تفسير سورة النبأ

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة النبأ من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ عَمَّ ﴾ عن: حرف جر، وما استفهامية في محل جر، حذفت ألفها للقاعدة المقررة التي أشار لها ابن مالك بقوله: وما في الاستفهام إن جرت حذفت   ألفها وأولها الها إنْ تقفووقف البزي بهاء السكت جرياً على القاعدة، ونقل عن ابن كثير إثبات الهاء في الوصل أيضاً، إجراء له مجرى الوقف، وقرئ شذوذاً بإثبات الألف، والجار والمجرور متعلق بيتساءلون، وقوله: ﴿ عَنِ ٱلنَّبَإِ ﴾ عطف بيان. وسبب نزولها: أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث، جعل المشركون يتساءلون بينهم فيقولون: ما الذي أتى به، ويتجادلون فيما بعث به، ومناسبتها لما قبلها أنه لما قال:﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾[المرسلات: ٥٠] أي بعد القرآن، فكانوا يتجادلون فيه ويتساءلون عنه فقال: ﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴾.
قوله: (بيان لذلك الشيء) أي المعبر عنه بما الاستفهامية، والمراد بالبيان عطف البيان. قوله: (واستفهام لتفخيمه) أي فليس استفهاماً حقيقاً، بل هو كناية عن تفخيم الأمر وتعظيمه. قوله: ﴿ ٱلَّذِي ﴾ صفة النبأ، و ﴿ هُمْ ﴾ مبتدأ و ﴿ مُخْتَلِفُونَ ﴾ خبره. و ﴿ فِيهِ ﴾ متعلق بمختلفون، والجملة صلة ﴿ ٱلَّذِي ﴾، وقوله: (فالمؤمنون) الخ، اشار بذلك إلى الضمير في ﴿ هُمْ ﴾ عائد على ما يشمل المؤمنين والكفار، وجعل الواو في ﴿ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ محمولة على الكفار، ليس بواضح لأنه يلزم عليه تشتيت الضمائر، فالمناسب أن يسوي بين الضميرين، بأن يجعلهما عائدين على الكفار، واختلافهم فيه من حيث إن بعضهم يقول فيه شعر، وبعضهم يقول فيه كهانة، وغير ذلك. قوله: (ردع) أي فيه معنى الوعيد والتهديد. قوله: (ما يحل بهم) مفعول يعلمون، والمعنى: ما ينزل بهم عند النزع أو في القيامة، لكشف الغطاء عنهم ذلك الوقت، وحل يحل بالكسر والضم في المضارع بمعنى نزل. قوله: (تأكيد) أي لفظي، وقيل: عطف نسق فيه معنى التأكيد. قوله: (للإيذان بأن الوعيد الثاني) الخ، أي فتغايرا بهذا الاعتبار، ومن هنا قيل: إن الأول عند النزع، والثاني في القيامة، وقيل: الأول للبعث، والثاني للجزاء. قوله: (ثم أومأ تعالى) أي أشار إلى الأدلة الدالة عليها، وذكر منها تسعة، ووجه الدلالة أن يقال: إنه تعالى حيث كان قادراً على هذه الأشياء، فهو قادر على البعث.
قوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً ﴾ ﴿ ٱلأَرْضَ ﴾ مفعول أول، و ﴿ مِهَٰداً ﴾ مفعول ثان إن جعلت بمعنى التصيير، وإن جعلت بمعنى الخلق فيكون ﴿ مِهَٰداً ﴾ حالاً، وكذا يقال في قوله: ﴿ أَوْتَاداً ﴾ وما بعده. قوله: (كالمهد) أي للصبي، وهو ما يفرش له لينام عليه. قوله: (للتقرير) أي مما بعد النفي. قوله: ﴿ سُبَاتاً ﴾ بالضم كغراب، النوم الثقيل، وأصله الراحة، وفعله سبت كقتل. قوله: (ساتراً بسواده) أي ظلمته، ففيه تشبيه بليغ بحذف الأداة، أي كاللباس بجامع الستر في كل. قوله: (وقتاً للمعايش) أي تنصرفون فيه في حوائجكم. قوله: ﴿ وَهَّاجاً ﴾ أي مضيئاً. قوله: (يعني الشمس) أي لأنها كوكب نهاري، ينسخ ضوؤها ظلمة الليل. قوله: (التي حان لها أن تمطر) أي جاء وقت إمطارها المقدر لها. قوله: (الجارية) المراد بها مطلق الأنثى. قوله: (صباباً) أي بشدة وقوة. قوله: ﴿ حَبّاً وَنَبَاتاً ﴾ أي فالمراد ما يقتات به، وما يعلف به من التبن والحشيش. قوله: (جمع لفيف) وقيل جمع لف بكسر اللام، وقيل لا واحد له. قوله: ﴿ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ ﴾ الخ، كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر تقديره: ما وقت البعث الذي أثبت بالأدلة المتقدمة فقال: ﴿ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ ﴾ وأكده بإن لتردد الكفار فيه. قوله: ﴿ كَانَ مِيقَاتاً ﴾ أي في علمه وقضائه. قوله: (وقتاً للثواب والعقاب) أشار بذلك إلى أن الميقات زمان مقيد، بكونه وقت ظهور ما وعد الله به من الثواب والعقاب.
قوله: ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ ﴾ أي في النفخة الثانية. قوله: (جماعات مختلفة) روي عن معاذ بن جبل:" قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ﴾؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ بن جبل، لقد سألت عن أمر عظيم، ثم أرسل عينيه باكياً ثم قال: يحشر عشرة أصناف من أمتى شتاتاً، قد ميزهم الله تعالى من جماعات المسلمين، وبدل صورهم، فبعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون علهيا، وبعضهم عمي مترددون، وبعضهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم لعاباً يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من النار، وبعضهم أشد نتناً من الجيف، وبعضهم يلبسون جلابيب سابغة من القطران لاصقة بجلودهم، فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس يعني التمام، وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت والحرام والمكس، وأما المنكسون رؤوسهم ووجوههم فأكلة الربا، وأما العمي فهم من يجورون في الحكم، وأما الصم البكم فهم الذي يعجبون بأعمالهم، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم، وأما المقطعة أيديهم وأرجلهم فالذين يؤذون الجيران، وأما المصلبون على جذوع من النار فالسعاة بالناس إلى السلطان، وأما الذين هم أشد نتناً من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات ويمنعون حق الله من أموالهم، وأما الذين يلبسون الجلابيب فأهل الكبر والفخر والخيلاء ". قوله: ﴿ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ عطف على قوله: ﴿ فَتَأْتُونَ ﴾ وعبر بالماضي لتحقق الوقوع. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (شققت) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد بالفتح، ما عرف من فتح الأبواب، بل هو التشقق لموافقة قوله:﴿ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ ﴾[الإنشقاق: ١]﴿ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ ﴾[الانفطار: ١]، وخير ما فسرته بالوارد. قوله: (لنزول الملائكة) أي لأنهم يموتون بالنفخة الأولى. ويحيون بين النفختين، وينزلون جميعاً، يحيطون بأطراف الأرض وجهاتها، يسوقون الناس إلى المحشر. قوله: ﴿ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ ﴾ أي في الهواء بعد تفتيتها. قوله: (هباء) المناسب إبقاء السراب على ظاهره، ويكون المعنى على التشبيه، أي فكانت مثل السراب، من حيث إن المرئي خلاف الواقع، فكما يرى السراب كأنه ماء، كذلك الجبال ترى كأنها جبال وليست كذلك في الواقع لقوله تعالى:﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ﴾[النمل: ٨٨] والا فتفسير السراب بالهباء لم يوجد في اللغة. قوله: (راصدة أم مرصدة) أشار بذلك إلى أن ﴿ مِرْصَاداً ﴾ من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته، فهي راصدة للكفار مترقبة لهم، أو مرصدة بمعنى معدة ومهيأة لهم، يقال: أرصدت أعددت له. قوله: ﴿ أَحْقَاباً ﴾ ظرف للابثين. قوله: (لا نهاية لها) أي لمجموعها وإن كان كل منها متناهياً، وإنما قال: (لا نهاية لها) ليوافق قوله تعالى:﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ﴾[النساء: ٥٧].
قوله: (بضم أوله) أي وسكون ثانيه، وهو ثمانون سنة، كل سنة اثنا عشر شهراً، كل شهر ثلاثون يوماً، كل يوم ألف سنة، عن الحسن قال: إن الله تعالى لم يجعل لأهل النار مدة بل قال: ﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ فوالله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب دخل حقب إلى الأبد، وليس للأحقاب عدة إلا الخلود، وعن ابن مسعود قال: لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا، قوله: (نوماً) سمي النوم برداً لأنه يبرد صابحه، ألا ترى أن العطشان إذا نام سكن عطشه، وهي لغة هذيل، وقال ابن عباس: البرد برد الشراب، وقال الزجاج: أي لا يذقون فيها برد ريح، ولا ظل نوم، فجعل البرد برد كل شيء له راحة، فأما الزمهرير فهو برد عذاب لا راحة فيه. قوله: (لكن) ﴿ حَمِيماً ﴾ قضية كلامه إن الاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلاً من عموم قوله ولا شراباً، والأحسن أنه بدل من شراباً، لأن الاستثناء من كلام غير موجب. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾ منصوب على المصدرية لمحذوف قدره المفسر بقوله: (جوزوا بذلك) الخ. قوله: (موافقاً لعملهم) أشار بذلك إلى أن ﴿ وِفَاقاً ﴾ صفة لجزاء بتأويله باسم الفاعل. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ ﴾ تعليل لقوله: ﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾.
قوله: ﴿ كِذَّاباً ﴾ بالتشديد بإتفاق السبعة. قوله: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ ﴾ منصوب على الاشتغال، أي وأحصينا كل شيء أحصيناه. قوله: (كتبا) أشار بذلك إلى أن ﴿ كِتَاباً ﴾ مصدر من معنى الأحصاء على حد جلست قعوداً، فمعنى ﴿ كِتَاباً ﴾، إحصاء. قوله: (في اللوح المحفوظ) وقيل في صحف الحفظة على بني آدم قوله: (ومن ذلك) أي كل شيء. قوله: ﴿ فَذُوقُواْ ﴾ أمر إهانة وتحقير، والجملة معمولة لمقدر كما أشار له المفسر. قوله: ﴿ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ قيل هذه أشد آية في القرآن على أهل النار، كلما اسغاثوا بنوع من العذاب أغيثوا بأشد منه.
قوله: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ﴾ مقابل قوله:﴿ لِّلطَّاغِينَ مَآباً ﴾[النبأ: ٢٢] والمراد بالمتقين من اتقى الشرك بأن لم يموتوا كفاراً. قوله: (مكان فوز) أشار بذلك إلى أن ﴿ مَفَازاً ﴾ مصدر ميمي بمعنى المكان، ويصح أن يكون بمعنى الحدث، أي نجاة وظفراً بالمقصود. قوله: (بدل من مفازاً) أي بدل بعض من كل. قوله: (عطف على مفازا) المناسب عطفه على ﴿ حَدَآئِقَ ﴾ عطف خاص على عام لمزيد شرف الأعناب. قوله: (تكعبت) أي استدارت مع ارتفاع يسير كالكعب. قوله: (ثديهن) بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء التحتية جمع ثدي. قوله: (على سن واحد) أي فلا اختلاف بينهن في الشك ولا في العمر، لئلا يحصل الحزن إن وجد التخالف، ولا حزن في الجنة. قوله: (خمراً مالئة محالها) فسر الكأس بالخمر، والدهاق بالممتلئة، والمناسب ابقاء الكأس على ظاهرها، وتفسير الدهاق بالممتلئة لما في القاموس دهق الكأس ملأها، وفي المختار: أدهق الكأس ملأها، وكأس دهاق أي ممتلئة. قوله: ﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ ﴾ حال من المتقين. قوله: (وغيرها) الضمير عائد على الشرب، واكتسب التأنيث من المضاف إليه وهو الخمر، لأنه يذكر ويؤنث، وفي بعض النسخ وغيره وهي ظاهرة. قوله: (بالتخفيف) أي بوزن كتاب مصدر كذب ككتب، وقوله: (وبالتشديد) أي فهو مصدر كذب المشدد قراءتان سبعيتان هنا لعدم التصريح بفعله، وأما قوله:﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ﴾[النبأ: ٢٨] فهو بالتشديد بإتفاق السبعة، لوجود التصريح بالفعل المشدد. قوله: ﴿ جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ ﴾ أي بمقتضى وعده الحسن لأهل الطاعة، وهذا من مزيد الإكرامم لأهل الجنة، كما يقول الشخص الكريم إذا بالغ في إكرام ضيفه: هذا من فضلك وإحسانك مثلاً، وإلا فأي حق للمخلوق على خالقه. قوله: (بدل من جزاء) أي بدل كل من كل. قوله: ﴿ حِسَاباً ﴾ صفة لعطاء، وهو إما مصدر أقيم مقام الوصف، أو باق على مصدريته مبالغة، أو على حذف مضاف أي ذو كفاية، على حد زيد عادل. قوله: (بالجر) أي جر ﴿ رَّبِّ ﴾ على أنه بدل من ربك، وقوله: (والرفع) أي على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رب. قوله: (كذلك) أي بالجر والرفع، فالجر على أنه بدل من رب الأول، أو صفة للثاني، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة مستأنفة، وقوله: (ويرفعه) أي الرحمن على أنه خبر لمحذوف، فالقراءات ثلاث سبعيات، رفعهما وجرهما، ورفع ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ مع جر ﴿ رَّبِّ ﴾.
قوله: (أي الخلق) أي من أهل السماوات والأرض، لغلبة الجلال في ذلك اليوم، فلا يقدر أحد على خطابه تعالى، في دفع بلاء ولا في رفع عذاب. قول: ﴿ مِنْهُ ﴾ من ابتدائية متعلقة بلا يملكون أو بخطاباً.
قوله: (أو جند الله) ذكر المفسر في معنى ﴿ ٱلرُّوحُ ﴾ قولين من جملة أقوال ثمانية فقوله: (جند الله) أي جنود من جنود الله، ليسوا ملائكة، لهم رؤوس وايد وارجل، يأكلون الطعام على صورة بني آدم كالناس وليسوا بناس، ثالثها: أنه ملك ليس بعد العرش أعظم منه في السماء الرابعة، يسبح الله تعالى كل يوم اثني عشرة ألف تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكاً، فيجيء يوم القيامة وحده صفاً، رابعها: أنهم أشراف الملائكة. خامسها: أنهم بنو آدم. سادسها: ارواح بني آدم تقوم صفاً بين النفختين قبل أن ترد إلى الأجساد. سابعها: القرآن، لقوله تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً ﴾[الشورى: ٥٢].
ثامنها: أنهم الحفظة على الملائكة. قوله: ﴿ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ ﴾ الخ، تأكيد لقوله:﴿ لاَ يَمْلِكُونَ ﴾[النبأ: ٣٧] والمعنى أن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله، إذا لم يقدروا أن يشفعوا إلا بإذنه، فيكف يملك غيرهم؟ قوله: ﴿ فَمَن شَآءَ ﴾ مفعوله محذوف دل عليه قوله: ﴿ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً ﴾ ومن شرطية، وجوابها قوله: ﴿ ٱتَّخَذَ ﴾ الخ، أو محذوف تقديره فعل. قوله: ﴿ إِلَىٰ رَبِّهِ ﴾ أي إلى ثوابه، وهو متعلق بمآباً. قوله: (كل امرئ) أي مسلماً أو كافراً، وأخذ العموم من أل الاستغراقية، والنظر بمعنى الرؤية، والمعنى يرى كل ما قدمه من خير وشر ثابتاً في صحيفته، وخص اليدين بالذكر، لأن أكثر الأفعال تزاول بهما. قوله: (يقول ذلك عندما يقول الله للبهائم) الخ، هذا أحد احتمالات ثلاثة. ثانيها: أنه يمتنى أن لو كان تراباً في الدنيا، فلم يخلق إنساناً ولم يكلف. ثالثها: أنه يتمنى أن لو كان تراباً في يوم القيامة، لم يبعث ولم يحاسب. قوله: (بعد الاقتصاص من بعضها لبعض) أي فيقتص للجماء من القرناء اظهاراً للعدل، وأما الجن فهم مكلفون كلأنس، يثابون ويعاقبون، فالمؤمن يدخل الجنة، والكافر يدخل النار على الصحيح.
Icon