سورة القصص مكية
قيل إلا قوله :﴿ الذين آتيناهم الكتاب ﴾ إلى قوله :﴿ الجاهلين ﴾
وهي ثمان وثمانون آية وتسع ركوعات
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ طسم تِلْكَ ﴾ إشارة إلى السورة
﴿ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ القرآن أو اللوح المحفوظ
﴿ نَتْلُو ﴾ : نقرأ بلسان جبريل أو ننزل ﴿ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ ﴾ مفعول نتلوا ومن للتبعيض ﴿ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ ﴾ محقين ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ لأنهم المنتفعون به
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ ﴾ استئناف يبين بعض النبأ ﴿ عَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ استكبر في أرض مصر ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾ أصنافا يصرف كل صنف فيما يريد ﴿ يَسْتَضْعِفُ ﴾ حال من فاعل جعل ﴿ طَائِفَةً مِّنْهُمْ ﴾ يعني : بني إسرائيل ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ ﴾ بدل من يستضعف ﴿ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ ﴾ يخليهن أحياء للخدمة ﴿ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
﴿ وَنُرِيدُ ﴾ حكاية حال ماضية ﴿ أَن نَّمُنَّ ﴾ نتفضل ﴿ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بإنقاذهم من بأسه، والجملة عطف على ﴿ إن فرعون ﴾ أو حال من مفعول يستضعف ﴿ وأن نمن ﴾ مستقبل وإرادة الله إذا تعلقت بشيء في زمان مترقب وجب أن لا يتوقف عن ذلك الزمان ﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾ قادة في الخير أو ملوكا ﴿ وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ : لما كان في تحت يد فرعون وقومه،
﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ : نسلطهم في أرض مصر والشام ﴿ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم ﴾ من بني إسرائيل متعلق بنرى ﴿ مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ من ذهاب ملكهم في يد مولود من بني إسرائيل فإن القبط قد سمعوا ذلك من بني إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل عليه السلام
﴿ وَأَوْحَيْنَا ﴾ ألهمنا ﴿ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ ما دامت غير خائفة عليه ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ من أن يحس فرعون به ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾ بحر نيل ﴿ وَلَا تَخَافِي ﴾ عليه فعلينا حفظه ﴿ وَلَا تَحْزَنِي ﴾ في هجره ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ﴾ فإن أمه جعلته في تابوت، وسيرته في النيل فوقع التابوت في نهر كان يجري منه إلى بيت فرعون فأخذه أهل داره ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ اللام لام العاقبة ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ مذنبين فعاقبهم الله بأن ربي عدوهم على أيديهم، أو خاطئين في الأفكار فأخطئوا في تربية عدوهم
﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ ﴾ لفرعون حين فتحت التابوت ورأت فيه غلاما بهيا ﴿ قُرَّتُ ﴾ أي : هو قرة ﴿ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ﴾ فأجابها أما لك فنعم، وأما لي فلا فكان كذلك ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ ﴾ فإنه جاء من أرض أخرى، وهو أكبر من ابن سنة ﴿ عَسَى أَن يَنفَعَنَا ﴾ فإن آثار اليمن تظهر منه ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ نتبناه فليس لها ولد منه ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ من كلام الله أي : التقطوا، وقيل : كذا وكذا أو الحال أنهم لا يشعرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه وقيل : من كلام امرأة فرعون والضمير للناس، أي : نتخذه ولدا والناس لا يشعرون أنه ولد غيرنا
﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾ خاليا من كل شيء كالمجنون في غم ولدها ﴿ إِن كَادَتْ ﴾ إنها كادت ﴿ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ أي : من شدة الحزن كادت تظهر أن لها ولدا ذهب به الماء ﴿ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴾ بالصبر جوابه ما يدل عليه ما قبله ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ من المصدقين بوعد الله حين ألهمها بأنا رادوه إليك وهو علة الربط قيل : معناه أصبح فؤادها خاليا من الغم لسماعها أن فرعون تبناه وكادت من الفرح تظهر حاله
﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ ﴾ أخت موسى مريم ﴿ قُصِّيهِ ﴾ اتبعي أثره وتتبعي خبره ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ﴾ عن بعد ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أنها أخته
﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾ تحريما قدريا، يعني منعناه من أن يرتضع من المرضعات ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ من قبل تتبعها ﴿ فَقَالَتْ ﴾ أخته :﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ ﴾ يضمنونه ويرضعونه، لكم : لأجلكم ﴿ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ لا يقصرون في خدمته قيل لما قالت ذلك القول أخذوها، وقالوا : عرفت هذا الولد فدلينا، فقالت : لا أعرفه وإنما أردت أنهم للملك ناصحون لا للولد حتى استدللتم على أبي أعرفه فخلوها فأتت بأمها فالتقم ثديها فقالوا : من أنت منه، فقالت : إني امرأة طيبة النشر لا أوتى بصبي إلا قبلني فأعطوه إياها مع أجر وعطاء جزيل فذهبت به إلى بيتها شاكرة
﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ﴾ برؤيته ﴿ وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ ﴾ علم مشاهدة ﴿ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ في رده إليها وجعله من المرسلين ﴿ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ غرضنا في رده إليها، أو لا يعلمون أن وعدنا رده إليها أو أن وعده حق.
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ منتهى قوته وهو ما فوق الثلاثين ﴿ وَاسْتَوَى ﴾ اعتدل عقله ﴿ آتَيْنَاهُ حُكْمًا ﴾ نبوة ﴿ وَعِلْمًا ﴾ بالدين أو حكمة وفهما قبل النبوة ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ مثل ذلك الجزاء نجزيهم
﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ ﴾ مدينة بأرض مصر وهذه الجملة ذكر سبب وصوله إلى النبوة وقصته على الوجه الأول الذي فسرنا الحكم بالنبوة، فإنها كانت قبل بعثته ﴿ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ كان وقت القيلولة وقيل بين العشائين ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ ﴾ من بني إسرائيل ﴿ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ من القبط والإشارة على الحكاية ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ ﴾ طلب أن يغيثه بالعون ﴿ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ لما كان فيه معنى طلب العون عدى بعلى ﴿ فَوَكَزَهُ ﴾ هو الضرب بجمع الكف أو الدفع بأطراف الأصابع ﴿ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ فقتله ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ لأنه لم يؤمر بقتل الكفار ﴿ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ﴾
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ بقتله ﴿ فَاغْفِرْ لِي ﴾ ذنبي ﴿ فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ ﴾ بحق إنعامك ﴿ عَلَيَّ ﴾ اعصمني ﴿ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا ﴾ معينا ﴿ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ لمن أدت مظاهرته إلى جرم أو معناه أقسم بإنعامك علي وجوابه محذوف، أي : لأتوبنّ، وعن ابن عباس لم يستثن، فابتلى به مرة أخرى، أي : لم يقل فلن أكون إن شاء الله
﴿ فَأَصْبَحَ ﴾ موسى ﴿ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ ينتظر سوء ﴿ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ ﴾ ذاك الإسرائيلي ﴿ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ يستغيثه ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ فإنك تسببت لقتل، ثم تدعوني إلى آخر
﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ ﴾ موسى ﴿ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا ﴾ بالقبطي ﴿ قَال ﴾ الإسرائيلي :﴿ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ﴾ لما سمى الإسرائيلي غويّا ظن أن البطش عليه ﴿ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ بين الناس فلما سمع القبطي هذا الكلام منه راح إلى باب فرعون، وأخبره فأمر بقتل موسى وأخذ جنوده الطرق لأخذه
﴿ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ﴾ من آخرها ﴿ يَسْعَى ﴾ يسرع صفة لرجل ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأ ﴾ فرعون وأشرافه ﴿ يَأْتَمِرُونَ ﴾ يتشاورون ﴿ بِكَ ﴾ بسببك ﴿ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ ﴾ من البلد ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ لك بيان لا صله مقدم
﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا ﴾ من المدينة ﴿ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ لحوق شر ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ من شرهم.
﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء ﴾ قبالة ﴿ مَدْيَنَ ﴾ قرية شعيب، ولم تكن تحت سلطان فرعون ﴿ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ قصد الطريق، وكان لا يعرف الطريق إلى مدين فتوكل وتوجه
﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ ﴾ وصل إلى بئر لهم ﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ﴾ جماعة ﴿ مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ﴾ مواشيهم ﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ﴾ في مكان أسفل من مكانهم ﴿ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ﴾ تمنعان غنمهما عن الماء انتظارا لخلو شفير البئر ﴿ قَالَ ﴾ موسى :﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ ما شأنكما تذودان ؟ ﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ ﴾ يصرف ﴿ الرِّعَاء ﴾ مواشيهم ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ لا يستطيع الخروج للسقي، ونحن ضعفاء لا نقدر على مزاحمة الرجال
﴿ فَسَقَى ﴾ مواشيهما ﴿ لَهُمَا ﴾ رحمة عليهما عن عمر :( لما فرغ الناس جعلوا صخرة لا يستطيع رفعها إلا عشرة على رأس البئر فرفع موسى الحجر وحده ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا ودعا بالبركة وروى غنمهما ﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ ظل شجرة ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ ﴾ طعام ﴿ فَقِيرٌ ﴾ محتاج سأل ربه أن يرزقه شيئا ليأكل فإنه من الجوع في غاية ( وما ) موصوفة وتنكير خير للشيوع أي : قليل أو كثير، وتعدية فقير باللام لأنه ضمن معنى طالب وسائل
﴿ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء ﴾ مستحيية متسترة بكم درعها ﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ﴾ فإنهما لما رجعتا سأل أبوهما عن سرعتهما اليوم في السقي فقصتا، فبعث إحداهما لتدعوه ﴿ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ جزاء سقيك ﴿ فَلَمَّا جَاءهُ ﴾ موسى ﴿ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ﴾ أخبره بأمر الذي أخرجه من أرضه ﴿ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ فرعون وقومه
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ لرعي الغنم ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ وهو كذلك علمت قوته من قلع الحجر، وأمانته من أنه أمرها بأن تكون خلفه في الطريق كيلا يراها، واختلف في أنهما ابنتا شعيب أو ابن أخيه أو رجل مؤمن من قومه( * )
﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ﴾ من أجرته إذا كنت له أجيرا، فقوله :﴿ ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾ ظرفه، أو من أجرته كذا إذا أثبته إياه، فثماني حجج ثاني مفعوليه، أي : رعية ثماني حجج ﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا ﴾ عمل عشر حجج ﴿ فَمِنْ عِندِكَ ﴾ فإتمامه من عندك تفضلا وتبرعا، ويمكن أن يكون مثل هذا النكاح جائزا في شرعهم، ويمكن أن يكون هذا استدعاء العقد لا نفسه ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾ بالإلزام إتمام العشر ﴿ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ في حسن الصحبة، والوفاء بالقول
﴿ قَالَ ﴾ موسى :﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي عاهدتني فيه ﴿ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ﴾ قائم لا نخرج عما شرطنا ﴿ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ ﴾ الأقصر والأطول ﴿ قَضَيْتُ ﴾ ما زائدة ﴿ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ﴾ لا يعتدي علي في طلب الزيادة عليه، ولي الخيار مطلقا ﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ ﴾ من المشارطة، ﴿ وَكِيلٌ ﴾ شاهد.
﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ ﴾ في الحديث قضى أطولهما ﴿ وَسَارَ بِأَهْلِه ﴾ بامرأته بنته الصغرى وقيل الكبرى ﴿ آنَسَ ﴾ أبصر ﴿ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ﴾ وكان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد ﴿ قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ﴾ لعل معها غيرها أو عظمها لأنها ابنة نبي ﴿ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ﴾ من الطريق فإنه أخطأ الطريق ﴿ أَوْ جَذْوَةٍ ﴾ عود غليظ ﴿ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ تستدفئون بها من البرد
﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ ﴾ جانب ﴿ الْوَادِي الْأَيْمَنِ ﴾ عن يمين موسى ﴿ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ ﴾ متصل بالشاطئ، أو صلة لنودي ﴿ مِنَ الشَّجَرَةِ ﴾ بدل اشتمال من شاطئ فإنها نابتة على الشاطئ ﴿ أَن يَا مُوسَى ﴾ أن مفسرة ﴿ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي : الذي يكلمك رب العالمين
﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ عطف على أن يا موسى ﴿ فَلَمَّا رَآهَا ﴾ أي : فألقاها وصارت ثعبانا فلما رآها ﴿ تَهْتَزّ ﴾ تتحرك بسرعة ﴿ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾، حية صغيرة من سرعة حركتها ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا ﴾ منهزما من الخوف ﴿ وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ لم يرجع ﴿ يَا مُوسَى ﴾ أي : نودي يا موسى ﴿ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ فرجع ووقف في مكانه الأول
﴿ اسْلُكْ ﴾ أدخل ﴿ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء ﴾ كأنها قطعة قمر ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ كبرص ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ أمر أن يضم إليه يده إذا خاف من شيء، وعن ابن عباس وغيره إذا خاف أحد ووضع يده على فؤاده يخفّ ويزول خوفه فمن الرهب أي : من أجله أو معناه تجلد ولا ترتعد من الخوف، والطائر ينشر جناحيه حين خوفه ويضم حين اطمئنانه ﴿ فَذَانِكَ ﴾ العصا واليد ﴿ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ ﴾ معجزتان ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ أي : مرسلا بهما إليه ﴿ وَمَلَئهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ بها
﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا ﴾ وقد مر أن له نوع لكنة ﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا ﴾ معينا ﴿ يُصَدِّقُنِي ﴾ بإتمام الحجة ورفع الشبهة ويصدقني بالجزم جواب، وبالرفع صفة ردءا، وعن مقاتل أرسله يصدقني فرعون لأن خبر الاثنين أوقع ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾
﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ ﴾ نقويك ﴿ بِأَخِيكَ ﴾ فإن اليد تشتد بشدة العضد وجملة البدن تقوى بشدة اليد ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ﴾ حجة وبرهانا ﴿ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾ لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكم ﴿ بِآيَاتِنَا ﴾ بسبب إبلاغكما آيات الله، وقيل متعلق بنجعل ﴿ أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ وقيل : بآياتنا متعلق بالغالبون على أن يكون اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي
﴿ فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى ﴾ على الله ﴿ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا ﴾ الذي يدعونا إليه أو السحر ﴿ فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾ في أيامهم
﴿ وَقَالَ مُوسَى ﴾ بعد أن كذبوه ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ ﴾ فيعلم حقيقتي وبطلانكم ﴿ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ النصرة والعاقبة المحمودة في الدنيا ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ أظهر عند الرعية أن وجود إله غيره غير معلوم، وأنه يستطيع أن يحقق ذلك، فلذلك أمر ببناء صرح وقال :﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ ﴾ أطبخ لي الأجر ﴿ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا ﴾ بناء مشرفا عاليا ﴿ لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ﴾ كأنه ظن بجهله أنه لو كان لكان جسما في السماء يمكن الصعود إليه ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ ﴾ أي : موسى ﴿ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ في أن لكم إلها غيري وهو رسوله
﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ بغير استحقاق ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ اعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد
﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ ﴾ ألقيناهم ﴿ فِي الْيَمِّ ﴾ ككف رماد ﴿ فَانظُرْ ﴾ يا محمد ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ فحذر قومك عن مثلها
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾ قدوة وسادة للضلال ﴿ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ إلى موجباتها من الكفر والمعاصي ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴾ بدفع العذاب
﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾ يلعنهم الرسل والمؤمنون ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ سود الوجوه زرق العيون.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ التوراة ﴿ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى ﴾ قوم فرعون ونوح وعاد وثمود وغيرهم ﴿ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ ﴾ من عمى القلب والغي، نصب على الحال من الكتاب ﴿ وَهُدًى ﴾ إلى الطريق المستقيم ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ لو علموا به نالوا رحمة الله ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ ليكونوا على حال يرجى منهم التذكر
﴿ وَمَا كُنتَ ﴾ يا محمد ﴿ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ﴾ حاضرا في جانب الغربي من الجبل الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية ﴿ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ﴾ فوضنا إليه أمر الرسالة ﴿ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ لذلك حتى تعرف هذه القصة وترى هذه الأحوال فما هو إلا من إعلام الله ووحيه، فكيف يرتاب أحد في نبوتك
﴿ وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا ﴾ خلقنا أمما بعد موسى ﴿ فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ﴾ فخربوا الشرائع، وكذبوا الرسل وأفسدوا، ونسوا عهودهم فلذلك كذبوك وإن كانت دلائل نبوتك ظاهرة ﴿ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا ﴾ مقيما ﴿ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ هم شعيب( * ) والمؤمنون به ﴿ تَتْلُو عَلَيْهِمْ ﴾ تقرأها عليهم تعلما منهم ﴿ آيَاتِنَا ﴾ التي فيها قصتهم فتحكي ما رأيت، وتعلمت قال بعض المفسرين معناه : ما كنت فيهم رسولا تتلوا عليهم آياتنا فتقص ما قد رأيت منهم ﴿ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ إليك أخبارهم بوحينا
﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ موسى وأعطيناه التوراة، وقلنا له خذ الكتاب بقوة، وعن بعض السلف معناه إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم حين سألني موسى رؤيتك، وقلت له إنك لن تصل إلى ذلك لكن إن شئت أسمعتك صوت أمته ﴿ وَلَكِن ﴾ علمناك وأوحينا إليك ﴿ رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ عليك وعلى أمتك ﴿ لِتُنذِرَ قَوْمًا ﴾ متعلق بما قدرناه عاملا في رحمته ﴿ مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ فإنهم في فترة بينك وبين عيسى ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ لكي يتعظوا
﴿ وَلَوْلَا ﴾ هي امتناعية ﴿ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا ﴾ الفاء للعطف على تصيبهم ﴿ رَبَّنَا لَوْلَا ﴾ هلا ﴿ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ﴾ الفاء جواب لولا الثانية ﴿ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وجواب لولا الأولى محذوف، أي : لما أرسلناك وحاصل الآية لولا قولهم ربنا هلا أرسلت رسولا نؤمن به ويعلمنا الدين، إذا عاقبناهم بسبب ما كسبت أيديهم من المعاصي لما أرسلناك فإرسالك لئلا يكون لهم حجة علينا إن عذبناهم يعني هم مستحقون للعقاب لكن تأخيره وإرسالك لقطع الحجة
﴿ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا ﴾ أي : محمد عليه السلام ﴿ قَالُوا ﴾ عنادا ﴿ لَوْلَا ﴾ هلا ﴿ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى ﴾ من اليد والعصا وغيرهما ﴿ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا ﴾ أي : ألم يؤت موسى ما أوتي وألم يكفروا أي أبناء جنسهم، وهم كفرة زمان موسى ﴿ بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا ﴾ في موسى وهارون ﴿ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ﴾ تعاونا واتفقا، وقراءة ( سحران ) في معنى ذوا سحر أو سموهما سحران للمبالغة ﴿ وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ ﴾ منهما ﴿ كَافِرُونَ ﴾ أو معناه يطلب قريش منك مثل معجزات موسى، أو لم يكفروا بمعجزاته وقالوا فيكما يا محمد وموسى ساحران كل يصدق الآخر، ويعاونه أو القرآن والتوراة سحران كل يصدق الآخر، وقالوا : نحن بكل منهما كافرون
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا ﴾ من التوراة والقرآن ﴿ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أنا ساحران وهذا إلزامهم وتبكيتهم
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ﴾ دعائك إلى الإتيان بكتاب أهدى ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ ﴾ لأنهم ما رجعوا بعد ما ألزمتهم بالحجة عن العناد ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ استفهام إنكار ﴿ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾ حال التوكيد وقيل للتقييد فإن هوى النفس قد يكون من الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ المتبعين للهوى.
﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ﴾ أي : القرآن أتاهم متتابعا متواصلا قصصا للأمم الخالية ونصائح ووعدا ووعيدا أو نزل عليهم نزولا متصلا بعضه ببعض ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ لكي يتعظوا
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ ﴾ من قبل القرآن ﴿ هُم ﴾ لا قريش ﴿ بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ نزلت في مؤمني أهل الكتاب أو في وفد جاءوا من عند النجاشي من الحبشة، ﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ﴾ الآية [ المائدة : ٨٣ ]،
﴿ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ لأنا نعلم قبل ذلك محمدا والقرآن لأن وصفهما مذكور في كتابنا
﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾ مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقرآن، وإن كانوا مؤمنين به من قبل ﴿ بِمَا صَبَرُوا ﴾ بسبب صبرهم وثباتهم على اتباع الحق أولا وآخرا ﴿ وَيَدْرَءُونَ ﴾ يدفعون ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ بالطاعة ﴿ السَّيِّئَةَ ﴾ المعصية، أو لا يقابلون الأذى بمثله يل يعفون، بل يجاوزون بالإحساس ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ في الخير
﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْو ﴾ القبيح من القول كشتمهم ﴿ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ تكرما ﴿ وَقَالُوا ﴾ للاغين ﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ المراد سلام المتاركة والتوديع ﴿ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ لا نريد صحبتهم وطريقتهم وذلك حين كان المشركون يسبون مؤمني أهل الكتاب قائلين تبا لكم تركتم دين آبائكم
﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ نزلت حين عرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الإيمان على أبي طالب في حين موته فأبى ورد ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ بالمستعدين لذلك.
﴿ وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ ﴾ نؤمن بك ﴿ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ نخرج من بلادنا، نزلت في قوم قالوا : نحن نعلم صدقك لكنا إن اتبعناك خفنا أن يخرجنا العرب من أرضنا مكة لإجماعهم على خلافنا فرد الله قولهم بقوله ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ ﴾ أو لم نجعل مكانهم ﴿ حَرَمًا آمِنًا ﴾ مع كفرهم، فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا كانوا موحدين ! يعني : هم كاذبون في عذرهم ﴿ يُجْبَى ﴾ يجمع ويحمل ﴿ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي : ثمرات كثيرة ﴿ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا ﴾ مصدر من معنى يجبي ؛ لأنه في معنى يرزق أو مفعول له أو حال بمعنى مرزوقا من ثمرات وجاز لتخصصها بالإضافة ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ جهلة، ولذلك قالوا ما قالوا.
ثم بين أنهم أحقاء بأن يخافوا بأس الله لا العرب، فقال :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ أي : من أهلها ﴿ بَطِرَتْ ﴾ طغت وأشرت تلك القرية ﴿ مَعِيشَتَهَا ﴾ أي : في معيشتها منصوب بنزع الخافض أو مفعول بطرت بتضمين كفرت يقال : بطر فلان نعمة الله أي : استخفها وكفرها ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ خاوية ﴿ لَمْ تُسْكَن ﴾ من السكنى ﴿ مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ أي : إلا سكنى قليلا إذ لا يسكنها إلا المسافر حين العبور ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ إذ لم يبق أحد منهم يرثهم
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى ﴾ أي : ما جرت عادة الله على إهلاكها ﴿ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا ﴾ أصلها وأعظمها فإنما الأشراف فيها ﴿ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ فإن أنكروا نزل عليهم العذاب ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ بتكذيب الرسول وارتكاب المعاصي وعن بعض المفسرين معناه ما كان في حكمنا وقضائنا أن نهلك القرى ونخرب الدنيا حتى نبعث في أم القرى ( مكة ) رسولا إلخ
﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ ﴾ قليل أو كثير من أسباب الدنيا ﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾ ما هو إلا تمتع وزينة أياما قلائل ﴿ وَمَا عِندَ اللَّهِ ﴾ الجنة ونعيمها ﴿ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ حسن الوعد بحسن الموعود كالجنة ﴿ فَهُوَ لَاقِيهِ ﴾ مدركه ﴿ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ الذي هو مشروب بأنواع الغصص ﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ للحساب والعذاب وهذه الآية كالنتيجة لما قبلها، ولذلك رتب عليها بالفاء نزلت في النبي عليه السلام وأبي جهل أو في علي وحمزة وأبي جهل
﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ أي : اذكروا يوم ينادي المشركين ﴿ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ أي : تزعمونهم شركائي بحذف المفعولين
﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ وجب عليهم العذاب، أي : شياطينهم وسادتهم في الضلال خوفا من أن يقول السفلة لا ذنب إنما الذنب لسادتنا ﴿ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا ﴾ أي : أغويناهم ﴿ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ أي : أغويناهم فغووا غيّا مثل ما غوينا هي خبر هؤلاء والذين مع صلته صفته أو الموصول خبره وهذه مستأنفة ﴿ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ﴾ منهم ﴿ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ فإنهم يعبدون أهواءهم فنحن وهم سواء في الغواية شهدوا على أنفسهم بالغواية والإغواء ثم تبرءوا من عبادتهم، قال تعالى :﴿ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ﴾ الآية [ البقرة : ١٦٦ ]،
﴿ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ ﴾ لتخلصكم عن العذاب ﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾ لعجزهم ﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ لهم ولأربابهم ﴿ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ جواب لو محذوف، أي ما رأوا العذاب أو لو للتمني فهو على الحكاية كأقسم ليضربن أو على تأويل رأوا متمنين هدايتهم
﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ سأل أولا عن إشراكهم ثم عن تكذيبهم رسلهم
﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ ﴾ صارت الأنباء كالعمى عليهم لا تهتدي إليهم وفيه مبالغة ليس في عموا عن الأنباء وهذا كما يقول الكافر في قبره هاه هاه لا أدري( * ) قال مجاهد : معناه فخفيت عليهم الحجج ﴿ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ ﴾ لا يسأل بعضهم عن بعض لفرط حيرة كل منهم
﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ ﴾ من الشرك ﴿ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ أي من جمع بين الإيمان والعمل الصالح فليطمع في الفلاح وليكن بين الخوف والرجاء وعسى من الكرام تحقيق
﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ﴾ لا معقب ولا منازع لحكمه ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة ﴾ أي : التخير يعني ليس لأحد أن يختار عليه أو ليس لهم اختيار أصلا بل هم عاجزون تحت قدره قيل : ما موصولة مفعول يختار والعائد محذوف أي يختار الذي كان لهم فيه صلاحهم ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ عن إشراكهم نقل أنها نزلت حين قالوا :( لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [ الزخرف : ٣١ ]،
﴿ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ تستر ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾
﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى ﴾ الدنيا ﴿ وَالْآخِرَةِ ﴾ فإنه مولى النعم في الدارين ﴿ وَلَهُ الْحُكْمُ ﴾ فصل القضاء بين الخلق ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بالنشور
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾ أخبروني ﴿ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا ﴾ دائما ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ لا نهار معه ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾ سماع فهم
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا ﴾ هو من السرد، والميم مزيدة ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، لا ليل معه، ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ﴾، استراحة عن المتاعب وصف الليل دون النهار، لأن النهار مستغن عن الوصف، ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ ختم الأولى بقوله أفلا تسمعون، والثانية بأفلا تبصرون لمناسبة قوة السامعة بالليل، وقوة الباصرة بالنهار
﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ في الليل ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ﴾ بالنهار بأنواع المكاسب ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ولكي تشكروا نعمه
﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ التكرار للتقريع بعد التقريع
﴿ وَنَزَعْنَا ﴾ أخرجنا ﴿ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ﴾ نبيهم يشهد عليهم بما كانوا عليه ﴿ فَقُلْنَا ﴾ للأمم ﴿ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ على صحة ما كنتم تدعونه ﴿ فَعَلِمُوا ﴾ حينئذ ﴿ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ﴾ ولرسله لا لهم ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم ﴾ غاب غيبة الضائع ﴿ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ من الباطل.
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى ﴾ ابن عمه آمن به ثم نافق ﴿ فَبَغَى ﴾ تكبر ﴿ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ﴾ جمع مفتح وهو ما يفتح به ﴿ لَتَنُوءُ ﴾ تثقل ﴿ بِالْعُصْبَةِ ﴾ الجماعة الكثيرة ﴿ أُولِي الْقُوَّة ﴾ ما الموصولة مع صلته التي هي أن واسمها وخبرها ثاني مفعولي ﴿ آتينا ﴾ ﴿ إِذْ قَالَ ﴾ ظرف لتنوء ﴿ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ﴾ بدنياك، فإن الفرح بها مدة قصيرة وهو يورث غمّا سرمدا ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ الأشرين البطرين بالدنيا
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ ﴾ من المال ﴿ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾ بأن تصرفه في مرضاة الله ﴿ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ فإن نصيب كل أحد ليس إلا ما يأكل ويلبس، أو النصيب ما ينفعك مالا وما هو إلا أعمال الخير، قيل النصيب الكفن ﴿ وَأَحْسِن ﴾ إلى الناس ﴿ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ قيل : أحسن بالشكر كما أحسن الله بالإنعام إليك ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ ﴾ الظلم والكبر والمعاصي ﴿ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين ﴾
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾ أي : أعطاني على علم وفضل عندي أستحقه لذلك، ولولا معرفته بفضلي ورضاه ما أعطاني وهو كان أقرأ بني إسرائيل وأحفظهم بالتوراة، قيل ( عندي ) خبر محذوف أي هذا في اعتقادي وظني وقيل : متعلق بأوتيت كقولك جاز ذلك عندي ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ ﴾ عطف على محذوف أي : ألم يقرأ ولم يعلم ﴿ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ للمال، فلا تدل كثرة الدنيا على أن صاحبها يستحق رضى الله ﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾، أي : لا يسأل الله أو الملائكة المجرمين عن ذنوبهم، بل يدخلهم النار بلا سؤال وحساب وهذا في موطن خاص أو هو سؤال علم، بل هو سؤال توبيخ
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ من مراكب وملابس وخدم وحشم ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا ﴾ أي : المؤمنون الراغبون في الدنيا ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ من الدنيا
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ أي : الأحبار لمن تمنى ويلكم ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ دعاء بالهلاك مستعمل في الزجر ﴿ ثَوَابُ اللَّهِ ﴾ في الآخرة ﴿ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ مما أوتي قارون ﴿ وَلَا يُلَقَّاهَا ﴾ الثواب والتأنيث لأنه بمعنى المثوبة أو الجنة ﴿ إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ على حكم الله، وهو من تتمة النصيحة أو المعنى ما يلقى هذه الكلمة التي تكلم بها العلماء إلا الصابرون فعلى هذا من كلام الله منقطع عن الأول
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ نقل أنه كان يؤذي موسى كل وقت فأعطى يوما مالا لامرأة لتنسبه إلى الزنا فلما كان يوم العيد في محضر الخلق رمته بنفسها فناشدها موسى أن تصدق، فقالت : أعطاني قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فدعا عليه موسى فأوحى الله إليه جعلنا الأرض مطيعة لك فأمرها تأخذه( * ) فأخذته وإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ ﴾ أعوان ﴿ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴾ من الممتنعين من عذاب الله، أو من المنتصرين بنفسه
﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ ﴾ منزلته ﴿ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ﴾ مركب من ( وي ) وهي كلمة تندم و( كأن ) أو ويل بمعنى ويلك وأن الله منصوب بمقدر وهو أعلم ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ بمقتضى إرادته لا لكرامة وفضل ﴿ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بنا ﴾ لأنا وددنا أن نكون مثله ﴿ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ لنعمه أو بالله ورسله.
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ ﴾ في تلك الإشارة تعظيم للآخرة أي : التي سمعت بذكرها، وبلغك وصفها ﴿ نَجْعَلُهَا ﴾ إما خبر تلك والدار صفته أو الدار خبره وهو استئناف ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ ﴾ تكبرا أو استكبارا عن الإيمان ﴿ وَلَا فَسَادًا ﴾ عملا بالمعاصي أو دعوة الخلق إلى الشرك ﴿ وَالْعَاقِبَةُ ﴾ الحسنى ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ عن معاصيه
﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ﴾ من وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة تبغيض السيئة إلى قلوب السامعين ﴿ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أي : إلا مثله فحذف المثل للمبالغة
﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ﴾ أي : تلاوته وتبليغه ﴿ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ وأي معاد، وهو معاد ليس لغيرك مختص بك وهو المقام المحمود أو إلى مكة، فقيل : نزلت حين المهاجرة في طريق المدينة، وعن بعض المفسرين : إن ابن عباس فسره مرة بالموت ومرة بالعود إلى مكة، ومراده بالثاني أيضا الموت، لأن ابن عباس يرى فتح مكة من علامات قرب موته، وكأن التفسيرين واحد ﴿ قُل ﴾ يا محمد لمن ينسبك إلى الضلال ﴿ رَّبِّي أَعْلَمُ ﴾ يعلم ﴿ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ فمن جاء مفعول لفعل دال عليه أعلم
﴿ وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ﴾ ما كنت تظن وتأمل الوحي والنبوة قبل ذلك ﴿ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ لكن ألقي إليك لرحمة من ربك وقيل : الاستثناء متصل محمول على المعنى كأنه قال : ما ألقي إليك الكتاب لأمر إلا لرحمة ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ ﴾ فخالفهم ونابذهم، نقل أنه نزل حين دعى إلى دين آبائه
﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ ﴾ العمل بالقرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ إلى معرفته وطاعته ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ حقيقة الخطاب لأهل دينه
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ إلا ذاته المقدس عن الفناء أو معناه إلا ما أريد به وجهه، أي : كل عمل لم يرد به وجه الله فهو باطل فان ﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ القضاء النافذ ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾، للجزاء.
والحمد لله رب العالمين