تفسير سورة النبأ

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة النبأ من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٧٨ شرح إعراب سورة عمّ يتساءلون (النبأ)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النبإ (٧٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١)
الأصل «عن ما» حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر لأن المعنى: عن أي شيء يتساءلون، وحكى الفراء: أن المعنى لأي شيء يتساءلون. قال أبو جعفر: و «عن» بمعنى اللام لا يعرف والتقدير: يتساءلون عن النبأ العظيم، وحذف لدلالة الكلام.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٣]
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)
في موضع خفض.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٤]
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤)
كَلَّا قيل: هو التمام أي ليس الأمر على ما زعم المشركون من إنكار البعث.
«ستعلمون» «١» تهديد لهم على قراءة الحسن التقدير قل لهم: ستعلمون. «ثم كلا ستعلمون» يعلمون معطوف عليه وقراءة العامة بالياء.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٦]
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦)
يكون واحدا، ويكون جمع مهده.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٧]
وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧)
معطوف عليه جمع وتد ومن أدغم قال ودّ. ولا يجوز الإدغام في الجميع لأن الألف قد فصلت بين الحرفين.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٨]
وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨)
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٧. [.....]
نصب على الحال أي أصنافا أي ذكورا وإناثا وقصارا وطوالا فنبههم جلّ وعزّ على قدرته.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠)
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) مفعولان وكذا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) أي يغشيكم ويغطيكم كالثياب أي فعلنا هذا لتناموا فيه وتسكنوا كما قال قتادة: لباسا سكنا.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١١]
وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١)
أي ذا معاش أي جعلناه مضيئا ليعيشوا فيه ويتصرّفوا كما قال مجاهد: معاشا تتصرفون فيه وتبتغون من فضل الله جلّ وعزّ.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٢]
وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢)
حذفت الهاء لأن اللغة الفصيحة تأنيث السماء شِداداً جمع شديدة ولا تجمع على فعلاء استثقالا للتضعيف.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٣]
وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣)
وَجَعَلْنا سِراجاً روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس وَهَّاجاً أي مضيئا.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٤]
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤)
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ قال أبو جعفر: قد ذكرنا قولين لأهل التفسير: أن المعصرات الرياح والسحاب وأولاهما أن يكون السحاب لقوله جلّ وعزّ: الْمُعْصِراتِ ولم يقل: بالمعصرات، وكما قرئ على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حريث قال:
حدّثني علي بن الحسين عن أبيه قال: حدّثني الأعمش عن المنهال عن قيس بن السكن عن ابن مسعود قال: يرسل الله سبحانه الرياح فتأخذ الماء فتجريه في السحاب فتدر كما تدرّ اللّقحة. وروي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس ماءً ثَجَّاجاً قال يقول: منصبّا، وقال ابن يزيد: ثجّاجا كثيرا. قال أبو جعفر: القول الأول المعروف في كلام العرب يقال: ثجّ الماء ثجوجا إذا انصبّ وثجّه فلان ثجا إذ صبّه صبّا متتابعا. وفي الحديث «أفضل الحجّ العجّ والثجّ» «١» فالعجّ رفع الصوت بالتلبية، والثجّ صبّ دماء الهدي.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٥]
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥)
(١) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٣/ ٢٢٤، وابن حجر في المطالب العالية ١٢٠٠، وابن كثير في تفسيره ٨/ ٣٢٧، والزيلعي في نصب الراية ٣/ ٣٣، وابن حجر في تلخيص الحبير ٢/ ٢٣٩، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٤/ ٣٨٨، والمتقي الهندي في كنز العمال (١١٨٨٣).
فالحبّ كلّ ما كان قشر والنبات الحشيش والكلأ ونحوهما.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٦]
وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)
وَجَنَّاتٍ أي ثمر جنات. أَلْفافاً قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول من قال: هو جمع لفّ وقول من قال: هو جمع الجمع أراد أنه يقال لفّاء وألفّ مثل حمراء وأحمر ثم تقول: ألف كما يقال: حمر ثم يجمع لفّا ألفافا كما تقول: خفّ وأخفاف والقول الأول أولى بالصواب لأن أهل التفسير قالوا: وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦) أي جميعا، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك فهذا جمع لفّ، ويقال: لفيف بمعناه، ونخلة لفّاء معناه غليظة فلهذا قلنا الأول أولى بالصواب.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٧]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧)
خبر كانَ ولو كان في غير القرآن جاز الرفع على إلغاء كان.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٨]
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ بدل. فَتَأْتُونَ أَفْواجاً على الحال، ويقال: فوج وفوجة.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠)
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) في معناه قولان: قيل: معناه انشقّت فكانت طرقا، وقيل: تقطّعت فكانت قطعا كالأبواب ثم حذفت الكاف، كما تقول: رأيت فلانا أسدا أي كالأسد، وكذا وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠).
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٢١]
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١)
أي ترصد من عصى الله سبحانه وترك طاعته. وقال الحسن: لا يدخل أحد الجنة حتى يرد النار ومرصاد في العربية من رصدت فأنا راصد ومرصاد على التكثير. وقال «كانت» ولم يقل مرصادة لأنه غير جار على الفعل فصار على النّسب.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٢٢]
لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢)
أي مرجعهم إليها. وآب يؤوب رجع كما قال: [مخلّع البسيط] ٥٢٤-
وكلّ ذي غيبة يئوب... وغائب الموت لا يؤوب «١»
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤)
(١) مرّ الشاهد رقم (٣٧٩).
81
لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والكسائي، وقرأ علقمة ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة «لبثين» «١» بغير ألف. وقد اعترض في هذه القراءة فقيل: هي لحن لا يجوز: هو حذر زيدا، وإن كان سيبويه قد أجازه وأنشد: [الكامل] ٥٢٥-
حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار «٢»
وأنشد الفراء: [الكامل] ٥٢٦-
أو مسحل عمل عضادة سمحج بسراته ندب لها وكلوم «٣»
إلّا أن سيبويه أنشده «أو مسحل شنج»، وقال قوم: هو لحن لأنه إنما يقال:
حذر، وكذا باب فعل لمن كان في خلقته الحذر، فأما اللّابث فليس من ذلك في شيء.
قال أبو جعفر: أما القول الأول فغلط ولا يشبه هذا قولك: حذر زيدا لأن أحقابا ظرف وما لا يتعدّى يتعدى إلى الظرف، وأما الثاني فهو يلزم إلّا أنه يجوز على بعد.
والقراءة بلابثين بيّنة حسنة. فأما حجة من احتجّ بلبثين بما رواه شعبة عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله «لبثين» فلا حجة فيه لأن أبا إسحاق لم يلق عبد الله، ولو كان إسناده متصلا كانت فيه حجة، وهذه الأشياء تؤخذ من قراءة عبد الله بما لا تقوم به حجة من إسناد منقطع أو من صحف قد يكتب لابثين بغير ألف فيتوهّم قارئه أنه «لبثين». وفي هذه الآية إشكال لقوله جلّ وعزّ: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً وهم لا يخرجون منها. فمن أحسن ما قيل فيها أن قتادة قال: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا انقطاع لها فعلى هذا التقدير يكون الجمع وحقبة حقب، وأحقاب جمع الجمع كما قال: [الطويل] ٥٢٧-
وكنّا كندماني جذيمة حقبة من الدّهر حتّى قيل لن يتصدّعا «٤»
ويجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وقد ذكرنا ما قال أهل التفسير في معناه.
فأما أهل اللغة فقولهم إن الحقب والحقبة يقعان للقليل من الدهر والكثير. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: سألنا أبا العباس محمد بن يزيد عن قول الله جلّ وعزّ: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً فقال: ما معنى هذا التحديد؟ ونحن إذا حددنا الشيء فقلنا: أنا أقيم عندك يوما، كان في قوة الكلام أنك لا تقيم بعد اليوم ثم لم يجبنا عنها مذ نيف وثلاثون سنة ونظرت فيها فوقع لي أنه يعني به الموحدون العصاة ثم نظرت فإذا
(١) انظر تيسير الداني ١٧٧.
(٢) مرّ الشاهد رقم (١٢٠).
(٣) الشاهد للبيد في ديوانه ١٢٥، وخزانة الأدب ٨/ ١٦٩ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٤، وشرح المفصل ٦/ ٧٢، ولسان العرب (عضد)، و (عمل)، والمقاصد النحوية ٣/ ٥١٣، وبلا نسبة في الكتاب ١/ ١٦٧.
(٤) الشاهد لمتمم بن نويرة في ديوانه ١١١، وتاج العروس (حبر) و (صدع)، وديوان المفضليات ٥٣٥، والكامل (١٢٣٧).
82
بعده أنهم كانوا لا يرجون حسابا فعلمت أن ذلك ليس هو الجواب قال: فالجواب عندي أن المعنى لابثين في الأرض أحقابا، فعاد الضمير على الأرض لأنه قد تقدم ذكرها والضمير في لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً يعود على النار لأنه قد تقدّم أيضا ذكرها.
قال: ولم أعرف لأبي العباس فيها جوابا. قال أبو جعفر: فسألت أبا إسحاق عنها فقال: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول: المعنى لابثين فيها أحقابا هذه صفتها أي يعذبون بهذا العذاب في هذه الأحقاب لا يذوقون فيها إلا الحميم والغسّاق ويعذبون بعد هذا العذاب بأصناف من العذاب غير هذا. وهذا جواب نظري بيّن، وهو قول ابن كيسان يكون «لا يذوقون» من نعت الأحقاب، واختلف العلماء في قوله جلّ وعزّ: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً فقيل أي لا يذوقون فيها بردا يبرد عنهم السعير، وقيل: نوما كما قال الشاعر: [الكامل] ٥٢٨-
بردت مراشفها عليّ فصدّني عنها وعن قبلاتها البرد «١»
أي النوم والنعاس وقد يكون البرد الهدو والثبات، كما قال الشاعر: [الرجز] ٥٢٩- اليوم يوم بارد سمومه «٢» وقد يكون البرد ما ليس فيه شدة كما روي «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» «٣» وهي التي ليس فيها حرّ السلاح. ويقال: بردت حرّه كما قال: [الطويل] ٥٣٠-
وعطّل قلوصي في الرّكاب فإنّها ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا «٤»
وأصحّ هذا الأقوال القول الأول لأن البرد ليس باسم من أسماء النوم وإنما يحتال فيه فيقال للنوم: برد لأنه يهدي العطش، والواجب أن يحمل تفسير كتاب الله جلّ وعزّ على الظاهر والمعروف من المعاني إلّا أن يقع دليل على غير ذلك.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٢٥]
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥)
قال أبو رزين وإبراهيم: الغسّاق ما يسيل من صديد، وقال عبد الله بن بردة:
(١) الشاهد بلا نسبة في جمهرة اللغة ٢٩٥، والاشتقاق ص ٤٧٨ والأزمنة والأمكنة ٢/ ١٥، وهو في ديوان امرئ القيس ٢٣١.
(٢) الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (برد) وتاج العروس (سمم)، وتهذيب اللغة ١٢/ ٣٢٠، وجمهرة اللغة ٢٩٤، مقاييس اللغة ١/ ٢٤٣، ومجمل اللغة ١/ ٢٦٠، المخصص ١٧/ ٢٣. وبعده:
«من جزع اليوم فلا تلومه»
(٣) انظر اللسان (برد).
(٤) الشاهد لمالك بن الريب في ديوانه ص ٤٧، ولسان العرب (برد)، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٩، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ٢٩٥، ومقاييس اللغة ١/ ٢٤٢، ومجمل اللغة ١/ ٢٦٠، وأساس البلاغة (برد) و (قود).
الغساق المنتن، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: الغساق الزمهرير. قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يكون ما يسيل من جلودهم منتنا شديد البرد وسمعت علي بن سليمان يقول: غساق بالتشديد أولى، لأنه يقال: غسقت عينه أي دمعت، فغساق مثل سيّال تكثير غاسق، وقال غيره: من هذا قيل لليل: غاسق، لتغطيته وهجومه كما يهجم السيل، وقيل الحميم مستثنى من الشراب، والغسّاق مستثنى من البرد.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٢٦]
جَزاءً وِفاقاً (٢٦)
جَزاءً مصدر دلّ على فعله ما قبله. وِفاقاً من نعته.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٢٧]
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧)
قيل: يرجون بمعنى يخافون لأن من رجا شيئا يلحقه خوف من فواته فغلب إحدى الخيفتين كما قال: [الطويل] ٥٣١-
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها... وخالفها في بيت نوب عوامل «١»
وقيل: الرجاء هاهنا على بابه أي لا يرجون ثواب الحساب.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٢٨]
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨)
مصدر، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً «٢» بتخفيف الأول والثاني، وهي رواية شاذّة ولكنه قد صحّ عن الكسائي أنه قرأ الثانية بالتخفيف كما قال: [مجزوء الكامل] ٥٣٢-
فصدقتهم وكذّبتهم... والمرء ينفعه كذابه «٣»
وكذّاب التشديد على قول بعض الكوفيين لغة يمنية وهذا ما لا يحصل منه كثير فائدة ولكن قول سيبويه «٤» أنه مصدر كذّب على الحقيقة وأن كان الكلام يكذّب تكذيبا كثيرا. وفيه من النحو ما يدق من المجيء بهذه التاء في تكذيب وليس لها في الفعل أصل ويقال: ما الدليل على أن الأصل كذّاب؟ ونحن نشرحه على مذهب سيبويه إن شاء الله. سبيل الفعل إذا كان رباعيا أن يزاد على ماضيه ألف في المصدر فتقول: أكرم
(١) الشاهد لأبي ذؤيب الهذليّ في ديوان الهذليين ١/ ١٤٣، وشرح أشعار الهذليين ١/ ١٤٤، واللسان (رجا).
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٩.
(٣) الشاهد للأعشى في شرح شواهد الإيضاح ٦٠٦، ولسان العرب (صدق)، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في شرح المفصل ٦/ ٤٤.
(٤) انظر الكتاب ٤/ ١٩٣. [.....]
إكراما وانطلق انطلاقا فهذا قياس مستتب وكذا كذّب كذّابا وتكلم كلاما ثم إنهم قالوا كذب تكذيبا فقال سيبويه: أبدلوا من العين الزائدة تاء وقلبوا الألف ياء فغيّروا أوله كما غيّروا آخره. قال أبو جعفر: فأما تكلّم تكلما فجاؤوا بالماضي ولم يزيدوا ألفا لكثرة حروفه وضموا اللام قال سيبويه: لأنه ليس في الأسماء تفعل.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠)
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ نصب كلّ بإضمار فعل ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل كما قال «١» :[مخلع البسيط] ٥٣٣-
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
والذّئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرّياح والمطرا
ويجوز الرفع بالابتداء والكوفيون يقولون: بالعائد عليه. كِتاباً مصدر فمن النحويين من يقول: العامل فيه مضمر أي كتبناه كتابا أي كتبنا عدده ومبلغه ومقداره فلا يغيب عنا منه شيء كتابا. وقيل: العامل فيه «أحصيناه» لأن أحصيناه وكتبناه واحد. قال الحسن: سألت أبا بردة عن أشد آية في القرآن على أهل النار فقال: تلا رسول الله فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (٣٠) فقال: أهلك القوم بمعصيتهم لله جلّ وعزّ، وقال عبد الله ابن عمر: ولم ينزل على أهل النار أشدّ من قوله: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (٣٠).
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢)
حَدائِقَ بدل من «مفاز» والمفاز الظفر بما يحبّه الإنسان. قال ابن عباس:
الحدائق الشجر الملتفّ، وقال الضحاك: الذي عليه الحيطان. قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة وقد حدق بالقوم كما قال: [الخفيف] ٥٣٤- وقد حدقت بي المنيّة «٢»
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٣٣]
وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣)
معطوف الواحدة كاعب وكواعب للجمع والمؤنث.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٣٤]
وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤)
أي ممتلئة. مشتقّ من دهقه إذا تابع عليه الشدّة.
(١) مرّ الشاهد رقم (١١٣).
(٢) الشاهد مقطع من بيت للأخطل التغلبي في ديوانه ٨٣، واللسان (حدق)، وتمامه:

[سورة النبإ (٧٨) : آية ٣٥]

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥)
وقرأ الكسائي «كذابا» «١» وهي خارجة من قراءة الجماعة يجوز أن يكون مصدرا من كاذب كذابا ويجوز أن يكون مصدرا من كذب كما تقول: صام صياما، وهذا أشبه أي لا يسمعون فيها باطلا يلغى ولا كذبا.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٣٦]
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦)
جَزاءً مصدر، وكذا عَطاءً حِساباً من نعته أي عطاء كافيا كما قال:
[الطويل] ٥٣٥-
«المنعمون بنو حرب وقد حدقت بي المنيّة واستبطأت أنصاري»
ونغني وليد الحيّ إن كان جائعا ونحسبه إن كان ليس بجائع «٢»
وقال مجاهد: حسابا بأعمالهم.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٣٧]
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧)
«٣» قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق، وعاصم بخفضهما جميعا، وقرأ ابن محيصن ويحيى بن وثاب وحمزة بخفض الأول ورفع الثاني، وهو اختيار أبي عبيد لقرب الأول وبعد الثاني، وخالفه قوم من النحويين قالوا ليس بعده مما يوجب الرفع لأنه لم يفرق بينهما ما يوجب هذا فرفعهما جميعا على أن يكون الأول مرفوعا بالابتداء والثاني نعت له والخبر لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً، ويجوز أن يكون الأول مرفوعا بإضمار هو، ومن خفض الاثنين جعلهما نعتا أو بدلا من الاسم المخفوض، ومن خفض الأول ورفع الثاني جعل الثاني مبتدأ أو أضمر مبتدأ.
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الروح ملك عظيم الخلق، وروى عنه غيره قال: الروح أرواح الناس تقوم مع الملائكة في ما بين النفختين من قبل أن ترد إلى الأبدان. وقال الشعبي والضحاك: الروح جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم، وقال الحسن وقتادة: الروح بنو آدم، وقال ابن زيد: الروح القرآن، وقال مجاهد: الروح على صور بني آدم وليسوا منهم. قال أبو جعفر: لا دليل فعلمه يدلّ على أصحّ هذه الأقوال يكون
(١) انظر تيسير الداني ١٧٨، والبحر المحيط ٨/ ٤٠٦.
(٢) الشاهد لامرأة من بني قشير في التنبيه والإيضاح ١/ ٦٣، ومقاييس اللغة ٢/ ٦٠، وتاج العروس (حسب) ولسان العرب (حسب)، وبلا نسبة في لسان العرب (قفا)، ومجمل اللغة ٢/ ٦٤، والمخصص ١٤/ ٥٧، وأساس البلاغة (قفو) وتاج العروس (قفا).
(٣) انظر تيسير الداني ١٧٨.
قاطعا من توقيف من الرسول أو دلالة بينة، وهو شيء لا يضرّ الجهل به ولو قال قائل:
هذه الأشياء التي ذكرها العلماء ليست بمتناقضة ويجوز أن يكون هذا كلها لها لما عنّف. وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا نصب على الحال، وكذا لا يَتَكَلَّمُونَ في موضع نصب.
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ يكون «من» في موضع رفع على البدل من الواو، وفي موضع نصب على الاستثناء أي إلا من أذن له الرّحمن في الكلام وَقالَ صَواباً من الحق وتأوّل عكرمة المعنى على غير هذا. قال أبو جعفر: وقال صوابا في الدنيا أي قال: لا إله إلا الله.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٣٩]
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩)
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ نعت لليوم أي ذو الحقّ. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً أي نجاء مآب أي عملا صالحا في الدنيا.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٤٠]
إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)
َّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
نعت لعذاب أو لظرف أي وقتا قريباوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
الجملة في موضع خفض أي يوم نظره يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
خبر كنت، وأجاز بعض النحويين: ليتني قائما. قال: لأن «كان» تنثر بعد ليت فحذفت.
Icon