ﰡ
مكية وهي اثنتان وستون آية
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١ الى ٩]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ وَالْعَوْفِيِّ: يَعْنِي الثُّرَيَّا إِذَا سَقَطَتْ وَغَابَتْ، وَهُوِيُّهُ مَغِيبُهُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الثُّرَيَّا نَجْمًا.
«٢٠٤٣» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «مَا طَلَعَ النَّجْمُ قَطُّ وَفِي الْأَرْضِ مِنَ الْعَاهَةِ شَيْءٌ إِلَّا رُفِعَ» وَأَرَادَ بِالنَّجْمِ الثُّرَيَّا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ نُجُومُ السَّمَاءِ كُلُّهَا حِينَ تَغْرُبُ، لَفْظُهُ وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، سُمِّيَ الْكَوْكَبُ نَجْمًا لِطُلُوعِهِ، وَكُلُّ طَالِعٍ نَجْمٌ، يُقَالُ: نَجَمَ السِّنُّ، وَالْقَرْنُ وَالنَّبْتُ إِذَا طلع [١].
وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ الرُّجُومُ مِنَ النُّجُومِ، يعني ما ترمى بها الشَّيَاطِينُ عِنْدَ اسْتِرَاقِهِمُ السَّمْعَ. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَّالِيُّ: هِيَ النُّجُومُ إِذَا انْتَثَرَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ [٢] : المراد بالنجم
- وإسناده ضعيف كضعف عسل بن سفيان.
- وقال العقيلي: عسل بن سفيان في حديثه وهم، قال البخاري: فيه نظر.
- وتابعه أبو حنيفة.
- فقد أخرجه الطبراني في «الصغير» ١٠٤ و «الأوسط» ١٣٢٧ والطحاوي في «المشكل» ٢٢٨٢ وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» ١/ ١٢١ من طريق داود الطائي عن أبي حنيفة النعمان قال: حدثنا عطاء عن أبي هريرة به.
- وصحح إسناده الأرناؤط في «مشكل الآثار» ٢٢٨٢ وضعفه الألباني في «الضعيفة» ٣٩٧.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد، أخرجه ابن عدي ٥/ ٢٥٧ وإسناده ضعيف جدا، عطية العوفي ضعيف وأبو طيبة واه.
- وله شاهد موقوف.
- أخرجه الشافعي ١/ ١٤٩ وأحمد ٢/ ٤٢ و٥٠ والطحاوي في «المشكل» ٢٢٨٣ و٢٢٨٤ والطبراني ١٣٢٨٧ والبيهقي ٥/ ٣٠٠ والبغوي في «شرح السنة» ٢٠٧٢ من طرق عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عثمان بن عبد الله بن سراقة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة». قال فسألت ابن عمر: متى ذلك؟ قال: طلوع الثريا.
وإسناده صحيح.
- ولعل الراجح وقفه على أبي هريرة كحديث ابن عمر. والله تعالى أعلم فإن في ألفاظ حديث أبي هريرة اضطرابا.
(١) في المخطوط «طلعت».
(٢) في المخطوط «يقال».
وَجَوَابُ الْقَسَمِ. قَوْلُهُ: مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣)، يعني بِالْهَوَى يُرِيدُ لَا يَتَكَلَّمُ بِالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
إِنْ هُوَ، مَا نُطْقُهُ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، يعني وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ يُوحَى إِلَيْهِ.
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥)، وهو جِبْرِيلُ، وَالْقُوَى جَمْعُ الْقُوَّةِ.
ذُو مِرَّةٍ، قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ فِي خَلْقِهِ، يَعْنِي جِبْرِيلَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُو مِرَّةٍ يَعْنِي ذُو مَنْظَرٍ حسن.
وقال قتادة: ذُو خَلْقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ. فَاسْتَوى، يَعْنِي جِبْرِيلَ.
وَهُوَ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا أَرَادُوا الْعَطْفَ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُظْهِرُوا كِنَايَةَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: اسْتَوَى هُوَ وَفُلَانٌ، وَقَلَّمَا يَقُولُونَ: اسْتَوَى وفلان، ونظير هذا قوله: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا [النَّمْلِ: ٦٧]، عَطَفَ الْآبَاءَ عَلَى الْمُكَنَّى فِي كُنَّا مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ نَحْنُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: اسْتَوَى جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، بِالْأُفُقِ الْأَعْلى، وَهُوَ أَقْصَى الدُّنْيَا عِنْدَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: فَاسْتَوَى يَعْنِي جِبْرِيلَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جِبْرِيلَ أَيْضًا، أَيْ قَامَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى.
وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَأْتِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا كان يأتي النبيين، فسأل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ عَلَى صورته الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا فَأَرَاهُ نَفْسَهُ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً فِي الْأَرْضِ وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ، فَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَفِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَالْمُرَادُ بِالْأَعْلَى جَانِبُ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ أَنْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِحِرَاءٍ فَطَلَعَ لَهُ جِبْرِيلُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَسَدَّ الْأُفُقَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَخَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ فَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨)، وَأَمَّا فِي السَّمَاءِ فَعِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [٢]، وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ إِلَّا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ.
«٢٠٤٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
- أبو أسامة هو حماد بن أسامة، ابن الأشوع هو سعيد بن عمرو، الشعبي هو عامر بن شراحيل، مسروق هو ابن الأجدع.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٢٣٥ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٧٧ ح ٢٩٠ والطبري ٣٢٤٥٠ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٢١ وأبو عوانة ١/ ١٥٥ من
(١) في المطبوع «إذ نزل».
(٢) انظر الحديث الآتي والذي بعده.
«٢٠٤٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل ثنا طلق بن غنّام ثنا زَائِدَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
فَمَعْنَى الْآيَةِ: ثُمَّ دَنَا جِبْرِيلُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ، فَتَدَلَّى فَنَزَلَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، بَلْ أَدْنَى وَبِهِ قَالَ ابن عباس والحسن وقتادة.
وقيل: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا، لِأَنَّ التَّدَلِّيَ [٣] سَبَبُ الدُّنُوِّ، وَقَالَ آخَرُونَ:
ثُمَّ دَنَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَلَّى، فَقَرُبَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.
«٢٠٤٦» وَرُوِّينَا فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ: وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حتى
- وأخرجه البخاري ٤٦١٢ و٤٨٥٥ و٧٣٨٠ و٧٥٣١ ومسلم ١٧٧ ح ١٨٩ وأحمد ٦/ ٤٩ وأبو عوانة ١/ ١٥٤ من طريق إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشعبي به.
- وأخرجه مسلم ١٧٧ ح ٢٨٧ و٢٨٨ والترمذي ٣٠٦٨ والنسائي في «التفسير» ٤٢٨ و٥٥٢ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٢٢١- ٢٢٤ وأبو يعلى ٤٩٠٠ وابن حبان ٦٠ والطبري ٣٢٤٧٥ وابن مندة في «الإيمان» ٧٦٣ و٧٦٦ وأبو عوانة ١/ ١٥٣ و١٥٤ من طرق عن داود بن أبي هند عن الشعبي به.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٧٨ من طريق مجالد عن الشعبي به.
- وأخرجه البخاري ٣٢٣٤ من طريق ابن عون عن القاسم عن عائشة به.
- وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» ص ٢٢٥ من طريق أبي معشر عن إبراهيم عن مسروق به.
- وأخرجه أبو عوانة ١/ ١٥٥ من طريق بيان عن قيس عن عائشة به.
٢٠٤٥- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- زائدة هو ابن قدامة، الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان، زرّ هو ابن حبيش.
- وهو في «شرح السنة» ٣٦٥١ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٨٥٧ عن طلق بن غنام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٨٥٦ ومسلم ١٧٤ ح ٢٨١ والترمذي ٣٢٧٧ والنسائي في «التفسير» ٥٥٤ و٥٦٠ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٢٠٢ و٢٠٣ وأبو عوانة ١/ ١٥٣ من طرق عن الشيباني به.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٨٣ وابن خزيمة ص ٢٠٤ والحاكم ٢/ ٤٦٨- ٤٦٩ وابن حبان ٥٩ وأحمد ١/ ٤٩٤ و٤١٨ من طرق عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود به وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [.....]
٢٠٤٦- تقدم في سورة الإسراء، وهذه لفظة منكرة تفرد بها شريك، وهو من أوهامه كما قال الحافظ ابن حجر، وتقدم الكلام على ذلك.
(١) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».
(٢) في المطبوع «ابن» والمثبت عن «صحيح البخاري» وكتب التراجم.
(٣) في المطبوع «التداني» والمثبت عن المخطوط.
وهذا رواية أبي سَلَمَةَ عَنِ [١] ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالتَّدَلِّي هُوَ النُّزُولُ إِلَى الشَّيْءِ، حَتَّى يَقْرَبَ مِنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: دَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ فَتَدَلَّى فَأَهْوَى لِلسُّجُودِ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قابَ قَوْسَيْنِ أي قدر قوسين، والقاب والقيب والقاد والقيد عبارة عن المقدار، والقوس: مَا يُرْمَى بِهِ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ بين جبريل وبين مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِقْدَارُ قَوْسَيْنِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ.
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَأْكِيدِ الْقُرْبِ [٢] وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَلِيفَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ كَانَا إِذَا أَرَادَا عَقْدَ الصَّفَاءِ وَالْعَهْدِ خَرَجَا بِقَوْسَيْهِمَا فَأَلْصَقَا بَيْنَهُمَا، يُرِيدَانِ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَظَاهِرَانِ يُحَامِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَابَ قَوْسَيْنِ أَيْ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَشَقِيقِ بن سلمة، والقوس: الذِّرَاعُ يُقَاسُ بِهَا كُلُّ شَيْءٍ، أو أدنى بل أقرب.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٠ الى ١١]
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (١١)
فَأَوْحى
، أَيْ أَوْحَى اللَّهُ، إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
، مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ وَابْنِ زَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَوْحَى إِلَيْهِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) [الانشراح: ٤]، وَقِيلَ: أَوْحَى إِلَيْهِ إِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أَنْتَ، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ.
مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (١١)، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مَا كذب بِتَشْدِيدِ الذَّالِ أَيْ مَا كَذَّبَ قَلَبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى بِعَيْنِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، بَلْ صَدَّقَهُ وَحَقَّقَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَأَى، بَلْ صَدَقَهُ، يُقَالُ: كَذَبَهُ إِذَا قَالَ لَهُ الكذب، وصدقه إذا قال له الصدق، مَجَازُهُ: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ فِيمَا رَأَى، وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي رَآهُ، فَقَالَ قَوْمٌ: رَأَى جِبْرِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ.
«٢٠٤٧» أَخْبَرَنَا إسماعيل بن عبد القاهر بن محمد أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة ثنا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (١١) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ وله سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ بَصَرَهُ فِي فُؤَادِهِ فَرَآهُ [٣] بِفُؤَادِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
- أبو بكر هو محمد بن عبد الله، الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان، زر هو ابن حبيش.
- وهو في «صحيح مسلم» ١٧٤ ح ٢٨١ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة بهذا الإسناد.
وانظر الحديث المتقدم.
(١) زيد في المطبوع «عن أبي سلمة».
(٢) في المطبوع «العصد» والمثبت عن ط والمخطوط.
(٣) في المطبوع «فرأى» والمثبت عن ط والمخطوط.
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ [١]، قَالُوا: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ.
«٢٠٤٩» وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخُلَّةِ وَاصْطَفَى مُوسَى بِالْكَلَامِ وَاصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّؤْيَةِ.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ.
وَتَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى رُؤْيَتِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
«٢٠٥٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا يحيى ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ يَا أُمَّاهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تكلمت بشيء قف له شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ ذكب؟ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣) [الْأَنْعَامِ: ١٠٣]، وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشُّورَى:
٥١]، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً [لقمان:
- أبو سعيد هو عبد الله بن سعيد وكيع هو ابن الجراح، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو العالية هو رفيع بن مهران.
- وهو في «صحيح مسلم» ١٧٦ ح ٢٨٥ عن ابن أبي شيبة وأبي سعيد الأشج بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٧٦ ح ٢٨٦ والنسائي في «التفسير» ٥٥٥ والطبري ٣٢٤٦٦ من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٨٠ وابن خزيمة ص ٢٠٠ والطبري ٣٢٤٨٩ وابن حبان ٥٧ والطبراني ١٠٧٢٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٣٣ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عن أبي سلمة عن ابن عباس.
(١) قال الحافظ ابن كثير ٤/ ٢٩٥: رواية إطلاق الرؤية عن ابن عباس محمولة على المقيدة بالفؤاد، ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم، وقول البغوي في «تفسيره» وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وعكرمة، فيه نظر، والله أعلم.
٢٠٤٩- أخرجه النسائي في «التفسير» ٥٥٩ والطبري ٣٢٤٦٥ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٤٢ والحاكم ١/ ٦٥ و٢/ ٤٦٩ وابن مندة في «الإيمان» ٧٦٢ من طريق قتادة عن عكرمة به.
- وهو معلول فيه عنعنة قتادة.
- وأخرجه ابن أبي عاصم ٤٣٦ وابن خزيمة ص ١٩٩ من طريق عاصم الأحول عن عكرمة به، ورجاله ثقات لكنه معلول، فقد أخرجه ابن خزيمة ص ١٩٩ من طريقين عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابن عباس قال: رأى محمد ربه، وهذه الرواية ليس فيها مخالفة لحديث أبي ذر وعائشة، وهي الراجحة. وانظر المتقدم ٢٠٤٨.
٢٠٥٠- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- يحيى بن موسى، وكيع بن الجراح، عامر بن شراحيل- الشعبي، مسروق بن الأجدع.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٨٥٥ عن يحيى بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٦١٢ و٧٣٨٠ و٥٧٣١ ومسلم ١٧٧ ح ٢٨٩ وأحمد ٦/ ٤٩ و٥٠ وابن مندة في «الإيمان» ٧٦٧ و٧٦٨ وأبو عوانة ١/ ١٥٤ من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي به.
٦٧] الْآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ.
«٢٠٥١» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شيبة ثنا وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ».
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٢ الى ١٤]
أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤)
أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (١٢)، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: أَفَتَمْرُونَهُ بِفَتْحِ التَّاءِ [وَسُكُونِ الْمِيمِ] بِلَا أَلْفٍ، أَيْ أَفَتَجْحَدُونَهُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَرَيْتُ الرَّجُلَ حَقَّهُ إِذَا جَحَدْتُهُ.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: أَفَتُمارُونَهُ بِالْأَلْفِ وَضَمِّ التَّاءِ، عَلَى مَعْنَى أَفَتُجَادِلُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَادَلُوهُ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ، فَقَالُوا: صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا فِي الطَّرِيقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَادَلُوهُ بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَفَتُجَادِلُونَهُ جِدَالًا تَرُومُونَ بِهِ دَفْعَهُ عَمَّا رَآهُ وَعَلِمَهُ.
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣)، يَعْنِي رَأَى جِبْرِيلَ فِي صورته التي خلق عليه نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ نَزْلَةً أُخْرَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُ فِي صُورَتِهِ [١] مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً فِي الْأَرْضِ وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ.
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤)، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَى: نَزْلَةً أُخْرى هُوَ أَنَّهُ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَجَاتٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِمَسْأَلَةِ [٢] التَّخْفِيفِ مِنْ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ عَرْجَةٍ نَزْلَةٌ، فَرَأَى رَبَّهُ فِي بَعْضِهَا.
«٢٠٥٢» وَرُوِّينَا عَنْهُ: «أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ».
«٢٠٥٣» وَعَنْهُ: «أنه رآه بعينه»، وقوله: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤).
«٢٠٥٤» وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي
- أبو بكر هو عبد الله بن محمد، وكيع بن الجراح، قتادة بن دعامة.
- وهو في «صحيح مسلم» ١٧٨ عن ابن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٨٢ والطيالسي ٤٧٤ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٢٠٥ و٢٠٧ وابن مندة في «الإيمان» ٧٧٠ و٧٧١ من طرق عن يزيد بن إبراهيم به.
- وأخرجه مسلم ١٧٨ ح ٥٩٢ وابن خزيمة ص ٢٠٦ وابن مندة ٧٧٢ و٧٧٣ و٧٧٤ وابن حبان ٥٨ وأبو عوانة ١/ ١٤٧ من طرق عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أبيه عن قتادة به.
- وأخرجه مسلم ١٧٨ ح ٢٩٢ وأبو عوانة ١/ ١٤٧ من طريق عفان عن همام عن قتادة به.
٢٠٥٢- تقدم قبل حديثين. [.....]
٢٠٥٣- منكر. عزاه السيوطي في «الدر» ٦/ ١٥٩ لابن مردويه عن ابن عباس، ولم أقف على إسناده، وابن مردويه يروي الموضوعات، والذي صح عن ابن عباس، هو ما رواه مسلم وغيره، وتقدم ٢٠٤٨.
٢٠٥٤- تقدم في سورة البقرة عند آية: ٢٨٦. وأخرجه الطبري ٣٢٤٩٢ من طريق طلحة اليامي عن مره عن ابن مسعود به.
(١) في المطبوع «صورتين» والمثبت عن ط والمخطوط.
(٢) في المطبوع «لمسئلته» والمثبت عن ط والمخطوط.
«٢٠٥٥» وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: «ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ رفعت إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ».
وَالسِّدْرَةُ شَجْرَةُ النَّبْقِ، وَقِيلَ لَهَا: سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى لأنه إليها ينتهي علم الخلائق [٣].
قَالَ هِلَالُ بْنُ يَسَافَ]
: سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا عَنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا سِدْرَةٌ فِي أَصْلِ الْعَرْشِ على رؤوس حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الْخَلَائِقِ، وَمَا خَلْفَهَا غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.
«٢٠٥٦» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة ثنا المسوحي ثنا عبيد [٥] بن يعيش ثنا يونس بن بكير أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، قَالَ: «يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّ الفنن منها مائة عام يستظل في الغصن مِنْهَا مِائَةُ أَلْفِ رَاكِبٍ، فِيهَا فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَالُ».
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ شَجَرَةٌ تَحْمِلُ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ وَالثِّمَارَ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْوَانِ، لَوْ أَنَّ وَرَقَةً منها وضعت فِي الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَهِيَ طُوبَى الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تعالى في سورة الرعد.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٥ الى ١٦]
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥)، قَالَ عَطَاءٌ عن ابن عباس: جنة المأوى جَنَّةٌ يَأْوِي إِلَيْهَا جِبْرِيلُ وَالْمَلَائِكَةُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: يَأْوِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ.
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى (١٦)، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فراش من ذهب.
٢٠٥٦- حسن. رجاله ثقات، وابن إسحق صرح بالتحديث عند هناد في «الزهد» وأصل الحديث عند مسلم. وله شاهد مرسل، فهو حسن إن شاء الله.
- وأخرجه الترمذي ٢٥٤١ والطبراني في «الكبير» ٢٤/ ٨٧- ٨٨ والحاكم ٢/ ٤٦٩ والطبري ٣٢٥٠٧ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٤٣٥ من طرق عن يونس بن بكير بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي! مع أن في إسناده يحيى بن عباد لم يرو لم يسلم، وهو ثقة بكل حال.
- وابن إسحاق مدلس وقد عنعن، لكن صرّح بالتحديث عند هناد في «الزهد» ١١٥.
- ولأصله شاهد عند مسلم ١٦٢، وتقدم.
- وله شاهد من مرسل قتادة، أخرجه الطبري ٣٢٥٠٩، ولبعضه شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه الطبري ٣٢٥٠٣ وسنده ضعيف.
- الخلاصة: هو حديث حسن إن شاء الله، ولم يصب من جزم بضعفه.
(١) في المطبوع «السابعة إليها» والتصويب «تفسير الطبري» ٣٢٤٩٢ والمخطوط و «ط».
(٢) في المطبوع «إلى» والمثبت عن المخطوط و «تفسير الطبري».
(٣) في المخطوط «الخلائق».
(٤) في المخطوط «يسار» والمثبت عن المخطوط و «ط».
(٥) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: تَغْشَاهَا الْمَلَائِكَةُ أَمْثَالَ الْغِرْبَانِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنَ الطُّيُورِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: غَشِيَهَا نُورُ الْخَلَائِقِ وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِنْ حُبِّ اللَّهِ أَمْثَالَ الغربان، حتى يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَةِ، قَالَ فَكَلَّمَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ. وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: غَشِيَهَا نُورُ رَبِّ الْعِزَّةِ فَاسْتَنَارَتْ.
«٢٠٥٨» وَيُرْوَى فِي الْحَدِيثِ: «رَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّحُ اللَّهَ تعالى».
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٧ الى ١٩]
مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩)
مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)، أَيْ مَا مَالَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَمَا طَغَى، أَيْ مَا جَاوَزَ مَا رَأَى. وَقِيلَ: مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا وَصْفُ أَدَبِهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ إِذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جَانِبًا.
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) يَعْنِي الْآيَاتِ الْعِظَامِ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَا رَأَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي مَسِيرِهِ وَعَوْدِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا [الْإِسْرَاءِ: ١]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْآيَةَ الْكُبْرَى.
«٢٠٥٩» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مسلم بن الحجاج ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ [٢] بْنُ مُعَاذٍ العنبري ثَنَا أَبِي ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ سَمِعَ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
«٢٠٦٠» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا
٢٠٥٨- ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٣٢٥١٩ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ قال: قيل له: يا رسول الله أي شيء يغشى تلك الشجرة... فذكره.
- وهذا واه بمرة، ابن زيد متروك، وحديثه معضل.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤/ ٤٢١: عبد الرحمن ضعيف، وهذا معضل.
٢٠٥٩- إسناده صحيح على شرط البخاري، ومسلم.
- معاذ هو ابن معاذ، شعبة هو ابن الحجاج، سليمان بن أبي سليمان.
- وهو في «صحيح مسلم» ١٧٤ ح ٢٨٢ عن عبيد الله بن معاذ بهذا الإسناد.
وانظر الحديث المتقدم برقم: ٢٠٤٥. [.....]
٢٠٦٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- شعبة هو ابن الحجاج، الأعمش هو سليمان بن مهران، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، علقمة هو ابن الأسود.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٢٣٣ عن حفص بن عمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» ٩١٩ عن أبي عمر حفص بن عمر بهذا الإسناد.
(١) في المطبوع «عرج» والمثبت عن ط والمخطوط.
(٢) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن المخطوط و «صحيح مسلم».
قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)، هَذِهِ أَسْمَاءُ أَصْنَامٍ اتَّخَذُوهَا آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا، اشْتَقُّوا لَهَا أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالُوا: مِنَ اللَّهِ اللَّاتُ، وَمِنَ الْعَزِيزِ الْعُزَّى. وَقِيلَ: الْعُزَّى تَأْنِيثُ الْأَعَزِّ، أَمَّا اللَّاتُ قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ بِالطَّائِفِ، وَقَالَ ابْنُ زيد: بيت نخلة كَانَتْ قُرَيْشٌ تَعْبُدُهُ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ: اللَّاتَّ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَقَالُوا: كَانَ رَجُلًا يَلُتُّ السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ، فَلَمَّا مَاتَ عكفوا عن قَبْرِهِ يَعْبُدُونَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ لَهُ غُنَيْمَةٌ يَسْلَأُ مِنْهَا السَّمْنَ وَيَأْخُذُ مِنْهَا الْأَقِطَ، وَيَجْمَعُ رِسْلَهَا ثُمَّ يَتَّخِذُ مِنْهَا حَيْسًا فَيُطْعِمُ مِنْهُ الْحَاجَّ، وَكَانَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَلَمَّا مَاتَ عَبَدُوهُ، وَهُوَ اللَّاتُّ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ بْنُ غَنْمٍ، وَكَانَ يَسْلَأُ السَّمْنَ فَيَضَعُهَا عَلَى صَخْرَةٍ ثُمَّ تَأْتِيهِ الْعَرَبُ فَتَلُتُّ بِهِ أَسْوِقَتَهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ حَوَّلَتْهَا ثقيف إلى منازلها فعبدتها، فعمدت [١] الطَّائِفِ عَلَى مَوْضِعِ اللَّاتِ. وَأَمَّا الْعُزَّى قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ شَجَرَةٌ بِغَطَفَانَ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا.
«٢٠٦١» فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَطَعَهَا فَجَعَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَضْرِبُهَا بِالْفَأْسِ وَيَقُولُ:
يَا عِزُّ كُفْرَانَكَ لَا سُبْحَانَكْ... إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكْ
فَخَرَجَتْ مِنْهَا شَيْطَانَةٌ نَاشِرَةً شعرها داعية بويلها وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا. وَيُقَالُ: إِنْ خَالِدًا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ قَلَعْتُهَا، فَقَالَ: مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما قلعت، فعاودها [٢] وَمَعَهُ الْمِعْوَلُ فَقَلَعَهَا وَاجْتَثَّ أَصْلَهَا فَخَرَجَتْ مِنْهَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ، فَقَتَلَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم
- وأخرجه الترمذي ٣٢٨٣ والنسائي في «التفسير» ٥٥٣ والبيهقي ٩٢٠ من طريق أبي إسحاق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عن ابن مسعود به.
٢٠٦١- أصل الحديث محفوظ، لكن كون المرأة هي العزى منكر جدا.
- ذكره ابن سعد في «الطبقات» ٢/ ١١٠- ١١١ بدون إسناد.
- وأخرجه ابن مردويه كما في «تخريج الكشاف» ٤/ ٤٢٣ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صالح، وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بعث خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى ليهدمها... » وهذا إسناد ساقط، محمد بن السائب كذاب، وأبو صالح واه.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٥٤٧ و «التفسير» ٥٦٧ وأبو يعلى ٩٠٢ والبيهقي في «الدلائل» ٥/ ٧٧ من طريقين عن محد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل به مع اختلاف يسير فيه، وهو معلول، الوليد بن جميع، وإن روى له مسلم، ووثقه غير واحد، فقد قال الحاكم: لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى، وقال ابن حبان: فحش تفرده، فبطل الاحتجاج به.
- وقال العقيلي: في حديثه اضطراب.
- فالرجل غير حجة، وكون المرأة هي العزى منكر جدا، وأما أصل الحديث فهو محفوظ.
(١) كذا في المطبوع وفي المخطوط «فمدرت» وفي ط «فسدرة» ولعل الصواب «فعبدت».
(٢) في المطبوع «فعاودوها» والمثبت عن المخطوط.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ صَنَمٌ لِغَطَفَانَ وَضَعَهَا لَهُمْ سَعْدُ بْنُ ظَالِمٍ الْغَطَفَانِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَرَأَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَرَأَى أَهْلَ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا، فَعَادَ إِلَى بَطْنِ نَخْلَةَ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّ لِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ وَلَيْسَتَا لَكُمْ وَلَهُمْ إِلَهٌ يَعْبُدُونَهُ وَلَيْسَ لَكُمْ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَنَا أَصْنَعُ لَكُمْ كَذَلِكَ، فَأَخَذَ حَجَرًا مِنْ الصَّفَا وَحَجَرًا مِنْ الْمَرْوَةِ وَنَقْلَهُمَا إِلَى نَخْلَةَ، فَوَضْعَ الَّذِي أَخَذَ مِنَ الصَّفَا، فَقَالَ: هَذَا الصَّفَا، ثُمَّ وَضَعَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنَ الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ الْمَرْوَةُ، ثُمَّ أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ فَأَسْنَدَهَا إِلَى شَجَرَةٍ، فَقَالَ: هَذَا رَبُّكُمْ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ وَيَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ، حَتَّى افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَأَمَرَ بِرَفْعِ الْحِجَارَةِ، وَبَعْثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى فَقَطَعَهَا [١]. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ بَيْتٌ بِالطَّائِفِ كانت تعبده ثقيف.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)
وَمَناةَ، قرأ ابن كثير بالمدة وَالْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالْقَصْرِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ سَمَّتْ زَيْدَ مَنَاةَ وَعَبْدَ مَنَاةَ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِيهَا الْمَدُّ. قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ لِخُزَاعَةَ كَانَتْ بِقُدَيْدٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ حَذْوَ قُدَيْدٍ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بَيْتٌ كَانَ بِالْمُشَلَّلِ يَعْبُدُهُ بْنُو كَعْبٍ. قال الضحاك: ماة صَنَمٌ لِهُذَيْلٍ وَخُزَاعَةَ يَعْبُدُهَا أَهْلُ مَكَّةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَنَاةُ أَصْنَامٌ مِنْ حِجَارَةٍ كَانَتْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَعْبُدُونَهَا.
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي الْوَقْفِ عَلَى اللَّاتِ وَمَنَاةَ، فَوَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِمَا بِالْهَاءِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ بِالتَّاءِ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ، وَمَا كَتَبَ بِالْهَاءِ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ. وَأُمًّا قَوْلُهُ:
الثَّالِثَةَ الْأُخْرى، فَالثَّالِثَةُ نَعْتٌ لِمَنَاةَ أَيِ الثَّالِثَةَ لِلصَّنَمَيْنِ فِي الذِّكْرِ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تقول للثالثة أخرى [٢]، إِنَّمَا الْأُخْرَى هَاهُنَا نَعْتٌ لِلثَّانِيَةِ. قال الخليل: فالياء لوفاق رؤوس الْآيِ، كَقَوْلِهِ:
مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] وَلَمْ يَقُلْ: أُخَرُ: وَقِيلَ: فِي الآية تقديم وتأخير، مجازها: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى الْأُخْرَى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَفَرَأَيْتُمْ أَخْبِرُونَا أَيُّهَا الزَّاعِمُونَ أَنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ومناة بنات الله تعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقال الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ يَقُولُونَ الْأَصْنَامُ وَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا بُشِّرَ بِالْأُنْثَى كره ذلك.
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ: أَيْ قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ حَيْثُ جَعَلْتُمْ لِرَبِّكُمْ مَا تَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِكُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: قِسْمَةٌ عَوْجَاءُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: غَيْرُ مُعْتَدِلَةٍ. قرأ ابن كثير: ضِيزى بِالْهَمْزِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ.
(٢) في المطبوع «الثالثة الأخرى» والمثبت عن المخطوط وط و «تفسير القرطبي».
إِنْ هِيَ، مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ، إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، حجة وبرهان بِمَا تَقُولُونَ إِنَّهَا آلِهَةً، ثُمَّ رجع إلى الخبر بعد المخطابة فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهَا آلِهَةً، وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَهُوَ مَا زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى، الْبَيَانُ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بآلهة، وأن الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ الواحد القهار.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٤ الى ٣٠]
أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠)
أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (٢٤)، أَيُظَنُّ الْكَافِرُ أَنَّ لَهُ مَا يَتَمَنَّى وَيَشْتَهِي مِنْ شَفَاعَةِ الْأَصْنَامِ.
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥)، لَيْسَ كَمَا ظَنَّ الْكَافِرُ وَتَمَنَّى، بَلْ لِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأَوْلَى لَا يَمْلِكَ أَحَدٌ فِيهِمَا شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ، ممن يَعْبُدُهُمْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ وَيَرْجُونَ شَفَاعَتَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ، فِي الشَّفَاعَةِ، لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى، أَيْ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَا تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَمَعَ الْكِنَايَةَ فِي قَوْلِهِ: شَفَاعَتُهُمْ وَالْمَلَكُ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ، الْكَثْرَةُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) [الْحَاقَّةِ: ٤٧].
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧)، أَيْ بِتَسْمِيَةِ الْأُنْثَى حِينَ قَالُوا إِنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ مَا يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ إناث، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً، وَالْحَقُّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ أَيْ لَا يَقُومُ الظَّنُّ مَقَامَ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: الْحَقُّ بِمَعْنَى الْعَذَابِ، أَيْ أن [٢] ظنهم لا ينقذهم من العذاب.
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ، يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَقِيلَ: الْإِيمَانُ، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا.
ثُمَّ صَغَّرَ رَأْيَهُمْ فَقَالَ: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ ذَلِكَ نِهَايَةُ عِلْمِهِمْ وَقَدْرُ عُقُولِهِمْ أَنْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: لَمْ يَبْلُغُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا ظَنَّهُمْ [٣] أن الملائكة بنات الله، وأنه تَشْفَعُ لَهُمْ فَاعْتَمَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى، أي هو عالم
٢ في المطبوع «أظنهم» والمثبت عن المخطوط.
٣ في المطبوع «أظنهم» والمثبت عن المخطوط.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْآيَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيَجْزِيَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى الْآيَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَعْلَمَ بِهِمْ جَازَى كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ، الَّذِينَ أساؤوا أي أشركوا بِمَا عَمِلُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى، وَحَّدُوا رَبَّهُمْ بِالْحُسْنَى بِالْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ عَلَى مُجَازَاةِ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْمُلْكِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.
ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ، وَاللَّمَمُ: مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِلَّا أَنْ يُلِمَّ بِالْفَاحِشَةِ مَرَّةً ثُمَّ يَتُوبُ، وَيَقَعُ الْوَقْعَةَ [١] ثُمَّ يَنْتَهِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ، وَرِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: اللَّمَمُ مَا دُونُ الشِّرْكَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ قَالَ [٢] أَبُو صَالِحٍ: سُئِلْتُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِلَّا اللَّمَمَ، فَقُلْتُ: هُوَ الرَّجُلُ يُلِمُّ بِالذَّنْبِ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهَا مَلَكٌ كَرِيمٌ.
«٢٠٦٢» وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا اللَّمَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا».
وَأَصْلُ اللَّمَمِ وَالْإِلْمَامِ مَا يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ الْحِينَ بَعْدَ الحين، ولا يكون له إعادة، ولا إقامة عليه.
وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَجَازُهُ لَكِنِ اللَّمَمَ، وَلَمْ يَجْعَلُوا اللَّمَمَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يُؤَاخِذُهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: إِنَّهُمْ كَانُوا بِالْأَمْسِ يَعْمَلُونَ مَعَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صِغَارُ الذُّنُوبِ كَالنَّظْرَةِ وَالْغَمْزَةِ وَالْقُبْلَةِ وَمَا كان دون الزنا، وهذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَرِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
«٢٠٦٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف أنا
٢٠٦٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني.
- وهو في «شرح السنة» ٧٤ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٦٦١٢ عن محمود بن غيلان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري بإثر ٦٢٤٣ ومسلم ٢٦٥٧ ح ٢٠ وأحمد ٢/ ٢٧٦ وابن حبان ٤٤٢٠ والبيهقي ٧/ ٨٩ و١٠/ ١٨٥ [.....]
(١) في المخطوط «الواقعة».
(٢) في المطبوع «و» والمثبت عن المخطوط و «ط».
«٢٠٦٤» وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وزاد: «والعينان زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ. وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى».
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: اللَّمَمُ عَلَى وَجْهَيْنِ كُلُّ ذَنْبٍ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا وَلَا عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ فَذَلِكَ الَّذِي تُكَفِّرُهُ الصَّلَوَاتُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ هُوَ: الذَّنْبُ الْعَظِيمُ يُلِمُّ بِهِ الْمُسْلِمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَيَتُوبُ مِنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هُوَ مَا لَمَّ عَلَى الْقَلْبِ أَيْ خَطَرَ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: اللَّمَمُ النَّظْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَهُوَ مَغْفُورٌ، فَإِنْ أَعَادَ النَّظْرَةَ فَلَيْسَ بِلَمَمٍ وَهُوَ ذَنْبٌ. إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
لمن فعل ذلك ثم [٣] تاب، تَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا، ثُمَّ قَالَ: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ خَلَقَ أَبَاكُمْ آدَمَ مِنَ التُّرَابِ، وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ، جَمْعُ جَنِينٍ، سُمِّيَ جَنِينًا لِاجْتِنَانِهِ فِي الْبَطْنِ، فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَمْدَحُوهَا. قَالَ الْحَسَنُ: عَلِمَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ نَفْسٍ مَا هِيَ صَانِعَةٌ وَإِلَى مَا هِيَ صَائِرَةٌ، فَلَا تُزَكُّوا أنفسكم، فلا تبرؤوها عَنِ الْآثَامِ وَلَا تَمْدَحُوهَا بِحُسْنِ أَعْمَالِهَا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَانَ النَّاسُ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا حَسَنَةً ثُمَّ يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا وجهادنا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى، أَيْ بَرَّ وَأَطَاعَ وَأَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ تعالى.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٣ الى ٣٦]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣)، نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، كَانَ قَدِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِهِ فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ لَهُ: أَتَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَلْتَهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ فَضَمِنَ الَّذِي عَاتَبَهُ إِنْ هُوَ [وافقه ورجع إلى شركه] [٤] أعطاه كذا من ماله أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ، فَرَجَعَ الْوَلِيدُ إِلَى الشِّرْكِ وَأَعْطَى الَّذِي عَيَّرَهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْمَالِ الذي ضمن [ثم بخل] [٥] وَمَنْعَهُ تَمَامَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) أَدْبَرَ عن الإيمان.
وانظر الحديث المتقدم في سورة النساء عند آية ٣١.
٢٠٦٤- صحيح. أخرجه مسلم ٢٦٥٧ ح ٢١ وأبو داود ٢١٥٣ وأحمد ٢/ ٣٧٢ و٥٣٦ والبيهقي ٧/ ٨٩ من طريق سهيل بن أبي صالح به.
- وأخرجه أبو داود ٢١٥٤ وأحمد ٣٧٩ وابن حبان ٤٤٢٣ من طريق الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صالح به.
وانظر ما قبله.
(١) في المطبوع «قاله» والمثبت عن ط والمخطوط.
(٢) في المطبوع «تتمنى» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) في المطبوع «و» والمثبت عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن «أسباب النزول» للواحدي ٧٧٢.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يُوَافِقُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ إِلَّا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى (٣٤)، أَيْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَمَعْنَى أَكْدَى: يَعْنِي قَطَعَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُدْيَةِ، وَهِيَ حَجَرٌ يَظْهَرُ فِي الْبِئْرِ يَمْنَعُ مِنَ الْحَفْرِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَكْدَى الْحَافِرَ وَأَجْبَلَ إِذَا بَلَغَ فِي الْحَفْرِ الْكُدْيَةَ وَالْجَبَلَ.
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥)، مَا غَابَ عَنْهُ وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ عَذَابَهُ.
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ، لَمْ يُخْبَرْ، بِما فِي صُحُفِ مُوسى، يَعْنِي أَسْفَارَ التَّوْرَاةِ.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٧ الى ٤١]
وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ مَا سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١)
وَإِبْراهِيمَ، وفي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، الَّذِي وَفَّى، تَمَّمَ وَأَكْمَلَ مَا أُمِرَ بِهِ. قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وقَتَادَةُ: عَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَبَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ إِلَى خَلْقِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَفَّى بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ.
قَالَ الرَّبِيعُ: وَفَّى رُؤْيَاهُ وَقَامَ بِذَبْحِ ابْنِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: اسْتَكْمَلَ الطَّاعَةَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ:
وَفَّى سِهَامَ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [الْبَقَرَةِ: ١٢٤]، وَالتَّوْفِيَةُ الْإِتْمَامُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَفَّى مِيثَاقِ [١] الْمَنَاسِكِ.
«٢٠٦٥» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بن دحيم الشيباني ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) [قال] «كان يصلي [٢] أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوَّلَ النَّهَارِ».
«٢٠٦٦» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ
- قال الإمام أحمد: روي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ أعاجيب، ولا أراها إلّا من قبل القاسم.
- إسرائيل هو ابن يونس السّبيعي، القاسم هو ابن عبد الرحمن.
- وأخرجه الطبري ٣٢٦١٨ من طريق الحسن بن عطية عن إسماعيل به.
- وقد ضعفه ابن كثير في «التفسير» ٤/ ٢٥٨ والسيوطي في «الدر» ٨٦.
- وانظر «الكشاف» ١١٠٥ بتخريجي.
٢٠٦٦- صحيح. إسناده لا بأس به، إسماعيل بن عياش، حديثه عن أهل بلده مستقيم، وهذا إسناد شامي، وقد توبع، وللحديث شاهد.
- أبو جعفر، محمد بن جعفر، أبو مسهر، هو عبد الأعلى بن مسهر.
(١) في المخطوط «في شأن».
(٢) في المطبوع «صلى أربع» والمثبت عن المخطوط.
ثُمَّ بَيَّنَ مَا فِي صُحُفِهِمَا فَقَالَ: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨)، أَيْ لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ حَامِلَةٌ حِمْلَ أُخْرَى، وَمَعْنَاهُ: لَا تُؤْخَذُ نَفْسٌ بِإِثْمِ غَيْرِهَا، وَفِي هَذَا إِبْطَالُ قَوْلِ مَنْ ضَمِنَ لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَنْهُ الْإِثْمَ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْخُذُونَ الرَّجُلَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، كَانَ الرَّجُلُ يُقْتَلُ بذنب أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَامْرَأَتِهِ وَعَبْدِهِ، حتى كان إبراهيم فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَبَلَّغَهُمْ عَنِ اللَّهِ أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨).
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى (٣٩)، أَيْ عَمِلَ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) [اللَّيْلِ: ٤]، وَهَذَا أَيْضًا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَنْسُوخُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، بِقَوْلِهِ: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطُّورِ: ٢١]، فَأَدْخَلَ الْأَبْنَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ ذَلِكَ لِقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، فَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهُمْ مَا سَعَوْا وَمَا سَعَى لَهُمْ غَيْرُهُمْ.
«٢٠٦٧» لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ».
«٢٠٦٨» وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قال: «نعم».
- وهو في «سنن الترمذي» ٤٧٥ عن أبي جعفر السّمناني بهذا الإسناد.
- قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
- وأخرجه أحمد ٦/ ٤٤٠ من طريق صفوان و٦/ ٤٥١ من طريق أبي اليمان كلاهما عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ شريح بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجل يقول: ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات أول النهار أكفك آخره».
- وإسناده حسن.
- وله شاهد من حديث نعيم بن همار.
- أخرجه أبو داود ١٢٨٩ وأحمد ٥/ ٢٨٧ (٢١٩٦٩) من طريق مكحول عن كثير بن مرة عنه، ورجاله ثقات، لكن فيه إرسال.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٢٨٧ (٢١٩٦٥) والدارمي ١/ ٣٣٨ من طريق مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي عن نعيم بن همّار به، وإسناده حسن، رجاله ثقات.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه، وشواهده. [.....]
٢٠٦٧- صحيح. أخرجه مسلم ١٣٣٦ وأبو داود ١٧٣٦ والنسائي ٥/ ١٢٠- ١٢١ وأحمد ١/ ٢١٩ والشافعي ١/ ٢٨٩ والحميدي ٥٠٤ والطيالسي ٢٧٠٧ وابن الجارود ٤١١ وابن حبان ١٤٤ والطبراني ١٢١٧٦ من طرق عن سفيان عن إبراهيم بن علقمة عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بأتم منه.
٢٠٦٨- صحيح. أخرجه البخاري ١٣٨٨ و٢٧٦٠ ومسلم ١٦٣٠ والنسائي ٦/ ٢٥٠ وابن خزيمة ٢٤٩٩ وابن حبان ٣٣٥٣ والبيهقي ٦/ ٢٧٧ من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه عن عائشة.
- وله شاهد من حديث سعد بن عبادة.
(١) في المطبوع «الشيباني» وفي المخطوط «السماني» والمثبت عن ط و «شرح السنة».
(٢) في المطبوع «يحيى» والمثبت عن المخطوط.
«٢٠٦٩» وَيُرْوَى أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَ أَعْطَى الْعَبَّاسَ قَمِيصًا أَلْبَسَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا مَاتَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ.
فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ فِي الْآخِرَةِ يُثَابُ عَلَيْهَا.
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠)، فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَرَيْتُهُ الشَّيْءَ.
ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١)، الْأَكْمَلَ وَالْأَتَمَّ أَيْ يُجْزَى الْإِنْسَانُ بِسَعْيهِ، يُقَالُ: جَزَيْتُ فُلَانًا سَعْيَهُ وَبِسَعْيِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنْ أَجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ... لَمْ أَجْزِهِ بِبَلَاءِ يَوْمٍ واحد
فجمع بين اللغتين.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٧]
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧)
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢)، أَيْ مُنْتَهَى الْخَلْقِ وَمَصِيرُهُمْ إِلَيْهِ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ. وَقِيلَ: مِنْهُ ابْتِدَاءُ الْمِنَّةِ وَإِلَيْهِ انْتِهَاءُ الْآمَالِ.
«٢٠٧٠» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ محمد الشيباني [١] أنا
- وأخرجه البخاري ٢٧٧٠ وأبو داود ٢٨٨٢ والترمذي ٦٦٩ والنسائي ٦/ ٢٥٢- ٢٥٣ من طريق عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابن عباس.
- وأخرجه النسائي ٦/ ٢٥٠- ٢٥١ وابن خزيمة ٢٥٠٠ والحاكم ١/ ٤٢٠ وابن حبان ٣٣٥٤ والبيهقي ٦/ ٢٧٨ من طريق مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خرج سعد بن عبادة... فذكره.
٢٠٦٩- تقدم في سورة التوبة عند آية: ٨٣.
٢٠٧٠- إسناده ضعيف جدا، أبو جعفر الرازي ضعفه غير واحد بسبب سوء حفظه، وفي الإسناد إليه مجاهيل.
- وتفسير الآية على أنه مرفوع ضعيف جدا، ليس بشيء، وسيأتي لمعناه شواهد دون تفسير الآية.
- أبو جعفر هو عيسى بن أبي عيسى الرازي، وأبو عيسى اسمه ماهان، أبو العالية هو رفيع بن مهران.
- وأخرجه الدارقطني في «الأفراد» كما في «الدر» ٦/ ١٣٠ من حديث أبي بن كعب.
- وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (٦) من طريق عبد العزيز بن خالد عن سفيان من قوله: وكرره ٩ عن الثوري قوله في تفسير هذه الآية، وهو الصواب.
- وانظر ما يأتي.
(١) في المخطوط «السفياني».
«٢٠٧١» وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تَفَكَّرُوا فِي الْخَلْقِ وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي الْخَالِقِ فَإِنَّهُ لَا تُحِيطُ بِهِ الْفِكْرَةُ».
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣)، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ فَبِقَضَائِهِ وَخَلْقِهِ حَتَّى الضَّحِكُ وَالْبُكَاءُ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ: أَضْحَكَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبْكَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَضْحَكَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ، وَأَبْكَى السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ.
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: يعني فرّح وَأَحْزَنُ، لِأَنَّ الْفَرَحَ يَجْلِبُ الضَّحِكَ، وَالْحُزْنَ يَجْلِبُ الْبُكَاءَ.
«٢٠٧٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا
- أخرجه ابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» ١٠/ ١٩٢ من حديث أبي هريرة، وفيه مجاهيل، وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي اتهمه الذهبي.
- وقال ابن كثير في «تفسيره» بعد أن ذكره نقلا عن البغوي: كذا أورده، وليس بمحفوظ بهذا اللفظ.
- وله شاهد من حديث ابن عباس: «تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله... ».
- أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (٢) والأصبهاني في «الترغيب» ٦٦٨ من طريق عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
- وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (٥) من طريق الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عن رجل حدثه عن ابن عباس.
- وإسناده ضعيف في راو مجهول.
- وأخرجه الأصبهاني ٦٧٠ من طريق الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عن ابن عباس. وإسناده منقطع.
- وأخرجه الأصبهاني ٦٧٢ من طريق الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ مرسلا.
- وله شاهد من حديث ابن عمر «تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله».
- أخرجه أبو الشيخ (١)، والأصبهاني ٦٧١ وابن عدي ٧/ ٩٥ والبيهقي في «الشعب» ١٢٠ والطبراني في «الأوسط» ٦٤٥٦ من طريق الوازع بن نافع عن سالم عن ابن عمر به وإسناده ضعيف جدا الوازع بن نافع، متروك.
- وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام وفيه قصة.
- أخرجه أبو الشيخ ٢١ والأصبهاني ٦٧٣ وأبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٦٦- ٦٧ من طريق عبد الجليل بن عطية عن شهر ابن حوشب عن عبد الله بن سلام.
- وإسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب.
- وله شاهد عن يونس بن ميسرة مرسلا أخرجه أبو الشيخ (٢٠).
- وله شاهد من حديث أبي ذر عند أبي الشيخ (٤) وإسناده ضعيف.
- الخلاصة: لمعناه شواهد يحسن بها إن شاء الله، والله الموفق.
٢٠٧٢- حسن. فيه قيس بن الربيع ضعفه قوم، ووثقه آخرون، لكن توبع ومن دونه، وشيخه سماك، روى له مسلم لكن تغير حفظه بأخرة، فصار ربما تلقن كما في «التقريب» فحديثه ينحط عن درجة الصحيح، وإن رواه مسلم.
(١) في المطبوع «سليمان» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع «أبو».
(٣) زيادة عن «الأنساب» للسمعاني ٣/ ٥٤٤.
(٤) في المخطوط «المصعدي» وفي المطبوع وط والمخطوط (ب) :«الصعدي» والتصويب عن المخطوط (أ) و «الأنساب» للسمعاني ٣/ ٥٤٤. [.....]
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الْجَبَلِ.
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤)، أَيْ أَمَاتَ فِي الدُّنْيَا وَأَحْيَا لِلْبَعْثِ. وَقِيلَ: أَمَاتَ الْآبَاءَ وَأَحْيَا الْأَبْنَاءَ.
وَقِيلَ: أَمَاتَ الْكَافِرَ بالنكرة وأحياء الْمُؤْمِنَ بِالْمَعْرِفَةِ.
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥)، مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ.
مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦)، أَيْ تُصَبُّ فِي الرَّحِمِ، يُقَالُ مَنَى الرَّجُلُ وَأَمْنَى. قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَ آخَرُونَ [تمنى] تُقَدَّرُ، يُقَالُ: مَنَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَدَّرْتُهُ.
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧)، أن الْخَلْقَ الثَّانِي لِلْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٤٨ الى ٥٦]
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها مَا غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨)، قَالَ أَبُو صَالِحٍ: أَغْنَى النَّاسَ بِالْأَمْوَالِ وَأَقْنَى أَيْ أَعْطَى الْقِنْيَةَ وَأُصُولَ الْأَمْوَالِ وَمَا يَدَّخِرُونَهُ بَعْدَ الْكِفَايَةِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: أَغْنَى بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصُنُوفِ الْأَمْوَالِ [وَأَقْنَى] [١] بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: أَقْنَى أَخْدَمَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أغنى وأقنى أعطى فأرضى.
- وأخرجه البغوي في «الأنوار» ٣٣٦ من وجه آخر عن عاصم بن علي عن قيس به.
- وأخرجه الترمذي ٤٨٥٤ وفي «الشمائل» ٢٤٦ والبغوي في «الأنوار» ٣٣٥ وفي «شرح السنة» ٣٣٠٤ من طريق علي بن حجر.
- وأخرجه أبو يعلى ٧٤٤٩ من طريق زكريا بن يحيى.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٨٦ و٨٨ من طريق سليمان بن داود.
- وأخرجه البيهقي ١٠/ ٢٤٠ من طريق يحيى بن عبد الحميد.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٩١ و١٠٥ من طريق أسود بن عامر، وأبي سلمة الخزاعي.
- كلهم عن شريك بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٩١ وأبو عوانة ٢/ ٢٢ من طريق زهير عن سماك به.
- وأخرجه مسلم ٢٣٢٢ والبغوي في «شرح السنة» ٣٢٤٤ من طريق أبي خيثمة عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سمرة به مع اختلاف يسير فيه.
- الخلاصة: رواه غير واحد عن سماك، وحديثه ينحط عن درجة الصحيح كما تقدم، فهو حسن إن شاء الله، والله الموفق.
(١) زيادة عن [المطبوع].
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩)، وَهُوَ كَوْكَبٌ خَلْفَ الْجَوْزَاءِ وَهُمَا شِعْرِيَّانِ، يُقَالُ لِإِحْدَاهُمَا الْعَبُورُ وَلِلْأُخْرَى الْغُمَيْصَاءُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَخْفَى مِنَ الْأُخْرَى، وَالْمَجَرَّةُ بَيْنَهُمَا. وَأَرَادَ هَاهُنَا الشِّعْرَى الْعَبُورُ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ تَعْبُدُهَا، وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو كَبْشَةَ عَبَدَهَا، وَقَالَ: لِأَنَّ النُّجُومَ تَقْطَعُ السماء عرضا، والشعرى [تقطها] [١] طُولًا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لَهَا، فَعَبَدَتْهَا خُزَاعَةُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَافِ الْعَرَبِ فِي الدِّينِ سَمَّوْهُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ لِخِلَافِهِ إِيَّاهُمْ كَخِلَافِ أَبِي كَبْشَةِ فِي عِبَادَةِ الشِّعْرَى.
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى (٥٠)، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ بِلَامٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَ الدَّالِّ، وَيَهْمِزُ وَاوَهُ قَالُونُ عَنْ نَافِعٍ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَتَقُولُ: قُمْ لَانَ عَنَّا، تريد: قم الآن عنا، ويكون الوقف عندهم عَادًا، وَالِابْتِدَاءُ «أولى»، بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا لَامٌ مَضْمُومَةٌ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ: لُولَى، بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ، وقرأ الآخرون: عاداً الْأُولى، وهو قَوْمُ هُودٍ أُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ وكان لَهُمْ عَقِبٌ فَكَانُوا عَادًا الْأُخْرَى.
وَثَمُودَ، وهم قَوْمُ صَالِحٍ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالصَّيْحَةِ، فَما أَبْقى، مِنْهُمْ أَحَدًا.
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ، أَيْ أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلِ عَادٍ وَثَمُودَ، إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى، لِطُولِ دَعْوَةِ نُوحٍ إِيَّاهُمْ وَعُتُوِّهُمْ عَلَى اللَّهِ بِالْمَعْصِيَةِ وَالتَّكْذِيبِ.
وَالْمُؤْتَفِكَةَ، يعني قرى قرم لُوطٍ، أَهْوى، أَسْقَطَ أَيْ أَهْوَاهَا جبريل بعد ما رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ.
فَغَشَّاها، أَلْبَسَهَا اللَّهُ، مَا غَشَّى، يَعْنِي الْحِجَارَةَ الْمَنْضُودَةَ الْمُسَوَّمَةَ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ، نِعَمِ رَبِّكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةَ، تَتَمارى، تَشُكُّ وَتُجَادِلُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكْذِبُ.
هَذَا نَذِيرٌ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ النُّذُرِ الْأُولى، أَيْ رَسُولٌ مِنَ الرسل أرسل إِلَيْكُمْ كَمَا أُرْسِلُوا إِلَى أَقْوَامِهِمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ يَقُولُ أَنْذَرَ مُحَمَّدٌ كَمَا أَنْذَرَ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧)، دَنَتِ الْقِيَامَةُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ.
لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨)، أي مظهرة مبينة [٢] كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الْأَعْرَافِ: ١٨٧]، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ نَفْسٌ كَاشِفَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَاشِفَةُ مَصْدَرًا كَالْخَافِيَةِ [٣] وَالْعَافِيَةِ، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفٌ، أَيْ لَا يَكْشِفُ عَنْهَا وَلَا يُظْهِرُهَا غَيْرُهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهَا رَادٌّ [٤] يَعْنِي إِذَا غَشِيَتِ الخلق أهوالها وشدائدها لم يشكفها ولم يردها عنهم أحد،
(٢) في المطبوع «مقيمة» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «كالخيالة» والمثبت عن المخطوط وط.
(٤) تصحف في المخطوط إلى «دار».
أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ، يعني الاستهزاء، وَلا تَبْكُونَ، مِمَّا فِيهِ مِنَ الوعد والوعيد.
وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)، لاهون غافلون، والسمود الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ وَاللَّهْوُ، يُقَالُ: دع عنّا سُمُودَكَ أَيْ لَهْوَكَ، هَذَا رِوَايَةُ الْوَالِبِيُّ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنْهُ: هُوَ الْغِنَاءُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَشِرُونَ بَطِرُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غضاب [١] متبرطمون [٢] فَقِيلَ لَهُ: مَا الْبَرْطَمَةُ؟ قَالَ: الْإِعْرَاضُ.
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)، أَيْ واعبدوه.
«٢٠٧٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا مسدد ثنا عبد الوارث ثنا أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ.
«٢٠٧٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي أَبُو أحمد ثنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ النَّجْمُ، قَالَ فَسَجَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ [٣] إِلَّا رجلا رأيته
- مسدّد هو ابن مسرهد، عبد الوارث هو ابن سعيد، أيوب هو ابن أبي تميمة، عكرمة هو أبو عبد الله البربري مولى ابن عباس.
- وهو في «شرح السنة» ٧٦٤ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ١٠٧١ عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٨٦٢ والترمذي ٥٧٥ وابن حبان ٢٧٦٣ والدارقطني ١/ ٤٠٩ من طرق عن عبد الوارث بن سعيد به.
- قلت: لم يدرك ابن عباس هذه الحادثة، فهو مرسل صحابي، وهو حجة عند الجمهور، لكن خالفه ابن مسعود فاستثنى رجلا من المشركين، وليس فيه ذكر الجن، وحديث ابن مسعود أصح وأرجح، وهو مقدم عليه لأن ابن مسعود كان في تلك الحادثة بخلاف ابن عباس، فحديث ابن مسعود هو المحفوظ، وانظر «أحكام القرآن» ٢٠٢٩ و٢٠٣٠ بتخريجي.
٢٠٧٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو أحمد هو الزبيري محمد بن عبد الله الزبيري، إسرائيل هو ابن يونس، أبو إسحق هو السّبيعي.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٨٦٣١ عن نصر بن علي بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ١/ ٣٨٨ من طريق سفيان عن أبي إسحاق به.
- وأخرجه البخاري ١٠٦٧ و١٠٧٠ و٣٨٥٣ و٣٩٧٢ ومسلم ٥٧٦ وأبو داود ١٤٠٦ والنسائي ٢/ ١٦٠ وأحمد ١/ ٤٠١ و٤٣٧ و٤٤٣ و٤٦٢ والدارمي ١/ ٣٤٢ وابن خزيمة ٥٥٣ وابن حبان ٢٧٦٤ من طرق عن شعبة عن أبي إسحاق به.
(١) في المطبوع «غضاك» والمثبت عن ط والمخطوط.
(٢) في المخطوط «متبرطون» وفي ط «مبرطون».
(٣) تصحف في المطبوع إلى «خلقه».