تفسير سورة المدّثر

معاني القرآن
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله تبارك وتعالى :﴿ يأَيُّها الْمُدَّثِّرُ ﴾.
يعنى : المتدثر بثيابه لينامَ.
وقوله عز وجل :﴿ قُمْ فَأَنذِرْ ﴾.
يريد : قم فصلّ، ومرْ بالصلاة.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾.
يقول : لا تكن غادرا فتدنس ثيابك، فإن الغادر دنِس الثياب، ويقال : وثيابك فطهر، وعملك فأصلح. وقال بعضهم : وثيابك فطهر : قصر، فإن تقصير الثياب طُهْرة.
فقوله عز وجل :﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾.
كسره عاصم والأعمش والحسن، ورفعه السلمي ومجاهد وأهل المدينة فقرءوا :«والرجزُ فاهجر » وفسر مجاهد : والرجز : الأوثان، وفسره الكلبي : الرجز : العذاب، ونرى أنهما لغتان، وأن المعنى فيهما [ ١١٢/ا ] واحد.
وقوله عز وجل :﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾.
يقول : لا تُعط في الدنيا شيئا لتصيب أكثر منه، وهي في قراءة عبد الله :«ولا تَمْنُن أنْ تَسْتَكْثِرَ » فهذا شاهد على الرفع في «تستكثر » ولو جزمه على هذا المعنى كان صوابا، والرفع وجه القراءة والعمل.
وقوله عز وجل :﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقُورِ ﴾.
يقال : إنها أول النفختين.
وقوله عز وجل :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ﴾.
[ الوحيد ] فيه وجهان، قال بعضهم : ذرني ومن خلقته وحدي، وقال آخرون : خلقته وحده لا مال له ولا بنين، وهو أجمع الوجهين.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَّمْدُوداً ﴾.
قال الكلبي : العُروض والذهب والفضة، [ حدثنا أبو العباس قال :] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدثني قيس عن إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد في قوله :﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَّمْدُوداً ﴾، قال : ألف دينار، ونرى أن الممدود جُعل للعدد ؛ لأن الألف غايةُ العدد، يرجع في أول العدد من الألف. ومثله قول العرب : لك على ألف أقدع، أي : غاية العدد.
وقوله :﴿ وَبَنِينَ شُهُوداً ﴾.
كان له عشرة بنين لا يغيبون عن عينيه في تجارة ولا عمل، والوحيد : الوليد بن المغيرة المخزومي.
وقوله :﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾.
فذكروا أنه جمع رؤساء أهل مكة فقال : إن الموسم قددنا، وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس، ما أنتم قائلون فيه للناس ؟ قالوا : نقول : مجنون. قال : إذًا يؤتى فيكلّم، فيُرى عاقلا صحيحا، فيكذبوكم، قالوا : نقول : شاعر. قال : فهم عرب قد رووا الأشعار وعرفوها، وكلام محمد لا يُشْبِهُ الشِّعرَ، قالوا : نقول : كاهن، قال : فقد عرفوا الكهنة [ ١١٢/ب ]، وسألوهم، وهم لا يقولون : يكون كذا وكذا إن شاء الله، ومحمد لا يقول لكم شيئاً إلا قال : إن شاء الله، ثم قام، فقالوا : صبأ الوليد. يريدون أسلم الوليد. فقال ابن أخيه أبو جهل : أنا أكفيكم أمره، فأتاه فقال : إن قريشاً تزعم أنك قد صبوت وهم يريدون : أن يجمعوا لك مالاً يكفيك مما تريد أن تأكل من فضول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال : ويحك ! والله ما يَشبعون، فكيف ألتمس فضولهم مع أني أكثر قريش مالا ؟ ولكني فكرت في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وماذا نَرُد على العرب إذا سألتنا، فقد عزمْت على أن أقول : ساحر. فهذا تفسير قولُه :﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ القول في محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله :﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾.
قتل أي : لُعن، وكذلك :﴿ قاتلهم الله ﴾ و ﴿ قُتِلَ الإِنْسَانُ ما أَكْفَرَهُ ﴾، ذكِر أنهن اللعن.
وقوله :﴿ ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾.
ذكروا : أنه مرَّ على طائفة من المسلمين في المسجد الحرام، فقالوا : هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة ؟ فقال : ما صاحبكم إِلاَّ ساحر، وما قوله إِلاَّ السحر تعلَّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثم قال : ولَّى عنهم مستكبراً قد عبَس وجهه وبسَر : كلَح مستكبراً عن الإيمان. فذلك قوله :﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ يأثره عن أهل بابل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:وقوله :﴿ ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾.
ذكروا : أنه مرَّ على طائفة من المسلمين في المسجد الحرام، فقالوا : هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة ؟ فقال : ما صاحبكم إِلاَّ ساحر، وما قوله إِلاَّ السحر تعلَّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثم قال : ولَّى عنهم مستكبراً قد عبَس وجهه وبسَر : كلَح مستكبراً عن الإيمان. فذلك قوله :﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ يأثره عن أهل بابل.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:وقوله :﴿ ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾.
ذكروا : أنه مرَّ على طائفة من المسلمين في المسجد الحرام، فقالوا : هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة ؟ فقال : ما صاحبكم إِلاَّ ساحر، وما قوله إِلاَّ السحر تعلَّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثم قال : ولَّى عنهم مستكبراً قد عبَس وجهه وبسَر : كلَح مستكبراً عن الإيمان. فذلك قوله :﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ يأثره عن أهل بابل.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:وقوله :﴿ ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾.
ذكروا : أنه مرَّ على طائفة من المسلمين في المسجد الحرام، فقالوا : هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة ؟ فقال : ما صاحبكم إِلاَّ ساحر، وما قوله إِلاَّ السحر تعلَّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثم قال : ولَّى عنهم مستكبراً قد عبَس وجهه وبسَر : كلَح مستكبراً عن الإيمان. فذلك قوله :﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ يأثره عن أهل بابل.

قال الله جل وعز :﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾.
وهي اسم من أسماء جهنم، فلذلك لم يُجْزَ، وكذلك «لظى ».
وقوله :﴿ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ﴾.
مردود على سقر بنية التكرير، كما قال :﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [ ١١٣/ا ] فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ﴾ وكما قال في قراءة عبد الله :﴿ وَهَذَا بَعلي شَيْخاً ﴾ ولو كان «لواحةً للبشر » كان صوابا.
كما قال :﴿ إِنَّها لإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِّلْبَشَرِ ﴾. وفي قراءة أبي :«نذِيرٌ لِلْبشَر » وكل صواب.
وقوله :﴿ لَوَّاحَةٌ لِِّلْبَشَرِ ﴾.
تسوِّد البشرة بإحراقها.
وقوله :﴿ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾.
فإن العرب تنصب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر في الخفض والرفع، ومنهم من يخفف العين في تسعة عشر، فيجزم العين في الذُّكران، ولا يخففها في : ثلاث عشرة إلى تسع عشرة ؛ لأنهم إنما خفضوا في المذكر لكثرة الحركات. فأما المؤنث، فإن الشين من عشْرة ساكنة، فلم يخففوا العين منها فيلتقي ساكنان. وكذلك : اثنا عشر في الذكران لا يخفف العين ؛ لأن الألف من : اثنا عشر ساكنة فلا يسكن بعدها آخر فيلتقي ساكنان، وقد قال بعض كفار أهل مكة وهو أبو جهل : وما تسعة عشر ؟ الرجل منا يطبق الواحد فيكفه عن الناس. وقال رجل من بني جمح كان يُكنى : أبا الأشدين : أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني اثنين.
فأنزل الله :﴿ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النارِ إِلاَّ مَلائكَةً ﴾، أي : فمن يطيق الملائكة ؟ ثم قال :﴿ وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ ﴾ في القلة ﴿ إِلاَّ فِتْنَةً ﴾ على الذين كفروا ليقولوا ما قالوا، ثم قال :﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ يقيناً إلى يقينهم ؛ لأنَّ عدة الخزنة لجهنم في كتابهم : تسعة عشر، ﴿ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِيماناً ﴾ لأنها في كتاب أهل الكتاب كذلك.
وقوله :﴿ وَاللَّيْلِ [ ١١٣/ا ] إِذْ أَدْبَرَ ﴾.
قرأها ابن عباس :«والليل [ ١١٣/ا ] إذَا دَبر » ومجاهد وبعض أهل المدينة كذلك وقرأها كثير من الناس«واللَّيْل إذْ أَدْبَر » :
[ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال :] حدثنا الفراء قال : حدثني بذلك محمد بن الفضل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن عن زيد أنه قرأها :«والليل إذْ أَدْبَر » وهي في قراءة عبد الله :«والليل إذا أدبر ». وقرأها الحسن كذلك :«إذا أدبر » كقول عبد الله.
[ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد ] قال حدثنا الفراء قال : وحدثني قيس عن علي بن الأقمر عن رجل لا أعلمه إلاّ الأغر عن ابن عباس أنه قرأ :«والليل إذا دَبَر ».
وقال : إنما أدبر ظهر البعير [ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد ] قال حدثنا الفراء قال : وحدثنا قيس عن علي بن الأقمر عن أبي عطية عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ «أدبر » [ قال الفراء : ما أرى أبا عطية إلاَّ الوادعي بل هو هو، وقال الفراء : ليس في حديث قيس إذ، ولا أراهما إلا لغتين ]. يقال : دبر النساء والشتاء والصيف وأدبر. وكذلك : قَبَل وأقبل، فإذا قالوا : أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بألف، وإنهما في المعنى عندي لواحد، لا أبعد أَن يأتي في الرجل ما أتى في الأزمنة.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّها لإِحْدَى الْكُبَرِ ﴾.
الهاء كناية عن جهنم.
وقوله :﴿ نَذِيراً لِّلْبَشَرِ ﴾.
كان بعض النحويين يقول : إن نصبت قولُه :«نذيراً » من أول السورة يا محمد قم نذيراً للبشر، وليس ذلك بشيء وَالله أعلم ؛ لأنّ الكلام قد حدث بينهما شيء منه كثير، ورفعه في قراءة أبيّ ينفي هذا المعنى. ونصبه من قوله :﴿ إِنَّها لإحدى الكُبر نذيراً ﴾ تقطعه من المعرفة ؛ لأن «إحدى الكبر » معرفةٌ فقطعته منه، ويكون نصبه على أن تجعل النذير إنذاراً من قوله :﴿ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ ﴾ [ ١١٢/ب ] لواحة [ تخبر بهذا عن جهنم إنذاراً ] للبشر، والنذير قد يكون بمعنى : الإنذار. قال الله تبارك وتعالى :﴿ كَيْفَ نَذِير ﴾ و ﴿ فَكَيْفَ كان نكِير ﴾ يريد : إنذاري، وإنكاري.
وقوله :﴿ إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ ﴾.
قال الكلبي : هم أهل الجنة [ حدثنا أبو العباس قال ] حدثنا الفراء قال : وحدثني الفضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن المنهال رفعه إلى علي قال :﴿ إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ ﴾ قال : هم الوِلْدانُ، وهو شبيه بالصواب ؛ لأن الولدان لم يكتسبوا ما يرتهنون به.
وفي قوله :﴿ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ ما يقوي أنهم الولدان ؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا :﴿ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:وفي قوله :﴿ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ ما يقوي أنهم الولدان ؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا :﴿ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:وفي قوله :﴿ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ ما يقوي أنهم الولدان ؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا :﴿ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾.
وقوله :﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنْفِرَةٌ ﴾.
قرأها عاصم والأعمش :«مستنفِرة » بالكسر، وقرأها أهل الحجاز «مستنفَرة » بفتح الفاء وهما جميعاً كثيرتان في كلام العرب، قال الشاعر :
أمْسِكْ حِمارَكَ إِنَّهُ مُسْتنفِرٌ في إِثرِ أحْمِرَةٍ عَمْدنَ لِغُرّبِ
والقسورة يقال : إنها الرماة، وقال الكلبي بإسناده : هو الأسد.
[ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق أبي سفيانّ الثوري عن عكرمة قال : قيل له : القسورة، الأسد بلسان الحبشة، فقال : القسورة، الرماة، والأسد بلسان الحبشة : عنبسة.
وقوله :﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾.
قالت كفار قريش للنبي صلى الله عليه [ ١١٤/ا ] : كان الرجل يذنب في بني إسرائيل، فيصبح ذنبه مكتوباً في رقعة، فما بالنا لا نرى ذلك ؟ فقال الله عز وجل :﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾.
وقوله :﴿ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ﴾.
يعني هذا القرآن، ولو قيل :«إنها تذكرةٌ » لكان صوابا، كما قال في عبس، فمن قال :( إنها ) أراد السورة، ومن قال :( إنه ) أراد القرآن.
Icon