون: من بناء الحصون وجمع الأموال.
الصفح الجميل: أي أعرض عنهم إعراضاً لا جزع فيه وهذا قبل الأمر بقتالهم.
سبعاً من المثاني: هي آيات سورة الفاتحة السبع.
أزاوجاً منهم: أي أصنافاً من الكفار.
واخفض جناحك: أي ألِن جانبك للمؤمنين.
معنى الآيات:
هذا شروع في موجز قصة أخرى هي قصة أصحاب الحجر وهم ثمود قوم صالح، قال تعالى: ﴿ولقد كذب أصحاب الحجر١ المرسلين﴾ وفي هذا موعظة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كذبه قومه من أهل مكة فليصبر على تكذيبهم فقد كذبت قبلهم أقوام. وقال تعالى ﴿المرسلين﴾ ولم يكذبوا إلا صالحاً باعتبار أن من كذب رسولا فقد كذب عامة الرسل، لأن دعوة الرسل واحدة وهي أن يعبد الله وحده بما شرع لإكمال الإنسان وإسعاده في
٢ النحت: البري والنجر، يقال نحته ينحته نحتاً إذا براه، والنحاته: البراية كالنجارة والخشارة، والمنحت: آلة النحت، وقوله: ﴿آمنين﴾ أي: من أن تسقط عليهم أو تخرب فلا تصلح للسكن فيها.
٣ ﴿مصبحين﴾ : حال من أخذتهم الصيحة أي: حال كونهم داخلين في الصباح وهو أوّل النهار، فالأيام الثلاثة التي قيل لهم: ﴿تمتعوا فيها﴾ هي الأربعاء والخميس والجمعة، وصبيحة السبت كان هلاكهم والعياذ بالله من حال الهالكين.
٤ صحّ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم، وآمر بهرق ما استقوا من بئر ثمود وإلقاء ما عجن وخبز منه لأجل انه ماء سخط فلا يجوز الانتفاع به فراراً من سخط الله تعالى وقال: اعلفوه الإبل ففعلوا".
٥ لآتية: جائية إذ الأيام تنصرم يوماً فيوماً إلى آخر يوم فالساعة الأخيرة لهذه الحياة آتية، وهي في طريقها.
٦ هذا كان قبل الأمر بالجهاد إذ السورة مكية والجهاد فرض في المدينة فالآية منسوخة بمثل قوله تعالى: ﴿فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ الآية من التوبة المدنية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إذا أراد الله هلاك أمة فإن قوتها المادية لا تغني عنها شيئاً.
٢- لم يخلق الله الخلق عبثاً بل خلقه ليعبد بالذكر والشكر، فمن عبده نجا، ومن أعرض عن ذكره وترك عبادته أذاقه عذاب الخزي في الدنيا والآخرة أو في الآخرة وهو أشد وأخزى.
٣- بيان أن الصفح الجميل هو الذي لا جزع معه.
٤- بيان أن ممن أتي القرآن لم يؤت أحد مثلها من الخير قط.
٥- فضل الفاتحة إذ هي السبع المثاني.
٦- على الدعاة إلى الله أدت لا يلتفتوا إلى ما في أيدي الناس من مالٍ ومتاع، فإن ما آتاهم الله من الإيمان والعلم والتقوى خير مما آتى أولئك من المال والمتاع.
٧- استحباب لين الجانب للمؤمنين والعطف عليهم والرحمة لهم.
٢ هذه الآية تدعو إلى الإعراض عن زخارف الدنيا وعدم الإقبال عليها، والاكتفاء فيها بما أحل الله عمّا حرّم وبما تيسّر عما تعسر، وفيها: أن من أعطاه الله القرآن وجب عليه أن يشعر بالغنى وعدم الفقر لحديث " ليس منّا من لم يتغن بالقرآن" أي: لم يستغن به عن طلب غيره.
شرح الكلمات:
النذير المبين: البين النذارة
على المقتسمين: أي الذين قسموا كتاب الله فقالوا فيه شعر، وقالوا سحر، وقالوا كهانة.
جعلوا القرآن عضين: هم المقسمون للقرآن وجعلوا عضين جمع عضة وهي القطعة والجزء من الشيء.
فاصدع بما تؤمر: أي اجهر به وأعرضه كما أمرك ربك.
يضيق صدرك بما يقولون: أي من الاستهزاء بك والتكذيب لك.
حتى يأتيك اليقين: أي الموت، أي إلى أن تتوفى وأنت تعبد ربك.
معنى الآيات:.
ما زال السياق في إرشاد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعليمه ما ينبغي أن يكون عليه فأمره تعالى
أنا النذير المبين ما أنزلنا على المقتسمين أي: من العذاب.
٢ واحد: (عضين) عضة من عضيت الشيء تعضيه أي: فرقته وكل فرقة عضة، وقيل: أصلها عضوة، فسقطت الواو، ولذا جمعت على عضين كعزين، إذ واحدها عزوة، وذلك أنهم فرقوا كلام الله فجعلوا بعضه سحراً وبعضه شعراً و.. و..
٣ وورد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: في قوله تعالى: ﴿فوربك لنسألنّهم..﴾ إلى قوله ﴿يعملون﴾ قال: "عن قول لا إله إلا الله، إذ أبوا أن يقولوها فتمادوا في الكفر والشرّ والفساد ولو قالوا لما كان لهم سوى الخير والصلاح.
٤ قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فترة من الزمن مستخفياً هو وأصحابه في دار الأرقم حتى نزلت فيه الآية: ﴿فاصدع بما تؤمر﴾ فخرج صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعلن الإسلام ودعا إليه جهرة.
٥ قيل: إنّ هذه سجدة من سجدات القرآن، والجمهور على أنها ليست سجدة وإنما أرشد الله تعالى رسوله لتفريج همّه وتوسعة صدره مما يسمع ويقال له أمره بالتسبيح والصلاة وفعلا كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- حرمة الاختلاف في كتاب الله تعالى على نحو ما اختلف فيه أهل الكتاب.
٢- مشروعية الجهر بالحق وبيانه لاسيما إذا لم يكن هناك اضطهاد.
٣- فضل التسبيح بجملة: سبحان الله وبحمده ومن قالها مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وهذا مروي في الصحيح١.
٤- مشروعية صلاة الحاجة فمن حزبه أمر أو ضاق به فليصل صلاة يفرج الله تعالى بها ما به أو يقضي حاجته إن شاء وهو العليم الحكيم.
مكية
وآياتها مائة وثمان وعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (٤) وَالأَنْعَامَ