تفسير سورة القلم

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة القلم من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة القلم سورة ن مكية
وهي ثنتان وخمسون آية وفيها ركوعان.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ ن ﴾، عن بعض : المراد منه الحوت الذي هو حامل الأرضين السبع، أو الدواة، وقد نقل عن أول شيء خلق القلم، ثم النون أي : الدواة، فقال له، اكتب ما يكون من عمل، أو رزق إلى يوم القيامة. أو لوح من نور، وفيه حديث مرسل١ وعلى الوجوه يكون قسما بحذف حرفه، ﴿ والقلم ﴾ : الذي خط اللوح المحفوظ، أو جنس القلم كقوله تعالى :﴿ الذي علم بالقلم٢ ( العلق : ٤ )، ﴿ وما يسطرون ﴾ أي : الملائكة من أعمال العباد وأحوالهم، أو الأقلام أسنده إلى الآلة، وجعلها بمنزلة أولي العلم،
١ أخرجه ابن جرير في "تفسيره" وقال ابن كثير (٤/٤٠١): وهذا مرسل غريب..
٢ فإنه أخ اللسان، ومطية الفطنة، ونعمة عظيمة/١٢ وجيز، وقال قتادة: القلم نعمة من الله عظيمة، لولا القلم ما قام دين، ولم يصلح عيش، والله أعلم بما يصلح خلقه/١٢ در منثور، وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:"إن أول ما خلق الله القلم، فقال: له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد"، أخرجه الترمذي وصححه [وصححه الشيخ الألباني في" صحيح الترمذي" (٢٦٤٥)]/١٢ فتح..
﴿ ما أنت بنعمة ربك بمجنون ﴾، جواب القسم أي : ما أنت بمجنون متلبسا بنعمة ربك، حال عن المستكن في الخبر، وقيل : متعلق بمعنى النفي أي : انتفى منك بسبب نعمته الجنون، لا كما يقول الكفرة.
﴿ وإن لك لأجرا ﴾ : على الإبلاغ والصبر، ﴿ غير ممنون ﴾ : مقطوع،
﴿ وإنك لعلى خلق عظيم١ : لأنك تحتمل من الأذى ما لا يحتمل غيرك،
١ قيل لعائشة صف لي خلق رسول الله– صلى الله عليه وسلم- قالت: خلقه القرآن. هذا ما في الوجيز، وعزاه السيوطي إلى مسلم، وابن أبي شيبة، والحاكم وغيرهم /١٢ وجيز..
﴿ فستبصر ﴾ : يا محمد، ﴿ ويبصرون ﴾ : المشركون الذين رموك بالجنون،
﴿ بأيكم المفتون ﴾، الجنون مصدر، كالمجلود والمعقول، أو الباء زائدة، أو بمعنى : في أي : في أي الفريقين من فريقك وفريقهم المجنون، أو المفتون : الشيطان،
﴿ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ﴾ : فلا عقل لهم أصلا، وهو المجنون حقيقة، ﴿ وهو أعلم بالمهتدين ﴾ : الفائزين بالعقل الكامل،
﴿ فلا تطع المكذبين ﴾ : صمم على معاداتهم،
﴿ ودوا لو تدهن١، من المداهنة أي : تلاينهم، ﴿ فيدهنون ﴾ : فيلاينونك مثل أن تعظم دينهم وآلهتهم، فيعظمون دينك وإلهك، والفاء للسببية، أي : فهم يدهنون حينئذ أو للعطف، أي : ودوا مداهنتك فمداهنتهم،
١ كما قالوا: سامحنا سنة في تعظيمنا آلهتنا، ثم نطيعك/١٢ وجيز..
﴿ ولا تطع كل حلاف ﴾ : كثير الحلف، ﴿ مهين ﴾ : حقير القلب والرأي.
﴿ هماز ﴾ : مغتاب عياب، ﴿ مشاء بنميم ﴾ : نقال للكلام سعاية وإفسادا،
﴿ مناع للخير ﴾ : يمنع نفسه عن الخير، أو الناس عنه، ﴿ معتد ﴾ : متجاوز عن الحد، ﴿ أثيم ﴾ : كثير الآثام.
﴿ عتل١ : غليظ جاف، وفي الحديث٢ " هو الشديد الخلق، الصحيح الجسم، الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، رحيب الجوف "، ﴿ بعد ذلك ﴾ : بعدما عد من النقائص، ﴿ زنيم٣ : دعي منسوب إلى قوم ليس منهم، وقيل : هو الوليد بن المغيرة، وكان ولد الزنا، أو من له زنمة، وهي قطعة من جلد تعلق في حلق الشاة، يعني : يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها،
١ والظاهر أن هذه الأوصاف التي هي مذكورة بصيغة المبالغة ليست لمعين ألا ترى إلى قوله:"كل حلاف"، وقوله:"إنا بلوناهم" نعم ربما ينطبق على معين، واعلم أن الفظ الثقيل كالعتل والخرطوم في الذم من الفصاحة/١٢ وجيز..
٢ رواه أحمد في مسنده [وذكر الهيثمي في"المجمع" (٧/١٢٨) عن عبد الرحمن بن غنم وقال: رواه أحمد وفيه شهر وثقه جماعة وفيه ضعف وعبد الرحمن بن غنم ليس له صحبة على الصحيح]/١٢ منه..
٣ عن ابن جرير قال- عليه السلام:"تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه، وأرحب جوفه وأعطاه من الدنيا مقصما، فكان للناس ظلوما" قال: فذلك العبد الزنيم، وهكذا رواه أبو حاتم، ونص عليه غير واحد من السلف منهم مجاهد، والحسن، وقتادة، وغيرهم إن العتل هو المصحح الخلق الشديد القوى في المأكل والمشرب والمنكح وغير ذلك [رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين كما قال ابن كثير (٤/٤٠٤)]/١٢ منه..
﴿ أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ﴾ أي : كذب آياتنا، لأن كان ذا مال وبنين يعني يجعل مجازاة نعمنا الكفر بآياتنا، فهو متعلق بما يدل عليه قوله " قال أساطير الأولين " لا بقال ؛ لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، أو متعلق بلا تطع أي : لا تطعه لماله، وبنيه مع تلك المعايب،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ﴾ أي : كذب آياتنا، لأن كان ذا مال وبنين يعني يجعل مجازاة نعمنا الكفر بآياتنا، فهو متعلق بما يدل عليه قوله " قال أساطير الأولين " لا بقال ؛ لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، أو متعلق بلا تطع أي : لا تطعه لماله، وبنيه مع تلك المعايب،
﴿ سنسمه على الخرطوم ﴾ : سنجعل على أنفه علامة، ووقعت يوم بدر، وفي لفظ الخرطوم استخفاف، فإنه لا يكاد يستعمل إلا في أنف الخنزير والفيل، أو سنلحق به شيئا ظاهرا لا يفارقه، ونذله غاية الإذلال، فإن صاحب المال والبنين متكبر غالبا، أو نسود وجهه يوم القيامة، أو سنبين أمره بيانا ظاهرا كما يظهر السمة على الخراطيم.
﴿ إنا بلوناهم ﴾ : أهل مكة بالقحط١ ﴿ كما بلونا أصحاب الجنة٢ : كما امتحنا أصحاب بستان باليمن، كان لرجل يتصدق منها على الفقراء، فلما مات قال أبناؤه : كان أبونا أحمق إذا كان يصرف منها شيئا كثيرا على الفقراء، ﴿ إذ أقسموا ﴾ : فحلفوا، ﴿ ليصرمنها ﴾ : ليقطعن ثمرها، ﴿ مصبحين ﴾ : داخلين في الصبح خفية عن المساكين.
١ فإن الله ابتلاهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أكلوا الجيف، والرمم/١٢ فتح..
٢ عن سعيد بن جبير قال: هي أرض باليمن يقال لها: "ضروان" بينها وبين صنعاء ستة أميال/١٢ در منثور..
﴿ ولا يستثنون ﴾ : لا يقولون إن شاء الله، قيل : لا يستثنون حصة المساكين، كما كان يخرج أبوهم.
﴿ فطاف عليهم ﴾ : على الجنة، ﴿ طائف ﴾ : بلاء طائف، ﴿ من ربك ﴾ : نزلت نار فأحرقتها، ﴿ وهم نائمون ﴾ : في بيوتهم،
﴿ فأصبحت ﴾ : الجنة، ﴿ كالصريم ﴾ : كالليل الأسود المظلم أو كالزرع الذي حصد يابسا،
﴿ فتنادوا ﴾ أي : نادى بعضهم بعضا، ﴿ مصبحين ﴾ : داخلين في الصباح،
﴿ أن اغدوا ﴾ : بأن أقبلوا غدوة، ﴿ على حرثكم ﴾، فتعديته بعلى لتضمين معنى الإقبال١، ﴿ إن مكنتم صارمين ﴾ : قاطعين الثمر،
١ قال صاحب البحر: الذي في حفظي أن غدا متعد بعلى لا بإلى، فلا نحتاج إلى أن نقول: فيه تضمين معنى الإقبال/١٢ وجيز..
﴿ فانطلقوا ﴾ : ذهبوا، ﴿ وهم يتخافتون ﴾ : يتسارون فيما بينهم،
﴿ أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ﴾، أن مفسرة بمعنى أي، والنهي عن تمكين١ المسكين من الدخول أي : لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل،
١ يعني ظاهره النهي عن الدخول للمسكين وحقيقة نهي لهم عن تمكينه منه/١٢ منه..
﴿ وغدوا على حرد ﴾ : على جد وجهد، أو على منع المساكين، أو الحرد اسم لبستانهم أو على غيظ وغضب، والحرد في اللغة القصد والمنع والغضب، ﴿ قادرين ﴾ : عند أنفسهم على ثمارها أو على حرد متعلق بقادرين أي : غدوا قادرين على نكد، وحرمان لا على انتفاع، فإنه ما حصل لهم إلا الحرمان يقال : حاردت السنة، إذا لم يكن فيها مطر، وحارث الإبل إذا منعت درها،
﴿ فلما رأوها ﴾ : الجنة مسودة، ﴿ قالوا إنا لضالون ﴾ : طريق جنتنا ليست هذه بجنتنا،
﴿ بل نحن محرومون ﴾ : يعني لما تأملوا وعلموا أنها هي رجعوا عما كانوا، وقالوا : بل نحن حرمنا نفعها،
﴿ قال أوسطهم ﴾ : أعقلهم وخيرهم، ﴿ ألم أقل لكم لولا تسبحون ﴾ : هلا تسبحونه، تشكرونه على ما أعطاكم،
﴿ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ﴾ : سبحوا واعترفوا بذنبهم، حيث لا ينفع فيما مضى، وعن بعض١ معناه : هلا تستثنون، وسمي الاستثناء تسبيحا ؛ لأنه تعظيم الله، وإقرار بأن له القدرة فنزهه عن العجز،
١ هو مجاهد، والسدي، وابن جريج/١٢ منه..
﴿ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ﴾ : يلوم بعضهم بعضا١،
١ في منعهم للمساكين، وعزمهم على ذلك يقول هذا لهذا: أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول ذاك لهذا، أنت خوفتنا الفقر، ويقول الثالث لغيره: أنت رغبتني في جمع المال، ثم نادوا على أنفسهم بالويل، حيث قالوا: ﴿يا ويلنا﴾ الآية/١٢ فتح..
﴿ قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ﴾ : متجاوزين الحد،
﴿ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ﴾ : في الدنيا، أو في الآخرة، ﴿ إنا إلى ربنا راغبون١ : راجون الخير، وقبول التوبة،
١ عن ابن مسعود- رضي الله عنه- بلغني أنهم تابوا وأخلصوا فأبدلهم بها جنة تسمى "الحيوان" وعنبه يحمل البغل منها العنقود/١٢ وجيز. وسئل قتادة عن أصحاب الجنة أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ قال: لقد كلفتني لقتا والمعظم يقولون: إنهم تابوا، وأخلصوا، حكاه القيشري/١٢ فتح..
﴿ كذلك العذاب ﴾ : هكذا عذاب من بدل نعمة الله كفرا، أو كفرانا، ﴿ ولعذاب الآخرة أكبر ﴾ : منه وأشق، ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ : لاحترزوا عن موجب العذاب أو لو كانوا من أهل العلم لعلموا أن عذاب الآخرة أشد.
﴿ إن المتقين عند ربهم ﴾ : عند حال من قوله :﴿ جنات النعيم ﴾ : لا تنغيص فيها أصلا، نزلت حين قالوا : إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا لم يفضلونا، ولم يزيدوا علينا،
﴿ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ﴾، أنكر الله ما يدعون، وأبطله،
ثم قال لهم- على طريق الالتفات :
﴿ ما لكم ﴾ أي شيء لكم ؟ ﴿ كيف تحكمون ﴾ : هذا الحكم الأعوج أتحكمون من عند أنفسكم ورأيكم ؟ !
﴿ أم لكم كتاب ﴾ : من الله، ﴿ فيه تدرسون ﴾ : تقرءون،
﴿ إن لكم فيه لما تخيرون١ : هذا كما تقول : علمت أن في الدار لزيد، أو حاصله : هل لكم من الله كتاب تقرءون٢ فيه أن ما تشتهونه وتختارونه لكم ؟ ! والجملة حكاية للمدروس قيل ضمير فيه الثانية جاز رجعها إلى عند ربهم،
١ أي: تقرءون في هذا الكتاب الذي هو من الله إن لكم في هذا الكتاب ما تخيرونه من تغيير وتبديل، وزيادة ونقصان، أو معناه هل لكم كتاب سماوي تقرءون فيه أن كل ما تختارون ثابت لكم في هذا الكتاب؟ فاخترتم عبادة الأوثان. الاستفهام الأول للتوقيف على خطأ ما قالوا والتوبيخ، والثاني للتعجب، والثالث للإنكار، وأم جاز أن يكون منفصلة أي: بل ألكم كتاب، وبل للانتقام لا لإبطال ما قبل، والهمزة للإنكار، ولما اسم إن وما موصولة، ولكم خبرها، وقوله:"إن لكم" من باب التعليق لتضمنه معنى العلم، وأصله أن لكم بفتح الهمزة، فلما جاءت اللام كسرت/١٢ وجيز..
٢ في ذلك الكتاب/١٢ وجيز..
﴿ أم لكم أيمان علينا ﴾ : عهود مؤكدة بالأيمان، ﴿ بالغة ﴾ : متناهية في التوكيد، ﴿ إلى يوم القيامة ﴾، متعلق إما ببالغة، أو بمتعلق لكم، ﴿ إن لكم لما تحكمون ﴾، جواب القسم، فإن حاصله أم أقسمنا لكم،
﴿ سلهم أيهم بذلك ﴾ أي : الحكم، ﴿ زعيم ﴾ : قائم يدعيه، ويصححه،
﴿ أم لهم شركاء ﴾ : في هذا القول من البشر ؟ ! ﴿ فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ﴾ : في دعواهم، يعني : إن هذا الدعوى مهمل لا يشاركهم أحد، أو معناه أم لهم آلهة غير الله تصحح لهم ما يدعون، وتثبت فليأتوا بها حتى تصحح،
﴿ يوم يكشف عن ساق١، مقدر باذكر، أو متعلق ب " فليأتوا " أي : يوم يشتد الأمر، وكشف الساق مثل في ذلك، أو يوم يكشف عن حقائق الأمور وخفياتها، وفي الصحيحين سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- " يوم يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة " وقد نقل٢ عنه- عليه الصلاة والسلام- " يوم يكشف عن ساق نور عظيم يخرون له سجدا٣﴿ ويدعون إلى السجود ﴾ أي : الكافرون والمنافقون، فإن المؤمنون يسجدون بلا دعاء، ﴿ فلا يستطيعون ﴾ : السجود، لأنه صار ظهرهم طبقا٤ واحدا بلا مفاصل كلما أرادوا السجود خروا لقفاهم عكس السجود،
١ وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد أخرج البخاري، وغيره عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:" يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا" وهذا الحديث ثابت من طرق في الصحيحين، وغيرهما، وله ألفاظ في بعضها طول، وهو حديث مشهور معروف، وإذ جاء نهر الله بطل نهر معقل، وذلك لا يستلزم تشبيها، ولا تجسيما، فليس كمثله شيء.
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر.
قال الشيخ أحمد ولي الله المحدث الدهلوى في كتابه حجة الله البالغة: واستطال هؤلاء الخائضون على معشر أهل الحديث، وسموهم مجسمة ومشبهة، وقالوا: هم المستترون بالبلكفة، وقد وضح على وضوحا بينا أن استطالتهم هذه ليست بشيء، وأنهم مخطئون في مقالتهم رواية، ودراية، وخاطئون في طعنهم أئمة الهدى انتهى/١٢ فتح..

٢ رواه أبو يعلي، وابن جرير، وفي الرواة رجل مبهم [وكذا قال ابن كثير في "تفسيره" (٤/٣٠٨)]/ ١٢ منه..
٣ هذا التأويل من المصنف في كشف الساق، والصحيح ما ورد في الحديث" يوم يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة". البخاري..
٤ قال أكثر السلف: وفي الصحيحين ما يدل على ذلك/١٢ منه..
﴿ خاشعة ﴾، حال من فاعل يدعون، أو لا يستطيعون، ﴿ أبصارهم ﴾ : لا يرفعونها لدهشتهم، ﴿ ترهقهم ﴾ : تلحقهم، ﴿ ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود ﴾ : في الدنيا، ﴿ وهو سالمون ﴾ : أصحاء، فلا يسجدون لله عن كعب الأحبار، والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات،
﴿ فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ﴾ : كله إلي فإني عالم بما يستحق لا تشغل قلبك بهم، ﴿ سنستدرجهم ﴾ : سنقربهم من العذاب درجة درجة بالإمهال، وإكمال الصحة، والنعمة، ﴿ من حيث لا يعلمون ﴾ : إنه استدراج، وهو إنعامنا عليهم بالمال، وطول العمر، والصحة، فلم يشكروا، وحسبوا أنهم أحباء الله، والثروة قد تكون نعمة، وقد تكون نقمة، والعلامة الشكر،
﴿ وأملي لهم ﴾ : أمهلهم، ﴿ إن كيدي متين ﴾ : لا يدفع بشيء سمي الاستدراج كيدا ؛ لأنه في صورة الكيد،
﴿ أم تسألهم ﴾ : يا محمد ﴿ أجرا ﴾ : على الهداية، ﴿ فهم من مغرم ﴾ : غرامة، ﴿ مثقلون ﴾ : بحملها، فلذا يعرضون عنك، وأم منفصلة، والهمزة للإنكار،
﴿ أم عندهم الغيب ﴾ : علم الغيب، ﴿ فهم يكتبون ﴾ : فلا يحتاجون إليك وإلى علمك،
﴿ فاصبر لحكم ربك١ : بإمهالهم، ﴿ ولا تكن كصاحب الحوت٢ : يونس- عليه السلام- في العجلة والضجر كما مر في سورة الأنبياء، ﴿ إذ نادى ﴾ : في بطن الحوت، ﴿ وهو مكظوم ﴾ : مغموم،
١ فإنه- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يدعو على ثقيف/١٢ وجيز..
٢ قيل: فيه مناسبة بتفسير من فسر النون بالحوت/١٢ منه..
﴿ لولا أن تداركه نعمة من ربه ﴾ : بقبول توبته، ﴿ لنبذ ﴾ : لطرح، ﴿ بالعراء ﴾ : بالفضاء من بطن الحوت، ﴿ وهو مذموم ﴾، حال كونه مجرما ملوما يعني لما تداركه برحمته نبذه على حال غير حال الذم، واللوم
﴿ فاجتباه ربه ﴾ : اصطفاه، ﴿ فجعله من الصالحين١ : من الأنبياء،
١ من الكاملين في الصلاح، قيل: لم يكن نبيا حين ذهب مغاضبا، ولهذا فسر من الصالحين بمن النبيين، ولما أمر- عليه الصلاة والسلام- بالصبر أخبره بشدة عداوتهم ليتلقي ذلك بالصبر، ويحترز عنهم، فقال:﴿وإن يكاد الذين﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ وإن يكاد الذين كفروا ﴾، إن مخففة، ﴿ ليزلقونك بأبصارهم ﴾ أي : ينظرون إليك بنظر البغضاء، ويكادون يزلقون به قدمك ويزلونها كما تقول : نظر إلي نظرا يكاد يأكلني، ﴿ لما سمعوا الذكر ﴾ : القرآن، فإنهم لم يملكوا أنفسهم حسدا حينئذ، وعن بعض : إن فيهم العين فأرادوا أن يصيبوه بالعين١، فعصمه الله، ونزلت، فمعناه يكادون يصيبونك بالعين لكن قوله، ﴿ ويقولون إنه ﴾ : لمجيئه بالقرآن، ﴿ لمجنون ﴾ : يناسب الوجه الأول، لأن شأن العيانين المدح لا الذم،
١ أخرج البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:"العين حق" وأخرج الطيالسي، والبخاري في تاريخه، والبزار عن جابر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين" [وقال البزار ولا نعلم بروي هذا الحديث عن النبي إلا بهذا الإسناد وتعقبه ابن كثير بأن له وجه آخر فذكره وقال: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات ولم يخرجوه]/١٢ در منثور..
﴿ وما هو ﴾ أي : القرآن، ﴿ إلا ذكر ﴾ : عظة، ﴿ للعالمين ﴾ فكيف يمكن نسبة من جاء بمثله إلى الجنون.
والحمد لله على الهداية والدراية.
Icon