تفسير سورة النبأ

الدر المصون
تفسير سورة سورة النبأ من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون .
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿عَمَّ﴾ : قد تقدَّم أن البزيَّ يُدخل هاءَ السكتِ عوضاً من ألف «ما» الاستفهاميةِ في الوقف. ونُقِلَ عن ابن كثير أنه يَقرأ «عَمَّه» بالهاء وَصْلاً، أجرى الوصل مُجرى الوقف. وقرأ عبد الله وأُبَيّ وعكرمة «عَمَّا» بإثبات الألفِ. وقد تقدَّم أنه يجوزُ ضرورةً أو في قليلٍ من الكلام. ومنه:
٤٤٦٤ - على ما قامَ يَشْتِمُني لَئيمٌ كخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ
وتقدم أنَّ الزمخشريَّ جَعَلَ منه ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ في يس [الآية: ٢٧]. و «عَمَّ» فيه قولان، أحدُهما: وهو الظاهرُ أنَّه متعلِّقٌ ب «يتساءلون» هذا الظاهرِ. قال أبو إسحاق: «الكلامُ تامٌّ في قوله:» عَمَّ يتساءلون «،
647
ثم كان مقتضى القول أن يُجيبَ مُجيبٌ، فيقولَ: يتساءلون عن النبأ العظيم، فاقتضى إيجازُ القرآنِ وبلاغتُه أَنْ يبادِرَ المحتَجُّ بالجوابِ التذي تقتضيه الحالُ والمحاورةُ اقتضاباً للحُجَّة، وإسراعاً إلى مَوْضِعِ قَطْعِهم». والثاني: أنَّه متعلِّقٌ بفعلٍ مقدرٍ ويتعلَّقُ ﴿عَنِ النبإ العظيم﴾ بهذا الفعلِ الظاهرِ. قال الزمخشري: «وعن ابن كثيرٍ أنه قرأ» عَمَّهْ «بهاءِ السَّكْتِ. ولا يَخْلو: إمَّا أَنْ يجريَ الوصلُ مَجْرى الوقفِ، وإمَّا أَنْ يقفَ ويَبْتَدِىءَ ﴿يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النبإ العظيم﴾ على أَنْ يُضْمَرَ» يتساءلون «؛ لأنَّ ما بعده يُفَسِّرُه كشيءٍ يُبْهَمُ ثم يُفَسَّرُ».
648
قوله: ﴿عَنِ النبإ﴾ : يجوزُ فيه ما جازَ في قولِه ﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ [المرسلات: ١٣] في البدليةِ والتعلُّقِ بفعلٍ مقدَّرٍ. ويَزيد عليه هنا أنَّه يتعلَّقُ بالفعل الظاهرِ، ويتعلَّقُ ما قبلَه بمضمرٍ، كما تقدَّم عن الزمخشريِّ. وقال ابن عطية: «قال أكثرُ النحاة: قوله: ﴿عَنِ النبإ العظيم﴾ متعلِّقٌ ب» يتساءلون «الظاهرِ، كأنَّه قال: لِمَ يتساءلون عن النبأ» ؟ وقوله: «عَمَّ» هو استفهامُ تفخيمٍ وتعظيمٍ.
قوله: ﴿الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ :«مُخْتلفون» خبرُ «هم» والجارُّ متعلِّقٌ به. والموصولُ يحتملُ الحركاتِ الثلاثَ إتْباعاً وقَطْعاً رفعاً ونصباً.
قوله: ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ : التكرارُ للتوكيد. وقد زَعَمَ الشيخُ جمالُ الدين ابنُ مالك أنَّه مِنْ بابِ التوكيدِ اللفظيِّ. ولا يَضُرُّ توسُّطُ حرفِ العطفِ. والنَّحْوِيُّون يَأَبَوْن هذا. ولا يُسَمُّونه إلاَّ عَطْفاً. وإنْ أفادَ التأكيدَ. والعامَّةُ على الغَيْبة في الفعلَيْن. والحسنُ وابنُ دينار وابن عامر بخلافٍ عنه بتاءِ الخطاب فيهما. والضحاك: الأولُ كالحسن، والثاني كالعامَّةِ. والغَيْبَةُ والخطابُ واضحان.
قوله: ﴿مِهَاداً﴾ : مفعولٌ ثانٍ لأنَّ الجَعْلَ بمعنى التصييرِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى الخَلْق، فيكونَ «مِهادا» حالاً مقدرة، و «أوتاداً» كذلك ولا بُدَّ مِنْ تأويلِها بمشتق أيضاً، أي: مُثَبَّتاتٍ. وأمَّا «سُباتاً» فالظاهر كونُه مفعولاً ثانياً. و «لباساً» فيه استعارةٌ حسنةٌ وعليه قولُه:
٤٤٦٥ - وكم لِظَلامِ الليلِ عندك مِنْ يدٍ تُخَبِّرُ أنَّ المانَوِيَّةَ تَكْذِبُ
وقرأ العامَّةُ «مِهاداً»، ومجاهد وعيسى وبعضُ الكوفيين «مَهْداً»
649
وقد تقدَّم هاتان القراءتان في سورة طه، وأنَّ الكوفيين قَرؤوا «مَهْداً» في طه والزخرف فقط. وتقدَّم الفرقُ بينهما ثَمَّةَ.
650
قوله: ﴿وَهَّاجاً﴾ : الوَهَّاجُ: المُضِيءُ المُتلألىءُ، مِنْ قولِهم: وَهَجَ الجَوْهَرُ، أي: تلألأ. ويُقال: وَهِجَ يَوْهَجُ كوَجِلَ يَوْجَلُ، ووَهَجَ يَهِجُ كوَعَدَ يَعِدُ.
قوله: ﴿مِنَ المعصرات﴾ : يجوزُ في «مِنْ» أَنْ تكونَ على بابِها من ابتداءِ الغاية، وأَنْ تكونَ للسببية. ويَدُلُّ قراءةُ عبدِ الله بنِ يزيد وعكرمة وقتادة «بالمُعْصِرات» بالباءِ بدلَ «مِنْ» وهذا على خلافٍ في «المُعْصِرات» ما المرادُ بها؟ فقيل: السحاب. يقال: أَعْصَرَتْ السَّحائِبُ، أي: شارَفَتْ أَنْ تُعْصِرَها الرياحُ فتُمْطِرَ كقولك: «أجَزَّ الزرعُ» إذا حان له أن يُجَزَّ. ومنه «أَعْصَرَتِ الجارِيَةُ» إذا حان لها أَنْ تحيضَ. قاله الزمخشريُّ. وأنشد ابنُ قتيبة لأبي النجم:
650
قلت: ولولا تأويلُ «أَعْصَرَتْ» بذلك لكان ينبغي أَنْ تكونَ المُعْصَرات بفتح الصادِ اسمَ مفعول؛ لأنَّ الرياحَ تُعْصِرُها.
وقال الزمخشري: «وقرأ عكرمةُ» بالمُعْصِرات «. وفيه وجهان: أَنْ يُراد الرياحُ التي حانَ لها أَنْ تُعْصِرَ السحابَ، وأَنْ يُرادَ السحائبُ؛ لأنَّه إذا كان الإِنزالُ منها فهو بها/ كما تقول: أَعْطى مِنْ يدِه درهماً، وأَعْطى بيدِه. وعن مجاهد: المُعْصِرات: الرياحُ ذواتُ الأعاصيرِ. وعن الحسن وقتادة: هي السماواتُ. وتأويلُه: أنَّ الماءَ يَنْزِلَ من السماءِ إلى السحاب فكأنَّ السماواتِ يَعْصِرْنَ، أي: يَحْمِلْنَ على العَصْر ويُمَكِّنَّ منه. فإنْ قلتَ: فما وَجْهُ مَنْ قرأ» من المُعْصِرات «وفسَّرها بالرياح ذواتِ الأعاصيرِ، والمطرُ لا يَنْزِلُ من الرياح؟ قلت: الرياحُ هي التي تُنْشِىءُ السحابَ وتَدِرُّ أخلافَه، فيَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ مَبْدأً للإِنزال. وقد جاء: إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الرياحَ فتحملُ الماءَ من السماء، فإنْ صَحَّ ذلك فالإِنْزالُ منها ظاهرٌ. فإنْ قلت: ذكر ابن كَيْسانَ: أنه جَعَلَ المُعْصِرات بمعنى المُغِيثات، والعاصِرُ هو المُغيث لا المُعْصِر. يقال: عَصَرَهُ فاعْتَصَرَ. قلت: وَجْهُه أَنْ يُرادَ: اللاتي أَعْصَرْن، أي: حان لها أَنْ تُعْصِرَ، أي: تُغيث». قلت: يعني أنَّ «عَصَرَ» بمعنى الإِغاثةِ ثلاثيٌّ، فكيف قيل هنا: مُعْصِرات بهذا المعنى، وهو من الرُّباعي؟ فأجاب عنه بما تقدَّم، يعني أنَّ الهمزةَ بمعنى الدُّخولِ في الشيء.
قوله: ﴿ثَجَّاجاً﴾ الثَّجُّ: الانصِبابُ بكثرةٍ وشِدَّةٍ. وفي الحديث: «
651
أحَبُّ العملِ إلى اللَّهِ العَجُّ والثَّجُّ» فالعَجُّ: رَفْعُ الصوتِ بالتلبيةِ، والثَّجُّ: إراقةُ دماءِ الهَدْيِ. يقال: ثَجَّ الماءُ بنفسِه، أي: انصَبَّ وثَجَجْتُه أنا، أي: صَبَبْتُه ثَجّاً وثُجوجاً، فيكونُ لازماً ومتعدياً. وقال الشاعر:
٤٤٦٦ - تَمْشي الهُوَيْنَى ساقِطاً خِمارُها قد أَعْصَرَتْ أو قَدْ دَنَا إعْصارُها
٤٤٦٧ - إذا رَجَفَتْ فيها رَحَىً مُرْجَحِنَّةٌ تَبَعَّجَّ ثَجَّاجاً غَزيرَ الحوافِلِ
وقرأ الأعرج «ثجَّاحاً» بالحاءِ المهملةِ أخيراً. وقال الزمخشري: «ومَثاجِحُ الماءِ مَصابُّه، والماءُ يَنْثَجِحُ في الوادي».
652
قوله: ﴿أَلْفَافاً﴾ : فيه أوجهٌ: أحدُها: أنَّه لا واحدَ له. قال الزمخشري: «ألفافاً» : ملتفَّةٌ لا واحدَ له كالأوْزَاعِ والأَخْيافِ «. والثاني: أنه جمعُ» لِفّ «بكسرِ اللام، فيكونُ نحو: سِرّ وأَسْرار. وأنشد أبو علي الطوسي:
٤٤٦٨ - جَنَّةٌ لِفٌّ وعَيْشٌ مُغْدِقُ ونَدامى كلُّهم بِيْضٌ زُهُرْ
وهذا قولُ أكثرِ أهلِ اللغة. الثالث: أنه جمعُ لفيف، قاله الكسائي.
652
ومثلُه: شريف وأَشْراف، وشهيد وأشهاد. وقال الشاعر:
٤٤٦٩ - أحابِيْشُ أَلفْافٌ تبايَنَ فَرْعُهُمْ وجِذْمُهُمُ عن نسبةِ المتعرّفِ
الرابع: أنه جمعُ الجمعِ؛ وذلك أنَّ الأصلَ» ألَفُّ «في المذكر، و» لَفَّاءُ «في المؤنث كَأْحمر وحمراء، ثم جُمِعا على لُفّ كحُمْر، ثم جُمع لُفّ على أَلْفاف، إذا صار لُفٌّ بزنة قُفْلٍ فجُمع جَمْعَه، قاله ابن قتيبة. إلا أن الزمخشري، قال:» وما أظنُّه واجداً له نظيراً مِن نحو: خُضْر وأَخْضار، وحُمْر وأَحْمار «. قلت كأنّه يَسْتَبْعِدُ هذا القولَ من حيث إن نَظَائِرَه لا تُجْمَعُ على أَفْعال؛ إذ لا يُقال: خُضْر وأخْضار، ولا حُمْر وأَحْمار، وإن كانا جمعَيْنِ لأَخْضَر وخَضْراء، وأَحْمر وحَمْراء، وهذا غيرُ لازمٍ؛ لأنَّ جمعَ الجمعِ لا يَنْقاسُ، ويكفي أَنْ يكونَ له نظيرٌ في المفردات كما رأيتَ مِنْ أنَّ لُفّاً صارَ يضارِعُ قُفْلاً؛ ولهذا امتنعوا مِنْ تكسيرِ مَفاعل ومَفاعيل لعدمِ نظيرٍ في المفرداتِ يُحْمَلان عليه. الخامس: قال الزمخشري:» ولو قيل: هو جمعُ مُلْتَفَّة بتقدير حَذْفِ الزوائد لكان قولاً وجيهاً «. قلت: وفيه تكلُّفُ لا حاجةَ إليه، وأيضاً فغالبُ عباراتِ النحاة
653
في حَذْف الزوائِد إنما هو في التصغير. تقول: تصغيرُ الترخيم بحذفِ الزوائد، وفي المصادر يقولون: هذا المصدرُ على حَذْفِ الزوائِد.
654
قوله: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «يومَ الفَصْل» أو عطفَ بيانٍ له، أو منصوباً بإضمار «أعني» و «أفْواجاً» حالٌ مِنْ فاعل «تأْتون». وتقدَّمَ «فُرَاتاً» [الفرقان: ٥٣]. و «فُتِحَتْ» بالتخفيف والتشديد في الزُّمَر.
و " فُتِحَتْ " بالتخفيف والتشديد في الزُّمَر.
قوله: ﴿لِّلطَّاغِينَ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً لِمْرصاداً، وأنْ يكونَ حالاً مِنْ «مآباً» كان صفتَه فلَّما تقدَّم نُصِب على الحال. وعلى هذَيْن الوجهَيْنِ فيتعلَّق بمحذوفٍ. ويجوزُ أَنْ يكونَ متعلقاً بنفسِ «مِرْصاداً» أو بنفسِ «مآباً» لأنه بمعنى مَرْجِع. وقرأ ابن يَعمر وأبو عمرو المنقري «أنَّ جهنمَ» بفتح «أنَّ». قال الزمخشري: «على تعليل قيامِ السَّاعةِ بأنَّ جهنمَ كانت مِرْصاداً للطاغين، كأنه قيل: كان ذلك لإِقامةِ الجزاءِ». قلت: يعني أنَّه علةٌ لقولِه «يومَ يُنْفَخُ» إلى آخره.
وقرأ أبو عياض «في الصُّوَر» بفتحِ الواو. وتقدَّمَ مثلُه.
قوله: ﴿لاَّبِثِينَ﴾ : منصوبٌ على الحالِ من الضميرِ المستترِ في «للطَّاغِين» وهي حالٌ مقدرةٌ. وقرأ حمزةُ «لَبِثِيْنَ» دونَ ألفٍ، والباقون «لابِثين» بها. وضَعَّفَ مكيٌّ قراءةَ حمزةَ، قال: «ومَنْ قرأ» لبِثين «، شَبَّهه بما هو خِلْقَةٌ في الإِنسان نحو: حَذِر وفَرِق، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ اللُّبْثَ ليس مِمَّا يكونُ خِلْقَةً في الإِنسان، وبابُ فَعِل إنما هو لِما يكونُ خِلْقَةً في الإِنسانِ، وليس اللُّبْثُ بخِلْقةٍ». ورَجَّح الزمخشريُّ قراءةَ حمزةَ فقال: «قُرِىءَ: لابِثين ولَبِثين. والَّلبِثُ أَقْوى» ؛ لأنَّ اللابِثَ يُقال لِمَنْ وجِدَ منه الُّلبْثُ، ولا يُقال: لِبثٌ إلاَّ لمَنْ شأنُه الُّلبْثُ كالذي يَجْثُمُ بالمكانِ، لا يكاد يَنْفَكُّ منه «. قلت: وما قاله الزمخشريُّ أَصْوَبُ. وأمَّا قولُ مكيّ: الُّلبْثُ ليس خِلْقَةً فمُسَلَّمٌ؛ لكنه بُوْلِغَ في ذلك فجُعِلَ بمنزلةِ الأشياءِ الخِلْقيَّة.
قوله: ﴿أَحْقَاباً﴾ منصوبٌ على الظرفِ، وناصبهُ»
لا بثين «، هذا هو المشهورُ. وقيل: هو منصوبٌ بقولِه» لا يَذُوقون «وهذا عند مَنْ يرى تقديمَ معمولِ ما بعد» لا «عليها، وهو أحدُ الأوجه، وقد تقدَّم هذا مستوفىً في أواخر الفاتحة. وجَوَّز الزمخشريُّ أَنْ ينتصِبَ على الحالِ، قال:» وفيه وجهٌ آخر: وهو أَنْ يكونَ مِنْ حَقِبَ عامُنا: إذا قَلَّ
655
مطرُه وخيرُه، وحَقِبَ فلانٌ: إذا أَخْطَأَهُ الرِّزْقُ فهو حَقِبٌ، وجمعهُ أَحْقاب، فينتصِبُ حالاً عنهم بمعنى: لابثين فيها حَقِبين جَحِدين «. وقد تقدَّم الكلامُ على» الحُقُب «، وما قيل فيه في سورة الكهف.
656
قوله: ﴿لاَّ يَذُوقُونَ﴾ : فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه متسأنفٌ أخبر عنهم بذلك. الثاني: أنه حالٌ من الضمير في «لابثين» أي: لابِثين غيرَ ذائقين، فهي حالٌ متداخلةٌ. الثالث: أنه صفةٌ لأَحْقاب. قال مكي: «واحتمل الضميرَ لأنه فِعْلٌ، فلم يجبْ إظهارُه، وإن كان قد جَرَى صفةً على غير مَنْ هُوَ له، وإنما جاز أَنْ يكونَ نعتاً ل» أحقاب «لأجْل الضميرِ العائدِ على الأَحْقاب في» فيها «ولو كان في موضع» يَذُوْقون «اسمُ فاعلٍ لكان لا بُدَّ مِنْ إظهارِ الضميرِ إذا جَعَلْتَه وصفاً لأَحْقاب». الرابع: أنه تفسيرٌ لقولِه «أحقاباً» إذا جَعَلْتَه منصوباً على الحالِ بالتأويلِ الذي تقدَّم ذِكْرُه عن الزمخشريِّ فإنه قال: «وقولُه: لا يَذوقون فيها بَرْداً ولا شَراباً تفسيرٌ له. الخامس: أنه حالٌ أخرى مِنْ» للطَّاغين «ك» لابِثين «.
قوله: ﴿إِلاَّ حَمِيماً﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ استثناءً متصلاً من قولِه «شَراباً» وهذا واضِحٌ. والثاني: أنَّه منقطعٌ. قال الزمخشري: «يعني لا يذُوقون فيها بَرْداً ولا رَوْحاً يُنَفِس عنهم حَرَّ النارِ، ولا شَراباً يُسَكِّن مِنْ عَطَشِهم، ولكنْ يَذُوقون فيها حميماً وغَسَّاقاً».
656
قلت: ومكيٌّ لَمَّا جَعَله منقطعاً جعل البَرْدَ عبارةً عن النومِ، قال: «فإن جَعَلْتَه النومَ كان» حميماً «استثاءً ليس من الأول». وإنما الذي حَمَلَ الزمخشريُّ على الانقطاع مع صِدْقِ اسم الشرابِ على الحميمِ والغَسَّاقِ وَصْفُه له بقولِه «ولا شَراباً يُسَكِّنُ مِنْ عَطَشِهم» فبهذا القَيْدِ صار الحميمُ ليس من جنسِ هذا الشراب. وإطلاقُ البَرْدِ على النوم لغةُ هُذَيْلٍ. وأنشد:
٤٤٧٠ - فإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّساءَ سواكمُ وإنْ شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْداً
وفي كلامِ بعضِ الأعراب «مَنَعَ البَرْدُ البَرْدَ» قيل: وسُمِّي بذلك لأنه يقطعُ سَوْرةَ العطشِ. والذَّوْقُ على هذين القولين أعني كونَه رَوْحاً يُنَفِّسُ عنهم الحَرَّ، وكونَه النومَ مجازٌ. وأمَّا على قولِ مَنْ جعله اسماً للشرابِ الباردِ المُسْتَلَذُّ، ويُعْزَى لابنِ عباس، وأنشد قولَ حَسَّانَ رضي الله عنه:
٤٤٧١ - يَسْقُونَ مْن وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ بَرْداً يُصَفِّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ
وقول الآخر:
657
فالذَّوْقُ حقيقةٌ، إلاَّ أنه يصير فيه تَكْرارٌ بقولِه بعد ذلك: «ولا شراباً».
الثالث: أنه بدلٌ مِنْ قولِه «ولا شراباً»، وهو الأحسنُ لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ. وتقدَّم خلافُ القُراء في ﴿وَغَسَّاقاً﴾ تخفيفاً وتثقيلاً، والكلامُ عليه وعلى حميم.
658
قوله: ﴿جَزَآءً﴾ : منصوبٌ على المصدر/ وعاملُه: إمَّا قولُه «لا يذوقون» إلى آخرِه: لأنَّه في قوةِ: جُوزوا بذلك، وإمَّا محذوفٌ. ووِفاقاً نعتٌ له على المبالغةِ، أو على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذا موافقة. وقرأ أبو حيوة وابنُ أبي عبلة بتشديد الفاء مِنْ وفَّقه لكذا.
قوله: ﴿كِذَّاباً﴾ : قرأ العامَّةُ كِذَّاباً بتشديدِ الذَّالِ. وكان مِنْ حَقِّ مصدرِ فَعَّل أَنْ يأتيَ على التفعيل نحو: صَرَّف تَصْريفاً. قال الزمخشري: «وفِعَّال في باب فَعَّلَ كلِّه فاشٍ في كلامِ فصحاءَ مِنْ العرب، لا يقولون غيرَه. وسَمِعَني بعضُهم أُفَسِّرُ آية، فقال:» لقد فَسَّرْتَها فِسَّاراً ما سُمِعَ بمثِله «. قال غيرُه: وهي لغةُ بعضِ العرب يمانيةٌ، وأنشد:
658
٤٤٧٢ - أَمانِيُّ مِنْ سُعْدَى حِسانٌ كأنَّما سَقَتكَ بها سُعْدى على ظَمَأ بَرْدا
٤٤٧٣ - لقد طالَ ما ثَبَّطْتَني عن صَحابتي وعن حاجةٍ قِضَّاؤُها مِنْ شِفائِيا
يريد: تَقَضِّيْها. والأصلُ على التَّفْعيل، وإنَّما هو مثلُ: زَكَّى تَزْكِية. وسُمع بعضُهم يَسْتَفْتي في حَجِّه، فقال:» آلحَلْقُ أحَبُّ إليك أم القِصَّار «يريد التقصيرَ».
وقرأ علي رضي الله عنه والأعمش وأبو رجاء وعيسى البصرة بالتخفيف، وهو مصدرٌ: إمَّا لهذا الفعل الظاهرِ على حَذْفِ الزوائِد، وإمَّا لفعلٍ مقدَّرٍ ك ﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً﴾ [نوح: ١٧]. قال الزمخشري: وهو مثلُ قولِه: ﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً﴾ يعني: وكَذَّبوا بآياتِنا فكَذَبوا كِذاباً، أو تَنْصِبُه ب «كَذَّبوا» ؛ لأنَّه يتضمَّنُ معنى كَذَبوا؛ لنَّ كلَّ مُكَذِّبٍ بالحقِّ كاذبٌ، وإنْ جَعَلْتَه بمعنى المكاذَبَةِ فمعناه: وكذَّبوا بآياتِنا فكاذَبوا مُكاذَبَةً، أو كَذَّبوا بها مُكاذِبين؛ لأنَّهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين، وكان المسلمون عندهم كاذبين، فبَينهم مكاذَبَةٌ، أو لأنهم يتكلَّمون بما هو إفراطٌ في الكذبِ، فِعْلَ مَنْ يغالِبُ في أمرٍ فيَبْلُغُ فيه أقصى جُهْدِه «. وقال أبو الفضل:» وذلك لغةٌ لليمينِ، وذلك بأَنْ يَجعلوا مصدرَ «كَذَب» مخففاً «كِذاباً». بالتخفيف، مثل: كَتَبَ كِتاباً، فصار المصدرُ هنا مِنْ معنى الفِعْلٍ دونَ لفظِه مثلَ: أَعْطَيْته عَطاءً. قلت: أمَّا كَذَبَ كِذاباً بالتخفيف فيهما
659
فمشهورٌ، ومنه قولُ الأعشى:
٤٤٧٤ - فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُها والمَرْءُ يَنْفَعُه كِذابُه
وقرأ عمر بن عبد العزيز والماجشون «كُذَّاباً» بضمِّ الكاف وشدِّ الذال، وفيها وجهان، أحدُها: أنه جمع كاذِب نحر: ضُرَّاب في ضارب. وانتصابُه على هذا على الحالِ المؤكِّدة، أي: وكَذَّبوا في حالِ كونِهم كاذبين. والثاني: أنَّ الكُذَّاب بمعنى الواحدِ البليع في الكذب. يقال: رجلٌ كُذَّاب كقولِك: «حُسَّان» فيُجْعَلُ وصفاً لمصدر كَذَّبوا، أي: تَكْذيباً كُذَّاباً مُفْرِطاً كَذِبُه، قالهما الزمخشري.
660
قوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾ : العامَّةُ على النصبِ على الاشتغال، وهذا الراجحُ لتقدُّمِ جملةٍ فعليةٍ. وقرأ أبو السَّمَّال برفعِه على الابتداء وما بعدَه الخبرُ. وهذه الجملةُ مُعْتَرَضٌ بها بين السبب والمُسَبَّب؛ لأنَّ الأَصل: وكَذَّبوا بآياتنا كِذَّاباً فذوقوا. فقوله «فذوقوا» مُتَسَبِّبٌ عن تكذيبهم.
قوله: ﴿كِتَاباً﴾ فيه أوجهٌ: أحدُها: أنه مصدرٌ مِنْ معنى «أَحْصَيْنا»، أي: إحصاءً. فالتجوُّزُ في نفسِ المصدرِ. الثاني: أنَّه مصدرٌ ل «أَحْصَيْنا» لأنَّه في معنى «كَتَبْنا» فالتجوُّزُ في نفسِ الفعلِ. قال الزمخشري: «
660
لالتقاءِ الإِحصاء والكَتْبِ في معنى الضَّبْطِ والتحصيل». الثالث: أَنْ يكونَ منصوباً على الحالِ بمعنى: مكتوباً في اللوح.
661
قوله: ﴿حَدَآئِقَ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «مَفازاً» بدلَ اشتمال، أو بدلَ كل مِنْ كل مبالغةً: في أَنْ جُعِلَتْ نفسُ هذه الأشياء مفازاً. ويجوز أَنْ يكونَ منصوباً بإضمار «أَعْني». وقيل: «مَفازاً» بمعنى الفوز فيقدَّرُ مضافٌ، أي: فوزَ حدائق.
قوله: ﴿وَكَوَاعِبَ﴾ : الكواعب: جمع كاعِب، وهي مَنْ كَعَبَ ثَدْيُها، أي: استدارَ. قال:
٤٤٧٥ - وكان مِجَنِّي دونَ مَنْ كَنْتُ أتَّقي ثلاثُ شُخوصٍ كاعِبانِ ومُعْصِرُ
وقال قيس بن عاصم المِنْقَري:
٤٤٧٦ - وكم مِنْ حَصانٍ قد حَوَيْنا كَريمةٍ ومِنْ كاعبٍ لم تَدْرِما البؤسُ مُعْصِرِ
والأَتراب تقدَّم ذكرُهن:
قوله: ﴿دِهَاقاً﴾ : صفةٌ ل كأس. والدِّهاقُ: المَلأَى المُتْرَعَةُ. قيل: هو مأخوذٌ مِنْ دَهَقَه، أي: ضَغَطَهُ وشَدَّه بيدِه، كأنه ملأ اليدَ فانضغطَ. قال الشاعر:
٤٤٧٧ - لأَنْتِ إلى الفؤادِ أحَبُّ قُرْباً من الصَّادي إلى الكأسِ الدهاق
وقيل: الدِّهاقُ: المتتابِعة. وأُنْشِد:
قوله: ﴿وَلاَ كِذَّاباً﴾ : الكسائيُّ بالتخفيف. والباقون بالتثقيلِ، وإنما وافق الكسائيُّ الجماعةَ في الأولِ للتصريحِ بفعلِه المشدَّدِ المقتضي لعدمِ التخفيفِ في «كِذّاباً» وهذا ما تقدَّم في قولِه ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار﴾ [الإِسراء: ٩١] حيث لم يُخْتَلَفْ فيه، للتصريح معه بفعلهِ، بخلافِ الأول. وقال مكيٌّ «مَنْ شَدَّد جَعَلَه مصدرَ» كَذَّبَ «زِيْدَتْ فيه الألفُ كما زِيْدَتْ في» إكراماً «، وقولُهم» تَكْذيباً «جعلوا التاءَ عوضاً مِنْ تشديدِ العينِ، والياءَ
662
بدلاً من الألف، غيَّروا أوَّلَه كما غيَّروا آخره. وأصلُ مصدر الرباعيِّ أَنْ يأتيَ على عَدَدِ حروفِ الماضي بزيادة ألفٍ، مع تغييرِ الحركات. وقد قالوا» تَكَلُّماً «فأتى المصدرُ على عددِ حروفِ الماضي بغير زيادةِ ألفٍ؛ لكثرة حروفِه، وضُمَّت اللامُ، ولم تُكْسَرْ لأنَّه ليسَ اسمٌ على تَفَعِّل، ولم تُفْتَحْ لئلا يَشْتَبِهَ بالماضي» وقراءةُ الكسائيِّ «كِذاباً» بالتخفيفِ، جعله مصدرَ: كَذَّبِ كِذاباً. وقيل: هو مصدرُ «كَذَب» كقولِك: كَتَبَ كِتاباً.
663
قوله: ﴿جَزَآءً﴾ : مصدرٌ مؤكِّدٌ منصوبٌ بمعنى: إنَّ للمتقين مَفازاً، كأنه قيل: جازى المتقين بمَفازٍ.
قوله: «عَطاءً» بدلٌ مِنْ «جَزاءً» وهو اسمُ مصدرٍ. قال:
٤٤٧٨ - أتانا عامِرٌ يَبْغي قِراناً فأتْرَعْنا له كأساً دِهاقا
٤٤٧٩ -..................... وبعدَ عَطائِك المِئةَ الرِّتاعا
وجعله الزمخشريُّ منصوباً ب «جزاءً» نَصْبَ المفعولِ به. ورَدَّه الشيخُ: بأنَّه جَعَلَ «جزاءً» مصدراً مؤكداً لمضمونِ الجملةِ التي هي «إنَّ للمتقين [مفازاً] ». قال: «والمصدرُ المؤكِّد لا يعملُ؛ لأنه لا ينحلُّ لحرفٍ مصدريِ والفعلِ، ولا نعلَمُ في ذلك خلافاً».
قوله: ﴿حِسَاباً﴾ صفةٌ ل «عطاءً» والمعنى: كافياً، فهو مصدرٌ أقيم مُقامَ الوصفِ، أو بُوْلغ فيه، أو على حَذْفِ مضافٍ مِنْ قولِهم: أَحْسَبَنِي
663
الشيءُ، أي: كفاني. وقرأ أبو البرهسم وشُرَيْح بن يزيد الحمصي بتشديد السينِ مع بقاءِ الحاءِ على كسرِها. وتخريجُها أنه مصدرٌ مثلُ كِذَّاب، أقيم مُقامَ الوصفِ، أي: عطاءً مُحْسِباً، أي: كافياً. وابن قطيب كذلك إلاَّ أنَّه فتح الحاءَ، قال أبو الفتح: «بنى فَعَّالاً مِنْ أَفْعَلَ كدَرَّاك مِنْ أَدْرَك» يعني أنه صفةٌ مبالغةٍ، مِنْ أَحْسَبَ بمعنى كافي كذا. وابنُ عباس «حَسَنَا» بالنون من الحُسن. وسِراج «حَسْباً» بفتحِ الحاء وسكونِ السينِ والباءِ الموحَّدة، أي: عطاءً كافياً، مِنْ قولِك: حَسْبُك كذا، أي: كافيك.
664
قوله: ﴿رَّبِّ السماوات﴾ : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمروٍ برفع «ربُّ السماواتِ» و «الرحمنُ». وابن عامر وعاصم بخفضِها، والأخَوان بخفض الأولِ ورَفْعِ الثاني. فأمَّا رَفْعُهما فيجوزُ مِنْ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يكونَ «ربُّ» خبرَ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو ربُّ. و «الرحمنُ» كذلك، أو مبتدأٌ خبرُه «لا يَمْلِكون». الثاني: أَنْ يُجْعَلَ «ربُّ»
664
مبتدأً، و «الرحمنُ» خبرُه، و «لا يَمْلِكون» خبرٌ ثانٍ، أو مستأنفٌ. الثالث: أَنْ يكونَ «ربُّ» مبتدأً أيضاً و «الرحمنُ» نعتُه، و «لا يَمْلِكون» خبرُ «رَبُّ». الرابع: أنْ يكونَ «رَبُّ» مبتدأ، و «الرحمنُ» مبتدأٌ ثانٍ، و «لا يَمْلِكون» خبرُه، والجملةُ خبرُ الأولِ. وحَصَلَ الرَّبْطُ بتكريرِ المبتدأ بمعناه، وهو رأيُ الأخفش. ويجوزُ أَنْ يكونَ «لا يَمْلكون» حالاً، وتكونُ لازمةً.
وأمَّا جَرُّهما فعلى البدل، أو البيانِ، أو النعتِ، كلاهما للأول، إلاَّ أنَّ تكريرَ البدلِ فيه نظرٌ، وقد نَبَّهْتُ على ذلك في أواخر هذا الموضوع، آخرِ الفاتحةِ، أو يُجْعَلُ «ربِّ السماواتِ» تابعاً للأولِ، و «الرحمن» تابعاً للثاني على ما تقدَّم. وأمَّا جَرُّ الأولِ فعلى التبعيَّةِ للأولِ، ورفعُ الثاني فعلى الابتداءِ، والخبرُ الجملةُ الفعليةُ، أو على أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، و «لا يَمْلِكون» على ما تقدَّم من الاستئنافِ، أو الخبرِ الثاني، أو الحالِ اللازمةِ.
665
قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ﴾ : منصوبٌ: إمَّا ب «لا يتكلَّمون» بعدَه، وإمَّا ب «لا يَمْلِكون» و «صَفَّا» حالٌ، أي: مُصْطَفِّيْنَ، و «لا يتكلَّمون» : إمَّا حالٌ وإمَّا مستأنفٌ.
قوله: ﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ واو «يتكلمون»، وهو الأَرْجَحُ لكونِه غيرَ موجَبٍ، وأَنْ يكونَ منصوباً على أصلِ الاستثناء.
قوله: ﴿يَوْمَ يَنظُرُ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ/ بدلاً مِنْ «يَومَ» قبلَه، وأنْ يكونَ منصوباً ب «عذاباً»، أي: العذابُ واقعٌ في ذلك
665
اليوم. وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ يكونَ نعتاً ل «قريباً»، ولو جعله نعتاً ل «عذاباً» لكان أَوْلى، والعامَّةُ بفتح ميم «المَرْءُ»، وهي العاليةُ. وابنُ أبي إسحاق بضَمِّها وهي لغةٌ: يُتْبِعون الفاءَ اللامَ. وخَطَّأَ أبو حاتمٍ هذه القراءةَ، وليس بصوابٍ لثبوتِها لغةً.
قوله: ﴿مَا قَدَّمَتْ﴾ يجوزُ أَنْ تكونَ استفهاميةً مُعلِّقَةً ل «يَنْظُرُ» على أنَّه من النظر، فتكونُ الجملةُ في موضعِ نصبٍ على إسقاط الخافضِ، وأَنْ تكونَ موصولةً مفعولاً بها، والنظرُ بمعنى الانتظار، أي: ينتظرُ الذي قَدَّمَتْه يداه. والعامَّةُ لا يُدْغِمون تاءَ «كنتُ» في «تُراباً» قالوا: لأنَّ الفاعلَ لا يُحْذَفُ، والإِدغامُ يُشْبه الحذفَ. وفي قولِه «ويقولُ الكافرُ» وَضْعُ ظاهرٍ موضعَ مضمرٍ شهادةً عليه بذلك.
666
Icon