تفسير سورة النجم

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة النجم من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي ستون وآيتان

﴿والنجم إذا هوى﴾ أي: والثُّريا إذا سقطت وقيل: القرآن إذا نزل مُتفرِّقاً نجوماً
﴿ما ضلَّ صاحبكم﴾ محمد عليه السَّلام ﴿وما غوى﴾
﴿وما ينطق عن الهوى﴾ ما الذي يتكلَّم به ممَّا قاله بهواه
﴿إن هو﴾ ما هو ﴿إلاَّ وحيٌ يوحى﴾ إليه
﴿علمه شديد القوى﴾ أَيْ: جبريل عليه السَّلام
﴿ذو مرَّة﴾ قوَّةٍ شديدةٍ ﴿فاستوى﴾ جبريل عليه السَّلام في صورته التي خلقه الله عز وجل عليها
﴿وهو بالأفق الأعلى﴾ وذلك أن رسول الله ﷺ سأله أن يريه نفسه على صورته فواعده ذلك بحراء فطلع له جبريل عليه السلام من الشرق فسدَّ الأفق إلى المغرب
﴿ثم دنا فتدلى﴾ هذا من المقلوب أَيْ: ثمَّ تدلى أَيْ: نزل من السَّماء فدنا من محمَّد عليه السَّلام
﴿فكان﴾ منه في القرب على قدر ﴿قوسين أو أدنى﴾ والمعنى: أنَّه بعد ما رأى رسول الله ﷺ من عظمه وهاله ذلك ردَّه الله تعالى إلى صورة آدميٍّ حتى قرب من النبي ﷺ للوحي وذلك قوله:
﴿فأوحى إلى عبده﴾ محمد ﷺ ﴿ما أوحى﴾ الله عزَّ وجل إلى جبريل عليه السَّلام
﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ أَيْ: لم يكذب قلب محمَّد عليه السَّلام فيما رأى ليلة المعراج وذلك أنَّ الله جعل بصره في فؤاده حتى رآه وحقَّق الله تعالى تلك الرُّؤية وقال: إنها كانت رؤية حقيقة ولم تكن كذباً
﴿أفتمارونه على ما يرى﴾ أفتجادلونه في أنه رأى الله عز وجل
﴿ولقد رآه﴾ ربَّه وقيل: رأى جبريل على صورته التي خلق عليها ﴿نزلة أخرى﴾ مرَّة أخرى
﴿عند سدرة المنتهى﴾ وهي شجرةٌ إليها ينتهي علم الخلق وما وراءها غيبٌ لا يعلمه إلاَّ الله عز وجل
﴿عندها جنة المأوى﴾ وهي جنَّةٌ تصير إليها أرواح الشُّهداء
﴿إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾ قيل: يغشاها فراش من ذهب وقيل: الملائكة أمثال الغربان
﴿ما زاغ البصر وما طغى﴾ هذا وصفٌ أدبِ النبي ﷺ ليلة المعراج أَيْ: لم يمل بصره عما قصده له ولا جاوز إلى ما أُمر به
﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾ أَيْ: ما رأى من الآيات العظام تلك اللَّيلة
﴿أفرأيتم اللات والعُزَّى﴾
﴿ومناة الثالثة الأخرى﴾ هذه أصنامٌ من حجارةٍ كانت في جوف الكعبة والمعنى أخبرنا عن هذه الإناث التي تعبدونها وتزعمون أنَّها بنات الله أللَّهِ هي وأنتم تختارون الذُّكران وذلك قوله:
﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى﴾
﴿تلك إذاً قسمة ضيزى﴾ جائرةٌ ناقصةٌ
﴿إن هي﴾ ما هذه الأوثان ﴿إلاَّ أسماء﴾ لا حقيقة لها ﴿سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا﴾ بعبادتها ﴿من سلطان﴾ حجَّةٍ وبرهانٍ ﴿إن يتبعون﴾ ما يتَّبعون في عبادتها وأنَّها شفعاء لهم ﴿إلاَّ الظن وما تهوى الأنفس﴾ يعني: إنَّ ذلك شيء ظنُّوه وأمرٌ سوَّلت لهم أنفسهم ﴿ولقد جاءهم من ربهم الهدى﴾ البيان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم
﴿أم للإِنسان ما تمنى﴾ أَيظنُّون أنَّ لهم ما تمنَّوا من شفاعة الأصنام؟ ليس كما تمنَّوا بل
﴿فللَّه الآخرة والأولى﴾ فلا يجري في الدَّارين إلاَّ ما يريد
﴿وكم من ملك في السماوات﴾ هو أكرم على الله من هذه الأصنام ﴿لا تغني شفاعتهم﴾ عن أحدٍ ﴿شيئاً إلاَّ من بعد أن يأذن الله﴾ لهم في ذلك ﴿لمن يشاء ويرضى﴾ كقوله: ﴿ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى﴾
﴿إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى﴾ يقولون: إنَّهم بنات الله
﴿وما لهم به من علم إن يتبعون إلاَّ الظن وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ إِنَّ ظنَّهم لا يدفع عنهم من العذاب شيئاً
﴿فأعرض﴾ يا محمَّد ﴿عن من تولَّى عن ذكرنا﴾ أعرضَ عن القرآن ﴿ولم يرد إلاَّ الحياة الدنيا﴾
﴿ذلك مبلغهم من العلم﴾ يقول: ذلك نهاية علمهم أَنْ آثروا الدُّنيا على الآخرة وقوله:
﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى﴾
﴿إلاَّ اللمم﴾ يعني: صغار الذُّنوب كالنَّظرة والقُبلة وقوله: ﴿إذ أنشأكم من الأرض﴾ يعني: خلق أباكم من التُّراب ﴿وإذ أنتم أجنَّة﴾ جمع جنين ﴿فلا تزكوا أنفسكم﴾ لا تمدحوها ﴿هو أعلم بمن اتقى﴾ عمل حسنةً
﴿أفرأيت الذي تولى﴾ أعرض عن الإيمان يعني: الوليد بن المغيرة وكان قد ابتع رسول الله ﷺ فعيَّره بعض المشركين على ذلك فقال: إنّي أخشى عذاب الله فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله إلى شركه أنْ يتحمَّل عنه عذاب الله فرجع في الشِّرك وأعطى صاحبه الضَّامن من بعض ما كان ضمن له ومنعه الباقي وذلك قوله:
﴿وأعطى قليلاً وأكدى﴾ أَيْ: قطع ذلك ومنعه
﴿أعنده علم الغيب فهو يرى﴾ ما غاب من أمر الآخرة حتى علم أنَّ غيره يحمل عنه العذاب
﴿أم لم ينبأ بما في صحف موسى﴾ أسفار التَّوراة
﴿و﴾ صحف ﴿إبراهيم الذي وفَّى﴾ أكمل ما أُمر به أتمه ثمَّ بيَّن ذلك فقال:
﴿ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى﴾ أَيْ: لا تؤخذ نفسٌ بمأثم غيرها
﴿وإن ليس للإِنسان إلاَّ ما سعى﴾ عمل لآخرته
﴿وإنَّ سعيه﴾ عمله ﴿سوف يرى﴾ في ميزانه من خيرٍ وشرٍّ
﴿ثم يجزاه﴾ يجزى عليه ﴿الجزاء الأوفى﴾ الأتمَّ
﴿وأنَّ إلى ربك المنتهى﴾ المصير والمرجع
﴿وأنه هو أضحك﴾ مَنْ شاء من خلقه ﴿وأبكى﴾ نم شاء منهم
﴿وأنه هو أمات﴾ في الدنيا ﴿وأحيا﴾ للبعث وقوله:
﴿وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى﴾
﴿إذا تمنى﴾ أي: نصب في الرَّحم
﴿وأنَّ عليه النشأة الأخرى﴾ الخلق الآخر بعد الموت
﴿وأنه هو أغنى﴾ بالمال ﴿وأقنى﴾ أرضى بما أعطى وقيل: أقنى: أعطى أصول الأموال وما يتَّخذ فيه قنيةً
﴿وأنَّه هو رب الشعرى﴾ وهي كوكب خلف الجوزاء كانت تُعبد في الجاهليَّة
﴿وأنه أهلك عاداً الأولى﴾ قوم هود
﴿وثمود فما أبقى﴾
﴿وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى﴾
﴿والمؤتفكة﴾ قرى قوم لوط ﴿أهوى﴾ أسقطها إلى الأرض بعد رفعها
﴿فغشَّاها ما غشَّى﴾ ألبسها العذاب والحجارة
﴿فبأي آلاء ربك تتمارى﴾ بأيِّ نِعَم ربِّك التي تدلُّ على توحيده وقدرته تتشكَّكُ أيُّها الإنسان؟
﴿هذا﴾ محمَّدٌ ﴿نذير من النذر الأولى﴾ أَيْ: هو رسولٌ أُرسل إليكم كما أُرسل مَنْ قبله من الرُّسل
﴿أزفت الآزفة﴾ قربت القيامة
﴿ليس لها من دون الله كاشفة﴾ لا يكشف عنها إلاَّ الله تعالى كقوله: ﴿لا يجلِّيها لوقتها إلا هو﴾
﴿أفمن هذا الحديث﴾ أي: القرآن ﴿تعجبون﴾
﴿وتضحكون ولا تبكون﴾
﴿وأنتم سامدون﴾ لاهون غافلون
﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ معناه: فاسجدوا لله واعبدوا الذي خلق السماوات والأرض ولا تسجدوا للأصنام التي ذكرت في هذه السُّورة
Icon