ﰡ
﴿ طسم ﴾ هذه الأحرف التي تبدأ بها بعض السور، قيل إنها أسرار محجوبة، وقيل هي أسماء لله. وقيل أقسام له تعالى. وقيل إشارة لابتداء كلام وانتهاء كلام. وقيل أسماء لتلك السور.
تفسير المعاني :
طسم.
هذه آيات القرآن المبين.
﴿ نبأ ﴾ أي خبر.
تفسير المعاني :
نقرأ عليك على لسان جبريل من أخبار موسى وفرعون ونحن محقّون فيما نذكره لقوم يؤمنون.
﴿ علا في الأرض ﴾ أي تكبّر وترفّع. ﴿ شيعا ﴾ أي طوائف وأحزابا، جمع شيعة. ﴿ ويستحيى نساءهم ﴾ أي يبقيهن أحياء.
تفسير المعاني :
إن فرعون تكبّر في مصر وتجبّر، وجعل أهلها طوائف يستضعف طائفة منها فيذبح أبناءهم ويستبقي نساءهم إنه كان من المفسدين.
والذين استضعفهم كانوا بني إسرائيل مريدا بذلك استئصالهم. وقد أراد الله أن يمنّ على أولئك الذين استضعفوا فيجعلهم مقدّمين في أمر الدين ويجعلهم الوارثين لملك فرعون.
﴿ وهامان ﴾ وزير فرعون. ﴿ منهم ﴾ أي من بني إسرائيل.
تفسير المعاني :
ويمكّن لهم في الأرض بمصر والشام، ويرى فرعون وقومه منهم ما كانوا يتوقعون.
لقد تكرر ذكر موسى وفرعون في القرآن على وجوه شتّى لأن في تاريخهما عبرة للعرب وزجرا لهم عن التمادي في إهمال الدعوة الإسلامية.
﴿ اليّم ﴾ البحر، والمراد به هنا النيل.
تفسير المعاني :
ولما ولد موسى في أثناء تلك المحنة أوحينا إلى أمه بأن ترضعه وتخفيه ما استطاعت إلى إخفائه سبيلا، فإن خافت عليه فلتلقه في النيل في صندوق، وألا تخاف ولا تحزن إنّا رادّوه إليها وجاعلوه من المرسلين.
﴿ خاطئين ﴾ أي متعمّدين للخطيئة. يقال خطئ يخطأ خطأ، أي تعمّد الخطأ. أما أخطأ فمعناه لم يصب ولكن بغير تعمّد.
تفسير المعاني :
فالتقطه آل فرعون من الماء لينشأ عدوا وسبب حزن لهم، إن فرعون ووزيره وجنودهما كانوا مجرمين.
﴿ قرّة عين ﴾ أي سرور وارتياح. واشتقاق القُّرة إمّا من القرار فإن العين تقرّ على ما تسر به أي تسكن، وإمّا من القرّ وهو البرد، وبرد العين كناية عن سرور صاحبها.
تفسير المعاني :
وقالت امرأة فرعون عندما وقع نظرها على موسى : إن في هذا الطفل تسلية لي ولك فلا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، وهم لا يشعرون أنه سيكون سبب هلاكهم.
﴿ فارغا ﴾ أي خاليا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوع ابنها في يد فرعون. ﴿ إن كادت ﴾ أي أنها كادت. ﴿ ربطنا على قلبها ﴾ الربط على القلب كناية عن التثبيت.
تفسير المعاني :
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من العقل خوفا على ابنها من وقوعه في يد فرعون وإنها كانت تبدى فزعها لولا أن ثبتناها لتكون من المؤمنين.
﴿ قصّيه ﴾ أي اقتفى أثره وتتبّعي خبره. ﴿ عن جنب ﴾ عن بعد.
تفسير المعاني :
وقالت لأخته : اقتفى أثره وتتبّعي خبره عن بعد وهم لا يشعرون بك.
﴿ يكفلونه لكم ﴾ أي يقومون بأمره لأجلكم. يقال كفله يكفله كفالة أي قام بأمره وضمنه.
تفسير المعاني :
وامتنع موسى من الرضاعة، فقالت لآل فرعون : هل أدلّكم على امرأة تقوم بأمره وتصّح في خدمته ؟
﴿ تقر عينها ﴾ أي تسّر.
تفسير المعاني :
فلما قدّم إليها قبل ثديها وبذلك أرجعناه إلى أمّه كي تسرّ ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق.
﴿ أشدّه ﴾ أي غاية نموّه، وهو مفرد جاء على وزن الجمع. ﴿ آتيناه حكما ﴾ أي حكمة، والمراد بها النبوّة.
تفسير المعاني :
ولما بلغ غاية نموّه جسما وعقلا آتيناه نبوّة وعلما، وكذلك نجزي المحسنين.
﴿ من شيعته ﴾ أي من حزبه، جمعه شِيع. ﴿ فوكزه ﴾ أي فضربه ولكمه. يقال وكزه يكزه وكزا أي لكمه. ﴿ فقضى عليه ﴾ أي فقتله.
تفسير المعاني :
ودخل يوما المدينة وأهلها غافلون عنه، فوجد إسرائيليا وقبطيا يقتتلان به فاستغاث به الأول فضرب الثاني فمات، فقال : هذا من عمل الشيطان إنه عدّو مضلّ ظاهر العداوة.
ثم قال : رب إني ظلمت نفسي بعملي هذا فاغفر لي فغفر له إنه غفور رحيم.
﴿ بما أنعمت عليّ ﴾ أي بسبب ما أنعمت عليّ. ﴿ ظهيرا ﴾ أي معينا.
تفسير المعاني :
قال موسى : يا رب بسبب إنعامك عليّ بالمغفرة والنبوّة فلن أكون بعد اليوم معينا للمجرمين.
﴿ يترقّب ﴾ أي يترصّد أن يقتصّ منه. ﴿ يستصرخه ﴾ أي يستغيث به. ﴿ لغويّ ﴾ أي لضالّ، من غوى يغوي غواية أي ضلّ.
تفسير المعاني :
فأصبح في المدينة خائفا يترصد وقوع القصاص به فإذا الذي طلب نصرته بالمس يستغيث به ثانية، فقال له موسى : إنك أيها الرجل لضالّ ظاهر الضلالة.
﴿ يبطش ﴾ البطش هو الأخذ بعنف.
تفسير المعاني :
فلما دفعته الغيرة عليه لأن يبطش بخصمه، قال له : يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ؟ إنك ما تريد إلاّ أن تكون من الجبابرة السفاكين للدماء، وما تريد أن تكون من المصلحين.
﴿ من أقصى المدينة ﴾ أي من أبعد جهاتها. ﴿ يسعى ﴾ أي يسرع. ﴿ الملأ ﴾ أي الأشراف الذين يملئون العين مهابة جمعه أملاء. ﴿ يأتمرون بك ﴾ أي يتشاورون فيك. وسميّت المشاورة ائتمارا لأن كلا من المستشارين يأمر الآخر.
تفسير المعاني :
وجاء رجل من أقصى المدينة يسرع، فقال : يا موسى إنّ القوم يتشاورون في أمرك ليقتلوك فأخرج من مصر إني لك من الناصحين.
فخرج منها خائفا يترقب أن يلحقه لاحق، قال : رب نجني من الظالمين.
﴿ تلقاء مدين ﴾ أي قبالة مَدين وهي بلدة بقرب مصر. ﴿ سواء السبيل ﴾ أي ما استقام من السبيل. السواء معناه العدل، والوسط بين الحدّين. تقول لقيته في سواء الطريق أي وسطه.
تفسير المعاني :
ولما توجه جهة مدين، قال : رب عسى أن تهديني إلى الطريق القويم.
﴿ أمة من الناس ﴾ أي جماعة كبيرة من الناس. ﴿ ووجد من دونهم امرأتين ﴾ أي في مكان أسفل منهم. ﴿ تذودان ﴾ أي تمنعان أغنامهما من الماء. يقال ذاده يذوده ذودا وذيادا، أي منعه. ﴿ ما خطبكما ﴾ أي ما شأنكما والخطب هو الشأن الذي يخطب فيه الإنسان. ﴿ حتى يصدر الرعاء ﴾ أي حتى ينصرف الرعاة. يقال صدر عن الماء صدرا، انصرف عنه، وأصدره عنه صرفه، والرّعاء والرعاء اسم جمع بمعنى الرعاة.
تفسير المعاني :
ولما ورد ماء مدين وجد عليه جماعة كبيرة يسقون مواشيهم ووجد أسفل منهم امرأتين تمنعان أغنامهما أن ترد الماء. فسألهما عن شأنهما، فقالتا : إننا لا نسقي حتى ينصرف الرعاة، وأبونا شيخ كبير.
فتولى هو سقي غنمهما ثم انصرف إلى الظل، ونادى ربه بأنه محتاج إلى بره وعطفه.
﴿ وقص عليه القصص ﴾ أي وروى له القصة. يقال قص الخبر يقصه قصصا أي رواه.
تفسير المعاني :
فما لبث أن جاءته إحداهما تمشي على استحياء، فقالت له : إن أبي يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت لنا. فلما جاءه وأخبره بخبره قال : لا تخف قد نجوت من القوم الظالمين.
فقالت إحداهما : يا أبت استأجره، إن خير العمال القوي الأمين، وهو موصوف بهاتين الصفتين.
﴿ أن أنكحك ﴾ أي أن أزوجك. ﴿ على أن تأجرني ثماني حجج ﴾ أي على أن تأجرني نفسك ثماني سنين، جمع حجة وهي السنة. يقال أجره الأرض يأجره إياها، أي أجرها له.
تفسير المعاني :
فعرض أبوهما عليه، وهو شعيب، أن يزوجه إحدى ابنتيه على أن يؤجره نفسه ثماني سنين، فإن أتمها عشرا كان ذلك من فضله.
﴿ ذلك بيني وبينك ﴾ أي ذلك عهد. ﴿ أيما الأجلين ﴾ أي أيّ الأجلين، وما زائدة. ﴿ فلا عدوان ﴾ أي فلا مجاوزة للحد. يقال عدا عليه يعدو عدوا وعدوانا أي تجاوز الحد.
تفسير المعاني :
فقبل موسى الشرط وعاهده على الوفاء به.
﴿ الأجل ﴾ أي الميعاد. ﴿ الطور ﴾ أي الجبل، قيل المراد جبل سيناء. ﴿ آنست ﴾ أي أبصرت، وقيل هو إبصار ما يؤنس له. ﴿ جذوة ﴾ الجذوة عود غليظ سواء كان في رأسه نار أم لا. ﴿ تصطلون ﴾ أي تستدفئون.
تفسير المعاني :
فلما أدى موسى المدة التي اشترطها عليه شعيب سار بزوجته، فرأى في الجانب الأيمن من الجبل نارا، فقال لها : امكثي إني رأيت نارا لعلي آتيك منها بخبر عن الطريق ؛ لأنه كان قد تاه عنه، أو بشعلة من النار لتستدفئ بها.
فلما أتاها سمع مناديا من الشاطئ الأيمن للوادي في البقعة المباركة من شجرة الزيتون يقول له : إني أنا الله رب العالمين.
﴿ جان ﴾ أي حية سريعة الحركات. ﴿ ولم يعقب ﴾ أي ولم يرجع. من عقب الفارس أي كر.
تفسير المعاني :
فألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها حية هرب منها ذعرا ولم يرجع. فناداه أقدم يا موسى ولا تخف إنك من الآمنين.
﴿ اسلك ﴾ أي أدخل. ﴿ جيبك ﴾ جيب القميص طوقه. ﴿ واضمم إليك جناحك ﴾ المراد من هذا التعبير إدخال اليد اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس كما يقف الرجل غير المبالي. أو إدخالهما في الجيب. ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات واستعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه، وإذا اطمأن ضمنها. ﴿ الرهب ﴾ أي الخوف.
تفسير المعاني :
وأدخل يدك في طوقك تخرج بيضاء تتلألأ من غير آفة. واضمم إليك يديك من أجل الخوف إذا اعتراك لتظهر التجلد وضبطا لنفسك. فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وقومه إنهم خارجون عن الدين.
قال : رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتصوا مني.
﴿ ردءا ﴾ أي معينا. وأردأه أعانه.
تفسير المعاني :
وأخي هارون أفصح مني لسانا فأرسله معي معينا يصدقني بحجته، لأني أخاف أن يكذبوني ولساني لا يطاوعني عند المحاجة.
﴿ سنشد عضدك بأخيك ﴾ الشد التقوية، والعضد الجزء الأعلى من الذراع، والعبارة كناية عن التقوية فإن قوة الإنسان بشدة يده على مزاولة الأعمال. ﴿ سلطانا ﴾ أي حجة. ﴿ بآياتنا ﴾ متعلق بمحذوف تقديره اذهبا.
تفسير المعاني :
قال الله : سنعينك بأخيك هرون ونجعل لكما حجة دامغة، فلا يصلون إليكما، اذهبا بآياتنا إليهم، أنتما ومن اتبعكما الغالبون.
﴿ بينات ﴾ أي واضحات.
تفسير المعاني :
فلما جاء موسى فرعون وقومه بآياتنا واضحات قالوا : ما هذا إلا سحر مختلق وما سمعنا بهذا. أي بادعاء النبوة، في آبائنا الأولين.
﴿ عاقبة الدار ﴾ المراد بالدار الدنيا وعاقبتها الجنة.
تفسير المعاني :
فقال لهم موسى : ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له العاقبة الحسنة بعد هذه الحياة الدنيا إنه لا يفلح الظالمون.
﴿ الملأ ﴾ الأشراف الذين يملئون العين مهابة، جمعه أملاء. ﴿ فأوقد لي يا هامان على الطين ﴾ أي فاصنع لي يا وزيري هامان آجرا. أي طوبا. ﴿ صرحا ﴾ أي قصرا. ﴿ لعلي أطلع ﴾ أي لعلي أصعد.
تفسير المعاني :
وقال فرعون : يا أيها الملأ ما أعرف لكم من إله غيري، فاعمل لي يا هامان آجرا وابن لي به قصرا عاليا، لعلي أصعد إلى إله موسى فأقاتله، وإني لأظنه من الكاذبين " يظهر أن فرعون قال ذلك استهزاء من موسى ".
واستكبر فرعون وجنوده في الأرض بغير الحق، إذ ادعى الألوهية ورفع نفسه إلى مستوى ليس لأحد من العالمين، ظنا أنهم إلينا لا يرجعون لمحاسبتهم.
﴿ فنبذناهم ﴾ أي فألقيناهم. ﴿ اليم ﴾ البحر.
تفسير المعاني :
فأخذناه وجنوده فألقيناهم في البحر حين تعقبوا موسى وبني إسرائيل لمنعهم من الخروج من مصر. فانظر يا محمد كيف كانت عاقبة الظالمين.
وجعلنا الظالمين قادة وزعماء يدعون إلى النار، أي إلى ما يوجب دخوا النار، ويوم القيامة لا ينصرون.
﴿ المقبوحين ﴾ قبحه الله عن الخير يقبحه نحاه عنه.
تفسير المعاني :
وجعلنا اللعنة تتبعهم في هذه الدنيا، ويوم القيامة هم من المطرودين.
﴿ بصائر للناس ﴾ أي أنوارا لقلوبهم تبصر بها الحقائق.
تفسير المعاني :
ولقد منحنا موسى التوراة بعد ما أهلكنا الأجيال الأولى من الكفرة نورا للناس يبصرون به الحق، وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون.
﴿ بجانب الغربي ﴾ أي بجانب الوادي الغربي أو الطور.
تفسير المعاني :
وما كنت يا محمد بجانب الوادي الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر الذي أردنا تعريفه له ولكنا أوحيناه إليك لأننا أنشأنا أجيالا مختلفة من الناس، فتطاولت عليهم الآماد، فحرفت الكتب السماوية، وتبدلت معالم الشرائع لتنبه الناس إلى بطلانها وتدعوهم إلى الدين الصحيح. وما كنت مقيما في أهل المدين تتلو عليهم آياتنا، ولكنا كنا مرسليك آخر الزمان ومخبريك بما كانوا عليه.
﴿ ثاويا ﴾ أي مقيما. يقال ثوى بالمكان يثوى ثويا أقام به.
تفسير المعاني :
وما كنت يا محمد بجانب الوادي الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر الذي أردنا تعريفه له ولكنا أوحيناه إليك لأننا أنشأنا أجيالا مختلفة من الناس، فتطاولت عليهم الآماد، فحرفت الكتب السماوية، وتبدلت معالم الشرائع لتنبه الناس إلى بطلانها وتدعوهم إلى الدين الصحيح. وما كنت مقيما في أهل المدين تتلو عليهم آياتنا، ولكنا كنا مرسليك آخر الزمان ومخبريك بما كانوا عليه.
﴿ ولكن رحمة من ربك ﴾ أي ولكنا علمناك رحمة من ربك.
تفسير المعاني :
وما كنت بجانب الطور حين نادينا موسى، ولكنا أعلمناك بما حصل رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير قبلك لعلهم يتذكرون.
﴿ لولا ﴾ لولا الأولى في الآية رقم٤٧ هي الامتناعية، وأما لولا الثانية فتحضيضية معناها هلا.
تفسير المعاني :
ولولا قولهم إذا أصابتهم مصيبة بذنوبهم : يا ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين، وما أرسلناك إليهم.
﴿ سحران تظاهرا ﴾ جعلوا موسى وهرون سحرين للمبالغة، وتظاهرا أي تعاونا.
تفسير المعاني :
فلما جاء قومك الحق من عندنا قالوا : هلا أعطى محمد مثل ما أعطى موسى من المعجزات ؟ أو لم يكفر بما جاء به موسى من تلك الخوارق وقالوا عنه وعن أخيه : إنهما ساحران تعاونا على الشعوذة وإننا بكل منهما كافرون ؟
﴿ بكتاب.. هو أهدى منهما ﴾ أي من التوراة والقرآن.
تفسير المعاني :
قل : فائتوا بكتاب من عند الله أهدى من التوراة والقرآن وأدل منهما على طرق السعادة أتبعه إن كنتم صادقين.
﴿ أهواءهم ﴾ أي ميولهم الشهوانية جمع هوى.
تفسير المعاني :
فإن لم يجيبوك إلى ما تطلب فاعلم أنما يتبعون ميولهم الضالة، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي الذين يظلمون أنفسهم بالتمادي في اتباع الهوى.
﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾ أي أتبعنا بعضه بعضا في الإنزال ليتصل التذكير.
تفسير المعاني :
ولقد وصلنا لهم الوحي فجعلنا بعضه يتبع بعضا ليتصل بذلك تذكيرهم وإرشادهم رجاء أن يكونوا من المهتدين.
إن طائفة من الذين آتيناهم الكتاب من قبل القرآن " أي من النصارى " يؤمنون بهذا القرآن.
وإذا قرئ عليهم قالوا : آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبل إزاله مسلمين فزدناهم به هدى وإيقانا.
﴿ ويدرءون ﴾ أي ويدفعون. يقال درأ عنه يدرأ أي دفع.
تفسير المعاني :
أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا على تكاليف الإيمانين، وهم يدفعون المعصية بالطاعة ومما رزقناهم ينفقون. فلا تحرموا ذوي الأرحام والفقراء من فضل أموالهم. قيل نزلت هذه الآيات في أربعين من النصارى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم من الحبشة والشام.
﴿ اللغو ﴾ ما لا يعتد به من القول. يقال لغا يلغو. أي قال ما لا يعتد به.
﴿ لا نبتغي الجاهلين ﴾ أي لا نطلب صحبتهم.
تفسير المعاني :
وإذا سمع هؤلاء الكتابيون الكلام الذي لا يعتد به أعرضوا عنه وقالوا : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم إننا تاركوكم وما أنتم فيه لا نطلب مصاحبة الجاهلين.
إنك يا محمد لا تهدي من أحببت هداه ؛ ولكن الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمستعدين للهداية. نزلت هذه الآية في أبي طالب عم رسول الله ؛ حاول النبي أن يجعله مسلما فلم يقبل منه.
﴿ نمكن ﴾ يقال مكنه أي جعل له مكانة وثبته وقواه. ﴿ يجبى إليه ﴾ أي يحمل إليه ويجمع فيه. ﴿ من لدنا ﴾ أي من عندنا. لدى ولدن بمعنى عند.
تفسير المعاني :
وقالوا لمحمد : إنا كنا نتبع ما أنزل إليك يتخطفنا الناس ويهلكونا لمخالفتنا ما هم عليه. أو لم نجعل لهم حرما يأوون إليه ولا يمكن أن ينالهم أحد فيه بسوء، تحمل إليه وتجمع فيه ثمرات كل شيء رزقا لهم من عندنا ؟ ولكن أكثرهم لا يفطنون له ولا يتفكرون فيه.
وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فانظر إلى مساكنهم قد خلت منهم ولم يسكنها من بعدهم إلا المارة، يأوون إليها زمنا يسيرا ثم يهجرونها وكنا نحن وارثيها.
﴿ في أمها ﴾ أي في أصلها أي في عاصمتها.
تفسير المعاني :
وما كان ربك ليهلك القرى حتى يبعث في كبراها رسولا يتلو عليهم آياتنا، وما كنا لنهلك القرى إلا وأهلها قد استحقوا الهلاك بظلمهم.
وما أعطيتهم من شيء من أسباب التمتع فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله أفضل وأبقى أفلا تعقلون ؟
﴿ من المحضرين ﴾ أي من الذين تحضرهم الملائكة للحساب والعذاب. تفسير المعاني :
هل يستوي الذي يعده الله وعدا حسنا فهو منجزه له، والذي متعه في الحياة الدنيا ووسع له فيها ثم هو يوم القيامة من الذين تحضرهم ملائكة العذاب إلى موقف الحساب مع المجرمين ؟
ويوم يناديهم ربهم ويقول : أين شركائي الذين كنتم تزعمون ؟
﴿ حق عليهم القول ﴾ أي ثبت. يقال حق القول يحق ويحق حقا أي ثبت ووجب. ﴿ أغوينا ﴾ أي أضللنا، غوي يغوي ضل، وأغواه أضله.
تفسير المعاني :
فيجيبه الذين ثبت عليهم قول ربك بالعذاب قائلين : يا ربنا هؤلاء أضللناهم لم نفعل معه إلا أننا دعوناهم إلى ما نحن فيه فضلوا مثلنا باختيارهم، إننا نبرأ إليك منهم فما كانوا يعبدوننا في الحقيقة، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم.
وقيل للكافرين : ادعوا شركاءكم واستغيثوا بهم، ففعلوا فلم يجيبوهم ورأوا العذاب ملازما لهم، ولو أنهم كانوا ممن يتبعون الهوى في الدنيا لما رأوا العذاب في الآخرة.
ويوم يناديهم ويقول لهم : بماذا أجبتم المرسلين ؟
﴿ فعميت عليهم الأنباء ﴾ أي فصارت الأنباء كالعمى عليهم لا تهتدي إليهم.
تفسير المعاني :
فضلّت عنهم الإجابات فصمتوا ولم يتسائلوا فيما بينهم عنها.
وأما من تاب إلى الله وآمن به فيرجى أن يكون من الفائزين.
﴿ الخيرة ﴾ أي التخيير. ﴿ سبحان الله ﴾ أي تنزيها له عن النقائص. ﴿ تكنّ ﴾ أي تخفي، أكن الشيء يكنه، أخفاه.
تفسير المعاني :
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما يريد، ليس لأحد الخيار في شيء، تنزه وتعالى عما يشركون.
وربك يعلم ما تخفي صدورهم وما به يجهرون.
﴿ في الأولى والآخرة ﴾ أي في الدنيا وفي الحياة الآخرة.
تفسير المعاني :
وهو الله لا إله يعبد ويرجى إلا هو، له الحمد في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فهو ولي النعم كلها ظاهرها وباطنها، وله الحكم المطلق فيها وإليه ترجعون.
﴿ سرمدا ﴾ أي دائما. من السرد وهو المتابعة، والميم زائدة.
تفسير المعاني :
قيل : ما رأيكم إن جعل الله الليل عليكم دائما إلى يوم القيامة، فهل من إله غيره يأتيكم بضياء، أفلا تسمعون سماع تدبر واستبصار ؟
﴿ تسكنون فيه ﴾ أي تهدءون فيه وتستريحون من عناء الأعمال.
تفسير المعاني :
وما رأيكم إن جعل عليكم النهار دائما إلى يوم القيامة، فهل من إله غيره يسعفكم بليل لتسترحوا فيه، أفلا تنظرون نظر تعقل وتروا أيها الغافلون ؟
فاعلموا أن من رحمته بكم أن خلق لكم الليل لتهدءوا فيه وخلق النهار لتنتشروا في الأرض تبتغون من رزقه، ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها.
ويوم يناديهم ربهم فيقول لهم : أين شركائي الذين كنتم تدعون ؟ فلا يجدونهم لأنهم إنما كانوا يجسمون أهواءهم وهم لا يشعرون.
﴿ ونزعنا ﴾ أي وأخرجنا. يقال نزع الشيء من الشيء ينزع نزعا. ﴿ وضل عنهم ﴾ أي وتاه عنهم.
تفسير المعاني :
وأخرجنا من كل أمة شهيدا هو نبيهم ليشهد عليهم، وقلنا : هاتوا برهانكم على صحة ضلالكم، فلم يهتدوا لدليل وعلموا أن الحق لله في الإلهية لا يشاركه فيها أحد، وغاب عنهم ما كانوا يختلقونه في الدنيا من تلك الآلهة الخيالية.
﴿ فبغى عليهم ﴾ أي فطلب الفضل عليهم، أو تكبر عليهم، أو ظلمهم، وذلك حين ولاه فرعون على بني إسرائيل. ﴿ مفاتحه ﴾ جمع مفتح وهو المفتاح. ﴿ لتنوء بالعصبة ﴾ أي لتثقل عليهم. يقال ناء به الحمل أي ثقل عليه. والعصبة أي العصابة وهي الجماعة الكثيرة. ﴿ لا تفرح ﴾ أي لا تبطر، والفرح بالدنيا مذموم.
تفسير المعاني :
إن قارون من قوم موسى فظلمهم لما ولاه عليهم فرعون، ومنحنا قارون من الكنوز ما لو حملت مفاتيحه لثقلت على جماعة من الأقوياء، إذ قال له قومه : لا تبطر إن الله يحب الفرحين بزخارف الدنيا.
﴿ وابتغ ﴾ أي واطلب.
تفسير المعاني :
واطلب فيما أعطاك الله من الغنى ما تستحق به النجاة في الدار الآخرة.
ولا تنس أن تحصل نصيبك من العيش في الحياة الدنيا لتستعين به على تكاليف الحياة، لا كما يفعل بعض الذين يزعمون الزهد، ويعيشون عالة على غيرهم، وأحسن إلى الخلق كما أحسن الله إليك، ولا تطلب الفساد في الأرض، فإنك خلقت لتعميرها إن الله لا يحب المفسدين.
﴿ إنما أوتيته ﴾ أي إنما أوتيت هذا الغنى. ﴿ على علم عندي ﴾ أي خصصت به واستحققته بعلم عندي. قيل الكيمياء، وقيل التجارة، وقيل غيرهما. ﴿ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ﴾ أي لا يسألون عنها سؤال استعلام فإن الله مطلع عليها.
تفسير المعاني :
قال قارون : إنما أوتيت هذا المال بعلم خصصت به، ألم يعلم هذا المغرور أن الله قد أهلك من أهل القرون الأولى من هم أشد منه قوة وأشد جمعا ؟ والله عليم بجرائم المجرمين ليس في حاجة لأن يسألهم ماذا يعملون.
فخرج على قومه في زينته فتمنى الذين يطلبون الحياة الدنيا مثل ما عنده.
﴿ ويلكم ﴾ أي هلاككم، والويل الهلاك أو العذاب.
تفسير المعاني :
وقال الذين أوتوا العلم : ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا، ولا يلقن هذه الحكمة إلا الصابرون.
﴿ فخسفنا ﴾ أي جعلنا عاليها سافلها. ﴿ فئة ﴾ أي جماعة، والمراد بها الأعوان.
تفسير المعاني :
فخسفنا بقارون وبداره الأرض فما كان له من أعوان ينصرونه وما كان هو نفسه من المنتصرين.
﴿ ويكأن ﴾ أي وي كأن، وكلمة وي فعل بمعنى أتعجب وكأن للتشبيه ومعناهما ما أشبه الأمر. ﴿ ويقدر ﴾ أي ويضيق. يقال قدر الله عليه رزقه أي قتره عليه.
تفسير المعاني :
وأصبح الذين تمنوا أن يكونوا مثله يقولون : ما أشبه الأمر إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقتر على من يشاء لحكمة يعلمها. فلولا أن من الله علينا برحمته لخسف بنا فإنه لا يفلح الكافرون.
﴿ علوا ﴾ أي تكبرا وغلبة.
تفسير المعاني :
تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون تكبرا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.
من جاء بالفعلة الحسنة جعلنا ثوابها ما هو أفضل منها. ومن جاء بالفعلة السيئة فلا نقابله إلا بمثلها.
﴿ إلى معاد ﴾ مصدر عاد. قيل هو المقام المحمود الذي وعده أن يبعثه فيه. وقيل مكة التي اعتادها إذا عد من العادة.
تفسير المعاني :
إن الله الذي أنزل عليك القرآن وفرض عليك تلاوته والعمل بما فيه لرادك إلى الأرض التي اعتدتها، وهي مكة، فقل : ربي أعلم بمن جاء بالهدى وما يستحقه من الثواب والنصر والتمكين في الأرض، وبمن هو في ضلال مبين وما يستأهله من القهر والإذلال والعذاب المهين.
﴿ إلا رحمة من ربك ﴾ أي ولكن ألقاه رحمة منه بالناس. وقيل إنه استثناء محمول على المعنى كأنه قال وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة من ربك. ﴿ ظهيرا ﴾ أي معينا.
تفسير المعاني :
وما كنت تأمل أن ينزل عليك القرآن، ولكنه أنزله إليك رحمة من ربك وبالناس فلا تكونن معينا للكافرين.
﴿ إلا وجهه ﴾ أي إلا ذاته لأنه ليس لله وجه، إذ لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء.
تفسير المعاني :
ولا يمنعك الكافرون يا محمد من تلاوة آياتنا والعمل بها بعد إذ أنزلت إليك، وادع إلى عبادة ربك وتوحيده ولا تكونن من المشركين به.
ولا تعبد مع الله إلها غيره فإنه لا إله إلا هو، كل شيء فان إلا ذاته فإنها أزلية أبدية، له الحكم المطلق النافذ وإليه تردون يوم القيامة.