تفسير سورة الشعراء

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٢٦ شرح إعراب سورة الشّعراء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طسم (١)
أبو جعفر: «١» حكى أبو عبيد أنّ أبا عمرو كان يفتح، وأنّ الكوفيين يكسرون، وأن المدنيين يقرءون بين الفتح والكسر. وهذا مشروع في سورة «طه» وقرأ المدنيّون وأبو عمرو وعاصم والكسائي طسم بإدغام النون في الميم، والقرّاء يقولون: بإخفاء النون، وقرأ الأعمش وحمزة طسين ميم بإظهار النون. قال أبو جعفر: للنون الساكنة والتنوين أربعة أقسام عند سيبويه «٢» : يبيّنان عند حروف الحلق، ويدغمان عند الراء واللام والميم والواو والياء، ويقلبان ميما عند الباء، ويكونان من الخياشيم أي لا يبينان، فعلى هذه الأربعة الأقسام التي نصّها سيبويه لا تجوز هذه القراءة لأنه ليس هاهنا حرف من حروف الحلق فتبيّن النون عنده ولكن في ذلك وجه وهو أن حروف المعجم حكمها أن يوقف عليها فإذا وقف عليها تبيّنت النون. وحكى أبو إسحاق في كتابه «فيما يجرى وما لا يجرى» «٣» أنه يجوز أن يقول «طسين ميم» بفتح النون وضم الميم، كما يقال: هذا معدي كرب يا هذا.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢]
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)
تِلْكَ آياتُ رفع على إضمار مبتدأ أي: هذه تلك آيات الكتاب المبين أي التي كنتم وعدتم بها لأنهم وعدوا في التوراة والإنجيل بإنزال القرآن.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٣]
لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)
لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ خبر لعلّ. أَلَّا يَكُونُوا قال الفراء «٤» : في موضع نصب لأنهما جزاء. قال أبو جعفر: وإنما يقال: إن مكسورة لأنها جزاء، كذا المتعارف. والقول في
(١) انظر القراءات المختلفة في البحر المحيط ٧/ ٥.
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٥٨٧.
(٣) انظر كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف ص ٦٣.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٧٥.
هذا ما قاله أبو إسحاق في كتابه «في القرآن» قال: «أن» في موضع نصب مفعول له، والمعنى: لعلّك قاتل نفسك لتركهم الإيمان.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٤]
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً شرط ومجازاة. فَظَلَّتْ معناه فتظلّ، لأن الماضي يأتي بمعنى المستقبل في المجازاة. وقد ذكرنا «خاضعين» ولم يقل: خاضعات بما يستغني عن الزيادة.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٧]
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧)
أصل الكرم في اللغة الشرف والفضل، فنخلة كريمة أي فاضلة كثيرة الثمر، ورجل كريم فاضل شريف صفوح، قال الفراء: والزوج اللون.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٠]
وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)
إِذْ في موضع نصب، واتل عليهم إذ نادى ربك موسى، ويدل على هذا أن بعده وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ [الشعراء: ٦٩] أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١١]
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١)
قَوْمَ فِرْعَوْنَ بدل. أَلا يَتَّقُونَ لأنهم غيّب عن المخاطبة، ويجوز ألا تتّقون بمعنى قل لهم، ومثله قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ [آل عمران: ١٢] بالتاء والياء..
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٢ الى ١٣]
قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣)
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي. قال الكسائي: القراءة بالرفع يعني في وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي من وجهين: أحدهما: الابتداء، والآخر: بمعنى وإنّي يضيق صدري ولا ينطلق لساني يعني نسقا على «أخاف». قال: ويقرأ بالنصب، وكلاهما وجه. قال أبو جعفر: الوجه الرفع لأن النصب عطف على «يكذّبون»، وهذا بعيد يدلّ على ذلك قوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه: ٢٧] فهذا يدلّ على أن هذا كذا.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٧]
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧)
قال أبو إسحاق: أَنْ أَرْسِلْ في موضع نصب، أي أرسلنا لأن ترسل معنا بني إسرائيل، فامتنّ عليه فرعون بالتربية.

[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٨]

قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨)
قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً نصب على الحال. وَلَبِثْتَ فِينا وإن شئت أدغمت الثاء في التاء لقربها منها مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وتحذف الضمّة لثقلها فيقال من عمرك، وحكى سيبويه»
فتح العين وإسكان الميم ومنه لعمرك ولا يستعمل في القسم عنده إلّا الفتح لخفّته. سِنِينَ على جمع التسليم، وقد يقال: لبثت سنينا يا هذا. يجعل الإعراب في النون.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٩]
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩)
تكون الجملة في موضع الحال أي قتلت النفس وهذه حالك، ويجوز أن يكون المعنى: وأنت السّاعة من الكافرين لنعمتي لأنك تطالبني أن أرسل معك بني إسرائيل.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٠]
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠)
قيل: معناه أي ضللت عن أن أعرف بأنّ تلك الضربة تقتل.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢]
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢)
قال الأخفش: فقيل المعنى أو تلك نعمة وحذفت ألف الاستفهام. قال أبو جعفر: وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى وحذفها محال، إلّا أن يكون في الكلام «أم» فيجوز حذفها في الشعر ولا أعلم بين النحويين في هذا اختلافا إلّا شيئا قاله الفراء «٢» قال: يجوز حذف ألف الاستفهام في أفعال الشكّ وحكى: ترى زيدا منطلقا بمعنى أترى. وكان عليّ بن سليمان يقول في مثل هذا: إنّما أخذه من ألفاظ العامة وكذا عنده: نعم زيدا إذا تقدّم ذكره إنما أخذه من ألفاظ العامة. ومذهب الفراء «٣» في معنى وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أنه على حذف. وأنّ المعنى هي لعمري نعمة إن مننت عليّ فلم تستعبدني واستعبدت بني إسرائيل أي: إنّما صارت لأنك استعبدت بني إسرائيل. وقول الضحاك: أنّ المعنى أنك تمنّ عليّ بما لا يجب أن تمنّ به أي يكون هذا على التّبكيت له والتبكيت يكون بغير استفهام وباستفهام، ويجوز أن يكون هذا مثل وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء: ٧٩] ويكون تبكيتا أيضا، وقول رابع في الآيتين جميعا: أن يكون القول محذوفا «إن عبّدت» في موضع رفع على البدل من نعمة، ويجوز أن يكون أن في موضع نصب بمعنى لأن عبّدت بني إسرائيل.
(١) انظر الكتاب ١/ ٣٨٦.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٩٤.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٧٩.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]

قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤)
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ فأجابه موسى صلّى الله عليه وسلّم ف قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إذا نظرتم إلى السموات والأرض وما فيهما من الآيات والحوادث علمتم وأيقنتم أنّ لهما صانعا ومدبّرا.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٥]
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥)
عليهم من الأول وأدنى إلى أفهامهم من الأول.
فخاطب موسى صلّى الله عليه وسلّم الجماعة بما هو أقرب.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٦]
قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦)
فجاء بدليل يفهمونه عنه لأنهم يعلمون أنهم قد كان لهم آباء، وأنهم قد فنوا، وأنهم لا بدّ لهم من مفن، وأنهم قد كانوا بعد أن لم يكونوا وأنهم لا بد لهم من مكوّن.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)
قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ فأجابه موسى صلّى الله عليه وسلّم عن هذا بأن قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ليس ملكه كملكك لأنك إنما تملك بلدا واحدا لا يجوز أمرك في غيره ويميت من لا تحبّ أن يموت، والذي أرسلني يملك المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون فستتبيّنون ما قلت.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠)
قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ فرفق به موسى صلّى الله عليه وسلّم ف قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء تتبيّن به صدق ما جئت به.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٣١]
قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١)
فلم يحتج الشرط إلى جواب عند سيبويه لأن ما تقدّم يكفي منه.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٣٦]
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦)
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ قال أبو إسحاق: أي أخّره عن وقتك وأخّر استتمام مناظرته
حتى تجتمع كل السحرة أرجئه بإثبات الهمزة في الإدراج، ويجوز حذفها وإثبات الكسرة، وفي الإدراج يجوز حذفها، وإثبات الضمة بالهمزة وضمّ الهاء بغير واو.
ويجوز إثبات الواو على بعد. وإنما بعد لأن الهمزة ساكنة والواو ساكنة والحاجز بينهما ضعيف والواو في الأصل والياء على البدل منه وحذفهما لأن قبلهما ما يدلّ عليهما، وأنهما زائدتان.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٤١]
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١)
ومن قرأ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً بغير استفهام جعل معناه إنّك ممن يحبّنا ويبرّنا.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٤٦]
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦)
أي الّذين كان يقال لهم سحرة وذكروا بهذا الاسم ليدلّ على أنهم المذكورون قبل.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٤٩]
قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ تمويه من فرعون وطغيان وعدوان أظهر أنّ السحرة واطئوا موسى عليه السلام على ما كان، وأنّ موسى هو الذين علّمهم السحر.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٥٠]
قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠)
قالُوا لا ضَيْرَ من ضار يضير. ويقال: ضار يضور بمعنى ضرّ يضرّ ضرّا وضررا.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٥١]
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)
أَنْ في موضع نصب والمعنى لأن كنا، وأجاز الفراء «١» كسرها على أن يكون مجازاة.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٥٢]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢)
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي من أسرى يسري ويجوز أن أسر من سرى يسري لغتان فصيحتان.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٥٤]
إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤)
لام توكيد تدخل كثيرا في خبر إن إلّا أن الكوفيين لا يجيزون: إن زيدا لسوف يقوم. والدليل على أنه جائز فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الشعراء: ٤٩] فهذه لام التوكيد
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٠.
بعينها قد دخلت على سوف قَلِيلُونَ جمع مسلّم كما يقال: أحدون.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٥٥]
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥)
من غاظ يغيظ وهي اللغة الفصيحة.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٥٦]
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦)
قراءة المدنيين وأبي عمرو، وقراءة الكوفيين حاذِرُونَ «١»، وهي معروفة عن عبد الله بن مسعود وابن عباس حادرون «٢» بالدال غير معجمة، قراءة ابن أبي عمار.
قال أبو جعفر: أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى حذرين وحاذرين واحد، وهو قول سيبويه. وأجاز: هو حذر زيدا، كما يقال: حاذر زيدا، وأنشد: [الكامل] ٣١٢-
حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار «٣»
قال أبو جعفر: حدّثني علي بن سليمان قال: حدّثنا محمد بن يزيد قال: سمعت أبا عثمان المازني يقول: قال أبو عثمان اللّاحقي: لقيني سيبويه فقال: أتعرف بيتا فيه فعل ناصبا؟ فلم أحفظ فيه شيئا وفكّرت فعملت له فيه هذا البيت، وزعم أبو عمر الجرمي أنه يجوز هو حذر زيدا، على حذف «من». فأما أكثر النحويين فيفرقون بين حذر وحاذر منهم الكسائي والفراء ومحمد بن يزيد، ويذهبون إلى أنّ معنى حذر في خلقته الحذر أي منتبه متيقّظ فإذا كان هكذا لم يتعدّ، ومعنى حاذر مستعد وبهذا جاء التفسير عن المتقدّمين. قال عبد الله بن مسعود في قول الله جلّ وعزّ: حاذِرُونَ قال: مؤدّون في الكراع والسلاح مقوون فهذا ذاك بعينه، وقوله: مؤدّون معناه معهم أداة، وقيل: المعنى معنا سلاح وليس معهم سلاح يحرّضون على القتال. فأما «حادرون» فمعنا مشتقّ من قولهم: عين حدرة أي ممتلئة أي نحن ممتلئون غيظا عليهم.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٥٩]
كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩)
كَذلِكَ في موضع رفع والمعنى الأمر كذلك أي الأمر كما أخبرناكم من خبرهم.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٦١]
فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١)
فَلَمَّا تَراءَا هكذا الوقف كما تقول: تجافى القوم، وتراخى إخوتك. لم تقف عليه فتقول: تجافى وتراخى، ومن وقف فقال: تراءى فقد حذف لام الفعل، وغلط من اعتلّ أنه فعل متقدّم غلطا قبيحا، وذلك أن العلّة في قولنا: تراءى أنه مثل تداعى
(١) انظر البحر المحيط ٦/ ١٧. [.....]
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٦، والبحر المحيط ٦/ ١٨.
(٣) مرّ: الشاهد رقم (١٢١).
وتجافى- كما قلنا، ولو كان متأخّرا لقيل: ترآيا فإن وصلت حذفت لالتقاء الساكنين فقلت: تراءى الجمعان. وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ «١». قال الفراء «٢» : حفر واحتفر بمعنى واحد، وكذلك لمدركون ولمدّركون بمعنى واحد. قال أبو جعفر: وليس كذا يقول النحويون الحذاق، إنما يقولون مدركون ملحوقون، ومدّركون مجتهد في لحاقهم، كما يقال: كسبت بمعنى أصبت وظفرت، واكتسبت بمعنى اجتهدت وطلبت. وهذا معنى قول سيبويه.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٦٩]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩)
على تخفيف الهمزة الثانية، وهو أحسن الوجوه لأنهم قد أجمعوا جميعا على تخفيف الثانية إذا كانتا في كلمة واحدة، نحو آدم، وإن شئت حققتهما فقلت: «نبأ إبراهيم» وإن شئت خفّفتهما فقلت «نبأ إبراهيم»، وإن شئت خففت الأولى فقلت «نبأ إبراهيم». وثمّ وجه خامس إلّا أنه بعيد في العربية، بعد لأنه جمع بين همزتين كأنهما في كلمة واحدة وحسن في فعال لأنه لا يأتي إلّا مدغما.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٧١ الى ٧٢]
قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢)
فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ خبر نظل.
قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ قال الأخفش: فيه حذف، والمعنى: هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم فحذف كما قال: [البسط] ٣١٣-
القائد الخيل منكوبا دوابرها قد أحكمت حكمات القدّ والأبقا «٣»
قال: والأبق الكتان فحذف. والمعنى: وقد أحكمت حكمات الأبق. وروي عن قتادة أنه قرأ قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ «٤» بضمّ الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم. إِذْ تَدْعُونَ وإن شئت أدغمت الذال في التاء.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٧٣]
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)
معطوف على يسمعونكم.
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ١٩، ومختصر ابن خالويه ١٠٧.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٠.
(٣) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٤٩، ولسان العرب (أبق) و (حكم)، وتهذيب اللغة ٤/ ١١٤، وجمهرة اللغة ١٠٢٦، وتاج العروس (حكم)، ومجمل اللغة ١/ ١٥٩، ومقاييس اللغة ١/ ٣٩، وديوان الأدب ٢/ ٣٢٩، وأساس البلاغة (حكم)، وبلا نسبة في لسان العرب (حكم)، والمخصّص ٤/ ٧١، وديوان الأدب ٢/ ١٣٣، وكتاب العين (حكم).
(٤) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٧.

[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٧٧]

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي واحد يؤدّي عن جماعة، وكذلك يقال للمرأة: هي عدوّ الله وعدوّة الله، حكاهما الفراء. قال أبو جعفر: وسألت علي بن سليمان عن العلّة فيه، فقال من قال: عدوّة فأثبت الهاء قال: هي بمعنى معادية. ومن قال عدوّ للمؤنّث، والجمع جعله بمعنى النسب. إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ قال أبو إسحاق: قال النحويون: هو استثناء ليس من الأول، وأجاز أبو إسحاق أن يكون من الأول على أنهم كانوا يعبدون الله جلّ وعزّ ويعبدون معه الأصنام، وتأوله الفراء «١» على الأصنام وحدها، والمعنى عنده فإنّهم لو عبدتهم عدوّ لي إلّا ربّ العالمين أي عدوّ لي يوم القيامة.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٧٨ الى ٧٩]
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩)
يَهْدِينِ وَيَسْقِينِ: بغير ياء لأن الحذف في رؤوس الآيات حسن لتتّفق كلّها.
وقد قرأ ابن أبي إسحاق على جلالته ومحلّه من العربية هذه كلّها بالياء لأن الياء اسم وإنما دخلت النون لعلّة.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٨٢]
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)
وقرأ الحسن: الذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين وقال ليست خطيئة واحدة. قال أبو جعفر: وخطيئة بمعنى خطايا معروف في كلام العرب، وقد أجمعوا جميعا على التوحيد في قوّته جلّ وعزّ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ [الملك: ١١] ومعناه بذنوبهم، وكذا فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء: ١٠٣] ومعناه الصلوات فكذا خَطِيئَتِي إن كانت خطايا، والله أعلم.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٩٤]
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤)
فَكُبْكِبُوا فِيها قيل الضمير يعود على الأصنام وقد جرى الإخبار عنهم بالتذكير، لأنهم أنزلوهم منزلة ما يعقل. هُمْ وَالْغاوُونَ الذين عبدوهم، «والغاوون» الخائبون من رحمة الله جلّ وعزّ.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٩٥]
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)
الذين دعوهم إلى عبادة الأصنام وساعدوا إبليس على ما يريد فهم جنوده.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٩٩]
وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩)
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨١.
رفع بفعلهم، والمجرمون: الذين دعوهم إلى عبادة الأصنام.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٠٠]
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠)
في موضع رفع لأن المعنى: فما لنا شافعون.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٠١]
وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١)
ويجوز وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ بالرفع يكون عطفا على الموضع: لأن المعنى فما لنا شافعون ولا صديق حميم. وجمع صديق أصدقاء، وصدقاء وصداق. ولا يقال:
صدق، للفرق بين النعت وبين غيره، وحكى الكوفيون أنه يقال في جمعه صدقان.
وهذا بعيد لأن هذا جمع ما ليس بنعت نحو رغيف ورغفان، وحكوا أيضا صديق وأ صادق، وأفاعل إنما هو جمع أفعل إذا لم يكن نعتا، نحو أشجع وأشاجع. ويقال:
صديق للجماعة وللمرأة، وجمع حميم أحمّاء وأحمّة، وكرهوا أفعلاء للتضعيف.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٠٢]
فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢)
أنّ في موضع رفع والمعنى: فلو وقع لنا رجوع إلى الحياة لآمنّا.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٠٥]
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ على تأنيث الجماعة.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١١١]
قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)
الْأَرْذَلُونَ جمع الأرذل والمكسر أراذل والأنثى الرّذلى والجمع رذل، ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه، ومنعوا جميعا سقطت له ثنّيتان علييان لا سفليان.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١١٩]
فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩)
الْفُلْكِ زعم سيبويه أنه جمع فلك كأسد وأسد، وقيل: فلك وفلك بمعنى واحد.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٢٨]
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨)
قال محمد بن يزيد رِيعٍ جمع ريعة.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٢٩]
وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩)
فذمّوا على أن اتّخذوا ما لا يحتاجون إليه ووبخوا بقوله: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ أي لستم تخلدون فلم تبنون ما تموتون وتتركونه؟

[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٣٧]

إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)
قراءة شيبة ونافع وعاصم والأعمش وحمزة، وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر والحسن إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ «١» بفتح الخاء. فالقراءة الأولى عند الفراء بمعنى عادة الأولين. قال أبو جعفر: وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال: خلق الأولين مذهبهم، وما جرى عليه أمرهم. والقولان متقاربان من هذا الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «٢» أي أحسنهم مذهبا وعادة وما يجري عليه الأمر في طاعة الله جلّ وعزّ، ولا يجوز أن يكون من كان حسن الخلق فاجرا فاضلا، ولا أن يكون أكمل إيمانا من السيئ الخلق الذي ليس بفاجر. قال أبو جعفر: وحكي لنا عن محمد بن يزيد أنّ معنى «خلق الأولين» تكذيبهم وتخرّصهم غير أنه كان يميل إلى القراءة الأولى لأن فيها مدح آبائهم، وأكثر ما جاء القرآن في صفتهم مدحهم لآبائهم وقولهم: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف: ٢٢].
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٤٨]
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨)
وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ الجملة في موضع خفض نعت لنخل. وأحسن ما قيل في معناه ما رواه الدّراوردي عن ابن أخي الزّهري عن عمه في قوله جلّ وعزّ: طَلْعُها هَضِيمٌ قال: الرّخص اللطيف أول ما يطلع، وهو الطلع النضيد لأن بعضه فوق بعض.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٤٩]
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ ويقال: تنحتون لأنه فيه حرفا من حروف الحلق. بيوتا فرهين «٣» قراءة المدنيين والبصريين، وقرأ أبو صالح والكوفيون فارِهِينَ وقد اختلف العلماء في معناهما ففرق بينهما بعضهم وجعلهما بمعنى واحد. فقال أبو صالح ومعاوية بن قرّة ومنصور بن المعتمر والضحاك بن مزاحم فارهون حاذقون. قال مجاهد: «فرهون» أشرون بطرون. قال أبو جعفر: فهذا تفريق بين معنيين، يكون «فارهون» من فره إذا كان حاذقا نشيطا، و «فرهون» بمعنى فرحين فأبدل من الحاء هاء.
وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وينحتون من الجبال بيوتا فرهين قال:
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨١، والبحر المحيط ٧/ ٣٢، وهذه قراءة عبد الله وعلقمة وابن كثير والكسائي أيضا.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٢/ ٢٥٠، وأبو داود في سننه (٤٦٨٢)، والدارمي في سننه ٢/ ٣٢٣، والحاكم في المستدرك ١/ ٣، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٩/ ٢٤٨ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥/ ٣٥٥.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٢، والبحر المحيط ٧/ ٣٤.
حاذقين. قال: فهذا بمعنى فارهين إن كان محفوظا عن ابن عباس وممن ذهب إلى أنّ فارهين وفرهين بمعنى واحد أبو عبيدة وقطرب. وحكى قطرب: فره يفره فهو فاره وفرع يفره فهو فره وفاره إذا كان نشيطا وهو منصوب على الحال.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٥٥]
قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥)
قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ قال الفراء «١» : الشّرب الحظّ من الماء. قال أبو جعفر:
فأمّا المصدر فيقال فيه شرب شربا وشربا وشربا: وأكثرها المضمومة لأنّ المفتوحة والمكسورة يشتركان مع شيء آخر، فيكون الشرب الحظّ من الماء، ويكون الشّرب جمع شارب، كما قال: [البسيط] ٣١٤-
فقلت للشّرب في درنا وقد ثملوا شيموا وكيف يشيم الشّارب الثّمل «٢»
إلّا أنّ أبا عمرو بن العلاء رحمه الله والكسائي يختاران الشّرب بالفتح في المصدر، ويحتجّان برواية بعض العلماء أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنّها أيام أكل وشرب» «٣».
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٥٦]
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦)
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ لا يجوز إظهار التضعيف هاهنا لأنهما حرفان متحرّكان من جنس واحد فَيَأْخُذَكُمْ جواب النهي، ولا يجوز حذف الفاء منه والجزم كما جاز في الأمر إلّا شيء روي عن الكسائي أنه يجيزه.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٥٧]
فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧)
أي على عقرها لما أيقنوا بالعذاب، ولم ينفعهم الندم لأن المحنة قد زالت لمّا وقع الاستيقان بالعذاب. وقيل: لم ينفعهم الندم لأنهم لم يتوبوا بل طلبوا صالحا صلّى الله عليه وسلّم ليقتلوه لمّا أيقنوا بالعذاب.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٧١]
إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١)
إِلَّا عَجُوزاً نصب على الاستثناء. فِي الْغابِرِينَ روى سعيد عن قتادة قال: غبرت في عذاب الله جلّ وعزّ أي بقيت، وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من الباقين في الهرم أي بقيت حتى هرمت.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٧٢.
(٢) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٠٧، ولسان العرب (ثمل) و (درن)، وجمهرة اللغة ٦٤٠، ومقاييس اللغة ١/ ٣٩٠، وأساس البلاغة (ثمل)، وتاج العروس (ثفت) و (ثمل)، و (درن).
(٣) أخرجه مالك في الموطأ باب ٤٤ حديث (١٣٥)، وابن ماجة في سننه حديث (١٧١٩) وأبو داود في سننه حديث (٢٨١٣).

[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٧٦]

كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦)
وقرأ أبو جعفر ونافع أصحاب لئيكة المرسلين «١» وكذا قرأ في «صاد» [آية:
١٣]، وأجمع القراء على الخفض في التي في سورة «الحجر» [آية: ٧٨] والتي في سورة «ق» [آية: ١٤] فيجب أن يردّ ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه إذ كان المعنى واحدا. فأما ما حكاه أبو عبيدة من أنّ «ليكة» هي اسم القرية التي كانوا فيها وأنّ الأيكة اسم البلد كلّه فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله، وإنما قيل: وهذا لا تثبت به حجّة حتّى يعرف من قاله فيثبت علمه، ولو عرف من قاله لكان فيه نظر لأنّ أهل العلم جميعا من أهل التفسير والعلم بكلام العرب على خلافه. روى عبد الله بن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة قال: أرسل شعيب صلّى الله عليه وسلّم إلى أمّتين: أي قومه أهل مدين، وإلى أصحاب الأيكة. قال: والأيكة غيضة من شجر ملتفّ. وروى سعيد عن قتادة. قال: كان أصحاب الأيكة أهل غيضة وشجر، وكانت عامة شجرهم الدوم، وهو شجر المقل وروى جويبر عن الضحاك، قال: خرج أصحاب الأيكة يعني حين أصابهم الحر فانضموا إلى الغيضة والشجر فأرسل الله عليهم سحابة فاستظلّوا تحتها فلما تتامّوا تحتها أحرقوا، ولو لم يكن في هذا إلّا ما روي عن ابن عباس قال: تحتها الشجر. ولا نعلم بين أهل اللغة اختلافا أنّ الأيكة الشجر الملتفّ. فأمّا احتجاج بعض من احتجّ لقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح بأنه في السواد ليكة فلا حجّة له فيه، والقول فيه أنّ أصله الأيكة ثم خفّفت الهمزة فألقيت حركتها على اللّام وسقطت واستغنيت عن ألف الوصل، لأن اللام قد تحرّكت فلا يجوز على هذا إلّا الخفض، كما تقول: مررت بالأحمر، على تحقيق الهمزة ثم تخفّفها فتقول: مررت بلحمر. فإن شئت كتبته في الخطّ كما كتبته أولا، وإن شئت كتبته بالحذف، ولم يجز إلّا بالخفض فكذا لا يجوز في الأيكة إلّا الخفض. قال سيبويه: واعلم أنّ كلّ ما ينصرف إذا دخلته الألف واللام أو أضيف انصرف إذا دخلته، ولا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٨٤]
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤)
عطف على الكاف والميم ويقال: جبلّة» والجمع فيهما جبال، وتحذف الضمة والكسرة من الباء، وكذلك التشديد من اللام فيقال: جبلة وجبل وجبلة وجبل. ويقال:
جبلة وجبال، وتحذف الهاء من هذا كلّه.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٩٢ الى ١٩٣]
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)
(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٣، وتيسير الداني ١٣٥، والبحر المحيط ٧/ ٣٦. [.....]
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة إلّا الحسن فإنه قرأ هو والكوفيون نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «١» وبعض أهل اللغة يحتجّ لهذه القراءة بقوله جلّ وعزّ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ لأن تنزيلا يدلّ على نزّل، وهو احتجاج حسن، وقد ذكره أبو عبيد والحجّة لمن قرأ بالتخفيف أن يقول: ليس هذا المصدر لأنّ المعنى وإنّ القرآن لتنزيل ربّ العالمين نزل به جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم، كما قال جلّ وعزّ قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ [البقرة: ٩٧] فإنه نزّله على قلبك.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٩٦]
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)
أي وإنّ الإنذار بمن أهلك لفي كتب الأولين. وفي قراءة الأعمش لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ «٢» حذف الضمة لثقلها كما يقال رسل.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٩٧]
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧)
أي أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل الذين أسلموا صحّة نبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم فما عندهم في التوراة والإنجيل آية واضحة. ومن قرأ (تكن) «٣» أنّث لأن أن يعلمه هو الآية كما قال: [الكامل] ٣١٥-
فمضى وقدّمها وكانت عادة منه إذا هي عرّدت إقدامها «٤»
ويبعد رفع آية لأن أن يعلمه هو الآية. وقرأ عاصم الجحدري أن تعلمه علماء بني إسرائيل «٥».
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١٩٨]
وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨)
وقرأ الحسن على بعض الأعجميّين «٦». قال أبو جعفر: يقال رجل أعجم وأعجميّ إذا كان غير فصيح وإن كان عربيا، ورجل عجميّ أصله من العجم وإن كان فصيحا ينسب إلى أصله، إلّا أنّ الفراء أجاز أن يقال: رجل عجميّ.
(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٣، ومعاني الفراء ٢/ ٢٨٤، وتيسير الداني ١٣٥.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٨.
(٣) انظر تيسير الداني ١٣٥، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٣، والبحر المحيط ٧/ ٣٩، وهذه قراءة ابن عامر والجحدري.
(٤) الشاهد للبيد في ديوانه ٣٠٦، والأشباه والنظائر ٥/ ٢٥٥، والخصائص ٢/ ٤١٥، ولسان العرب (عرد) و (قدم)، وكتاب العين ٢/ ٣٢، وبلا نسبة في الخصائص ١/ ٧٠.
(٥) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٩، ومختصر ابن خالويه ١٠٧.
(٦) انظر البحر المحيط ٧/ ٤٠ وهي قراءة ابن مقسم أيضا.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٠٠ الى ٢٠١]

كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١)
وأجاز الفراء «١» الجزم في «يؤمنون» لأن فيه معنى الشرط والمجازاة، زعم وحكي عن العرب: ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم، قال: لأن معناه إن لم أربطه ينفلت. والرفع عنده بمعنى كيلا ينفلت وكيلا يؤمنوا فلما حذف «كي» رفع. وهذا الكلام كلّه في يؤمنون خطأ على مذهب البصريين لا يجوز الجزم لا جازم ولا يكون شيء يعمل عملا أقوى من عمله وهو موجود، فهذا احتجاج بيّن وإن شذّ قول لبعض البصريين لم يعرّج عليه إذ كان الأكثر يخالفه فيه.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٠٥]
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥)
قال الضحاك: يعني أهل مكة.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٠٦]
ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦)
قال: يعني من العذاب والهلاك.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٠٧]
ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)
ما الأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع، ويجوز أن تكون الأولى نفيا لا موضع لها.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٠٨ الى ٢٠٩]
وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩)
قال الكسائي: ذِكْرى في موضع نصب على القطع، وهذا لا يحصّل، والقول فيه هو قول الفراء «٢» وأبي إسحاق أنّها في موضع نصب على المصدر. قال الفراء: أي يذّكّرون ذكرى وهذا قول صحيح لأنّ معنى إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ إلا لها مذكّرون. وذكرى لا يتبيّن فيه الإعراب لأن فيه ألفا مقصورة، ويجوز «ذكرى» بالتنوين، ويجوز أن يكون «ذكرى» في موضع رفع على إضمار مبتدأ. قال أبو إسحاق: أي إنذارنا ذكرى. وقال الفراء: أي ذلك ذكرى وتلك ذكرى.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢١٠]
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠)
وقرأ الحسن الشياطون «٣» وهو غلط عند جميع النحويين. قال أبو جعفر:
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٣.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٤.
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ٤٣، ومعاني الفراء ٢/ ٢٨٥، ومختصر ابن خالويه ١٠٨.
وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: هكذا يكون غلط العلماء إنما يكون بدخول شبهة. لما رأى الحسن رحمه الله في آخره ياء ونونا وهو في موضع اشتبه عليه بالجمع المسلّم فغلط. وفي الحديث «احذروا زلّة العالم» «١» وقد قرأ هو مع الناس وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ [البقرة: ١٤] ولو كان هذا بالواو في موضع الرفع لوجب حذف النون للإضافة.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١١ الى ٢١٢]
وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)
وَما يَنْبَغِي لَهُمْ أي وما يصلح للشياطين أن ينزلوا بالوحي والأمر بطاعة الله جلّ وعزّ وَما يَسْتَطِيعُونَ أن يتقوّلوا مثل القرآن، ولا أن يأخذوه من الملائكة استراقا لأنهم عن السمع لمعزولون.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٣ الى ٢١٤]
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)
قيل: قل لمن كفر هذا، وقيل: هو مخاطبة له صلّى الله عليه وسلّم وإن كان لا يفعل هذا لأنه معصوم مختار ولكنه خوطب بهذا ليعلم الله جلّ وعزّ حكمه في من عبد غيره كائنا من كان وبعد هذا ما يدلّ عليه وهو وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أي لئلا يتّكلوا على نسبهم وقرابتهم منك فيدعوا ما يجب عليهم.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢١٥]
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)
يقال: خفض جناحه إذا لان ورفق.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢١٦]
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦)
أي إنّي بريء من معصيتكم إيّاي لأن عصيانهم إياه عصيانهم لله جلّ وعزّ لأنه لا يأمرهم إلّا بما يرضاه الله جلّ وعزّ، ومن تبرّأ الله جلّ وعزّ منه.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢١]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١)
قيل: الشياطين تنزّل لأنها أكثر ما تكون في الهواء لضئولة خلقها وأنها بمنزلة الريح.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢٢]
تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)
أي كذّاب يجترم الإثم تتنزّل عليه توسوس له بالمعصية.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢٣]
يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣)
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال رقم (٢٨٨٣).
يُلْقُونَ السَّمْعَ قيل: الّذين يلقون السمع هم الذين تتنزّل عليهم أي يستمعون إلى الشياطين ويقبلون منهم، وقيل: هم الشياطين يسترقون السمع.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢٤]
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤)
ويجوز النصب على إضمار فعل يفسره يتّبعهم. وقيل: «الغاوون» هاهنا الزائلون عن الحقّ، ودلّ: هذا على أن الشعراء أيضا غاوون لأنهم لو لم يكونوا غاوين ما كان أتباعهم كذلك.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢٥]
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)
أي هم بمنزلة الهائم لأنهم يذهبون في كلّ وجه من الباطل ولا يتّبعون سنن الحقّ لأن من اتّبع الحقّ وعلم أنّه يكتب عليه قوله تثبّت ولم يكن هائما يذهب على وجهه لا يبالي ما قال.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢٧]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ في موضع نصب على الاستثناء.
وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وإنما يكون الانتصار بالحقّ وبما حدّه الله جلّ وعزّ فإذا تجاوز ذلك فقد انتصر بالباطل. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وفي هذا تهديد لمن انتصر بظلم و «أيّ» منصوب بينقلبون، وهو بمعنى المصدر، ولا يجوز أن يكون منصوبا بسيعلم. والنحويون يقولون: لا يعمل في الاستفهام ما قبله. قال أبو جعفر: وحقيقة العلّة في ذلك أن الاستفهام معنى وما قبله معنى آخر، فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض.
Icon