٢ وقيل غير ذلك فراجعه في الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٨١..
٣ راجع أحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٢٣..
٤ أوصلها ابن الفرس إلى خمس آيات..
ﰡ
يحتج بها من لم يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في الحوادث ١.
احتج بها بعض المبطلين للقياس بهذه الآية، ولا حجة لهم لأنها إنما هي في الظن الذي يكون عن غير علم. وأما الظن الذي يكون١ عن علم فلم يعبه الله تعالى، ألا تراه قال ٢ قبل ذلك :﴿ وما لهم به من علم ﴾.
٢ "قال" كلمة ساقطة في (ح)..
في هذه الآية موادعة وهي منسوخة بآية السيف.
يحتمل أن يراد به الصغائر المغفورة عند اجتناب الكبائر، وعلى هذا يأتي ما روي عن أبي هريرة أنه قال : هو النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة. وقيل : هو أن يصيب الذنب ثم يتوب منه، وعلى هذا يأتي قول عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ما دون الشرك. وروي عن أبي هريرة أنه قال : اللمم : الجماع والشرب والسرقة ثم يتوب فاعل ذلك فلا يعود. ورجح هذا القول إسماعيل القاضي. وقيل : اللمم : مقاربة الشيء من غير دخول فيه. وقيل : اللمم ما كان يفعل في الجاهلية مثل قوله تعالى :﴿ وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ﴾ [ النساء : ٢٣ ] وقال بعضهم المعنى : يجتنبون كبائر الإثم والفواحش واللمم. قال إسماعيل : وهو قول فاسد لقوله تعالى :﴿ إن ربك واسع المغفرة ﴾ [ النجم : ٣٢ ]، وإذا اجتنبوا اللمم فأي شيء يغفر. وهذا القول أيضا يضعف من غير الوجه المذكور وهو أن معنى الاستثناء يبطل به١.
اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة ؟ فذهب ابن عباس إلى أنها موجبة أن لا ينتفع الإنسان إلا بعمله خاصة، وأنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ﴾ [ الطور : ٢١ ] فأخبر أنه أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء. وهذا قول ضعيف لأن الآية خبر، وأيضا بأنها من شريعة غيرنا. وقيل هي محكمة ١. واختلف الذاهبون إلى ذلك في تأويلها، منهم من رآها في شريعة غيرنا فلم يلزمها في شريعتنا. روي عن عكرمة أنه قال : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها. ومنهم من قال الإنسان المذكور في الآية هو الكافر وأما المؤمن فله سعيه وما سعى له غيره، وهو قول الربيع بن أنس. وقيل الآية محكمة في شريعتنا وفي المؤمنين وليس للإنسان حقيقة إلا سعيه. وأما ما ثم من رحمة لسعي غيره من شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن أو عمل صالح قد عمله له غيره ونحو ذلك فليس هو للإنسان إلا على تجوز. فالآية إنما جاءت على إثبات الحقيقة. وهذا أصح ما يقال في الآية محكمة وعلى ظاهرها ولا ينفع أحدا عمل أحد ولا ينتفع الإنسان إلا بعمله، فلهذا الاختلاف الذي قدمناه اختلف في العمل بالبدن أو المال عن الإنسان بعد موته. فلم يره من حمل الآية على ظاهرها. قال المهدوي : وهو قول مالك. وكره مكي ولم ينسبه، ورآه من لم يحملها على ظاهرها وتأولها أو رآها منسوخة، ومن حجته أيضا حديث سعد بن عبادة في النذر الذي كان على أمه، وما جاء عن عائشة من أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه، وحديث المرأة من خثعم ٢ وحديث الصيام في قوله عليه الصلاة والسلام : " من مات صام عنه وليه " ٣ ونحو ذلك من الأحاديث الجائية. وقد ذكر البخاري عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا لامرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقيا : تصلي عليها. وقد جاء عنهما غير ذلك٤. وأما النذر الذي كان على أم سعد فقيل كان صوما وقيل عتقا وقيل صدقة وقيل نذرا مطلقا. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ٥. وفرق بعضهم دين العمل بالبدن كالصيام والحج، والعمل بالمال كالصدقة والعتق. فلم يجيزوا العمل بالبدن وأجازوه في المال وأجمعوا على أنه لا يؤمن أحد على أحد ولا يصلي أحد على أحد، فليس للإنسان من ذلك إلا سعيه. كذا ذكروا أنهم أجمعوا في الصلاة، وقد جاء فيه ما ذكرناه عن ابن عباس وغيره. وكذلك ذكره الباجي وغيره أنهم أجمعوا على أن صدقة الحي عن الميت جائزة ٦ وذكر أهل التفسير فيها الخلاف المتقدم عن مالك وغيره حسبما قدمته. واختلف في الوصية بالحج الفرض فأجازها مالك ولم يجزه غيره لظاهر الآية، وهذا قول ابن كنانة ٧ من أصحاب مالك. ومالك يرى أنه إذا أوصى بذلك فهو من سعيه. وذكر بعضهم أنه إنما نفذت وصيته بذلك لما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومراعاة الاختلاف فيه. واختلف من ذهب إلى تنفيذ الوصية بالحج فيمن عليه نذر مشي فأوصى به. فالمشهور في المذهب أنها لا تنفذ وصيته ويهدى عنه في المشي هديان. وقيل يهدى عنه من الهدايا بقدر الكراء والنفقة. وسحنون يرى أن تنفيذ وصيته بالمشي النذر كما تنفذ بالحج. وقد استحب مالك بمن وعد أباه أن يمشي عنه أن يفي بما وعده من ذلك. وأما الوصية بالصيام فلا، قال : وفي المذهب أنه لا تنفيل، لكنه يطعم عنه عن كل يوم مدا لكل مسكين. وإن قرأ رجل ووهب ثواب قراءته لميت جاز ذلك ووصل للميت أجره ونفعه. وكذلك اختلف في الرجل يستأجر من يحج عنه تطوعا على قولين. وللشافعي في أحد قوليه أنه لا يجوز، وقاله ابن المنذر واحتج بقوله تعالى :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( ٣٩ ) ﴾. والمسائل في هذا النوع تكثر ٨.
٢ روى مالك عن ابن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع. راجع الموطأ، كتاب الحج، باب: الحج عمن يحج عنه ١/ ٢٤٣..
٣ الحديث أخرجه البخاري عن عائشة، كتاب الصوم، باب: من مات وعليه صوم ٢/ ٢٤٠..
٤ راجع صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب: من مات وعليه نذر ٧/ ٢٣٣..
٥ الحديث: راجع الموطأ، كتاب الأقضية، باب: صدقة الحي عن الميت ٢/ ١٢٤. والمنتقى للباجي، كتاب الأقضية، باب: صدقة الحي عن الميت ٦/ ١٤٤..
٦ راجع المنتقى للباجي، كتاب الأقضية، باب: صدقة الحي على الميت ٦/ ١٤٤..
٧ ابن كنانة: هو عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي. روى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة. انظر تهذيب التهذيب ٨/ ٤٤٩..
٨ راجع تفاصيل ذلك في الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ١١٤، ١١٥..