تفسير سورة الشعراء

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مكيّة، إلاّ قوله ) والشعراء يتّبعهم الغاوون ( إلى آخر السورة فإنّها مدنية، وهي خمسة آلاف وخمسمائة وإثنان وأربعون حرفاً، وألف ومائتان وسبع وتسعون كلمة ومائتان وسبع وعشرون آية
أخبرنا أبو الحسين الخبازي قال : حدّثنا أبو الشيخ الاصفهاني قال : حدّثنا أبو العباس الطهراني قال : حدّثنا يحيى بن يعلى بن منصور قال : حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدّثنا أبي عن أبي بكر عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : أُعطيت السورة التي يذكر فيها البقرة من الذكر الأوّل، وأُعطيت طه والطواسين من ألواح موسى ( عليه السلام )، وأُعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي يذكر فيها البقرة من تحت العرش، وأُعطيت المفصّل نافلة.
وأخبرني أبو الحسن محمد بن القاسم الماوردي الفارسي قال : حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم ابن منصور الخيزراني ببغداد قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن حبيب قال : حدّثنا يعقوب بن يوسف قال : حدّثنا يحيى بن يحيى قال : أخبرنا خارجة عن عبد الله عن إسماعيل بن أبي رافع عن الرقاشي وعن الحسن عن أنس أنّه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : إنّ الله أعطاني السبع مكان التوراة، وأعطاني الطواسين مكان الزبور، وفضّلني بالحواميم والمفصّل ما قرأهن نبيّ قبلي.
وأخبرني كامل بن أحمد النحوي وسعيد بن محمد المقري قالا : أخبرنا أحمد بن محمد ابن جعفر الشروطي قال : حدّثنا إبراهيم بن شريك الكوفي قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله اليربوعي قال : حدّثنا سلام بن سليم قال : حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه أبي أمامة عن أُبي بن كعب قال : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مَن قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بنوح وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم، وبعدد مَن كذّب بعيسى وصدّق بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)
طسم اختلف القرّاء فيها وفي أختيها فكسر الطاء فيهن على الإمالة حمزة والكسائي وخلف وعاصم في بعض الروايات. وقرأ أهل المدينة بين الكسر والفتح وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وقرأ غيرهم بالفتح على التضخيم، وأظهر النون في السين هاهنا وفي سورة القصص أبو جعفر وحمزة للتبيين والتمكين، وأخفاها الآخرون لمجاورتها حروف الفم. وأمّا تأويلها فروى الوالبي عن ابن عباس قال: طسم قسم وهو من اسماء الله سبحانه، عكرمة عنه: عجزت العلماء عن علم تفسيرها. مجاهد: اسم السورة. قتادة وأبو روق: اسم من أسماء القرآن أقسم الله عزّ وجلّ به، القرظي أقسم الله سبحانه بطوله وسنائه وملكه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش «١» قال: حدّثني أحمد بن عبيد الله بن يحيى الدارمي قال: حدّثني محمد بن عبده المصّيصي قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي قال: حدّثنا محمد بن بشر الرقّي قال: حدّثنا أبو عمر حفص بن ميسرة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية طسم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الطاء طور سيناء والسين الاسكندرية والميم مكة» «٢» [٩٤].
وقال جعفر الصادق (عليه السلام) : الطاء طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى صلى الله عليه وسلّم.
تِلْكَ آياتُ أي هذه آيات الْكِتابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ باخِعٌ قاتل نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وذلك حين كذّبه أهل مكة فشق ذلك عليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية، نظيرها في الكهف.
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ذليلين قال: لو شاء الله سبحانه لأنزل عليهم آية يذلّون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله عزّ وجل، ابن جريج: لو شاء لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بمعصية.
(١) في النسخة الثانية: حبش المقري. [.....]
(٢) زاد المسير: ٦/ ٣٠.
156
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبّان قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى «١» قال: حدّثنا علي بن علي قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي في هذه الآية قال: بلغنا- والله أعلم- أنّها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان يخرج له العواتق من البيوت.
وبه عن أبي حمزة قال: حدّثني الكلبي عن أبي صالح مولى أم هاني أنّ عبد الله بن عباس حدّثه قال: نزلت هذه الآية فينا وفي بني أميّة قال: سيكون لنا عليهم الدولة فتذلّ لنا أعناقهم بعد صعوبة، وهوان بعد عزة. وأمّا قوله سبحانه خاضِعِينَ ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق ففيه وجوه صحيحة من التأويل: أحدها: فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم لأنّ الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعل الفعل أوّلا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال، كقول الشاعر:
على قبضة مرجوة ظهر كفّه فلا المرء مستحي ولا هو طاعم «٢»
فأنّث فعل الظهر لأنّ الكفّ تجمع الظهر وتكفى منه كما أنّك مكتف بأن تقول: خضعت للأمر أن تقول: خضعت لك رقبتي، ويقول العرب: كلّ ذي عين ناظر إليك وناظرة إليك لأنّ قولك: نظرت إليك عيني ونظرت بمعنى واحد، وهذا شائع في كلام العرب أن يترك الخبر عن الأول ويعمد الى الآخر فيجعل له الخبر كقول الراجز:
طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي «٣»
فأخبر عن الليالي وترك الطول، قال جرير:
أرى مرّ السنين أخذن منّي كما أخذ السرار من الهلال «٤»
وقال الفرزدق:
نرى أرماحهم متقلّديها إذا صدئ الحديد على الكماة «٥»
فلم يجعل الخبر للأرماح وردّه الى هم لكناية القوم وإنما جاز ذلك لأنه لو أسقط من وطول والأرماح من الكلام لم يفسد سقوطها معنى الكلام، فكذلك رد الفعل الى الكناية في قوله أعناقهم لأنه لو أسقط الأعناق لما فسد الكلام ولأدّى ما بقي من الكلام عنها وكان فظلوا خاضعين لها واعتمد الفرّاء وأبو عبيد على هذا القول.
(١) في النسخة الثانية: ابراهيم بن إسحاق.
(٢) جامع البيان للطبري: ١٩/ ٧٨.
(٣) تفسير القرطبي: ١٣/ ٩٠.
(٤) تفسير القرطبي: ٧/ ٢٦٤.
(٥) جامع البيان للطبري: ١ ٩/ ٧٧.
157
وقال قوم: ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله هم، على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه الى مذكر، وتأنيث المذكر إذا أضافوه الى مؤنّث، كقول الأعشى:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته... كما شرقت صدر القناة من الدم «١»
وقال العجاج:
لما رأى متن السماء أبعدت.
وقيل: لما كان الخضوع وهو المتعارف من بني آدم أخرج الأعناق مخرج بني آدم كقوله وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «٢» وقوله سبحانه يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «٣» ومنه قول الشاعر:
تمززتها والديك يدعو صباحه... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا «٤»
وقيل: إنما قال خاضِعِينَ «٥» فعبّر بالأعناق عن جميع الأبدان، والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كله كقوله بِما قَدَّمَتْ يَداكَ «٦» وقوله أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ «٧» ونحوهما.
قال مجاهد: أراد بالأعناق هاهنا الرؤساء والكبراء، وقيل: أراد بالأعناق الجماعات والطوائف من الناس، يقال: جاء القوم عنقا أي طوائف وعصبا كقول الشاعر:
انّ العراق وأهله عنق... إليك فهيت هيتا «٨»
وقرأ ابن أبي عبلة: فظلّت أعناقهم لها خاضعة.
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ أي وعظ وتذكير مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ في الوحي والتنزيل إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا أخبار وعواقب وجزاء ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وهذا وعيد لهم أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ لون وصنف من النبات ممّا يأكل الناس والأنعام كَرِيمٍ حسن يكرم على الناس، يقال: نخلة كريمة إذا طاب حملها وناقة كريمة إذا كثر لبنها.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن
(١) تفسير القرطبي: ٩/ ١٣٢.
(٢) سورة يوسف: ٤.
(٣) سورة النمل: ١٨.
(٤) لسان العرب: ٦/ ٣٥٥.
(٥) في النسخة الثانية زيادة: لأجل رؤوس الآي ليكون على نسق واحد، وقيل: أراد: فظلّوا خاضعين.
(٦) سورة الحج: ١٠.
(٧) سورة الإسراء: ١٣.
(٨) لسان العرب: ١٠/ ٢٧٣. [.....]
158
بختويه قال: حدّثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي يوسف «١» قالا: حدّثنا محمد بن يوسف الغزالي قال: حدّثنا سفيان عن رجل عن الشعبي في قوله أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ قال:
الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنّة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت لَآيَةً لدلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي وحكمتي وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ لما سبق من علمي فيهم، قال سيبويه: كانَ هاهنا صلة، مجازه:
وما أكثرهم مؤمنين وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ بالنقمة من أعدائه الرَّحِيمُ ذو الرحمة بأوليائه.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠ الى ٣٣]
وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)
قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩)
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤)
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣)
وَإِذْ نادى واذكر يا محمد إذ نادى رَبُّكَ مُوسى حين رأى الشجرة والنار أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لأنفسهم بالكفر والمعصية ولبني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب.
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ وقرأ عبيد بن عمير بالتاء أي قل لهما: ألا تتّقون؟ قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي من تكذيبهم إيّاي وَلا يَنْطَلِقُ ولا ينبعث لِسانِي بالكلام والتبليغ للعقدة التي فيه، قراءة العامة برفع القافين على قوله أَخافُ ونصبها يعقوب على معنى وأن يضيق ولا ينطلق فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة، وهذا كما تقول: إذا نزلت بي نازلة أرسلت إليك، أي لتعينني وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ يعني القتل الذي قتله منهم واسمه ماثون، وكان خباز فرعون، وقيل: على معنى: عندي ولهم عندي ذنب فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ به قالَ الله سبحانه كَلَّا أي لن يقتلوك فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ
(١) في النسخة الثانية: بن أبي سفيان.
159
سامعون ما يقولون وما تجابون، وإنّما أراد بذلك تقوية قلبيهما وإخبارهما أنّه يعينهما ويحفظهماأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
ولم يقل رسولا لأنه أراد المصدر أي رسالة ومجازه: ذو رسالة رب العالمين، كقول كثيّر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسرّ ولا أرسلتهم برسول «١»
أي برسالة. وقال العباس بن مرداس:
إلّا من مبلغ عنّا خفافا رسولا بيت أهلك منتهاها «٢»
يعني رسالة فلذلك انتهاء، قاله الفرّاء.
وقال أبو عبيد: يجوز أن يكون الرسول في معنى الواحد والاثنين والجمع، تقول العرب:
هذا رسولي ووكيلي، وهذان رسولي ووكيلي، وهؤلاء رسولي ووكيلي، ومنه قوله فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي «٣» وقيل: معناه كل واحد منا رسول ربّ العالمين.
أَنْ أي بأن أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ إلى فلسطين ولا تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفا فانطلق موسى إلى مصر، وهارون بها وأخبره بذلك فانطلقا جميعا الى فرعون، فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البوّاب فقال لفرعون: هاهنا إنسان يزعم أنّه رسول رب العالمين، فقال فرعون: ايذن له لعلّنا نضحك منه، فدخلا عليه وأدّيا إليه رسالة الله سبحانه وتعالى فعرف فرعون موسى لأنّه نشأ في بيته فقال له أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً صبيّا وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وهي ثلاثون سنة وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعني قتل القبطي.
أخبرنا ابن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني موسى الأنصاري عن السري بن إسماعيل عن الشعبي انه قرأ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي بكسر الفاء ولم يقرأ بها غيره.
وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي، ربيناك فينا وليدا فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منّا وكفرت بنعمتنا، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس، وقال: إنّ فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية.
فقال موسى قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أي الجاهلين قبل أن يأتيني عن الله شيء، هذا قول أكثر المفسّرين وكذلك هو في حرف ابن مسعود وأنا من الجاهلين.
(١) لسان العرب: ١١/ ٢٨٣.
(٢) لسان العرب: ١١/ ٢٨٣.
(٣) سورة الشعراء: ٧٧.
160
وقيل: مِنَ الضَّالِّينَ عن العلم بأن ذلك يؤدي الى قتله.
وقيل: مِنَ الضَّالِّينَ عن طريق الصواب من غير تعمّد كالقاصد الى أن يرمي طائرا فيصيب إنسانا.
وقيل: من المخطئين نظيره إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ «١» إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ «٢» وقيل: من الناسين، نظيره أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «٣».
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ إلى مدين فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً فهما وعلما وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ.
اختلف العلماء في تأويلها، ففسّرها بعضهم على إقرار وبعضهم على الإنكار، فمن قال:
هو إقرار قال: عدّها موسى نعمة منه عليه حيث ربّاه ولم يقتله كما قتل غلمان بني إسرائيل، ولم يستعبده كما استعبد وتركني فلم يستعبدني «٤» وهذا قول الفرّاء، ومن قال هو إنكار قال: معناه وتلك نعمة على طريق الاستفهام «٥» كقوله هذا رَبِّي «٦» وقوله فَهُمُ الْخالِدُونَ وقول الشاعر:
...... هم هم
«٧»، وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها... ودمعها في جفونها عرق
وقولها والركب سائرة... تتركنا هكذا وتنطلق «٨»
وهذا قول مجاهد، ثم اختلفوا في وجهها فقال بعضهم: هذا ردّ من موسى على فرعون حين امتنّ عليه بالتربية فقال: لو لم تقتل بني إسرائيل لربّاني أبواي فأىّ نعمة لك عليّ؟
وقيل: ذكره إساءته إلى بني إسرائيل فقال: تمنّ عليّ أن تربّيني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل.
(١) سورة يوسف: ٩٥.
(٢) سورة يوسف: ٨.
(٣) سورة البقرة: ٢٨٢.
(٤) في النسخة الثانية: استعبد بني إسرائيل، مجاز الآية: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ وتركتني فلم تستعبدني.
(٥) في النسخة الثانية زيادة: معناه أو تلك نعمة.
(٦) سورة الأنعام: ٧٦- ٧٨.
(٧) في النسخة الثانية زيادة: أي: أهم هم؟
(٨) تفسير القرطبي: ١٣/ ٩٦. والعبارة:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها... وجفنها من دموعها شرق
وقولها والركاب واقفة... تركتني هكذا وتنطلق
161
وقيل: معناه كيف تمنّ علي بالتربية وقد استعبدت قومي؟ ومن أهين قومه ذلّ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ.
وقال الحسن: يقول: أخذت أموال بني إسرائيل وأنفقت منها عليّ واتّخذتهم عبيدا.
وقوله سبحانه أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي اتّخذتهم عبيدا، يقال: عبّدته وأعبدته، وأنشد الفرّاء:
علام يعبّدني قومي وقد كثرت فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان «١»
وله وجهان: أحدهما: النصب بنزع الخافض مجازه: بتعبيدك بني إسرائيل والثاني: الرفع على البدل من النعمة.
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ وأيّ شيء ربّ العالمين الذي تزعم أنّك رسوله إليّ؟
قالَ موسى (عليه السلام) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ إنّه خلقها عن الكلبي.
وقال أهل المعاني: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي ما تعاينونه كما تعاينونه فكذلك فأيقنوا أنّ ربّنا هو ربّ السموات والأرض.
قالَ فرعون لِمَنْ حَوْلَهُ من أشراف قومه، قال ابن عباس: وكانوا خمسمائة رجل عليهم الأسورة محيلا لقوم موسى معجبا لقومه أَلا تَسْتَمِعُونَ فقال موسى مفهما لهم وملزما للحجة عليهم رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ يتكلّم بكلام لا يعقله ولا يعرف صحته. فقال موسى رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فقال فرعون حين لزمته الحجّة وانقطع عن الجواب تكبّرا عن الحق وتماديا في الغي لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ المحبوسين.
قال الكلبي: وكان سجنه أشدّ من القتل لأنه كان يأخذ الرجل إذا سجنه فيطرحه في مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا، يهوى به في الأرض.
فقال له موسى حين توعده بالسجن أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ يبيّن صدق قولي، ومعنى الآية: أتفعل ذلك إن أتيتك بحجّة بيّنة، وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون الى الإنصاف والإجابة الى الحق بعد البيان.
فقال له فرعون فَأْتِ بِهِ فإنّا لن نسجنك حينئذنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ
(١) لسان العرب: ٣/ ٢٧٥.
162
بيّن ظاهر أمره، فقال: وهل غير هذا؟ ف نَزَعَ موسى يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٣٤ الى ٦٨]
قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨)
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣)
فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨)
قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣)
إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨)
كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣)
وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨)
ف قالَ فرعون لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وهو يوم الزينة.
قال ابن عباس: وافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة وهو يوم النيروز.
وقال ابن زيد: وكان اجتماعهم للميقات بالإسكندرية، ويقال: بلغ ذنب الحيّة من وراء البحيرة يومئذ.
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ تنظرون الى ما يفعل الفريقان ولمن تكون الغلبة لموسى أو للسحرة؟ لَعَلَّنا لكي نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ موسى، قيل: إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء وأرادوا بالسحرة موسى وهارون وقومهما.
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ
163
الْغالِبُونَ فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قالُوا لا ضَيْرَ
لا ضرر إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ لأن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ من أهل زماننا وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ يتبعكم فرعون وقومه.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن لؤلؤ قال: أخبرنا الهيثم بن خلف قال: حدّثنا الدورقي عن حجاج بن جريح في هذه الآية قال: أوحى الله سبحانه الى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أهل أبيات في بيت، ثم اذبحوا أولاد الضّأن فاضربوا بدمائها على أموالكم فإنّي سآمر الملائكة فلا تدخل بيتا على بابه دم، وسآمرها فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم، ثم اخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري ففعل ذلك، فلمّا أصبحوا قال فرعون: هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا، فأرسل في أمره ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسوّر مع كل ملك ألف، وخرج فرعون في الكرسي العظيم.
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يعني الشرط ليجمعوا السحرة وقال لهم: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ عصبة، وشرذمة كل شيء بقيّته القليلة، ومنه قول الراجز:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق «١»
قال ابن مسعود: كان هؤلاء الشرذمة ستّمائة وسبعون ألفا.
وأخبرنا أبو بكر الخرمي قال: أخبرنا أبو حامد الأعمش قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدّثنا يحيى بن آدم قال: حدّثنا إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي في هذه الآية قال: كان أصحاب موسى ستّمائة ألف.
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ يعني أعداء، لمخالفتهم ديننا وقتلهم أبكارنا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها، وخروجهم من أرضنا بغير اذن منّا.
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ قرأ النخعي والأسود بن يزيد وعبيد بن عمر وسائر قرّاء الكوفة وابن عامر والضحاك حاذِرُونَ بالألف وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس واختيار أبي عبيد، وقرأ الآخرون حذرون بغير ألف وهما لغتان.
وقال قوم: حاذِرُونَ: مؤدّون مقرّون، شاكون في السلاح، ذوو أرادة قوّة وكراع وحذرون:
(١) جامع البيان للطبري: ١٤/ ٢٧. [.....]
164
فرقون متيقظون، وقال الفرّاء: كأن الحاذر الذي يحذرك، والحذر المخلوق حذر ألّا يلقاه إلّا حذرا، والحذر اجتناب الشيء خوفا منه.
وقرأ شميط بن عجلان: حادرون بالدال غير معجمة، قال الفرّاء: يعني عظاما من كثرة الأسلحة، ومنه قيل للعين العظيمة: حدرة وللمتورّم: حادر. قال امرؤ القيس:
وعين لها حدرة بدرة... وسقت مآقيها من أخر «١»
فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ قال مجاهد: سمّاها كنوزا لأنها لم تنفق في طاعة الله سبحانه وَمَقامٍ كَرِيمٍ ومجلس حسن كَذلِكَ كما وصفنا وَأَوْرَثْناها بهلاكهم بَنِي إِسْرائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فلحقوهم في وقت إشراق الشمس وهو إضاءتها فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ أي تقابلا بحيث يرى كل فريق منهما صاحبه، وكسر يحيى والأعمش وحمزة وخلف الراء تراءى الباقون بالفتح.
قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ لملحقون، وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير لمدّركون بتشديد الدال والاختيار قراءة العامة كقوله حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ «٢».
قالَ موسى ثقة بوعد الله كَلَّا لا يدركونكم إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ طريق النجاة فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الضنجوي قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن علي اليقطيني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله العقيلي قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد قال: حدّثني محمد بن حمزة وعبد الله بن سلام أنّ موسى لمّا انتهى الى البحر قال: يا من قبل كلّ شيء، والمكوّن لكلّ شيء، والكائن بعد كلّ شيء، اجعل لنا مخرجا، فأوحى الله سبحانه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فانشقّ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ فرقة أي قطعة من الماء كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ كالجبل الضخم.
قال ابن جريج وغيره: لما انتهى موسى الى البحر هاجت الريح، والبحر يرمي موجا مثل الجبال فقال له يوشع: يا مكلّم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون، والبحر أمامنا؟ قال موسى:
هاهنا فخاض يوشع الماء وحار البحر يتوارى حتى أقرّ «٣» دابته الماء، وقال الذي يَكْتُمُ إِيمانَهُ: يا مكلّم الله أين أمرت؟ قال: هاهنا فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقته، ثم أقحمه البحر فارتسب الماء، وذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدرو، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع
(١) لسان العرب: ٤/ ١٥.
(٢) يونس: ٩٠.
(٣) في النسخة الثانية: يوشع الماء وجاوز البحر ما يواري حافر.
165
فأوحى الله سبحانه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضربه بعصاه فَانْفَلَقَ، فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل لبده ولا سرجه.
وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ يعني قوم فرعون يقول قرّبناهم الى الهلاك وقدّمناهم الى البحر.
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ فرعون وقومه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.
قال مقاتل: لم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون وخربيل المؤمن ومريم بنت موساء التي دلّت على عظام يوسف.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٦٩ الى ٨٧]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣)
وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ.
قال بعض العلماء: إنّما قالوا: فَنَظَلُّ لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.
قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ قراءة العامة بفتح الياء أي: هل يسمعون دعاءكم، وقرأ قتادة يُسْمِعُونَكُمْ بضم الياء إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ.
وفي هذه الآية بيان أنّ الدين إنما يثبت بالحجة وبطلان التقليد فيه.
قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ الأولون فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي وأنا منهم بريء، وإنما وحّد العدو لأن معنى الكلام: فإنّ كل معبود لكم عدوّ لي «١» لو عبدتهم يوم القيامة، كما قال الله سبحانه وتعالى كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا «٢».
(١) في زيادة: وأما الوجه في وصف الجماد بالعداوة فهو أنّ معنى الآية: فإنهم عدوّ لي.
(٢) سورة مريم: ٨٢.
166
وقال الفرّاء: هو من المقلوب أراد فإنّي عدو لهم لأنّ من عاديته عاداك.
ثم قال إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ نصب بالاستثناء يعني فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي وغير معبود لي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ فإنّي أعبده، قاله الفرّاء، وقيل: هو بمعنى لكن، وقال الحسن «١» بن الفضل: يعني الأمر عند رب العالمين.
ثم وصفه فقال الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ أخبر أن الهادي على الحقيقة هو الخالق لا هادي غيره.
قال أهل اللسان: الَّذِي خَلَقَنِي في الدنيا على فطرته فَهُوَ يَهْدِينِ في الآخرة إلى جنته.
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ يعني يرزقني ويربيني.
وقال أبو العباس بن عطاء: يعني يطعمني أيّ طعام شاء، ويسقيني أيّ شراب شاء.
قال محمد بن كثير العبدي: صحبت سفيان الثوري بمكة دهرا فكان يستف من السبت الى السبت كفّا من رمل.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن علي بن الشاه يقول:
سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن حمدان يقول: سمعت الحجاج بن عبد الكريم يقول:
خرجت من بلخ في طلب إبراهيم بن أدهم فرأيته بحمص في أتون يسجّرها فسلّمت عليه وسألته عن حاله، فردّ عليّ السلام وسألني عن حالي وحال أقربائه، فكنت معه يومه ذلك فقال: لعلّ نفسك تنازعك الى شيء من طعام؟ فقلت: نعم فأخذ رمادا وترابا فخلطهما وأكلهما ثمّ أقبل بوجهه عليّ وانشأ يقول:
اخلط الترب بالرماد وكله وازجر النفس عن مقام السؤال
فإذا شئت ان تقبّع بالذلّ فرم ما حوته أيدي الرجال
فخرجت من عنده فمكثت أياما لم أدخل عليه فاشتدّ شوقي إليه، فدخلت عليه وكنت عنده فلم يتكلّم بشيء فقلت له: لم لا تكلّم؟ فقال:
منع الخطاب لأنه سبب الردى والنطق فيه معادن الآفات
فإذا نطقت فكن لربّك ذاكرا وإذا سكتّ فعدّ جسمك مات
قال أبو بكر الوراق: يُطْعِمُنِي بلا طعام وَيَسْقِينِ بلا شراب، ومجازها: يشبعني ويرويني من غير علاقة،
كقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنّى أبيت يطعمني ربّي ويسقيني»
[٩٥]. يدلّ عليه
حديث السقاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم حيث سمع النبي صلى الله عليه وسلّم ثلاثة أيام يقرأ
(١) في النسخة الثانية: الحسين.
167
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها «١» فرمى بقربته، فأتاه آت في منامه بقدح من شراب الجنّة فسقاه.
قال أنس: فعاش بعد ذلك نيّفا وعشرين سنة لم يأكل ولم يشرب على شهوته.
وقال علي بن قادم: كان عبد الرّحمن بن أبي نعم لا يأكل في الشهر إلّا مرّة، فبلغ ذلك الحجاج فدعاه وأدخله بيتا وأغلق عليه بابه ثم فتحه بعد خمسة عشر يوما ولم يشكّ أنّه مات فوجده قائما يصلّي فقال: يا فاسق تصلّي بغير وضوء! فقال: إنّما يحتاج الى الوضوء من يأكل ويشرب، وأنا على الطهارة التي أدخلتني عليها هذا البيت.
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا نصر منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول: سمعت أبا سعيد الخزاز بمكة يقول: كنت بطرسوس جائعا، فاشتدّ بي الجوع فجلست على شاطئ النهر ووضعت رجلي في الماء فنوديت: أضجرت من جوعك؟ هاك شبع الأبد.
قال: فعاش بعده سنين لم يشته طعاما ولا شرابا، وكان مع ذلك إذا أراد الاكل والشرب أمكنه.
وبلغني أنّ امرأة أسرت من حلب الى الروم في أيام سيف الدولة علي بن حمدان، فهربت منهم ومشت مائتي فرسخ لم تطعم شيئا، فقدمت الى سيف الدولة فقال لها: كيف قويت على المشي وكيف عشت بلا طعام؟
فقالت: كنت كلّما جعت أو أعييت أقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرّات فأشبع وأروى وأقوى.
وسمعت أبا القاسم؟ يقول: سمعت أبا القاسم النصرآبادي يقول: سمعت أبا بكر الشبلي يقول: في الخبز لطيفة تشبعك لا الخبز، ولو شاء لأبقى فيك تلك اللطيفة حتى لا تحتاج الى الخبز.
وقال ذو النون المصري: يطعمني طعام المحبّة ويسقيني شراب المحبّة. ثم أنشأ يقول:
شراب المحبّة خير الشراب وكلّ شراب سواه سراب
وسمعت ابن حبيب يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبيد الله الجرجاني يقول:
سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يقول «٢» : سمعت عمّي يقول: سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: إنّ لله شرابا يقال له شراب المحبّة ادّخره لأفاضل عباده، فإذا شربوا سكروا، فإذا سكروا
(١) سورة هود: ٦.
(٢) في النسخة الثانية زيادة: قال أبو القاسم هو سمعت أبي يقول: سمعت علي بن محمد الورّاق يقول: سمعت عمّي يقول.
168
طاشوا، فإذا طاشوا طاروا، فإذا طاروا وصلوا، فإذا وصلوا اتصلوا، فهم فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
وقال الجنيد: يحشر الناس كلّهم عراة إلّا من لبس لباس التقوى، وغراثا إلّا من أكل طعام المعرفة، وعطاشى إلّا من شرب شراب المحبّة.
وَإِذا مَرِضْتُ أضاف إبراهيم (عليه السلام) المرض الى نفسه وإن كان من الله سبحانه لأنّ قومه كانوا يعدّونه عيبا فاستعمل حسن الأدب، نظيرها قصة الخضر حيث قال فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها «١» وقال فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما «٢».
فَهُوَ يَشْفِينِ يبرئني يحكى أنّ أبا بكر الورّاق مرّ بطبيب يعطي الناس الأدوية فوقف عليه وقال: أيفعل دواؤك هذا أمرين؟
قال: وما هما؟
فقال: ردّ قضاء قاض وجرّ شفاء شاف؟
فقال: لا قال: فليس [ذلك بشيء].
وقال جعفر الصادق: إِذا مَرِضْتُ بالذنوب شفاني بالتوبة «٣».
سامر بن عبد الله «٤» : إذا أمرضتني مقاساة الخلق شفاني بذكره والأنس به.
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ أدخل هاهنا (ثُمَّ) للقطع والتراخي.
قال أهل اللسان والإشارة: يميتني بالعدل ويحييني بالفضل، يميتني بالمعصية ويحييني بالطاعة، يميتني بالفراق ويحييني بالتلاقي، يميتني بالخذلان ويحييني بالتوفيق، يميتني غنى ويحييني به، يميتني بالجهل ويحييني بالعلم.
وَالَّذِي أَطْمَعُ أرجو أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ قراءة العامّة بالتوحيد.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: حدّثنا أبا القاسم بن الفضل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن يزيد قال: حدّثنا روح عن أبي اليقظان قال: حدّثنا الحكم السلمي
(١) سورة الكهف: ٧٩.
(٢) سورة الكهف: ٨٢.
(٣) تفسير القرطبي: ١٣/ ١١١.
(٤) في النسخة الثانية: قال أبو عبد الله.
169
قال: سمعت الحسن يقرأ «والذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين».
قال: إنّها لم تكن خطيئة ولكن كانت خطايا.
قال مجاهد ومقاتل: هي قوله إِنِّي سَقِيمٌ «١» وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ «٢» وقوله لسارة (هي أختي) زاد الحسن، وقوله للكواكب هذا رَبِّي «٣».
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: حدّثنا عبيد الله بن ثابت الحريري قال: حدّثنا أبو سعيد الأشج قال: حدّثنا أبو خالد عن داود عن الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إنّ عبد الله بن جدعان كان يقري الضيف ويصل الرحم ويفكّ العاني، فهل ينفعه ذلك؟
قال: لا، لأنّه لم يقل يوما قطّ: اغفر لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ.
وهذا الكلام من إبراهيم (عليه السلام) احتجاج على قومه وإخبار أنّه لا يصلح للإلهية إلّا من فعل هذه الأفعال.
رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وهو البيان على الشيء على ما توجبه الحكمة، وقال مقاتل: فهما وعلما، والكلبي: النبوّة.
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ بمن قبلي من النبيين في الدرجة والمنزلة. وقال ابن عباس: بأهل الجنة.
وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أي ذكرا جميلا وثناء حسنا وقبولا عاما في الأمم التي تجيء بعدي، فأعطاه الله سبحانه وتعالى ذلك، فكلّ أهل الأديان يتولّونه ويبنون عليه.
قال القتيبي: ووضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكنى بها «٤»، والعرب تسمّي اللغة لسانا. وقال أعشى باهلة:
إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها من علو لا عجب منها ولا سخر «٥»
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ وقد بيّنا المعنى الذي من أجله استغفر إبراهيم (عليه السلام) لأبيه في سورة التوبة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
(١) سورة الصافّات: ٨٩.
(٢) سورة الأنبياء: ٦٣. [.....]
(٣) سورة الأنعام: ٧٦- ٧٨.
(٤) تفسير القرطبي: ١٣/ ١١٣.
(٥) لسان العرب: ٤/ ٣٥٢.
170
وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٨٨ الى ١٠٤]
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢)
مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧)
إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ خالص من الشرك والشك، فأمّا الذنوب فليس يسلم منها أحد هذا قول أكثر المفسّرين.
وقال سعيد بن المسيّب: القلب السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن لأنّ قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله سبحانه فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ «١».
وقال أبو عثمان النيسابوري: هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن على السنّة.
وقال الحسين بن الفضل: سليم من آفة المال والبنين.
وقال الجنيد: السليم في اللغة اللديغ فمعناه: كاللّديغ من خوف الله.
وَأُزْلِفَتِ وقرّبت الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ وأظهرت الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ للكافرين وَقِيلَ لَهُمْ يوم القيامة أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ لأنفسهم فَكُبْكِبُوا فِيها.
قال ابن عباس: جمعوا، مجاهد: ذهبوا، مقاتل: قذفوا، وأصله كببوا فكررت الكاف فيه مثل قولك: تهنهني وريح صرصر ونحوهما.
هُمْ وَالْغاوُونَ يعني الشياطين، عن قتادة ومقاتل، الكلبي: كفرة الجن.
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ وهم أتباعه ومن أطاعه من الجن والإنس قالوا للشياطين والمعبودين تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ نعدلكم بِرَبِّ الْعالَمِينَ فنعبدكم من دونه وَما أَضَلَّنا أي دعانا إلى الضلال وأمرنا به إِلَّا الْمُجْرِمُونَ يعني الشياطين، عن مقاتل، والكلبي: أوّلونا الذين اقتدينا بهم، أبو العاليه وعكرمة: يعني إبليس وابن آدم القاتل لأنه أوّل من سنّ القتال وأنواع المعاصي.
(١) سورة البقرة: ١٠.
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ قريب ينفعنا ويشفع لنا، وذلك حين يشفع الملائكة والنبيّون والمؤمنون.
أخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن علي اليقطيني قال:
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا من سمع أبا الزبير يقول: أشهد لسمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الرجل ليقول في الجنة: ربّ ما فعل صديقي فلان وصديقه في الحميم؟ فيقول الله سبحانه: أخرجوا له صديقه الى الجنة فيقول من بقي فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ «١» [٩٦].
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا سمعان بن أبي مسعود قال: حدّثنا المضّاء بن الجارود قال: حدّثنا صالح المرّي عن الحسن قال: ما اجتمع ملأ على ذكر الله تعالى فيهم عبد من أهل الجنة إلّا شفّعه الله فيهم وإنّ أهل الإيمان شفعاء بعضهم في بعض، وهم عند الله شافعون مشفّعون.
فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً رجعة الى الدنيا تمنّوا حين لم ينفعهم فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠٥ الى ١٢٢]
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤)
إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ادخلت التاء للجماعة كقوله قالَتِ الْأَعْرابُ.
الْمُرْسَلِينَ يعني نوحا وحده كقوله يا أَيُّهَا الرُّسُلُ «٢».
وأخبرني أبو عبد الله الدينوري قال: حدّثنا أبو علىّ المقري قال: حدّثنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب قال: حدّثنا الحسن بن محمد الصباح قال: حدّثنا عبد الوهاب عن إسماعيل
(١) زاد المسير: ٦/ ٤٣.
(٢) سورة المؤمنون: ٥١.
172
عن الحسين قال: قيل له: يا أبا سعيد أرأيت قوله عزّ وجل كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ وكَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ «١» وكَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ «٢» وإنّما أرسل إليهم رسولا واحدا؟
قال: انّ الآخر جاء بما جاء به الأوّل، فإذا كذّبوا واحدا فقد كذّبوهم أجمعين.
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ في النسبة لا في الدين نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ على الوحي فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ قراءة العامة، وقرأ يعقوب: وأتباعك الْأَرْذَلُونَ يعني السفلة عن مقاتل وقتادة والكلبي. ابن عباس: الحاكة «٣».
وأخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين الكعبي قال: حدّثنا حسين «٤» بن مزاحم عن ابن عباس في قول الله سبحانه وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قال: الحاكة، عكرمة: الحاكة والأسالفة.
قالَ نوح وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إنما لي منهم ظاهر أمرهم، وعليّ أن أدعوهم وليس علىّ من خساسة أحوالهم ودناءة مكاسبهم شيء، ولم أكلّف ذلك إنّما كلّفت أن أدعوهم.
إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وقيل: معناه أي لم أعلم أنّ الله يهديهم ويضلكم، ويوفّقهم ويخذلكم.
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عمّا تقول وتدعو إليه لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ يعني المشؤومين عن الضحّاك، قتادة: المضروبين بالحجارة.
قال ابن عباس ومقاتل: من المقتولين.
الثمالي: كلّ شيء في القرآن من ذكر الْمَرْجُومِينَ فإنّه يعني بذلك القتل إلّا التي في سورة مريم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ «٥» فإنّه يعني لأشتمنّك.
قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ فاحكم بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يعني الموقّر المجهّز عن ابن عباس. مجاهد:
المملوء، المفروغ منه، عطاء: المثقل، قتادة: المحمل.
(١) سورة الشعراء: ١٢٣.
(٢) سورة الشعراء: ١٤١.
(٣) تفسير القرطبي: ٩/ ٢٤، وزاد المسير: ٦/ ٤٤.
(٤) في النسخة الثانية: الكعبي عن حسون بن الهيثم الرويزي قال: أخبرني أبو علي عن محمد بن بكير بن مروان الفهري عن أبيه عن الضحاك.
(٥) سورة مريم: ٤٦.
173

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٢٣ الى ١٤٠]

كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧)
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢)
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ على الرسالة، وقال الكلبي: أمين فيكم قبل الرسالة فكيف تتّهموني اليوم؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ.
قال الوالبي عن ابن عباس: بكل شرف.
قتادة والضحّاك ومقاتل والكلبي: طريق، هي رواية العوفي عن ابن عباس.
ابن جريج عن مجاهد: هو الفجّ بين الجبلين.
ابن أبي نجيح عنه: هو الثقبة الصغيرة وعنه أيضا عكرمة: واد.
مقاتل بن سليمان: كانوا يسافرون ولا يهتدون إلّا بالنجوم فبنوا على الطرق أميالا طوالا عبثا ليهتدوا بها، يدلّ عليه قوله آيَةً أي علامة.
وروي عن مجاهد أيضا قال: الريع بنيان الحمام، دليله وقوله تَعْبَثُونَ أي تلعبون، أبو عبيد: هو المكان المرتفع، وأنشد لذي الرمّة:
طراق الخوافي مشرف فوق ريعه ندى ليلة في ريشه يترقرق «١»
وفيه لغتان ريع وريع بكسر الراء وفتحها وجمعه أرياع وريعه.
وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ.
قال ابن عباس ومجاهد: قصور مشيّدة معمر عنه: الحصون.
ابن أبي نجيح عنه: بروج الحمام، قتادة: مآخذ للماء، الكلبي: منازل، عبد الرزاق:
المصانع عندنا بلغة اليمن: القصور العاديّة واحدتها مصنع.
(١) جامع البيان للطبري: ١٩/ ١١٥.
لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ قال ابن عباس وقتادة: يعني كأنّكم تبقون فيها خالدين، ابن زيد: لعلّ استفهام، يعني فهل تخلدون حين تبنون هذه الأشياء؟ الفرّاء: كيما تخلدون.
وَإِذا بَطَشْتُمْ أي سطوتم وأخذتم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ قتّالين من غير حقّ.
قال مجاهد: قتلا بالسيف وضربا بالسوط، والجبّار: الذي يقتل ويضرب على الغضب.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ.
ثمّ ذكر ما أعطاهم فقال أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ.
روى العباس عن ابن عمير، وواقد عن الكسائي بإدغام الطاء في التاء، الباقون: بالإظهار وهو الاختيار.
أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأيّوب وأبي عبيد وأبي حاتم بفتح الخاء، لقوله وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً «١» وقوله إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ «٢» ومعناه: إن هذا إلّا دأب الأوّلين وأساطيرهم وأحاديثهم، وقرأ الباقون: بضم الخاء واللام أي عبادة الأوّلين من قبلنا، يعيشون ما عاشوا ثمّ يموتون ولا بعث ولا حساب، وهذا تأويل قتادة.
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٤١ الى ١٥٩]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥)
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥)
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩)
(١) سورة العنكبوت: ١٧.
(٢) سورة ص: ٧. [.....]
175
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا أي في الدنيا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها ثمرها هَضِيمٌ.
قال ابن عباس: لطيف مادام في كفراه «١»، ومنه قيل: هضيم الكشح إذا كان لطيفا، وهضم الطعام إذا لطف واستحال الى شكله، عطيّة عنه: يانع نضيج، قتادة وعكرمة: الرطب الليّن، الحسن: رخو.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا الطنافسي قال: حدّثنا وكيع عن سلام عن أبي إسحاق عن أبي العلاء، طَلْعُها هَضِيمٌ قال: مذنّب، مجاهد: متهشم متفتت وذلك حين يطلع يفيض عليه فيهضمه، وهو مادام رطبا فهو هضيم فإذا يبس فهو هشيم، أبو العالية: يهشهش في الفم. الضحاك ومقاتل: متراكم ركب بعضه بعضا حتى هضم بعضه بعضا، وأصله من الكسر.
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فرهين قرأ أهل الشام والكوفة فارِهِينَ بالألف، وهي قراءة أصحاب عبد الله واختيار أبي عبيد أي حاذقين بتخيّرها.
وقال عطيّة وعبد الله بن شداد: متخيرين لمواضع نحتها، وقرأ الباقون: فرهين بغير ألف وهو اختيار أبي حاتم. واختلفوا في معناه فقال ابن عباس: أشرين، الضحّاك: كيّسين، قتادة:
معجبين بصنعكم، مجاهد: شرهين، عكرمة: ناعمين، السدّي: متحيرين، ابن زيد: أقوياء، الكسائي: بطرين، أبو عبيدة: فرحين، الأخفش: فرحين، والعرب تعاقب بين الحاء والهاء مثل:
مدحته ومدهته، ويجوز أن يكون فرهين وفارِهِينَ بمعنى واحد مثل قوله عِظاماً نَخِرَةً «٢» وناخرة، ونحوها.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ المشركين الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ أي المسحورين المخدوعين عن مجاهد وقتادة.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: من المعلّلين بالطعام والشراب، وأنشد الكلبي قول لبيد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننّا عصافير من هذا الأنام المسحّر «٣»
وقال آخر:
ويسحر بالطعام وبالشراب
(١) تفسير القرطبي: ١٣/ ١٢٨، وكفراه: دعاؤه راجع النهاية لابن الأثير: ٣/ ١١٢.
(٢) سورة النازعات: ١١.
(٣) كتاب العين: ٣/ ١٣٥.
176
أي يعلّل ويخدع، وهو على هذين القولين من السّحر بكسر السين.
وقال بعضهم: من السّحر بفتح السين أي أصحاب الرؤية، يدلّ عليه قوله ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ على صحة ما يقول إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ حظ ونصيب من الماء وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ بعقر فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ على عقرها حين رأوا العذاب.
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٦٠ الى ١٧٥]
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤)
أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩)
فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ مجاوزون الحلال إلى الحرام.
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ من بلدنا قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ يعني اللواط مِنَ الْقالِينَ المبغضين.
ثمّ دعا فقال رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ عند نزول العذاب إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ وهي امرأة لوط بقيت في العذاب والهلاك.
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ «١» فقال: سمعت وهب بن منبه يقول: الكبريت والنار.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
(١) في النسخة الثانية زيادة: أخبرني عبد الله بن حامد الوزان، عن مكي بن عبدان، عن عبد الرحمن بن بشر، عن موسى، قال سألت الحكم، فقلت له: قوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٧٦ الى ١٩١]

كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠)
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥)
وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١)
كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الغيضة وهم قوم شعيب والليكة والْأَيْكَةِ لغتان قرئتا جميعا الْمُرْسَلِينَ.
قال أبو زيد «١» : بعث الله سبحانه شعيبا إلى قومه وأهل مدين وإلى أهل البادية وهم أصحاب الأيكة.
إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ ولم يقل أخوهم شعيب لأنّه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب، فلمّا ذكر مدين قال: أَخاهُمْ شُعَيْباً لأنه كان منهم.
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ وإنّما دعوة هؤلاء الأنبياء كلّهم فيما حكى الله سبحانه عنهم على صيغة واحدة للإخبار بأنّ الحقّ الذي يدعون إليه واحد، وأنّهم متّفقون على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة.
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ الناقصين للكيل والوزن.
وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الخليقة الْأَوَّلِينَ. والجبلّ: الخلق، قال الشاعر:
والموت أعظم حادث... مما يمرّ على الجبلّة
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ وهو مجازيكم به وما عليّ إلّا الدعوة.
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وذلك أنّ الله سبحانه حبس عنهم الريح سبعة أيّام
(١) في النسخة الثانية: ابن يزيد.
وسلّط عليهم الحرّ حتى أخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظلّ ولا ماء، وكانوا يدخلون الأسراب ليتبرّدوا فيها فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حرا من الظاهر، فخرجوا هرابا الى البرية فأظلّتهم سحابة وهي الظلّة، فوجدوا لها بردا ونسيما فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أمطرت عليهم نارا فاحترقوا.
قال قتادة: بعث الله سبحانه شعيبا إلى أمّتين: أصحاب الأيكة وأهل مدين، فأمّا أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلّة وأمّا أهل مدين فأخذتهم الصيحة، صاح بهم جبرئيل صيحة فهلكوا جميعا.
أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويه قال:
حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيّب عن برد الجريري قال: سلّط الحرّ عليهم سبعة أيام ولياليهن، ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل منهم فإذا تحته أنهار وعيون وماء بارد فتمكّن تحته وأخذ ما يكفيه ثم جاء إلى أهل بيته فآذنهم فجاؤوا فأخذوا ما يكفيهم وتمكّنوا، ثم آذن بقيّة الناس فاجتمعوا تحته كلّهم فلم يغادر منهم أحدا، فوقع ذلك الجبل عليهم فذلك قوله سبحانه فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٩٢ الى ٢٢٠]
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١)
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦)
ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١)
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني القرآن نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ قرأ الحجازيّون وأبو عمر بتخفيف الزاي ورفع الحاء والنون يعنون جبرئيل (عليه السلام) بالقرآن، وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي نزّل الله جبرئيل (عليه السلام)، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لقوله وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ وهو مصدر نزّل، عَلى قَلْبِكَ يا محمد حتى وعيته.
179
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ يعني نزل بلسان عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ يعني ذكر القرآن وخبره عن أكثر المفسرين وقال مقاتل: يعني ذكر محمد صلى الله عليه وسلّم ونعته لَفِي زُبُرِ كتب الْأَوَّلِينَ وقرأ الأعمش زُبْرِ بجزم الباء، وغيره بالرفع.
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً قرأ ابن عامر تكن بالتاء آيَةٌ بالرفع، غيره تكن بالتاء آيَةً بالنصب، ومعنى الآية أو لم يكن لهؤلاء المنكرين دلالة وعلامة أَنْ يَعْلَمَهُ يعني محمدا عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ.
عبد الله بن سلام وأصحابه قال ابن عباس: بعث أهل مكة الى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلّم فقالوا: إن هذا لزمانه وإنّا نجد في التوراة نعته وصفته وكان ذلك آية لهم على صدقه.
وَلَوْ نَزَّلْناهُ يعني القرآن عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ هو جمع الأعجم، وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان منسوبا الى العرب، وتأنيثه عجماء، وجمعه عجم، ومنه قيل للبهائم عجم لأنها لا تتكلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «العجماء جرحها جبار»
«١» [٩٧] فإذا أردت أنه منسوب إلى العجم قلت:
عجمي.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا سهل بن علي قال: حدّثنا أبو عمر قال: حدّثنا شجاع بن أبي نصر عن عيسى بن عمر عن الحسن أنّه قرأ «ولو نزّلناه على بعض الأعجميين» مشدّدة بيائين، جعله نسبة ومعنى الآية: ولو نزّلناه على رجل ليس بعربي اللسان فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ بغير لغة العرب ل ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، وقالوا: ما نفقه قولك نظيره قوله سبحانه وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ «٢»، وقيل معناه: ولو نزّلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتّباعه.
كَذلِكَ سَلَكْناهُ أي أدخلنا القرآن فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لتقوم الحجة عليهم، وقيل:
يعني سلكنا الكفر في قلوب المجرمين لا يُؤْمِنُونَ بِهِ.
قال الفرّاء: من شأن العرب إذا وضعت (لا) موضع (كي) في مثل هذا ربّما جزمت ما بعدها وربّما رفعت فتقول: ربطت الفرس لا ينفلت جزما ورفعا، وأوثقت العبد لا يأبق في الجزم على تأويل إن لم أربطه انفلت، وإن لم أوثقه فرّ، والرفع على أنّ الجازم غير ظاهر. أنشد بعض بني عقيل:
(١) مسند أحمد: ٢/ ٢٥٤.
(٢) سورة فصّلت: ٤٤.
180
وحتى رأينا أحسن الود بيننا مساكنة لا يقرف الشر قارف «١»
ينشد رفعا وجزما، ومن الجزم قول الراجز:
لطال ما حلأتماها لا ترد فخليّاها والسجال تبترد «٢»
حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ فَيَأْتِيَهُمْ قراءة العامة بالياء يعنون العذاب.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: أخبرنا أبو العباس عبد الرّحمن بن محمد ابن حماد الطهراني قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن الفضل الحرمي قال: حدّثنا وهب بن عمرو النمري قال: أخبرنا هارون بن موسى العتكي قال: حدّثنا الحسام عن الحسن أنه قرأ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً بالتاء فقال له رجل: يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة فانتهره الحسن وقال: إنّما هي الساعة.
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ.
قال مقاتل: فقال المشركون: يا محمد إلى متى توعدنا بالعذاب؟ فأنزل الله عزّ وجل أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ في الدنيا ولم نهلكهم ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ يعني العذاب ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ رسل ينذرونهم ذِكْرى أي ينذرونهم تذكرة محلّها نصب، وقيل رفع أي تلك ذكرى.
وَما كُنَّا ظالِمِينَ في تعذيبهم حيث قدّمنا الحجّة عليهم وأعذرنا إليهم.
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ بل نزل به الروح الأمين، وقراءة العامّة الشَّياطِينُ بالياء في جميع القرآن لأن نونه سنخية وهجاؤه واحد كالدهاقين والبساتين.
وقرأ الحسن البصري ومحمد بن السميدح اليماني: الشياطون بالواو وقال الفراء: غلط الشيخ يعني الحسن فقيل: ذلك النضر بن شميل فقيل: إن جاز أن يحتج يقول العجاج ورؤبة ودونهما فهلّا جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه؟ مع إنّا نعلم أنهما لم يقرءا ذلك إلّا وقد سمعا فيه.
وقال المؤرّخ: إن كان اشتقاق الشياطين من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه.
وأخبرني عمر بن شبّه قال: سمعت أبا عبيد يقول: لم نعب على الحسن في قراءته إلّا قوله: وما تنزّلت به الشياطون.
وبإسناده عن عمر بن شبّه قال: حدّثنا أبو حرب البابي من ولد باب قال: جاء أعرابي إلى
(١) جامع البيان للطبري: ٢٣/ ٤٨.
(٢) لسان العرب: ١/ ٥٩.
181
يونس بن حبيب فقال: أتانا شاب من شبابكم هؤلاء فأتى بنا هذا الغدير فأجلسنا في ذات جناحين من الخشب فأدخلنا بساتين من وراءها بساتون.
قال يونس: ما أشبه هذا بقراءة الحسن.
وَما يَنْبَغِي لَهُمْ أن ينزلوا القرآن وَما يَسْتَطِيعُونَ ذلك إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ أي استراق السمع من السماء لَمَعْزُولُونَ وبالشهب مرجومون فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال: حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمر قال: حدّثني عبّاد بن يعقوب قال: حدّثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس، فأمر عليّا برجل شاة فأدمها ثم قال: ادنوا باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم:
اشربوا باسم الله، فشرب القوم حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما يسحركم به الرجل، فسكت النبي صلى الله عليه وسلّم يومئذ فلم يتكلّم.
ثمّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من الله سبحانه والبشير لما يجيء به أحد منكم، جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا، ومن يواخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيي بعدي، وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟ فسكت القوم، وأعاد ذلك ثلاثا كلّ ذلك يسكت القوم، ويقول علي: أنا فقال: «أنت» فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّر عليك «١» [٩٨].
وأخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني ومحمد بن عبد الله بن حمدون قالا: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيّب وأبو سلمة بن عبد الرّحمن أنّ أبا هريرة قال: قام النبي صلى الله عليه وسلّم حين أنزل الله سبحانه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفيّة عمّة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، فسلوني من مالي ما شئتم» «٢» [٩٩].
وأخبرني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم
(١) شواهل التنزيل- الحسكاني.: ١/ ٥٤٣.
(٢) كنز العمّال: ١٦/ ٩.
182
قال: حدّثنا عبد الله قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا أنزل الله سبحانه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصفا فصعد عليه ثم نادى يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟
قالوا: نعم قال: فإني نذيركم بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلّا لهذا، فأنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ «١»
[١٠٠].
وَاخْفِضْ جَناحَكَ فليّن جانبك لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ من عبادة الأوثان ومعصية الرحمن.
فَتَوَكَّلْ بالفاء أهل المدينة والشام وكذلك هو في مصاحفهم، وغيرهم بالواو أي وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ليكفيك كيد أعدائك.
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
إلى صلاتك عن أكثر المفسّرين.
وقال مجاهد: الَّذِي يَراكَ
أينما كنت وَتَقَلُّبَكَ ويرى تقلّبك في صلاتك في حال قيامك وقعودك وركوعك وسجودك.
قال عكرمة وعطيّة عن ابن عباس، وقال مجاهد: ويرى تقلّبك في المصلّين أي إبصارك منهم من هو خلفك كما تبصر من هو أمامك.
قال: وكان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدّثنا السلمي وأحمد بن حفص وعبد الله الفرّاء وقطن قالوا: حدّثنا حفص قال: حدّثنا إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: اتمّوا الركوع والسجود فو الله إنّي لأراكم من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم «٢».
وقال قتادة وابن زيد ومقاتل والكلبي: يعني وتصرّفك مع المصلّين في أركان الصلاة في الجماعة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا، وهي رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس.
(١) مسند أحمد: ١/ ٣٠٧.
(٢) مسند أبي يعلى: ٥/ ٤٦٤.
183
وقال سعيد بن جبير: وتصرّفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله، والساجدون في هذا القول: الأنبياء.
وقال الحسن: يعني وتصرّفك وذهابك ومجيئك في أصحابك والمؤمنين.
أخبرني أبو سهل عبد الملك بن محمد بن أحمد بن حبيب المقري قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى، قال: حدّثنا زنجويه بن محمد، قال: حدّثنا علىّ بن سعيد النسوي أبو عاصم عن صهيب عن عكرمة عن ابن عباس وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: من نبي الى نبيّ حتى أخرجك في هذه الأمة.
وحدّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن سهل الماسرخسي الفقيه إملاء قال: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة قال: حدّثنا الحسن بن بشر قال: حدّثنا سعدان بن الوليد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس في قوله سبحانه وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمّه.
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لقراءتك الْعَلِيمُ بعملك.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢١ الى ٢٢٧]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ ثمّ بيّن فقال تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ كذّاب أَثِيمٍ فاجر، وهم الكهنة.
وقال مقاتل: مثل مسيلمة وطلحة.
يُلْقُونَ السَّمْعَ يعني يستمعون من الملائكة مسترقين فيلقون إلى الكهنة.
وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ لأنّهم يخلطون به كذبا كثيرا، وهم الآن محجوبون وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ.
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحربي قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن حمدون بن عمارة الأعمش قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن قهزاد المروزي قال: حدّثنا حاتم بن العلاء قال: أخبرنا عبد المؤمن عن بريده عن ابن عباس في هذه الآية وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ
184
الْغاوُونَ
قال: هم الشياطين، يدل عليه قوله سبحانه وتعالى فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ.
وقال الضحّاك: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، ومع كل واحد منهم غواة من قومه وهم السفهاء، فنزلت هذه الآية
وهي رواية عطيّة عن ابن عباس.
عكرمة عنه: الرواة.
علي بن أبي طلحة عنه: كفّار الجنّ والإنس.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة بن محمد وعبيد الله بن أحمد قالا: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال: أخبرني جعفر بن محمد قال: حدّثنا حسين بن محمد بن علي قال: حدّثنا أبي عن عبد الله بن سعيد بن الحر عن أبي عبد الله وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: هم الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل، وأراد بهؤلاء شعراء الكفّار: عبد الله بن الزبعرى المخزومي، وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع بن عبد مناف، وعمرو بن عبد الله أبا عزّة الجمحي، وأميّة بن أبي الصلت كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيتّبعهم الناس.
أخبرني الحسن بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا عبيد الله بن محمد بن شنبة قال:
حدّثنا محمد بن عمران بن هارون قال: حدّثنا علي بن سعيد النسوي قال: حدّثنا عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن مكحول عن أبي إدريس عن غضيف أو أبي غضيف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه» «١» [١٠١].
وأخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدّثنا إبراهيم بن عرعرة قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي قال: حدّثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا فتح النبي صلى الله عليه وسلّم يعني مكة رنّ إبليس رنّة فاجتمعت إليه ذريّته فقال: «آيسوا أن ترتد أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها- يعني مكة- الشعر والنوح» [١٠٢].
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ من أودية الكلام يَهِيمُونَ حائرين وعن طريق الحق والرشد جائرين.
قال الكسائي: الهائم الذاهب على وجهه.
أبو عبيد: الهائم المخالف للقصد.
(١) مسند الشاميين- الطبراني.: ٤/ ٣٧٦. [.....]
185
قال ابن عباس في هذه الآية: في كل لغو يخوضون، مجاهد: في كل فن يفتنون، قتادة:
يمدحون قوما بباطل، ويشتمون قوما بباطل.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ثمّ استثنى شعراء المؤمنين: حسّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير فقال عزّ من قائل إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا يعني ردّوا على المشركين الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد الكسائي قال:
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا يحيى بن واضح عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي الحسن البراد قال: لما نزلت هذه الآية وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ جاء عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسّان بن ثابت الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهم يبكون فقالوا:
يا رسول الله أنزل الله سبحانه هذه الآية وهو يعلم أنّا شعراء، فقال: اقرءوا ما بعدها إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً أنتم وَانْتَصَرُوا أنتم «١».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال:
حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري.
وأخبرنا ابن حمدون قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنّه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلّم حين أنزل الله سبحانه في الشعراء ما أنزل: يا رسول الله إنّ الله سبحانه وتعالى قد أنزل في الشعراء ما قد علمت فكيف ترى فيه؟
فقال النبىّ صلى الله عليه وسلّم: «إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل» «٢» [١٠٣].
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الخطاب قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل قال:
حدّثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنّ عمر مرّ بحسّان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة وقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «أجب عنّي، اللهم أيّده بروح القدس» ؟ [١٠٤] قال: اللهم نعم «٣».
(١) المصنّف- الكوفي.: ٦/ ١٧٨.
(٢) مسند أحمد: ٦/ ٣٨٧.
(٣) صحيح البخاري: ٤/ ٧٩.
186
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني قال: حدّثنا أحمد بن منيع قال: حدّثنا أبو معاوية قال: حدّثنا الشيباني عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحسّان: «اهج المشركين فإنّ جبرئيل معك» «١» [١٠٥].
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أشركوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ أيّ مرجع يرجعون إليه بعد مماتهم.
وروى نوفل بن أبي عقرب عن ابن عباس رضي الله عنه (أيّ منقلب ينفلتون) بالفاء والتاء ومعناهما واحد.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا ابن عون عن إبراهيم قال: كان شريح يقول: سيعلم الظالمون حظّ من نقصوا، إنّ الظالم ينتظر العقاب، وإنّ المظلوم ينتظر النصر.
(١) مسند أحمد: ٤/ ٢٨٦.
187
Icon