فيه؛ لأنك تسببت لقتل رجل في الأمس، وتُقاتل اليوم رجلًا آخر، يعني: إني وقعت في الأمس فيما وقعت فيه بسببك، فالآن تريد أن توقعني في ورطة أخرى،
١٩ - ثم دنا منهما
﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ﴾ موسى
﴿أَنْ يَبْطِشَ﴾ ويأخذ
﴿بـ﴾ الشدة والعنف القبطي
﴿الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾؛ أي: عدو لموسى والإسرائيلي، إذ لم يكن على دينهما، ولأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل على الإطلاق، وقرأ الجمهور
﴿يَبْطِشَ﴾ بكسر الطاء، والحسن وأبو جعفر بضمها.
﴿قَالَ﴾ ذلك الإسرائيلي ظانًا أن موسى يريد أن يبطش به بناء على أنه خاطبه بقوله: إنك لغوي مبين، ورأى غضبه عليه، فلما سمع القبطي ذلك.. أفشاه، ولم يكن قد علم أحد من أصحاب فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس، حتى أفشى عليه الإسرائيلي، هكذا قال جمهور المفسرين.
أو قال له القبطي منكرًا: أتريد أن تفعل معي كما فعلت بالأمس، وتقتلني كما قتلت من قتلت، وكان قد عرف ذلك من حديث المصريين عنه. أو من هذا الإسرائيلي وهذا هو الظاهر.
﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ يعني القبطي المقتول.
﴿إِنْ تُرِيدُ﴾؛ أي: ما تريد يا موسى
﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا﴾؛ أي: قاهرًا عاليًا
﴿فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: في أرض مصر، تضرب وتقتل دون أن تنظر في العواقب، والجبار هو الذي يفعل ما يريده من الضرب والقتل، ولا ينظر في العواقب،
﴿وَمَا تُرِيدُ﴾ يا موسى
﴿أَنْ تَكُونَ﴾ في الأرض
﴿مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ بين الناس بالقول والفعل، فتدفع التخاصم بالحسن، أو من المتورعين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولما قال هذا انتشر الحديث، وارتقى إلى فرعون وملئه، وظهر أن القتل الواقع في الأمس صدر من موسى، حيث لم يطلع على ذلك إلا ذلك الإسرائيلي، فهموا بقتل موسى، فخرج مؤمن من آل فرعون وهو ابن عم موسى ليخبر موسى. كما قال:
﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ...﴾ الآية.
123
الإعراب
﴿طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤)﴾.
﴿طسم (١)﴾ إن قلنا إنه علم للسورة فهو خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذه السورة طسم؛ أي: مسماة بهذا اللفظ، أو مبتدأ خبره محذوف، تقديره: طسم هذا محله، أو مفعول لفعل محذوف أو لاسم فعل محذوف، فهو مثل أسماء التراجم، وإن قلنا فيه: الله أعلم بمراده به، فلا يحكم عليه بالإعراب، ولا بالبناء؛ لأن الإعراب والبناء فرعان عن إدراك المعنى، وعلى إعرابه، فالجملة مستأنفة.
﴿تِلْكَ﴾ مبتدأ،
﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ خبر ومضاف إليه،
﴿الْمُبِينِ﴾: صفة لـ
﴿الْكِتَابِ﴾، والجملة مستأنفة،
﴿نَتْلُو﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله،
﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق به،
﴿مِنْ نَبَإِ مُوسَى﴾ مُوسَى: جار ومجرور ومضاف إليه،
﴿وَفِرْعَوْنَ﴾: معطوف على موسى، وهما ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة، الجار والمجرور صفة لمفعول محذوف، تقديره: نتلو عليك شيئًا كائنًا من نبأ موسى وفرعون، ويجوز أن تكون من زائدة على رأي الأخفش أي: نتلو عليك نبأ موسى وفرعون والأول أولى؛ لأنه لا ضرورة إلى زيادتها، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لبيان آيات الكتاب المبين،
﴿بِالْحَقِّ﴾: إما حال من فاعل
﴿نَتْلُو﴾؛ أي: نتلو عليك حال كوننا متلبسين بالحق والصدق، أو من مفعوله؛ أي: حال كونه؛ أي: الخير متلبسًا بالحق اهـ. شيخنا
﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿نَتْلُو﴾، فهو بمثابة التعليل؛ أي: لأجل قوم، وجملة
﴿يُؤْمِنُونَ﴾ صفة لـ
﴿قَوْمٍ﴾،
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ﴾: ناصب واسمه،
﴿عَلَا﴾: فعل ماض وفاعل مستتر
﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق به والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿إِنَّ﴾. وجملة
﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لبيان نبأ فرعون، لا محل لها من الإعراب،
﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعولان في محل الرفع معطوف على جملة
﴿عَلَا﴾.
﴿يَسْتَضْعِفُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على فرعون،
﴿طَائِفَةً﴾: مفعول
124
به،
﴿مِنْهُمْ﴾: صفة لـ
﴿طَائِفَةً﴾، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل
﴿جَعَلَ﴾، أو صفة لـ
﴿شِيَعًا﴾،
﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب بدل اشتمال من
﴿يَسْتَضْعِفُ﴾؛ لأن الاستضعاف مشتمل على الذبح والاستحياء،
﴿وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على
﴿يُذَبِّحُ﴾،
﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه،
﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، واصمها ضمير ممستتر،
﴿مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ خبره، وجملة
﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر إن، وجملة
﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (٦)﴾
﴿وَنُرِيدُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، والجله الفعلية معطوفة على جملة قوله:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾، على كونها مسوقة لبيان نبأ موسى وفرعون، أو في على النصب حال من
﴿طَائِفَةً﴾ لتخصصه بالصفة؛ أي: يستضعف طائفة منهم حالة كوننا نريد المن عليهم.
﴿أن﴾: حرف نصب،
﴿نَمُنَّ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، منصوب بـ
﴿أن﴾،
﴿عَلَى الَّذِينَ﴾: متعلق بـ
﴿نَمُنَّ﴾، وجملة
﴿نَمُنَّ﴾ مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ
﴿نُرِيدُ﴾؛ أي: ونريد المن على الذين استضعفوا في الأرض،
﴿اسْتُضْعِفُوا﴾: فعل ونائب فاعل صلة الموصول،
﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق به.
﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعولان معطوف على
﴿نَمُنَّ﴾ على كونها منصوبًا بأن المصدرية،
﴿وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعولان معطوف على
﴿نَمُنَّ﴾ أيضًا،
﴿وَنُمَكِّنَ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر معطوف على
﴿نَمُنَّ﴾،
﴿لَهُمْ﴾: متعلق به،
﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق به أيضًا، أو حال من ضمير
﴿لَهُمْ﴾.
﴿وَنُرِيَ﴾ فعل مضارع وفاعل مستتر معطوف على
﴿نَمُنَّ﴾ أيضًا، وهو من رأى البصرية تعدى بالهمزة إلى مفعولين،
125
﴿فِرْعَوْنَ﴾: مفعول أول،
﴿وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا﴾ معطوفان عليه،
﴿مِنْهُمْ﴾: متعلق بـ
﴿وَنُرِيَ﴾،
﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ
﴿نُرِيَ﴾،
﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة
﴿يَحْذَرُونَ﴾ خبره، وجملة
﴿كَانُ﴾ صلة لـ
﴿مَا﴾ الموصولة، أو صفة للموصوفة، إن قلنا إنها موصوفة، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: ما كانوا يحذرونه.
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)﴾.
﴿وَأَوْحَيْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ على كونها مسوقة لبيان نبأ موسى وفرعون،
﴿إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بأوحينا
﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾: أن مفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه،
﴿أَرْضِعِيهِ﴾: فعل أمر وفاعل ومفعول به، والجملة مفسرة لـ
﴿أَوْحَيْنَا﴾ لا محل لها من الإعراب، ويجوز أن تكون
﴿أَن﴾: مصدرية، وهي مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالباء المحذوفة، تقديره: وأوحينا إلى أم موسى بإرضاعك إياه، والجار المحذوف متعلق بـ
﴿أَوْحَيْنَا﴾.
﴿فَإِذَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿إذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان،
﴿خِفْتِ﴾: فعل وفاعل،
﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة
﴿إِذَا﴾ إليها، والظرف متعلق بالجواب،
﴿فَأَلْقِيهِ﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب
﴿إِذَا﴾ وجوبًا،
﴿ألقيه﴾: فعل أمر وفاعل ومفعول به،
﴿فِي الْيَمِّ﴾: متعلق بـ
﴿أَلْقِيهِ﴾، والجملة الفعلية جواب
﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿إذا﴾ من فعل شرطها وجوابها معطوفة على جملة
﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ على كونها مفسرة لـ
﴿أوحينا﴾،
﴿وَلَا تَخَافِي﴾: جازم وفعل مجزوم وفاعل معطوف على
﴿أَلْقِيهِ﴾،
﴿وَلَا تَحْزَنِي﴾: معطوف على [أَلْقِيهِ] أيضًا،
﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه،
﴿رَادُّوهُ﴾: خبره مرفوع بالواو،
﴿إِلَيْكِ﴾: متعلق بـ
﴿رَادُّوهُ﴾، وجملة
﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل النهي المذكور قبله،
﴿وَجَاعِلُوهُ﴾: معطوف على
﴿رَادُّوهُ﴾، وهو اسم فاعل أضيف إلى مفعوله الأول،
﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ في محل نصب مفعوله الثاني.
126
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (٨) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩)﴾
﴿فَالْتَقَطَهُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فأرضعته وألقته، فالتقطه آل فرعون،
﴿الْتَقَطَهُ﴾: فعل ومفعول،
﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، ويجوز أن تكون الفاء فصيحة،
﴿لِيَكُونَ لَهُمْ﴾: اللام، حرف جر وتعليل، أو لام العاقبة،
﴿يَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد اللام، واسمها ضمير يعود على موسي،
﴿لَهُمْ﴾: متعلق بـ
﴿عَدُوًّا﴾؛ أو حال منه،
﴿عَدُوًّا﴾: خبر
﴿يَكُونَ﴾،
﴿وَحَزَنًا﴾: معطوف عليه، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لكونه عدوًا لهم وحزنًا، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿الْتَقَطَ﴾.
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ﴾: ناصب واسمه،
﴿وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا﴾: معطوفان على فرعون،
﴿كَانُوا خَاطِئِينَ﴾: فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة في محل الرفع خبر
﴿إِنَّ﴾. وجملة
﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، أو جملة معترضة لا محل لها من الإعراب لاعتراضها بين المعطوف عليه، وهو
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ﴾، والمعطوف وهو
﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾.
﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، معطوف على
﴿فَالْتَقَطَهُ﴾،
﴿قُرَّتُ عَيْنٍ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو قرة عين،
﴿لِي﴾: صفة لـ
﴿قُرَّتُ﴾،
﴿وَلَكَ﴾: معطوف على
﴿لِي﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَتِ﴾،
﴿لَا﴾: ناهية جازمة،
﴿تَقْتُلُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به مجزوم بلا الناهية، والجملة في محل النصب مقول
﴿وَقَالَتِ﴾،
﴿عَسَى﴾: فعل ماض من أفعال الرجاء تعمل عمل كان، واسمها ضمير يعود على موسى،
﴿أَنْ يَنْفَعَنَا﴾: ناصب وفعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة في تأويل مصدر منصوب على كونه خبر
﴿عَسَى﴾، ولكنه على تأويل اسم فاعل، أو على تقدير مضاف، والتقدير عسى هذا الغلام نافعًا لنا، أو ذا نفع لنا، وجملة
﴿عَسَى﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَتِ﴾،
﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل،
﴿نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، ومفعولان، معطوف على
﴿يَنْفَعَنَا﴾،
﴿وَهُمْ﴾
127
﴿الواو﴾: حالية،
﴿هم﴾: مبتدأ، وجملة
﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من
﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾، وهي من كلام الله تعالى، ويبعد أن يكون من كلام آسية.
﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿وَأَصْبَحَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿أَصْبَحَ﴾: فعل ماض ناقص،
﴿فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى﴾ اسمها ومضاف إليه،
﴿فَارِغًا﴾: خبرها، والجملة مستأنفة،
﴿إِنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن،
﴿كَادَتْ﴾: فعل ناقص من أفعال المقاربة، واسمها ضمير يعود على
﴿أُمِّ مُوسَى﴾،
﴿لَتُبْدِي﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء،
﴿تُبْدِي﴾: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على
﴿أُمِّ مُوسَى﴾،
﴿بِهِ﴾ متعلق بـ
﴿تُبْدِي﴾؛ أي: لتبدي القول به، أو
﴿الباء﴾ زائدة؛ أي: لتبديه، وجملة
﴿تبدي﴾ في محل النصب خبر
﴿كاد﴾ وجملة
﴿كاد﴾ في حل الرفع خبر
﴿إِنْ﴾ المخففة، وجملة
﴿إن﴾ المخففة مستأنفة.
﴿لَوْلَا﴾: حرف امتناع لوجود،
﴿أَنْ﴾: حرف نصب وصدر،
﴿رَبَطْنَا﴾: فعل ماض وفاعل في محل النصب بـ
﴿أن﴾ المصدرية،
﴿عَلَى قَلْبِهَا﴾: متعلق بـ
﴿رَبَطْنَا﴾، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: لولا ربطنا على قلبها موجود، وجواب
﴿لَوْلَا﴾ محذوف، تقديره: لأبدت به، وجملة
﴿لَوْلَا﴾ مستأنفة.
﴿لِتَكُونَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل،
﴿تكون﴾: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، واسمها ضمير يعود على أم موسى،
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: خبر
﴿تَكُونَ﴾، وجملة
﴿تَكُونَ﴾ في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لكونها من المؤمنين، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿رَبَطْنَا﴾.
﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (١٢)﴾.
128
﴿وَقَالَتْ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على أم موسى، والجملة معطوفة على جملة
﴿أَصْبَحَ﴾،
﴿لِأُخْتِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿قَالَتْ﴾،
﴿قُصِّيهِ﴾: فعل أمر وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالَتْ﴾،
﴿فَبَصُرَتْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فذهبت ترتاده وتقص آثاره فبصرت به،
﴿بصرت﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على أخت موسى،
﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿عَنْ جُنُبٍ﴾: جار ومجرور حال من فاعل
﴿بصرت﴾ أي: بصرت به حالة كونها مستخفية كائنة عن جنب وبُعد، أو حال من ضمير
﴿بِهِ﴾؛ أي: بعيدًا،
﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة
﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ خبره، والجملة في محل النصب حال من فاعل
﴿بَصُرَتْ﴾، والرابط مقدر، والتقدير: فبصرت به وهم لا يشعرون بها.
﴿وَحَرَّمْنَا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية،
﴿حرمنا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة،
﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق بـ
﴿حرمنا﴾،
﴿الْمَرَاضِعَ﴾: مفعول به،
﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿حرمنا﴾؛ أي: من قبل رده إلى أمه، أو حال من ضمير
﴿عَلَيْهِ﴾،
﴿فَقَالَتْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿قَالَتْ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على أخت موسى، والجملة معطوفة على جملة
﴿بصرت﴾،
﴿هَلْ﴾: حرف استفهام للاستفام الاستخباري،
﴿أَدُلُّكُمْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به،
﴿عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿أَدُلُّكُمْ﴾، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالَتْ﴾،
﴿يَكْفُلُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به،
﴿لَكُمْ﴾: متعلق به، والجملة في محل الجر صفة لـ
﴿أَهْلِ بَيْتٍ﴾،
﴿وَهُمْ﴾ ﴿الواو﴾ حالية،
﴿هُمْ﴾: مبتدأ،
﴿لَهُ﴾: متعلق بما بعده،
﴿نَاصِحُونَ﴾: خبر، والجملة في محل النصب حال من فاعل
﴿يَكْفُلُونَهُ﴾.
﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
﴿فَرَدَدْنَاهُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿رَدَدْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على محذوف، تقديره: فأذنوا لها في إرضاعه فرددناه،
﴿إِلَى أُمِّهِ﴾: جار
129
ومجرور متعلق بـ
﴿رددنا﴾،
﴿كَيْ﴾: حرف نصب،
﴿تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾: فعل وفاعل منصوب بكي، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المقدرة، تقديره: فرددناه إلى أمه لقرة عينها،
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿تَحْزَنَ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على أم موسى، معطوف على
﴿تَقَرَّ﴾.
﴿وَلِتَعْلَمَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل،
﴿تَعْلَمَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وفاعله ضمير يعود على أم موسى، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: ولعلمها
﴿أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾، والجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور المقدر في قوله:
﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾،
﴿أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾: ناصب واسمه وخبره، والجملة في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي
﴿تَعْلَمَ﴾،
﴿وَلَكِنَّ﴾ ﴿الواو﴾: حالية،
﴿لكن﴾: حرف نصب واستدراك،
﴿أَكْثَرَهُمْ﴾: اسمها، وجملة
﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾: خبرها، ومفعول
﴿يَعْلَمُونَ﴾: محذوف، تقديره: كون وعد الله حقًا، وجملة
﴿لكن﴾: في محل النصب حال من اسم
﴿أَن﴾ ولكن على تقدير الرابط؛ أي: ولتعلم أن وعد الله حق والحال أن أكثرهم لا يعلمون كون وعد الله حقًا.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥)﴾.
﴿وَلَمَّا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة فعل شرط لـ
﴿لَمَّا﴾ ﴿وَاسْتَوَى﴾: فعل ماض وفاعل مستتر معطوف على
﴿بَلَغَ﴾،
﴿آتَيْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول،
﴿حُكْمًا﴾ مفعول ثان،
﴿وَعِلْمًا﴾: معطوف على
﴿حُكْمًا﴾، والجملة جواب
﴿لَمَّا﴾، وجملة
﴿لَمَّا﴾ مستأنفة.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿وَكَذَلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف،
﴿نَجْزِي﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر،
﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ مفعول به، والتقدير: ونجزي المحسنين جميعًا جزاء مثل
130
جزائنا لموسى وأمه، والجملة معطوفة على جملة
﴿لَمَّا﴾.
﴿وَدَخَلَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: وغاب عن فرعون مدة طويلة ثم رجع ودخل المدينة،
﴿دَخَلَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على موسى،
﴿الْمَدِينَةَ﴾: مفعول به على السعة، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من
﴿الْمَدِينَةَ﴾ أو من فاعل
﴿دَخَلَ﴾؛ أي: مختلسًا،
﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾: جار ومجرور صفة لـ
﴿غَفْلَةٍ﴾،
﴿فَوَجَدَ﴾:
﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿وَجَدَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على موسى، معطوف على
﴿دَخَلَ﴾،
﴿فِيهَا﴾: متعلق بـ
﴿وَجَدَ﴾،
﴿رَجُلَيْنِ﴾: مفعول به لـ
﴿وَجَدَ﴾؛ لأنه من وجدان الضالة، فيتعدى لمفعول واحد، وجملة
﴿يَقْتَتِلَانِ﴾: صفة لـ
﴿رَجُلَيْنِ﴾،
﴿هَذَا﴾: مبتدأ،
﴿مِنْ شِيعَتِهِ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب صفة ثانية لـ
﴿رَجُلَيْنِ﴾، وقيل في محل النصب حال من
﴿رَجُلَيْنِ﴾، لأن سيبويه جوز مجيء الحال من النكرة من غير شرط،
﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها.
﴿فَاسْتَغَاثَهُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿اسْتَغَاثَهُ الَّذِي﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة
﴿وَجَدَ﴾،
﴿مِنْ شِيعَتِهِ﴾: جار ومجرور صلة الموصول،
﴿عَلَى الَّذِي﴾: متعلق بـ
﴿اسْتَغَاثَهُ﴾،
﴿مِنْ عَدُوِّهِ﴾: صلة الموصول،
﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾: فعل ومفعول وفاعل معطوف على
﴿اسْتَغَاثَه﴾،
﴿فَقَضَى﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على موسى، أو على الوكز المفهوم من وكزه،
﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق بـ
﴿فَقَضَى﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة مستأنفة،
﴿هَذَا﴾: مبتدأ،
﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه،
﴿عَدُوٌّ﴾: خبره،
﴿مُضِلٌّ﴾: صفة لـ
﴿عَدُوٌّ﴾،
﴿مُبِينٌ﴾: صفة
﴿مُضِلٌّ﴾، أو صفة ثانية لـ
﴿عَدُوٌّ﴾، وجملة
﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (١٧)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة مستأنفة،
131
﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه
﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الرفع خبر
﴿إن﴾ وجملة
﴿إن﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿فَاغْفِرْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية،
﴿اغْفِر﴾ فعل وفاعل مستتر يعود على الله،
﴿لِي﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة
﴿إن﴾،
﴿فَغَفَرَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية،
﴿غفر﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة
﴿قَالَ﴾،
﴿لَهُ﴾: متعلق بغفر،
﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه،
﴿هُوَ﴾: ضمير فصل،
﴿الْغَفُورُ﴾: خبر أول لـ
﴿إِنَّ﴾ ﴿الرَّحِيمُ﴾ خبر ثان لها، وجملة
﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة مستأنفة،
﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿بِمَآ﴾ ﴿الباء﴾: حرف جر وقسم،
﴿ما﴾: مصدرية،
﴿أَنْعَمْتَ﴾: فعل وفاعل،
﴿عَلَيَّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿أَنْعَمْتَ﴾، والجملة الفعلية صلة
﴿ما﴾ المصدرية،
﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بباء القسم، والجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بإنعامك علي بالمغفرة، وجواب القسم محذوف، تقديره: لأتوبن، وجملة القسم في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كونها جواب النداء،
﴿عَلَيَّ﴾ متعلقان به
﴿فَلَنْ﴾:
﴿الفاء﴾: عاطفة على الجواب المحذوف،
﴿لَنْ أَكُونَ﴾: ناصب وفعل ناقص، واسمه مستتر فيه يعود على موسى،
﴿ظَهِيرًا﴾: خبره،
﴿لِلْمُجْرِمِينَ﴾: متعلق بـ
﴿ظَهِيرًا﴾، وجملة
﴿أَكُونَ﴾: معطوفة على جواب القسم المحذوف.
﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)﴾.
﴿فَأَصْبَحَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿أصبح﴾: فعل ماض تام بمعنى دخل في الصباح، وفاعله ضمير يعود على موسى،
﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾: متعلق بـ
﴿أصبح﴾، أو حال من الفاعل،
﴿خَائِفًا﴾: حال من فاعل أصبح،
﴿يَتَرَقَّبُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة الفعلية حال ثانية، أو ثالثة، أو حال من
132
الضمير في
﴿خَائِفًا﴾ فتكون حالًا متداخلة، ومفعول
﴿يَتَرَقَّبُ﴾ محذوف، تقديره: يترقب المكروه، ويجوز أن يكون
﴿أصبح﴾ ناقصًا واسمها مستتر فيها،
﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ حال
﴿خَائِفًا﴾ خبرها، وجملة
﴿يَتَرَقَّبُ﴾ حال ثانية. أو خبر ثان لها،
﴿فَإِذَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿إذا﴾ حرف فجأة،
﴿الَّذِي﴾ مبتدأ،
﴿اسْتَنْصَرَهُ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به،
﴿بِالْأَمْسِ﴾: متعلق به، والجملة صلة الموصول،
﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، ومتعلق
﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾ محذوف، تقديره: على قبطي آخر، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة
﴿أصبح﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض،
﴿لَهُ﴾: متعلق به،
﴿مُوسَى﴾: فاعل، والجملة مستأنفة،
﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه،
﴿لَغَوِيٌّ﴾:
﴿اللام﴾: حرف ابتداء،
﴿غوي﴾: خبره،
﴿مُبِينٌ﴾: صفة
﴿غوي﴾، وجملة
﴿إن﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة،
﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿أن﴾: زائدة لاطراد زيادتها بعد
﴿لما﴾ كما هنا. وقيل لو مسبوقة بقسم كقوله:
فَأُقْسِمُ أَنْ لَوِ الْتَقَيْنَا وَأَنْتُمُ | لَكَانَ لَكُمْ يَوْمٌ مِنَ الشَّرِّ مُظْلِمُ |
وإنما زاد
﴿أن﴾ بعد
﴿لما﴾ للإشعار بأن موسى لم تكن مسارعته إلى قتل الثاني كما كانت مسارعته إلى قتل الأول، بل كان عنده إبطاء في بسط يده إليه، فعبر القرآن عن ذلك الإبطاء بزيادة
﴿أَن﴾، وقد تقدم في سورة يوسف ما يماثل هذا في قوله تعالى:
﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ﴾.
﴿أَرَادَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة فعل شرط لـ
﴿لما﴾،
﴿أَنْ يَبْطِشَ﴾: ناصب وفعل مضارع منصوب، وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: فلما أن أراد بطشه،
﴿بِالَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿يَبْطِشَ﴾،
﴿هُوَ عَدُوٌّ﴾: مبتدأ وخبر صلة الموصول،
﴿لَهُمَا﴾ متعلق بـ
﴿عَدُوٌّ﴾، أو صفة له،
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر
133
يعود على الإسرائيلي المستغيث، والجملة الفعلية جواب
﴿لما﴾، وجملة
﴿لما﴾ معطوفة على جملة قوله:
﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ﴾ ﴿يَا مُوسَى﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿أَتُرِيدُ﴾: الهمزة للاستفهام الإنكاري،
﴿تريد﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر وجوبًا يعود على موسى،
﴿أَنْ تَقْتُلَنِي﴾: ناصب وفعل مضارع منصوب، وفاعل مستتر ونون وقاية ومفعول به، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: أتريد قتلك إياي، وجملة
﴿أَتُرِيدُ﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كونها جواب النداء،
﴿كَمَا﴾ ﴿الكاف﴾: حرف جر.
﴿ما﴾: مصدرية.
﴿قَتَلْتَ نَفْسًا﴾: فعل وفاعل ومفعول،
﴿بِالْأَمْسِ﴾ متعلق بـ
﴿قَتَلْتَ﴾، والجملة الفعلية مع
﴿ما﴾: المصدرية في تأويل مصدر مجرور بالكاف، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، والتقدير: أن تقتلني قتلًا كائنًا كقتلك نفسًا بالأمس.
﴿إن﴾: نافية،
﴿تُرِيدُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ،
﴿أَن﴾: حرف نصب،
﴿تَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص منصوب بـ
﴿أن﴾، واسمها ضمير يعود على موسى،
﴿جَبَّارًا﴾ خبرها
﴿فِي الْأَرْضِ﴾ صفة
﴿جَبَّارًا﴾، وجملة
﴿تَكُونَ﴾: في تأويل مصدر منصوب علي المفعولية لـ
﴿تُرِيدُ﴾، والتقدير: إن تريد يا موسى إلا كونك جبارًا في الأرض.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة،
﴿ما﴾: نافية،
﴿تُرِيدُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿إِنْ تُرِيدُ﴾،
﴿أَنْ﴾: حرف نصب،
﴿تَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير يعود على موسى،
﴿مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾: خبر
﴿تَكُونَ﴾، وجملة
﴿تَكُونَ﴾: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: وما تريد كونك من المصلحين. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿نَتْلُو عَلَيْكَ﴾؛ أي: ننزل عليك، والتلاوة: الإتيان بالثاني بعد الأول في القراءة؛ أي: نقرأ قراءة متتابعة بواسطة جبريل، يعني يقرأ عليك جبريل بأمرنا،
134
﴿مِنْ نَبَإِ مُوسَى﴾ والنبأ الخبر العجيب العظيم الشأن.
﴿عَلَا﴾؛ أي: تجبر واستكبر،
﴿شِيَعًا﴾؛ أي: فرقًا يستخدم كل صنف في عمل من بناء وحفر وحرث، إلى نحو ذلك من الأعمال الشاقة، وهو جمع شيعة بالكسر، وهو مَنْ يتقوَّى بهم الإنسان، وينتشرون عنه، لأن الشياع الانتشار والتقوية، يقال: شاع الحديث؛ أي: كثر وقوي. وشاع القوم انتشروا وكثروا.
وفي "القاموس": و"التاج": وغيرهما من كتب اللغة: شيعة الرجل أتباعه وأنصاره، والجمع شيع وأشياع، والشيعة الفرقة، وتقع على الواحد والاثنين، والجمع مذكرًا ومؤنثًا، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليًا وأهل بيته، حتى صار لهم اسمًا خاصًا، والواحد شيعي. وقال الزمخشري:
﴿شِيَعًا﴾ فرقًا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه، لا يملك أحد منهم أن يلوي عنقه. قال في "كشف الأسرار": كان القبط إحدى الشيع، وهم شيعة الكرامة.
﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ والاستضعاف جعلهم ضعفاء مقهورين، والطائفة هنا هم بنو إسرائيل،
﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ وأصل الذبح شق حلق الحيوان، والتشديد هنا للتكثير، والمعنى: يقتل بعضهم إثر بعض، حتى قتل تسعين ألفًا من أبناء بني إسرائيل صغارًا.
﴿وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ والاستحياء الاستبقاء؛ أي: يتركهن أحياء للخدمة لقول بعض الكهنة له: إن مولودًا يُولد في بني إسرائيل يكون سبب زوال ملكك،
﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ جمع إمام، وهو من يقتدى به في الدين، أو في الدنيا،
﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يقال: مكَّن له إذا جعل له مكانًا موطَّأ ممهدًا يجلس عليه، والمراد هنا نسلطهم على أرض مصر والشام، يتصرفون فيهما كيف يشاؤون. اهـ "أبو السعود".
﴿وَهَامَانَ﴾ وزير فرعون المذكور هنا، وهامان عدو اليهود، وزير إحشو يروش الفارسي، ذُكر في سفر استير من كتب العهد القديم،
﴿مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ والحذر الاحتراز عن مخيف كما في "المفردات"؛ أي: ما كانوا
135
يتوقعونه من ذهاب ملكهم، وهلاكهم على يد مولود من بني إسرائيل.
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ وأصل الوحي الإشارة السريعة، ويقع على كل تنبيه خفي، والإيحاء إعلام في خفاء، قال الإِمام الراغب: يقال: للكلمة الإلهية التي تُلْقى إلى أنبيائه وحي، وذلك:
١ - إما برسول مشاهد يرى ذاته ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل للنبي - ﷺ - في صورة معينة.
٢ - وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى عليه السلام كلام الله تعالى.
٣ - وإما بإلقاء في الروع، كما ذكر - ﷺ -: "إن روح القدس نفث في روعي".
٤ - وإما بإلهام، كقوله تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾.
٥ - وإما بتسخير نحو قوله تعالى:
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾.
٦ - وإما بالمنام كقوله - ﷺ -: "انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن" انتهى بإجمال، فالمراد هنا وحي الإلهام، كما ذكره الراغب، فجملة أقسام الوحي ستة. فافهم.
﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾؛ أي: في بحر النيل،
﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ والفرق بين الخوف والحزن: أن الخوف غم يلحق الإنسان بسبب توقع مكروه يحدث في المستقبل، والحزن - بفتحتين وبضم فسكون - كالرَّشَدِ والرُّشْدِ، والسَّقَمِ والسُّقْمِ، غم يلحق الإنسان بسبب مكروه قد حصل.
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ والالتقاط إصابة الشيء وأخذه فجأة، من غير طلب له، ومنه اللقطة، وهو مال بلا حافظ، ثم يُعرف مالكه، واللقيط هو طفل لم يعرف نسبه، يطرح في الطريق أو غيره، خوفًا من الفقر أو الزنى، ويجب أخذه
136
إن خيف هلاكه بأن وجده في الماء، أو بين يدي سبع، وتفصيله في كتب الفقه، وآل الرجل: خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة، أو الصحبة، أو الموافقة في الدين.
﴿خَاطِئِينَ﴾ والمراد من الخطأ هنا الخطأ في الرأي، وهو ضد الصواب والمراد به الشرك والعصيان لله، والخطأ مقصورًا العدول عن الجهة، والخاطىء من يأتي بالخطأ، وهو يعلم أنه خطأ، وهو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان. يقال: خطىء الرجل إذا ضل في دينه وفعله، والمخطىء من يأتي به، وهو لا يعلم؛ أي: يريد ما يحسن فعله، ولكن يقع منه بخلاف ما يريد، يقال: أخطأ الرجل في كلامه وأمره إذا زل وهفا.
﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي﴾ يقال: قرَّت به العين إذا فرحت به وسرت،
﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ والفؤاد القلب، لكن يقال له فؤاد إذا اعتُبر فيه معنى التفؤد؛ أي: التحرق والتوقد، كما في "المفردات" و"القاموس"، كما مر في مبحث التفسير بأبسط مما هنا،
﴿فَارِغًا﴾؛ أي: خاليًا من العقل، لما دهمها من الخوف والحيرة، حين سمعت بوقوعه في يد عدوه، نحو ما جاء في قوله:
﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾؛ أي: خلاء لا عقول بها، والفراغ خلاف الشغل.
﴿لَتُبْدِي بِهِ﴾ يقال: بدا الشيء بُدُوًا وبَدْوًا ظهر ظهورًا بيِّنًا، وأبداه أظهره إظهارًا بينًا، والإبداء إظهار الشيء،
﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا﴾ والربط الشد وهو العقد القوي، والربط على القلب سنده، والمراد هنا تثبيته،
﴿قُصِّيهِ﴾؛ أي: اقتفى أثره، وتبعي خبره، أمر من قص أثره قصًا وقصصًا من باب شد.
﴿فَبَصُرَتْ بِهِ﴾؛ أي: أبصرته،
﴿عَنْ جُنُبٍ﴾؛ أي: عن بعد، يقال: جنبته وأجنبته ذهبت عن ناحيته وجنبه، ومنه الجنب لبعده عن الصلاة ومس المصحف ونحوهما، والجار الجنب؛ أي: البعيد، ويقال: الجار الجنب أيضًا للقريب اللاصق بك إلى جنبك.
﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ التحريم هنا بمعنى المنع، لأنه لا معنى للتحريم
137
الشرعي على صبي غير مكلف، والمراضع جمع مرضع - بضم الميم وكسر الضاد - وهي المرأة التي ترضع؛ أي: من شأنها الإرضاع، وإن لم تكن تباشر الإرضاع في حال وصفها به، فهي بدون التاء، لأنها من الصفات الثابتة، والمرضعة بالتاء هي التي في حالة إرضاع الولد بنفسها، ففي الحديث: "ليس للصبي خير من لبن أمه، أو ترضعه امرأة صالحة كريمة الأصل، فان لبن المرأة الحمقاء يسري وأثر حمقها يظهر يومًا". وفي الحديث أيضًا: "الرضاع يغيِّر الطباع"، قالوا: العادة جارية بأن من ارتضع امرأة، فالغالب عليه أخلاقها من خير وشر، كما في "المقاصد الحسنة" للإمام السخاوي.
﴿يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾؛ أي: يضمنون رضاعه والقيام بشؤونه، والكفالة الضمان والعيالة، يقال: كفل به كفالة وهو كفيل إذا تقبل به، وضمنه وكفله فهو كافل إذا عاله،
﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ والنصح ضد الغش، وهو تصفية العمل من شوائب الفساد، وفي "المفردات": النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه. انتهى، والمراد أنهم يفعلون ما ينفعه في غذائه وتربيته، ولا يقصرون في خدمته.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ واحدة الأشد شدة، كانعم ونعمة، وقيل: مفرد على وزن الجمع، كما مر، والشدة القوة والجلادة، وبلوغ الأشد استكمال القوة الجسمانية، وانتهاء النمو المعتد به،
﴿وَاسْتَوَى﴾ والاستواء اعتدال العقل وكماله، ويختلف ذلك باختلاف الأقاليم والأزمان والأحوال.
﴿حُكْمًا﴾ والحكم الحكمة،
﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ﴾؛ أي: في وقت لا يتوقعون دخولها فيه
﴿مِنْ شِيعَتِهِ﴾؛ أي: ممن شايعه وتابعه في الدين، وهم بنو إسرائيل،
﴿مِنْ عَدُوِّهِ﴾؛ أي: من مخالفيه في الدين، وهم القبط، والعدو يُطلق على الواحد والجمع،
﴿فَاسْتَغَاثَهُ﴾؛ أي: طلب غوثه ونصره.
﴿فَوَكَزَهُ﴾؛ أي: فضربه بجمع يده؛ أي: بيده مجموعة الأصابع، والوكز - كالوعد -: الدفع والطعن والضرب بجمع الكف، وهو بالضم والكسر حين يقبضها، وقال أبو حيان: والوكز الضرب باليد مجموعة كعقد ثلاثة وسبعين. اهـ.
138
وفي "المصباح": وكزه وكزًا - من باب وعد - إذا ضربه ودفعه، ويقال: ضربه بجمع كفه على ذقنه،
﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾؛ أي: فقتله وأنهى حياته،
﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾؛ أي: من تزيينه،
﴿مُبِينٌ﴾؛ أي: ظاهر العداوة والإضلال،
﴿فَاغْفِرْ لِي﴾؛ أي: فاستر ذنوبي،
﴿ظَهِيرًا﴾؛ أي: معينًا.
﴿يَتَرَقَّبُ﴾؛ أي: ينتظر ما يناله من أذى، وفي "المفردات": ترقب احترز راقبًا؛ أي: حافظ، وذلك إما لمراعاة رقبة المحفوظ، وإما لرفعه رقبته،
﴿اسْتَنْصَرَهُ﴾؛ أي: طلب نصرته ومعونته،
﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾؛ أي: يطلب الاستغاثة برفع الصوت،
﴿لَغَوِيٌّ﴾؛ أي: ضال من غوى يغوي كرمى يرمي، وغواية كعداوة.
﴿يَبْطِشَ﴾؛ أي: يأخذ بصولة وسطوة،
﴿جَبَّارًا﴾ والجبار هو الذي يفعل ما يفعل من غير نظر في العواقب، وقيل: هو الذي يتعاظم ولا يتواضع لأمر الله تعالى،
﴿مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾؛ أي: ممن يبغون الإصلاح بين الناس ويدفعون التخاصم بالحسن.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإشارة بالبعيد عن القريب في قوله:
﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ تنزيلًا لبعد مرتبته في الكمال منزلة بعده الحسي.
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله:
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ﴾ لاستحضار تلك الصورة في الذهن.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله:
﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ حيث شبه التسليط بالتمكين بجامع استحقاق التصرف في كل، فاستعار له اسمه، فاشتق من التمكين - بمعنى التسليط - نمكن، بمعنى نسلط على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
139
ومنها: الإضافة للتغليب في قوله:
﴿وَجُنُودَهُمَا﴾ لأن الجنود إنما كانت لفرعون.
ومنها: نوع عجيب من الإطناب في قوله:
﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ وهو من أجمل الإطناب، وهو أن يذكر الشيء فيؤتي فيه بمعان متداخلة، إلا أن كل معنى مختص بخصيصة ليست للآخر، فقد قلنا في باب اللغة: إن الخوف هو غم يصيب الإنسان لأمر يُتوقع نزوله في المستقبل، وأما الحزن فهو غم يصيبه لأمر وقع فعلًا ومضى، فنُهيت عنهما جميعًا.
ومنها: إيثار الجملة الاسمية على الفعلية في قوله:
﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ولم يقل سنرده ونجعله رسولًا، وذلك للاعتناء بالبشارة، لأن الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار.
ومنها: الكناية في قوله:
﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ فإن ذلك كناية عن فقدان العقل، وطيش اللب، والمعنى: أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طاش صوابها، وطار عقلها لما انتابها من فرط الجزع والدهش.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله:
﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ شبه ما قذف الله في قلبها من الصبر بربط الشيء المنفلت خشية الضياع، واستعار لفظ الربط للصبر.
ومنها: الاستعارة أو المجاز المرسل في قوله:
﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ لأن من حرم عليه شيء فقد منعه، لأن الصبي ليس من أهل التكليف.
ومنها: صيغة التعظيم في قوله:
﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ تخاطب فرعون، ولم تقل: لا تقتله، تعظيمًا له، ليساعدها على ما تريده من ترك قتله.
ومنها: الكناية في قوله:
﴿يَكْفُلُونَهُ﴾ لأنه كناية عن إرضاعه والقيام بتربيته.
ومنها: التشبيه في قوله:
﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
ومنها: الإشارة على الحكاية في قوله:
﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ﴾ وإلا فهو والذي
140
من عدوه ما كانا حاضرين حال الحكاية لرسول الله - ﷺ -، ولكنهما لما كانا حاضرين يشار إليهما وقت وجدان موسى إياهما حكى حالهما وقتئذٍ، كما مر.
ومنها: الكناية في قوله:
﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ لأنه كناية عن الموت، والقضاء في الأصل فصل الأمر.
ومنها: توسيط في قوله:
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ لإبانة ما بينهما من المخالفة، من حيث أنه مناجاة ودعاء، بخلاف الأول كما مر.
ومنها: صيغة المبالغة في قوله:
﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾.
ومنها: الطباق المعنوي بين
﴿جَبَّارًا﴾ ﴿وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ لأن الجبار المفسد المخرب المكثر للقتل، ففيه طباق في المعنى.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
141
يا مربي ويا مالك أمري
﴿إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من القوم، وهم القبط
﴿نَفْسًا﴾ وهو فاتون خباز فرعون، الذي وكزه موسى فقضى عليه
﴿فَأَخَافُ﴾ منهم
﴿أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ ـي بمقابلتها،
٣٤ - ﴿وَأَخِي هَارُونُ﴾ بن عمران
﴿هُوَ أَفْصَحُ﴾ وأبين
﴿مِنِّي لِسَانًا﴾؛ أي: كلامًا، وكان في لسان موسى عقدة من قبل الجمرة التي تناولها، وأدخلها فاه، تمنعه عن إعطاء البيان حقه، ولذلك قال فرعون ولا يكاد يبين
﴿فَأَرْسِلْهُ﴾؛ أي: فأرسل أخي هارون إلى فرعون وقومه
﴿مَعِيَ﴾ حال كونه
﴿رِدْءًا﴾؛ أي: معينًا
﴿يُصَدِّقُنِي﴾ بالرفع إما صفة لـ
﴿رِدْءًا﴾؛ أي (١): معينًا مصدقًا لي بتلخيص الحق، وتقرير الحجة وتوضيحها وتزييف الشبهة وإبطالها، لا بأن يقول له: صدقت، أو للقوم: صدِّقوه، يؤيد ذلك المعنى قوله:
﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ لأن ذلك يقدر عليه الفصيح وغيره، كما في "فتح الرحمن"، أو حال من مفعول
﴿أرسله﴾، أو مستأنف، وبالجزم على جواب الأمر.
وقرأ الجمهور (٢):
﴿رِدْءًا﴾ بالهمز، وأبو جعفر ونافع والمدنيَّان بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى الدال، والمشهور عن أبي جعفر بالنقل، ولا همز ولا تنوين، ووجهه: أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وقرأ عاصم وحمزة:
﴿يصدقني﴾ بضم القال، فيحتمل الأوجه الثلاثة السابقة، وقرأ باقي السبعة: بالإسكان، وقرأ أُبيُّ وزيد بن علي:
﴿يصدقوني﴾ والضمير لفرعون وقومه، قال ابن خالويه: هذا شاهد لمن جزم، لأنه لو كان رفعًا لقال: يصدقونني. انتهى، والمعنى في يصدقوني: أرجو تصديقهم إياي.
﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ ـي إذا لم يكن معي هارون، لعدم انطلاق لساني بالمحاجة؛ أي: أخاف أن يردوا كلامي، ولا يقبلوا مني دعوتي، ولساني لا يطاوعني عند المحاجة.
ومعنى الآية: أي قال موسى: يا رب إني قتلت من قوم فرعون نفسًا،
165
فأخاف إن أتيتهم ولم أُبن عن نفسي بحجة أن يقتلوني، لأن ما في لساني من عقدة يحول بيني وبين ما أريد من الكلام، وأخي هارون هو أفصح مني لسانًا، وأحسن بيانًا، فأرسله معي عونًا، يُلخِّص بلسانه الفصيح وجوه "الدلائل" ويجيب عن الشبهات، ويجادل هؤلاء الجاحدين المعاندين، وإني أخاف أن يكذبوني، ولساني لا يطاوعني حين المحاجة.
الإعراب
﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)﴾.
﴿وَجَاءَ رَجُلٌ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فذهب القبطي الذي سمع ما قاله الإسرائيلي، وقد علم أن موسى هو قاتل القبطي الأول إلى فرعون، وأخبره بجلية الأمر، فغضب فرعون، فأمر بقتل موسى، وإلقاء القبض عليه، وجاء رجل إلى موسى بطريق أقرب من طريقهم.
﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿جَاءَ﴾، أو صفة لـ
﴿رَجُلٌ﴾، وجملة
﴿يَسْعَى﴾ صفة لـ
﴿رَجُلٌ﴾، أو حال منه، إن قلنا إن الجار والمجرور فيما قبله صفة لـ
﴿رَجُلٌ﴾، لتخصصه بالصفة حينئذٍ
﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿رَجُلٌ﴾، والجملة معطوفة بعاطف مقدر على جملة
﴿جَاءَ﴾،
﴿يَا مُوسَى﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِنَّ الْمَلَأَ﴾ ناصب واسمه، وجملة
﴿يَأْتَمِرُونَ﴾ خبر
﴿إنَّ﴾، و
﴿بِكَ﴾ متعلق بـ
﴿يَأْتَمِرُونَ﴾؛ أي: يتشاورون فيك، من الائتمار بمعنى التشاور، وجملة
﴿إنَّ﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿لِيَقْتُلُوكَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل.
﴿يقتلوك﴾: فعل وفاعل ومفعول به منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لقتلهم إياك، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿يَأْتَمِرُونَ﴾.
﴿فَاخْرُجْ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما قلت لك، وأردت بيان ما
166
هو النصيحة لك فأقول لك: اخرج،
﴿اخرج﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿لَكَ﴾ جار ومجرور متعلق بـ
﴿النَّاصِحِينَ﴾،
﴿مِنَ النَّاصِحِينَ﴾: خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إن﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿فَخَرَجَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فقبل موسى نصيحته فخرج،
﴿خرج﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿مِنْهَا﴾: متعلق بـ
﴿خرج﴾،
﴿خَائِفًا﴾: حال من فاعل
﴿خرج﴾،
﴿يَتَرَقَّبُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، ومفعول يترقب محذوف؛ أي: الشر، أو لحوقهم به، وقيل: يترقب غوث الله، والأول أنسب بالسياق، وجملة
﴿يَتَرَقَّبُ﴾ في محل النصب حال ثانية من فاعل
﴿خرج﴾،
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة الفعلية في محل النصب حال ثالثة من فاعل
﴿خرج﴾،
﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿نَجِّنِي﴾: فعل دعاء، ونون وقاية، ومفعول به، وفاعل مستتر يعود على
﴿رَبِّ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كونها جواب النداء،
﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾ متعلق بـ
﴿نَجِّنِي﴾ ﴿الظَّالِمِينَ﴾ صفة لـ
﴿الْقَوْمِ﴾.
﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (٢٢)﴾.
﴿وَلَمَّا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿لمّا﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿تَوَجَّهَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة فعل شرط للما، لا محل لها من الإعراب،
﴿تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾: ظرف مكان ومضاف إليه متعلق بـ
﴿تَوَجَّهَ﴾، و
﴿مَدْيَنَ﴾: ممنوع الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة جواب
﴿لَمَّا﴾، وجملة
﴿لَمَّا﴾ مستأنفة،
﴿عَسَى﴾: فعل ماض جامد من أفعال الرجاء،
﴿رَبِّي﴾: اسمها،
﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿يَهْدِيَنِي﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر ونون وقاية، ومفعول به،
﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾: منصوب بنزع الخافض، أو مفعول ثان على
167
التوسع، والجملة الفعلية مع
﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على كونه خبر
﴿عَسَى﴾، ولكنه على تأويل اسم الفاعل؛ أي: عسى ربي هاديًا لي إلى سواء السبيل، وجملة
﴿عَسَى﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣)﴾.
﴿وَلَمَّا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لَمَّا﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿وَرَدَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾،
﴿مَاءَ مَدْيَنَ﴾: مفعول به، ومضاف إليه، مجرور بالفتحة، لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث المعنوي، والجملة فعل شرط لـ
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب،
﴿وَجَدَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر،
﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق بـ
﴿وَجَدَ﴾؛ لأن وجد هنا بمعنى لقي، يتعدى لمفعول واحد،
﴿أُمَّةً﴾: مفعول به لـ
﴿وَجَدَ﴾،
﴿مِنَ النَّاسِ﴾: صفة لـ
﴿أُمَّةً﴾، وجملة
﴿يَسْقُونَ﴾ صفة ثانية لـ
﴿أُمَّةً﴾، وجملة
﴿وَجَدَ﴾ جواب
﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿لَمَّا﴾ معطوفة على جملة
﴿لَمَّا﴾ الأولى.
﴿وَوَجَدَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على جملة
﴿وَجَدَ﴾ الأولى،
﴿مِنْ دُونِهِمُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿وَجَدَ﴾؛ أي: في مكان أسفل منهم،
﴿امْرَأَتَيْنِ﴾ مفعول به، وجملة
﴿تَذُودَانِ﴾ صفة لـ
﴿امْرَأَتَيْنِ﴾،
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف بعاطف مقدر على
﴿وَجَدَ﴾ الثاني؛ أي: فقال لهما،
﴿مَا﴾: اسم استفهام للاستفهام الاستخباري، في محل الرفع مبتدأ،
﴿خَطْبُكُمَا﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿قَالَتَا﴾ ﴿قال﴾: فعل ماض، و
﴿التاء﴾ علامة تأنيث الفاعل، وحركت بالفتح لمناسبة ألف التثنية، والألف فاعل، والجملة مستأنفة،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿نَسْقِي﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالَتَا﴾،
﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية،
﴿يُصْدِرَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد
﴿حَتَّى﴾، بمعنى إلى،
﴿الرِّعَاءُ﴾: فاعل مرفوع، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ
﴿حَتَّى﴾
168
بمعنى إلى، والتقدير: إلى إصدار الرعاء عن الماء، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿نَسْقِي﴾،
﴿وَأَبُونَا﴾: مبتدأ،
﴿شَيْخٌ﴾: خبر،
﴿كَبِيرٌ﴾: صفة
﴿شَيْخٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل
﴿نَسْقِي﴾.
﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)﴾.
﴿فَسَقَى﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع،
﴿سقى﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة معطوفة على جملة
﴿قَالَتَا﴾،
﴿لَهُمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿سقى﴾، ومفعول السقي محذوف؛ أي: فسقى غنمهما لأجلهما،
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب،
﴿تَوَلَّى﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على
﴿سقى﴾،
﴿إِلَى الظِّلِّ﴾: متعلق بـ
﴿تَوَلَّى﴾.
﴿فَقَالَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة،
﴿قال﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، معطوف على
﴿تَوَلَّى﴾.
﴿رَبِّ﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿لِمَا﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر،
﴿ما﴾: اسم موصول، أو موصوفة في محل الجر باللام، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿فَقِيرٌ﴾،
﴿أَنْزَلْتَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: لما أنزلته،
﴿إِلَيَّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿أَنْزَلْتَ﴾،
﴿مِنْ خَيْرٍ﴾: حال من
﴿ما﴾، أو من العائد المحذوف،
﴿فَقِيرٌ﴾: خبر
﴿إن﴾، وعدي
﴿فَقِيرٌ﴾ باللام، لأنه ضمن معنى سائل، أو طالب، وإلا فهو يتعدى بإلى، و
﴿أَنْزَلْتَ﴾ بمعنى المضارع، والتقدير: يا رب إني فقير؛ أي: سائل وطالب لما تنزله إلى، حال كونه من خير ورزق.
﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥)﴾.
﴿فَجَاءَتْهُ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة على محذوف يفهم من سياق الكلام، تقديره: فرجعتا إلى أبيهما، في زمن أقل مما يرجعان إليه في العادة، فسألهما عن سبب
169
ذلك، فأخبرتاه بقصة من سقى لهما، فقال لإحداهما: ادعيه لي، فجاءته،
﴿جاءته إحداهما﴾: فعل وفاعل، ومفعول به وتاء تأنيث، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿تَمْشِي﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، والجملة في محل النصب حال من
﴿إِحْدَاهُمَا﴾،
﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾: حال من فاعل
﴿تَمْشِي﴾؛ أي: حالة كونها مستحية خفرة، وقيل: واضعة كم درعها على وجهها حياء منه.
﴿قَالَتْ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف بعاطف مقدر على
﴿جاءته﴾،
﴿إِنَّ أَبِي﴾: ناصب واسمه،
﴿يَدْعُوكَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة في محل الرفع خبر
﴿إِنَّ﴾، وجملة
﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول
﴿قال﴾،
﴿لِيَجْزِيَكَ﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل،
﴿يجزيك﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به أول، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي،
﴿أَجْرَ﴾: مفعول به ثان، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿يَدْعُوكَ﴾،
﴿مَا﴾: مصدرية،
﴿سَقَيْتَ﴾: فعل وفاعل،
﴿لَنَا﴾: متعلق به، والجملة الفعلية مع
﴿مَا﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإضافة
﴿أَجْرَ﴾ إليه؛ أي: ليجزيك جزاء سقيك إيانا.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فأجابها، لا ليأخذ الأجر، ولكن لأجل التبرك بأبيهما، لما سمع منهما أنه شيخ كبير،
﴿لَمَّا﴾: حرف شرط غير جازم.
﴿جَاءَهُ﴾: فعل ماض، وفاعل، ومفعول به، والجملة فعل شرط لـ
﴿لما﴾،
﴿وَقَصَّ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على
﴿جاء﴾،
﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به،
﴿الْقَصَصَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على
﴿جَاءَهُ﴾،
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، والجملة جواب
﴿لما﴾، وجملة
﴿لما﴾ معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿لَا﴾: ناهية جازمة،
﴿تَخَفْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ
﴿لَا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على
﴿مُوسَى﴾. والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿نَجَوْتَ﴾: فعل وفاعل،
﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾: متعلق به،
﴿الظَّالِمِينَ﴾: صفة للقوم، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كونها معللة للنهي عن الخوف.
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)﴾.
170
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة،
﴿يَا أَبَتِ﴾ ﴿يا﴾: حرف نداء،
﴿أبت﴾: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، المعوضة عنها تاء التأنيث، وياء المتكلم المحذوفة في محل الجر مضاف إليه، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَتْ﴾،
﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول
﴿قال﴾.
﴿إِنَّ خَيْرَ﴾: ناصب واسمه،
﴿خَيْرَ﴾: مضاف، و
﴿مَنِ﴾: اسم موصول في محل الجر مضاف إليه،
﴿اسْتَأْجَرْتَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: استأجرته،
﴿الْقَوِيُّ﴾: خبر
﴿إِنَّ﴾،
﴿الْأَمِينُ﴾: صفة لـ
﴿الْقَوِيُّ﴾، وجملة
﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول
﴿قال﴾، مسوقة لتعليل الأمر بالاستئجار.
﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على شعيب، والجملة مستأنفة،
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿أُرِيدُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إن﴾ في محل النصب مقول
﴿قال﴾،
﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿أُنْكِحَكَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول أول،
﴿إِحْدَى﴾: مفعول ثان، والجملة الفعلية مع
﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: إني أريد إنكاحي إياك إحدى ابنتي،
﴿إِحْدَى﴾ مضاف،
﴿ابْنَتَيَّ﴾: مضاف إليه مجرور بالياء المدغمة في ياء المتكلم، لأنه من المثنى.
﴿ابْنَتَيَّ﴾ مضاف، وياء المتكلم في محل الجر مضاف إليه،
﴿هَاتَيْنِ﴾: صفة لـ
﴿ابْنَتَيَّ﴾، والإشارة لتمييزهما من بين بقية أخواتهما، فقد كان له - كما يروى - سبع بنات،
﴿عَلَى﴾: حرف جر،
﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿تَأْجُرَنِي﴾: فعل مضارع منصوب بـ
﴿أن﴾، وفاعله ضمير يعود على
﴿مُوسَى﴾، والنون للوقاية، والياء ضمير المتكلم في محل النصب مفعول أول، والثاني محذوف، تقديره: نفسك،
﴿ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق
171
بـ
﴿تَأْجُرَنِي﴾، والجملة الفعلية مع
﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بعلى، الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال، إما من الفاعل في
﴿أُنْكِحَكَ﴾، أو من المفعول؛ أي: مشروطًا عليَّ، أو عليك ذلك.
﴿فَإِنْ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما قلت لك، وأردت بيان حقيقة الأمر فأقول لك إن أتممت،
﴿إن﴾: حرف شرط جازم،
﴿أَتْمَمْتَ﴾: فعل وفاعل، في محل الجزم بـ
﴿إن﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها،
﴿عَشْرًا﴾: مفعول به،
﴿فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب إن الشرطية وجوبًا، لكون الجواب جملة اسمية،
﴿من عندك﴾: جار ومجرور، متعلق بمحذوف، لكونه خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: فالإتمام كائن من عندك، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ
﴿إن﴾ الشرطية، على كونها جوابًا لـ
﴿إن﴾ الشرطية، وجملة
﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول
﴿قال﴾.
﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿ما﴾: نافية،
﴿أُرِيدُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، والجملة معطوفة على جملة
﴿إن﴾ الشرطية،
﴿أَنْ أَشُقَّ﴾: ناصب وفعل منصوب، وفاعل مستتر، في تأويل مصدر على المفعولية، والتقدير: وما أريد إدخال المشقة عليك،
﴿عَلَيْكَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿أَشُقَّ﴾،
﴿سَتَجِدُنِي﴾ ﴿السين﴾: حرف استقبال لتأكيد الاستقبال،
﴿تجدني﴾ فعل مضارع، وفاعل مستتر، ونون وقاية، ومفعول به، معطوف على ما قبله،
﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم على كونه فعل شرط لها، والجواب محذوف، تقديره: إن شاء الله تجدني صالحًا، والجملة معترضة جيء بها للتبرك،
﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾: متعلق بـ
﴿تجدني﴾، أو حال من الياء في
﴿تجدني﴾، أو مفعول ثان لوجد.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة مستأنفة،
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ،
﴿بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾: ظرف متعلق بمحذوف، خبر المبتدأ، تقديره:
172
ذلك المشروط قائم وثابت بيننا لا نحيد عنه، كلانا فيه سواء، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾ ﴿أي﴾: اسم شرط جازم يجزم فعلين، منصوب على المفعولية، مقدمًا على عامله وجوبًا.
﴿ما﴾: زائدة لتأكيد الإبهام المستفاد من
﴿أي﴾،
﴿الْأَجَلَيْنِ﴾: مضاف إليه،
﴿قَضَيْتُ﴾: فعل وفاعل، في محل الجزم بـ
﴿أي﴾ على كون فعل شرط لها،
﴿فَلَا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة الجواب وجوبًا،
﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل إن،
﴿عُدْوَانَ﴾: في محل النصب اسمها،
﴿عَلَيَّ﴾: خبرها، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ
﴿أي﴾ على كونها جوابًا لها، وجملة
﴿أي﴾ الشرطية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ،
﴿عَلَى مَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿وَكِيلٌ﴾، وجملة
﴿نَقُولُ﴾ صلة لـ
﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: على ما نقوله،
﴿وَكِيلٌ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فتم العقد على النكاح والإجارة، ومارس موسى العمل المشروط عليه في الأجل المضروب،
﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة فعل شرط لـ
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب،
﴿وَسَارَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على
﴿قَضَى﴾،
﴿بِأَهْلِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿سار﴾، أو حال من فاعل
﴿سار﴾؛ أي: متلبسًا بأهله،
﴿آنَسَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة جواب
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿لما﴾ معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿آنَسَ﴾، أو حال من
﴿نَارًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها،
﴿نَارًا﴾: مفعول به.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف بعاطف مقدر على
﴿آنَسَ﴾،
﴿لِأَهْلِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ
﴿قال﴾؛
173
﴿امْكُثُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿آنَسْتُ نَارًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كونها معللة للأمر بالمكث،
﴿لَعَلِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿آتِيكُمْ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر ومفعول به،
﴿مِنْهَا﴾: حال من
﴿خبر﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها،
﴿بِخَبَرٍ﴾: متعلق
﴿آتِيكُمْ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿لعل﴾، وجملة
﴿لعل﴾ في محل النصب حال من فاعل
﴿آنَسْتُ﴾،
﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾: معطوف على
﴿خبر﴾،
﴿مِنَ النَّارِ﴾: صفة لـ
﴿جَذْوَةٍ﴾،
﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، وجلمة
﴿تَصْطَلُونَ﴾ خبر
﴿لعل﴾، وجملة
﴿لعل﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾، على كونها معللة للإتيان.
﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف يقتضيه المقام، تقديره: فسار إليها،
﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿أَتَاهَا﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة فعل شرط لـ
﴿لما﴾،
﴿نُودِيَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة جواب
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿لما﴾ معطوفة على تلك المحذوفة.
﴿مِنْ شَاطِئِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿نُودِيَ﴾،
﴿شَاطِئِ﴾: مضاف،
﴿الْوَادِ﴾: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، وحُذفت في الخط تبعًا للفظ في الرسم العثماني،
﴿الْأَيْمَنِ﴾: صفة لـ
﴿شَاطِئِ﴾،
﴿فِي الْبُقْعَةِ﴾: حال من
﴿شَاطِئِ﴾،
﴿الْمُبَارَكَةِ﴾: صفة لـ
﴿الْبُقْعَةِ﴾،
﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾: بدل من قوله:
﴿مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ﴾ بدل اشتمال، لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطىء؛ أي: أتاه النداء من شاطىء الوادي من قبل الشجرة،
﴿أَنْ﴾: مفسرة بمعنى أي، لأن النداء قول، والتقدير: أي يا موسى، وأجاز أبو البقاء وغيره أن تكون مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف يفسره جملة النداء؛ أي: نودي بأنه؛ أي: الشأن،
﴿يَا مُوسَى﴾: منادى
174
مفرد العلم، وجملة النداء مفسرة لجملة
﴿نُودِيَ﴾ لا محل لها من الإعراب.
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿أَنَا﴾: ضمير فصل، أو مبتدأ،
﴿اللَّهُ﴾: خبر
﴿إن﴾، أو خبر
﴿أَنَا﴾،
﴿رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ صفة للجلالة، أو بدل منه، أو خبر ثان لـ
﴿إن﴾، وجملة
﴿إن﴾ جملة مفسرة للنداء لا محل لها من الإعراب.
﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١)﴾.
﴿وَأَنْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة، و
﴿أن﴾: مفسرة معطوفة على
﴿أَنْ يَا مُوسَى﴾،
﴿أَلْقِ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾،
﴿عَصَاكَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿أَنْ يَا مُوسَى﴾ على كونها مفسرة للنداء.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف يقتضيه السياق، تقديره: فألقاها فصارت ثعبانًا، فلما رآها تهتز إلخ،
﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿رَآهَا﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾ ومفعول به، لأن رأى هنا بصرية، والجملة الفعلية فعل شرط لـ
﴿لما﴾، لا محل لها من الإعراب،
﴿تَهْتَزُّ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على العصا، والجملة في محل النصب حال من مفعول
﴿رَآهَا﴾،
﴿كَأَنَّهَا﴾: ناصب واسمه،
﴿جَانٌّ﴾: خبره، وجملة
﴿كأن﴾ في محل النصب حال من فاعل
﴿تَهْتَزُّ﴾،
﴿وَلَّى﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾،
﴿مُدْبِرًا﴾: حال من فاعل
﴿وَلَّى﴾، وجملة
﴿وَلَّى﴾: جواب
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿لما﴾ معطوفة على تلك الجملة المحذوفة.
﴿وَلَمْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لم﴾: حرف جزم،
﴿يُعَقِّبْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ
﴿لم﴾، وفاعله ضمير يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة معطوفة على جملة
﴿وَلَّى﴾،
﴿يَا مُوسَى﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء معمول لمحذوف، تقديره: فنودي يا موسى،
﴿أَقْبِلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة الفعلية جواب النداء لا محل لها من الإعراب،
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لا﴾: ناهية جازمة،
﴿تَخَفْ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، مجزوم بـ
﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على جملة
﴿أَقْبِلْ﴾،
﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه،
﴿مِنَ الْآمِنِينَ﴾: جار ومجرور خبر
﴿إن﴾،
175
وجملة
﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر بالإقبال، والنهي عن الخوف.
﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٣٢)﴾.
﴿اسْلُكْ يَدَكَ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على قوله:
﴿أَلْقِ عَصَاكَ﴾ بعاطف مقدر؛ لأنه من جملة ما نودي به،
﴿فِي جَيْبِكَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿اسْلُكْ﴾،
﴿تَخْرُجْ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على اليد، مجزوم بالطلب السابق،
﴿بَيْضَاءَ﴾: حال من فاعل
﴿تَخْرُجْ﴾،
﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿بَيْضَاءَ﴾، أو صفة له.
﴿وَاضْمُمْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر معطوف على
﴿اسْلُكْ﴾،
﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به.
﴿جَنَاحَكَ﴾: مفعول به،
﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾: متعلق بـ
﴿اضمم﴾ على سبيل التعليل له؛ أي: من أجل الرهب، وقيل: بـ
﴿وَلَّى﴾؛ أي: هرب من الفزع، وقيل: بـ
﴿مُدْبِرًا﴾، وقيل: بمحذوف؛ أي: يسكن من الرهب.
﴿فَذَانِكَ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره إذا امتثلت ما أمرناك به، وأردت بيان حكمته فأقول لك ذانك إلخ.
﴿ذانك﴾: اسم إشارة، يشار به إلى المثنى المذكر القريب، في محل الرفع مبتدأ، مبني على الألف لكونه على صورة المثنى، أو مبني على الكسر، و
﴿الكاف﴾: حرف دال على الخطاب،
﴿بُرْهَانَانِ﴾: خبر مرفوع بالألف،
﴿مِنْ رَبِّكَ﴾: جار ومجرور صفة لـ
﴿بُرْهَانَانِ﴾؛ أي: مرسلان من ربك،
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾: متعلق بمرسلان،
﴿وَمَلَئِهِ﴾: معطوف على
﴿فِرْعَوْنَ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة،
﴿إِنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه،
﴿كَانُوا قَوْمًا﴾: فعل ناقص واسمه وخبره،
﴿فَاسِقِينَ﴾ صفة
﴿قَوْمًا﴾، وجملة
﴿كان﴾ في محل الرفع خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل إرسال البرهانين.
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾، والجملة مستأنفة،
176
﴿رَبِّ﴾ منادى مضاف حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿قَتَلْتُ﴾: فعل وفاعل،
﴿مِنْهُمْ﴾: حال من
﴿نَفْسًا﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليها،
﴿نَفْسًا﴾ مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر إن وجلمة إن في محل النصب مقول قال على كونها جواب النداء.
﴿فَأَخَافُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية لكون ما قبلها علة لما بعدها، وفاعله ضمير مستتر يعود على
﴿مُوسَى﴾،
﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿يَقْتُلُونِ﴾: فعل وفاعل منصوب بـ
﴿أن﴾ المصدرية، وعلامة نصبه حذف النون، لأن أصله يقتلونني، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية، أو لرعاية الفاصلة في محل النصب مفعول به، وجملة
﴿يَقْتُلُونِ﴾ مع
﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ
﴿أخاف﴾؛ أي: فأخاف قتلهم إياي، وجملة
﴿أخاف﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة
﴿قَتَلْتُ﴾.
﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤)﴾.
﴿وَأَخِي﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿أخي﴾: مبتدأ ومضاف إليه،
﴿هَارُونُ﴾: بدل عنه، أو عطف بيان له،
﴿هُوَ﴾: مبتدأ ثان،
﴿أَفْصَحُ﴾: خبر له،
﴿مِنِّي﴾: متعلق بـ
﴿أَفْصَحُ﴾،
﴿لِسَانًا﴾: تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، وجملة المبتدأ الثاني مع خبره خبر للمبتدأ الأول. وجملة الأول معطوفة على جملة
﴿إن﴾.
﴿فَأَرْسِلْهُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية،
﴿أرسله﴾: فعل دعاء، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به،
﴿مَعِيَ﴾: ظرف متعلق بـ
﴿أرسله﴾، والجملة الفعلية معطوفة مفرعة على جملة قوله:
﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾،
﴿رِدْءًا﴾: حال من مفعول
﴿أرسله﴾؛ أي: حالة كونه عونًا لي على تبليغ الرسالة،
﴿يُصَدِّقُنِي﴾: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم على قراءة الرفع، أو مجزوم بالطلب السابق على قراءة الجزم، وفاعله ضمير مستتر يعود على
﴿أخي﴾، والنون للوقاية، والياء مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب
177
صفة لـ
﴿رِدْءًا﴾، أو حال من مفعول
﴿أرسله﴾، أو مستأنفة على قراءة الرفع،
﴿إِنِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿أَخَافُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل طلب الإرسال،
﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿يُكَذِّبُونِ﴾: فعل مضارع منصوب بـ
﴿أن﴾ المصدرية، وعلامة نصبه حذف النون، لأن أصله أن يكذبونني، حذفت النون الأولى للناصب، والثانية للوقاية، و
﴿الواو﴾: فاعل، والياء المحذوفة للفاصلة مفعول به، والجملة الفعلية مع
﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: إني أخاف تكذيبهم إياي في الرسالة.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَجَاءَ رَجُلٌ﴾ اسمه حزقيل، وقيل: شمعون، وقيل: سمعان، وهو الذي ذكر في قوله تعالى:
﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ...﴾ إلخ.
﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾؛ أي: أبعدها مكانًا، يقال: قصوت عنه وأقصيت: أبعدت، والقصي البعيد،
﴿يَسْعَى﴾؛ أي: يسرع في مشيه.
﴿إِنَّ الْمَلَأَ﴾ الملأ أشرات الدولة ووجوهها،
﴿يَأْتَمِرُونَ﴾؛ أي: يتشاورون من الائتمار، وهو التشاور، يقال: الرجلان يتآمران ويأتمران بمعنى واحد، لأن كل واحد فيهما يأمر صاحبه بشيء، أو يشير عليه بأمر. وقيل: معناه يأمر بعضهم بعضًا بقتلك، ولعل هذا أوضح. وقد أورد صاحب "التاج" المعنيين، قال: "ائتمروا وتآمروا: تشاوروا، وائتمروا بفلان هموا به، وأمر بعضهم بعضًا بقتله، وقال الأزهري: ائتمر القوم وتآمروا إذا أمر بعضهم بعضًا، كما قال:
﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ " وقال النمر بن تولب:
أرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوْا شِيْمَةً | وَفِيْ كُلِّ حَادِثَةٍ يُؤْتَمَرْ |
﴿يَتَرَقَّبُ﴾؛ أي: يلتفت يمنة ويسرة،
﴿تَوَجَّهَ﴾ إلى الشيء إذا صرت وجهه إليه،
﴿تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾؛ أي: جهتها، والتلقاء تفعال من لقيت، وهو مصدر اتسع فيه فاستُعمل ظرفًا، يقال: جلس تلقاءه؛ أي: حذاءه ومقابلته
﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾؛
178
أي: مستقيمه، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك،
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾؛ أي: وصل والورود إتيان الماء، وضده الصدور، وهو الرجوع عنه، وفي "المفردات": الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل في غيره،
﴿أُمَّةً مِنَ النَّاسِ﴾؛ أي: جماعة كثيرة منهم.
﴿مَاءَ مَدْيَنَ﴾ والمراد بماء مدين البئر التي كانوا يستقون منها، ومدين بلدة على بحر القلزم، محاذية لتبوك، فيها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام،
﴿تَذُودَانِ﴾؛ أي: تطردان أغنامهما عن الماء خوفًا من السقاة الأقوياء، ومنه قول الشاعر:
لَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُوْ تَمِيْمٍ | فَمَا تَدْرِيْ بِأَيِّ عَصَا تَذُوْدُ |
﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾؛ أي: ما شأنكما، ولم لا تردان مع هؤلاء، قال الزمخشري: وحقيقته ما مخطوبكما؛ أي: ما مطلوبكما من الذياد، فسُمِّي المخطوب خطبًا، كما سُمي المشؤون شأنًا في قولك: ما شأنك، يقال: شأنت شأنه؛ أي: قصدت قصده، وفي "القاموس": وشرحه الخطب - مصدر - والشأن، يقال: ما خطبك؛ أي: ما شأنك، وما الذي حملك عليه، والخطب الأمر صغر أو عظم، وغلب استعماله للأمر العظيم المكروه، ولهذه المادة معان كثيرة يرجع إليها في المعاجم المطولة.
﴿حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ الصدر عن الشيء الرجوع عنه، يقال في فعله: صدر من باب ضرب ونصر ودخل، والصدر بفتحتين اسم مصدر منه، ويتعدى بنفسه، فيقال صدره غيره؛ أي: رجَّعه وردَّه، ويُستعمل رباعيًا، فيقال: أصدره غيره. اهـ. من "القاموس" و"المختار".
والرعاء جمع راع على غير قياس؛ لأن فاعلًا - الوصف المعتل اللام، كقاض - قياسه فُعَلَةٌ، كقضاة ورُماة، خلافًا للزمخشري في قوله: إنه جمع راع على فعال قياس، كصيام وقيام، قال ابن مالك:
فِيْ نحْوِ رَامٍ ذُوْ اطِّرَادِ فُعَلَهُ
179
أما جمع فعال فيطرد في ستة أنواع نوردها فيما يلي:
١ - اسم أو صفة ليست عينهما ياء، على وزن فعل أو فعلة، فالاسم ككعب وكعاب، وثوب وثياب، ونار ونيار، وقصعة وقصاع، وجنة وجنان، والصفة كصعب وصعبة وصعاب، وضخم وضخمة وضخام، وندر مجيئه من معتل العين كضيعة وضياع، وضيف وضياف.
٢ - اسم صحيح اللام غير مضاعف، على وزن فعل أو فعلة، كجمل وجمال، وجبل وجبال، ورقبة ورقاب، وثمرة وثمار.
٣ - اسم على وزن فعل كذئب وذئاب، وظل وظلال، وبئر وبئار.
٤ - اسم على وزن فعل ليست عينه واوًا، ولا لامه ياءً، كرمح ورماح، ودهن ودهان، وأما الدِّهان في قوله تعالى:
﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ فسيأتي أنه اسم مفرد، ومعناه الجلد الأحمر.
٥ - صفة صحيحة اللام على وزن فعل أو فعيلة، ككريم وكريمة وكرام، ومريض ومريضة ومراض، وطويل وطويلة وطوال.
٦ - صفة على وزن فعلان، أو فعل أو فعلانة أو فُعلانة، كعطشان وعطشى وعطاش، وريان وريا ورواء، وندمان وندمى وندام، وخمصان وخمصانة وخماص.
وما جُمع على فعال من غير ما ذكر فهو على غير القياس، وذلك كراع وراعية ورعاء، وقائم وقائمة وقيام، وصائم وصائمة وصيام، وأعجف وعجفاء وعجاف، وخير وخيار، وجيد وجياد، وجواد وجياد، وأبطح وبطاح، وقلوص وقلاص، وأنثى وإناث، ونطفة ونطاف، وفصيل وفصال، وسبع وسباع، وضبع وضباع، ونُفَسَا ونفَاس، وعُشراء وعشار، هذا ولا ندري كيف ندَّ هذا عن الزمخشري، فقال في كشافه: وأما الرعاء بالكسر فقياس كصيام وقيام.
والرَّعْي - بالفتح - في الأصل: حفظ الحيوان، إما بغذائه الحافظ لحياته، أو بذبِّ العدو عنه، والرِعْيُ - بالكسر -: ما يرعاه، والمرعى: موضع الشرعي،
180
ويُسمى كل سائس لنفسه أو لغيره راعيًا، وفي الحديث: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته"، وقيل: الرعاء هم الذين يرعون المواشي، والرعاة هم الذين يرعون الناس، وهم الولاة.
﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ والخير يكون بمعنى الطعام، كما في الآية، ويمعنى المال، كما في قوله تعالى:
﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ وبمعنى القوة، كما في قوله:
﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾، وبمعنى العبادة، كما في قوله:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾،
﴿ثُمَّ تَوَلَّى﴾؛ أي: جعل ظهره يلي ما كان يليه وجهه.
﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ الاستحياء والحياء: الحشمة، والانقباض، والانزواء، قال في "المصباح": يقال: استحيت بياء واحدة وبياءين، ويتعدى بنفسه وبالحرف فيقال: استحييته واستحيت منه.
﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ القصص بفتحتين مصدر بمعنى المقصوص، وقد سُمِّي به فيما بعْدُ المقصوص، يقال: قصَّ عليه الخبر حدَّثه به، ومصدره قصص بفتحتين، أما القصص بكسر القاف فهو جمع قصة،
﴿حِجَجٍ﴾ جمع حجة بكسر الحاء، وهي السنة.
﴿أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾؛ أي: أن أُدخل عليك مشقة، واشتقاق المشقة من الشق، فإن ما يصعب عليك يشق اعتقادك في إطاقته، ويوزع رأيك في مزاولته.
﴿الْأَجَلَيْنِ﴾؛ أي: الأطول أو الأقرب،
﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾ والطور اسم جبل مخصوص، والنار يقال: للَّهب الذي يبدو للحاسة، وللحرارة المجردة، ولنار جهنم،
﴿امْكُثُوا﴾ المكث ثبات مع انتظار؛ أي: قفوا مكانكم واثبتوا فيه،
﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ والجذوة عود غليظ، مهواء كانت في رأسه نار أو لا، وفي "المفردات": الجذوة التي يبقى من الحطب بعد الالتهاب.
﴿مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ والشاطىء الجانب، وهو شفير الوادي، وكذلك الشط والسيف والساحل، كلها بمعنى واحد. والوادي في الأصل الموضع الذي
181
يسيل فيه الماء، ومنه سمي المفرج بين الجبلين واديًا.
﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ والبقعة قطعة من الأرض لا شجر فيها، وُصفت بكونها مباركة، لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة وتكليم الله إياه.
﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ الجانُّ الحية الصغيرة التي توجد في كثير من الدور ولا تؤذي،
﴿اسْلُكْ يَدَكَ﴾ من سلك الشيء إذا أنفذه فيه، وفي "المصباح": السلك بالفتح والسلوك كل منهما مصدر لسلك الشيء في الشيء، إذا أنفذه فيه، فإنه من بابي قعد ونصر. اهـ.
﴿فِي جَيْبِكَ﴾ والجيب الفتحة في القميص ونحوه من حيث يخرج الرأس.
﴿جَنَاحَكَ﴾ جناح الإنسان عضده، ويقال: اليد كلها جناح،
﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ الرهب مخافة مع تحزن واضطراب؛ أي: من أجل الرهب،
﴿بُرْهَانَانِ﴾ تثنية برهان، والبرهان فعلان، من قولهم: أبره الرجل إذا جاء بالبرهان، أو من قولهم: بره الرجل إذا ابيض، ويقال: برهاء وبرهة للمرأة البيضاء، ونظيره تسمية الحجة سلطانًا من السليط، وهو الزيت لإنارتها، وقيل: هو فعلال، لقولهم: برهن.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لِمَ سُمِّيت الحجة برهانًا؟
قلت: لبياضها وإنارتها، من قولهم للمرأة البيضاء: برهرهة، بتكرير العين واللام معًا، وهذا تعليل لطيف لا يُحسِّن استنباطه غير هذا الإِمام، ومعنى ذلك أن النون في البرهان زائدة، يقولون: أَبْرَهَ الرجل إذا جاء بالبرهان، وفي معاجم اللغة: وأبره أتى بالبرهان، أو بالعجائب، وغلب الناس، وهذا هو قول الزمخشري، والمحققين، وزعم صاحب "القاموس" في أحد قوليه أن النون أصلية، قال: وبرهن عليه أقام البرهان، والبرهان بالضم الحجة فتدبر.
﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ من الفصاحة، والفصاحة لغة الخلوص، يقال: فصح اللبن، وأفصح، فهو فصيح؛ أي: خلص من الرغوة، ومنه فصح الرجل جادت لغته، وأفصح تكلم بالعربية، وقيل: الفصيح الذي ينطق، والأعجم الذي
182
لا ينطق، وأما في اصطلاح أهل البيان: فالفصاحة خلوص الكلمة عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس، وفصاحة الكلام خلوصه من ضعف التأليف والتعقيد.
﴿رِدْءًا﴾ والردء المعين من أردأته على عدوه إذا أعنته، يقال: فلان ردء فلان إذا كان ينصره ويشد ظهره، ومنه قول الشاعر:
ألم تر أن أصرم كان ردئي | وخير الناس في قل ومال |
وفي "الفتوحات": والردء العون، وهو فعل بمعنى مفعول، كالدفء بمعنى المدفوء به، وردأته على عدوه أعنته عليه، وردأت الحائط دعمته بخشبة لئلا يسقط. وقال النحاس: يقال: ردأته وأردأته.
فائدة: قال بعضهم في قوله:
﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ مقام الفصاحة هو مقام الصحو والتمكين، الذي يقدر صاحبه على أن يُخبر عن الحق وأسراره بعبارة لا تكون ثقيلة في موازين العلم، وهذا حال نبينا - ﷺ - حيث قال: "أنا أفصح العرب، وبُعثت بجوامع الكلم" اهـ "الروح".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنوعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التأكيد بإن واللام في قوله إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك مطابقة لمقتضى الحال.
ومنها: إضافة الصفة إلى الموصوف في قوله:
﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾؛ أي: السبيل الوسط.
ومنها: تنكير أمة في قوله:
﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ﴾ للدلالة على الكثرة.
ومنها: كثرة الإيجاز في هذه الآيات، أعني قوله: {أُمَّةً مِنَ النَّاسِ
183
يَسْقُونَ} إلى قوله:
﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ فقد حذف المفعول به في أربعة أماكن، أحدها مفعول
﴿يَسْقُونَ﴾؛ أي: مواشيهم، والثاني مفعول
﴿تَذُودَان﴾؛ أي: مواشيهما، والثالث
﴿لَا نَسْقِي﴾؛ أي: مواشينا، والرابع
﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾؛ أي: مواشيهما، وعلة الحذف أن الغرض هو أن يُعلم أنه كان من الناس سقي، ومن البنتين ذود، وأنهما قالتا: لا نسقي؛ أي: لا يكون منا سقي حتى يصدر الرعاء، وأنه كان من موسى سقي، فأما كون المسقي غنمًا أو إبلًا أو غير ذلك، فذلك أمر خارج عن نطاق الغرض.
ومنها: الكناية في قوله:
﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ فقد أرادتا أن تقولا له: إننا امرأتان ضعيفتان مستورتان، لا نقدر على مزاحمة الرجال، وما لنا رجل يقوم بذلك، وأبونا شيخ طاعن في السن، فقد أضعفه الكبر وأعياه، فلا مندوحة لنا عن ترك السقيا، وإرجائها إلى أن يقضي الناس أوطارهم من الماء، وبذلك طابق جوابهما سؤاله، لأنه سألهما عن علة الذود، فقالتا ما قالتاه.
ومنها: الاستعطاف والترحم في قوله:
﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير﴾ وفيه أيضًا التعبير بالماضي عن المضارع في قوله:
﴿لِمَا أَنْزَلْتَ﴾؛ أي: إلى ما تنزله إلي.
ومنها: الإشارة في قوله:
﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ فقد أشار بلمح خاطف يشبه لمح الطرف، وبلغة هي لغة النظر إلى وصف جمالها الرائع الفتان باستحياء، لأن الخفر من صفات الحسان، ولأن التهادي في المشي من أبرز سماتهن.
قال الأعشى:كَأنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتهَا | مَرُّ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ |
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله:
﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾.
ومنها: الإتيان بالكلام الجامع المانع الحكيم في قوله:
﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان في القائم بأمرك والمتعهد لشؤونك، وهما الكفاية والأمانة فقد فرغ بالك، وتم أمرك، وسهل
184
مرادك، ولأنه ذهب مذهب المثل المضروب ليذهب في مر العصور، وقادمات الدهور، وفيه التعميم الذي هو أجمل وأليق في مدح النساء للرجال من المدح الخاص، وأبقى للتحشم والتصوُّن، وخصوصًا بعد أن فهمت غرض أبيها، وهو تزويجها منه.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله:
﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ حذف وجه الشبه فأصبح مجملًا.
ومنها: الطباق بين
﴿يُصَدِّقُنِي﴾ و
﴿يُكَذِّبُونِ﴾.
ومنها: الكناية في قوله:
﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ كنى عن اليد بالجناح، لأنها للإنسان كالجناح للطائر.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
185
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)﴾.
186
المناسبة
قوله تعالى:
﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما قال لموسى:
﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾ علم (١) أنه سيذهب بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه، وحينئذٍ طلب منه أن يؤتيه ما يقوي به قلبه، ويزيل خوفه من فرعون، لأنه إنما خرج من ديار مصر فرارًا منه، وهربًا من سطوته، فيُرسل معه أخاه هارون وزيرًا.. فأجابه إلى ما طلب، وأرسله هو وهارون إلى فرعون وملئه، ومعهما المعجزات الباهرة، والأدلة الساطعة فلما عاينوا ذلك، وأيقنوا صدقه لجؤوا إلى العناد والمكابرة، فقالوا: ما هذا إلا سحر مفتعل، وما رأينا أحدًا من آبائنا على هذا الدين، فقال لهم موسى: ربي أعلم بالمهتدي منا ومنكم، وسيفصل بيني وبينكم، ويجعل النصر والتأييد للصالحين من عباده.
قوله تعالى:
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنه (٢) لما رغب موسى فرعون وقومه في التوحيد، والنظر في الكون تارة، ورهَّبهم من عذاب الله، وشديد نكاله تارة أخرى.. أجابه فرعون بتلك المقالة التي تدل على الجهل المطبق، ونقصان العقل، وأنه بلغ غاية لا حد لها في الإنكار، وأنه لا مطمع في إيمانه لعتوه وطغيانه، واستكباره في الأرض، حتى قال ما قال. ومن ثم كانت عاقبته في الدنيا الهلاك بالغرق هو وجنوده، واللعن من الله والناس، وفي الآخرة الطرد من رحمة الله، ثم أخبر سبحانه أنه آتى موسى التوراة وجعلها نورًا للناس يهتدون بها، وتكون لهم تذكرة من عقاب الله وشديد عذابه.
قوله تعالى:
﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بيَّن فيما سلف أنه أرسل موسى، بعد أن أهلك القرون الأولى، ودرست الشرائع، واحتيج إلى نبي يُرشد الناس إلى ما فيه صلاحهم، في معاشهم ومعادهم.. أردف ذلك ببيان الحاجة
187
إلى إرسال رسوله محمد - ﷺ -، لمثل تلك الدواعي التي دعت إلى إرسال موسى عليه السلام لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولأن رحمته اقتضت أن لا يعذب أحدًا إلا إذا أرسل رسولًا، ويتضمن ذلك كون القرآن وحيًّا من عند الله سبحانه، لأن ما فُصل فيه من الأحوال لا يتسنى إلا بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهدها، وقد انتفى كلاهما، فتبين أنه بوحي من علام الغيوب.
قوله تعالى:
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (١) بين فيما سلف أنه إنما أرسل رسوله قطعًا لمعذرتهم، حتى لا يقولوا حين نزول بأسنا بهم: هلا أرسلت إلينا رسولًا فنتبعه.. أردفه ببيان أنه حين مجيء الرسول، وإنزال القرآن عليه جحدوا به، وكذبوا رسالته، ولم يعتدوا بكتابه، وطلبوا مجيء معجزات كمعجزات موسى، من مجيء التوراة جملة، وقلب العصا، وإخراج اليد بيضاء من غير سوء، وقد كفر المعاندون من قبلهم بما جاء به موسى من المعجزات، وقالوا: ما هي إلا سحر مفترى، وما في إلا أساطير الأولين، وإن موسى ومحمد ساحران، تعاونا على الخداع والتضليل، وإنا لكافرون بكل منهما.
ثم أمر رسوله أن يقول لهم: إن إستطعتم أن تأتوا بكتاب خير من كتابيهما، موصل إلى الحق، هاد إلى سبيل الرشد فافعلوا، فإن لم تستطيعوا ذلك فأنتم متبعون للهوى، سالكون سبيل الضلال، ولا أضل من يسلك هذه السبيل، ثم ذكر أنه ما أنزل الكتاب منجمًا على هذا النهج إلا ليكون فيه عبرة وذكرى لهم، بين آن وآخر، لعلهم يرتدعون عن غيِّهم، ويثوبون إلى رشدهم.
قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (٢) لما أثبت أن القرآن وحي من عند الله، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. أكد هذا بأن أثبت أن أهل الكتاب آمنوا به حين رأوا الأدلة تتظاهر على صدقه، وموافقته لما في كتبهم من وصف، فأجدر بمن لا كتاب لهم من قبله أن يؤمنوا به.
188
أسباب النزول
قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية (١): ما أخرجه ابن جرير والطبراني عن رفاعة القرظي قال: نزلت
﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ في عشرة أنفار أنا أحدهم. وأخرج ابن جرير عن علي بن رفاعة قال: خرج عشرة رهط عن أهل الكتاب، منهم رفاعة - يعني أباه - إلى النبي - ﷺ - فآمنوا، فأوذوا فنزلت:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ الآية، وأخرج عن قتادة قال: كنا نحدث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب، كانوا على الحق حتى بعث الله سبحانه محمدًا فآمنوا، منهم عثمان، وعبد الله بن سلام.
قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ...﴾ الآية، قال (٢) سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي إلى النبي - ﷺ -، فلما قدموا عليه قرأ عليهم
﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)﴾ حتى ختمها، فجعلوا يبكون، وأسلموا.
وأخرج (٣) الطبراني في "الأوسط" بسند فيه من لا يُعرف عن ابن عباس: أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي - ﷺ -، فشهدوا معه أحدًا، فكانت فيهم جراحات، ولم يقتل منهم أحد، فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة، قالوا: يا رسول الله إنا أهل ميسرة، فأذن لنا نجيء بأموالنا، نواسي بها المسلمين، فأنزل الله فيهم
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ...﴾ الآيات. فلما نزلت قالوا: يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجران، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم، فأنزل الله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ...﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: لما نزلت
﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ فخرج مؤمنوا أهل الكتاب على أصحاب النبي - ﷺ - فقالوا: لنا أجران،
189
الموصوفون بما ذكر من النعوت
﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ﴾ أي: يعطون ثوابهم في الآخرة
﴿مَرَّتَيْنِ﴾ مرة على إيمانهم بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن، أو بإيمانهم بنبينهم أولًا، وبإيمانهم بمحمد - ﷺ -، أو بإيمانهم بمحمد قبل بعثته وبعد بعثته. والباء في قوله:
﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ للسببية أي: بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمانين، والعمل بالشريعتين.
وفي "التأويلات النجمية" (١): على مخالفة هواهم، وموافقة أوامر الشرع ونواهيه، وفي الحديث: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل كانت له جارية، فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم تزوجها فله أجره مرتين، وعبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل آمن بالكتاب الأول، ثم آمن بالقرآن، فله أجره مرتين" متفق عليه.
﴿وَيَدْرَءُونَ﴾؛ أي: يدفعون
﴿بـ﴾ ـالخصلة
﴿الْحَسَنَةِ﴾ وبالطاعة الخصلة
﴿السَّيِّئَةَ﴾؛ أي: القبيحة والمعصية، أو بالقول الحسن القول القبيح، أو بالاحتمال والصفح ما يلاقونه من الأذى. وقيل بالتوبة والاستغفار الذنوبَ. وقيل: بشهادة أن لا إله إلا الله الشركَ.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾؛ أي: وينفقدن مما أعطاهم الله من فضله من المال الحلال النفقات الواجبة لأهلهم، وذوي قرباهم، ويؤدون الزكاة المفروضة عليهم، ويساعدون البائسين وذوي الخصاصة المعوزين.
٥٥ - ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو فقال:
﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ﴾؛ أي: ما لا ينفع في دين ودنيا
﴿أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾؛ أي: عن اللغو
﴿وَقَالُوا﴾ لِلَّاغين
﴿لَنَا أَعْمَالُنَا﴾ من الحلم والصفح ونحوهما
﴿وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ من اللغو والسفاهة وغيرهما، فكل مطالب بعمله، فلا يلحقنا من ضرر كفركم شيء، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء
﴿سَلَامٌ﴾ وأمنة منا، وبراءة من ضررنا عليكم، فلا نقابلكم بمثل ما فعلتم بنا، ولا نجازيكم عليه، لأن المراد بالسلام هنا سلام متاركة وإعراض عن
216
سوءهم، لا سلام تحية وإكرام.
﴿لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾؛ أي: لا نطلب صحبتهم، ولا نريد مخالطتهم ومخاطبتهم، والتخلق بأخلاقهم، ولا نجازيهم بالباطل على باطلهم، فإن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب، ويقولون: تبًا لكم تركتم دينكم، فيُعرضون، ولا يردون عليهم، قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال، وقال صاحب "الروح": وحكم الآية وإن كان منسوخًا بآية السيف إلا أنَّ فيها حثًا على مكارم الأخلاق.
وفي الحديث: "ثلاث من لم يكنَّ فيه فلا يعتد بعلمه، حلم يرد به جهل جاهل، وورع يحجز عن معاصي الله، وحسن خلق يعيش به في الناس". وما أحسن قول بعضهم:
إِذَا رَأَيْتَ أَثِيْمَا | كُنْ سَاتِرًا وَحَلِيْمَا |
يَا مَنْ يُقَبِّحُ لَغْوِيْ | لِمْ لَا تَمُرُّ كَرِيْمَا |
والمعنى (١): أي وإذا سمعوا ما لا ينفع في دين ولا دنيا من السب والشتائم، وتكذيب الرسول.. أعرضوا عن قائليه، ولم يخالطوهم، وإذا سفه عليهم سفيه، وكلمهم بما لا ينبغي رده من القول.. لم يقابلوه بمثله، إذ لا يصدر منهم إلا طيب الكلام، وقالوا: لنا أعمالنا، لا تثابون على شيء منها، ولا تعاقبون، ولكم أعمالكم لا نطالب بشيء منها، فنحن لا نشغل أنفسنا بالرد عليكم، سلام عليهم، سلام متاركة وتوديع، فإنا لا نريد طريق الجاهلين، ومثل الآية، قوله تعالى:
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾.
روى محمد بن إسحاق أنه قدم على رسول الله - ﷺ - وهو بمكة عشرون رجلًا أو يزيدون من نصارى الحبشة، حين بلغهم خبره، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه، وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مساءلته عما أرادوا دعاهم إلى الله، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوه فاضت
217
أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله، وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب، بعثكم من ورائكم من أهل دينكم ترتادون لهم، لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم، وصدقتموه فيما قال، ما رأينا ركبًا أحمق منكم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه.
واعلم: أن اللغو عند أهل المعرفة كل ما يشغلك عن العبادة وذكر الحق، وكل كلام بغير خطاب الحال والواقعة، وطلب ما سوى الله سبحانه وتعالى.
الإعراب
﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة مستأنفة،
﴿سَنَشُدّ﴾ ﴿السين﴾: حرف استقبال لتأكيد معنى الفعل،
﴿نشد﴾: فعل وفاعل مستتر،
﴿عَضُدَكَ﴾: مفعول به،
﴿بِأَخِيكَ﴾ متعلق بـ
﴿نشد﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿وَنَجْعَلُ﴾ فعل مضارع، وفاعل مستتر معطوف على
﴿نشد﴾،
﴿لَكُمَا﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ
﴿جعل﴾،
﴿سُلْطَانًا﴾: مفعول أول له،
﴿فَلَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿لا﴾: نافية،
﴿يَصِلُونَ﴾: فعل وفاعل معطوت على
﴿نجعل﴾،
﴿إِلَيْكُمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿يَصِلُونَ﴾،
﴿بِآيَاتِنَا﴾: إما متعلق بـ
﴿نجعل﴾، أو بـ
﴿يَصِلُونَ﴾، أو بمحذوف، تقديره: اذهبا، أو بسلطاننا؛ أي: نسلطكما بآياتنا، أو بمحذوف حال، أو من لغو القسم، ولا أرى موجبًا لترجيح بعضهم على بعض. فاختر منها ما ترى ترجيحه.
﴿أَنْتُمَا﴾: مبتدأ،
﴿وَمَنِ﴾: اسم موصول في محل الرفع معطوف على
﴿أَنْتُمَا﴾،
﴿اتَّبَعَكُمَا﴾: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به صلة
﴿مَن﴾ الموصولة،
﴿الْغَالِبُونَ﴾: خبر
﴿أَنْتُمَا﴾ وما عطف عليه، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
218
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فجاءهم موسى بآياتنا فلما جاءهم قال إلخ،
﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿جَاءَهُمْ مُوسَى﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب،
﴿بِآيَاتِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿جاء﴾، أو بمحذوف حال من
﴿مُوسَى﴾،
﴿بَيِّنَاتٍ﴾: حال من
﴿آياتنا﴾.
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿لما﴾ معطوفة على الجملة المحذوفة.
﴿مَا﴾ نافية،
﴿هَذَا﴾: مبتدأ،
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ،
﴿سِحْرٌ﴾: خبر المبتدأ،
﴿مُفْتَرًى﴾: صفة
﴿سِحْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿ما﴾: نافية،
﴿سَمِعْنَا﴾: فعل وفاعل،
﴿بِهَذَا﴾ متعلق بـ
﴿سَمِعْنَا﴾، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية في قوله:
﴿مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ﴾،
﴿فِي آبَائِنَا﴾: جار ومجرور حال من
﴿هَذَا﴾؛ أي: حال كونه كائنًا في آبائنا،
﴿الْأَوَّلِينَ﴾ صفة لـ
﴿آبَائِنَا﴾.
﴿وَقَالَ مُوسَى﴾: فعل وفاعل، معطوف على
﴿قَالُوا﴾،
﴿رَبِّي أَعْلَمُ﴾: مبتدأ وخبر،
﴿بِمَنْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿أَعْلَمُ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول (قَالَ)،
﴿جَاءَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر،
﴿بِالْهُدَى﴾: متعلق بـ
﴿جَاءَ﴾، والجملة صلة
﴿من﴾ الموصولة،
﴿مِنْ عِنْدِهِ﴾: جار ومجرور حال من
﴿الهدى﴾،
﴿وَمَنْ﴾ اسم موصول في محل الجر معطوف على
﴿من﴾ الأولى،
﴿تَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص،
﴿لَهُ﴾: خبر مقدم لـ
﴿تَكُونُ﴾،
﴿عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾: اسمها مؤخر، وجملة
﴿تَكُونُ﴾ صلة
﴿مَن﴾ الموصولة،
﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه، وجملة
﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ خبره، وجملة
﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، على كونها مقول
﴿قَالَ﴾.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى
219
الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٣٨)}.
﴿وَقَالَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: وجمع فرعون السحرة وقال،
﴿قَالَ فِرْعَوْنُ﴾: فعل وفاعل، معطوف على تلك الجملة المحذوفة،
﴿يا﴾: حرف نداء،
﴿أي﴾: منادى نكرة مقصودة،
﴿ها﴾: حرف تنبيه زائد،
﴿الْمَلَأُ﴾: بدل من
﴿أي﴾، أو عطف بيان منه، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿ما﴾: نافية،
﴿عَلِمْتُ﴾: فعل وفاعل،
﴿لَكُمْ﴾: حال من
﴿إِلَهٍ﴾، لأنه صفة نكرة قدمت عليها،
﴿مِنْ﴾: زائدة،
﴿إِلَهٍ﴾: مفعول به،
﴿غَيْرِي﴾: صفة لـ
﴿إِلَهٍ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾: على كونها جواب النداء.
﴿فَأَوْقِدْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿أوقد﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على
﴿هَامَانُ﴾.
﴿لِي﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:
﴿مَا عَلِمْتُ﴾،
﴿يَا هَامَانُ﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿فَاجْعَلْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿اجعل﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر معطوف على
﴿أوقد﴾،
﴿عَلَى الطِّينِ﴾: متعلق بـ
﴿أَوْقِدْ﴾،
﴿لِي﴾: جار ومجرور في محل النصب مفعول ثان لـ
﴿اجعل﴾،
﴿صَرْحًا﴾: مفعول أول له.
﴿لَعَلِّي﴾: ناصب واسمه،
﴿أَطَّلِعُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، والجملة في محل الرفع خبر
﴿لعل﴾، وجملة
﴿لعل﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿أَطَّلِعُ﴾؛
﴿وَإِنِّي﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿إني﴾ ناصب واسمه،
﴿لَأَظُنُّهُ﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء،
﴿أظنه﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر ومفعول أول،
﴿مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني، وجملة
﴿أظن﴾ في محل الرفع خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إن﴾ في محل النصب معطوفة على جملة
﴿لعل﴾.
﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩) {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠)﴾.
﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿استكبر﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود
220
على
﴿فرعون﴾، والجملة معطوفة على جملة
﴿وقال فرعون﴾،
﴿هو﴾: تأكيد لضمير الفاعل المستتر في
﴿اسستكبر﴾ يعطف عليه ما بعده،
﴿وَجُنُودَهُ﴾: معطوف على الفاعل المستتر
﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ
﴿استكبر﴾،
﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل
﴿استكبر﴾ وما عطف عليه؛ أي: متلبسين بغير الحق.
﴿وَظَنُّوا﴾: فعل وفاعل معطوف على
﴿استكبر﴾،
﴿أَنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه،
﴿إِلَيْنَا﴾ متعلق بـ
﴿يُرْجَعُونَ﴾، وجملة
﴿لَا يُرْجَعُونَ﴾ في محل الرفع خبر
﴿أن﴾، وجملة
﴿أن﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي
﴿ظن﴾، تقديره: وظنوا عدم رجوعهم إلينا.
﴿فَأَخَذْنَاهُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿أخذناه﴾: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على
﴿استكبر﴾،
﴿وَجُنُودَهُ﴾: معطوف على مفعول
﴿أخذنا﴾،
﴿فَنَبَذْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل، ومفعول به معطوف على
﴿أخذناه﴾،
﴿فِي الْيَمِّ﴾ متعلق بـ
﴿نبذناهم﴾،
﴿فَانْظُرْ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره إذا عرفت ما ذكرته لك، وأردت التعجب من شأنهم فأقول لك انظر،
﴿انظر﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، أو على أي مخاطب، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام للتعجب في محل النصب خبر مقدم لـ
﴿كَانَ﴾،
﴿عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾: اسمها ومضاف إليه، وجملة
﴿كَانَ﴾ في محل النصب ساد مسد مفعول
﴿انظر﴾؛ لأن الاستفهام علقه عن العمل فيما بعده.
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢)﴾.
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿جعلناهم أئمة﴾: فعل وفاعل ومفعولان، معطوف على
﴿نبذناهم﴾؛
﴿يَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل،
﴿إِلَى النَّارِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ
﴿أَئِمَّةً﴾،
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿يوم القيامة﴾: متعلق بـ
﴿يُنْصَرُونَ﴾، وجملة
﴿لَا يُنْصَرُونَ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة
﴿يَدْعُونَ﴾.
﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، معطوف على قوله:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ ﴿فِي هَذِهِ﴾: جار ومجرور حال من
221
ضمير المفعول،
﴿الدُّنْيَا﴾ بدل من اسم الإشارة،
﴿لَعْنَةً﴾: مفعول ثان،
﴿وَيَوْمَ﴾:
﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ
﴿الْمَقْبُوحِينَ﴾ إن قلنا: إن أل فيه معرفة، أو بمحذوف دل عليه قوله:
﴿الْمَقْبُوحِينَ﴾ إن قلنا: إن أل فيه موصولة، تقديره: وقبحوا يوم القيامة، وإنما قدرنا محذوفًا لأن تعلقه بـ
﴿الْمَقْبُوحِينَ﴾ - وهو الظاهر - يمنع منه وجود أن الموصولة فيه، لأن ما بعد الموصول لا يعمل فيما قبله، على أنهم قد اتسعوا في الظروف والمجرورات
﴿هم﴾: مبتدأ،
﴿مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على جملة
﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿لقد﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم،
﴿قد﴾: حرف تحقيق،
﴿آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، لأن
﴿أتى﴾ هنا بمعنى أعطى يتعدى إلى مفعولين، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة،
﴿مِنْ بَعْدِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿آتَيْنَا﴾،
﴿مَا﴾: مصدرية،
﴿أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به،
﴿الْأُولَى﴾: صفة لـ
﴿الْقُرُونَ﴾، والجملة الفعلية صلة
﴿مَا﴾ المصدرية،
﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره: من بعد إهلاكنا القرون الأولى،
﴿بَصَائِرَ﴾: حال من
﴿الْكِتَابَ﴾، ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: ذا بصائر، أو جعله نفس البصائر مبالغة، أو مفعول لأجله،
﴿لَلنَاسِ﴾: جار ومجرور نعت لـ
﴿بصائر﴾،
﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾: معطوفان على
﴿بَصَائِرَ﴾،
﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة
﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾ خبره، وجملة
﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل الإيتاء.
﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿ما﴾: نافية،
﴿كُنْتَ﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿بِجَانِبِ﴾: جار ومجرور خبر كان،
﴿الْغَرْبِيِّ﴾: مضاف إليه، وهو على حذف
222
الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي: بجانب الجبل الغربي، حيث ناجى موسى ربه، فتخبر الناس تلك القصة، وجملة
﴿كان﴾ مستأنفة،
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور قبله،
﴿قَضَيْنَا﴾: فعل وفاعل،
﴿إِلَى مُوسَى﴾ متعلق بـ
﴿قَضَيْنَا﴾،
﴿الْأَمْرَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ
﴿إذ﴾،
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿ما﴾: نافية،
﴿كُنْتَ﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ خبره، والجملة معطوفة على جملة
﴿كان﴾ الأولى، والأمر المقضي هو الوحي الذي أوحي إليه.
﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦)﴾.
﴿وَلَكِنَّا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لكنا﴾: ناصب واسمه،
﴿أَنْشَأْنَا﴾: فعل وفاعل،
﴿قُرُونًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿لكن﴾، وجملة
﴿لكن﴾ معطوفة على جملة قوله:
﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾،
﴿فَتَطَاوَلَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿تطاول﴾: فعل ماض،
﴿عَلَيْهِمُ﴾: متعلق بـ
﴿تطاول﴾،
﴿الْعُمُرُ﴾: فاعل، والجملة معطوفة على جملة
﴿أَنْشَأْنَا﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿ما﴾: نافية،
﴿كُنْتَ ثَاوِيًا﴾: فعل ناقص واسمه وخبره،
﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿ثَاوِيًا﴾، و
﴿مَدْيَنَ﴾ ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، والجملة معطوفة على جملة
﴿كان﴾ الأولى،
﴿تَتْلُو﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على محمد،
﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ
﴿تَتْلُو﴾،
﴿آيَاتِنَا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من الضمير المستكن في
﴿ثَاوِيًا﴾، أو خبر ثان لـ
﴿كان﴾.
﴿وَلَكِنَّا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لكِنَّا﴾: ناصب واسمه،
﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿مُرْسِلِينَ﴾: خبره، وجملة
﴿كان﴾ في محل الرفع خبر
﴿لكن﴾، وجملة
﴿لكن﴾ معطوفة على جملة قوله:
﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿كُنْتَ﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿بِجَانِبِ الطُّورِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر
﴿كان﴾، وجملة
223
﴿كان﴾ معطوفة على جملة
﴿كان﴾ الأولى،
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور قبله،
﴿نَادَيْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه،
﴿وَلَكِنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لكن﴾: حرف استدراك مهمل؛ لأنها مخففة،
﴿رَحْمَةً﴾: مفعول لأجله لفعل محذوف، تقديره: ولكن أرسلناك رحمة،
﴿مِنْ رَبِّكَ﴾: جار ومجرور صفة لـ
﴿رَحْمَةً﴾، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة التي قبلها،
﴿لِتُنْذِرَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل،
﴿تنذر﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وفاعله ضمير يعود على محمد،
﴿قَوْمًا﴾: مفعول به، وجملة
﴿تنذر﴾ مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولكن أرسلناك لإنذارك قومًا، وإنما جر باللام لاختلاف الفاعل،
﴿مَا﴾: نافية،
﴿أَتَاهُمْ﴾: فعل ومفعول به،
﴿مِنْ نَذِيرٍ﴾ ﴿مِن﴾: زائدة،
﴿نَذِيرٍ﴾: فاعل،
﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾: صفة
﴿نَذِيرٍ﴾،
﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة
﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾ خبره، وجملة
﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل الإنذار.
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)﴾.
﴿وَلَوْلَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، أو عاطفة،
﴿لولا﴾: حرف امتناع لوجود،
﴿أَنْ﴾: حرف مصدر،
﴿تُصِيبَهُمْ﴾: فعل مضارع ومفعول به منصوب بـ
﴿أن﴾ المصدرية،
﴿مُصِيبَةٌ﴾: فاعل، والجملة الفعلية مع
﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: ولولا إصابة المصيبة إياهم موجود، وجواب
﴿لَوْلَا﴾ محذوف أيضًا، تقديره: لما أرسلناك رسولًا، وجملة
﴿لَوْلَا﴾ مع جوابها مستأنفة لا محل لها من الإعراب، أو معطوفة على ما قبلها،
﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿تُصِيبَهُمْ﴾،
﴿قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: بما قدمته أيديهم.
﴿فَيَقُولُوا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿يقولوا﴾: فعل وفاعل معطوف على
﴿تُصِيبَهُمْ﴾: منصوب بحذف النون،
﴿رَبَّنَا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب
224
مقول لـ
﴿يقولوا﴾،
﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض بمعنى هلا،
﴿أَرْسَلْتَ﴾: فعل وفاعل،
﴿إِلَيْنَا﴾: متعلق به،
﴿رَسُولًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ
﴿يقولوا﴾ على كونها جواب النداء
﴿فَنَتَّبِعَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة سببية،
﴿نتبع﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التحضيض،
﴿آيَاتِكَ﴾: مفعول به ومضاف إليه،
﴿وَنَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص، معطوف على
﴿نتبع﴾، واسمها ضمير مستتر يعود على المتكلمين،
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: خبر
﴿نكون﴾، وجملة
﴿نكون﴾ معطوف على جملة
﴿نتبع﴾، وجملة
﴿نتبع﴾ صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: هلا إرسالك إلينا رسولًا، فاتباعنا آياتك، فكوننا من المؤمنين.
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (٤٨)﴾.
﴿فَلَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فجاءهم الحق من عندنا فلما جاءهم الحق،
﴿لمّا﴾: حرف شرط غير جازم،
﴿جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾: فعل ومفعول وفاعل،
﴿مِنْ عِنْدِنَا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿جاء﴾، أو حال من
﴿الْحَقُّ﴾، والجملة الفعلية فعل شرط لـ
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب.
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب
﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿لما﴾ معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض بمعنى هلا،
﴿أُوتِيَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير مستتر يعود علي محمد،
﴿مِثْلَ﴾: مفعول ثان لـ
﴿أُوتِيَ﴾، وهو مضاف، و
﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾،
﴿أُوتِيَ مُوسَى﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة لـ
﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: مثل ما أوتيه موسى.
﴿أَوَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيقول أهل مكة ذلك،
﴿لم﴾: حرف جزم ونفي،
﴿يَكْفُرُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ
﴿لم﴾،
225
﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿أُوتِيَ مُوسَى﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة لـ
﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: بما أوتيه موسى،
﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿أُوتِيَ﴾.
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جملة مفسرة لكفرهم لا محل لها من الإعراب،
﴿سِحْرَانِ﴾: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هما؛ أي: التوراة والقرآن، أو موسى ومحمد عليهما السلام سحران، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾،
﴿تَظَاهَرَا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع صفة لـ
﴿سِحْرَانِ﴾.
﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على
﴿قَالُوا﴾ الأول،
﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه،
﴿بِكُلٍّ﴾: متعلق بـ
﴿كَافِرُونَ﴾، و
﴿كَافِرُونَ﴾: خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إن﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾.
﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة.
﴿فَأْتُوا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا قلتم هذان سحران تظاهرا، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم فأقول لكم ائتوا،
﴿أئتوا﴾: فعل أمر وفاعل مبني على حذف النون،
﴿بِكِتَابٍ﴾ متعلق به،
﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ
﴿كتاب﴾؛ أي: بكتاب كائن من عند الله تعالى، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول لـ
﴿قُلْ﴾.
﴿هُوَ أَهْدَى﴾: مبتدأ وخبر،
﴿مِنْهُمَا﴾: متعلق بـ
﴿أَهْدَى﴾، والجملة الاسمية في محل الجر صفة ثانية لـ
﴿كتاب﴾،
﴿أَتَّبِعْهُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، مجزوم بالطلب السابق، والجملة الفعلية جملة جوابية لا محل لها من الإعراب،
﴿إن﴾: حرف شرط،
﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بإن، الشرطية على كونه فعل شرط لها،
﴿صَادِقِينَ﴾: خبر
﴿كان﴾، وجواب إن الشرطية معلوم مما قبلها،
226
تقديره: إن كنتم صادقين فاتوا بكتاب من عند الله، وجملة
﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول
﴿قُلْ﴾.
﴿فَإنِ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فإن أجابوا لك إلى ما طلبته منهم، ولن يجيبوا فالأمر واضح،
﴿إن﴾ حرف شرط،
﴿لَمْ﴾: حرف جزم،
﴿يَسْتَجِيبُوا﴾: فعل مضارع وفاعل مجزوم بـ
﴿لم﴾، وعلامة جزمه حذف النون،
﴿لَكَ﴾: متعلق به،
﴿فَاعْلَمْ﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب إن الشرطية وجوبًا،
﴿اعلم﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة في محل الجزم بـ
﴿إن﴾ على كونها جوابًا لها، وجملة
﴿إن﴾ الشرطية معطوفة على الجملة المحذوفة،
﴿أَنَّمَا﴾ ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، ولكنها كفت عن العمل فيما بعدها بـ
﴿ما﴾ الزائدة،
﴿ما﴾: كافة لكفِّها ما قبلها عن العمل فيما بعدها، أو يقال: أنما أداة حصر،
﴿يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية سادة مسد مفعولي
﴿اعلم﴾.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿مَن﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ،
﴿أَضَلُّ﴾: خبره،
﴿مِمَّنِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿أَضَلُّ﴾، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الشرطية، أو مستأنفة،
﴿اتَّبَعَ هَوَاهُ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به ومضاف إليه، والجملة صلة
﴿مِنَ﴾ الموصولة،
﴿بِغَيْرِ هُدًى﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل
﴿اتَّبَعَ﴾، أو من مفعوله،
﴿مِنَ اللَّهِ﴾: صفة لـ
﴿هُدًى﴾،
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، وجملة
﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ﴾ خبره،
﴿الظَّالِمِينَ﴾: صفة لـ
﴿الْقَوْمَ﴾، وجملة
﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، و
﴿اللام﴾: موطئة للقسم،
﴿قد﴾: حرف تحقيق،
﴿وَصَّلْنَا﴾: فعل وفاعل،
﴿لَهُمُ﴾: متعلق بـ
﴿وَصَّلْنَا﴾،
﴿الْقَوْلَ﴾: مفعول به، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة،
227
﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة
﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾ خبره، وجملة
﴿لعل﴾: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ أول،
﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة صلة الموصول،
﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾: حال من
﴿الْكِتَابَ﴾، أو متعلق بـ
﴿آتَيْنَاهُمُ﴾ ﴿هُمْ﴾: مبتدأ ثان،
﴿بِهِ﴾: متعلق بما بعده، وجملة
﴿يُؤْمِنُونَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني مع خبره: خبر للأول، وجملة الأولى مع خبره مستأنفة.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان،
﴿يُتْلَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على القرآن،
﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ
﴿يُتْلَى﴾، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ
﴿إذا﴾ على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي،
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب
﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿إذا﴾ معطوفة على جملة قوله:
﴿هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ على كونها خبر المبتدأ،
﴿آمَنَّا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾،
﴿بِهِ﴾: متعلق بـ
﴿آمَنَّا﴾،
﴿إِنَّهُ الْحَقُّ﴾: ناصب واسمه وخبره،
﴿مِنْ رَبِّنَا﴾: جار ومجرور حال من
﴿الْحَقُّ﴾، وجملة
﴿إن﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل الإيمان به،
﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه،
﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾: حال من
﴿مُسْلِمِينَ﴾،
﴿مُسْلِمِينَ﴾: خبر
﴿كان﴾، وجملة
﴿كان﴾ في محل الرفع خبر
﴿إِنَّا﴾، وجملة
﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لبيان أن إيمانهم ليس بدعًا ولا مستحدثًا، وإنما هو أمر متقادم العهد.
﴿أُولَئِكَ﴾: مبتدأ،
﴿يُؤْتَوْنَ﴾: فعل ونائب فاعل،
﴿أَجْرَهُمْ﴾: مفعول ثان لأتى، لأنه بمعنى أعطى،
﴿مَرَّتَيْنِ﴾: منصوب على المصدرية؛ أي: إيتاءين، أو على الظرفية؛ أي: في وقتين، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة،
﴿بِمَا﴾ ﴿الباء﴾: حرف جر وسبب،
﴿ما﴾: مصدرية،
﴿صَبَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة
﴿ما﴾ المصدرية؛ أي: بسبب صبرهم الجار والمجرور متعلق بـ
﴿يُؤْتَوْنَ﴾.
﴿وَيَدْرَءُونَ﴾: فعل وفاعل،
﴿بِالْحَسَنَةِ﴾: متعلق بـ
﴿وَيَدْرَءُونَ﴾،
﴿السَّيِّئَةَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة
﴿يُؤْتَوْنَ﴾،
﴿وَمِمَّا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿مما﴾: متعلق بـ
﴿يُنْفِقُونَ﴾،
﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: مما
228
رزقناهموه،
﴿يُنْفِقُونَ﴾: فعل وفاعل، معطوف على
﴿يَدْرَءُونَ﴾.
﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان،
﴿سَمِعُوا اللَّغْوَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ
﴿إذا﴾ على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي،
﴿أَعْرَضُوا﴾: فعل وفاعل،
﴿عَنْهُ﴾: متعلق به، والجملة جواب
﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿إذا﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة
﴿يُؤْتَوْنَ﴾ على كونها خبر المبتدأ.
﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على
﴿أَعْرَضُوا﴾،
﴿لَنَا﴾: خبر مقدم،
﴿أَعْمَالُنَا﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾،
﴿وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، معطوف على ما قبله،
﴿سَلَامٌ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة كونه في الأصل دعاء، أو وصفه بمحذوف، تقديره: منا،
﴿عَلَيْكُمْ﴾: خبره، والجملة في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿نَبْتَغِي﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر،
﴿الْجَاهِلِينَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ضمير المتكلمين في قوله:
﴿لَنَا أَعْمَالُنَا﴾؛ أي: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، أو سلام منا عليكم، حالة كوننا لا نطلب صحبة الجاهلين ومعاشرتهم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ﴾ العضد ما بين المرفق والكتف، وفي "إعراب القرآن": العَضُد بفتح العين وضم الضاد، وبالضم وبالكسر: غليظ الذراع، وهو من المرفق إلى الكتف، جمعه أعضاد وأعضد، وهو قوام اليد، وبشدته تشتد اليد، والمراد بشد العضد التقوية والإعانة،
﴿سُلْطَانًا﴾ والسلطان: التسلط والغلبة،
﴿مُفْتَرًى﴾؛ أي: مختلق لم يفعل قبل هذا الوقت مثله، أو تعلمته ثم افتريته على الله، اهـ "أبو السعود".
﴿عَلَى الطِّينِ﴾ والطين هو التراب والماء المختلط؛ أي: أوقد لي على الطين
229
بعد جعله لبنًا فتكون آجرًا،
﴿أَطَّلِعُ﴾؛ أي: أصعد وأرتقي، والطلوع والاطلاع الصعود، يقال: طلع الجبل واطلع بمعنى، وان نفسك لطلعة إلى هذا الأمر، وإنها لتطلع إليه؛ أي: تُنازع.
﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ﴾ والاستكبار إظهار الكبر باطلًا، بخلاف التكبر، فإنه أعم، والكبر ظن الإنسان أنه أكبر من غيره،
﴿لَا يُرْجَعُونَ﴾؛ أي: لا يُردون بالبعث للجزاء، من رُجع رجعًا، إذا رُد وصُرف،
﴿فَنَبَذْنَاهُمْ﴾؛ أي: فطرحناهم، قال الراغب: النبذ إلقاء الشيء وطرحه، لقلة الاعتداد به،
﴿أَئِمَّةً﴾؛ أي: قدوة يقتدي بهم أهل الضلال، فيكون عليهم وزرهم وزر من تبعهم،
﴿لَعْنَةً﴾؛ أي: طردًا من الرحمة.
﴿مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ جمع مقبوح، والمقبوح المطرود؛ أي: من المخزيين، يقال: قبَّحه الله إذا طرده ونحاه من كل خير، وفي "المصباح": قبح الشيء قبحًا فهو قبيح، من باب قرب، وهو خلاف حسن،
﴿هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾؛ أي: من المبعدين عن الفوز، والتثقيل مبالغة، وقبَّح عليه فعله تقبيحًا، وقال أبو زيد: قبح الله فلانًا قُبْحًا وقُبوحًا: أبعده من كل خير، وقال أبو عمرو: قبحت وجهه بالتخفيف بمعنى قبَّحْتُ بالتشديد، ومثله قول الشاعر:
ألَا قَبَحَ الله الْبَرَاجِمَ كُلَّهَا | وَقَبَحَ يَرْبُوْعًا وَقَبَحَ دَارِمَا |
﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ قال الراغب: الهلاك الموت، لم يذكره الله سبحانه حيث يُفقد الذمُّ إلا في قوله:
﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾، وقوله:
﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، وقوله:
﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾، والقرون جمع قرن، وهو القوم المقترنون في زمان واحد.
﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾ والبصائر جمع بصيرة، وهي نور القلب الذي به يُستبصر، كما أن البصر نور العين الذي به تبصر، والبصيرة العقل والفطنة والعبرة والشاهد والحجة، يقال: جوارحه بصيرة عليه؛ أي: شهود، وفراسة ذات بصيرة؛ أي: صادقة، والجمع بصائر، وقوله:
﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾؛ أي: أنوارًا لقلوبهم تبصر بها
230
الحقائق، وتميز بها بين الحق والباطل، بعد أن كانت عُميًا عن الفهم والإدراك بالكلية.
﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ والعُمْر والعُمُر بالفتح والضم وبضمتين: الحياة، قال الراغب: العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة؛ أي: طال عليهم الحياة وتمادى الأمد،
﴿ثَاوِيًا﴾؛ أي: مقيمًا، يقال: ثوى يثوى - من باب ضرب - ثواءً وثويًا، فهو ثاو المكان وفيه وبه أقام، وثوى الرجل إذا مات. قال عُبيد بن الأبرص في مطلع معلَّقته:
آذَنَتْنَا بَبَيْنِهَا أَسْمَاءُ | رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثُّوَاءُ |
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ والمصيبة العقوبة، قال الراغب: أصلها في الرمية ثم اختص بالمعاقبة،
﴿تَظَاهَرَا﴾؛ أي: تعاونا وتناصرا، والتظاهر التعاون.
﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ والتوصيل مبالغة في الوصل، وحقيقة الوصل رفع الحائل بين الشيئين، والتوصيل ضم قطع الحبل بعضها إلى بعض، قال شاعرهم:
فَقُلْ لِبَنِيْ مَرْوَانَ مَا بَالُ ذِمَّتِيْ | بِحَبْلٍ ضَعِيْفٍ مَا يَزَالُ يُوَصَّلُ |
والمراد به هنا إنزال القرآن منجمًا مفرقًا يتصل بعضه ببعض.
﴿اللَّغْوَ﴾ اللغو الساقط من الكلام، وكل ما حقه أن يُلغى ويُترك من العبث وسخف القول،
﴿لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ الابتغاء الطلب، والجهل معرفة الشىء على خلاف ما هو عليه؛ أي: لا نطلب صحبتهم ولا مخالطتهم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله:
﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ على طريق إطلاق السبب وإرادة المسبب، بمرتبتين تتبع إحداهما ثانيتهما، فإن شدة العضد سبب مستلزم لشدة اليد، وشدة اليد مستلزمة لقوة الشخص في المرتبة الثانية،
231
واختار الشهاب في "حاشيته على البيضاوي" أن يكون كناية تلويحية، قال: الشد التقوية، فهو إما كناية تلويحية عن تقويته، لأن اليد تشد بشد العضد، والجملة تشد بشد اليد، أو استعارة تمثيلية شبه حال موسى في تقويته بأخيه بحال اليد في تقويتها بالعضد.
ومنها: الإطناب البديع في قوله:
﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ ولم يقل اطبخ لي الآجر، لأنه تركيبه مع سهولة لفظه ليس بفصيح، وذلك أمر يقرره الذوق وحده، فعبر عن الآجر بالوقود على الطين، فإن هذه العبارة أحسن مطابقة لفصاحة القرآن وعلو طبقته.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله:
﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾؛ أي: أعطيناه التوراة كأنها أنوار لقلوب الناس، حُذف أداة الشبه ووجه الشبه، فأصبح بليغًا. قال في "حاشية البيضاوي": أي: مشبهًا بأنوار القلوب، من حيث إن القلوب لو كانت خالية عن أنوار التوراة وعلومها لكانت عمياء، لا تستبصر، ولا تعرف حقًا من باطل.
ومنها: المجاز العقلي في قوله:
﴿أَنْشَأْنَا قُرُونًا﴾؛ أي: أهل قرون، لأن المراد به الأمم، لأنهم يُخلقون في تلك الأزمنة، فنُسبوا إلى القرون بطريق المجاز العقلي.
ومنها: جناس التحريف في قوله:
﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ وهو ما يفوق فيه بين الكلمتين، أو بعضهما بضبط الشكل، مثاله في الشعر قول أبي العلاء المعري:
وَالْحُسْنُ يَظْهَرُ فِيْ شَيْئَيْنِ رَوْنَقُهُ | بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ أوْ بَيْتِ مِنَ الشَّعْرِ |
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله:
﴿تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله:
﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ فإن المراد بما كسبوا، وهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، قال الزمخشري: ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي جُعل كل عمل معبرًا عنه باجتراح الأيدي.
232
ومنها: حذف الجواب لدلالة السياق عليه في قوله:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ حُذف منه الجواب، تقديره: ما أرسلناك يا محمد رسولًا إليهم، وهو من باب الإيجاز بالحذف.
ومنها: التحضيض في قوله:
﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾؛ أي: هلا أوتي، فهي للتحضيض، وليست حرف امتناع لوجود.
ومنها: تكرار حرف الاستدراك بقوله:
﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا﴾، وبقوله:
﴿وَلَكِنَّا كُنَّا﴾، وبقوله:
﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾.
ومنها: تكرار لولا بقوله:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ وبقوله:
﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا﴾ وبقوله:
﴿قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ﴾، ولكن الأولى حرف امتناع لوجود، والأخيرتان حرفا تحضيض.
ومنها: الجناس المغاير في قوله:
﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا﴾.
ومنها: تكرار
﴿أُوتِيَ﴾ ثلاث مرات.
ومنها: الطباق في قوله:
﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾.
ومنها: التعجيز في قوله:
﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ﴾ فالأمر خرج فيه عن حقيقته إلى معنى التعجيز.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
233
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)﴾.
المناسبة
قوله تعالى:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ...﴾
234
الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (١) فيما سلف أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى آمنوا به، وجاؤوا إليه زرافات ووحدانًا من كل فج عميق، وجابوا الفيافي، وقطعوا البحار للإيمان به، بعد أن سمعوا أخباره، وترامت لهم فضائله وشمائله، وقد كان في هذا مقنع لقومه أن يؤمنوا به، وأن تُحدِّثه نفسه الشريفة بالطمع في إيمانهم، ودخول الهدى في قلوبهم، والانتفاع بما آتاه الله من العرفان، فتكون لهم به السعادة في الدنيا والآخرة.. أردف ذلك الآية الأولى تسلية له - ﷺ -، إذ لم ينجع في قومه الذين يُحبهم ويحرص عليهم أشد الحرص إنذاره وإبلاغه، فيقبلوا ما جاء به، بل أصروا على ما هم عليه، وقالوا:
﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾، فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه آمنوا بما جاء به، وقالوا:
﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾.
قوله تعالى:
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) أن التمتع بزينة الدنيا وزخرفها دون طاعة الله وعظيم شكره على نعمه يكون وبالًا على الكافر يوم القيامة حين يحضر للعذاب.. أردف ذلك بيان ما يحصل في هذا اليوم من الإهانة والتقريع للمشركين، حين يسألهم سؤالات يحارون في الجواب عنها، ويشتد عليهم الخطب حين لا يجدون مخلصًا، ومعذرة تُبرِّر لهم ما كانوا يقترفون، فيسألهم أولًا عن الآلهة التي كانوا يعبدونها في الدنيا، من أصنام وأوثان، هل ينصرونهم أو ينتصرون، ثم يأمرهم بدعوتهم فلا يجدون منهم ردًا، ثم يسألهم عما أجابوا به الرسل حين دعوهم إلى الإيمان بربهم، فتخفى عليهم الحجج التي تُنجيهم من العذاب الذي لا مفر لهم منه، ولا يستطيع بعضهم أن يسأل بعضًا عما يلقنه من حجة لهول الموقف، واشتداد الخطب، ثم ذكر بعدئذٍ حال المؤمنين بربهم الذين عملوا صالح الأعمال، وبيَّن أنهم يلقون الفوز والظفر بالمراد فضلًا من ربهم ورحمة.
235
قوله تعالى:
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما وبخهم (١) فيما سلف على اتخاذهم الشركاء، وذكر أنه يسألهم عنهم يوم القيامة تهكمًا بهم، وتقريعًا لهم.. أردف ذلك بتجهيلهم على اختيار ما أشركوه، واصطفائهم إياه للعبادة، وأبان لهم أن تمييز بعض المخلوقات عن بعض واصطفاءه على غيره من حق الله، لا من حقكم أنتم، والله لم يصطف شركاءكم الذين اصطفيتموهم للعبادة والشفاعة، فما أنتم إلا جهال ضلال.
قوله تعالى:
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أنه المستحق للحمد على ما أولاه من النعم، وتفضل به من المنن.. أردف هذا تفصيل ما يجب أن يُحمد عليه منها، ولا يقدر عليه سواه.
قوله تعالى:
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٢) وبَّخ المشركين أولًا على فساد رأيهم في اتخاذ الشركاء لله، ثم ذكر التوحيد ودلائله.. عاد إلى تقريعهم وتبكيتهم ثانيًا، ببيان أن إشراكهم لم يكن عن دليل صحيح، بل كان عن محض الهوى، كما يُرشد إلى ذلك قوله:
﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾.
أسباب النزول
قوله تعالى
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (٣) مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه النبي - ﷺ -، وقال: "يا عماه قل: لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله يوم القيامة"، فقال: لولا أن تعيِّرني قريش، يقولون: ما حمله على ذلك إلا
236
الوجوب، وهو الوقت؛ لأنه كما أنه شرط لأداء الصلاة، فهو سبب لوجوبها، فلا تجب بدونه على ما تقرر في الأصول، وكذلك لا تجبان على أهالي بلدة يطلع فيها الفجر لما تغرب الشمس، فيسقط عنهم ما لا يجدون وقته، كما أن رجلًا إذا قطع يداه مع المرفقين أو رجلاه مع الكعبين ففرائض وضوئه ثلاث، لفوات محل الرابع، كذا في كتب الفقه.
٧٤ - ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ منصوب بـ
﴿اذكر﴾ أي (١): واذكر يا محمد لقومك يوم ينادي الله سبحانه وتعالى المشركين
﴿فَيَقُولُ﴾ توبيخًا لهم
﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أنهم شركاء لي، كرر التقريع والتوبيخ لهم على اتخاذ الشركاء، للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله سبحانه من الإشراك، كما لا شيء أدخل في مرضاة الله تعالى من توحيده، ولاختلاف الحالتين؛ لأنهم ينادون مرة فيدعون الأصنام، وينادون أخرى فيسكتون.
٧٥ - وقوله:
﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ عطف على ينادي، وجاء بصيغة الماضي للدلالة على التحقق؛ أي: وأخرجنا من كل أمة من الأمم شهيدًا عليهم بما كانوا عليه من الخير والشر، قال مجاهد: هم الأنبياء، وقيل: المراد بالشهيد: العدول من كل أمة، وذلك أنه سبحانه لم يخل عصرًا من الأعصار عن عدول يرجع إليهم في أمر الدين، ويكونون حجة على الناس يدعونهم إلى الدين، فيشهدون على الناس بما عملوا من العصيان. والأول أولى.
والمعنى (٢): أي وأحضرنا من كل أمة شهيدها، وهو نبيها الذي يشهد عليها
بما أجابته أمته فيما أتاهم به عن الله برسالته. ونحو الآية قوله:
﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)﴾ وهذا في موقف من مواقف القيامة، وفي موقف آخر يكون الشهداء هم الملائكة، كما قال تعالى:
﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾.
ثم بين ما يطلب منهم بعد هذه الشهادة، فقال:
﴿فَقُلْنَا﴾ لكل من الأمم
264
﴿هَاتُوا﴾ أي: جيبوا، وأصله آتوا
﴿بُرْهَانَكُمْ﴾؛ أي: حجتكم ودليلكم على صحة ما ادعيتموه من أن معي شركاء مع إعذار الرسل إليكم، وإقامة الحجج عليكم، فعند ذلك خرسوا عن إقامة الحجة، فلم يجيبوا جوابًا، وأيقنوا حينئذٍ بعذاب دائم ونار تتلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى، وحينئذ يستبين لهم خطأ ما كانوا يفعلون، كما قال:
﴿فَعَلِمُوا﴾ وأيقنوا يومئذ
﴿أَنَّ الْحَقَّ﴾ في الألوهية
﴿لِلَّهِ﴾ وحده، لا يشاركه فيها أحد،
﴿وَضَلَّ﴾؛ أي: غاب
﴿عَنْهُمْ﴾ غيبة الضائع، وذهب وبطل
﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي: كانوا يختلقونه في الدنيا من الكذب بأن لله شركاء، يستحقون العبادة معه، وهم الأصنام والطواغيت، ولم ينتفعوا بعبادتهم.
قال بعضهم: واعلم أن الشركاء لا تنحصر في الأصنام الظاهرة، بل الأنداد ظاهرة وباطنة، فمنهم من صنمه نفسه، ومن صنمه زوجته، حيث يحبها محبة الله، ويطيعها إطاعة الله، ومنهم من صنمه تجارته، فيتكل عليها، ويترك طاعة الله لأجلها، فهذه كلها لا تنفع يوم القيامة.
حكي: أن مالك بن دينار رحمه الله تعالى كان إذا قرأ في الصلاة
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ غشي عليه، فسئل فقال: نقول:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ونعبد أنفسنا؛ أي: نطيعها في أمرها، ونقول:
﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ونرجع إلى أبواب غيره.
روي: أن زكريا عليه السلام لما هرب من اليهود بعد أن قُتل يحيى عليه السلام وتوابعه ورائه تمثل له الشيطان في صورة الراعي، وأشار إليه بدخول الشجرة، فقال زكريا للشجرة: أكتميني فانشقت فدخل فيها، وأخرج الشيطان هدب ردائه، ثم أخبر به اليهود، فشقوا الشجرة بالمنشار، فهذا الشق إنما وقع له لالتجائه إلى الشجرة. واعلم أن الشرك أقبح جميع السيئات وأساسها، كما أن التوحيد أحسن جميع الحسنات وأساسها.
الإعراب
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)﴾.
265
﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿تَهْدِي﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد،
﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، والجملة في محل الرفع خبر
﴿إنّ﴾، وجملة
﴿إنّ﴾ مستأنفة،
﴿أَحْبَبْتَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: من أحببته.
﴿وَلَكِنَّ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لَكِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه،
﴿يَهْدِي مَنْ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿لكن﴾، وجملة
﴿لكن﴾ معطوفة على جملة
﴿إِنَّكَ﴾،
﴿يَشَاءُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة صلة
﴿مَنْ﴾ الموصولة،
﴿وَهُوَ﴾ ﴿الواو﴾: حالية،
﴿وَهُوَ أَعْلَمُ﴾: مبتدأ وخبر،
﴿بِالْمُهْتَدِينَ﴾: متعلق بـ
﴿أَعْلَمُ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل
﴿يَهْدِي﴾.
﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة
﴿إن﴾،
﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى﴾: جازم وفعل مضارع مجزوم، وفاعل مستتر يعود على المتكلمين، ومفعول به،
﴿مَعَكَ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ
﴿نَتَّبِعِ﴾ ﴿نُتَخَطَّفْ﴾: فعل مضارع مجزوم على كونه جواب الشرط، ونائب فاعل مستتر،
﴿مِنْ أَرْضِنَا﴾: متعلق بنتخطف، وجملة
﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول
﴿قَالُوا﴾.
﴿أَوَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام التقريري داخلة على محذوف. و
﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم نعصمهم وأم نمكن لهم حرمًا آمنًا، والجملة المحذوفة مستأنفة،
﴿لم﴾: حرف جزم،
﴿نُمَكِّنْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله،
﴿لَهُمْ﴾: متعلق به،
﴿حَرَمًا﴾: مفعول به،
﴿آمِنًا﴾: صفة لـ
﴿حَرَمًا﴾، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة،
﴿يُجْبَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة،
﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق به،
﴿ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾: نائب فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب صفة ثانية لـ
﴿حَرَمًا﴾ ﴿رِزْقًا﴾: حال من
﴿ثَمَرَاتُ﴾ لتخصصه بالإضافة، ولكنه على تأويل المشتق؛ أي:
266
مرزوقًا،
﴿مِنْ لَدُنَّا﴾: صفة لـ
﴿رِزْقًا﴾ أو مفعول مطلق معنوي لـ
﴿يُجْبَى﴾؛ لأن معنى الجباية والرزق واحد؛ أي: يرزقون رزقًا. وقيل: مفعول لأجله لـ
﴿يُجْبَى﴾.
﴿وَلَكِنَّ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو حالية،
﴿لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة
﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾: خبره، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة الاستفهامية أو حال من ضمير
﴿لَهُمْ﴾؛ أي: أولم نمكن لهم حرمًا آمنًا، حالة كون أكثرهم لا يعلمون ذلك.
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨)﴾.
﴿وَكَمْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿كَمْ﴾: خبرية بمعنى عدد كثير، في محل النصب مفعول مقدم وجوبًا لـ
﴿أَهْلَكْنَا﴾،
﴿أَهْلَكْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لتخويف قومه من سوء مغبة من كانوا في نعمة فغمطوها وقابلوها بالبطر،
﴿مِنْ قَرْيَةٍ﴾: تمييز لـ
﴿كَمْ﴾ الخبرية مجرور بـ
﴿من﴾ الزائدة،
﴿بَطِرَتْ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة في محل الجر صفة لـ
﴿قَرْيَةٍ﴾،
﴿مَعِيشَتَهَا﴾: منصوب بنزع الخافض، والخافض المحذوف متعلق بـ
﴿بَطِرَتْ﴾، وقيل: منصوب على الظرفية الزمانية؛ أي: أيام معيشتها. ويجوز تضمين
﴿بَطِرَتْ﴾ معنى خسرت، فتكون
﴿مَعِيشَتَهَا﴾ مفعولًا به، واقتصر عليه أبو البقاء.
﴿فَتِلْكَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿تِلْكَ﴾: مبتدأ،
﴿مَسَاكِنُهُمْ﴾: خبر، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية؛ أعني: أهلكنا،
﴿لَمْ تُسْكَنْ﴾: جازم وفعل مغير ونائب فاعل،
﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثان لـ
﴿تِلْكَ﴾، أو في محل النصب حال من
﴿مَسَاكِنُهُمْ﴾، والعامل فيها معنى الإشارة،
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ،
﴿قَلِيلًا﴾: صفة لمصدر محذوف؛ أي: سكنى قليلًا، أو صفة لظرف محذوف؛ أي: إلا زمانًا قليلًا، أو مكانًا قليلًا،
﴿وَكُنَّا﴾:
﴿الواو﴾: عاطفة أو حالية
﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿نَحْنُ﴾: ضمير فصل،
﴿الْوَارِثِينَ﴾: خبره، والجملة إما معطوفة على جملة
﴿أَهْلَكْنَا﴾، أو حال من فاعل
﴿أَهْلَكْنَا﴾.
267
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٠)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿ما﴾: نافية،
﴿كَانَ رَبُّكَ﴾ فعل ناقص واسمه،
﴿مُهْلِكَ الْقُرَى﴾: خبره ومضاف إليه، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان عادة الله تعالى في عباده،
﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية،
﴿يَبْعَثَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد
﴿حَتَّى﴾ الجارة،
﴿فِي أُمِّهَا﴾ متعلق بـ
﴿يَبْعَثَ﴾،
﴿رَسُولًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بـ
﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، تقديره: إلى بعثه رسولًا، الجار والمجرر متعلق بـ
﴿كَانَ﴾.
﴿يَتْلُوا﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على
﴿رَسُولًا﴾،
﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به،
﴿آيَاتِنَا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ
﴿رَسُولًا﴾،
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿ما﴾: نافية،
﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿مُهْلِكِي الْقُرَى﴾: خبره ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة
﴿كَانَ﴾ الأولى،
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء من أعم الأحوال،
﴿وَأَهْلُهَا﴾ ﴿الواو﴾: حالية،
﴿أَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية في محل النصب حال من
﴿الْقُرَى﴾؛ لأن المضاف كان مما يقتضي العمل؛ أي: وما كنا نهلكهم في حال من الأحوال إلا في حال كونهم ظالمين.
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، أو عاطفة،
﴿ما﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما،
﴿أُوتِيتُمْ﴾: فعل ماض مغير الصيغة في محل الجزم بـ
﴿ما﴾ على كونه فعل شرط لها، و
﴿التاء﴾: نائب فاعل،
﴿مِنْ شَيْءٍ﴾: حال من
﴿مَا﴾، أو من الضمير المحذوف الواقع مفعولًا ثانيًا لأتى؛ لأنه بمعنى أعطى،
﴿فَمَتَاعُ﴾:
﴿الفاء﴾ رابطة لجواب
﴿ما﴾ الشرطية وجوبًا،
﴿فَمَتَاعُ﴾: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: فهو متاع الحياة الدنيا،
﴿الْحَيَاةِ﴾: مضاف إليه،
﴿الدُّنْيَا﴾: صفة لـ
﴿الْحَيَاةِ﴾،
﴿وَزِينتُهَا﴾: معطوف على
﴿مَتَاعُ﴾، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ
﴿ما﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة
﴿ما﴾ الشرطية مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ﴾.
﴿وَمَا﴾
268
﴿الواو﴾: حالية، أو عاطفة،
﴿ما﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ،
﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، صلة لـ
﴿ما﴾ الموصولة،
﴿خَيْرٌ﴾: خبر المبتدأ،
﴿وَأَبْقَى﴾: معطوف على
﴿خَيْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب حال من
﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ولكنه على تقدير رابط؛ أي: حالة كون ما عند الله خيرًا منه وأبقى، أو معطوفة على جملة قوله:
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ﴾.
﴿أَفَلَا﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف معلوم من السياق، و
﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تتفكرون فلا تعقلون، والجملة المحذوفة مستأنفة،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿تَعْقِلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، ومفعول
﴿تَعْقِلُونَ﴾ محذوف، تقديره:
﴿تَعْقِلُونَ﴾ أن الباقي خير من الفاني، يعني أن من لا يُرجِّح منافع الآخرة على منافع الدنيا فإنه يكون خارجًا عن حد العقل، ورحم الله سبحانه الإمام الشافعي حيث قال: من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله سبحانه، كما مر.
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢)﴾.
﴿أَفَمَنْ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و
﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أمتاع الدنيا وزينتها كما عند الله سبحانه، فمن وعدناه وعدًا حسنًا من متعناه متاع الحياة الدنيا، والجملة المحذوفة مستأنفة،
﴿مَنْ﴾: اسم موصول مبتدأ،
﴿وَعَدْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به،
﴿وَعْدًا﴾: مفعول مطلق،
﴿حَسَنًا﴾: صفة
﴿وَعْدًا﴾، والجملة الفعية صلة الموصول.
﴿فَهُوَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، هو: مبتدأ،
﴿لَاقِيهِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة الصلة،
﴿كَمَنْ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿مَتَّعْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به،
﴿مَتَاعَ﴾: مفعول مطلق،
﴿الْحَيَاةِ﴾ مضاف إليه،
﴿الدُّنْيَا﴾: صفة للحياة، والجملة الفعلية صلة الموصول،
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ،
﴿هُوَ﴾: مبتدأ،
269
﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ
﴿الْمُحْضَرِينَ﴾:
﴿مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة.
﴿يَوْمَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿يَوْمَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يوم يناديهم، والجملة المحذوفة مستأنفة،
﴿يُنَادِيهِمْ﴾ فعل، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ
﴿يَوْمَ﴾،
﴿فَيَقُولُ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿يَقُولُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة
﴿يُنَادِيهِمْ﴾ على كونها مفسرة لها،
﴿أَيْنَ﴾: اسم استفهام في محل النصب على الظرفية المكانية مبني على الفتح، والظرف متعلق بواجب الحذف لوقوعه خبرًا مقدمًا،
﴿شُرَكَائِيَ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ
﴿يَقُولُ﴾،
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع صفة لـ
﴿شُرَكَائِيَ﴾،
﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة
﴿تَزْعُمُونَ﴾: خبره، ومفعولا
﴿تَزْعُمُونَ﴾ محذوفان، تقديرهما: تزعمونهم شركائي، وجملة
﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد الضمير المحذوف من
﴿تَزْعُمُونَ﴾.
﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾.
﴿قَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة،
﴿حَقَّ﴾: فعل ماض،
﴿عَلَيْهِمُ﴾: متعلق به،
﴿الْقَوْلُ﴾: فاعل، والجملة صلة الموصول،
﴿رَبَّنَا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿هَؤُلَاءِ﴾: مبتدأ،
﴿الَّذِينَ﴾: خبره،
﴿أَغْوَيْنَا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: هؤلاء أتباعنا الذين أغويناهم، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كونها جواب النداء.
﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مستأنفة على كونها مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿كَمَا﴾ ﴿الكاف﴾: حرف جر، و
﴿ما﴾: مصدرية،
﴿غَوَيْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مع
﴿ما﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بالكاف، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، معمول لفعل محذوف، معطوف على
﴿أَغْوَيْنَا﴾، تقديره: أغويناهم فغووا غيًا كائنًا كغينا، وهذا الإعراب
270
على ما جرى عليه أبو علي الفارسي، وإعراب الزمخشري بأن
﴿هَؤُلَاءِ﴾ مبتدأ،
﴿الَّذِينَ﴾: صفته،
﴿أَغْوَيْنَا﴾: صلته، وجملة
﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ خبره، وهذا الوجه فيه اعتراض، كما تعرفه بالمراجعة إلى المطولات.
﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤)﴾.
﴿تَبَرَّأْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة مفسرة لما قبلها، مقررة لها، في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق بـ
﴿تَبَرَّأْنَا﴾،
﴿مَا﴾: نافية،
﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه،
﴿إِيَّانَا﴾: في محل النصب مفعول مقدم لـ
﴿يَعْبُدُونَ﴾، وجملة
﴿يَعْبُدُونَ﴾ خبر
﴿كان﴾، وجملة
﴿كان﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿وَقِيلَ﴾:
﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿قِيلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة،
﴿ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾: نائب فاعل محكي لـ
﴿قِيلَ﴾، وجملة
﴿قيل﴾ معطوفة على جملة
﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت:
﴿ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الرفع نائب فاعل لـ
﴿قِيلَ﴾.
﴿فَدَعَوْهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿دَعَوْهُم﴾: فعل ماض وفاعل ومفعول به. والجملة معطوفة مفرعة على جملة قوله:
﴿وَقِيلَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة.
﴿لَمْ﴾: حرف جزم،
﴿يَسْتَجِيبُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ
﴿لَمْ﴾،
﴿لَهُمْ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿فَدَعَوْهُمْ﴾.
﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على
﴿دَعَوْهُمْ﴾،
﴿لَوْ﴾: حرف شرط،
﴿أَنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه،
﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة
﴿يَهْتَدُونَ﴾: خبره، وجملة
﴿كَانُوا﴾ في محل الرفع خبر
﴿أَنّ﴾، وجملة
﴿أَنّ﴾ في تأويل مصدر مرفوع على كونه فاعلًا لفعل محذوف، هو فعل شرط لـ
﴿لَوْ﴾، وجواب
﴿لَوْ﴾ محذوف، تقديره: لو ثبت كونهم مهتدين في الدنيا لما رأوا العذاب في الآخرة، وجملة
﴿لَوْ﴾ مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (٦٦)﴾.
271
﴿وَيَوْمَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿يَوْمَ﴾: منصوب على الظرفية، متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يوم يناديهم، والجملة معطوفة على الجملة السابقة،
﴿يَوْمَ﴾: مضاف، وجملة
﴿يُنَادِيهِمْ﴾ في محل الجر مضاف إليه، كما مر نظيره قريبًا،
﴿فَيَقُولُ﴾: فعل وفاعل مستتر، معطوف على
﴿يُنَادِيهِمْ﴾ على وجه التفسير له،
﴿مَاذَا﴾ اسم استفهام مركب في محل النصب على المفعولية المطلقة، لا مفعول به، لأن أجاب لا يتعدى إلى الثاني بنفسه بل بالباء، وإسقاط الجار ليس بقياس،
﴿أَجَبْتُمُ﴾: فعل وفاعل،
﴿الْمُرْسَلِينَ﴾: مفعول به لـ
﴿أَجَبْتُمُ﴾، والمعنى: أي إجابة أجبتم المرسلين، والجملة الفعلية في محل النصب مقول
﴿يَقُولُ﴾.
﴿فَعَمِيَتْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿عَمِيَتْ﴾: فعل ماض،
﴿عَلَيْهِمُ﴾: متعلق به،
﴿الْأَنْبَاءُ﴾: فاعل، والجملة معطوفة على جملة ريَقُولُ}،
﴿يَوْمَئِذٍ﴾: ظرف مضاف إلى مثله متعلق بـ
﴿عَمِيَتْ﴾، والتنوين فيه عوض عن الجملة المحذوفة؛ أي: يوم إذ نودوا وقيل لهم ماذا أجبتم المرسلين،
﴿فَهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿هُمْ﴾: مبتدأ، وجملة
﴿لَا يَتَسَاءَلُونَ﴾: خبره، والجملة معطوفة على جملة
﴿عَمِيَتْ﴾.
﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)﴾.
﴿فَأَمَّا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنا أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت حال المشركين، وأردت بيان حال المؤمنين فأقول لك أما،
﴿أَمَّا﴾: حرف شرط وتفصيل،
﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ،
﴿تَابَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿مَنْ﴾، والجملة صلة
﴿مَن﴾ الموصولة،
﴿وَآمَنَ وَعَمِلَ﴾: معطوفان عليه،
﴿صَالِحًا﴾: مفعول به، أو مفعول مطلق.
﴿فَعَسَى﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب
﴿أما﴾ واقعة في غير موضعها،
﴿عَسَى﴾: فعل ماض من أفعال الرجاء، واسمها ضمير مستتر، تقديره: هو يعود على
﴿مَنْ تَابَ﴾ ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿يَكُونَ﴾: فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير مستتر يعود على
﴿مِنَ﴾،
﴿مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾: خبر
﴿يَكُونَ﴾، وجملة
﴿يَكُونَ﴾ في تأويل مصدر خبر
﴿عَسَى﴾، تقديره: فعسى كونه من
272
المفلحين، وجملة
﴿عَسَى﴾ في محل الرفع خبر
﴿مَن﴾ الموصولة، والجملة الاسمية جواب
﴿أَمَّا﴾ الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿أَمَّا﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة. وجملة إذا المقدرة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وإن أردت البسط عن إعراب
﴿أما﴾ الشرطية وفاء الفصيحة فراجع شرحنا "الباكورة الجنية في إعراب الآجرومية" عند قول المتن: فأما الضمة.
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٦٩)﴾.
﴿وَرَبُّكَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿رَبُّكَ﴾: مبتدأ ومضاف إليه، وجملة
﴿يَخْلُقُ﴾ خبره، والجملة الاسمية مستأنفة،
﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول
﴿يَخْلُقُ﴾، وجملة
﴿يَشَاءُ﴾ صلته، والعائد محذوف؛ أي: ما يشاء خلقه، وجملة
﴿وَيَخْتَارُ﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة
﴿يَخْلُقُ﴾،
﴿مَا﴾: نافية،
﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص،
﴿لَهُمُ﴾: خبرها مقدم،
﴿الْخِيَرَةُ﴾: اسمها مؤخر، والجملة مفسرة لما قبلها مقررة لها، لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تكون مستأنفة. وهنا أوجه من الإعراب لا تخلو عن اعتراض.
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾: مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبًا؛ أي: سبحوا الله أيها العباد تسبيحًا، أو أسبح الله سبحانًا، والجملة مستأنفة،
﴿وَتَعَالَى﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿اللَّهِ﴾، والجملة معطوفة على جملة التسبيح،
﴿عَمَّا﴾: متعلق بـ
﴿تعالى﴾، وجملة
﴿يُشْرِكُونَ﴾ صلة لـ
﴿ما﴾ الموصولة، أو المصدرية،
﴿وَرَبُّكَ﴾: مبتدأ، وجملة
﴿يَعْلَمُ﴾ خبره، والجملة معطوفة على جملة
﴿وَرَبُّكَ﴾ الأول،
﴿مَا﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول
﴿يَعْلَمُ﴾،
﴿تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: ما تكنه صدورهم،
﴿وَمَا﴾ عطف على
﴿مَا﴾ الأولى، وجملة
﴿يُعْلِنُونَ﴾ صلتها.
﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)﴾.
273
﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة
﴿وَرَبُّكَ﴾،
﴿لَا﴾: نافية، تعمل عمل إن،
﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر
﴿لَا﴾ محذوف جوازًا، تقديره: موجود،
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ،
﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر
﴿لَا﴾، وجملة
﴿لَا﴾ في محل الرفع خبر ثان لـ
﴿هُوَ﴾،
﴿لَهُ﴾: خبر مقدم،
﴿الْحَمْدُ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة خبر ثالث لـ
﴿هُوَ﴾،
﴿فِي الْأُولَى﴾: حال من ضمير
﴿لَهُ﴾،
﴿وَالْآخِرَةِ﴾: معطوف على
﴿الْأُولَى﴾،
﴿وَلَهُ اَلحُكْمُ﴾ معطوفة على جملة
﴿لَهُ الْحَمْدُ﴾ ﴿وَإِلَيْهِ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق بـ
﴿تُرْجَعُونَ﴾،
﴿تُرْجَعُونَ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله:
﴿لَهُ الْحَمْدُ﴾ عطف فعلية على اسمية.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة،
﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الاستخباري،
﴿رَأَيْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول
﴿قُلْ﴾،
﴿إن﴾ حرف شرط جازم،
﴿جَعَلَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ
﴿إن﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها،
﴿عَلَيْكُمُ﴾: متعلق بـ
﴿سَرْمَدًا﴾، أو حال منه،
﴿اللَّيْلَ﴾: مفعول أول لـ
﴿جَعَلَ﴾،
﴿سَرْمَدًا﴾: مفعوله الثاني،
﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾؛ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿سَرْمَدًا﴾، لأنه بمعنى دائمًا، أو بـ
﴿جَعَلَ﴾، أو صفة لـ
﴿سَرْمَدًا﴾، وجواب
﴿إن﴾ الشرطية محذوف، تقديره: إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة فأخبروني ماذا تفعلون، وجملة
﴿إن﴾ الشرطية معترضة بين الفعل ومعموله، في محل النصب مقول
﴿قُلْ﴾.
﴿مَنْ﴾: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ،
﴿إِلَهٌ﴾: خبره،
﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾: صفة لـ
﴿إِلَهٌ﴾،
﴿يَأْتِيكُمْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به،
﴿بِضِيَاءٍ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة ثانية لـ
﴿إِلَهٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مفعول ثان لـ
﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ معلقة عنها باسم
274
الاستفهام،
﴿أَفَلَا﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، و
﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تتفكرون فلا تسمعون ما يقال لكم، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول
﴿قُلْ﴾،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿تَسْمَعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على تلك الجملة المحذوفة.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٧٢)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة،
﴿أَرَأَيْتُمْ﴾: فعل وفاعل والجملة في محل النصب مقول
﴿قُلْ﴾،
﴿إن﴾: حرف شرط،
﴿جَعَلَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ
﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها،
﴿عَلَيْكُمُ﴾: متعلق بـ
﴿سَرْمَدًا﴾،
﴿النَّهَارَ﴾: مفعول أول لـ
﴿جَعَلَ﴾،
﴿سَرْمَدًا﴾: مفعول ثان له،
﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: متعلق بـ
﴿سَرْمَدًا﴾، وجواب
﴿إن﴾ الشرطية محذوف، تقديره: فأخبروني ماذا تفعلون، وجملة
﴿إن﴾ الشرطية معترضة بين الفعل ومعموله على كونها مقولًا لـ
﴿قُلْ﴾.
﴿مَنْ﴾ اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ،
﴿إِلَهٌ﴾: خبره،
﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾: صفة لـ
﴿إِلَهٌ﴾، والجملة الاستفهامية في محل النصب مفعول ثان لـ
﴿أَرَأَيْتُمْ﴾، علقت عنها باسم الاستفهام، وجملة
﴿يَأْتِيكُمْ﴾ صفة ثانية لـ
﴿إِلَهٌ﴾،
﴿بِلَيْلٍ﴾: متعلق بـ
﴿يَأْتِيكُمْ﴾، وجملة
﴿تَسْكُنُونَ﴾ في محل الجر صفة لـ
﴿لَيْلٍ﴾ ولكنها سببية،
﴿فِيهِ﴾: متعلق بـ
﴿تَسْكُنُونَ﴾، وهو الرابط بين الصفة والموصوف،
﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، و
﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تعتبرون فلا تبصرون، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول
﴿قُلْ﴾، وجملة
﴿تُبْصِرُونَ﴾ معطوفة على تلك المحذوفة. كما مر نظير هذه الآية آنفًا.
﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
﴿وَمِنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية،
﴿مِنْ رَحْمَتِهِ﴾: جار ومجرور متعلق
275
بـ
﴿جَعَلَ﴾، و
﴿مِن﴾ هنا بمعنى الباء السببية، كما مر،
﴿جَعَلَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة،
﴿لَكُمُ﴾: متعلق بـ
﴿جَعَلَ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له،
﴿اللَّيْلَ﴾ مفعول أول له،
﴿وَالنَّهَارَ﴾ معطوف على
﴿اللَّيْلَ﴾،
﴿لِتَسْكُنُوا﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل،
﴿تسكنوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي،
﴿فِيهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لسكونكم فيه، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿جَعَلَ﴾ ﴿وَلِتَبْتَغُوا﴾: معطوف على
﴿لِتَسْكُنُوا﴾،
﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ متعلق بـ
﴿تَبْتَغُوا﴾،
﴿وَلَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة
﴿تَشْكُرُونَ﴾ خبره، وجملة
﴿لَعَلَّ﴾ معطوفة على جملة
﴿تَسْكُنُوا﴾ على كونها في محل الجر بلام التعليل المقدرة.
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)﴾.
﴿وَيَوْمَ﴾: ظرف متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يوم يناديهم، وجملة
﴿يُنَادِيهِمْ﴾ في محل الجر مضاف إليه لـ
﴿يوم﴾، وجملة
﴿فَيَقُولُ﴾ معطوفة على جملة
﴿يُنَادِيهِمْ﴾،
﴿أَيْنَ﴾ خبر مقدم،
﴿شُرَكَائِيَ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول
﴿يَقُولُ﴾،
﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ
﴿شُرَكَائِيَ﴾، وجملة
﴿كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ صلة الموصول، وقد مر إعراب هذه الآية بلفظها تفصيلًا فجدد به عهدًا.
﴿وَنَزَعْنَا﴾: فعل وفاعل،
﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿نَزَعْنَا﴾، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة
﴿يُنَادِيهِمْ﴾ على كونها مضافًا إليه ليوم،
﴿شَهِيدًا﴾: مفعول به لـ
﴿نَزَعْنَا﴾،
﴿فَقُلْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على
﴿نَزَعْنَا﴾،
﴿هَاتُوا﴾: فعل وفاعل،
﴿بُرْهَانَكُمْ﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب مقول
﴿قلنا﴾،
﴿فَعَلِمُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على
﴿قُلْنَا﴾،
﴿أَنَّ الْحَقَّ﴾ ناصب واسمه،
﴿لِلَّهِ﴾: خبره، وجملة
﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم،
﴿وَضَلَّ﴾ فعل ماض معطوف على
﴿عَلِمُوا﴾،
﴿عَنْهم﴾: متعلق بـ
﴿ضَلَّ﴾،
﴿مَا﴾: اسم موصول في محل الرفع فاعل
﴿ضَلَّ﴾،
﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة
﴿يَفْتَرُونَ﴾ خبره، وجملة
﴿كَانُ﴾ صلة لـ
﴿ما﴾
276
الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: ما كانوا يفترونه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي﴾ الهداية تارة يراد بها الدعوة والإرشاد إلى طريق الخير، وهي التي أثبتها الله سبحانه لرسوله في قوله:
﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وتارة يراد بها هداية التوفيق، وشرح الصدر بقذف نور يحيى به القلب، كما جاء في قوله:
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا﴾، وهي بهذا المعنى نفيت عن رسول الله - ﷺ - في هذه الآية.
وفي "روح البيان": الهداية من الله عبارة عن تقليب القلب من الباطل - وهو ما سوى الله - إلى الحق، وهو جانب الله سبحانه، فليس هذا من شأن غير الله تعالى، وفي "عرائس البيان": الهداية مقرونة بإرادة الأزل، ولو كانت إرادة نبينا محمد - ﷺ - في حق أبي طالب مقرونة بإرادة الأزل لكان مهتديًا، ولكن كانت محبته وإرادته في حقه من جهة القرابة، ألا ترى أنه إذ قال: "اللهم أعز الإِسلام بعمر" كيف أجابه. انتهى.
﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ﴾ معنى اتباع الهدى معه الاقتداء به عليه السلام في الدين والسلوك إلى طريق الرشاد.
﴿نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ التخطف الاختلاس والانتزاع بسرعة، ويراد به هنا الإخراج من البلاد،
﴿يُجْبَى إِلَيْهِ﴾؛ أي: جمعه فيه، والجابية الحوض العظيم الجامع له.
﴿بَطِرَتْ﴾؛ أي: طغت وتمردت وتجبرت وكفرت،
﴿مَعِيشَتَهَا﴾، أي: في عيشها وحياتها، وفي "الكرخي": بطرت معيشتها؛ أي: كفرت نعمة معيشتها، والمعيشة ما يُعاش به من النبات والحيوان وغيرهما. اهـ، والبطر الطغيان في النعمة، قال بعضهم: البطر والأشر واحد، وهو دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة، وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها، ويقاربه الطرب، وهو خفة أكثر ما يعتري من الفرح، وفي "القاموس": البطر محرك النشاط، والأشر
277
وقلة احتمال النعمة، والدهش والحيرة والطغيان بالنعمة وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهة، وفعل الكل كفرح، وبطر الحق أي: تكبر عنده فلا يقبله.
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ﴾ بيان للعادة الربانية؛ أي: ما صح وما استقام، وما كان، وما ثبت في حكه الماضي، وقضائه السابق أن يُهلك القرى قبل الإنذار، بل حتى يبعث إلخ. اهـ "أبو السعود".
﴿فِي أُمِّهَا﴾؛ أي: في أعظمها وأكبرها بالنسبة إلى ما حواليها فعادة الله أن يبعث الرسل في المدائن؛ لأن أهلها أعقل وأنبل وأفطن، وغيرهم يتبعهم اهـ. شيخنا؛ أي: أكثر نبالة، وهي الفضل والشرف، يقال: نبل فلان فهو نبيل؛ أي: شرف فهو شريف.
﴿مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾؛ أي: الذين يحضرون للعذاب، وقد اشتهر ذلك في اصطلاح القرآن كما قال
﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾، وقال:
﴿إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ لأن في ذلك إشعارًا بالتكليف والإلزام، ولا يليق ذلك بمجالس اللذات، بل هو أشبه بمجالس المكاره والمضار.
﴿تَزْعُمُونَ﴾ والزعم القول الفاسد، والحكم بلا دليل،
﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ﴾؛ أي: وجب وثبت.
﴿الْقَوْلُ﴾؛ أي: مدلول القول ومقتضاه، وهو قوله:
﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، كما مر في مبحث التفسير،
﴿أَغْوَيْنَا﴾ من أفعل الرباعي كأكرم ثلاثية غوى يغوي كضرب يضرب من الغواية، وهو الضلال.
﴿فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ من استجاب السداسي، فهو من استفعل بمعنى أفعل الرباعي؛ أي: فلم يجيبوا لهم، فالسين والتاء فيه زائدتان،
﴿فَعَمِيَتْ﴾؛ أي: خفيت،
﴿الْأَنْبَاءُ﴾؛ أي: الحجج التي تنجيهم،
﴿فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ من التساؤل الذي يدل على المشاركة من الجانبين؛ أي: لا يسأل بعضهم بعضًا.
﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾؛ أي: الاختيار عليه، وهو نفي لاختيارهم الوليد
278
وعروة. اهـ من "الروح"، والخيرة التخير كالطيرة بمعنى التطير، والخيرة الاختيار باصطفاء بعض الأشياء وترك بعض، وفي "المفردات": الخيرة الحالة التي تحصل للمستخير والمختار، نحو القعدة والجلسة لحال القاعد والجالس. انتهى، وفي "الوسيط": اسم من الاختيار يقام مقام المصدر، وهو اسم للمختار أيضًا. يقال: محمد خيرة الله من خلقه.
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾؛ أي: تنزيهًا لله أن ينازعه أحد في الاختيار،
﴿مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾؛ أي: تخفي، يقال: أكننت الشيء إذا أخفيته في نفسك، وكننته إذا سترته في بيت أو ثوب أو غير ذلك من الأجسام،
﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾؛ أي: يظهرونه للغير،
﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾؛ أي: القضاء النافذ في كل شيء دون مشاركة لغيره فيه، قال ابن عباس: حكم لأهل طاعته بالمغفرة، ولأهل معصيته بالشقاء والويل. اهـ.
﴿سَرْمَدًا﴾ السرمد الدائم المتصل، قال طرفة:
لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِيْ عَلَيَّ بِغُمةٍ | نَهَارِيْ وَلَا لَيْلِيْ عَلَيَّ بِسَرْمَدِ |
وقد اختلف العلماء في اشتقاقه، فقيل: هو من السرد، وهو الاطراد والمتابعة، والميم مزيدة، ووزنه فعمل، كميم دلامص بضم الدال المهملة وكسر الميم من الدلاص، يقال درع دلاص؛ أي: ملساء متينة، وعبارة "زكريا": الدلامص درع براق، يقال: درع دلاص، وأدرع دلاص، الواحد والجمع على لفظ واحد. قاله الجوهري: اهـ، وهذا ما رجحه الزمخشري وغيره، واختار صاحب "القاموس" وبعض النحاة أن الميم فيه أصلية، ووزنه فعلل؛ لأن الميم لا تنقاس زيادتها في الوسط والآخر. اهـ "شهاب".
﴿وَنَزَعْنَا﴾ يقال: نزع الشيء إذا جذبه من مقره كنزع القوس من كبده.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنوعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: طباق السلب في قوله:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي﴾ ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي﴾.
279
ومنها: الجناس المغاير بين
﴿يَهْدِي﴾ و
﴿بِالْمُهْتَدِينَ﴾.
ومنها: المجاز العقلي في قوله:
﴿حَرَمًا آمِنًا﴾ حيث نسب الأمن إلى الحرم، وهو لأهله، ومثله:
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ لأن المراد أهلها، بدليل قوله فيما بعد:
﴿فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
ومنها: الكناية في قوله:
﴿ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ لأن الكلية كناية عن الكثرة كقوله:
﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
ومنها: أسلوب السخرية والتهكم في قوله:
﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.
ومنها: التشبيه المرسل في قوله:
﴿أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله:
﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ﴾ قال الشهاب: استعير العمى لعدم الاهتداء، بجامع عدم الوصول إلى المقصود في كل، ثم اشتق من العمى بمعنى عدم الاهتداء، عميت عليهم الأنباء بمعنى لا تهتدي إليهم الأنباء، على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية، وقيل: إنه من باب القلب، وأصله فعموا عن الأنباء، والقلب من محسنات الكلام، وفيه أيضًا التضمين؛ لأنه ضمن العمى معنى الخفاء فعداه بعلى، ففيه ثلاثة أنواع من البلاغة: الاستعارة - والقلب - والتضمين.
ومنها: الطباق بين
﴿تُكِنُّ﴾ و
﴿يُعْلِنُونَ﴾، وبين
﴿الْأُولَى﴾ و
﴿وَالْآخِرَةِ﴾ وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: الإدماج في قوله:
﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ﴾ وحد الإدماج أن يدمج المتكلم، إما غرضًا في غرض، أو بديعًا في بديع، بحيث لا يظهر في الكلام إلا أحد الغرضين، أو أحد البديعين، والآخر مدج في الغرض الذي هو وجود في الكلام، فإن هذه الآية أدمجت فيها المبالغة في المطابقة؛ لأن انفراده سبحانه بالحمد في الآخرة - وهي الوقت الذي لا يحمد فيه سواه - مبالغة في وصف ذاته بالانفراد والحمد، وهذه وإن خرج الكلام فيها مخرج المبالغة في
280
الظاهر، فالأمر فيها حقيقة في الباطن؛ لأنه أولى بالحمد في الدارين، ورب الحمد والشكر والثناء الحبسن في المحلين حقيقة، وغيره من جميع خلقه إنما يُحمد في الدنيا مجازًا، وحقيقة حمده راجعة إلى ولي الحمد سبحانه.
ومنها: التبكيت والتوبيخ في قوله:
﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾، ومثله
﴿يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ﴾.
ومنها: فن المناسبة في قوله:
﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾ إلى قوله:
﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ والمناسبة قسمان: مناسبة في المعاني، ومناسبة في الألفاظ، فالمعنوية هي أن يبتدىء المتكلم بمعنى ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ، فإنه سبحانه لما أسند جعل الليل سرمدًا إلى يوم القيامة لنفسه، وهو القادر الذي جعل الشيء لا يقدر غيره على مضادته قال:
﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ لمناسبة السماع للطرف المظلم من جهة صلاحية الليل للسماع دون الإبصار، لعدم نفوذ البصر في الظلمة، ولما أسند جعل النهار سرمدًا إلى يوم القيامة لنفسه، كأن لم يُخلق فيه ليل البتة قال في فاصلة هذه الآية:
﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ لمناسبة ما بين النهار والإبصار. وأما المناسبة اللفظية فستأتي في غير هذا الموضع.
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله:
﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)﴾ فإنه جمع الليل والنهار، ثم قال:
﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ فأعاد السكون إلى الليل، والابتغاء لطلب الرزق إلى النهار، وسماه علماء البديع باللف والنشر المرتب؛ لأنه أعاد الأول على الأول والثاني على الثاني.
وضابطه: أن يذكر متعدد على وجه التفصيل، أو الإجمال، ثم يذكر ما لكل واحد من المتعدد من غير تعيين، ثقة بأن السامع يميز ما لكل منها، ويرده إلى ما هو له، فقد زاوج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة: أولها
﴿لِتَسْكُنُوا﴾ في أحدهما، وهو الليل، و
﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ في ثانيهما، وهو النهار، ولإرادة شكركم في ثالثهما، وهذا النوع من علم البديع يسمى التفسير أيضًا، وهو أن يذكر
281
أشياء، ثم تفسرها بما يناسبها.
ومنها: التعبير بصيغة الماضي في قوله:
﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ للدلالة على التحقق، وفيه الالتفات أيضًا، لإبراز كمال الاعتناء بشأن النزع.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
282
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (٨٢) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (٨٦) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)﴾.
المناسبة
قوله تعالى:
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) حديث أهل الضلالة، وما يلقونه من الإهانة والاحتقار يوم القيامة، ومناداتهم على رؤوس الأشهاد بما يفضحهم،
283
ويبيِّن لهم سوء مغبتهم.. أعقبه بقصص قارون، ليبين عاقبة أهل البغي والجبروت في الدنيا والآخرة، فقد أهلك قارون بالخسف، وزُلزلت به الأرض، وهوت من تحته، ثم أصبح مثلًا يضرب للناس في ظلمه وعتوه، ويستبين لهم به سوء عاقبة البغاة، وما يكون لهم من النكال والوبال في الدنيا والآخرة، فيندمون على ما فعلوا.
قوله تعالى:
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) فيما سلف بغي قارون وعتوه وجبروته، وكثرة ما أوتيه من المال، الذي تنوء به العصبة أولو القوة.. أردف ذلك تفصيل بعض مظاهر بغيه وكبريائه، فذكر أنه خرج على قومه وهو في أبهى حليِّه وحلله، والعدد العديد من أعوانه وحشمه، قصدًا للتعالي على العشيرة، وأبناء البلاد، وفي ذلك كسر للقلوب وإذلال للنفوس، وتفريق للكلمة فلا تربطم رابطة، ولا تجمعهم جامعة فيذلون في الدنيا بانقضاض الأعداء عليهم، وقد غرَّت هذه المظاهر بعض الجهال، الذين لا همَّ لهم إلا زخرف الحياة وزينتها، فتمنوأ أن يكون لهم مثلها، فرد عليهم من وفَّقهم الله لهدايته: بأن ما عنده من النعيم لمن اتقى خير مما أوتي قارون، ولا يناله إلا من صبر على الطاعات واجتنب المعاصي، ثم أعقب ذلك بذكر ما آل إليه أمره من خسف الأرض به وبداره، ولم يجد معينًا ينصره، ويدفع العذاب عنه، وقد انقلب حال المتمنين المعجبين بحاله إلى متعجبين مما حل به، قائلين:
﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ لا لفضل منزلته عنده، وكرامته لديه كما بسط لقارون، ويضيَّق على من يشاء، لا لهوانه عليه، ولا لسخط عمله، ولولا أن تفضل علينا فصرف عنا ما كنا نتمناه بالأمس لخسف بنا الأرض.
قوله تعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قول أهل
284
العلم بالدين
﴿ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ أعقب ذلك بذكر محل هذا الجزاء - وهو الدار الآخرة - وجعله لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يترفعون على الناس، ولا يتجبرون عليهم، ولا يفسدون فيهم بأخذ أموالهم بغير حق، ثم بيَّن بعدئذٍ ما يحدث في هذه الدار جزاء على الأعمال في الدنيا.. فذكر أن جزاء الحسنة عشرة أضعافها إلى سبع مئة ضعف إلى ما لا يحيط به إلا علَّام الغيوب، فضلًا من الله ورحمة، وجزاء السيئة مثلها لطفًا منه بعباده وشفقة عليهم.
قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) قصص موسى وقومه مع قارون، وبيَّن بغي قارون واستطالته عليهم، ثم هلاكه ونصرة أهل الحق عليه.. أردف هذا قصص محمد - ﷺ - وأصحابه مع قومه وإيذائم إياه، وإخراجهم له من مسقط رأسه، ثم إعزازه إياه بالإعادة إلى مكة وفتحه إياها منصورًا ظافرًا.
قوله تعالى:
﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما حكم بأن العاقبة للمتقين.. أكد ذلك بوعد المحسنين، ووعيد المسيئين، ثم وعده بالعاقبة الحسنى في الدارين. ذكره في "الفتوحات".
أسباب النزول
قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ...﴾ الآية (٢)، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك، قال: لما خرج النبي - ﷺ - من مكة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة، فأنزل الله سبحانه:
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ...﴾.
285
تقدم، لأنه - ﷺ - يكون من المشركين بحال من الأحوال لكونه معصومًا، والمعنى: ولا تتركن الدعاء إلى ربك، وتبليغ المشركين رسالتك، فتكون ممن فعل فعل المشركين بمعصيته، ومخالفة أمره.
٨٨ - ثم فسر هذا، وبينه بقوله:
﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾؛ أي: ولا تعتمد على غير الله، ولا تتخذ غيره وكيلًا في أمورك، وهذا تعريض أيضًا لغيره من الأمة.
فإن قلت (١): النبي - ﷺ - كان معصومًا من أن يدعو مع الله إلهًا آخر فما فائدة هذا النهي؟
قلت: الخطاب معه - ﷺ - المراد به غيره، وقيل معناه لا تتخذ غيره وكيلًا على أمورك كلها ولا تعتمد غيره، كما مر آنفًا في حلِّنا.
﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع
﴿إِلَّا هُوَ﴾ سبحانه وحده
﴿كُلُّ شَيْءٍ﴾ من الإنسان والحيوان والجن والشياطين والملك ونحوها
﴿هَالِكٌ﴾؛ أي: معدوم فان زائل في حد ذاته، فإن وجوده كلا وجود؛ لأن وجوده ليس ذاتيًا
﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾؛ أي: ذاته سبحانه وتعالى، فإنه تعالى واجب الوجود وكل ما عداه ممكن في حد ذاته عرضة للهلاك والعدم، والوجه يعبر به عن الذات، وقال أبو العالية وسفيان (٢): كل شيء فان إلا ما أريد به وجهه من الأعمال؛ أي: ما يقصد إليه بالقربة. قال الشاعر:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ | رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ |
والمستثنى من الهلاك والفناء ثمانية أشياء نظمها السيوطي في قوله:
ثَمَانِيَةٌ حُكْمُ الْبَقَاءِ يَعُمُّهَا | مِنَ الْخَلْقِ وَالْبَاقُوْنَ فِيْ حَيِّزِ الْعَدَمْ |
هِيَ الْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ وَنَارٌ وَجَنَّةٌ | وَعَجْبٌ وَأَرْوَاحٌ كَذَا اللَّوْحُ وَالْقَلَمْ |
﴿لَهُ﴾ سبحانه لا لغيره
﴿الْحُكْمُ﴾؛ أي: القضاء النافذ في الخلق في
311
الأولى والآخرة
﴿وَإِلَيْهِ﴾ تعالى، لا إلى غيره
﴿تُرْجَعُونَ﴾؛ أي: تردون أيها الخلائق عند البعث من القبور، وليجزى المحسن لإحسانه، والمسيء لإساءته.
وقرأ عيسى (١):
﴿تُرْجَعُونَ﴾ مبنيًا للفاعل. والجمهور مبنيًا للمفعول، ومعنى الآية:
﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾؛ أي (٢): ولا تعبد أيها الرسول مع الله - الذي له عبادة كل شيء - معبودًا آخر سواه.
ثم علل هذا بقوله:
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: لأنه لا معبود تصلح له العبادة إلا الله، ونحو الآية قوله:
﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)﴾.
ثم بيَّن صفاته تعالى، فقال:
١ - ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾؛ أي: هو الدائم الباقي الحي القيوم الذي لا يموت إذا ماتت الخلائق، كما قال:
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)﴾.
وقد ثبت في "الصحيح" عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول - ﷺ -: "أصدق كلمة قالها لبيد":
ألَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ | وَكُلُّ نَعِيْمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ |
٢ - ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾؛ أي: له الملك والتصرف والقضاء النافذ في الخلق.
٣ - ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يوم معادكم، فيجزيكم بأعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
الإعراب
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب،
﴿قَارُونَ﴾: اسمها منصوب، ولم ينون لأنه إسم لا ينصرف للعلمية والعجمة،
﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على
312
﴿قَارُونَ﴾،
﴿مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر
﴿كَانَ﴾، وجملة
﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر
﴿إنَّ﴾، وجملة
﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لبيان قصة قارون وما تنطوي عليه من عظات وعبر.
﴿فَبَغَى﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿بغى﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿قَارُونَ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة
﴿كَانَ﴾،
﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ
﴿بَغَى﴾،
﴿وَآتَيْنَاهُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿آتَيْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة معطوفة على جملة
﴿كَانَ﴾،
﴿مِنَ الْكُنُوزِ﴾: متعلق بـ
﴿آتَيْنَاهُ﴾.
﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦)﴾.
﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ
﴿آتَيْنَاهُ﴾،
﴿إنَّ﴾: حرف نصب،
﴿مَفَاتِحَهُ﴾: اسمها،
﴿لَتَنُوءُ﴾:
﴿اللام﴾ حرف ابتداء،
﴿تَنُوءُ﴾: فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر يعود على المفاتح،
﴿بِالْعُصْبَةِ﴾ متعلق بـ
﴿تَنُوءُ﴾،
﴿أُولِي الْقُوَّةِ﴾: صفة لـ
﴿الْعُصْبَةِ﴾ مجرور بالياء المحذوفة لالتقاء الساكنين لأنه ملحق بجمع المذكر السالم،
﴿الْقُوَّةِ﴾: مضاف إليه، وجملة
﴿تَنُوءُ﴾ في محل الرفع خبر
﴿إنَّ﴾، وجملة
﴿إنَّ﴾ صلة لـ
﴿ما﴾ الموصولة، والعائد ضمير
﴿مَفَاتِحَهُ﴾.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بـ
﴿تَنُوءُ﴾، وقيل: باذكر مقدرًا، وقال أبو البقاء: ظرف لآتيناه، ويجوز أن يكون ظرفًا لفعل محذوف دل عليه الكلام؛ أي: بغى،
﴿قَالَ﴾: فعل ماض،
﴿لَهُ﴾: متعلق بـ
﴿قَالَ﴾،
﴿قَوْمُهُ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ
﴿إذ﴾،
﴿لَا﴾: ناهية جازمة،
﴿تَفْرَحْ﴾: فدل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله ضمير يعود على
﴿قَارُونَ﴾، وجملة
﴿لَا تَفْرَحْ﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿يُحِبُّ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على
﴿اللَّهَ﴾،
﴿الْفَرِحِينَ﴾: مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿إنَّ﴾، وجملة
﴿إنَّ﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ مسوقة لتعليل ما قبلها.
313
﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧)﴾.
﴿وَابْتَغِ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر مجزوم بحذف حرف العلة، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:
﴿لَا تَفْرَحْ﴾،
﴿فِيمَا﴾ ﴿في﴾ حرف جر وسبب،
﴿ما﴾: مصدرية أو موصولة في محل الجر بفي،
﴿آتَاكَ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول أول وفاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: فيما آتاكه الله؛
﴿ابْتَغِ﴾: وابتغ بإنفاق ما أعطاك الله في سبيل الخير، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿ابْتَغِ﴾، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل
﴿ابْتَغِ﴾؛ أي: متقلبًا فيما آتاك،
﴿الدَّارَ﴾: مفعول
﴿ابْتَغِ﴾،
﴿الْآخِرَةَ﴾: صفة له،
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لَا﴾: ناهية،
﴿تَنْسَ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر،
﴿نَصِيبَكَ﴾: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة
﴿لَا تَفْرَحْ﴾،
﴿مِنَ الدُّنْيَا﴾: جار ومجرور حال من
﴿نَصِيبَكَ﴾.
﴿وَأَحْسِنْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر معطوف على
﴿وَابْتَغِ﴾،
﴿كَمَا﴾ ﴿الكاف﴾: حرف جر وتشبيه،
﴿ما﴾: مصدرية،
﴿أَحْسَنَ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل،
﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق بـ
﴿أَحْسِنْ﴾، والجملة الفعلية صلة
﴿ما﴾ المصدرية،
﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، تقديره: وأحسن إحسانًا مثل الإحسان الذي أحسن الله به إليك.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لَا﴾: ناهية،
﴿تَبْغِ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بلا الناهية،
﴿الْفَسَادَ﴾: مفعول به،
﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بتبغ أو بالفساد؛ لأنه بمعنى الإفساد، والجملة في محل النصب معطوفة على ما قبلها،
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه،
﴿لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة في محل الرفع خبر
﴿إن﴾، وجملة
﴿إنَّ﴾ في محل النصب مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿قَارُونَ﴾، والجملة مستأنفة
314
مسوقة للإجابة عن قولهم: إن ما عندك تفضل وإنعام من الله فأنفق منه شكرًا لمن أنعم به عليك،
﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر،
﴿أُوتِيتُهُ﴾: فعل ماض مغير الصيغة ونائب فاعل ومفعول ثان،
﴿عَلَى عِلْمٍ﴾: جار ومجرور حال من نائب فاعل،
﴿أوتيت﴾،
﴿عِنْدِي﴾ ظرف ومضاف إليه صفة لعلم؛ أي: إنما أوتيته حال كوني متصفًا بعلم كائن عندي، والجملة الفعلية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿أَوَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف. و
﴿الواو﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أعلم ما ادعاه ولم يعلم، والجملة المحذوفة مستأنفة،
﴿لَمْ﴾: حرف جزم،
﴿يَعْلَمْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على
﴿قَارُونَ﴾ مجزوم بـ
﴿لم﴾، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة،
﴿أَنَّ اللَّه﴾: ناصب واسمه،
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق،
﴿أَهْلَكَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿اللَّهَ﴾،
﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿أَهْلَكَ﴾،
﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾: جار ومجرور حال.
﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ﴾ مقدمة عليه،
﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول
﴿أَهْلَكَ﴾،
﴿هُوَ أَشَدُّ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة صلة
﴿مَنْ﴾ الموصولة،
﴿مِنْهُ﴾: متعلق بـ
﴿أَشَدُّ﴾،
﴿قُوَّةً﴾: تمييز محول عن المبتدأ منصوب باسم التفضيل، وجملة
﴿أَهْلَكَ﴾ في محل الرفع خبر
﴿أَنَّ﴾؛ وجملة
﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي
﴿يَعْلَمْ﴾،
﴿وَأَكْثَرُ﴾: معطوف على
﴿أَشَدُّ﴾،
﴿جَمْعًا﴾: تمييز محول عن المبتدأ منصوب بـ
﴿أَشَدُّ﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة لتربط الجملة بما قبلها على سبيل التهديد والوعيد،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿يُسْأَلُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة،
﴿عَنْ ذُنُوبِهِمُ﴾: متعلق بـ
﴿يُسْئلُ﴾،
﴿الْمُجْرِمُونَ﴾: نائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة
﴿أَنَّ﴾؛ أي: ألم يعلم أنه لا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون.
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩)﴾.
﴿فَخَرَجَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿خرَجَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على قارون، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ﴾، وما بينهما اعتراض،
﴿عَلَى قَوْمِهِ﴾ متعلق بـ
﴿خَرَجَ﴾،
﴿فِي زِينَتِهِ﴾: جار ومجرور حال من
315
فاعل
﴿خَرَجَ﴾؛ أي: حال كونه متبخترًا في زينته متقلبًا في تعاجيبه،
﴿قَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة،
﴿يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ﴾: فعل ومفعول به، والجملة صلة الموصول،
﴿الدُّنْيَا﴾: صفة للحياة،
﴿يَا لَيْتَ﴾ ﴿يا﴾ حرف نداء والمنادى محذوف، تقديره: يا قوم، وجملة النداء في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿لَيْتَ﴾: حرف تمنٍ ونصب،
﴿لَنَا﴾: خبر مقدم لليت،
﴿مِثْلَ﴾: اسم
﴿لَيْتَ﴾: مؤخر، وهو مضاف، و
﴿مَا﴾: مضاف إليه، وجملة
﴿ليت﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كوثه جواب النداء،
﴿أُوتِيَ قَارُونُ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: أوتيه قارون،
﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه،
﴿لَذُو﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء،
﴿ذُو حَظٍّ﴾: خبره،
﴿عَظِيمٍ﴾: صفة
﴿حَظٍّ﴾، وجملة
﴿إنّ﴾ في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾ على كونها مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية أو عاطفة،
﴿قَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة
﴿قَالَ﴾،
﴿أُوتُوا﴾: فعل ونائب فاعل،
﴿الْعِلْمَ﴾: مفعول ثان، والجملة صلة الموصول،
﴿وَيْلَكُمْ﴾ منصوب بفعل محذوف وجوبًا لجريانه مجرى المثل على سبيل الردع، تقديره: ألزمكم الله ويلكم، و
﴿الكاف﴾: ضمير المخاطبين في محل الجر مضاف إليه، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾.
﴿ثَوَابُ اللَّهِ﴾ مبتدأ ومضاف إليه،
﴿خَيْرٌ﴾: خبر،
﴿لِمَنْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿خَيْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قَالَ﴾،
﴿آمَنَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة صلة
﴿مَنْ﴾ الموصولة،
﴿وَعَمِلَ﴾: فعل وفاعل مستتر معطوف على
﴿آمَنَ﴾،
﴿صَالِحًا﴾: مفعول به،
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿لَا﴾: نافية،
﴿يُلَقَّاهَا﴾: فعل مضارع مغيبر الصيغة، و
﴿الهاء﴾: مفعول ثان،
﴿إِلَّا﴾: أداة حصر،
﴿الصَّابِرُونَ﴾: نائب فاعل مؤخر وهو المفعول الأول، والضمير يعود على الإثابة
316
أو الأعمال الصالحة، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة
﴿وَيْلَكُمْ﴾ أو مستأنفة.
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١)﴾.
﴿فَخَسَفْنَا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما قال قارون، وما قال له قومه، وأردت بيان ما صار إليه، وما آل إليه أمره فأقول لك
﴿خَسَفْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة،
﴿بِهِ﴾: متعلق بخسفنا،
﴿وَبِدَارِهِ﴾: جار ومجرور معطوف على
﴿بِهِ﴾،
﴿الْأَرْضَ﴾: مفعول به،
﴿فَمَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة،
﴿مَا﴾ نافية، ؛
﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص،
﴿لَهُ﴾: خبرها مقدم على اسمها.
﴿مِنْ﴾: زائدة،
﴿فِئَةٍ﴾: اسمها مؤخر،
﴿يَنْصُرُونَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الرفع صفة لفئة،
﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من
﴿فِئَةٍ﴾ لتخصصه بالصفة، وجملة
﴿كَانَ﴾ معطوفة على جملة
﴿خَسَفْنَا﴾،
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على
﴿قَارُونَ﴾،
﴿مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾: خبر
﴿كَانَ﴾، وجملة
﴿كَانَ﴾ معطوفة على جملة
﴿كَانَ﴾ الأولى.
﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ﴾.
﴿وَأَصْبَحَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة،
﴿أَصْبَحَ﴾: فعل ماض ناقص،
﴿الَّذِينَ﴾: اسمها،
﴿تَمَنَّوْا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول،
﴿مَكَانَهُ﴾: مفعول به،
﴿بِالْأَمْسِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿تَمَنَّوْا﴾،
﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب خبر
﴿أَصْبَحَ﴾، وجملة
﴿أَصْبَحَ﴾ معطوفة على جملة
﴿خَسَفْنَا﴾ ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ ﴿وي﴾: اسم فعل مضارع بمعنى أتعجب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره أنا، والجملة في محل النصب مقول
﴿يَقُولُ﴾،
317
و
﴿الكاف﴾: حرف جر بمعنى لام التعليل،
﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿اللَّهَ﴾: اسمها،
﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به،
﴿لِمَنْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿يَبْسُطُ﴾، وجملة
﴿يَشَاءُ﴾ صلة
﴿مَنْ﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: لمن يشاء البسط له،
﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾: حال من
﴿مَنْ﴾ الموصولة، وجملة
﴿وَيَقْدِرُ﴾ معطوفة على جملة
﴿يَبْسُطُ﴾، وجملة
﴿يَبْسُطُ﴾ في محل الرفع خبر
﴿أَنْ﴾ وجملة
﴿أن﴾ في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، الجار والمجرور متعلق بـ
﴿وي﴾؛ لأنه اسم فعل مضارع؛ أي: أتعجب لبسط الله الرزق على من يشاء من عباده.
﴿لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾.
﴿لَوْلَا﴾ حرف امتناع لوجود متضمن معنى الشرط،
﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر،
﴿مَنَّ اللَّهُ﴾: فعل ماض وفاعل في محل النصب بـ
﴿أن﴾ المصدرية.
﴿عَلَيْنَا﴾: متعلق به، و
﴿أَن﴾ وما في حيزها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: لولا مَنُّ الله علينا موجود،
﴿لَخَسَفَ﴾ ﴿اللام﴾: رابطة لجواب
﴿لَوْلَا﴾،
﴿خَسَفَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على
﴿اللَّهُ﴾،
﴿بِنَا﴾: متعلق به، والجملة الفعلية جواب
﴿لَوْلَا﴾، لا محل لها من الإعراب، وجملة
﴿لَوْلَا﴾ في محل النصب مقول
﴿يَقُولُونَ﴾.
﴿وَيْكَأَنَّ﴾ ﴿وي﴾: اسم فعل مضارع بمعنى أتعجب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، و
﴿الكاف﴾ حرف جر وتعليل،
﴿أَنَّهُ﴾ ناصب واسمه،
﴿لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر
﴿أَنّ﴾، وجملة
﴿أن﴾ في تأويل مصدر مجرور بـ
﴿الكاف﴾، والجار والمجرور متعلق بـ
﴿وَيْ﴾، وجملة
﴿وَيْ﴾ في محل النصب مقول
﴿يَقُولُونَ﴾ مذكورة لتأكيد
﴿وَيْ﴾ الأولى، ومقررة لها.
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)﴾.
﴿تِلْكَ﴾: مبتدأ،
﴿الدَّارُ﴾: بدل من اسم الإشارة،
﴿الْآخِرَةُ﴾: صفة لـ
﴿الدَّارُ﴾،
﴿نَجْعَلُهَا﴾: فعل مضارع ومفعول أول وفاعل مستتر يعود على
318
﴿اللَّهِ﴾،
﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ
﴿نَجْعَل﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا له. وجملة
﴿نَجْعَلُهَا﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، مسوقة لبيان أن الآخرة معدة للمتقين.
﴿لَا يُرِيدُونَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول.
﴿عُلُوًّا﴾: مفعول به.
﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ
﴿عُلُوًّا﴾، أو صلة له.
﴿وَلَا فَسَادًا﴾: معطوف على
﴿عُلُوًّا﴾.
﴿وَالْعَاقِبَةُ﴾: مبتدأ.
﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾: خبره، والجملة معطوفة على الجملة الاسمية قبلها.
﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤)﴾.
﴿مَنْ﴾: اسم شرط جازم، في محل الرفع، مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما.
﴿جَاءَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر في محل الجزم بـ
﴿من﴾ على كونه فعل شرط لها.
﴿بِالْحَسَنَةِ﴾: متعلق بـ
﴿جَاءَ﴾.
﴿فَلَهُ﴾: الفاء: رابطة لجواب
﴿مَن﴾ الشرطية وجوبًا له، خبر مقدم.
﴿خَيْرٌ﴾: مبتدأ مؤخر.
﴿مِنْهَا﴾: متعلق بـ
﴿خَيْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ
﴿من﴾ على كونها جواب شرط لها، وجملة
﴿مَن﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة.
﴿مَنْ﴾: اسم شرط مبتدأ.
﴿جَاءَ﴾: فعل وفاعل مستتر في محل الجزم بـ
﴿من﴾ الشرطية.
﴿بِالسَّيِّئَةِ﴾: متعلق بـ
﴿جَاءَ﴾.
﴿فَلَا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب
﴿مَن﴾ الشرطية وجوبًا لاقترانه بـ
﴿لا﴾.
﴿لَا﴾: نافية.
﴿يُجْزَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة.
﴿الَّذِينَ﴾: نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ
﴿من﴾ على كونها جوابًا لها، وجملة
﴿مَن﴾ الشرطية معطوفة على جملة
﴿مَن﴾ الأولى.
﴿عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول صلة الموصول.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ.
﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ
﴿يُجْزَى﴾.
﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة
﴿يَعْمَلُونَ﴾: خبره، وجملة
﴿كَانَ﴾ صلة لـ
﴿ما﴾ الموصولة.
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨٥)﴾.
319
﴿إِنَّ الَّذِي﴾: ناصب واسمه.
﴿فَرَضَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة صلة الموصول.
﴿عَلَيْكَ﴾: متعلق بـ
﴿فَرَضَ﴾.
﴿الْقُرْآنَ﴾: مفعول به.
﴿لَرَادُّكَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء.
﴿رَادُّكَ﴾: خبر
﴿إنَّ﴾ ومضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿إِلَى مَعَادٍ﴾: متعلق بـ
﴿رَادُّكَ﴾؛ لأنه اسم فاعل.
﴿قُل﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة.
﴿رَبِّي﴾: مبتدأ ومضاف إليه.
﴿أَعْلَمُ﴾: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول
﴿قُلْ﴾.
﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب، مفعول به
﴿أَعْلَمُ﴾؛ لأنه بمعنى عالم؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب الفعول به.
﴿جَاءَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر.
﴿بِالْهُدَى﴾: متعلق به، والجملة صلة الموصول.
﴿وَمَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب، معطوف على
﴿مَنْ﴾ الأولى.
﴿هُوَ﴾: مبتدأ.
﴿فِي ضَلَالٍ﴾: خبر.
﴿مُبِينٍ﴾ صفة
﴿ضَلَالٍ﴾، والجملة صلة
﴿مَنْ﴾ الموصولة.
﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (٨٦)﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة.
﴿ما﴾: نافية.
﴿كُنْتَ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة
﴿تَرْجُو﴾ خبره، وجملة
﴿كَانَ﴾ معطوفة على جملة
﴿إنَّ﴾.
﴿أَنْ يُلْقَى﴾: ناصب وفعل مضارع، مغير الصيغة منصوب.
﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق بـ
﴿يُلْقَى﴾.
﴿الْكِتَابُ﴾: نائب فاعل لـ
﴿يُلْقَى﴾.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء منقطع، بمعنى: لكن.
﴿رَحْمَةً﴾ مفعول لأجله.
﴿مِنْ رَبِّكَ﴾: صفة لـ
﴿رَحْمَةً﴾ أي: لكن ألقي إليك الكتاب لأجل رحمة، كائنة من ربك لك ولأمتك.
﴿فَلَا﴾:
﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما ذكرته، وأردت بيان ما هو اللازم لك فأقول لك:
﴿لَا تَكُونَنَّ﴾ ﴿لَا﴾: ناهية جازمة.
﴿تَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص، في محل الجزم بلا الناهية، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة حرف لا محل لها من الإعراب، واسمها ضمير مستتر فيها وجوبًا، يعود على محمد.
﴿ظَهِيرًا﴾: خبرها.
﴿لِلْكَافِرِينَ﴾: متعلق بـ
﴿ظَهِيرًا﴾، وجملة
﴿تَكُونَن﴾: في محل النصب مقول
320
لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧)﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة.
﴿لا﴾: ناهية جازمة.
﴿يَصُدُّنَّكَ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ
﴿لا﴾: الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو المحذوفة: لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل، والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة مبني على الفتح، والكاف: ضمير المخاطب، في محل النصب مفعول به.
﴿عَنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ
﴿يَصُدُّنَّكَ﴾، والجملة معطوفة على جملة قوله: فلا تكونن.
﴿بَعْدَ﴾: منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف، حال من آيات الله.
﴿بَعْدَ﴾: مضاف.
﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، في محل الجر مضاف إليه؛ لأن إذ تضاف إليه أسماء الزمان، كقولك حينئذ ويومئذ، ويصح أن تكون إذ بمعنى: أن المصدرية، كما ذكره أبو السعود.
﴿أُنْزِلَتْ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الآيات.
﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ
﴿إِذْ﴾.
﴿وَادْعُ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر.
﴿إِلَى رَبِّكَ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة
﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة.
﴿لَا﴾: ناهية.
﴿تَكُونَنَّ﴾: فعل مضارع ناقص، في محل الجزم بـ
﴿لا﴾ مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل لها من الإعراب، مبني على الفتح، واسمها ضمير مستتر يعود على محمد
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: خبرها، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾.
﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة.
﴿لا﴾: ناهية.
﴿تَدْعُ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ
﴿لا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿تَدْعُ﴾.
﴿مَعَ اللَّهِ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ
﴿تَدْعُ﴾.
﴿إِلَهًا﴾:
321
مفعول به.
﴿آخَرَ﴾ صفة لـ
﴿إِلَهًا﴾.
﴿لَا﴾: نافية تعمل عمل
﴿إنَّ﴾.
﴿إِلَهَ﴾: في محل النصب اسمها، وخبر
﴿لا﴾ محذوف، تقديره: موجود.
﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ.
﴿هُوَ﴾: ضمير للمفرد المنزه، في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر
﴿لَا﴾. وجملة
﴿لا﴾ في محل النصب حال من الجلالة.
﴿كُلُّ شَيْءٍ﴾: مبتدأ.
﴿هَالِكٌ﴾: خبره.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء.
﴿وَجْهَهُ﴾: منصوب على الاستثناء، والهاء مضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿لَهُ﴾: خبر مقدم.
﴿الْحُكْمُ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة
﴿وَإِلَيْهِ﴾: الواو عاطفة.
﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق بـ
﴿تُرْجَعُونَ﴾.
﴿تُرْجَعُونَ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:
﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿إِنَّ قَارُونَ﴾ اسم أعجمي على وزن فاعول، كهارون، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية، كما مر.
﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: تكبر وتجبر وطلب الفضل عليهم، وأن يكونوا تحت أمره. اهـ "بيضاوي". ومن تكبره أن زاد في ثيابه شبرًا وهو أول من جر الثياب على الأرض للخيلاء، قال الراغب: البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يُتحرى تجاوزه، أو لم يتجاوزه.
﴿مِنَ الْكُنُوزِ﴾ جمع كنز. والكنز المال المدفون في باطن الأرض، قال الراغب: الكنز جمع المال بعضه فوق بعض وحفظه، من كنزت التمر في الوعاء، انتهى. والمراد به هنا المال المدخر.
﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ جمع مفتح بالكسر، وهو ما يُفتح به، أو جمع مفتح بفتح الميم، وهو الخزانة، والمراد هنا المعنى الأول.
﴿لَتَنُوءُ﴾ وفي "القاموس": ناء بالحمل نهض مثقلًا، وناء به الحمل أثقله وأماله كأناءه، وناء فلان أثقل فسقط ضد، اهـ. وفي "المصباح": ناء ينوء نوءًا، مهموز من باب قال، نهض بجهد ومشقة، وناء به الحمل أثقله وأماله، وناء النجم سقط في المغرب مع الفجر، وطلع آخر يقابله من ساعته في المشرق.
﴿بِالْعُصْبَةِ﴾ والعصبة الجماعة الكثيرة يتعصب بعضهم لبعض، بلا تعيين
322
عدد خاص.
﴿الْقُوَّةِ﴾ الشدة.
﴿لَا تَفْرَحْ﴾؛ أي: لا تبطر وتتمسك بالدنيا ولذاتها، حتى تتلهى عن الآخرة. قال بيهس العذري:
وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إذَا الدَّهْرُ سَرَّنْيِ | وَلَا جَازعٍ مِنْ صَرْفِهِ الْمُتَقَلِّبِ |
والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية.
﴿وَلَا تَنْسَ﴾ أي: لا تترك ترك المنسي. قال في "المفردات": النسيان ترك الإنسان ضبط ما استُودع، إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، أو عن قصدٍ حتى ينحدف عن القلب ذكره، انتهى.
﴿نَصِيبَكَ﴾ والنصيب ما يكفيك، ويسد حاجتك، ويُصلح أمورك، وفسر بعضهم النصيب بالكفن، وعليه قول الشاعر:
نَصِيْبُكَ مِمَّا تَجْمَعُ الدَّهْرَ كُلُّهُ | رِدَاءَنِ تُدْرَجُ فِيْهِمَا وَحَنُوْطُ |
وفسره البيضاوي بما يحتاج إليه منها، اهـ.
﴿عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾؛ أي: على حسن تصرف في المتاجر واكتساب الأموال.
﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ جمع قرن، والقرن: القوم المقترنون في زمن واحد.
﴿لَذُو حَظٍّ﴾ قال الراغب: الحظ النصيب المقدر.
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ﴾ والخسف له معان كثيرة، منها خسف المكان، يقال: خسف المكان يخسف خسوفًا، من باب ضرب؛ أي: ذهب في الأرض وغرق، كما في "القاموس". وخسف القمر زال ضوؤه، وخسفت العين ذهب ضوؤها وغاب. وعين خاسفة إذا غابت حدتها، وخسف في الأرض وخُسف به فيها غاب.
وفي حديث ابن عباس وأبي هريرة، بسند ضعيف، عن النبي - ﷺ - "مَنْ لبس ثوبًا جديدًا فاختال فيه، خُسف به من شفير جهنم، فهو يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها. قال في "فتح الباري": إن مقتضى الحديث، أن الأرض لا تأكل جسده فيمكن أن يلغز، ويقال لنا: كافر لا يبلى جسده بعد الموت، وهو قارون، قال
323
في "القاموس": التجلجل: السُّؤوخ في الأرض والتحرك والتضعضع، والجلجلة: التحريك. اهـ.
﴿مِنْ فِئَةٍ﴾ قال الراغب: الفئة: الجماعة المتظاهرة، التي يرجع بعضها إلى بعض في التعاضد، انتهى. من فاء إذا رجع.
﴿مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ يقال: نصره من عدوه فانتصر؛ أي: منعه فامتنع.
﴿الَّذِينَ تَمَنَّوْا﴾ والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها، وأكثره تصور ما لا حقيقة له، والأمنية الصورة الحاصلة في النفس، من تمني الشيء.
﴿وَيْكَأَنَّ﴾ قال الجوهري: وَيْ كلمة تعجب، وقد تدخل على كأن، فتقول ويكأن، وقيل: إنها كلمة تُستعمل عند التنبه للخطأ، وإظهار الندم، قال الخليل: إن القوم تنبهوا وقالوا نادمين على ما سلف منهم وَيْ.
﴿بِالْحَسَنَةِ﴾ والحسنة ما يحمد فاعلها شرعًا، وسميت حسنة لحسن وجه صاحبها عند رؤيتها في القيامة.
﴿بِالسَّيِّئَةِ﴾ والسيئة ما يُذم فاعلها شرعًا، صغيرة كانت أو كبيرة، وسميت سيئة؛ لأن فاعلها يساء بها عند المجازاة عليها، اهـ "بيجوري على الجوهرة".
﴿فَرَضَ عَلَيْكَ﴾؛ أي: أوجب عليك.
﴿إِلَى مَعَادٍ﴾ ومعاد الرجل بلده؛ لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه، تقول العرب: رُدَّ فلان إلى معاده؛ أي: إلى بلده.
﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ﴾ أصله يصدوننّك بنونين، أولاهما: مخففة هي نون علامة الرفع، وثانيتهما: مشددة هي نون التوكيد، فدخل عليه الجازم فحذف النون الأولى، فصار ولا يصدُّونُّك، فالتقى ساكنان الواو والنون المدغمة، فحذفت الواو لاعتلالها، ووجود دليل يدل عليها، وهو ضمة الدال، وأثر فيه الجازم لعدم مباشرة الفعل بنون التوكيد لوجود الفاصل، وهو واو الجماعة، ولم يؤثر الجازم في لفظ
﴿وَلَا تَكُونَنَّ﴾.
﴿وَلَا تَكُونَنَّ﴾ لبنائه على الفتح، لمباشرته بنون التوكيد بلا وجود فاصل،
324
وإن أثر في محله.
﴿ظَهِيرًا﴾؛ أي: معينًا.
﴿هَالِكٌ﴾؛ أي: معدوم.
﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ الحكم: القضاء النافذ، الذي لا معقب له في الدنيا والآخرة، كما مر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: القلب في قوله:
﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾؛ لأن أصل الكلام لتنوء العصبة بالمفاتح؛ أي: لتنهض بها بجهد.
ومنها: المبالغة في وصف كنوز قارون، حيث ذكرها جمعًا، وجمع المفاتح أيضًا، وذكر النوء والعصبة وأولي القوة، وهذه المبالغة في القرآن من أحسن المبالغات وأغربها عند الحذاق، وهي أن يتقصى جميع ما يدل على الكثرة وتعدد ما يتعلق بما يملكه.
ومنها: حسن التعليل في قوله:
﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ فإن التعليل بجملة
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ تعليل حسن جميل؛ لأن الفرح المحض في الدنيا، من حيث إنها دنيا مذموم على الإطلاق، وأي فرح بشيء زائل وظل حائل.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله:
﴿لَا تَفْرَحْ﴾ و
﴿الْفَرِحِينَ﴾ و
﴿الْفَسَادَ﴾ و
﴿الْمُفْسِدِينَ﴾.
ومنها: التتميم في قوله:
﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾؛ لأنه تتميم لا بد منه؛ لأنه إذا لم يغتنمها ليعمل للآخرة، لم يكن له نصيب في الآخرة. ففي الحديث: "اغتنم خمسًا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
ومنها: التأكيد بـ
﴿إن﴾ واللام واسمية الجملة في قوله: {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
325
عَظِيمٍ}؛ لأن السامع شاك ومتردد.
ومنها: الكناية في قوله:
﴿تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ﴾ كنى عن الزمن الماضي القريب بلفظ الأمس.
ومنها: الطباق في قوله:
﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ ﴿وَيَقْدِرُ﴾.
ومنها: المبالغة في قوله:
﴿لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا﴾؛ لأن نفي الإرادة أبلغ من نفي العلو.
ومنها: المقابلة اللطيفة في قوله:
﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى﴾ الآية.
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله:
﴿فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾؛ لأن أصله فلا يجزون، تشنيعًا عليهم، وتهجينًا لحالهم، بتكرير إسناد السيئة إليهم وفائدة هذه الصورة إنزجار اله غلاء عن ارتكاب السيئات قال الزمخشري إنما كرر ذكر السيئات؛ لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكررًا فضل تهجين لحالهم، وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين.
ومنها: المجاز بالحذف في قوله:
﴿إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: إلا مثل ما كانوا يعملون، فحُذف المثل، وأقيم ما كانوا يعملون مقامه، مبالغة في المماثلة.
ومنها: التنكير في قوله:
﴿إِلَى مَعَادٍ﴾ للتفخيم، كأن هذا المعاد قد أعد لك دون غيرك من البشر.
ومنها: المجاز المرسل في قوله:
﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾ حيث أطلق الجزء وأراد الكل؛ أي: إلا ذاته، وقد جرت عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة.
ومنها: تقديم المعمول على عامله لإنادة الحصر، في قوله:
﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
326
لطيفة: قال بعضهم: من لم تُشبِعْه القناعة لم يكفه ملك قارون، وأنشدوا:
هِيَ الْقَنَاعَةُ لَا تَبْغِيْ بِهَا بَدَلاَ | فِيْهَا النَّعِيْمُ وَفِيْهَا رَاحَةُ الْبَدَنِ |
انْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأجْمَعِهَا | هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الْقُطْنِ وَالْكَفَنِ |
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
327
خلاصة ما حوته هذه السورة الكريمة
١ - استعلاء فرعون افساده في الأرض.
٢ - استضعافه بني إسرائيل وقتله أبناءهم، واستبقاؤه نساءهم.
٣ - منته تعالى على بني إسرائيل بإنقاذهم من بأس فرعون، وجعلهم أئمةً في أمر الدين والدنيا، ووراثتهم أرض الشام.
٤ - إغراق فرعون وجنوده.
٥ - إلقاء موسى في اليم، والتقاط آل فرعون له، ثم رده إلى أمه.
٦ - قتل موسى للقبطي ثم هربه إلى أرض مدين، وتزوجه ببنت شعيب وبقاؤه بها عشر سنين.
٧ - عودة موسى إلى مصر ومناجاته ربه.
٨ - معجزات موسى من العصا واليد البيضاء.
٩ - طلبه من ربه أن يرسل معه أخاه هارون، ليكون له وزيرًا، وإجابته إلى ذلك.
١٠ - تبليغه رسالة ربه إلى فرعون، وتكذيب فرعون له، واستكباره في الأرض بغير الحق.
١١ - إثبات نبوة محمد - ﷺ - بإخباره عن قصص الماضين دون أن يكون حاضرًا معهم، ولا أن يتعلم ذلك من معلم.
١٢ - إنكار قريش لنبوته بعد أن جاءهم بالحق من ربهم، وقولهم: إن ما جاء به سحر مفترى.
١٣ - إيمان أهل الكتاب بالقرآن، وإعطاؤه أجرهم مرتين.
١٤ - إثبات أن الهداية بيد الله سبحانه، لا بيد رسوله - ﷺ -، فلا يمكنه أن يهدي من يحب.
328
١٥ - معاذير قريش في عدم إيمانهم بالرسول - ﷺ -، ثم دحضها.
١٦ - بيان أن الله لا يعذب أمة، إلا إذا أرسل إليهم رسولًا، حتى لا يكون لهم حجة على الله.
١٧ - نداء المشركين على رؤوس الأشهاد، وأمرهم بإحضار شركائهم، ونداؤهم ليسألهم عما أجابوا به الرسل، فلم يستطيعوا لذلك ردًا.
١٨ - بيان أن اختيار الرسل لله لا للمشركين، فهو الذي يصطفي من يشاء لرسالته.
١٩ - التذكير بنعمته على عباده، باختلاف الليل والنهار.
٢٠ - شهادة الأنبياء على أممهم.
٢١ - ذكر قارون وبغيه في الأرض، ثم خسف الأرض به.
٢٢ - بيان أن ثواب الآخرة، لا يكون إلا لمن لا يريد العلو في الأرض، ولا الفساد فيها.
٢٣ - مضاعفة الله للحسنات، وجزاء السيئة بمثلها.
٢٤ - الإنباء بالغيب عن نصر الله لرسوله، وفتحه لمكة.
٢٥ - بيان أن كل ما في الوجود فهو هالك، إلا الله تبارك وتعالى.
وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين (١).
والله أعلم
* * *
329
سورة العنكبوت
سورة العنكبوت تسع وستون آية (١)، وألف وتسع مئة وثمانون كلمة، وأربعة آلاف وخمس مئة وخمسة وتسعون حرفًا.
واختلف (٢) في كونها مكية أو مدنية، أو بعضها مكيًا وبعضها مدنيًا، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها مكية كلها، أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس، وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير، وبه قال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وقتادة ومقاتل.
القول الثاني: أنها مدنية كلها، قال القرطبي، وهو أحد قولي ابن عباس وقتادة.
والقول الثالث: أنها مكية، إلا عشر آيات من أولها فمدنية. قال القرطبي: وهو أحد قولي ابن عباس وقتادة، وهو قول يحيى بن سلام، وقال غيره بالعكس؛ أي: إنها مدنية إلا عشر آيات من أولها فمكية، وحكي عن علي ابن أبي طالب، أنها نزلت بين مكة والمدينة. وهذا قول رابع.
فضلها: ومن فضائلها ما أخرجه الدارقطني في "السنن" عن عائشة: أن رسول الله - ﷺ -، كان يصلي في كسوف الشمس والقمر، أربع ركعات وأربع سجدات، يقرأ في الركعة الأولى: العنكبوت، أو الروم، وفي الثانية يسَ.
المناسبة: مناسبتها لما قبلها من وجوه (٣):
١ - إنه ذكر في السورة السالفة استعلاء فرعون وجبروته، وجعله أهلها شيعًا، وافتتح هذه السورة بذكر، المؤمنين، الذين فتنهم المشركون وعذبوهم على
330
الإيمان دون ما عذب به فرعون بني إسرائيل، تسلية لهم بما وقع لمن قبلهم، وحثًا لهم على الصبر كما قال:
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
٢ - إنه ذكر في السورة السابقة: نجاة موسى من فرعون، وهربه منه، ثم عوده إلى مصر رسولًا نبيًا، ثم ظفره من بعد، بغرق فرعون وقومه، ونصره عليهم نصرًا مؤزرًا، وذكر هنا: نجاة نوح عليه السلام، وأصحاب السفينة، وإغراق من كذبه من قومه.
٣ - إنه نعي هناك على عبدة الأصنام والأوثان، وذكر: أنه يفضحهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وهنا نعي عليهم أيضًا، وبيَّن أنهم في ضعفهم كضعف بيت العنكبوت.
٤ - هناك قص قصص قارون وفرعون، وهنا ذكرهما أيضًا، وبيَّن عاقبة أعمالهما.
٥ - ذكر هناك في الخاتمة: الإشارة إلى هجرة النبي - ﷺ - في قوله:
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾، وفي خاتمة هذه، أشار إلى هجرة المؤمنين، بقوله:
﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾.
تسميتها: سورة العنكبوت؛ لأن الله سبحانه، ضرب العنكبوت فيها مثلًا للأصنام المنحوتة، بقوله:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾.. الآيات.
الناسخ والمنسوخ: سورة العنكبوت جميعها محكم (١) إلا قوله تعالى:
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الآية، فإنها نُسخت بالآية التي في سورة التوبة، وهي قوله تعالى:
﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ (٢٩).
والله أعلم
* * *
331
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (١١) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (١٥) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٣)﴾.
332
المناسبة
قوله تعالى:
﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى، لما قال في أواخر السورة السالفة:
﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ وكان في الدعاء إليه توقع الطعن والضرب في الحرب؛ لأن النبي - ﷺ - وأصحابه كانوا مأمورين بالجهاد إن لم يؤمن المشركون، ويستجيبوا بالدعاء، وذلك مما يشق على بعض المؤمنين.. أردف ذلك بتنبيههم، إلى أن المؤمنين لا يتبين إيمانهم الحق إلا إذا فُتنوا.
قوله تعالى:
﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سلف: أن العبد لا يترك في الدنيا سدًى، وأن من ترك ما كلف به عذب.. أردف ذلك ببيان أن من يعترف بالآخرة ويعمل لها... لا يضيع الله عمله، ولا يخيب أمله.
ثم ذكر: أن طلب ذلك من المكلف، ليس لنفع يعود إلى الله تعالى، فهو غني عن الناس جميعًا، ثم أرشد إلى أن جزاء العمل الصالح، تكفير السيئات ومضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها، فضلًا منه ورحمة.
قوله تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن العمل الصالح يكفر السيئات ويضاعف الحسنات أعقب ذلك بذكر البر بالوالدين والحدب عليهما؛ لأنهما سبب وجوده، فلهما عليه الإحسان والطاعة، فالإحسان إلى الوالد بالإنفاق، وإلى الوالدة بالإشفاق، إلا إذا حرضاه على الشرك وأمراه بالمتابعة على دينهما إذا كانا مشركين، فإنه لا يطيعهما في ذلك، ثم بين أن من يعمل الصالحات، يدخله الله في زمرة الأنبياء والأولياء، ويؤتيه من الكرامة والدرجة الرفيعة، والزلفى عنده، مثل ما أوتي هؤلاء.
قوله تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية
333
لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر القسمين الأولين من أقسام الناس الثلاثة، وهما المؤمن الصادق، والكافر المجاهر، بقوله:
﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ وبين أحوالهما بقوله:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ إلى قوله:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.. أردف ذلك بذكر القسم الثالث بقوله:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ...﴾ إلخ، واعلم أن الناس في الدين أقسام ثلاثة:
١ - مؤمن، حسن الاعتقاد والعمل.
٢ - كافر، مجاهر بالكفر والعناد.
٣ - ومذبذب بينهما، يظهر الإيمان بلسانه، ويبطن الكفر في فؤاده.
قوله تعالى:
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا...﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أن الله سبحانه، لما ذكر فيما سلف قسر الكفار للمؤمنين على الكفر، وإلزامهم إياه بالأذى والوعيد.. أردف ذلك ذكر دعوتهم إياهم إليه بالرفق واللين حينًا آخر، بنحو قولهم لهم: لا عليكم بذلك من بأس، إننا نحمل تبعات ذنوبكم، ثم رد مقالتهم ببيان كذبهم، فإن أحدًا لا يحمل وزر أحد يوم القيامة، ثم ذكر أن المضلين يتحملون تبعات ضلالهم وإضلالهم، ويكون لهم العذاب على كلا الجرمين.
قوله تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾... الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما أقام الأدلة على الوحدانية، ثم الرسالة بقوله:
﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾.. شرع يبين الأصل الثالث، وهو البعث والنشور، وهذه الأصول الثلاثة، لا يكاد ينفصل بعضها من بعض في الذكر الإلهي، فأينما تجد أصلين منها تجد الثالث.
أسباب النزول
قوله تعالى:
﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (١) ابن أبي حاتم عن الشعبي، قال: نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا
334
بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله - ﷺ - من المدينة، أنه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة فتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت هذه الآية، فكتبوا إليهم أنه قد نزل فيكم كذا وكذا، فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه، فخرجوا، فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا...﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر (١): أن ناسًا ممن كانوا بمكة آمنوا، فكتب إليهم أصحاب رسول الله - ﷺ - من المدينة، لما نزلت آية الهجرة، لا يُقبل منكم إسلام حتى تهاجروا، فخرجوا إلى المدينة، فتبعهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم هذه الآيات، فكتبوا إليهم أنزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه، فخرجوا، فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
قال مقاتل: نزلت في مهجع، مولى عمر بن الخطاب، وكان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي - ﷺ - يومئذٍ: "سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يُدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة" وجزع عليه أبواه وامرأته، فنزلت:
﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا...﴾ الآية.
وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: نزلت في عمار بن ياسر، إذ كان يعذب في الله
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ...﴾ الآية.
قوله تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما رواه الترمذي وغيره: أن (٢) هذه الآية نزلت في سعد ابن أبي وقاص وأمه حمنة بنت أبي سفيان، لما أسلم وكان من السابقين الأولين، وكان بارًا بأمه، قالت له: ما هذا الدين الذي أحدثت، والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه،
335