ﰡ
مكية وآياتها أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً (٦) وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً (٧) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً (٨) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (١١) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً (١٢) وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً (١٦)شرح الكلمات:
عم١: أي عن أي شيء؟
يتساءلون: أي يسأل بعض قريش بعضا.
عن النبأ العظيم: أي ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التوحيد والنبوة والبعث الآخر.
الذي هم فيه مختلفون: أي ما بين مصدق ومكذب.
سيعلمون: عاقبة تكذيبهم عند نزع أرواحهم وعند خروجهم من قبورهم.
أوتادا: أي تثبت بها الأرض كما تثبت الخيمة بالأوتاد.
سباتا: أي راحة لأبدانكم.
وجعلنا النهار معاشا: أي وقتا للمعاش كسبا وأكلا.
شدادا: أي قوية محكمة الواحدة شديدة والجمع شداد.
سراجا وهاجا: أي ضوء الشمس وهاجا وقاداً.
المعصرات: أي السحابات التي حان لها أن تمطر كالجارية المعصر التي دنا وقت حيضها.
ثجاجا: أي صبابا.
وجنات ألفافا: أي بساتين ملتفة.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ أي عن أي شيء يتساءل رجال قريش فيسأل بعضهم بعضا إنهم يتساءلون عن١ النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون إنه ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التوحيد والنبوة والبعث الآخر. قال تعالى ردعا لهم وتخويفا كلا سيعلمون٢ عند نزع أرواحهم عاقبة تكذيبهم لرسولنا وإنكارهم لتوحيدنا ولقائنا، ثم كلا سيعلمون٣ يوم يبعثون من قبورهم ويحشرون إلى نار جهنم حين لا ينفعهم علم ولا يجديهم إيمان. وقوله تعالى ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾ الآيات فذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة ما يوجب الإيمان به وبتوحيده ورسوله ولقائه لو كان القوم يعقلون فقال ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ٤ مِهَاداً﴾ أي فراشا ووطاء للحياة عليها؟ وهل يتم هذا بدون علم وقدرة والجبال أوتادا تثبت الأرض بها فيأمنون على حياتهم من الميدان وسقوط كل بناء وخلقناكم أزواجا الخلق مظهر من مظاهر القدرة والعلم وكونهم أزواجا مظهر٥ من مظاهر الحكمة والرحمة وجعلنا نومكم سباتا أي راحة لأبدانكم. وجعلنا الليل لباسا ساترا بظلامه. وجعلنا النهار معاشا للعيش كسبا وتمتعا به. وبنينا فوقكم سبعا شدادا وهي السموات
٢ كلا حرف ردع ومعمول سيعلمون محذوف تقديره"سيعلمون" بما فيه تكذيبهم بالبعث والنبوة والتوحيد.
٣ كلا هنا بمعنى حقاً سيعلمون صحة ما هم به مكذبوه وله منكرون.
٤ هذا الاستئناف المبدوء باستفهام تقريري جاء لعرض مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبات إيمان به وبلقائه ونبوة رسوله وعبادته وحده دون سواه.
٥ الزوج: هو مكرر الواحد وشاع إطلاق الزوج على كل من الذكر والأنثى فالرجل زوج لأنثاه والمرأة زوج لزوجها.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة الإلهية في كل الآيات من قوله ألم نجعل الأرض مهادا إلى قوله وجنات ألفافا.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء والنبوة والتوحيد وهي التي اختلف الناس فيها ما بين مثبت وناف، ومصدق ومكذب.
٣- سيحصل العلم الكامل بهذه المختلف فيها بين التاس عند نزع الروح ساعة الموت، ولكن لا فائدة من العلم ساعتها إذ قضي الأمر وانتهى الخلاف.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً (٢٤) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزَاءً وِفَاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا
شرح الكلمات:
إن يوم الفصل: أي الفصل بين الخلائق ليجزي كل امرىء بما كسب.
كان ميقاتا: أي ذا وقت محدد معين لدى الله عز وجل فلا يتقدم ولا يتأخر.
يوم ينفخ في الصور: أي يوم ينفخ اسرافيل في الصور.
فتأتون أفواجا: أي تأتون أيها الناس جماعات جماعات إلى ساحة فصل القضاء.
وفتحت السماء: أي لنزول الملائكة.
وسيرت الجبال: أي ذهب بها من أماكنها.
فكانت سرابا: أي مثل السراب فيتراءى ماء وهو ليس بماء فكذلك الجبال.
إن جهنم كانت مرصادا: أي راصدة لهم مرصدة للظالمين مرجعا يرجعون إليها.
لابثين فيها أحقابا: أي دهورا لا نهاية لها.
لا يذوقون فيها بردا: أي نوما ولا شرابا مما يشرب تلذذا به إذ شرابهم الحميم.
وغساقا: أي ما يسيل من صديد أهل النار، جوزوا به عقوبة لهم.
جزاء وفاقا: إذ لا ذنب أعظم من الكفر، ولا عذاب أعظم من النار.
كذابا: أي تكذيبا.
فلن نزيدكم إلا عذابا: أي فوق عذابكم الذي أنتم فيه.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى آيات قدرته على البعث والجزاء الذي أنكره المشركون واختلفوا فيه ذكر في هذه الآيات عرضا وافيا للبعث الآخر وما يجري فيه، وبدا بذكر الأحداث للانقلاب الكوني، ثم ذكر جزاء الطاغين تفصيلا فقال عز وجل ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ﴾ أي بين الخلائق كان ميقاتا١ لما أعد الله للمكذبين بلقائه الكافرين بتوحيده المنكرين لرسالة نبيه فيه، يجزيهم الجزاء الأوفى، ثم ذكر تعالى أحداثا تسبقه فقال ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ أي يوم ينفخ إسرافيل نفخة البعث وهي الثانية فتأتون أيها الناس أفواجا أي جماعات. ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ﴾ أي انشقت ﴿فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾ لنزول الملائكة منها ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً﴾ هباء منبثا كالسراب في نظر الرائي. وقوله تعالى
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التنديد بالطغيان وبيان جزاء الظالمين.
٢- التنديد بالتكذيب بالبعث والمكذبين به.
٣- أعمال العباد مؤمنهم وكافرهم كلها محصاة عليها ويجزون بها.
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر آثارها.
٥- أبدية العذاب في الدار الآخرة وعدم إمكان نهايته.
٢ قال القرطبي: أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب وهي لا تنقطع كلما مضى حقب جاء حقب والحقب بضمتين والأحقاب الدهور والحقبة بالكسرة السنة والجمع حقب قال الشاعر:
كنا كندماني جذيمة حقباً
من الدهر حتى قيل لنا يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالك
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
والحقب بالضم والسكون ثمانون سنة.
٣ من شواهد البرد بمعنى النوم قول العرب منع البرد البرد. أي منع البرد النوم ومنه قول الشاعر:
ولو شئت حرمت النساء سواكم
وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا بردا
٤ قال أبو برزة سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أشد آية في القرآن؟ فقال: قوله تعالى: ﴿فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا﴾.
شرح الكلمات:
إن للمتقين: أي الذين اتقوا الشرك والمعاصي خوفا من ربهم وعذابه.
مفازا: أي مكان فوز ونجاة وهو الجنة.
حدائق وأعنابا: أي بساتين وأعنابا.
وكواعب: أي شابات تكعبت ثديهن الواحدة كاعب والجمع كواعب.
أترابا: أي في سن واحدة وأتراب جمع واحدة ترب.
وكأسا دهاقا: أي خمرا كأسها ملأى بها.
لا يسمعون فيها: أي في الجنة لغوا أي باطلا ولا كذبا من القول.
عطاء حسابا: أي عطاء كثيرا كافيا يقال أعطاني فأحسبني.
يوم يقوم الروح: ملك عظيم يقوم وحده صفا والملائكة صفا وحدهم.
مآبا: أي مرجعا سليما وذلك بالإيمان والتقوى إذ بهما تكون النجاة.
ما قدمت يداه: أي ما أسلفه في الدنيا من خير وشر.
يا ليتني كنت ترابا: أي حتى لا أعذب وذلك يوم يقول الله تعالى للبهائم كوني ترابا وذلك بعد الاقتصاص لها من بعضها بعضا.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء المستلزمة لعقيدة التوحيد والنبوة بعد أن
٢ حدائق بدل بعض من كل والحدائق جمع حديقة، البستان: المحاط بجدار.
٣ دهاقا بمعنى ملأى وهذا من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فالدهاق كالدهق مصدر وأريد به المدهوق أي المملوء.
٤ كافيا: تفسير كلمة حسابا إذ من أعطي ما يكفيه يقول حسبي.
٥ الإذن اسم للكلام الذي يفيد إباحة فعل أو قول للمأذون، وهو مشتق من أذن له إذا استمع إليه. نحو: (وأذنت لربها وحقت)
٦ هذه الجملة كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووعيد وإنذار وتبشير سيق مساق التنويه بيوم الفصل الذي هو اليوم الحق الثابت قطعا.
من هداية الآيات:
١- بيان كرامة المتقين وفضل التقوى.
٢- وصف جميل لنعيم الجنة.
٣- ذم الكذب واللغو وأهلهما.
٤- بيان شدة الموقف وصعوبة المقام فيه.
٥- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٦- الترغيب في العمل الصالح واجتناب العمل السيء الفاسد.