ﰡ
قوله عز وجل :﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾.
قاف : فيها المعنى الذي أقسم به [ ١٨١/ب ] ذكر أنها قُضي والله كما قيل في حُمَّ : قُضي والله، وحُمَّ والله : أي قضى.
ويقال : إن ( قاف ) جبل محيط بالأرض، فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع، أي هو ( قافٌ والله )، وكان [ ينبغي ] لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء، فلعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قال الشاعر :
قلنا لها : قفي، فقالت : قافْ ***...
ذكرت القاف أرادت القاف من الوقوف، أي : إني واقفة.
كلام لم يظهر قبله ما يكون هذا جواباً له، ولكن معناه مضمر، إنما كان والله أعلم :﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ لتبعثن. بعد الموت، فقالوا : أنبعث إذا كنا تراباً ؟ فجحدوا البعث ثم قالوا :﴿ ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ ﴾. جحدوه أصلا [ و ] قوله :( بعيد ) كما تقول للرجل يخطئ في المسألة : لقد ذهبت مذهباً بعيداً من الصواب : أي أخطأت.
في ضلال.
ليس فيها خلل ولا صدع.
والحب هو الحصيد، وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله :﴿ إِنَّ هَذا لَهُو حَقُّ الْيَقِين ﴾، ومثله :﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾.
والحبل هو الوريد بعينه أضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه، والوريد : عرق بين الحلقوم والعلباوين.
طوال، يقال : قد بسق طولا، فهن طوال النخل.
وقوله :﴿ لَّها طَلْعٌ نَّضِيدٌ ﴾.
يعنى : الكفُرَّى ما كان في أكمامه وهو نضيد، أي منضود بعضه، فوق بعض، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد.
يقول : كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعي بخلقهم أولا ؟ ثم قال :﴿ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾، أي هم في ضلال وشك.
الهاء لما، وقد يكون ما توسوس أن تجعل الهاء للرجل الذي توسوس به تريد توسوس إليه وتحدثه.
يقال : قعيد، ولم يقل : قعيدان. حدثنا الفراء قال : وحدثني حبان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قعيد عن اليمين وعن الشمال يريد قُعود، فجعل القعيد جمعا، كما تجعل الرسول للقوم والاثنين. قال الله تعالى :﴿ إِنا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين ﴾ لموسى وأخيه، وقال الشاعر :
ألِكْنى إليها، وخيرُ الرسو | لِ أعلَمُهم بنواحِي الْخَبَرْ |
نَحْنُ بما عِندنا، وأنت بما | عندك راضٍ، والرأي مختلِفُ |
إِنِّي ضَمِنت لمن أتاني ما جَنَى | وأبَى، وَكان وكنت غير غَدُورِ |
يقول : قد كنت تُكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر ها هنا : هو العلم ليس بالعين.
رفعتَ العتيد على أن جعلته خبرا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفا على مثل قوله :﴿ هَذَا بَعليِ شَيْخٌ ﴾. ولو كان نصبا كان صوابا ؛ لأن ( هذا، وما ) معرفتان، فيقطع العتيد منهما.
العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر به الاثنان، فيقولون للرجل : قوما عنا، وسمعت بعضهم : ويحك ! ارحلاها وازجراها، وأنشدني بعضهم :
فقلت لصاحبي لا تحبسانا | بنزع أصوله، واجتزَّ شيحا |
وإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر | وإن تدعاني أَحْمِ عرضاً ممنَّعاً |
خليليّ، مرّا بِي على أم جندب | نُقضِّي لُبانات الفؤاد المعذب |
ألَمْ تَرَ أني كلما جئت طارقا | وجدت بها طيبا وإن لم تطيب |
خليليّ قوما في عَطالة فانظرا | أناراً ترى من نحو بابَيْن أو برقا |
إن شئت جعلت ( مَن ) خفضا تابعة لقوله :( لكلّ )، وإن شئت استأنفتها فكانت رفعا يراد بها الجزاء. من خشي الرحمن بالغيب قيل له : ادخل الجنة، و ( ادْخُلوها ) جواب للجزاء أضمرتَ قبله القول وجعلته فعلاً للجميع ؛ لأن مَن تكون في مذهب الجميع.
قراءة القراء يقول : خرّقوا البلاد فساروا فيها، فهل كان لهم من الموت من محيص ؟ أضمرت كان هاهنا كما قال :﴿ وَكَأَيِّنْ مِّنْ قَرْيَةٍ هي أَشَدُّ قُوّةً مِّنْ قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُم ﴾، والمعنى : فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم. ومن قرأ :( فَنقِّبوا ) في البلاد، فكسر القاف فإنه كالوعيد. أي : اذهبوا في البلاد فجيئوا واذهبوا.
يقول : لمن كان له عقل، وهذا جائز في العربية أن تقول : مالك قلب وما قلبك معك، وأين ذهب قلبك ؟ تريد العقل لكل ذلك.
وقوله :﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ﴾.
يقول : أو ألقى سمعه إلى كتاب الله وهو شهيد، أي شاهد ليس بغائب.
يقول : من إعياء، وذلك أن يهود أهل المدينة قالوا : ابتدأ خلق السماوات والأرض يوم الأحد، وفرغ يوم الجمعة، فاستراح يوم السبت، فأنزل الله :﴿ وَما مَسَّنا مِن لُّغُوبٍ ﴾ إكذابا لقولهم، وقرأها أبو عبد الرحمن السلمي : من لَغوب بفتح اللام وهي شاذة.
وإِدِبارَ. من قرأ : وأدبار جمعه على دُبُر وأدبار، وهما الركعتان بعد المغرب، جاء ذلك عن علي ابن أبي طالب أنه قال، [ ١٨٢/ب ] وأدبار السجود : الركعتان بعد المغرب، ﴿ وإِدْبارَ النُّجومِ ﴾. الركعتان ( قبل الفجر ) وكان عاصم يفتح هذه التي في قاف، وبكسر التي في الطور، وتكسران جميعاً، وتنصبان جميعاً جائزان.
يقال : إن جبريل عليه السلام يأتي بيت المقدس فينادي بالحشر، فذلك قوله :﴿ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾.
إلى المحشر وتُشَقق، والمعنى واحد مثل : مات الرجل وأميت.
يقول : لست عليهم بمسلَّط، جعل الجبار في موضع السلطان من الجَبْريّة، قال أنشدني المفضل :
ويوم الحَزن إذ حشَدَت مَعدٌّ | وكان الناسُ إلا نحن دينا |
عصينا عزمةَ الجبار حتى | صبحنا الجوفَ ألفا مُعْلمينا |
وقال الكلبي بإسناده : لستَ عَلَيْهِمْ بجَبّار يقول : لم تبعث لتجبُرَهم على الإسلام والهدى ؛ إنما بعثت مذكَّرا فذكّر، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.
والعرب لا تقول : فعّال من أفعلت، لا يقولون : هذا خَرّاج ولا دَخّال، يريدون مُدْخِل ولا مُخرِج من أدخلت وأخرجت، إنما يقولون : دخال من دخلت، وفعّال من فعلت : وقد قالت العرب : درّاك من أدركت، وهو شاذ، فإن حملت الجبار على هذا المعنى فهو وجه.
وقد سمعت بعض العرب يقول : جبره على الأمر يريد : أجبره، فالجبار من هذه اللغة صحيح يراد به : يقهرهم ويجبرهم.