تفسير سورة النجم

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة النجم من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة النجم
مكية، عددها اثنتان وستون آية كوفي

أقسم الله عز وجل بـ: ﴿ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴾ يقول: ﴿ مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ﴾، وهي أول سورة أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما بلغ آخرها سجد، وسجد من بحضرته من مؤمني الإنس والجن والشجر، وذلك أن كفار مكة قالوا: إن محمداً يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، فأقسم الله بالقرآن، فقال: ﴿ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴾ [آية: ١] يعني من السماء إلى محمد صلى الله عليه وسلم مثل قوله: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴾ [الواقعة: ٧٥]، وكان القرآن إذا نزل إنما ينزل نجوماً ثلاث آيات وأربع آيات ونحو ذلك، والسورة والسورتان، فأقسم الله بالقرآن، فقال: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ﴾ محمد ﴿ وَمَا غَوَىٰ ﴾ [آية: ٢] وما تكلم بالباطل.
﴿ وَمَا يَنطِقُ ﴾ محمد هذا القرآن ﴿ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾ [آية: ٣] من تلقاء نفسه ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ [آية: ٤] إليه يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله تعالى يأتيه به جبريل، صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴾ [آية: ٥] يعني القوة في كل شىء، يعني جبريل، ثم قال: ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ يعني جبريل، عليه السلام، يقول: ذو مرة ﴿ فَٱسْتَوَىٰ ﴾ [آية: ٦] يعني سوياً حسن الخلق ﴿ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ [آية: ٧] يعني من قبل المطلع ﴿ ثُمَّ دَنَا ﴾ الرب تعالى من محمد ﴿ فَتَدَلَّىٰ ﴾ [آية: ٨] وذلك ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة ﴿ فَكَانَ ﴾ منه ﴿ قَابَ قَوْسَيْنِ ﴾ يعني قدر ما بين طرفي القوس من قسي العرب ﴿ أَوْ أَدْنَىٰ ﴾ [آية: ٩] يعني أدنى أو أقرب من ذلك. حدثنا عبدالله، قال: سمعت أبا العباس يقول: ﴿ قَابَ قَوْسَيْنِ ﴾، يعني قدر طول قوسين من قسي العرب.
﴿ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ مَآ أَوْحَىٰ ﴾ [آية: ١٠] ﴿ مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ﴾ [آية: ١١] يعني ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأى بصره من أمر ربه تلك الليلة ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ﴾ [آية: ١٢] ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ﴾ [آية: ١٣] يقول: رأى محمد صلىالله عليه وسلم ربه بقلبه مرة أخرى، رآه ﴿ عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾ [آية: ١٤] أغصانها اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة العليا.﴿ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ ﴾ [آية: ١٥] تأوي إليها أرواح الشهداء أحياء يرزقون، إنما سميت المنتهى لأنها ينتهي إليه علم كل مخلوق، ولا يعلم ما وراءها أحد إلا الله عز وجل كل ورقة منها تظل أمة من الأمم على كل ورقة منها ملك يذكر الله عز وجل، لو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض نوراً تحمل لهم الحلل والثمار من جميع الألوان، ولو أن رجلاً ركب حقة فطاف على ساقها، مابلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم، وهي طوبى التي ذكر الله تعالى في كتابه:﴿ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾[الرعد: ٢٩] ينبع من ساق السدرة عينان أحدهم السلسبيل، والآخرى الكوثر، فنيفجر من الكوثر أربعة أنهار التى ذكر الله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الماء واللبن والعسل والخمر.
ثم قال: ﴿ إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ﴾ [آية: ١٦] ﴿ مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ ﴾ يعني بصر محمد صلى الله عليه وسلم يعني ما مال ﴿ وَمَا طَغَىٰ ﴾ [آية: ١٧] يعني وما ظلم، لقد صدق محمد صلى الله عليه وسلم بما رأى تلك الليلة ﴿ لَقَدْ رَأَىٰ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ [آية: ١٨] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رفرفاً أخضر قد غطى الأفق، فذلك من آيات ربه الكبرى ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ ﴾ [آية: ١٩] ﴿ وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ ﴾ [آية: ٢٠] وإنما سميت اللات والعزى لأنهم أرادوا أن يسموا الله، فمنعهم الله فصارت اللات وأرادوا أن يسموا العزيز، فمنعهم فصارت العزى ﴿ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ ﴾ [آية: ٢١] حين قالوا: إن الملائكة بنات الله ﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ﴾ [آية: ٢٢] يعني جائزة عوجاء أن يكون لهم الذكر وله الأنثى.
ثم ذكر آلهتهم، فقال: ﴿ إِنْ هِيَ ﴾ يقول: ما هي ﴿ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ﴾ بأنها آلهة من قوله:﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ ﴾[الصافات: ١٥٦] يعني كتاب فيه حجة مثل قوله:﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً ﴾[الروم: ٣٥]، يعني كتاباً لهم فيه حجة ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ ﴾ يقول: ما لهم من علم بأنها آلهة إلا ظناً ما يستيقنون بأن اللات والعزى ومناة آلهة ﴿ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ ﴾ يعني القلوب ﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ ﴾ [آية: ٢٣] يعني القرآن ﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ ﴾ [آية: ٢٤] بأن الملائكة تشفع لهم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم، والليل إذا يغشى، أعلنهما بمكة، فلما بلغ ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ ﴾ نعس فألقى الشيطان على لسانه تلك " الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا " عندها الشفاعة ترتجى، يعني الملائكة ففرح كفار مكة ورجوا أن يكون للملائكة شفاعة، فلما بلغ أخرها سجد، وسجد المؤمنون تصديقاً لله تعالى وسجد كفار مكة عند ذكر الآهلة غير أن الوليد بن المغيرة، وكان شيخاً كبيرا، فرفع التراب إلى جبهته فسجد عليه، فقال: يحيا كما تحيا أم أيمن وصواحبتها، وكانت أم أيمن خادم النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر. وقال في الأنعام:﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾[الأنعام: ١٢]، لا شك فيه﴿ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى ﴾[النجم: ٣١] فلما رجوا أن الملائكة شفاعة، أنزل الله تعالى: ﴿ فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ ﴾ [آية: ٢٥] يعني الدنيا والآخرة.
﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي ﴾ يقول: تنفع ﴿ شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً ﴾، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ ﴾ من بني آدم فيشفع له.
﴿ وَيَرْضَىٰ ﴾ [آية: ٢٦] الله له بالتوحيد.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ﴿ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ ﴾ [آية: ٢٧] حين زعموا أن الملائكة أناث، وأنها تشفع لهم، يقول الله: ﴿ وَمَا لَهُم بِهِ ﴾ بذلك ﴿ مِنْ عِلْمٍ ﴾ أنها أناث ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ ﴾ يقول: ما يتبعون إلا الظن وما يستيقنون أنها أناث ﴿ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً ﴾ [آية: ٢٨] ﴿ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا ﴾ يعني عن من أعرض عن الإيمان بالقرآن ﴿ وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ [آية: ٢٩] ﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ يعني من مبلغ رأيهم من العلم أن الملائكة أناث وأنها تشفع لهم ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ﴾ يعني عن الهدى من غيره ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ ﴾ من غيره ﴿ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ ﴾ [آية: ٣٠] منكم، ثم عظم نفسه بأنه غني عن عبادتهم والملائكة وغيرهم عبيده وفى ملكه.
فقال: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ في الآخرة ﴿ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ من الشرك في الدنيا، أنه قال في الأنعام، والنساء:﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾[الأنعام: ١٢، النساء: ٨٧] يعني لاشك في البعث أنه كائن ﴿ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ من الشرك في الدينا ﴿ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾ التوحيد في الدنيا ﴿ بِٱلْحُسْنَى ﴾ [آية: ٣١] وهي الجنة، ثم نعت المتقين.
فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ ﴾ يعني كل ذنب يختم بالنار ﴿ وَٱلْفَوَاحِشَ ﴾ يعني كل ذنب فيه حد ﴿ لاَّ ٱللَّمَمَ ﴾ يعني ما بين الحدين." نزلت في نبهان التمار، وذلك أنه كان له حانوت يبيع فيه التمر، فأتته امرأة تريد تمراً، فقال لها: ادخلى الحانوت، فإن فيه تمراً جيداً، فلما دخلت رادوها عن نفسها، فأبت عليه، فلما رأت الشر خرجت فوثب إليها، فضرب عجزها بيده، فقالت: والله، ما نلت مني حاجتك، ولا حفظت غيبة أخيك المسلم. فذهبت المرأة وندم الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بصنيعه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ويحك يا نبهان، فلعل زوحها غاز في سبيل الله "، فقال: الله ورسوله أعلم، فقال: " أما علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم "، فلقي أبا بكر، رضي الله عنه، فأعلمه، فقال: ويحك فلعل زوجها غاز في سبيل الله، فقال: الله أعلم، ثم رجع فلقي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأخبره، فقال: ويحك لعل زوجها غاز في سبيل الله، قال: الله أعلم، فصرعه عمر فوطئه، ثم انطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إخواننا غزاة في سبيل الله تكسر الرماح في صدورهم يخلف هذا ونحوه أهليهم بسوء، فاضرب عنقه، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أرسله يا عمر "، فنزلت فيه: ﴿ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ ﴾ يعني ضربه عجزيتها بيده ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ ﴾ لمن تاب. ثم قال: ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ من غيره ﴿ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾ يعني خلقكم من تراب ﴿ وَ ﴾ هو أعلم بكم ﴿ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ يعني جنين الذي يوكن في بطن أمه ﴿ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ قال: وقال ناس من المسلمين: صلينا وفعلنا فزكوا أنفسهم، فقال الله تعالى: ﴿ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ ﴾ [آية: ٣٢].
﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ ﴾ [آية: ٣٣] عن الحق يعني الوليد بن المغيرة ﴿ وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً ﴾ من الخير بلسانه ﴿ وَأَكْدَىٰ ﴾ [آية: ٣٤] يعني قطع ﴿ أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ ﴾ بأن الله لا يبعثه ﴿ فَهُوَ يَرَىٰ ﴾ [آية: ٣٥] الإقامة على الكفر نظيرها في الطور، وفى ن:﴿ أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾[الطور: ٤١، القلم: ٤٧].
﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ ﴾ يعني يحدث ﴿ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ ﴾ [آية: ٣٦] يعني التوراة كتاب موسى ﴿ وَ ﴾ صحف ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ ﴾ [آية: ٣٧] لله بالبلاغ، وبلغ قومه ما أمره الله تعالى ﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ [آية: ٣٨] يقول: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ ﴾ في الآخرة ﴿ إِلاَّ مَا سَعَىٰ ﴾ [آية: ٣٩] يعني إلا ما عمل في الدنيا ﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ ﴾ يعني عمله في الدنيا ﴿ سَوْفَ يُرَىٰ ﴾ [آية: ٤٠] في الآخرة حين ينظر إليه ﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ ﴾ [آية: ٤١] يوفيه جزاء عمله في الدنيا كاملاً، ثم أخبر عن هذا الإنسان الذي قال له، فقال: ﴿ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾ [آية: ٤٢] ينتهي إليه بعلمه.
ثم أخبره عن صنعه، فقال: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴾ [آية: ٤٣] يقول: أضحك واحداً وأبكى آخر، وأيضاً أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ ﴾ الأحياء ﴿ وَأَحْيَا ﴾ [آية: ٤٤] الموتى ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ﴾ الرجل والمرأة كل واحد منهما زوج الآخر ﴿ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ ﴾ [آية: ٤٥] خلقهما. ﴿ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ ﴾ [آية: ٤٦] يعني إذا تدفق المنى ﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ ﴾ [آية: ٤٧] يعني الخلق الآخر يعني البعث في الآخرة بعد الموت ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ﴾ [آية: ٤٨] يقول: مَوَّل وأرضى هذا الإنسان بما أعطى. ثم قال: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ ﴾ [آية: ٤٩] قال مقاتل: الشعرى اليمانية النيرة الجنوبية كوكب مضىء، وهي التي تتبع الجوزاء، ويقال: لها المزن والعبور، كان أناس من الأعراب من خزاعة، وغسان، وغطفان، يعبدونها، وهي الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء، قال الله تعالى أنا ربها فاعبدوني ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ ﴾ [آية: ٥٠] بالعذاب، وذلك أن أهل عاد وثمود، وأهل السواد، وأهل الموصل، وأهل العال كلها من ولد إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، فمن ثم قال: ﴿ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ ﴾ يعني قوم هود بالعذاب.﴿ وَ ﴾ أهلك ﴿ وَثَمُودَ ﴾ بالعذاب ﴿ فَمَآ أَبْقَىٰ ﴾ [آية: ٥١] منهم أحد ﴿ وَ ﴾ أهلك ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ ﴾ بالغرق ﴿ مِّن قَبْلُ ﴾ هلاك عاد وثمود ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ ﴾ [آية: ٥٢] من عاد وثمود، وذلك أن نوحاً دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلم يجيبوه، حتى إن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح عليه السلام، فيقول له: احذر هذا، فإنه كذاب فإن أبى قد مشى بي إلى هذا وأنا مثلك، فحذرني منه، فأحذره، فيموت الكبير على الكفر، وينشؤ الصغير على وصية أبيه، فنشأ قرن بعد قرن على الكفر، هم كانوا أظلم وأطغى، فبقي من نسلهم، بعد عاد أهل السواد، وأهل الجزيرة، وأهل العال، فمن ثم قال: ﴿ عَاداً ٱلأُولَىٰ ﴾.
ثم قال: ﴿ وَ ﴾ أهلك ﴿ وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ ﴾ يعني الكذبة ﴿ أَهْوَىٰ ﴾ [آية: ٥٣] يعني قرى قوم لوط، وذلك أن جبريل، عليه السلام، أدخل جناحه فرفعها إلى السماء حتى سمعت ملائكة سماء الدنيا أصوات الديكة، ونباح الكلاب، ثم قلبها فهوت من السماء إلى الأرض مقلوبة، قال: ﴿ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ ﴾ [آية: ٥٤] يعني الحجارة التي غشاها من كان خارجاً من القرية، أو كان في زرعه، أو في ضرعه.
ثم قال: ﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ ﴾ يعني بأي نعمة ربك ﴿ تَتَمَارَىٰ ﴾ [آية: ٥٥] يعني يشك فيها ابن آدم ﴿ هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ ﴾ [آية: ٥٦] فيها تقديم، يقول: هذا الذي أخبر عن هلاك الأمم الخالية، يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، يخوف كفار مكة ليحذروا معصيته.
﴿ أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ ﴾ [آية: ٥٧] يعني اقتربت الساعة ﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ [آية: ٥٨] يقول: لا يكشفها أحد إلا الله، يعني الساعة لا يشكفها أحد من الآلهة إلا الله تعالى الذي يكشفها.
﴿ أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾ يعنى القرآن ﴿ تَعْجَبُونَ ﴾ [آية: ٥٩] تكذيباً به ﴿ وَتَضْحَكُونَ ﴾ استهزاء ﴿ وَلاَ تَبْكُونَ ﴾ [آية: ٦٠] يعني كفار مكة مما فيه من الوعيد ﴿ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [آية: ٦١] يعني لاهون عن القرآن، بلغة اليمن ﴿ فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ﴾ يعني صلوا الصلوات الخمس ﴿ وَٱعْبُدُواْ ﴾ [آية: ٦٢] يعني وحدوا الرب تعالى.
Icon