تفسير سورة الشعراء

المنتخب
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم المعروف بـالمنتخب .
لمؤلفه مجموعة من المؤلفين .

١ - هذه الحروف لبيان أن القرآن المعجز للبشر ركبت كلماته منها ومن أخواتها، وهى فى طوقهم، فمن ارتاب فى أنه من عند الله فليأت بمثله، ولن يستطيع.
٢ - هذا الكلام الذى أوحيت به إليك آيات الكتاب الموضح لما اشتمل عليه من أحكام.
٣ - أشفق على نفسك - أيها النبى - أن تقتلها حزناً على عناد قومك، وعدم إيمانهم.
٤ - إن فى قدرتنا أن نأتيهم بمعجزة تلجئهم إلى الإيمان، فيخضعوا لأمره، ويتم ما ترجوه، ولم نأتهم بذلك لأن سنتنا تكليف الناس بالإيمان دون إلجاء، كى لا تفوت الحكمة فى الابتلاء، وما وراءه من ثواب وعقاب.
٥ - وما يجدد الله لقومك بوحيه ما يذكرهم بالدين الحق، رحمة بهم، إلا جددوا إعراضاً عنه، وكفراً به، حيث أغلقت أمامهم طرق الهداية.
٦ - فقد كذّب هؤلاء بالحق الذى جئتهم به، وسخروا منه، فاصبر عليهم، فسيرون عاقبة استهزائهم القاصمة.
٧ - فَعلوا ما فَعلوا من الكفر والتكذيب ولم ينظروا إلى بعض خلق الله فى الأرض، ولو نظروا متأملين لاهتدوا، فهذه الكثرة من أصناف النباتات النافعة أخرجناها من الأرض، ولا يستطيع ذلك غير إله واحد قدير.
٨ - إن فى إخراج النبات من الأرض لدلالة عظيمة على وجود الخالق القدير، وما كان أكثر القوم مؤمنين.
٩ - وإن مالك أمرك وحافظك لهو المنتقم من المكذبين المتفضل بالرحمة على المؤمنين.
١٠ - واذكر - يا محمد - لقومك قصة موسى حين ناداه ربك: يا موسى، اذهب رسولا إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وبنى إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد.
١١ - ائت قوم فرعون، فإنهم ماضون فى ظلمهم. عجباً لهم! أما يخافون عاقبة ذلك ويحذرونها؟
١٢ - قال موسى: يا رب إننى أخشى ألا يقبلوا رسالتى كبْراً وعناداً.
١٣ - ويحيط بى الغم إذا كذبونى، ولا ينطلق لسانى حينئذٍ فى محاجتهم كما أحب، فأرسل جبريل إلى أخى هارون ليؤازرنى فى أمرى.
١٤ - ولهؤلاء ذنب علىَّ، فقد قتلت منهم رجلا فأخاف أن يقتلونى قصاصاً قبل أداء مهمتى، ويزيدنى ذلك خوفاً.
١٥ - قال الله له: لن يقتلوك، وقد أجبت سؤالك فى هارون، فاذهبا مزودين بمعجزاتنا، إنى معكما بالحفظ أسمع ما يجرى بينكما وبين فرعون، فلكما النصر والتأييد.
١٦ - فتوجها إلى فرعون فقولا له: إنَّا مرسلان إليك من رب العالمين.
١٧ - يقول لك رب العالمين: أطلقْ سراح بنى إسرائيل ليذهبوا معنا.
١٨ - قال فرعون لموسى مُمْتَناً - وقد عرفه حينما دخلا عليه وأديا الرسالة حيث تربى فى قصره - ألم نربك فينا وليداً، ومكثت فى رعايتنا سنين من عمرك؟.
١٩ - وجنيت جنايتك النكراء بقتلك رجلا من قومى، وجحدت نعمتى التى سلفت منا عليك، فلم تحفظ رعيتى، واعتديت على ألوهيتنا بادعاء أنك رسول رب العالمين.
٢٠ - قال موسى: لقد فعلت ما ذكرت جهلا بما يفضى إليه العقل من القتل، فلا تثريب على.
٢١ - ففررت منكم لما خفت أن تقتلونى بهذه الجناية التى لم تكن عن عمد، فوهب لى ربى فهْماً وعلماً، تفضلا وإنعاماً، وجعلنى من المرسلين.
٢٢ - أشار موسى إلى خصلة ذميمة من خصال فرعون، وبيَّن أنها تعبيد بنى إسرائيل وذبح أبنائهم، وأبى أن تسمى تربيته فى بيته نعمة، فسببها اتصافه بما تقدم، فألقى فى اليَم لينجو من قتله، فآل إلى بيته، ولولا ذلك لرباه أبواه.
٢٣ - قال فرعون: وما صفة رب العالمين الذى تذكره كثيراً، وتدعى أنك رسوله حيث لا نعلم عنه شيئاً؟
٢٤ - قال موسى هو مالك السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بصدق هذا الجواب لانتفعتم واهتديتم، وعرفتم أن مُلْك فرعون المُدَّعى لا يذكر فى جانب ملكه، فهو لا يعدو إقليماً واحداً فى الأرض.
٢٥ - قال فرعون - يعجب لمن حوله من جواب موسى، أذْ ذكر ربَّا غيره لا يذكر فى جانب ملكه ملك فرعون: كيف تسمعون كلام موسى؟
٢٦ - قال موسى ماضياً فى أمره غير مبال بغيظ فرعون وسوء مقالته: رب العالمين خالقكم وخالق آبائكم السابقين، ومنهم مَن كان يدَّعى الأُلوهية كما تدَّعى، وقد لحقهم الفناء، وستفنى مثلهم فيبطل ما تدعيه، إذ الإله الحق لا يموت.
٢٧ - قال فرعون محرضاً قومه على تكذيبه: إن رسولكم لمجنون، حيث سألته عن حقيقة ربه فذكر لى أشياء وصفات غريبة.
٢٨ - قال موسى: إن كنتم تعقلون فآمنوا برسالتى، لأن شروق الشمس وغروبها بتقدير مُحكم دليل ظاهر على الخالق، إذن فأنتم الأحِقَّاء بصفة الجنون.
٢٩ - قال فرعون لموسى: لئن اتخذت إلهاً غيرى لأجعلنك واحداً ممن عرفت سوء حالهم فى سجونى، وقد لجأ إلى تهديده بهذا بعد أن يئس من رفع آثار صنع الخالق.
٣٠ - قال موسى متلطفاً طمعاً فى إيمانه: أتجعلنى من المسجونين ولو جئتك ببرهان عظيم يصدقنى فيما أقول؟
٣١ - قال فرعون: فأت بالذى يشهد بنبوتك إن كنت صادقاً فى دعواك، قال ذلك طمعاً فى أن يجد موطن ضعف فى حجته.
٣٢ - فألقى موسى عصاه فى الأرض أمامهم، فانقلبت ثعباناً حقيقياً، لا شيئاً مُزَوراً بالسِّحر يُشْبه الثعبان.
٣٣ - وأخرج موسى يده من جيبه آية ثانية، فإذا هى بيضاء، اشتد بياضها من غير سوء، حتى بهر الناظرين.
٣٤ - قال فرعون لقومه: إن موسى لساحر فائق فى سحره. قال ذلك خشية أن يخضعوا للحق الذى رأوْه من موسى.
٣٥ - وقال فرعون أيضاً: يريد هذا الساحر أن يقهرنى فيخرجكم من أرضكم، وذلك تحريض على موسى. إذ من أَشَقّ الأشياء مفارقة الوطن لا سيما إذا كانت قهراً. وطلب الرأى ممن يعبدونه ناسياً ألوهيته لقوة آيات موسى.
٣٦ - قال له قومه: أجِّل الفصل فى أمرهما، وأرسل الجند فى المدائن يجمعون لك السحرة من رعيتك، فالسحر يعارض بالسحر.
٣٧ - يأتوك بالعدد الكثير، وكلهم قد أجاد فن السحر ويفوق موسى عملا به ومراناً عليه. وقصدوا بهذا التخفيف من قلق فرعون.
٣٨ - فجمع السحرة من كل أرجاء البلاد، وحدد لهم وقت الضحى من يوم الزينة للاجتماع بموسى.
٣٩ - وقال الناس - يحث بعضهم بعضاً على الاجتماع فى اليوم المعلوم لحضور الحفل المشهود -: «هل أنتم مجتمعون» ؟ أى اجتمعوا.
٤٠ - وأعلنوا توقعهم انتصار السحرة، فيثبتون على دينهم، حمْلا على الاهتمام والجد فى مغالبة موسى.
٤١ - فلما جاء السحرة فرعون قالوا له: أيكون لنا قِبَلك أجر عظيم إن كنا نحن الغالبين؟.
٤٢ - قال فرعون: نعم لكم ما ذكرتم، ومع هذا الأجر العظيم تكونون من المقربين لدىَّ، ومن أصحاب الجاه والسلطان.
٤٣ - قال موسى للسحرة - حينما جاء الوقت المحدد فى اليوم الموعود - ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر.
٤٤ - فألقوا حبالهم وعصيّهم، وخُيّل للناس أنها حيات تسعى، وأقسموا بعزة فرعون وقوته إنهم الغالبون.
٤٥ - فألقى موسى عصاه، فإذا هى حية عظيمة تبتلع ما كانوا يزوِّرونه بالسحر من حبالهم وعصيِّهم، متوهمين أنها حيات تسعى.
٤٦ - فبادر السحرة بالسجود لله حينما أيقنوا أن أمر موسى ليس بالسحر.
٤٧ - قالوا مؤكدين فعل السجود بالقول: ﴿آمنا برب العالمين﴾.
٤٨ - وبيَّنوا أن رب العالمين الذى آمنوا به ﴿رب موسى وهارون﴾.
٤٩ - قال فرعون - منكراً على قومه إيمانهم بموسى قبل إذنه لهم، مهدداً إياهم على ذلك بأنه أستاذهم الذى عليه تلقوا فنون السحر، وسيعلمون ما سينزل بهم من العقاب -: لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف. أقطع اليمنى مع اليسرى أو العكس. ولأُصلبنكم أجمعين.
٥٠ - قال السحرة: لا ضرر علينا مما يلحقنا من عذابك الذى توعدتنا به. لأنا راجعون إلى ثواب ربنا، وهو خير ثواب وخير عاقبة.
٥١ - إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا التى أسلفْناها، إذ كنا أول المؤمنين فى قومك.
٥٢ - وأوحى الله إلى موسى - عليه السلام - أن يسير ليلا بالمؤمنين من بنى إسرائيل حينما لم تُجْدِ مصابرة موسى، وقد نظم أمر الفريقين على أن يتقدم موسى بقومه، ويتبعهم فرعون بقومه حتى يدخلوا مدخلهم من طريق البحر، فيهلكهم الله.
٥٣ - فأرسل فرعون جنده فى مدائن مملكته يجمعون الأشداء من قومه حينما علم بسير موسى ببنى إسرائيل، ليحول بينهم وبين ما يقصدون.
٥٤ - قال فرعون: إن بنى إسرائيل الذين فروا مع موسى طائفة خسيسة فى شأنها قليل عددها. يثير بذلك الحمية فى نفوس جنده.
٥٥ - وإنهم مع هذا فاعلون ما يثير غيظنا بمخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا.
٥٦ - وإنا لجمع من عادتنا الحذر واليقظة، والحزم فى الأمور.
٥٧ - فأخرجنا فرعون وجنوده من أرضهم الشبيهة بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فأهلكوا بصرفهم عن الحق، وإثارتهم إلى الخروج وراء موسى بما جاء فى الآيات الثلاث السابقة.
٥٨ - وأخرجناهم كذلك من كنوز الذهب والفضة والأماكن التى كانوا يقيمون فيها، مُنَعَّمين بجمالها وحسن مرافقها.
٥٩ - مثل هذا الإخراج العجيب الذى وصفناه لك أخرجناهم، وجعلنا هذا الملك وما فيه من ألوان النعيم لبنى إسرائيل بعد أن كانوا مُعْدمين.
٦٠ - جدَّ فرعون وقومه فى السير ليلحقوا ببنى إسرائيل، فلحقوا بهم وقت شروق الشمس.
٦١ - فلما رأى كل من الجمعين الآخر قال أصحاب موسى: إن فرعون وقومه سيدركوننا، فينزل بنا الهلاك.
٦٢ - قال موسى: إن معى عناية الله تلاحقنى بالحفظ، وسيرشدنى إلى طريق النجاة. ليطمئنوا على سلامتهم، ولتبتعد عن أذهانهم فكرة الإدراك المفزعة.
٦٣ - فأوحينا إلى موسى: أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر إلى اثنى عشر طريقاً بعدد طوائف بنى إسرائيل، وكان كل طريق من هذه الطرق حاجزاً من الماء كالجبل العظيم الثابت.
٦٤ - وقرَّبنا فرعون وقومه حتى دخلوا هذه الطرق وراء موسى وقومه.
٦٥ - وأنجينا موسى ومن معه بحفظ البحر متماسكاً حتى تم عبورهم.
٦٦ - ثم أغرقنا فرعون ومن معه بإطباق الماء عليهم عندما تبعوهم.
٦٧ - إن فى ذلك التصرف الإلهى العجيب لعبرة لمن أراد أن ينتفع، وما كان أكثر القوم مصدقين.
٦٨ - وإن خالقك ومربيك لهو القوى فى الانتقام من المكذبين، المنعم بالرحمات على المؤمنين.
٦٩ - واتْلُ على الكافرين - أيها الرسول - قصة إبراهيم - عليه السلام.
٧٠ - إذ قال لأبيه وقومه: أى شئ هذا الذى تعبدونه مما لا يستحق العبادة؛ يقصد تقبيح عبادة الأصنام.
٧١ - قالوا مجيبين بطريق المباهاة: نعبد أصناماً فنقيم على عبادتها دائماً تعظيماً لها وتمجيداً.
٧٢ - قال إبراهيم: هل يسمعون دعاءكم، أو يستجيبون لكم إذ تدعونهم؟ يقصد بذلك التنبيه على فساد مسلكهم.
٧٣ - أو يقدمون لكم نفعاً إذا أطعتموهم، أو يصيبونكم بضر إذا عصيتموهم؟.
٧٤ - قالوا: لا يفعلون شيئاً من ذلك، ولكن وجدنا آباءنا يعبدونها مثل عبادتنا، فقلدناهم فيما كانوا يفعلون.
٧٥ - قال إبراهيم - تبكيتاً لهم -: أفكَّرتم فعلمتم أى شئ تستمرون على عبادته؟
٧٦ - أنتم وآباؤكم الأقدمون. أهو أهل لأن يعبد أم لا؟. لو تأملتم لعلمتم أنكم فى الضلال المبين.
٧٧ - فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لى ولكم، فلا أعبدهم. لكن خالق العالمين ومالك أمرهم وحافظهم هو الذى أعبده، وأتقرب إليه.
٧٨ - الذى أوجدنى من العدم فى أحسن تقويم، ووهبنى الهداية لما يوصلنى إلى سعادتى فى الدنيا والآخرة.
٧٩ - وهو الذى أنعم علىَّ بالطعام والشراب، وأقدرنى على تناولهما والانتفاع بهما، حفظاً لحياتى.
٨٠ - وإذا نزل بى مرض فهو الذى يشفينى بتيسير أسباب الشفاء، وتفويض الأمر إليه.
٨١ - والذى يُميتنى إذا حلَّ أجلى، والذى يُحيينى مرة أخرى للحساب والجزاء.
٨٢ - والذى أطمع فى غفرانه وتجاوزه عما فرط منى من الهفوات فى الدنيا، إذا جاء وقت الحساب.
٨٣ - قال إبراهيم - عليه السلام - داعياً: رب امنحنى كمالا فى العلم والعمل، حتى أكون أهلا لحمل رسالتك والحكم بين عبادك، ووفقنى لانتظم فى عداد الصالحين.
٨٤ - واجعل لى ثناء حسناً، وذكراً جميلا فى الأمم التى تجئ بعدى، يبقى أثره بين الناس إلى يوم القيامة.
٨٥ - واجعلنى من عبادك الذين منحتهم نعيم الجنة، ثواباً على إيمانهم بك وعبادتهم لك.
٨٦ - واجعل أبى أهلاً للمغفرة بتوفيقه للإسلام - وكان قد وعده بالإسلام يوم فارقه - لأنه كان من المنحرفين عن طريق الهدى والرشاد.
٨٧ - ولا تُلْحق بى هواناً أو خجلا بين الناس يوم يخرجون من القبور للحساب والجزاء.
٨٨ - يوم لا ينفع أحداً مال يُبذل، ولا بنون ينصرون.
٨٩ - إلا من كان مؤمناً، وأقبل على الله بقلب برئ من مرض الكفر والنفاق والرياء.
٩٠ - وأُدنِيت الجنة وقُرِّبت من مكان السعداء، فيسير إليها الذين اتقوا الكفر والمعاصى، وأقبلوا على الإيمان والطاعة فى الدنيا.
٩١ - وأُظْهِرت الجحيم للمنصرفين عن دين الحق، حتى يكاد يأخذهم لهبها فيتحسرون.
٩٢ - وقيل لهم توبيخاً: أين آلهتكم التى كنتم تعبدونها؟!
٩٣ - من دون الله وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم، هل ينفعونكم بنصرتهم لكم، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم؟ لا شئ من ذلك، لأنهم وآلهتهم وقود النار.
٩٤ - فألقوا فى الجحيم على وجوههم، ينقلبون مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا فى قاعها هم والذين أضَلُّوهم وأوقعوهم فى الغى والضلال.
٩٥ - ومعهم أعوان إبليس الذين كانوا يزينون للناس الشرور والآثام، أو الذين اتبعوه من عصاة الإنس والجن.
٩٦ - قالوا - معترفين بخطئهم - وهم يتخاصمون مع مَن أضلُّوهم من معبوداتهم:
٩٧ - والله إن كنا فى دنيانا لفى تخبط واضح، وجهل مطبق، وزيغ عن الحق الذى لا خفاء فيه.
٩٨ - إذ نسوِّيكم أيها المعبودون من دون الله برب العالمين فى استحقاق العبادة، مع عجزكم وقدرته.
٩٩ - وما أوقعنا فى هذا الهلاك إلا المجرمون الذين أضلُّونا عن سواء السبيل.
١٠٠ - فلا يوجد لنا شافعون يخلَّصوننا من العذاب كما توهمنا من قبل.
١٠١ - ولا صديق يتوجع لحالهم، وإن لم يخلصهم.
١٠٢ - فيتمنون لأنفسهم حينئذ رجعة إلى الدنيا ليكونوا من المؤمنين حتى ينجوا.
١٠٣ - إن فيما ذكر الله من نبأ إبراهيم لعظة وعبرة لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، وما كان أكثر قومك الذين تتلو عليهم هذا النبأ مذعنين لدعوتك.
١٠٤ - وإن ربك لهو القادر على الانتقام من المكذبين، المتفضل بالإنعام على المحسنين.
١٠٥ - وذكر الله نبأ نوح فى قوله: كذبت قوم نوح رسالته، وردّوها عليه، وبهذا كانوا مكذبين لجميع رسل الله، لاتحاد دعوتهم فى أصولها وغايتها.
١٠٦ - كذبوا هذه الرسالة حين قال لهم أخوهم نوح - نسباً لا ديناً - محذراً: ألا تتقون الله فتتركوا عبادة غيره.
١٠٧ - إنى رسول الله إليكم لأهديكم إلى طريق الرشاد، أمين على تبليغ هذه الرسالة.
١٠٨ - فخافوا الله وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه من توحيد الله وطاعته.
١٠٩ - وما أطلب منكم أى أجر على ما أبذله لكم من النصح والدعاء، ما جزائى إلا على خالق العالمين ومالك أمرهم.
١١٠ - فاحذروا عقاب الله، وامتثلوا ما آمركم به.
١١١ - قال قوم نوح - يردُّون دعوته -: لن يكون منا إيمان لك فى حال اتباع سفْلة الناس وأقلهم جاهاً ومالا لك.
١١٢ - قال نوح: أى شئ أعلمنى ما هم عليه من قلة الجاه والمال؟ إنما أطلب منهم الإيمان دون تعرض لمعرفة صناعاتهم وأعمالهم.
١١٣ - ما جزاؤهم على أعمالهم إلا على ربى، فهو المطلع على بواطنهم، لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك.
١١٤ - وما أنا بطارد الذين يؤمنون بدعوتى مهما كان حالهم من فقر أو غنى، تلبية لرغبتكم كى تؤمنوا بى.
١١٥ - ما أنا إلا رسول من الله لإنذار المكلفين إنذاراً واضحاً بالبرهان الذى يتميز به الحق من الباطل، لا فرق بين شريف وضعيف، فكيف يليق بى طرد المؤمنين لفقرهم؟!
١١٦ - قالوا: لئن لم ترجع يا نوح عن دعوتك لَنرجُمنَّك بالحجارة. يقصدون بهذا القول تهديده بالقتل.
١١٧ - قال نوح مظهراً استمرار قومه على التكذيب بندائه: ﴿رب إن قومى كذبون﴾. ليبرر دعاءه عليهم.
١١٨ - فاحكم بينى وبينهم حكماً تهلك به من جحد توحيدك، وكذَّب رسولك، ونجِّنى ومن معى من المؤمنين من عذاب بغيهم.
١١٩ - فأنجيناه ومن آمن معه فى السفينة المملوءة بهم، وبما يحتاجون إليه، استجابة لدعوته.
١٢٠ - ثم أغرق الله - بعد إنجاء نوح ومن آمن به - الباقين الذين لم يؤمنوا من قومه.
١٢١ - إن فيما ذكره القرآن من نبأ نوح لحجة على صدق الرسل وقدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلو عليهم هذا القصص مؤمنين.
١٢٢ - وإن ربك لهو القوى فى الانتقام من كل جبار عنيد. المُنْعم بأنواع الفضل على المتقين.
١٢٣ - كذبت قبيلة عاد رسولهم هوداً - عليه السلام - وبهذا كانوا مكذبين لجميع الرسل لاتحاد دعوتهم فى أصولها وغايتها.
١٢٤ - إذ قال لهم أخوهم هود: ألا تخشون الله فتخلصوا له العبادة؟!.
١٢٥ - إنى مرسل من الله لهدايتكم إلى الرشاد، حفيظ على رسالة الله، أبلغها إليكم كما أمرنى ربى.
١٢٦ - فامتثلوا أمر الله، وخافوا عقوبته، وأطيعوا ما آمركم به من عند الله.
١٢٧ - وما أطلب منكم على نصحى وإرشادى أى نوع من أنواع الأجر. ما جزائى إلا على خالق العالمين.
١٢٨ - أتُشَيِّدون بكل مكان مرتفع من الأرض بناء شامخاً تتفاخرون به، وتجتمعون فيه لتعيثوا وتفسدوا؟ يريد سبحانه تنبيههم إلى ما ينفعهم، وتوبيخهم على ترك الإيمان وعمل الصالحات.
١٢٩ - وتتخذون قصوراً مشيدة منيعة، وحياضاً للماء مؤملين الخلود فى هذه الدنيا كأنكم لا تموتون.
١٣٠ - وإذا أخذتم أخذ العقوبة أسرفتم فى البغى جبارين، تقتلون وتضربون غاضبين بلا رأفة.
١٣١ - فخافوا الله فى البطش، وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه، فإنه أنفع لكم وأبقى.
١٣٢ - واحذروا غضب الله الذى بسط إليكم يد إنعامه بالذى تعلمونه بين أيديكم من ألوان عطائه.
١٣٣ - عدَّد ما أمدهم به من إبل وبقر وغنم، وبنين أقوياء، ليحفظوا لهم الأنعام، ويعينوهم على تكاليف الحياة.
١٣٤ - وبساتين مثمرات، وعيون تجرى بالماء الذى تحتاجون إليه.
١٣٥ - إنى أخاف أن يُنزل الله بكم عذاباً شديداً فى الدنيا، ويُدخلكم فى الآخرة نار جهنم، بسبب طغيانكم وإنعام الله عليكم.
١٣٦ - قالوا - استخفافاً به -: سواء لدينا بالغت فى وعظنا وإنذارنا أم لم تكن من الواعظين.
١٣٧ - ما هذا الذى جئتنا به إلا كذب الأولين وأباطيلهم، اعتادوا تلفيق مثله، فلا نرجع عما نحن فيه.
١٣٨ - وما نحن بمعذبين على ما يصدر منا من عمل.
١٣٩ - فاستمروا على تكذيبه، فعاجلهم الله بالهلاك، إن فى ذلك الذى أنزله الله بعاد جزاء تكذيبهم لحجة تدل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلوا عليهم نبأ عاد مؤمنين.
١٤٠ - وإن ربك لهو القاهر للجبارين، الرحيم بالمؤمنين.
١٤١ - كذبت قبيلة ثمود صالحاً فى رسالته ودعوته لهم إلى توحيد الله، وبهذا كذبوا جميع المرسلين، لاتحاد رسالاتهم فى أصولها.
١٤٢ - اذكر لقومك - أيها الرسول - وقت أن قال لثمود أخوهم صالح فى النسب والوطن: ألا تخشون الله فتفردوه بالعبادة؟!
١٤٣ - إنى مرسل من الله إليكم بما فيه خيركم وسعادتكم، حفيظ على هذه الرسالة كما تلقيتها عن الله.
١٤٤ - فاحذروا عقوبة الله، وامتثلوا ما أدعوكم إليه من أوامره.
١٤٥ - وما أطلب منكم أى أجر على نصحى لكم وإرشادى، ما أجرى إلا على مالك العالمين.
١٤٦ - أنكر عليهم اعتقادهم البقاء فيما هم فيه من النعيم، آمنين من العذاب والزوال والموت.
١٤٧ - فى حدائق مثمرات، وعيون تجرى بالماء الفرات.
١٤٨ - وزروع يانعات، ونخل ثمرها الذى يظهر منها لين نضيج.
١٤٩ - وتتخذون من الجبال بيوتاً عاليات. حاذقين نشطين فيما تصنعون.
١٥٠ - فخافوا عقوبة الله لعدم شكركم له على نعمه، واقبلوا نصحى واعملوا به.
١٥١ - ولا تطيعوا أمر الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك واتباع الهوى والشهوات.
١٥٢ - الذين يعيثون فى أرض الله فساداً، ولا يقومون فيها بإصلاح به تسعد البلاد.
١٥٣ - قالوا ما أنت إلا من الذين سُحِروا سحراً شديداً حتى غلب على عقولهم. وفى هذا الرد عنف وسفاهة.
١٥٤ - ما أنت إلا فرد مماثل لنا فى البشرية، فكيف تتميز علينا بالنبوة والرسالة؟! فإن كنت صادقاً فى دعواك فأت بمعجزة تدل على ثبوت رسالتك.
١٥٥ - قال لهم صالح - حينما أعطاه الله الناقة معجزة له -: هذه ناقة الله أخرجَها لكم آية، لها نصيب من الماء فى يوم فلا تشربوا فيه، ولكم نصيب منه فى يوم آخر فلا تشرب فيه.
١٥٦ - ولا تلحقوا بها أذى، فيهلككم عذاب عظيم.
١٥٧ - فذبحوا الناقة مخالفين ما اتفقوا عليه مع صالح، فحق عليهم العذاب، فأصبحوا على ما فعلوا نادمين.
١٥٨ - فأهلكهم عذاب الله الذى توعدهم به صالح، ولم يدفع الندم عنهم عقابَ جُرمهم. إن فى ذكر قصتهم لدلالة على قدرة الله على إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين، وما كان أكثر قومك مؤمنين.
١٥٩ - وإن خالقك لهو القادر على إهلاك الجاحدين المتفضل بإنجاء المتقين.
١٦٠ - كذبت قوم لوط - حين دعاهم إلى توحيد الله وترك الشرك - جميع المرسلين.
١٦١ - اذكر لقومك - أيها الرسول - إذ قال لوط لقومه - وهو أخوهم وصهرهم -: ألا تخافون عذاب الله؟!
١٦٢ - إنى مُرسَل لكم من الله بالدين الحق، أمين على تبليغ هذا الدين.
١٦٣ - فاحذروا عذاب الله، وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه.
١٦٤ - وما أطلب منكم أجراً على ما أدعوكم إليه من الهدى والرشاد، ما جزائى إلا على مالك العالمين ومربيهم.
١٦٥ - قال لوط: أتستمتعون بوطء الذكور دون الإناث؟ يريد بذلك أن ينكر ما دأبوا عليه من ارتكاب هذه الفاحشة النكراء.
١٦٦ - وتتركون ما خلقه الله لمتاعكم من أزواجكم الحلائل، بل أنتم قوم متجاوزون الحد فى الظلم بارتكاب جميع المعاصى.
١٦٧ - قالوا - غاضبين لإنكاره وتشنيعه عليهم بسبب تلك الرذيلة -: لئن لم تترك توبيخنا لتكونن من المنفيين من بلادنا على أسوإ حال.
١٦٨ - قال لوط: إنى لعملكم هذا من المبغضين، فلا أترك إنكاره والتشنيع عليه.
١٦٩ - ونادى ربه: أن ينقذه وأهله مما يعمل هؤلاء الجاهلون حينما يئس من استجابتهم له.
١٧٠ - فاستجاب الله دعاءه، ونجَّاه ومن اتبع دعوته بإخراجهم جميعاً من بيوتهم وقت نزول العذاب بالمكذبين.
١٧١ - إلا امرأته العجوز بقيت ولم تخرج معه فهلكت لكفرها وخيانتها بموالاتها للفاسقين.
١٧٢ - ثم أهلك الله الكفرة الفجرة أشد إهلاك وأفظعه.
١٧٣ - وأنزل الله على شُذَّاذ القوم حجارة من السماء فأهلكتهم، وكان مطراً هائلا فى كثرته ونوعه، فساء مطر المنذرين مطرهم. إذ نزل بأشد أنواع الهلاك.
١٧٤ - إن فى ذلك العقاب الذى نزل بالقوم لحجة تدل على تمام قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين بدعوتك.
١٧٥ - وإن ربك لهو الغالب على كل شئ. المتصف بالرحمة الكاملة فيعاقب المذنبين، ويثيب المؤمنين.
١٧٦ - هذه قصة شعيب مع أصحاب الأيكة - وهى غَيْضة تنبت ناعم الشجر بقرب مَدْيَن - نزل بها جماعة من الناس وأقاموا بها، فبعث الله إليهم شعيباً كما بعث إلى مدين، فكذبوه فى دعوته، وبهذا كانوا منكرين لجميع الرسالات.
١٧٧ - اذكر - يا محمد - لقومك وقت قول شعيب لأصحاب الأيكة: ألا تخافون الله فتؤمنوا به؟! فبادروا بتكذيبه.
١٧٨ - إنى لهدايتكم وإرشادكم مرسل من رب العالمين، أمين على توصيل رسالته إليكم.
١٧٩ - فاحذروا عقوبة الله، وأطيعونى باتباع أوامر الله وتخليص أنفسكم من الآثام.
١٨٠ - وما أطلب منكم على إرشادى وتعليمى أى أجر، ما جزائى الكامل فى مقابل عملى إلا على رب العالمين.
١٨١ - أمرهم شعيب بإعطاء الكيل وافياً حيث كان يشيع بينهم بخس الكيل والميزان، ونقص حقوق الناس بالتطفيف والخسران.
١٨٢ - وزِنُوا بين الناس بالميزان السوى حتى يأخذوا حقهم بالعدل المستقيم.
١٨٣ - ولا تنقصوا الناس شيئاً من حقوقهم، ولا تعثوا فى الأرض مفسدين، بالقتل وقطع الطريق وارتكاب الموبقات وإطاعة الهوى.
١٨٤ - واحذروا عقوبة الله الذى خلقكم، وخلق الأمم القوية العاتية المتقدمة.
١٨٥ - قالوا: ما أنت إلا واحد من الذين أصابهم السحر إصابة شديدة، فذهب بعقولهم.
١٨٦ - وما أنت إلا واحد منا مُساوٍ لنا فى البشرية، فكيف تتميز علينا بالرسالة؟! ونحن نعتقد أنك من الراسخين فى الكذب.
١٨٧ - فأسقط علينا قطع عذاب من السماء إن كنت من الصادقين فى الرسالة. وهذا اقتراح تحته كل ألوان الإنكار.
١٨٨ - قال شعيب: ربى بالغ العلم بما تعملونه من المعاصى، وبما تستحقونه من العذاب ينزله عليكم فى وقته المقدر له. وهذا منه منتهى التفويض لله وغايته التهديد لهم.
١٨٩ - فاستَمرُّوا على تكذيبه، فسلَّط الله عليهم الحر الشديد، فكانوا يفرون منه إلى غير حمى، إلى أن أظلتهم سحابة من الشمس فاجتمعوا تحتها، فأسقطها الله عليهم ناراً فأهلكتهم جميعاً فى يوم شديد الهول.
١٩٠ - إن فيما نزل بأصحاب الأيكة من العقوبة - جزاء تمردهم - لدليل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين.
١٩١ - وإن ربك لهو المتفرد بالقوة والغلبة المنعم بالرحمات على المؤمنين.
١٩٢ - وإن هذا القرآن - الذى ذكرت فيه هذه القصص الصادقة - مُنَزَّلٌ من خالق العالمين ومالك أمرهم ومربيهم، فخبره صادق، وحكمه نافذ إلى يوم القيامة.
١٩٣ - نزل به الروح الأمين، جبريل - عليه السلام -.
١٩٤ - على قلبك متمكناً من حفظه وفهمه، مستقراً فى قلبك استقراراً لا ينسى، لتنذرهم بما تضمنه من العقوبات للمخالفين.
١٩٥ - نزل به جبريل - عليه السلام - عليك بلغة عربية، واضحة المعنى، ظاهرة الدلالة فيما يحتاجون إليه فى إصلاح شئون دينهم ودنياهم.
١٩٦ - وإن ذكر القرآن والإخبار عنه بأنه من عند الله نزل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لثابت فى كتب الأنبياء السابقين.
١٩٧ - أكفر هؤلاء المعاندون بالقرآن وعندهم حجة تدل على صدق محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى عِلْم علماء بنى إسرائيل بالقرآن كما جاء فى كتبهم؟!
١٩٨ - ولو نزلنا القرآن على بعض من الأعجمين يقدر على التكلم بالعربية ولا يفصح بها، فلا يتوهم اتهامه باختراعه.
١٩٩ - فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادة لكفروا به، وانتحلوا لجحودهم عذراً.
٢٠٠ - أدخلنا التكذيب فى قلوب المجرمين، وقرَّرناه فيها مثل تقريره فى قلوب من هم على صفتهم.
٢٠١ - فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده، حتى يعاينوا العذاب الشديد الذى وعدوا به.
٢٠٢ - فينزل بهم العذاب فجأة من غير توقع وهم لا يشعرون بقدومه.
٢٠٣ - فيقولون عند نزول العذاب: ﴿هل نحن مُنْظَرون﴾ تحسراً على ما فاتهم من الإيمان وطلباً للإمهال، ولكن لا يجابون.
٢٠٤ - قال تعالى: أَغَرَّ كفار مكة إمْهالى فيستعجلون نزول العذاب؟! يريد سبحانه تسفيه عقولهم بسبب استعجالهم العذاب إثر تكرار إنذارهم وتخويفهم.
٢٠٥ - أفكَّرتَ فعلمتَ أننا متعناهم بالحياة سنين طويلة مع طيب العيش؟
٢٠٦ - ثم نزل بهم العذاب الموعود.
٢٠٧ - ما يدفع عنهم تمتعهم بطول العمر وطيب العيش من عذاب الله شيئاً، فعذاب الله واقع عاجلاً أو آجلاً، ولا خير فى نعيم يعقبه عذاب.
٢٠٨ - وسُنّتنا فى الأمم جميعاً أننا لم ننزل هلاكاً بأمة إلا بعد أن نرسل إليها رسلا ينذرونها إلزاماً للحجة.
٢٠٩ - تذكرة وعبرة، وما كان شأننا الظلم فنعذب أمة قبل أن نبعث إليها رسولا.
٢١٠ - نفى القرآن ما قاله كفار مكة من أن لمحمد تابعاً من الجن، يلقى القرآن إليه فقال: وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن.
٢١١ - وما يجوز لهم أن ينزلوا به، وما يستطيعون ذلك.
٢١٢ - إنهم عن سماع القرآن الذى ينزل به الوحى على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمحجوبون.
٢١٣ - فتوجه إلى الله مستمراً على إخلاصك له فى العبادة، ولا تهتم بفساد زعم المشركين وسوء مسلكهم. ودعوة الرسول إلى هذا اللون من الإخلاص دعوةٌ لأفراد أمته جميعاً.
٢١٤ - وخوِّف بالعذاب على الشرك والمعاصى الأقرب فالأقرب من عشيرتك.
٢١٥ - وأَلِنْ جانبك لمن أجاب دعوتك بالإيمان.
٢١٦ - فإن عصوك ولم يتبعوك، فتبرأ منهم ومن أعمالهم، من الشرك وسائر المعاصى.
٢١٧ - وفوض أمرك إلى القوى القادر على قهر أعدائك بعزته، وعلى نصرتك ونصرة كل مخلص فى عمله برحمته.
٢١٨ - الذى يراك حين تقوم إلى التهجد وأعمال الخير.
٢١٩ - ويرى تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والقعود والركوع والسجود حين تؤمهم فى الصلاة.
٢٢٠ - إنه سبحانه هو السميع لدعائك وذكرك، العليم بنيتك وعملك، وكأنه سبحانه يقول له: هَوِّن على نفسك مشاق العبادة، فأنت تعمل بمرأى ومسمع منا.
٢٢١ - قال المشركون: إن الشياطين تلقى السمع على محمد. فرد القرآن عليهم: هل أخبركم على من تتنزل الشياطين وتلقى الوساوس؟!
٢٢٢ - تتنزل على كل مرتكب لأقبح أنواع الكذب وأشنع الآثام، وهم الكهنة الفجرة الذين بين طباعهم وطباع الشياطين تجانس ووفاق.
٢٢٣ - يلقون أسماعهم إلى الشياطين، فيتلقون منهم ظنوناً، وأكثرهم كاذبون، حيث يزيدون فى القول على ما تلقيه الشياطين.
٢٢٤ - قال الكفار: إن القرآن شعر، ومحمد شاعر. فأبطل الله هذا بإثبات أن القرآن ملئ بالحكم والأحكام، فأسلوبه ينافى أسلوب الشعر الذى يقوم على الباطل والكذب، وبين أن حال محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينافى حال الشعراء، فهو ينطق بالحكمة، وهم ينطقون بالزور، وهذا حال أغلب الشعراء.
٢٢٥ - ألم تر أنهم فى كل واد من أودية القول يهيمون على وجوههم، فلا يهتدون إلى الحق؟
٢٢٦ - وأنهم يقولون بألسنتهم ما لا يلتزمونه فى عملهم.
٢٢٧ - لكن الذين اهتدوا بهدى الله وعملوا الصالحات حتى تمكنت فيهم ملكات فاضلة، وذكروا الله كثيراً حتى تمكنت خشيته من قلوبهم، هؤلاء يجعلون الشعر كالدواء يصيب الداء، وينتصرون لدينهم وإقامة الحق إذا جير على الحق، وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهجاء الرسول أى مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه.
Icon