تفسير سورة النجم

أضواء البيان
تفسير سورة سورة النجم من كتاب أضواء البيان المعروف بـأضواء البيان .
لمؤلفه محمد الأمين الشنقيطي . المتوفي سنة 1393 هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ النَّجْمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا النَّجْمِ الَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهِ النَّجْمُ إِذَا رُجِمَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الثُّرَيَّا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، وَلَفْظَةُ النَّجْمِ عَلَمٌ لِلثُّرَيَّا بِالْغَلَبَةِ، فَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تُطْلِقُ لَفْظَ النَّجْمِ مُجَرَّدًا إِلَّا عَلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ:
أَقُولُ وَالنَّجْمُ قَدْ مَالَتْ أَوَاخِرُهُ إِلَى الْمَغِيبِ تَثَبَّتْ نَظْرَةً حَارِ
فَقَوْلُهُ: وَالنَّجْمِ: يَعْنِي الثُّرَيَّا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِذَا هَوَى: أَيْ سَقَطَ مَعَ الصُّبْحِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَقِيلَ: النَّجْمُ الزَّهْرَةُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ نُجُومُ السَّمَاءِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ وَإِرَادَةِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ: وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [٥٤ ٤٥]، يَعْنِي الْأَدْبَارَ. وَقَوْلُهُ: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [٨٩ ٢٢]، أَيِ: الْمَلَائِكَةُ، وَقَوْلُهُ: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [٢٥ ٧٥]، أَيِ الْغُرَفَ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِهَذَا فِي الْقُرْآنِ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [٢٢ ٥]، وَإِطْلَاقُ النَّجْمِ مُرَادًا بِهِ النُّجُومَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
ثُمَّ قَالُوا تُحِبُّهَا قُلْتُ بَهْرًا عَدَدَ النَّجْمِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ
وَقَوْلُ الرَّاعِي:
462
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَمَعْنَى هُوِيِّ النُّجُومِ سُقُوطُهَا إِذَا غَرَبَتْ أَوِ انْتِثَارُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: النَّجْمُ النَّبَاتُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ الْجُمْلَةُ النَّازِلَةُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْجُمًا مُنَجَّمًا فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكُلُّ جُمْلَةٍ مِنْهُ وَقْتَ نُزُولِهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا اسْمُ النَّجْمِ صِدْقًا عَرَبِيًّا صَحِيحًا كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا حَانَ وَقْتُهُ مِنَ الدِّيَةِ الْمُنَجَّمَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكِتَابَةِ الْمُنَجَّمَةِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ.
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: إِذَا هَوَى أَيْ نَزَلَ بِهِ الْمَلَكُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: هَوَى يَهْوِي هُوِيًّا إِذَا اخْتَرَقَ الْهَوَا نَازِلًا مِنْ أعَلَى إِلَى أَسْفَلَ.
اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ الثُّرَيَّا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّجْمِ خُصُوصُهَا، وَإِنِ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ - لَيْسَ بِوَجِيهٍ عِنْدِي.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّجْمَ يُرَادُ بِهِ النُّجُومُ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعُهُ تَعَالَى لِلنُّجُومِ فِي الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [٥٦ ٧٥]، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى هُنَا كَالْمُرَادِ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ فِي الْوَاقِعَةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي الْمُرَادِ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَسَاقِطُهَا إِذَا غَابَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: انْتِثَارُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنَازِلُهَا فِي السَّمَاءِ، لِأَنَّ النَّازِلَ فِي مَحِلٍّ وَاقِعٍ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَوَاقِعُ نُجُومِ الْقُرْآنِ النَّازِلِ بِهَا الْمَلَكُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي وَأَقْرَبُهَا لِلصَّوَابِ فِي نَظَرِي - أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى هُنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَبِمَوَاقِعِ النُّجُومِ فِي الْوَاقِعَةِ هُوَ نُجُومُ الْقُرْآنِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْمَلَكُ نَجْمًا فَنَجْمًا، وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى الَّذِي هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَقٍّ وَأَنَّهُ مَا ضَلَّ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى - مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ إِلَى قَوْلِهِ: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [٥٦ ٧٧ - ٨٠].
463
وَالْإِقْسَامُ بِالْقُرْآنِ عَلَى صِحَّةِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [٣٦ ١ - ٥]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [٤٣ ١ - ٤]، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كَوْنَ الْمُقْسَمِ بِهِ الْمُعَبَّرِ بِالنُّجُومِ هُوَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ - أَنْسَبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [٥٦ ٧٦]، لَأَنَّ هَذَا التَّعْظِيمَ مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَقْسَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ أَنْسَبُ لِذَلِكَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ وَنَجْمِ الْأَرْضِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الضَّلَالُ يَقَعُ مِنَ الْجَهْلِ بِالْحَقِّ، وَالْغَيُّ هُوَ الْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ مَعَ مَعْرِفَتِهِ، أَيْ مَا جَهِلَ الْحَقَّ وَمَا عَدَلَ عَنْهُ، بَلْ هُوَ عَالِمٌ بِالْحَقِّ مُتَّبِعٌ لَهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِطْلَاقَاتِ الضَّلَالِ فِي الْقُرْآنِ بِشَوَاهِدِهَا الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [٢٦ ٢٠]، وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ الْآيَةَ [١٨ ١٠٣ - ١٠٤].
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [٢٧ ٧٩]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ [٢٢ ٦٧]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [٤٢ ٥٢].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [٤٣ ٤٣]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى اسْتَدَلَّ بِهِ عُلَمَاءُ
464
الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَجْتَهِدُ، وَالَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ، اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الْآيَةَ [٩ ٤٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [٨ ٦٧]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ [٩ ١١٣].
قَالُوا: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَنِ اجْتِهَادٍ، لَمَا قَالَ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الْآيَةَ. وَلَمَا قَالَ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْآيَاتِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ إِلَّا شَيْئًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَهُ، فَمَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ شِعْرٌ أَوْ سِحْرٌ أَوْ كِهَانَةٌ أَوْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ - هُوَ أَكْذَبُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْفَرُهُمْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَذِنَ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَأَسَرَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، وَاسْتَغْفَرَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ غَيْرِ أَنَّ يَنْزِلَ عَلَيْهِ وَحْيٌ خَاصٌّ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى.
الْمُرَادُ بِشَدِيدِ الْقُوَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ هَذَا الْوَحْيَ مَلَكٌ شَدِيدُ الْقُوَى هُوَ جِبْرِيلُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ قَدْ تَضَمَّنَتْ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْوَحْيَ الَّذِي مِنْ أَعْظَمِهِ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ جِبْرِيلَ شَدِيدُ الْقُوَّةِ.
وَهَذَانَ الْأَمْرَانِ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَهُوَ كَوْنُ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَحْيِ وَعَلَّمَهُ إِيَّاهُ، فَقَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ الْآيَةَ [٢ ٩٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [٢٦ ١٩٢ - ١٩٤] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [٢٠ ١١٤].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [٧٥ ١٦ - ١٨]، أَيْ إِذَا قَرَأَهُ عَلَيْكَ الْمَلَكُ الْمُرْسَلُ بِهِ إِلَيْكَ مِنَّا مُبَلِّغًا لَهُ عَنَّا فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، أَيِ اقْرَأْ كَمَا سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي، وَهُوَ شِدَّةُ قُوَّةِ جِبْرِيلَ النَّازِلِ بِهَذَا الْوَحْيِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [٨١ ١٩ - ٢٠] وَقَوْلِهِ فِي آيَةِ التَّكْوِيرِ هَذِهِ: لَقَوْلُ رَسُولٍ أَيْ لِقَوْلِهِ الْمُبَلَّغِ لَهُ عَنِ اللَّهِ، فَقَرِينَةُ ذِكْرِ الرَّسُولِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُبَلِّغُ شَيْئًا أُرْسِلَ بِهِ، فَالْكَلَامُ كَلَامُ اللَّهِ بِأَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ، وَجِبْرِيلُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نُسِبَ الْقَوْلُ لَهُ. لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَمِعَهُ إِلَّا مِنْهُ، فَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَأَمَرَهُ بِتَبْلِيغِهِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَةُ ذِكْرِ الرَّسُولِ، وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى.
قَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ الْآيَةَ [١٦ ٥٧]، وَفِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى.
بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ لَهُ الْآخِرَةَ وَالْأُولَى وَهِيَ الدُّنْيَا، وَبَيَّنَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى [٩٢ ١٢]، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ [٢٧ ٩١]، وَهَذَا مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ الْآيَةَ [٢ ٤٨]، ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى﴾.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [٤٣ ١٩]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [٤٦ ٣]، وَفِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [٥١ ٥٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الشُّورَى فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [٤٢ ٣٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ [٤ ٤٩]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى.
قَوْلُهُ: تَوَلَّى: أَيْ رَجَعَ وَأَدْبَرَ عَنِ الْحَقِّ، وَقَوْلُهُ: وَأَعْطَى قَلِيلًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ، وَقَوْلُهُ: وَأَكْدَى أَيْ قَطَعَ ذَلِكَ الْعَطَاءَ وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَأَصْلُهُ مَنْ أَكْدَى صَاحِبُ الْحَفْرِ إِذَا انْتَهَى فِي حَفْرِهِ إِلَى
467
صَخْرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَفْرِ فِيهَا، وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُدْيَةِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ تَعْتَرِضُ حَافِرَ الْبِئْرِ وَنَحْوَهُ فَتَمْنَعُهُ الْحَفْرَ، وَهَذَا الَّذِي أَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، فَقِيلَ: هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَارَبَ أَنْ يُؤْمِنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: أَتَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَّلْتَهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ، فَضَمِنَ لَهُ الَّذِي عَاتَبَهُ إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ كَذَا مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ إِلَى شِرْكِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ، فَرَجَعَ الْوَلِيدُ إِلَى الشِّرْكِ وَأَعْطَى الَّذِي عَيَّرَهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي ضَمِنَ وَمَنَعَهُ تَمَامَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ.
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: تَوَلَّى: أَيِ الْوَلِيدُ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ قَارَبَ، وَأَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ لِلَّذِي ضَمِنَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ ذُنُوبَهُ. وَأَكْدَى: أَيْ بَخِلَ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي، وَقِيلَ: أَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ كَمَدْحِهِ لِلْقُرْآنِ، وَاعْتِرَافِهِ بِصِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «وَأَكْدَى» أَيِ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ وَرَجَعَ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، كَانَ رُبَّمَا وَافَقَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى إِعْطَائِهِ الْقَلِيلَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى إِكْدَائِهِ، وَهَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ وَلَمْ يَنْسَجِمْ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ الْآيَةَ [٥٣ ٣٥]
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ أَبُو جَهْلٍ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَذَلِكَ مَعْنَى إِعْطَائِهِ قَلِيلًا، وَقَطْعُهُ لِذَلِكَ مَعْرُوفٌ.
وَاقْتَصَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُعْطِي مَالَهُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَهُوَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ: يُوشِكُ أَلَّا يَبْقَى لَكَ شَيْءٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ لِي ذُنُوبًا وَخَطَايَا، وَإِنِّي أَطْلُبُ بِمَا أَصْنَعُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَأَرْجُو عَفْوَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْطِنِي نَاقَتَكَ بِرَحْلِهَا، وَأَنَا أَتَحَمَّلُ عَنْكَ ذُنُوبَكَ كُلَّهَا، فَأَعْطَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَأَمْسَكَ عَنِ الْعَطَاءِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
وَمَعْنَى «تَوَلَّى» تَرَكَ الْمَرْكَزَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَعَادَ عُثْمَانُ إِلَى أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَجْمَلَ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الْقَوْلِ وَبُطْلَانُهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِمَنْصِبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ سَبْعَةَ أُمُورٍ:
468
الْأَوَّلُ: إِنْكَارُ عِلْمِ الْغَيْبِ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْهَمْزَةِ فِي قَوْلِهِ: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ عِلْمِهِ لِلْغَيْبِ.
الثَّانِي: أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى صُحُفًا لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِيهَا هَذَا الْكَافِرُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَفَّى، أَيْ أَتَمَّ الْقِيَامَ بِالتَّكَالِيفِ الَّتِي كَلَّفَهُ رَبُّهُ بِهَا.
الرَّابِعُ: أَنَّ فِي تِلْكَ الصُّحُفِ أَنَّهُ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
الْخَامِسُ: أَنَّ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى.
السَّادِسُ: وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى.
السَّابِعُ: أَنَّهُ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، أَيِ الْأَكْمَلَ الْأَتَمَّ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ السَّبْعَةُ قَدْ جَاءَتْ كُلُّهَا مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا، وَهُوَ عَدَمُ عِلْمِهِمُ الْغَيْبَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [٦٨ ٤٧]، وَقَوْلِهِ: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [١٩ ٧٨]، وَقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [٣ ١٧٩]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ الْآيَةَ [٧٢ ٢٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [٢٧ ٦٥]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا مِرَارًا.
وَالثَّانِي: الَّذِي هُوَ أَنَّ لِإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى صُحُفًا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُتَوَلِّي الْمُعْطِي قَلِيلًا الْمُكْدِي عَالِمًا بِهَا، ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [٨٧ ١٨ - ١٩].
وَالثَّالِثُ مِنْهَا: وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ وَفَّى تَكَالِيفَهُ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [٢ ١٢٤]، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا أَنَّهَا التَّكَالِيفُ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ مِنْهَا: وَهُوَ أَنَّهُ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [٢٩ ١٢]،
469
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [٣٥ ١٨].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا، وَالْجَوَابُ عَمَّا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنَ الْإِشْكَالِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [١٧ ١٥]، وَذَكَرْنَا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [١٦ ٢٥].
وَأَمَّا الْخَامِسُ مِنْهَا: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، فَقَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا الْآيَةَ [١٧ ٧]، وَقَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [٤٥ ١٥]، وَقَوْلِهِ: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [٣٠ ٤٤]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا إِلَّا عَلَى سَعْيِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ هَذِهِ الْآيَةُ لِانْتِفَاعِهِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى قَدْ دَلَّتِ اللَّامُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا إِلَّا بِسَعْيِهِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ الِانْتِفَاعِ بِمَا لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَلَا مُسْتَحَقًّا لَهُ.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْتَفِعُ بِسَعْيِ غَيْرِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [٥٢ ٢١].
وَقَدْ أَوْضَحْنَا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ الْآيَةَ فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» فِي سُورَةِ النَّجْمِ، وَقُلْنَا فِيهِ مَا نَصُّهُ: وَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ مِلْكِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ سَعْيِهِ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى نَفْيِ انْتِفَاعِهِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَأَنْ لَنْ يَنْتَفِعَ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِمَا سَعَى، وَإِنَّمَا قَالَ:
470
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ، وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ سَعْيَ الْغَيْرِ مِلْكٌ لِسَاعِيهِ إِنْ شَاءَ بَذَلَهُ لِغَيْرِهِ فَانْتَفَعَ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالْحَجِّ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ الِانْتِفَاعُ بِعَمَلِ الْغَيْرِ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنَّ إِيمَانَ الذُّرِّيَّةِ هُوَ السَّبَبُ الْأَكْبَرُ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ، إِذْ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَمَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ. فَإِيمَانُ الْعَبْدِ وَطَاعَتُهُ سَعْيٌ مِنْهُ فِي انْتِفَاعِهِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ صَلَاةَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ يَتَضَاعَفُ بِهَا الْأَجْرُ زِيَادَةً عَلَى صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا، وَتِلْكَ الْمُضَاعَفَةُ انْتِفَاعٌ بِعَمَلِ الْغَيْرِ، سَعَى فِيهِ الْمُصَلِّي بِإِيمَانِهِ وَصَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ رَفْعُ دَرَجَاتِ الْأَوْلَادِ لَيْسَ لِلْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ نَصُّ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَلَكِنَّ مِنْ سَعْيِ الْآبَاءِ فَهُوَ سَعْيٌ لِلْآبَاءِ أَقَرَّ اللَّهُ عُيُونَهُمْ بِسَبَبِهِ، بِأَنْ رَفَعَ إِلَيْهِمْ أَوْلَادَهُمْ لِيَتَمَتَّعُوا فِي الْجَنَّةِ بِرُؤْيَتِهِمْ.
فَالْآيَةُ تُصَدِّقُ الْأُخْرَى وَلَا تُنَافِيهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّفْعِ إِكْرَامُ الْآبَاءِ لَا الْأَوْلَادُ، فَانْتِفَاعُ الْأَوْلَادِ تَبَعٌ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ تَفَضَّلٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ، كَمَا تَفَضَّلَ بِذَلِكَ عَلَى الْوِلْدَانِ وَالْحُورِ الْعِينِ وَالْخَلْقِ الَّذِينَ يُنْشُؤُهُمْ لِلْجَنَّةِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ مِنْهُ.
وَالْأَمْرُ السَّادِسُ وَالسَّابِعُ: وَهُمَا أَنَّ عَمَلَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، فَقَدْ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ [٧ ٨ - ٩].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [٩٩ ٧ - ٨].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [٢١ ٤٧].
471
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [١٧ ١٣ - ١٤]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهُوَ يَرَى أَيْ يَعْلَمُ ذَلِكَ الْغَيْبَ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ لَا يَخْلُو مِنْ إِعْطَاءِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ تَحَمُّلِ الذُّنُوبِ عَمَّنْ أَعْطَى لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَيَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ تَحَمُّلَ ذُنُوبِهِ بِفِعْلِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، مِنْ أَنَّهُ «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» أَيْ لَا تَتَحَمَّلُ نَفْسٌ ذَنْبَ نَفْسٍ أُخْرَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفْسِيرَهُ مُوَضَّحًا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا سَعْيَ نَفْسِهِ، وَقَدِ اتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِنْسَانٌ ذُنُوبَ غَيْرِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ: أَفَرَأَيْتَ بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ. وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ جُمْلَةُ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى.
ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ أَيِ النَّوْعَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ، وَهِيَ نُطْفَةُ الْمَنِيِّ إِذَا تُمْنَى أَيْ تُصَبُّ وَتُرَاقُ فِي الرَّحِمِ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.
وَيَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [٥٦ ٥٨ - ٥٩]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى [٧٥ ٣٧].
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمْنَى الرَّجُلُ وَمَنِيَ؛ إِذَا أَرَاقَ الْمَنِيَّ وَصَبَّهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى أَيْ تُقَدَّرَ بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ أَنْ يَنْشَأَ مِنْهَا حَمْلٌ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَنِيَ الْمَانِي إِذَا قَدَّرَ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ الْهُذَلِيِّ، وَقِيلَ سُوِيدِ بْنِ عَامِرٍ الْمُصْطَلَقِيِّ:
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحِيرَةٍ سَرِيعٍ بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى النُّطْفَةِ مُسْتَوْفًى مِنْ جِهَاتٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ الْآيَةَ [١٦ ٤]. وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ [٢٢ ٥]، وَفِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ النَّوْعَيْنِ، أَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنَ النُّطْفَةِ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ: هُمَا قُدْرَةُ اللَّهِ عَلَى الْبَعْثِ، وَأَنَّهُ مَا خَلَقَ الْإِنْسَانَ إِلَّا لِيُكَلِّفَهُ وَيُجَازِيَهُ، وَقَدْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [٥٧ ٣٦ - ٤٠]، فَذَكَرَ دَلَالَةَ ذَلِكَ عَلَى الْبَعْثِ فِي قَوْلِهِ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَا خَلَقَهُ لِيُهْمِلَهُ مِنَ التَّكْلِيفِ وَالْجَزَاءِ، مُنْكِرًا عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَيْ مُهْمَلًا مِنَ التَّكْلِيفِ وَالْجَزَاءِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا [٢٥ ٥٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ، وَأَحَلْنَا عَلَيْهَا مِرَارًا كَثِيرَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِمَا أَهْلَكَ بِهِ عَادًا. وَالْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِمَا أَهْلَكَ بِهِ ثَمُودَ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ فِي شَأْنِ عَادٍ: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا الْآيَةَ [٤١ ١٦]. وَقَوْلِهِ فِي شَأْنِ ثَمُودَ: فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ الْآيَةَ [٤١ ١٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى.
قَوْلُهُ: وَقَوْمَ نُوحٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى [٥٣ ٥٠]، أَيْ وَأَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا كَيْفِيَّةَ إِهْلَاكِهِمْ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ
كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ الْآيَةَ [٢٥ ٣٧].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [٢٩ ١٤].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [٢١ ٧٧].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [٧١ ٢٥].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [١١ ٣٧]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِ قَوْمِ نُوحٍ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، أَيْ أَشَدَّ ظُلْمًا وَطُغْيَانًا مِنْ غَيْرِهِمْ، قَدْ بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [٧١ ٥ - ٧].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا إِلَى قَوْلِهِ: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [٧١ ٢١ - ٢٤].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [٧١ ٢٧].
وَقَوْلِهِ: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [١١ ٣٨].
وَمِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [٢٩ ١٤]، لِأَنَّ قَوْمًا لَمْ يَتَأَثَّرُوا بِدَعْوَةِ نَبِيٍّ كَرِيمٍ نَاصِحٍ فِي هَذَا الزَّمَنِ الطَّوِيلِ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَظْلَمُ النَّاسِ وَأَطْغَاهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى.
الْمُؤْتَفِكَةُ مُفْتَعِلَةٌ مِنَ الْإِفْكِ، وَهُوَ الْقَلْبُ وَالصَّرْفُ، وَالْمُرَادُ بِهَا قُرَى قَوْمِ لُوطٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: وَالْمُؤْتَفِكَاتِ [٩ ٧٠]، بِالْجَمْعِ. فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ وَإِرَادَةِ الْجَمْعِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ مِرَارًا، وَأَكْثَرْنَا مِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ
وَأَحَلْنَا عَلَيْهِ مِرَارًا، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا: مُؤْتَفِكَةٌ، لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَفَكَهَا فَائْتُفِكَتْ، وَمَعْنَى أَفَكَهَا أَنَّهُ رَفَعَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ قَلَبَهَا جَاعِلًا أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا، وَجَعْلُ عَالِيهَا أَسْفَلَهَا هُوَ ائْتِفَاكُهَا وَإِفْكُهَا.
وَقَدْ أَوْضَحَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ هُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً الْآيَةَ [١١ ٨٢].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [١٥ ٧٣ - ٧٤].
وَقَدْ بَيَّنَّا قِصَّةَ قَوْمِ لُوطٍ فِي هُودٍ وَالْحِجْرِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَهْوَى تَقُولُ الْعَرَبُ: هَوَى الشَّيْءُ إِذَا انْحَدَرَ مِنْ عَالٍ إِلَى أَسْفَلَ. وَأَهْوَاهُ غَيْرُهُ إِذَا أَلْقَاهُ مِنَ الْعُلُوِّ إِلَى السُّفْلِ، لِأَنَّ الْمَلَكَ رَفَعَ قُرَاهُمْ ثُمَّ أَهْوَاهَا أَيْ أَلْقَاهَا تَهْوِي إِلَى الْأَرْضِ مُنْقَلِبَةً أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [١٦ ١]، وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ [٤٠ ١٨].
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا إِطْلَاقُ اسْمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الطُّورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ الْآيَةَ [٥٢ ٣٤].
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
لَا تَأْمَنِ الْمَوْتَ فِي حِلٍّ وَفِي حَرَمٍ إِنَّ الْمَنَايَا تُوَافِي كُلَّ إِنْسَانِ
وَاسْلُكْ سَبِيلَكَ فِيهَا غَيْرَ مُحْتَشِمٍ حَتَّى تُلَاقِيَ مَا يُمَنِّي لَكَ الْمَانِي