تفسير سورة الحجر

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
مكية وهي تسع وتسعون آية

﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات. والكتاب، والقرآن المبين : السورة وتنكير القرآن للتفخيم. والمعنى : تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتاباً وأي قرآن مبين ؟ كأنه قيل : الكتاب الجامع للكمال والغرابة في البيان.
قرىء :«ربّما » و «ربّتما » بالتشديد. و «ربما »، «وربَما » بالضم والفتح مع التخفيف. فإن قلت : لم دخلت على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي ؟ قلت : لأن المترقب في إخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه، فكأنه قيل : ربما ودّ. فإن قلت : متى تكون ودادتهم ؟ قلت : عند الموت، أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين. وقيل : إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار، وهذا أيضاً باب من الودادة. فإن قلت : فما معنى التقليل ؟ قلت : هو وارد على مذهب العرب في قولهم : لعلك ستندم على فعلك، وربما ندم الإنسان على ما فعل، ولا يشكون في تندمه، ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا : ولو كان الندم مشكوكاً فيه أو كان قليلاً لحق عليك أن لاتفعل هذا الفعل، لأنّ العقلاء يتحرّزون من التعرّض للغم المظنون، كما يتحرّزون من المتيقن ومن القليل منه، كما من الكثير، وكذلك المعنى في الآية : لو كانوا يودّون الإسلام مرة واحدة، فبالحري أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودّونه في كل ساعة ﴿ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ حكاية ودادتهم، وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم، كقولك : حلف بالله ليفعلنّ. ولو قيل : حلف بالله لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسناً سديداً وقيل : تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا، فلذلك قلل.
﴿ ذَرْهُمْ ﴾ يعني اقطع طمعك من ارعوائهم، ودعهم عن النهي عما هم عليه والصدّ عنه بالتذكرة والنصيحة، وخلهم ﴿ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ ﴾ بدنياهم وتنفيذ شهواتهم، ويشغلهم أملهم وتوقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال، وأن لا يلقوا في العاقبة إلا خيراً ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ سوء صنيعهم. والغرض الإيذان بأنهم من أهل الخذلان، وأنهم لا يجيء منهم إلا ما هم فيه، وأنه لا زاجر لهم ولا واعظ إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم الوعظ، ولا سبيل إلى اتعاظهم قبل ذلك فأمر رسوله بأن يخليهم وشأنهم ولا يشتغل بما لا طائل تحته، وأن يبالغ في تخليتهم حتى يأمرهم بما لا يزيدهم إلا ندماً في العاقبة. وفيه إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار وإعذار فيه. وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدّي إليه طول الأمل. وهذه هجيرى أكثر الناس ليس من أخلاق المؤمنين، وعن بعضهم : التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين.
﴿ وَلَهَا كتاب ﴾ جملة واقعة صفة لقرية، والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى :﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُّنذِرِينَ ﴾ [ الشعراء : ٢٠٨ ] وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال : جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب. كتاب ﴿ مَّعْلُومٌ ﴾ مكتوب معلوم، وهو أجلها الذي كتب في اللوح وبين.
ألا ترى إلى قوله ﴿ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا ﴾ في موضع كتابها، وأنث الأمة أوّلا ثم ذكرها آخراً حملا على اللفظ والمعنى وقال :﴿ وَمَا يَسْتَأخِرُونَ ﴾ بحذف «عنه » لأنه معلوم.
قرأ الأعمش :«يا أيها الذي ألقي عليه الذكر »، وكأن هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء، كما قال فرعون ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [ الشعراء : ٢٧ ] وكيف يقرّون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون. والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم مذهب واسع. وقد جاء في كتاب الله في مواضع، منها ﴿ فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ آل عمران : ٢١ ]، ﴿ إِنَّك لأَنت الحليم الرشيد ﴾ [ هود : ٨٧ ] وقد يوجد كثيراً في كلام العجم، والمعنى : إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أنّ الله نزل عليك الذكر.
﴿ لَّوْ ﴾ ركبت مع «لا » و «لا » لمعنيين : معنى امتناع الشيء لوجود غيره، ومعنى التحضيض، وأما «هل » فلم تركب إلا مع «لا » وحدها للتحضيض : قال ابن مقبل :
لَوْمَا الْحَيَاءُ وَلَوْمَا الدِّينُ عِبْتُكُمَا بِبَعْضِ مَا فِيكُمَا إذْ عِبْتُمَا عَوَرِى
والمعنى : هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك على إنذارك، كقوله تعالى ﴿ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ﴾ [ الفرقان : ٧ ] أو : هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقاً كما كانت تاتي الأمم المكذبة برسلها ؟
قرئ :«تنزل »، بمعنى تتنزل «وتنزل » على البناء للمفعول من نزل، و ﴿ نُنَزّلُ الملائكة ﴾ : بالنون ونصب الملائكة ﴿ إِلاَّ بالحق ﴾ إلا تنزلا ملتبساً بالحكمة والمصلحة، ولا حكمة في أن تأتيكم عياناً تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنكم حينئذ مصدّقون عن اضطرار ومثله قوله تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق ﴾ [ الحجر : ٨٥ ] وقيل : الحق الوحي أو العذاب. و ﴿ إِذَا ﴾ جواب وجزاء، لأنه جواب لهم وجزاء لشرط مقدر تقديره : ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين وما أخر عذابهم.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم :﴿ يأَيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر ﴾ [ الحجر : ٦ ] ولذلك قال : إنا نحن، فأكد عليهم أنه هو المنزل على القطع والبتات، وأنه هو الذي بعث به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وبين يديه ومن خلفه رصد، حتى نزل وبلغ محفوظاً من الشياطين وهو حافظه في كل وقت من كل زيادة ونقصان وتحريف وتبديل بخلاف الكتب المتقدمة ؛ فإنه لم يتول حفظها. وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا فكان التحريف، ولم يكل القرآن إلى غيره حفظه. فإن قلت : فحين كان قوله ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ رداً لإنكارهم واستهزائهم، فكيف اتصل به قوله ﴿ وَإِنَّا لَهُ لحافظون ﴾ ؟ قلت : قد جعل ذلك دليلاً على أنه منزل من عنده آية ؛ لأنه لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه. وقيل : الضمير في ﴿ لَهُ ﴾ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى ﴿ والله يَعْصِمُكَ ﴾ [ المائدة : ٦٧ ].
﴿ فِى شِيَعِ الأولين ﴾ في فرقهم وطوائفهم. والشيعة : الفرقة إذا اتفقوا على مذهب وطريقة. ومعنى أرسلناه فيهم : نبأناه فيهم وجعلناه رسولاً فيما بينهم.
﴿ وَمَا يَأْتِيهِم ﴾ حكاية حال ماضية، لأنّ «ما » لا تدخل على مضارع إلا وهو في معنى الحال، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال.
يقال : سلكت الخيط في الإبرة، وأسلكته إذا أدخلته فيها ونظمته. وقرىء :«نسلكه »، [ والضمير ] للذكر، أي : مثل ذلك السلك، ونحوه : نسلك الذكر في ﴿ قُلُوبِ المجرمين ﴾ على معنى أنه يلقيه في قلوبهم مكذباً مستهزءا به غير مقبول، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت : كذلك أنزلها باللئام، تعني مثل هذا الإنزال أنزلناها بهم مردودة غير مقضية.
ومحل قوله ﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ النصب على الحال، أي غير مؤمن به، أو هو بيان لقوله :﴿ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ ﴾. ﴿ سُنَّةُ الأوّلِينَ ﴾ طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذبوا برسلهم وبالذكر المنزل عليهم، وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم.
قرئ :«يعرجون » بالضم والكسر.
و ﴿ سُكّرَتْ ﴾ حيرت أو حبست من الإبصار، من السكر أو السكر. وقرىء :«سُكِرَت » بالتخفيف أي حبست كما يحبس النهر من الجري. وقرىء :«سَكِرَت » من السكر، أي حارت كما يحار السكران. والمعنى أنّ هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد : أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء، ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها، ورأوا من العيان ما رأوا، لقالوا : هو شيء نتخايله لا حقيقة له، ولقالوا قد سحرنا محمد بذلك. وقيل : الضمير للملائكة، أي : لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عياناً لقالوا ذلك. وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون. وقال : إنما، ليدل على أنهم يبتون القول بأنّ ذلك ليس إلا تسكيراً للأبصار.
﴿ مَنِ استرق ﴾ في محل النصب على الاستثناء. وعن ابن عباس : أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد منعوا من السموات كلها ﴿ شِهَابٌ مُّبِينٌ ﴾ ظاهر للمبصرين.
﴿ مَّوْزُونٍ ﴾ وزن بميزان الحكمة، وقدّر بمقدار تقتضيه، لا يصلح فيه زيادة ولا نقصان، أو له وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة، وقيل : ما يوزن من نحو الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها.
﴿ معايش ﴾ بياء صريحة، بخلاف الشمائل والخبائث ونحوهما، فإن تصريح الياء فيها خطأ، والصواب الهمزة، أو إخراج الياء بين بين. وقد قرئ :«معائش » بالهمزة على التشبيه ﴿ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين ﴾ عطف على معايش، أو على محل لكم، كأنه قيل : وجعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم من لستم له برازقين، أو : وجعلنا لكم معايش ولمن لستم له برازقين. وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين يحسبون أنهم يرزقونهم ويخطئون، فإنّ الله هو الرزاق، يرزقهم وإياهم، ويدخل فيه الأنعام والدواب وكل ما بتلك المثابة، مما الله رازقه، وقد سبق إلى ظنهم أنهم هم الرزاقون. ولا يجوز أن يكون مجروراً عطفاً على الضمير المجرور في ﴿ لَكُمْ ﴾ لأنه لا يعطف على الضمير المجرور.
ذكر الخزائن تمثيل. والمعنى : وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به، وما نعطيه إلا بمقدار معلوم نعلم أنه مصلحة له، فضرب الخزائن مثلاً لاقتداره على كل مقدور.
﴿ لَوَاقِحَ ﴾ فيه قولان، أحدهما : أنّ الريح لاقح إذا جاءت بخير، من إنشاء سحاب ماطر كما قيل للتي لا تأتي بخير : ريح عقيم. والثاني : أن اللواقح بمعنى الملاقح، كما قال :
وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوَائِحُ وتبدبل
يريد المطاوح جمع مطيحة. وقرىء :«وأرسلنا الريح »، على تأويل الجنس ﴿ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾ فجعلناه لكم سقيا ﴿ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين ﴾ نفى عنهم ما أثبته لنفسه في قوله :﴿ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ كأنه قال : نحن الخازنون للماء، على معنى نحن القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها، وما أنتم عليه بقادرين : دلالة على عظيم قدرته وإظهاراً لعجزهم.
﴿ وَنَحْنُ الوارثون ﴾ أي الباقون بعد هلاك الخلق كله. وقيل للباقي «وارث » استعارة من وارث الميت، لأنه يبقى بعد فنائه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه : " اجعله الوارث منا "
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ﴾ من استقدم ولادة وموتاً، ومن تأخر من الأوّلين والآخرين. أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد. أو من تقدم في الإسلام وسبق إلى الطاعة ومن تأخر. وقيل : المستقدمين في صفوف الجماعة والمتسأخرين. وروي أن امرأة حسناء كانت في المصليات خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بعض القوم يستقدم لئلا ينظر إليها، وبعض يستأخر ليبصرها فنزلت.
﴿ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ أي هو وحده القادر على حشرهم، والعالم بحصرهم مع إفراط كثرتهم وتباعد أطراف عددهم ﴿ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ باهر الحكمة واسع العلم، يفعل كل ما يفعل على مقتضى الحكمة والصواب، وقد أحاط علماً بكل شيء.
الصلصال : الطين اليابس الذي يصلصل وهو غير مطبوخ، وإذا طبخ فهو فخار. قالوا : إذا توهمت في صوته مدّا فهو صليل، وإن توهمت فيه ترجيعاً فهو صلصلة. وقيل : هو تضعيف «صل » إذا أنتن. والحمأ : الطين الأسود المتغير. والمسنون : المصوّر، من سنة الوجه، وقيل : المصبوب المفرغ، أي : أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها. وقيل : المنتن، من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به، فالذي يسيل بينهما سنين، ولا يكون إلا منتنا ﴿ مّنْ حَمَإٍ ﴾ صفة لصلصال، أي : خلقه من صلصال كائن من حمأ وحق ﴿ مَّسْنُونٍ ﴾ بمعنى مصور، أن يكون صفة لصلصال، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصل، ثم غيره بعد ذلك إلى جوهر آخر.
﴿ والجآن ﴾ للجن كآدم للناس. وقيل : هو إبليس. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد :«والجأن »، بالهمزة ﴿ مِن نَّارِ السموم ﴾ من نار الحرّ الشديد النافذ في المسام. قيل : هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التي خلق الله منها الجانّ.
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ واذكر وقت قوله ﴿ سَوَّيْتُهُ ﴾.
﴿ سَوَّيْتُهُ ﴾ عدلت خلقته وأكملتها وهيأتها لنفخ الروح فيها. ومعنى ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى ﴾ وأحييته، وليس ثمة نفخ ولا منفوخ، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيا به فيه.
واستثنى إبليس من الملائكة ؛ لأنه كان بينهم مأموراً معهم بالسجود، فغلب اسم الملائكة، ثم استثنى بعد التغليب كقولك : رأيتهم إلا هنداً.
و ﴿ أبى ﴾ استئناف على تقدير قول قائل بقول : هلا سجد ؟ فقيل : أبى ذلك واستكبر عنه. وقيل : معناه ولكن إبليس أبى. حرف الجر مع «أن » محذوف.
وتقديره ﴿ مَا لَكَ ﴾ في ﴿ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين ﴾ بمعنى أيّ غرض لك في إبائك السجود. وأي داع لك إليه.
اللام في ﴿ لأسْجُدَ ﴾ لتأكيد النفي. ومعناه : لا يصحّ مني وينافي حالي. ويستحيل أن أسجد لبشر.
﴿ رَّجِيمٍ ﴾ شيطان من الذين يرجمون بالشهب، أو مطرود من رحمة الله ؛ لأن من يطرد يرجم بالحجارة.
ومعناه : ملعون ؛ لأن اللعن هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها. والضمير في ﴿ مِنْهَا ﴾ راجع إلى الجنة أو السماء، أو إلى جملة الملائكة. وضرب يوم الدين حداً للعنة، إما لأنه [ أبعد ] غاية يضربها الناس في كلامهم، كقوله ﴿ مَا دَامَتِ السموات والأرض ﴾ [ هود : ١٠٧ ] في التأبيد. وإما أن يراد أنك مذموم مدعوّ عليك باللعن في السموات والأرض إلى يوم الدين، من غير أن تعذب، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما يُنسى اللعن معه.
و ﴿ يَوْمِ الدين ﴾ و ﴿ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ و ﴿ يَوْمِ الوقت المعلوم ﴾ [ الحجر : ٣٨ ] في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة.
و ﴿ يَوْمِ الدين ﴾ و ﴿ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ و ﴿ يَوْمِ الوقت المعلوم ﴾ [ الحجر : ٣٨ ] في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة.
وقيل : إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت ؛ لأنه لا يموت يوم البعث أحد، فلم يجب إلى ذلك، وأُنظر إلى آخر أيام التكليف.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:و ﴿ يَوْمِ الدين ﴾ و ﴿ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ و ﴿ يَوْمِ الوقت المعلوم ﴾ [ الحجر : ٣٨ ] في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة.
وقيل : إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت ؛ لأنه لا يموت يوم البعث أحد، فلم يجب إلى ذلك، وأُنظر إلى آخر أيام التكليف.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:و ﴿ يَوْمِ الدين ﴾ و ﴿ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ و ﴿ يَوْمِ الوقت المعلوم ﴾ [ الحجر : ٣٨ ] في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة.
وقيل : إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت ؛ لأنه لا يموت يوم البعث أحد، فلم يجب إلى ذلك، وأُنظر إلى آخر أيام التكليف.

﴿ بِمَا أغويتني ﴾ الباء للقسم. و «ما » مصدرية وجواب القسم ﴿ لأُزَيِّنَنَّ ﴾ المعنى : أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم. ومعنى إغوائه إياه : تسبيبه لغيه، بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام، فأفضى ذلك إلى غيه. وما الأمر بالسجود إلا حسن وتعريض للثواب بالتواضع والخضوع لأمر الله، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك، والله تعالى بريء من غيه ومن إرادته والرضا به، ونحو قوله ﴿ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ ﴾ قوله :﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص : ٨٢ ] في أنه إقسام، إلا أن أحدهما إقسام بصفته والثاني إقسام بفعله، وقد فرق الفقهاء بينهما. ويجوز أن لا يكون قسماً، ويقدر قسم محذوف، ويكون المعنى : بسبب تسبيبك لإغوائي أقسم لأفعلنّ بهم نحو ما فعلت بي من التسبيب لإغوائهم، بأن أزين لهم المعاصي وأوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم ﴿ فِى الأرض ﴾ في الدنيا التي هي دار الغرور، كقوله تعالى ﴿ أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ ﴾ [ الأعراف : ١٧٦ ] أو أراد أني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء، فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر. أو أراد : لأجعلنّ مكان التزيين عندهم الأرض، ولأوقعن تزييني فيها، أي : لأزيننها في أعينهم ولأحدّثنهم بأنّ الزينة في الدنيا وحدها، حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها.
ونحوه :
يَجْرَحْ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي ***
استثنى المخلصين ؛ لأنه علم أنّ كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلون منه.
أي ﴿ هذا ﴾ طريق حق ﴿ عَلَىَّ ﴾ أن أراعيه.
وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي، إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته : وقرئ :«عليّ » وهو من علو الشرف والفضل.
﴿ لَمَوْعِدُهُمْ ﴾ الضمير للغاوين.
وقيل : أبواب النار أطباقها وأدراكها، فأعلاها للموحدين، والثاني لليهود، والثالث للنصارى، والرابع للصابئين، والخامس للمجوس، والسادس للمشركين، والسابع للمنافقين، وعن ابن عباس رضي الله عنه : إن جهنم لمن ادعى الربوبية، ولظى لعبدة النار، والحطمة لعبدة الأصنام وسقر لليهود، والسعير للنصارى، والجحيم للصابئين، والهاوية للموحدين. وقرئ :«جزء »، بالتخفيف والتثقيل. وقرأ الزهري :«جزّ »، بالتشديد ؛ كأنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الزاي، كقولك : خبّ في خبء، ثم وقف عليه بالتشديد، كقولهم : الرجل، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف.
المتقي على الإطلاق : من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : اتقوا الكفر والفواحش، ولهم ذنوب تكفرها الصلوات وغيرها.
﴿ ادخلوها ﴾ على إرادة القول. وقرأ الحسن :«أدخلوها » ﴿ بِسَلامٍ ﴾ سالمين أو مسلماً عليكم : تسلم عليكم الملائكة.
الغل : الحقد الكامن في القلب، من انغل في جوفه وتغلغل، أي : إن كان لأحدهم في الدنيا غلّ على آخر. نزع الله ذلك من قلوبهم وطيب نفوسهم. وعن عليّ رضي الله عنه : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. وعن الحرث الأعور : كنت جالساً عنده إذ جاء ابن طلحة فقال له عليّ : مرحباً بك يا ابن أخي. أما والله إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله تعالى ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ ﴾ فقال له قائل : كلا، الله أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد، فقال : فلمن هذه الآية لا أمّ لك ؟ وقيل : معناه طهر الله قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة، ونزع منها كل غل، وألقى فيها التوادّ والتحاب. و ﴿ إِخْوَانًا ﴾ نصب على الحال. و ﴿ على سُرُرٍ متقابلين ﴾ كذلك. وعن مجاهد. تدور بهم الأسرة حيثما داروا، فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين.
لما أتم ذكر الوعد والوعيد أتبعه ﴿ فِى عِبَادِى ﴾ تقريراً لما ذكر وتمكيناً له في النفوس. وعن ابن عباس رضي الله عنه : غفور لمن تاب، وعذابه لمن لم يتب.
وعطف ﴿ وَنَبّئْهُمْ ﴾ على نبىء عبادي، ليتخذوا ما أحل من العذاب يوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين، ويتحققوا عنده أنّ عذابه هو العذاب الأليم.
﴿ سَلاَماً ﴾ أي نسلم عليك سلاماً، أو سلمت سلاماً ﴿ وَجِلُونَ ﴾ خائفون، وكان خوفه لامتناعهم من الأكل. وقيل : لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت.
وقرأ الحسن :«لا توجل » بضم التاء من أوجله يوجله إذا أخافه. وقرىء :«لا تأجل ». «ولا تواجل »، من واجله بمعنى أوجله. وقرىء :«نبشرك » بفتح النون والتخفيف ﴿ إِنَّا نُبَشّرُكَ ﴾ استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل : أرادوا أنك بمثابة الآمن المبشر فلا توجل.
يعني ﴿ أَبَشَّرْتُمُونِى ﴾ مع مس الكبر، بأن يولد لي. أي : أن الولادة أمر عجيب مستنكر في العادة مع الكبر ﴿ فَبِمَ تُبَشّرُونَ ﴾ هي ما الاستفهامية دخلها معنى التعجب، كأنه قال : فبأي أعجوبة تبشرونني أو أراد أنكم تبشرونني بما هو غير مقصور في العادة فبأي شيء تبشرون يعني لا تبشرونني في الحقيقة بشيء ؛ لأنّ البشارة بمثل هذا بشارة بغير شيء. ويجوز أن لا يكون صلة لبشر، ويكون سؤالاً عن الوجه والطريقة يعني : بأي طريقة تبشرونني بالولد، والبشارة لا طريقة لها في العادة.
وقوله ﴿ بشرناك بالحق ﴾ يحتمل أن تكون الباء فيه صلة، أي : بشرناك باليقين الذي لا لبس فيه، أو بشرناك بطريقة هي حق وهي قول الله ووعده، وأنه قادر على أن يوجد ولداً من غير أبوين، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر. وقرىء :«تبشرونَ »، بفتح النون وبكسرها على حذف نون الجمع، والأصل تبشرونن، «وتبشرونِّ » بإدغام نون الجمع في نون العماد.
وقرىء :«من القنطين » من قنط يقنط، وقرىء : و «من يقنط »، بالحركات الثلاث في النون، أراد : ومن يقنط من رحمة ربه إلا المخطئون طريق الصواب، أو إلا الكافرون، كقوله :﴿ لا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون ﴾ [ يوسف : ٨٧ ] يعني : لم أستنكر ذلك قنوطاً من رحمته، ولكن استبعاداً له في العادة التي أجراها الله.
فإن قلت قوله تعالى :﴿ إِلا ءالَ لُوطٍ ﴾ استثناء متصل أو منقطع ؟ قلت، لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم، فيكون منقطعاً ؛ لأنّ القوم موصوفون بالإجرام، فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين، فيكون متصلاً، كأنه قيل : إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم، كما قال ﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين ﴾ [ الذاريات : ٣٦ ]. فإن قلت : فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين ؟ قلت : نعم، وذلك أنّ آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً. ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين، كإرسال الحجر أو السهم إلى المرميّ. في أنه في معنى التعذيب والإهلاك، كأنه قيل : إنا أهلكنا قوماً مجرمين، ولكن آل لوط أنجيناهم. وأمّا في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء، فلا يكون الإرسال مخلصاً بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأوّل. فإن قلت : فقوله ﴿ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ ﴾ بم يتعلق على الوجهين ؟ قلت : إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر «لكنّ » في الاتصال بآل لوط، لأنّ المعنى. لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً، كأنّ إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط، فقالوا : إنا لمنجوهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:فإن قلت قوله تعالى :﴿ إِلا ءالَ لُوطٍ ﴾ استثناء متصل أو منقطع ؟ قلت، لا يخلو من أن يكون استثناء من قوم، فيكون منقطعاً ؛ لأنّ القوم موصوفون بالإجرام، فاختلف لذلك الجنسان وأن يكون استثناء من الضمير في مجرمين، فيكون متصلاً، كأنه قيل : إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم، كما قال ﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين ﴾ [ الذاريات : ٣٦ ]. فإن قلت : فهل يختلف المعنى لاختلاف الاستثناءين ؟ قلت : نعم، وذلك أنّ آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال، وعلى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة، ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً. ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين، كإرسال الحجر أو السهم إلى المرميّ. في أنه في معنى التعذيب والإهلاك، كأنه قيل : إنا أهلكنا قوماً مجرمين، ولكن آل لوط أنجيناهم. وأمّا في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء، فلا يكون الإرسال مخلصاً بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأوّل. فإن قلت : فقوله ﴿ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ ﴾ بم يتعلق على الوجهين ؟ قلت : إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر «لكنّ » في الاتصال بآل لوط، لأنّ المعنى. لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً، كأنّ إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط، فقالوا : إنا لمنجوهم.
فإن قلت : فقوله :﴿ إِلاَّ امرأته ﴾ ممّ استثني ؛ وهل هو استثناء من استثناء ؟ قلت : استثنى من الضمير المجرور في قوله ﴿ لَمُنَجُّوهُمْ ﴾ وليس من الاستثناء في شيء ؛ لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، وأن يقال : أهلكناهم إلا آل لوط، إلا امرأته، كما اتحد الحكم في قول المطلق : أنت طالق ثلاثاً، إلا اثنتين، إلا واحدة. وفي قول المقرّ : لفلان عليّ عشرة دراهم، إلا ثلاثة، إلا درهما. فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان، لأنّ ﴿ إِلا ءالَ لُوطٍ ﴾ متعلق بأرسلنا، أو بمجرمين، و ﴿ إِلاَّ امرأته ﴾ قد تعلق بمنجوهم، فأنى يكون استثناء من استثناء. وقرئ :«لمنجوهم » بالتخفيف والتثقيل. فإن قلت : لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله ﴿ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين ﴾ والتعليق من خصائص أفعال القلوب ؟ قلت : لتضمن فعل التقدير معنى العلم، ولذلك فسر العلماء تقدير الله أعمال العباد بالعلم. فإن قلت : فلم أسند الملائكة فعل التقدير- وهو لله وحده - إلى أنفسهم، ولم يقولوا : قدّر الله ؟ قلت : لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم، كما يقول خاصة الملك : دبرنا كذا وأمرنا بكذا، والمدبر والآمر هو الملك لا هم، وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم وأنهم لا يتميزون عنه. وقرئ :«قدرنا »، بالتخفيف.
﴿ مُنكِرُونَ ﴾ أي تنكركم نفسي وتنفر منكم، فأخاف أن تطرقوني بشرّ، بدليل قوله :﴿ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾.
﴿ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله، بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك وتشفيك من عدوّك، وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله، فيمترون فيه ويكذبونك.
﴿ بالحق ﴾ باليقين من عذابهم ﴿ وِإِنَّا لصادقون ﴾ في الإخبار بنزوله بهم.
وقرىء :«فأسر » بقطع الهمزة ووصلها، من أسرى وسرى. وروى صاحب الإقليد : فسر، من السير والقطع في آخر الليل. قال :
افْتَحِى الْبَابَ وانْظُرِي في النُّجُوم كَمْ عَلَيْنَا من قِطعِ لَيْلٍ بَهِيم
وقيل : هو بعد ما يمضي شيء صالح من الليل. فإن قلت : ما معنى أمره باتباع أدبارهم ونهيهم عن الالتفات ؟ قلت قد بعث الله الهلاك على قومه، ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم، وخرج مهاجراً فلم يكن له بدّ من الاجتهاد في شكر الله وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدّمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعاً عليهم وعلى أحوالهم، فلا تفرط منهم التفاتة احتشاماً منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدّم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم، ويمضوا قدماً غير ملتفتين إلى ما وراءهم كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوي إليه أخادعه، كما قال :
َلَفَّتُّ نَحْوَ حَييِّ حتى وَجَدتُنِي وَجِعْتُ مِنَ الإِصْغَاءِ لِيتاً وَأَخْدَعَا
أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف، لأنّ من يلتفت لا بدّ له في ذلك من أدنى وقفة ﴿ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴾ قيل هو مصر وعدي ﴿ وامضوا ﴾ الى ﴿ حيث ﴾ تعديته الى الظرف المبهم لأن ﴿ حَيْثُ ﴾ مبهم في الأمكنة، وكذلك الضمير في ﴿ تَأْمُرُونَ ﴾ وعدي.
﴿ قَضَيْنَا ﴾ بإلى لأنه ضمن معنى : أوحينا، كأنه قيل : وأوحينا إليه مقضياً مبتوتاً. وفسر ﴿ ذَلِكَ الأمر ﴾ بقوله ﴿ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ ﴾ وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له. وقرأ الأعمش :«إن »، بالكسر على الاستئناف كأن قائلاً قال : أخبرنا عن ذلك الأمر، فقال : إنّ دابر هؤلاء. وفي قراءة ابن مسعود :«وقلنا إنّ دابر هؤلاء ». ودابرهم : آخرهم، يعني : يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد.
﴿ أَهْلِ المدينة ﴾ أهل سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور، مستبشرين بالملائكة.
﴿ فلا تَفْضَحُونِ ﴾ بفضيحة ضيفي، لأنّ من أسيء إلى ضيفه أو جاره فقد أسيء إليه، كما أن من أُكرم من يتصل به فقد أُكرم.
﴿ وَلاَ تُخْزُونِ ﴾ ولا تذلونِ بإذلال ضيفي، من الخزي وهو الهوان. أو ولا تشوّروا بي، من الخزاية وهي الحياء.
﴿ عَنِ العالمين ﴾ عن أن تجير منهم أحداً، أو تدفع عنهم، أو تمنع بيننا وبينهم، فإنهم كانوا يتعرّضون لكل أحد، وكان يقوم صلى الله عليه وسلم بالنهي عن المنكر، والحجر بينهم وبين المتعرّض له، فأوعدوه وقالوا : لئن لم تنته يا لوط لتكوننّ من المخرجين. وقيل : عن ضيافة الناس وإنزالهم، وكانوا نهوه أن يضيف أحداً قط.
﴿ هؤلاء بَنَاتِى ﴾ إشارة إلى النساء ؛ لأنّ كل أمّة أولاد نبيها رجالهم بنوه ونساؤهم بناته، فكأنه قال لهم : هؤلاء بناتي فانكحوهنّ، وخلوا بنيّ فلا تتعرضوا لهم ﴿ إِن كُنتُمْ فاعلين ﴾ شك في قبولهم لقوله، كأنه قال : إن فعلتم ما أقول لكم وما أظنكم تفعلون. وقيل : إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرّم.
﴿ لَعَمْرُكَ ﴾ على إرادة القول، أي قالت الملائكة للوط عليه السلام : لعمرك ﴿ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ ﴾ أي غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم، من ترك البنين إلى البنات ﴿ يَعْمَهُونَ ﴾ يتحيرون، فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك، وقيل : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له، والعمر والعمر واحد، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فيه، وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم، ولذلك حذفوا الخبر، وتقديره : لعمرك مما أقسم به، كما حذفوا الفعل في قولك : بالله. وقرىء :«في سكرهم وفي سكراتهم ».
﴿ الصيحة ﴾ صيحة جبريل عليه السلام ﴿ مُشْرِقِينَ ﴾ داخلين في الشروق وهو بزوع الشمس.
﴿ مّن سِجّيلٍ ﴾ قيل : من طين، عليه كتاب من السجل، ودليله قوله تعالى :﴿ حِجَارَةً مّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ ﴾ [ الذاريات : ٣٣ - ٣٤ ] أي معلمة بكتاب.
﴿ لِلْمُتَوَسّمِينَ ﴾ للمتفرّسين المتأملين. وحقيقة المتوسمين النظار المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء. يقال : توسمت في فلان كذا، أي عرفت وسمه فيه. والضمير في ﴿ عاليها سَافِلَهَا ﴾ لقرى قوم لوط.
﴿ وَإِنَّهَا ﴾ وإنّ هذه القرى يعني آثارها ﴿ لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ ﴾ ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد، وهم يبصرون تلك الآثار، وهو تنبيه لقريش كقوله :﴿ وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ ﴾ [ الصافات : ١٣٧ ].
﴿ أصحاب الأيكة ﴾ قوم شعيب.
﴿ وَإِنَّهُمَا ﴾ يعني قرى قوم لوط والأيكة. وقيل : الضمير للأيكة ومدين، لأنّ شعيباً كان مبعوثاً إليهما فلما ذكر الأيكة دل بذكرها على مدين فجاء بضميرهما ﴿ لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ لبطريق واضح، والإمام اسم لما يؤتم به، فسمي به الطريق ومطمر البناء واللوح الذي يكتب فيه، لأنها مما يؤتم به.
﴿ أصحاب الحجر ﴾ ثمود، والحجر واديهم، وهو بين المدينة والشأم ﴿ المرسلين ﴾ يعني بتكذيبهم صالحاً، لأنّ من كذب واحداً منهم فكأنما كذبهم جميعاً، أو أراد صالحاً ومن معه من المؤمنين كما قيل : الخبيبون في ابن الزبير وأصحابه. وعن جابر :( مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال لنا " «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، حذراً أن يصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء " ثم زجر النبي صلى الله عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلفها ).
﴿ ءامِنِينَ ﴾ لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تتهدم ويتداعى بنيانها، ومن نقب اللصوص ومن الأعداء وحوادث الدهر. أو آمنين من عذاب الله يحسبون أنّ الجبال تحميهم منه.
﴿ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ من بناء البيوت الوثيقة والأموال والعدد.
﴿ إِلاَّ بالحق ﴾ إلا خلقاً ملتبساً بالحق والحكمة، لا باطلا وعبثاً. أو بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال ﴿ وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ ﴾ وإنّ الله ينتقم لك فيها من أعدائك، ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيآتهم ؛ فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا لذلك ﴿ فاصفح ﴾ فأعرض عنهم واحتمل ما تلقى منهم إعراضاً جميلاً بحلم وإغضاء. وقيل : هو منسوخ بآية السيف. ويجوز أن يراد به المخالقة فلا يكون منسوخاً.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق ﴾ الذي خلقك وخلقهم، وهو ﴿ العليم ﴾ بحالك وحالهم، فلا يخفى عليه ما يجري بينكم وهو يحكم بينكم. أو إن ربك هو الذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم، وقد علم أنَّ الصفح اليوم أصلح إلى أن يكون السيف أصلح. وفي مصحف أُبيّ وعثمان : إن ربك هو الخالق وهو يصلح للقليل والكثير، والخلاق للكثير لا غير، كقولك : قطع الثياب. وقطع الثوب والثياب.
﴿ سَبْعاً ﴾ سبع آيات وهي الفاتحة. أو سبع سور وهي الطوال، واختلف في السابعة فقيل : الأنفال وبراءة، لأنهما في حكم سورة واحدة، ولذلك لم يفصل بينهما بآية التسمية. وقيل سورة يونس. وقيل : هي آل حم، أو سبع صحائف وهي الأسباع. و ﴿ المثاني ﴾ من التثنية وهي التكرير ؛ لأن الفاتحة مما تكرر قراءتها في الصلاة وغيرها، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله، الواحدة مثناة أو مثنية صفة للآية. وأمّا السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك، ولما فيها من الثناء، كأنها تثني على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى. و «من » إما للبيان أو للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطوال، وللبيان إذا أردت الأسباع. ويجوز أن يكون كتب الله كلها مثاني، لأنها تثني عليه، ولما فيها من المواعظ المكررة، ويكون القرآن بعضها، فإن قلت : كيف صح عطف القرآن العظيم على السبع، وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه ؟ قلت : إذا عنى بالسبع الفاتحة أو الطوال، فما وراءهنّ ينطلق عليه اسم القرآن، لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل. ألا ترى إلى قوله :﴿ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا القرءان ﴾ يعني سورة يوسف : وإذا عنيت الأسباع فالمعنى : ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم، أي : الجامع لهذين النعتين، وهو الثناء أو التثنية والعظم.
أي : لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمنّ له ﴿ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مّنْهُمْ ﴾ أصنافاً من الكفار. فإن قلت : كيف وصل هذا بما قبله ؟ قلت : يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة، وهي القرآن العظيم ؛ فعليك أن تستغني به، ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا. ومنه الحديث :«ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن »، وحديث أبي بكر «من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي، فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً » وقيل : وافت من بصرى وأذرعات : سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير، فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها، ولأنفقناها في سبيل الله، فقال لهم الله عز وعلا : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع ﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لا تتمنّ أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوّى بمكانهم الإسلام وينتعش بهم المؤمنون، وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم، وطب نفساً عن إيمان الأغنياء والأقوياء.
﴿ وَقُلْ ﴾ لهم ﴿ إِنّى أَنَا النذير المبين ﴾ أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب الله نازل بكم.
فإن قلت : بم تعلق قوله :﴿ كَمَآ أَنْزَلْنَا ﴾ ؟ قلت : فيه وجهان، أحدهما، أن يتعلق بقوله :﴿ وَلَقَدْ ءاتيناك ﴾ [ الحجر : ٨٧ ] أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون.
﴿ الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ ﴾ حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، فاقتسموه إلى حق وباطل، وعضوه. وقيل : كانوا يستهزؤن به فيقول بعضهم : سورة البقرة لي، ويقول الآخر : سورة آل عمران لي، ويجوز أن يراد بالقرآن : ما يقرؤنه من كتبهم، وقد اقتسموه بتحريفهم، وبأنّ اليهود أقرّت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم، وقولهم سحر وشعر وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم. والثاني أن يتعلق بقوله :﴿ وَقُلْ إِنّى أَنَا النذير المبين ﴾ [ الحجر : ٨٩ ] أي : وأنذر قريشاً مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، يعني اليهود، وهو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز ؛ لأنه إخبار بما سيكون وقد كان. ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوباً بالنذير، أي : أنذر المعضين الذين يجزئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فقعدوا في كل مدخل متفرّقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول بعضهم : لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر. ويقول الآخر : كذاب، والآخر : شاعر، فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات، كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب وغيرهم، أو مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحاً عليه السلام، والاقتسام بمعنى التقاسم. فإن قلت : إذا علقت قوله :﴿ كَمَآ أَنْزَلْنَا ﴾ بقوله :﴿ وَلَقَدْ ءاتيناك ﴾ [ الحجر : ٨٧ ] فما معنى توسط ﴿ لاَ تَمُدَّنَّ ﴾ [ الحجر : ٨٨ ] إلى آخره بينهما ؟ قلت : لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم، اعترض بما هو مدد لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم، ومن الأمر بأن يقبل بمجامعه على المؤمنين ﴿ عِضِينَ ﴾ أجزاء، جمع عضة، وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء. قال رؤبة :
وَلَيْسَ دينُ اللَّهِ بِالْمَعْضِيِّ ***
وقيل : هي فعلة، من عضهته إذا بهته. وعن عكرمة : العضة السحر، بلغة قريش، يقولون للساحر عاضهة.
ولعن النبي صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة، نقصانها على الأوّل واو، وعلى الثاني هاء.
﴿ لَنَسْئَلَنَّهُمْ ﴾ عبارة عن الوعيد. وقيل يسألهم سؤال تقريع.
وعن أبي العالية : يسأل العباد عن خلتين : عما كانوا يعبدون وماذا أجابوا المرسلين.
﴿ فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ فاجهر به وأظهره. يقال : صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً، كقولك : صرح بها، من الصديع وهو الفجر، والصدع في الزجاجة : الإبانة. وقيل :﴿ فاصدع ﴾ فافرق بين الحق والباطل بما تؤمر، والمعنى بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجارّ، كقوله :
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِه ِ***
ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية، أي بأمرك مصدر من المبني للمفعول.
عن عروة بن الزبير في المستهزئين : هم خمسة نفر ذوو أسنان وشرف : الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحرث بن الطلاطلة. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ماتوا كلهم قبل بدر قال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أكفيكهم، فأومأ إلى ساق الوليد فمرّ بنبال فتعلق بثوبه سهم، فلم ينعطف تعظَّماً لأخذه، فأصاب عرقاً في عقبه فقطعه فمات، وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل، فدخلت فيها شوكة، فقال : لدغت لدغت وانتفخت رجله، حتى صارت كالرحى ومات، وأشار إلى عيني الأسود بن المطلب، فعمى وأشار إلى أنف الحرث بن قيس، فامتخط قيحاً فمات، وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة، فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات.
﴿ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ من أقاويل الطاعنين فيك وفي القرآن.
﴿ فَسَبّحْ ﴾ فافزع فيما نابك إلى الله، والفزع إلى الله : هو الذكر الدائم وكثرة السجود، يكفك ويكشف عنك الغم.
ودم على عبادة ربك ﴿ حتى يَأْتِيَكَ اليقين ﴾ أي الموت، أي ما دمت حياً فلا تخل بالعبادة.
Icon