ﰡ
قوله تبارك وَتعالى :﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾.
أقسم تبارك وَتعالى بالقرآن، لأنّه كانَ يَنزِلُ نجوما الآية وَالآيتانِ، وَكانَ بين أوَّلِ نزولِه وَآخرِه عشرون سنةً.
حدثنا [ ٥٨/ا ] محمد بن الجهم قالَ : حدثنا الفراء : وَحدثني الفُضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو رفعَه إلى عبد الله في قوله :«فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوقِعِ النُّجُوم » قالَ : هو مُحْكَمُ القرآن.
قالَ : حدثنا محمد أبو زكريا يعنى : الذي لم يُنسَخ.
وقوله تبارك وَتعالى :﴿ إِذَا هَوَى ﴾.
نزل، وَقد ذُكر : أنه كوكب إذا غَرَبَ.
جوابٌ لقوله :﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾.
جوابٌ لقوله :﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾.
يقولُ : ما يقولُ هذا القرآنَ برأيه إنّما هو وَحي، وَذلِكَ : أن قريشاً قالوا : إنما يقولُ القرآنَ من تلقائه، فنزل تكذيبُهم.
أراد جبريل صلى الله عليه ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ من نعْتِ شديد القوى.
وقوله عز وَجل :﴿ فَاسْتَوَى ﴾ استوى هو وَجبريل بالأفق الأعلى لما أُسريَ به، وَهو مَطلع الشمس الأعلى، فأضمرَ الاسمَ في استوَى، وَرَدَّ عليه هو، وَأكثرُ كلام العرب أن يقولوا : استوى هُوَ وَأبوه وَلا يكادُون يقولون : استوى وَأبوه، وَهو جائز، لأن في الفعل مضمراً : أنشدني بعضُهم :
ألم تَر أن النّبْعَ يُخلقُ عُودُه | وَلا يستوي والخِرْوَعُ المتَقصِّفُ |
يعنى : جبريل صلى الله عليه وسلم، دنا من محمد صلى الله عليه وسلم حتَّى كان قابَ قوسين عَرَبيَّتينِ أو أدنى. ﴿ فَأَوْحَى ﴾ يعني : جبريل عليه السلام ﴿ إِلَى عَبْدِهِ ﴾ : إلى محمد صلى اللهُ عليه عبد الله :﴿ ما أَوْحَى ﴾.
وقوله تبارك وتعالى ﴿ فَتَدَلَّى ﴾ كأن المعنى : ثم تدَلَّى فدَنا، وَلكنه جائز إذا كان معنى الفعلين وَاحداً أو كالواحِدِ قدمتَ أيهما شئت، فقلتَ : قد دنا فقرُبَ، وقرُبَ فدَنا وشتمني فأساء، وأساء فشتَمَنِي، وقال الباطِلَ ؛ لأن الشتمَ، والإساءة شيء واحدٌ.
وكذلك قوله :﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعةُ وانْشَقَّ القمر ﴾.
والمعنى والله أعلم انشق القمرُ واقتربت الساعةُ، والمعنى واحدٌ.
فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ما رَأي ﴾، يقول : قد صَدَقَهُ فؤاده الذي رأي، و «كذَّبَ » يُقرأ بالتشديد والتخفيف. خففها عاصم، والأعمش، وشيبة، ونافع المدنيانِ [ ٥٩/ا ] وشدَّدَها الحسنُ البصريّ، وأبو جعفر المدني.
وكأن من قالَ : كَذْبَ يُريدُ : أن الفؤاد لم يكذّب الذي رأي، ولكن جعلَه حقاً صِدْقاً وقد يجوز أن يُريد : ما كذَّب صاحبَه الذي رأي. ومن خفف قالَ : ما كذب الذي رأي، ولكنه صدَقَهُ.
أي : أفتجحدونَه.
حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد بن الجهم. قالَ : حدثنا الفراء قالَ : حدثني قيس بنُ الربيع عن مغيرة عن إبراهيم قال :«أَفَتَمروْنَه » أفتجحدونَه، «أَفَتُمارُونَهُ » : أفتجادِلُونَه [ حدثنا أبو العباس قال، حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال حدثني ] حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قرأها :«أَفَتَمرُونَهُ ».
حدثنا محمد بن الجهم قالَ : حدثنا الفراء قال : حدثنا قيسٌ عن عبد الملك بن الأبجر عن الشعبي عن مسروق أنه قرأ :«أفَتَمرُونَه » وعن شُريح أنه قرأ :«أفَتُمارُونَه ». وهي قراءة العوامِ وأهل المدينة، وعاصم بن أبي النَّجودِ والحسنِ.
يقولُ : مَرةً أخرى.
حدثنا محمد بن الجهم قال :[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال : حدثنا ] الفراء ؛ قال : حدثني حِبانُ عن أبي إِسحاق الشيباني قالَ :
سُئِلَ زِرُّ بنُ حُبَيْش، وأنا أسمَعُ : عندها جَنةُ المأوى، أو جَنَةُ المأوى، فقالَ : جنة من الجنان.
حدثنا محمد بن الجهم قالَ حدثنا الفراء قال : وحدثني بعض المشيخةِ [ ٥٩/ب ] عن العَرْزَمِيِّ عن ابن أبي مُلَيْكةَ عن عائشة أنها قالت : جنةٌ من الجنان.
قالَ : وقالَ الفراء : وقد ذُكر عن بعضهم :﴿ جَنَّةُ الْماوَى ﴾ يُريدُ : أجَنَّة، وهي شاذة، وهي : الجنةُ التي فيها أرواحُ الشهداء.
بصرُ محمد صلى اللهُ عليه وسلم ما زاغ بقلبِهِ يمينا وشِمالاً ولا طغى ولا جاوزَ ما رأى.
قرأها الناسُ بالتخفيف في لفظِ قوله :﴿ وَلاَتَ حِينَ مَناص ﴾ وفي وَزْنِ شاةٍ، وكان الكسائي يَقِفُ عليها بالهاء ﴿ أفَرَأَيْتُمُ الّلأهْ ﴾.
[ ١٨٥/ب ] قالَ وقالَ الفراء : وأنا أقفُ على التاء.
[ حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء ] قال : وحدثني القاسمُ بن مَعْنٍ عن المنصور بن المعتمر عن مجاهد قَالَ :
كانَ رجلاً يُلتُّ لهم السَّويق، وقرأها : الَّلاتَّ والعُزى فشدَّدَ التاء.
[ حدثنا محمد بن الجهم قال ] : حدَّثنا الفراء قالَ : حدثني حبَّان عن الكَلبيّ عن أبى صالح عن ابن عباس قال :
كانَ رجلٌ من التُّجار يلُتُّ السَّويقَ لَهم عندَ اللاَّت وهُو الصَّنَمُ ويبيعُه ؛ فسَمَّيْت بذلِكَ الرَّجل، وكانَ صنماً لثقيف، وكانت العزى سُمرَةً لِغطفانَ يَعْبدُونها.
كَانَتْ مَناةُ صَخْرَةً لِهذَيلٍ، وخُزاعة يَعبدُونها.
[ حدثنا محمد بن الجهم قال ] : حدَّثنا الفراء قالَ : وحدثني حِبَّان عن الكَلْبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : بعثَ رسولُ الله صلى اللهُ عليه خالدَ بن الوليدَ إلى العُزَّى ليقْطَعَها قال : فَفَعَل وهوَ يقولُ :
يا عُزَّ كفرانَك لا سُبْحانَك | إنِّي رأيتُ اللهَ قد أهانك |
لأنهم قالوا : هذه الأصنام والملائكةُ بنات الله، فقالَ :﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى... تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ جَائرة.
والقراء جميعاً لم يَهْمِزُوا ضِيزى، ومنَ العَرب من يَقُولُ : قِسْمَة ضَيْزَى، وبعضُهُم يقولُ : قِسْمة ضَأزَى، وضُؤزَى بالهَمْز، ولم يقرأ بها أحدٌ نَعْلَمهُ وَضِيزَى : فُعلى.
وإن رأيتَ أولها مَكْسُوراً هي مثل قولهم : بيضٌ : وعِينٌ كانَ أولُها مَضْمُوماً فَكرَِهُوا أن يُتركَ على ضَمَّتهِ، فيقالُ : بُوضٌ، وعُونٌ.
والواحِدةُ : بَيضاء، وعَيناء : فَكَسرُوا أولَها ليكُونَ بالياء ويتألف الجَمْعُ والاثنان والواحدَة.
كذلِكَ كرهُوا أن يَقولوا : ضُوزَى، فتصيرُ واواً، وهي من الياء، وإنّما قضيتُ على أوّلها بالضَّم لأنّ النُّعوتَ للمؤنّث تأتى إما : بفَتْح وإما بِضَمٍّ :
فالمفتُوح : سَكْرى، عَطْشَى، والمضمومُ : الأُنثى، والحُبُلْى ؛ فإذا كانَ اسما ليس بنعتٍ كُسِرَ أوله كقوله :﴿ وَذَكِّر فإِنَّ الذِّكرى ﴾، الذِّكرى اسم لذلِكَ كسرتْ، ولَيستْ بنَعْتٍ، وكذلِكَ ( الشِّعْرَى ) كُسرَ أولها لأنها اسمٌ ليست بنعتٍ.
وحَكَى الكسائي عن عيسى : ضِيزَى.
لأنهم قالوا : هذه الأصنام والملائكةُ بنات الله، فقالَ :﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى... تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ جَائرة.
والقراء جميعاً لم يَهْمِزُوا ضِيزى، ومنَ العَرب من يَقُولُ : قِسْمَة ضَيْزَى، وبعضُهُم يقولُ : قِسْمة ضَأزَى، وضُؤزَى بالهَمْز، ولم يقرأ بها أحدٌ نَعْلَمهُ وَضِيزَى : فُعلى.
وإن رأيتَ أولها مَكْسُوراً هي مثل قولهم : بيضٌ : وعِينٌ كانَ أولُها مَضْمُوماً فَكرَِهُوا أن يُتركَ على ضَمَّتهِ، فيقالُ : بُوضٌ، وعُونٌ.
والواحِدةُ : بَيضاء، وعَيناء : فَكَسرُوا أولَها ليكُونَ بالياء ويتألف الجَمْعُ والاثنان والواحدَة.
كذلِكَ كرهُوا أن يَقولوا : ضُوزَى، فتصيرُ واواً، وهي من الياء، وإنّما قضيتُ على أوّلها بالضَّم لأنّ النُّعوتَ للمؤنّث تأتى إما : بفَتْح وإما بِضَمٍّ :
فالمفتُوح : سَكْرى، عَطْشَى، والمضمومُ : الأُنثى، والحُبُلْى ؛ فإذا كانَ اسما ليس بنعتٍ كُسِرَ أوله كقوله :﴿ وَذَكِّر فإِنَّ الذِّكرى ﴾، الذِّكرى اسم لذلِكَ كسرتْ، ولَيستْ بنَعْتٍ، وكذلِكَ ( الشِّعْرَى ) كُسرَ أولها لأنها اسمٌ ليست بنعتٍ.
وحَكَى الكسائي عن عيسى : ضِيزَى.
فَجَمعَ، وإنّما ذَكَرَ مَلَكاً واحداً، وذلِك أن ( كَمْ ) تَدُلُّ على أنَّهُ أرادَ جمعاً، والعَربُ تذْهَب بأحد وبالواحد إلى الجمع في المعنى يقولونَ : هَلْ اختصمَ أحدٌ اليومَ. والأختصامُ لا يَكُونُ إلا للاثنين، فما زادَ.
وقد قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ :﴿ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾، فبيْنَ لا تَقعُ إلاّ على الاثنين فما زادَ.
وقولهُ :﴿ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين ﴾ مما دل على أَن أحداً يكُونُ للجمع وللواحد.
و [ معنى ] قوله :﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ ﴾.
مما تعبُدونه وتزعمونَ أنهم بناتُ الله لا تغني شفاعتهم عنكم شيئا.
من عذاب الله في الآخرة.
صغَّرَ بهم [ يقول ] ذلِكَ قدْر عُقُولهم، ومَبْلَغُ عِلْمِهم حينَ آثروا الدنيا على الآخرة، ويقالُ : ذلك مَبلَغهمُ منَ العلم أن جَعَلوا الملائكةَ، والأصنامَ بنات اللهِ.
قرأها يحيى، وأصحابُ عبد اللهِ، وذكروا : أَنّهُ الشِّرك.
وقوله :﴿ إِلاَّ اللَّمَمَ ﴾.
يقولُ : إلاّ المتقاربَ من صغير الذنُوب، وسمعتُ العرب تقولُ : ضَرَبَهُ ما لمَمَ القتل، ( ما ) صِلةٌ يُريدُ : ضربَه ضَرْباً مُتَقارِباً للقَتْل، وسمعْتُ من آخر : ألَمَّ يفْعَلُ في مَعْنى كادَ يفَعلُ.
وذكر الكلَبيّ بإسناده أنّها النظرَةُ عن غير تعَمُدٍ، فهي لَممٌ وهي مغفورَةٌ، فإن أعادَ النظَرَ فليس بلَمَمٍ هو ذَنبٌ.
وقوله :﴿ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ ﴾.
يُرُيدُ : أنشأ أباكمُ آدَمَ من الأرض.
وقوله :﴿ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ﴾.
يقول : هو أعلمُ بكم أوّلاً وآخراً ؛ فلا تُزكُّوا أنفسكمُ لا يقولنَّ أحدكمُ : عملت كذا، أو فعْلتُ كذا، هُوَ أَعْلَمُ بمَن اتقى.
أي : أعطى قليلاً، ثم أمسكَ عن النفقة.
قراءة الناس ( وأنَّ )، ولو قُرئ، إِنّ بالكسر على الاستئناف كانَ صواباً.
[ حدثنا محمد بن الجهم قال ] حدثنا الفراء قالَ : حدثني الحسنُ بن عياشٍ عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس : أنّه قرأ ما في النجم، وما في الجنّ، ( وأنّ ) بفتح إنّ.
[ حدثنا محمد بن الجهم قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني قيسٌ عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بمثلِ ذلِكَ.
أضحَك أهلَ الجنة بدخول الجنة، وأبكَى أهلَ النار بدخول النار.
والعَرَبُ تقولهُ في كلامها إذا عِيب على أحدهم الجَزَع والبكاء يقول : إنّ الله أضحكَ، وأبكى. يذهبونَ به إِلى أفاعيل أهل الدنيا.
قرأ الأعمشُ وعاصمٌ ( عاداً ) يخفضان النونَ، وذكرَ القاسم بن معن : أنّ الأعمشَ قرأ ( عادَ لُّولى )، فجزمَ النونَ، ولم يهمز ( الأولى ).
وهي قراءةُ أهل المدينة : جَزمُوا النونَ لما تحرّكَت الَّلام، وخفضَها مَن خفضَها لأن البناء على جزم اللام التي مَع الألف في الأولى والعربُ تقولُ : قُمْ لآن، وقُمِ الآن، وصُمِ الاثنين وصُمْ لثنين على ما فسرتُ لك.
وقوله :﴿ عاداً الأولَى ﴾ بغير [ ١٨٦/ب ] هَمْز : قومُ هُودٍ خاصةً بقَيتْ مِنْهم بقيةٌ نَجوْا معَ لُوطٍ، فسُمّى أصحابُ هودٍ عادا الأولى.
ورأيتها في بعض مصاحف عبد الله ( وثمودَ فما أبقى ) بغير ألفٍ وهي تجرى في النصب في كل التنزيل إلاّ قولهُ :﴿ وآتينا ثمودَ الناقةَ مُبْصِرةً ﴾ فإِنّ هذه ليس فيها ألفٌ فَتُرِك إجراؤها.
يُريدُ : وأهوى المؤتفكةَ ؛ لأنّ جبريلَ عليه السلامَ احتمل قَريات قَوم لُوط حتى رفعها إلى السماء، ثم أهْوَاها وأتبعَهمُ الله بالحجارةَ، فذلك قولهُ :﴿ فغَشّاها ما غشّى ﴾ من الحِجارة.
يقولُ : فبأي نِعَم رَبِّكَ تكذبُ أنها ليست منه، وكذلك قولهُ :﴿ فتَمارَوْا بالنُّذُر ﴾.
﴿ مِّنَ النُّذُرِ الأُوْلَى ﴾ يقول القائلُ : كيفَ قالَ لمُحمدٍ : من النذُر الأولى، وهو آخِرهُم ؟، فهذا في الكلام كما تقول : هذا واحدٌ من بَني آدم وإن كان آخرهمُ أو أولهمُ، ويقالُ : هذا نَذيرٌ من النُّذرِ الأُولى في الّلوح المحفوظ.
يقولُ : ليس يعلمها كاشفٌ دونَ الله أي لا يعلمُ عِلمَها غيرُ ربِّي، وتأنيثُ ( الكاشفة ) كقولِكَ : ما لِفلانٍ باقيةٌ. أي بَقَاء والعافية والعاقبة، وليسَ له ناهيةٌ، كل هذا في معنى المصدر.