ﰡ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدُ السَّلَمِ وَلَكِنَّهُ مَتَى قَصَدَ إلَى عَقْدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْقِدَهُ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا المراد بقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ الصَّلَاةُ نَفْسُهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ الْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ إلَى الْمَجَازِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَعَلَى أنه لو أسلم لَك مَا ادَّعَيْت كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَائِمَةً عَلَى فَرْضِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ إلَّا وَهِيَ مِنْ أَرْكَانِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ قَالَ مُجَاهِدٌ أَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ وَقَالَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ فَعَبَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ بِالرُّكُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْكَانِهَا آخِرُ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ.
سُورَةُ المدثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تَعَالَى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً لِتُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ لَا تَمْنُنْ حَسَنَاتِك عَلَى اللَّهِ مُسْتَكْثِرًا لَهَا فَيُنْقِصَك ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَمْنُنْ بِمَا أَعْطَاك اللَّهُ مِنْ النُّبُوَّةِ وَالْقُرْآنِوَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارًا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَقَالَ مِمَّ تَغْسِلُ ثَوْبَك فَقَالَ مِنْ نُخَامَةٍ فَقَالَ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ الدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَسْلِ الْمَنِيِّ مِنْ الثَّوْبِ إذَا كَانَ رَطْبًا
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ عَمَلُك أَصْلِحْهُ وقال إبراهيم وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ مِنْ الْإِثْمِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثِيَابَهُ عَلَى عَذِرَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَلَامِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَاحْتَجَّ هَذَا الرَّجُلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤْمَرَ بِغَسْلِ ثِيَابِهِ مِنْ الْبَوْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا كَلَامٌ شَدِيدُ الِاخْتِلَالِ وَالْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَجْرِ الأوثان بقوله تعالى وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هَاجِرًا لِلْأَوْثَانِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَكَانَ مُجْتَنِبًا لِلْآثَامِ وَالْعَذِرَاتِ فِي الْحَالَيْنِ فَإِذَا جَازَ خِطَابُهُ بترك هذه الأشياء وإن كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ تَارِكًا لَهَا فَتَطْهِيرُ الثِّيَابِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ مِثْلُهُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا قَطُّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَنَاقُضِ قَوْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَفَسَادِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ من أول ما نزل الله مِنْ الْقُرْآنِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا الطَّهَارَةُ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ وَشِرْكِهَا وَالْأَعْمَالِ الْخَبِيثَةِ وَقَدْ نَقَضَ بِهَذَا مَا ذَكَرَهُ بَدِيًّا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤْمَرَ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ أَفَتَرَاهُ ظَنَّ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُوصَى بِتَرْكِ الْأَوْثَانِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ تَارِكًا لَهَا وَقَدْ جاز أَنْ يُخَاطَبَ بِتَرْكِهَا فَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ فَمَا فِي ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ أَمْرَهُ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ لَصَلَاةٍ يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ آخر سورة المدثر. «٢٤- أحكام مس»