ﰡ
فإن قلتَ : ما فائدة وحي الله تعالى إلى ( أم موسى ) بإرضاعه، مع أنها ترضعه طبعا، وإن لم تُؤمر بذلك ؟
قلتُ : أمرها بإرضاعه ليألف لبنها، فلا يقبل ثدي غيرها، بعد وقوعه في يد فرعون، فلو لم يأمرها به، ربما كانت تسترضع له مرضعة، فيفوت المقصود( ٢ ).
قوله تعالى :﴿ فإذا خفت عليه فألفيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني... ﴾ [ القصص : ٧ ].
إن قلتَ : جواب الشرط لا يجامعه، وجوابه هنا : الإلقاء وعدم الخوف، فكلّ منهما يجامعه، فيصدق بقوله : فإذا خفت عليه فلا تخافي عليه، وذلك تناقض ؟
قلتُ : معناه فإذا خفت عليه القتل، فألقيه في اليمّ، ولا تخافي عليه الغرق، فلا تناقض.
فإن قلتَ : ما الفرق بين الخوف والحزن، حتى عُطف أحدهما على الآخر في الآية ؟
قلتُ : الخوف غمّ يصيب الإنسان، لأمر يتوقعه في المستقبل، والحزن : غمّ يصيبه لأمر وقع ومضى.
٢ - في مخطوطة الجامعة (ما كانت تسترضع له) وهو خطأ وصوابه (ربما كانت) كما هو في مخطوطة مكتبة الحرم الشريف..
إن قلتَ : كيف جعل موسى قتله القبطيّ الكافر من عمل الشيطان، وسمّاه ظلما لنفسه واستغفر منه ؟
قلتُ : أما جعلُه ذلك من عمل الشيطان، فلكونه كان الأولى له تأخير قتله إلى زمن آخر، فلمّا تعجّل ترك المندوب، جعله من عمل الشيطان( ١ ).
وأما تسميته ظلما، فمن حيث إنه حرم نفسه الثواب بترك المندوب، أو من حيث إنه قال ذلك على سبيل الانقطاع إلى الله، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه، وإن لم يكن ثمة ذنب، وأما استغفاره من ذلك، فمعناه : اغفر لي ترك ذلك المندوب.
قيل : موافقة هنا لقوله قبل ﴿ فوجد فيها رجلين يقتتلان ﴾ [ المائدة : ٢٣ ] واهتماما ثَمَّ بتقديم ﴿ من أقصى المدينة ﴾ لما رُوي أن الرجل " حزقيل " وقيل " حبيب " كان يعبد الله في جبل، فلما سمع خبر الرُّسل، سعى مستعجلا.
إن قلت : موسى لم يَسْقِ لابنتي شعيب طلبا للأجر، فكيف أجاب دعوة شعيب في قول ابنته له ﴿ إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ﴾ [ القصص : ٢٥ ] ؟ !
قلتُ : يجوز أن يكون أجاب دعوته لوجه الله تعالى، على وجه البِرّ والمعروف، لا طلبا للأجر( ١ ) وإن سُمِّي في الدعوة أجرا.
قاله هنا بلفظ " الصالحين " وفي الصافات( ١ ) بلفظ " الصّابرين " لأنّ ما هنا من كلام " شعيب " وهو المناسب للمعنى هنا، إذ المعنى ستجدني من الصالحين في حسن العِشرة، والوفاء بالعهد.
وما هناك من كلام " إسماعيل " وهو المناسب للمعنى ثَمّ، إذِ المعنى ستجدني من الصابرين على الذبح.
قاله هنا بزيادة الباء، وبعدُ بدونها، تقوية للعامل هنا بحسب الظاهر، لضعفه عن العمل، وحذفه( ١ ) بعدُ اكتفاءً بدلالة الأول عليه.
قاله هنا بحذف ﴿ أبلغ الأسباب أسباب السموات ﴾ وقال في غافر( ١ ) بذكره، لأن ما هنا تقدّمه ﴿ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ [ القصص : ٣٨ ] من غير ذكر أرض وغيرها، فناسبه الحذف، وما هناك تقدّمه ﴿ إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ﴾ [ غافر : ٢٦ ] فناسبه مقابلته بالسماء في قوله :﴿ لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات ﴾ [ غافر : ٣٦، ٣٧ ].
قوله تعالى :﴿ وإني لأظنه من الكاذبين ﴾ [ القصص : ٣٨ ].
قال ذلك هنا، وقال في غافر ﴿ وإني لأظنه كاذبا ﴾ [ غافر : ٣٧ ] موافقة للرويّ هنا، وعلى الأصل بلا معارض ثَمَّ.
إن قلتَ : أوّلها يُغني عن قوله :﴿ وما كنت من الشاهدين ﴾ [ القصص : ٤٤ ] ؟
قلتُ : لا، إذ معنى أوّلها : ما كانت يا محمد حاضرا، حين أحكمنا إلى موسى الوحي، ومعنى ﴿ وما كنت من الشاهدين ﴾ أي الحاضرين قصته مع شعيب عليهم السلام فاختلفت القصتان.
قاله هنا بالواو، وفي الشورى( ١ ) بالفاء، لأن ما هنا لم يتعلّق بما قبله كبير تعلق، فناسب الإتيان به بالواو، المقتضية لمطلق الجمع، وما هناك متعلّق بما قبله أشدّ تعلّق، لأنه عقّب ما لهم من المخافة، بما لهم من الأمنة، فناسب الإتيان به بالفاء، المقتضية للتعقيب.
قوله تعالى :﴿ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ﴾ [ القصص : ٦٠ ].
قال هنا بزيادة " وزينتها " وفي الشورى بحذفه، لأن ما هنا لسبقه، قُصد فيه ذكر جميع ما بُسط، من رزق أعراض الدنيا، فذكر " وزينتها " مع المتاع، ليستوعب جميع ذلك، إذِ المتاع ما لا بدّ منه في الحياة، من مأكول، ومشروب، وملبوس، ومسكن، ومنكوح، والزينة ما يتجمل به الإنسان، وحذفه في الشورى اختصاراً.
ختم آية الليل بقوله :﴿ أفلا تسمعون ﴾ [ القصص : ٧١ ] ؟ وآية النهار بقوله :﴿ أفلا تبصرون ﴾ [ القصص : ٧٢ ] ؟ لمناسبة الليل المظلم الساكن للسّماع، ومناسبة النهار النيِّر للإبصار.
وإنما قُدّم الليل على النهار، ليستريح الإنسان فيه، فيقوم إلى تحصيل ما هو مضطر إليه، من عبادة وغيرها بنشاط وخفّة، ألا ترى أن الجنة نهارُها دائم، إذ لا تعب فيها يحتاج إلى ليل، يستريح أهلُها فيه ؟