ﰡ
﴿إِذَا هَوَى﴾ سقط عند غروبه، وقيل: المراد: الجملة من القرآن إذا تنزلت، وذلك أنه روي أن القرآن نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نجومًا؛ أي: أقدارًا مقدرة في أوقات ما، ويجيء (هَوَى) على هذا التأويل بمعنى: نزل.
قال ابن عطية: وفي هذا المعنى بُعد وتحامُل على اللغة، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥]، والخلاف في هذه كالخلاف في تلك (١)، وهو قسم بالنجم وقتَ هويِّه، أو بالقرآن وقتَ نزوله.
* * *
﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)﴾.
[٢] وجواب القسم: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾ يعني: محمدًا - ﷺ - عن طريق الهدى ﴿وَمَا غَوَى﴾ ما لابسَ الغَيَّ، وهو نقيض الرشد. قرأ أبو عمرو، وورش عن نافع: بإمالة رؤوس آي هذه السورة؛ بخلاف عنهما، وافقهما على الإماله: حمزة، والكسائي، وخلف (٢).
* * *
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)﴾.
[٣] ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ أي: لا يتكلم بالباطل عن هوى نفسه.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٤)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٤)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٧ وما بعدها).
[٤] ﴿إِنْ هُوَ﴾ أي: نطقُه - ﷺ - بالقرآن وما يأتيه من السماء ﴿إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ إليه، لم يقله من تلقاء نفسه.
* * *
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)﴾.
[٥] ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ هو جبريل عليه السلام، والقوى: جمع القوة.
* * *
﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦)﴾.
[٦] ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ قوة شديدة في خلقه ﴿فَاسْتَوَى﴾ فاستقر جبريل.
* * *
﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧)﴾.
[٧] ﴿وَهُوَ﴾ يعني: محمدًا، المعنى: استوى جبريل ومحمدٌ ليلة المعراج.
﴿بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ عند مطلع الشمس.
* * *
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨)﴾.
[٨] ﴿ثُمَّ دَنَا﴾ قَرُب جبريل من محمَّد ﴿فَتَدَلَّى﴾ زادَ في القُرب، والأكثرون على أن هذا الدنوَّ والتدلِّي منقسم بين جبريل -عليه السلام-، ومحمد - ﷺ -، أو مختص بأحدهما من الآخر، أو من سدرة المنتهى.
وحكي عن ابن عباس أيضًا: "هو الربُّ دنا من محمَّد، فتدلَّى إليه؛ أي: أمرُه وحكمُه" (١).
قال القاضي أبو الفضل -رضي الله عنه- في كتاب "الشفا": فاعلم أن ما وقع في إضافة الدنو والقرب من الله أو إلى الله، فليس بدنو مكان ولا قرب حدًّا، بل كما ذكرنا عن جعفر الصادق: "فليس بدنو حَدّ، وإنما دنوُّ النبي من ربه وقربُه منه إبانةُ عظيم منزلته، وتشريف رتبته، وإشراق أنوار معرفته، ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته، ومن الله تعالى له مبرة وتأنيس، وبسط وإكرام" (٢).
(٢) انظر: "الشفا" للقاضي عياض (١/ ٢٠٤)، وقول ابن عباس السالف منه. وقال القاضي في نهاية هذا الكلام: ويتأول فيه ما يُتأول في قوله: "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا". وذكر الإمام ابن الجوزي في "زاد المسير" (٨/ ٦٥) ما يؤيد قولَ ابنِ عباس الأخير بما روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: دنا الجبَّار ربُّ العزة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. اهـ وهذا القول متأوَّل على ما ذكر القاضي عياض. ومن المعلوم أن أكثر العلماء على أن هذا الدنو والتدلي منقسم ما بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم، أو مختص بأحدهما من الآخر ومن السدرة المنتهى. كما ذكر النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (٣/ ٤).
[٩] ﴿فَكَانَ قَابَ﴾ قدرَ ﴿أَوْ أَدْنَى﴾ بل أقرب، فمن جعل الضمير عائدًا إلى الله لا إلى جبريل على هذا كان عبارة عن نهاية القرب، ولطف المحل، واتضاح المعرفة، والإشراف على الحقيقة من محمَّد - ﷺ -، وعبارة عن إجابة الرغبة، وقضاء المطالب قربٌ بالإجابة والقبول، وإتيانٌ بالإحسان وتعجيل المأمول، وإنما ذكر (القَوْسَين)؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب، والعرب تجعل مساحة الأشياء بالقوس، ويقال: قاب قوسين؛ يعني: قدر ذراعين، وإنما سمي الذراع قوسًا؛ لأنه يقاس به الأشياء.
* * *
﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)﴾.
[١٠] ﴿فَأَوْحَى﴾ اللهُ ﴿إِلَى عَبْدِهِ﴾ - ﷺ - ﴿مَا أَوْحَى﴾ قوله تعالى: (مَا أَوْحَى) إبهام على جهة التفخيم والتعظيم، والذي عُرف من ذلك فرضُ الصلاة.
* * *
﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١)﴾.
[١١] ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ﴾ قرأ أبو جعفر، وهشام عن ابن عامر: (كَذَّبَ) بتشديد الذال؛ يعني: ما كذب قلب محمَّد - ﷺ -.
﴿مَا رَأَى﴾ بعينه، وقرأ الباقون: بتخفيفها (١)؛ أي: ما ارتابَ القلب،
واختلف السلف والخلف هل رأى نبينا - ﷺ - ربه ليلة الإسراء؟ فأنكرته عائشة، وخالفها ابن عباس وجمع، وتقدم الكلام في ذلك مستوفىً في أول سورة الإسراء في قصة المعراج.
* * *
﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢)﴾.
[١٢] ﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، ويعقوب: (أَفَتَمْرُونَهُ) بفتح التاء وإسكان الميم من غير ألف؛ أي: أتجحدونه، وقرأ الباقون: بضم التاء وفتح الميم وألف بعدها؛ أي: أتجادلونه (١) ﴿عَلَى مَا يَرَى﴾ لأن المشركين أنكروا إسراءه - ﷺ -، ومشاهدتَه جبريل عليه السلام.
* * *
﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣)﴾.
[١٣] فأكذبهم الله تعالى بقوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ﴾ أي: رأى محمدٌ جبريلَ على صورته حقيقة، وعلى قول ابن عباس ومَنْ وافقه: رأى رَبَّه. قرأ ورش، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر، وخلف، وابن ذكوان بخلاف عنه: (رَآهُ) بإمالة الهمزة والراء، وأمال الدوري عن أبي عمرو الهمزة بخلاف عنه، وأمال السوسي الراء (٢).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٤)، و "التيسير" للداني (ص: ٢٠٤)، =
* * *
﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤)﴾.
[١٤] وكانت الرؤيا ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش، لا يتجاوزها أحد من الملائكة ولا غيرهم، ولا يعلم ما وراءها إلا هو تعالى، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فيقبض منها.
* * *
﴿عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥)﴾.
[١٥] ﴿عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ أراد أن يعظم مكان السدرة ويشرفه بأن جنة المأوى عنده، وهي الجنة التي يأوي إليها الملائكة.
* * *
﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦)﴾.
[١٦] ﴿إِذْ يَغْشَى﴾ يغطِّي ﴿السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ العامل في (إِذْ) (رَآهُ)، والمعنى: رآه في هذه الحال، و ﴿مَا يَغْشَى﴾ معناه: من قدرة الله وأنواع الصفات التي يخترعها لها، وذلك مبهم على جهة التفخيم والتعظيم.
قال - ﷺ -: "رأيتُ على كل ورقة منها ملكًا قائمًا يُسَبِّحُ الله" (١).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٥١٩) عن عبد الرحمن بن زيد، مرسلًا. =
[١٧] ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ﴾ ما مال بصر محمَّد يمينًا ولا شمالًا، أضاف الأمر للبصر.
﴿وَمَا طَغَى﴾ أي: ما جاوز ما رأى.
* * *
﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)﴾.
[١٨] ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ﴾ التي يمكن أن يراها البشر الآيةَ ﴿الْكُبْرَى﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وابن ذكوان: (ما رَأَى) (لَقَدْ رَأَى) بإمالة الراء والهمزة، واختلف عن هشام وأبي بكر، وأمال أبو عمرو الهمزة فقط.
* * *
﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)﴾.
[١٩] ﴿أَفَرَأَيْتُمُ﴾ مخاطبة لقريش، وهي من رؤية العين، لما فرغ من ذكر عظمة الله تعالى وقدرته، قال على جهة التوقيف: أرأيتم هذه الأوثانَ وحقارتَها، وبعدَها عن هذه القدرة والصفات العلية ﴿اللَّاتَ﴾ صنم ثقيف بالطائف. قرأ رويس عن يعقوب: بتشديد التاء، ويمدُّ الساكنين، وقرأ الباقون: بتخفيفها، والكسائي يقف عليها بالهاء (١).
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ١٣٢ و ٣٧٩)، و"معجم =
* * *
﴿وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿وَمَنَاةَ﴾ اسم علم (١) لصنم هُذيل وخُزاعة، وألفها منقلبة عن ياء؛ لأنها من مني يمني. قرأ ابن كثير: (مَناءَةَ) بهمزة بعد الألف، فيمد للاتصال، وقرأ الباقون: بغير همز، والوقف عليها لجميع القراء بالهاء اتباعًا للرسم (٢) ﴿الثَّالِثَةَ﴾ نعت لـ (مناة)؛ لأنها ثالثة الصنمين.
﴿الْأُخْرَى﴾ نعت ذم، نحو: و ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٨]؛ أي: ضعفاؤهم لرؤسائهم؛ أي: مناة الحقيرة، وقيل: اللات والعزى ومناة كانت أصنامًا من حجارة في جوف الكعبة يعبدونها، واشتقوا لها أسماء من أسماء الله سبحانه، فقالوا: من الله: اللات، ومن العزيز: العزى، ومن المنان: مناة، ومعنى الآية: أخبرونا ألهذه الآلهة المعبودة قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله تعالى؟! وتقدم في سورة الحج ما ألقاه الشيطان في قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قرأ هذه الآية.
(١) "علم" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٥)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٤)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٥٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٣).
[٢١] ولما قالوا: الملائكة والأصنام بنات الله، مع كراهتهم البنات، نزل إنكارًا عليهم: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى﴾ المعنى: إذا كرهتم البنات، فكيف تجعلون لكم البنين، وله تعالى البنات؟!
* * *
﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ جائرة؛ حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم. قرأ ابن كثير: (ضِئْزَى) بالهمز؛ من ضأزه يضأزه ضأزًا، وقرأ الباقون: بغير همز (١)؛ من ضازه يضيزه ضيزًا.
* * *
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿إِنْ هِيَ﴾ أي: الأصنام ﴿إِلَّا أَسْمَاءٌ﴾ لا حقيقة تحتها من نفع أو ضر ﴿سَمَّيْتُمُوهَا﴾ أي: سميتم بها ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ آلهة تخرُّصًا.
﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا﴾ بتلك الأسماء ﴿مِنْ سُلْطَانٍ﴾ حجة على تسميتهم، ثم رجع إلى الخبر بعد المخاطبة، فقال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ في قولهم: إنها آلهة ﴿وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ الخبيثة مما زين لهم الشيطان.
﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ على لسان الرسل.
[٢٤] ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ﴾ (أَمْ) منقطعة، والهمزة فيها للإنكار، المعنى: ليس للكافر.
﴿مَا تَمَنَّى﴾ من شفاعة الأصنام.
* * *
﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾ يحكم فيهما بما يريد، فالأمر كله لله.
* * *
﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا﴾ إن شفعوا لا يشفعون.
﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ أن يشفع له ﴿وَيَرْضَى﴾ عنه.
* * *
﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى﴾ لأنهم قالوا: الملائكة بنات الله.
[٢٨] ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ﴾ أي: بذلك القولِ ﴿مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ فإنه (١) لا اعتبار له في المعارف الحقيقية.
* * *
﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ﴾ إبلاغَ ﴿مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا﴾ عن العمل بالقرآن.
﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ وهذا منسوخ بآية السيف.
* * *
﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿ذَلِكَ﴾ أي: طلب الدنيا ﴿مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ لا يتجاوزه علمُهم.
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ أي: هو أعلم بالفريقين، فيجازيهم.
* * *
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)﴾.
[٣١] ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ فهذا معترض بين الآية الأولى،
﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ وَحَّدوا ربهم ﴿بِالْحُسْنَى﴾ بالجنة.
* * *
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)﴾.
[٣٢] ثم وصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ﴾ الشرك. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (كَبِيرَ) بكسر الباء من غير ألف ولا همز على التوحيد، والباقون: بفتح الباء وألف وهمزة مكسورة بعدها على الجمع (١).
﴿وَالْفَوَاحِشَ﴾ ما فَحُش من الذنوب ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ استثناء منقطع، واللمم: ما صغر من الذنوب؛ كالغمزة والنظرة واللمسة والقبلة.
﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ لمن فعل ذلك وتاب.
﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ أي: خلق أباكم آدمَ من تراب.
﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ﴾ جمع جنين، سمي جنينًا؛ لاجتنانه؛ أي (٢): استتاره في البطن.
(٢) "لاجتنانه؛ أي" زيادة من "ت".
﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ تُثنوا عليها ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ وأخلصَ العمل.
* * *
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣)﴾.
[٣٣] كان الوليد بن المغيرة المخزومي قد سمع قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجلس إليه، ووعظه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقرب إلى الإسلام، وطمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، ثم إنه عاتبه رجل من المشركين، وقال له: أتترك ملة آبائك؟ ارجعْ إلى دينك، أثبت عليه، وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك، ورجع عما همَّ به من الإسلام، وضل ضلالًا بعيدًا، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل، ثم أمسك عنه وشحَّ، فنزل: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى﴾ (٢) عن الإيمان.
* * *
﴿وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿وَأَعْطَى﴾ صاحبَه ﴿قَلِيلًا﴾ من ماله ﴿وَأَكْدَى﴾ قطعَ عطيته بخلًا، وأصله من الكدْيَة: أرضٌ صلبة كالصخرة تمنع حافرَ البئر من النفوذ.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٥٤١)، وذكره البغوي في "تفسيره" (٤/ ٢٦٢)، والقرطبي في "تفسيره" (١٧/ ١١١) عن ابن زيد ومقاتل.
[٣٥] ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ﴾ أعلمَ من الغيب أنَّ مَنْ تحمل ذنوبَ أحد، فإن المتحمل عنه ينتفع بذلك ﴿فَهُوَ﴾ لهذا الذي علمه ﴿يَرَى﴾ الحقَّ، وله فيه بصيرة؟!
* * *
﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿أَمْ﴾ هو جاهل ﴿لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى﴾ يعني: أسفار التوراة. قرأ أبو جعفر: (يُنَبَّا) بإبدال الهمز، والباقون: بالهمز (١) (٢).
* * *
﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿وَإِبْرَاهِيمَ﴾ قرأ هشام عن ابن عامر: (أَبْراهامَ) بالألف، والباقون: بالياء (٣) ﴿الَّذِي وَفَّى﴾ أي: تمم ما أُمر به، وبلغ رسالات ربه إلى خلقه.
عن أبي ذر الغفاري (٤) -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله! كم من كتابٍ أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-؟ قال: "مئة كتاب، وأربعة كتب،
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٨).
(٣) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٨).
(٤) "الغفاري" زيادة من "ت".
ويأتي ما نقل من صحف موسى آخر سورة ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾.
* * *
﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)﴾.
[٣٨] ثم بين تعالى ما في صحفهما، فقال: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أي: لا تحمل حاملة حملَ غيرِها بأن تؤخذ بإثمها، وفي هذا إبطال قول من قال للوليد بن المغيرة: إنه يحمل عنه الإثم.
(٢) لفظ الجلالة زيادة من "ت".
[٣٩] وتعطف على ﴿أَلَّا تَزِرُ﴾ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ عمل ونوى، أي: كما لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، لا يثاب بفعله، وما جاء في الأخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت، فلكون الناوي له كالنائب عنه.
واختلف الأئمة فيما يُفعل من القرب؛ كالصلاة والصيام وقراءة القرآن والصدقة (١)، ويُهدى ثوابه للميت المسلم، فقال أبو حنيفة وأحمد: يصل ذلك إليه، ويحصل له نفعه بكرم الله ورحمته، وقال الشافعي ومالك: يجوز ذلك في الصدقة والعبادة المالية، وفي الحج، وأما في غير ذلك من الطاعات؛ كالصلاة والصوم وقراءة القرآن وغيره، لا يجوز، ويكون ثوابه لفاعله، وعند المعتزلة: ليس للإنسان جعلُ ثواب عملِه في شيء من الأعمال لغيره، ولا يصل، ولا ينفعه.
واختلفوا فيمن مات قبل أن يحج، فقال أبو حنيفة ومالك (٢): يسقط عنه الحج بالموت، ولا يلزم الحج عنه إلا أن يوصي بذلك، وقال الشافعي وأحمد: لا يسقط عنه، ويلزم الحج عنه من رأس ماله.
واختلفوا فيمن لم يحج عن نفسه، هل يصح أن يحج عن غيره؟ فقال أبو حنيفة ومالك: يصح، ويجزئ عن الغير مع الكراهة، وقال الشافعي وأحمد: لا يصح، فلو فعل، وقع عن نفسه.
وأما الصلاة، فهي عبادة بدنية، لا تصح فيها النيابة بمال ولا بدن بالاتفاق، وعند أبي حنيفة: إذا مات وعليه صلوات، يعطى لكل صلاة
(٢) "ومالك" زيادة من "ت".
* * *
﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ في ميزانه يوم القيامة.
* * *
﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)﴾.
[٤١] ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ﴾ أي: يُجزى (٣) العبدُ سعيَه ﴿الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ الأكملَ، والقراءة بفتح (أَنَّ) على أن (٤) هذا كله في صحف موسى.
* * *
﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ أي: الانتهاء، وهو رجوع الخلائق إليه تعالى بعد الموت، فيجازيهم.
(٢) في "ت": "خلافًا".
(٣) "أي يجزى" زيادة من "ت".
(٤) "على أن" زيادة من "ت".
[٤٣] ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ ذكر الضحك والبكاء؛ لأنهما صفتان تجمعان أوصافًا كثيرة من الناس؛ إذ الواحدة دليل السرور، والأخرى دليل الحزن في الدنيا والآخرة، فنبه تعالى بهاتين الخاصتين اللتين هما للإنسان وحده.
* * *
﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ﴾ في الدنيا.
﴿وَأَحْيَا﴾ للبعث، فلا يقدر على الإماتة والإحياء غيره.
* * *
﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ﴾ الصنفين ﴿الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ من كل حيوان.
* * *
﴿مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦)﴾.
[٤٦] ﴿مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾ تُراق في الرحم.
* * *
﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ﴾ الخلقة ﴿الْأُخْرَى﴾ للبعث بعد الموت. وتقدم اختلاف القراء في (النَّشْأَةَ) في سورة العنكبوت.
[٤٨] ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى﴾ الناسَ بالكفاية والأموال.
﴿وَأَقْنَى﴾ أعطى القُنية وما يدخرونه بعد الكفاية.
* * *
﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى﴾ وهو كوكب خلف الجوزاء، وهما شعريان، يقال لأحدهما: العبور، وهي اليمانية، وللأخرى: الغميصاء، والمراد هنا: العبور، وهي أشد ضياء، عبدها أبو كبشة من خزاعة، وخالف قريشًا في عبادة الأوثان، فلذلك كانوا يسمون النبي -صلى الله عليه وسلم-: ابن أبي كبشة؛ لخلافه إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشعرى. قرأ أبو عمرو، ورويس عن يعقوب: (وَأَنَّه هُّوَ) بإدغام الهاء في الهاء في الأحرف الأربعة؛ بخلاف عن رويس (١).
* * *
﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (٥٠)﴾.
[٥٠] ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وأبو عمرو، ويعقوب: (عادً الأُولى) بإدغام التنوين في اللام وتشديدها مضمومة بلا همز بعدها، على أنهم لم يحركوا التنوين؛ لالتقاء الساكنين، بل أدغموه في لام التعريف بعد أن حركوا اللام بحركة الهمزة التي هي فاء الفعل حتى ساغ
* * *
﴿وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١)﴾.
[٥١] ﴿وَثَمُودَ﴾ هم قوم صالح، أهلكهم الله بالصيحة. قرأ عاصم،
(٢) ما بين معكوفتين سقط من "ت".
* * *
﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ أهلكناهم أيضًا ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: قبلَ عاد وثمود ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾ لطولِ دعوة نوح إياهم، وعتوِّهم على الله بالمعصية والتكذيب.
* * *
﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ﴾ قرى قوم لوط. قرأ أبو جعفر: (والْمُوْتَفِكَةَ) بإسكان الواو بغير همز، والباقون: بالهمز، واختلف عن قالون (٢).
﴿أَهْوَى﴾ أسقطَ؛ لأنَّ جبريل -عليه السلام- رفعها إلى السماء، ثم أسقطها مقلوبة إلى الأرض.
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٤٩٠)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٣).
[٥٤] ﴿فَغَشَّاهَا﴾ ألبسَها اللهُ ﴿مَا غَشَّى﴾ ولم يذكر المغشَّى؛ تهويلًا لشأنه.
* * *
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)﴾.
[٥٥] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ﴾ أي: أَنْعُمه الدالة على الوحدانية أيها الإنسان ﴿تَتَمَارَى﴾ تتشكك، والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمراد: غيره. قرأ يعقوب: (رَبِّك تَّمارَى) بتاء واحدة مشددة حيث قرأها بالوصل، وأما إذا ابتدأ بقوله (تَتَمَارَى)، أظهر التاءين جميعًا؛ لموافقة الرسم والأصل، وبذلك قرأ الباقون (١)؛ فإن الإدغام إنما يتأتى في الوصل، وهذا بخلاف الابتداء بتاءات البزي في البقرة؛ فإنها مرسومة بتاء واحدة، فكان الابتداء كذلك موافقة للرسم، فلفظ الجميع في الوصل واحد، والابتداء مختلف؛ لما ذكر.
* * *
﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (٥٦)﴾.
[٥٦] ﴿هَذَا نَذِيرٌ﴾ هو محمد - ﷺ - ﴿مِنَ النُّذُرِ﴾ أي: الرسل.
﴿الْأُولَى﴾ يعني: من جنسهم أُرسل إليكم كما أُرسلوا إلى أقوامهم.
[٥٧] ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ﴾ قربت القيامة.
* * *
﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (٥٨)﴾.
[٥٨] ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ أي: كاشف مزيل لها إذا جاءت، والهاء للمبالغة.
* * *
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩)﴾.
[٥٩] ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ﴾ أي: القرآن ﴿تَعْجَبُونَ﴾ تكذيبًا. قرأ أبو عمرو: (الْحَدِيث تَّعْجَبُونَ) بإدغام الثاء في التاء (١).
* * *
﴿وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (٦٠)﴾.
[٦٠] ﴿وَتَضْحَكُونَ﴾ استهزاءً ﴿وَلَا تَبْكُونَ﴾ مما فيه من الوعيد.
* * *
﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١)﴾.
[٦١] ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾ لاهون.
[٦٢] ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ سجودَ التلاوة، أو صلوا المفروضات ﴿وَاعْبُدُوا﴾ وحِّدوا، وهذا محل سجود عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وهو قول عمر بن الخطاب؛ لأنه صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سجد بالنجم، وليس يراها مالك -رحمه الله-؛ لما روي عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "أنه قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَالنَّجْمِ﴾، فلم يسجد فيها" (١)، وتقدم ذكر اختلاف الأئمة في حكم سجود التلاوة هل هو واجب أو مسنون عند سجدة مريم، والله سبحانه أعلم.