تفسير سورة النجم

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة النجم من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا بيَّن صدقه صلى الله عليه وسلم وبراءته مما رموه به، أكَّده بالقسم عليه بالنجم الغارب لمناسبته مع إدبار النجوم، فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَٱلنَّجْمِ ﴾: حسنه أو الثريان وفي الحديث:" ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيءٌ إلا رفع "أَوْ مِنَ القرآن ﴿ إِذَا هَوَىٰ ﴾: غرب أو نزل ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ﴾: عليه الصلاة والسلام ﴿ وَمَا غَوَىٰ ﴾: ما اعتقد باطلا ﴿ وَمَا يَنطِقُ ﴾: القرآن ﴿ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾: هو نفسه ﴿ إِنْ ﴾ مَا ﴿ هُوَ ﴾ منطوقه ﴿ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾: إليه ﴿ عَلَّمَهُ ﴾: ملك ﴿ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴾: جبريل ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾: قوة شديدة أو إحكام في العقل، أو منظر حسن ﴿ فَٱسْتَوَىٰ ﴾: استقام على صورته الحقيقية، فرآه صلى الله عليه وسلم كذلك، أو استوى بقوته على دنو محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا ﴾: من محمد صلى الله عليه وسلم في صورة آدميّ ﴿ فَتَدَلَّىٰ ﴾: فنزل عليه مع تعلقه بمكانه لشدة قوته ﴿ فَكَانَ ﴾: منه ﴿ قَابَ ﴾: قدر ﴿ قَوْسَيْنِ ﴾: مما يرمى به، أو ما يُقاس به بمعنى ذراعين أو: قلب قالب قوس، وهو منه ما بين المقبض والسّية ﴿ أَوْ أَدْنَىٰ ﴾: منه على تقديركم، والمقصود تمثيل غاية القرب ﴿ فَأَوْحَىٰ ﴾: جبريلُ ﴿ إِلَىٰ عَبْدِهِ ﴾: تعالى ﴿ مَآ أَوْحَىٰ ﴾: أو كل الضمائر إلى الله تعالى كما عليه ابن عباس الحسن، ومحمد بن كعب، وجعفر بن محمد، وغيرهم، والأول للأكثرين، وهو تعالى شديد القوة ذو مرة لأنه ذو القوة المتين ﴿ مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ ﴾: فؤاد محمد عليه الصلاة والسلام ﴿ مَا رَأَىٰ ﴾: ببصره من جبريل أو ربه تعالى، أي: لم يكن تخيلا كاذبا ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ ﴾: تجادلونه ﴿ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ ﴾: بصورته نازلا ﴿ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ﴾: ليلة الإسراء، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه رأى ربه، والجمهور على الاول ﴿ عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾: التي ينتهي إليها علم الخلائق وأعمالهم، وهي في السماء السابعة، أو عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد، وهي ﴿ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ ﴾: مأوى الملائكة أو المتقين ﴿ إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ ﴾: ما لا يحصى من عباد الملائكة ﴿ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ﴾: مال ﴿ ٱلْبَصَرُ ﴾: بصره صلى الله عليه وسلم عما رآه ﴿ وَمَا طَغَىٰ ﴾: تجاوزه أدبا واستيفانا والله ﴿ لَقَدْ رَأَىٰ ﴾: فيها ﴿ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾: الملكية والملكوتية كجبريل في ستماة جناح، وأكثر أجله المحدثين كما نقله الشيخ ابن كثير على أنه ما صح من الصحابة رؤيته عليه الصلاة والسلام بالبصر، وعليه الصوفية ﴿ أَ ﴾ بعد هذا البيان بقيتم على مرائكم ﴿ فَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ ﴾: صنم عبده ثقيفٌ بالطائف، عنوا بها مؤنث الله ﴿ وَٱلْعُزَّىٰ ﴾: من العزيز، شجرة عبدها غَطفانُ بين مكة والطائف ﴿ وَمَنَاةَ ﴾: من مناة أي: قطعة، صنم بين الحرمين عبده هذيل أو يقيف في مذبح قرابينهم، أو هي لقريش بنخلة ﴿ ٱلثَّالِثَةَ ﴾: للأولين ﴿ ٱلأُخْرَىٰ ﴾: المتأخرة ربتة عندكم، وثاني مفعولي رأيتم بنات الله الدال عليه ﴿ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ ﴾: إذ كانوا يكرهون النبات ﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ﴾: جائزة ﴿ إِنْ ﴾: ما ﴿ هِيَ ﴾: المذكورات ﴿ إِلاَّ أَسْمَآءٌ ﴾: لخلوقها عن معنى الألوهية ﴿ سَمَّيْتُمُوهَآ ﴾: بها ﴿ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا ﴾ أي: بعبادتها ﴿ مِن سُلْطَانٍ ﴾: حجة ﴿ إِن ﴾: ما ﴿ يَتَّبِعُونَ ﴾: بعبادتهم ﴿ إِلاَّ ٱلظَّنَّ ﴾: أي: توهم حقيته ﴿ وَمَا تَهْوَى ﴾: تشتهيه ﴿ ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ ﴾: الرسول بالكتاب فتركوه ﴿ أَمْ ﴾: بل ﴿ لِلإِنسَانِ ﴾: كل ﴿ مَا تَمَنَّىٰ ﴾: كشفاعة الأصنام، لا ﴿ فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ ﴾: الدنيا، يطي ما يشاء لمن يشاء منهما ﴿ وَكَمْ ﴾: كثير ﴿ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾: مع كرامتهم ﴿ لاَ تُغْنِي ﴾: لاتنفع ﴿ شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ ﴾: لهم فيها ﴿ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ ﴾: فكيف يشفع جماد.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ ﴾: بأنهم بنات الله ﴿ وَمَا لَهُم بِهِ ﴾: بقولهم ﴿ مِنْ عِلْمٍ إِن ﴾: ما ﴿ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي ﴾: لا ينفع ﴿ مِنَ ٱلْحَقِّ ﴾: وهو المعارف اليقينة ﴿ شَيْئاً ﴾: والظن إنما يعتبر فيما يتعلق بالعمل، وقيل: الظن المغني، ظن حصل من النظر ﴿ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا ﴾: ولم يتدبر فيه ﴿ وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ العاجلة ﴿ ذَلِكَ ﴾: أمر الدنيا ﴿ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾: لا يتجاوزونه ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ ﴾: فلا تتعب ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾: أي: خلقهما ﴿ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى ﴾: من المثوبات هم ﴿ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ ﴾: ما فيه وعيد شديد ﴿ وَٱلْفَوَاحِشَ ﴾: منها خصوصا ﴿ إِلاَّ ﴾: لكن ﴿ ٱللَّمَمَ ﴾: الصغير كما دون الزنا، نحو القبلة، فتغفر باحتناب الكبائر، وأصله مُقاربة المعصية ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ ﴾: يغفر اللَّمَم وغيره فلا ييأس صاحب الكبائر ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾: منكم ﴿ إِذْ أَنشَأَكُمْ ﴾: أي: آدم ﴿ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ ﴾: جمع جنين ﴿ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ ﴾: تمدحوا ﴿ أَنفُسَكُمْ ﴾: إعجابا وجاز اعترافا بنعمته ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ ﴾: وقد ورد أنه يقال في المدح: أحسبه كذا والله حسيبه ﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ ﴾: عن الإيمان كوليد بن المغيرة، آمن فعيره مشرك فقال: أخشى عذاب الله فقال: أنا أتحمله إن أعطيتني كذا وكذا، فارتد ﴿ وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً ﴾: مما وعد ﴿ وَأَكْدَىٰ ﴾: منع عن الباقي ﴿ أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ ﴾: يعلم أنه يتحمل عذابه؟ ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ ﴾: ولأشر صفحِه قدمها على ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ ﴾: تمم ما أُمر به، خصَّه به لاحتماله ما لم يتحمله غيره كالنار والذبح وغيره.
﴿ أَلاَّ ﴾ أنه ﴿ تَزِرُ ﴾: نفس ﴿ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾: كما مر، وكان قبله يؤخذ الأب بالابن والأخ بالأخ وهكذا، وبيان هذا المقام مضى في الأنعام ﴿ وَأَن ﴾: أنه ﴿ لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ ﴾: عن ابن عباس: نسخت بنحو:﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾[الطور: ٢١]، وقيل: لا لأنهما خبران، بل بذلك مخصوص بقومهما، وإذ مخصوص بنا، وكذا في نحو: الحج والصوم والصدقة عن الميت لما صح في الخبر فالناوي له فيها كنائبه ﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴾: ميْزانه ﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ ﴾: أي: الإنسان سعيه ﴿ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ ﴾: الأوفر ﴿ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾: المرجع ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴾، خصهما بالذكر لاختصاص الإنسان بهما من بين الحيوانات، ولو صح أن القرد يضحك والإبل تبكي فلا يضر لانفراد كل منهما بواحد ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾: لا غير، فالقاتل ينقض البنية والموت يحصل عنده على عادة الله تعالى ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ ﴾: تدفق في الرحم ﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ﴾: الخلقة ﴿ ٱلأُخْرَىٰ ﴾: للبعث وفاء بوعده ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ ﴾: الناس بكفايتهم ﴿ وَأَقْنَىٰ ﴾: أعطاهم القنية أي: ما يدخر بعد الكفاية ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ ﴾: العُبور، كوكبٌ خلف الجوزاء، خصه لأنه عبده أبو كبشة جده صلى الله عليه وسلم من الأُم، وهو أضوأُ من الشعرى الأخرى الغميصاء من نجم الأسد ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ ﴾: قوم هود، والأُخرى إرم ﴿ وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ ﴾: منهم ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ ﴾: أي: قبلهما ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ ﴾: منهما لطول لثبه فيهم وتعذيبهم له ﴿ وَ ﴾: القرى ﴿ ٱلْمُؤْتَفِكَةَ ﴾: المنقلبة بقوم لوط ﴿ أَهْوَىٰ ﴾: أسقطها إلى الأرض ﴿ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ ﴾: من العذاب ﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ ﴾: تتشكك يا وليد، عدها نعمة باعتبار أنها عظة ونصرة لأنبيائه ﴿ هَـٰذَا ﴾: الرسول ﴿ نَذِيرٌ مِّنَ ﴾: جنس ﴿ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ * أَزِفَتِ ﴾: قرب ﴿ ٱلآزِفَةُ ﴾: القيامة القريبة ﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: نفس ﴿ كَاشِفَةٌ ﴾: عن عملها أو قادرة عن كشف شدائدها إلا الله ﴿ أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾: القرآن ﴿ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ ﴾: لو عيده ﴿ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ﴾: لَاهُوْن عنه، بعد نزوله، ما ضح صلى الله عليه وسلم قط، أو مستكبرون أو مغنون ﴿ فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ﴾: فقط ﴿ وَٱعْبُدُواْ ﴾.
Icon