ﰡ
(١) - قَالَ رَسُولُ اللهَ ﷺ: جَاوَرْتُ بِغَارِ حِرَاءَ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي، هَبَطْتُ فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئاً، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئاً، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئاً، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئاً، فَرَفْعَتْ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئاً، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِداً. قَالَ فَدَثَّرُونِي، وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِداً، قَالَ فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ﴾.
وَمَعْنَى الآيَةِ: يَا أَيُّهَا المَتَدَثِّرُ بِثِيَابِكَ، رُعْباً وَفَرَقاً مِنْ رُؤْيَةِ المَلَكِ عِنْدَ نُزُولِ الوَحْيِ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
تَدَثَّرَ - تَغَطَّى بِثِيَابِهِ.
الرُّجْزَ - المَعَاصِيَ - وَمِنْهَا عِبَادَةُ الأَصْنَامِ.
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَعْنَى هُوَ: لاَ تَمْنُنْ بِعَمَلِكَ عَلَى رَبِّكَ تَسْتَكْثِرْهُ، إِنَمَا عَمَلُكَ مِنَّةٌ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ إِذْ جَعَلَ لَكَ سَبِيلاً إِلَى عِبَادَتِهِ).
النَّاقُورِ - الصُّورِ - وَهُوَ قَرْنٌ، إِذَا نُفِخَ فِيهِ أَحْدَثَ صَوْتاً.
(٩) - وَيَوْمُ القِيَامَةِ الذِي يُنْفَخُ فِيهِ فِي الصُّورِ هُوَ يَوْمٌ صَعْبٌ، شَدِيدُ الهَوْلِ.
(١٠) - وَهُوَ يَوْمٌ شَدِيدُ الهَوْلِ عَلَى الكَافِرِينَ، وَهُوَ يَوْمِ عَسِيرٌ، لاَ يُسْرَ فِيهِ وَلاَ سُهُولَةَ، لأَنَّهُ سَيَكُونُ مَبْدأَ شَقَائِهِمْ المُتَواصِلِ مِنَ الحِسَابِ إِلَى العَذَابِ الدَّائِمِ السَّرْمَدِيِّ.
وَتَبِعَهُ أَبُو جَهْلٍ إِلَى مَنْزِلِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ الإِسْلاَمُ قَلْبَهُ فَتُسْلِمَ قُرَيْشٌ كُلُّهَا، وَأَخَذَ يَسْتَثِيرُهُ حَتَّى جَاءَ قُرَيْشاً فِي نَادِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ مُحَمَّداً لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، وَلاَ كَاهِنٍ، وَلاَ شَاعِرٍ، وَلاَ كَذَّابٍ، فَقَالُوا لَهُ: وَلَكِنْ مَا هُوَ؟
قَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ سَاحِرٌ، أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَوَالِيهِ؟ فَاَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَاتِ.
(وَكَانَ الوَلِيدُ يُسَمَّىالوَحِيدَ لأَنَّهُ وَحِيدٌ فِي قَوْمِهِ، لِكَثْرَةِ مَالِهِ، وَعَظِيمِ جَاهِهِ).
وَمَعْنَى الآيَةِ: خَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَخْرَجْتُهُ مِنْ بِطْنِ أُمِّهِ وَحِيداً لاَ مَالَ لَهُ وَلاَ وَلَدَ.
ذَرْنِي - دَعْنِي وَخَلِّنِي، وَهِيَ هُنَا لِلتَّهْدِيدِ.
مَالاً مَمْدُوداً - كَثِيراً دَائِماً غَيْرَ مُنْقَطِعٍ.
بَنِينَ شُهُوداً - حُضُوراً مَعَهُ، لاَ يُفَارِقُونَهُ لِكَسْبِ عَيْشٍ.
مَهَّدْتُ لَهُ - بَسَطْتُ لَهُ النِّعْمَةَ والرِّيَاسَةَ.
(١٦) - كَلاَّ لَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ، لأَنَّهُ كَانَ مُعَانِداً لآيَاتِ اللهِ المُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ عَلَيْهِ، وَهِيَ آيَاتُ القُرْآنِ التِي أَنْزَلَهَا اللهُ وَحْياً عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ.
وَمُعَانَدَةُ الحَقِّ جَدِيرَةٌ بِزَوَالِ النِّعَمِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الوَلِيدَ أَخَذَتْ حَالُهُ تَسُوءُ وَتَتَرَاجَعُ مُنْذُ نُزْولِ هَذِهِ الآيَاتِ وَبَقِيَ كَذِلِكَ حَتَّى مَاتَ.
كَلاَّ - كَلِمَةُ رَدْعٍ وَزجْرٍ عَنِ الطَّمَعِ الفَارِغِ.
لآيَاتِنَا عَنِيداً - جَاحِداً وَمُعَانِداً.
(وَقِيلَ إِنَّهُ سَيُكَلِّفُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صُعُودَ جَبَلٍ مِنْ نَارٍ فِي جَهَنَّمَ).
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً - سَأُكَلِّفُهُ عَذَاباً شَاقّاً لاَ يُطَاقُ.
قَدَّرَ - تَرَوَّى وَهَيَّأَ فِي نَفْسِهِ القَوْلَ بِالطَّعْنِ فِي القُرْآنِ.
فَقُتِلَ - فَهَلَكَ وَلُعِنَ وَقُبِّحَ.
عَبَسَ - قَطَّبَ بَيْنَ حَاجِبَيْهِ.
بَسَرَ - كَلَحَ وَجْهُهُ وَعَبَسَ.
يُؤْثَرُ - يُرْوَى وَيُتَعَلَّمُ مِنَ السَّحَرَةِ.
سَقَرَ - اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
صَلاَةُ النَّارَ - أَدْخَلَهُ فِيهَا حَتَّى تَغْمُرَهُ أَوْ أَذَاقَهُ حَرَّهَا.
(٢٧) - وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَ نَارُ جَهَنَّمَ؟ إِنَّهَا بَلَغَتْ فِي الغَرَابَةِ حَدّاً لاَ يُمْكِنُ إِحَاطَةُ الوَصْفِ بِهِ.
لَوَّحَتْهُ الشَّمْسُ - سَوَّدَتْ ظَاهِرَهُ.
(وَرُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ نَفَراً مِنَ اليَهُودِ سَأَلُوا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ).
(٣١) - لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قوْلَهُ الكَرِيمَ (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)، قَالَ أَبُو جَهْلٍ مُسْتَهْزِئاً: أَيَعْجَزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطُشُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ رَدّاً عَلَى هَؤُلاَءِ السَّاخِرِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ حَرَسَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً، وَمَنْ يُطِيقُ مُغَالَبَةَ مَلاَئِكَةِ اللهِ تَعَالَى؟ وَمَا جَعَلَ عَدَدَهُمْ (تِسْعَةَ عَشَرَ)، إِلاَّ لِيَقُولَ الكَافِرُونَ مَا قَالُوا، لِيَتَضَاعَفَ غَضَبُ اللهِ وَنَقْمَتُهُ عَلَيْهِمْ، فَقَدِ اسْتَقَلُّوا العَدَدَ، وَقَالُوا كَيْفَ يَتَوَلَّى مِثْلُ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ تَعْذِيبَ خَلْقِ اللهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ؟ وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى العَدَدَ لِرَسُولِهِ لِيَحْصُلَ اليَقِينُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِأَنَّ مُحَمَّداً صَادِقٌ فِي نُبُوَّتِهِ، وَأَنَّ القُرْآنَ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ، وَلِيَزْدَادَ المُؤْمِنُونَ إِيْمَاناً، حِينَمَا يَرَوْنَ تَسْلِيمَ أَهْلِ الكِتَابِ، وَتَصْدِيقَهُمْ لِمَا جَاءَ فِي القُرْآنِ، فَلاَ يَبْقَى فِي أَنْفُسِهِمْ شَكًّ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَلِكَيْلاَ يَشُكَّ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، وَالمُؤْمِنُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، مِنَ المُنَافِقِينَ، وَالكَافِرِينَ بِرِسَالَتِهِ: مَا الذِي أَرَادَهُ اللهُ بِذِكْرِ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ المُسْتَغْرَبِ، وَمَا الحِكْمَةُ فِيهِ؟
وَكَمَا أَضَلَّ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ وَالمُشْرِكِينَ بِذِكْرِ العَدَدِ، كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُضِلّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيَصْرِفُهُ عَنِ الحَقِّ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فَيُوفِّقُهُ لِلْهُدَى، وَالخَيْرِ، والصَّوَابِ. وَمَا يَعْلَمُ عَدَدَ خَلْقِ اللهِ، وَمِقْدَارَ جُمُوعِهِ، التِي مِنْهَا المَلاَئِكَةُ، إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، لِكَيْلاَ يَتَوَهَّمَ مُتَوهِّمٌ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ فَقَطْ، وَمَا سَقَرُ ولاَ صِفَتُهَا إِلاَّ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ يَتَّعَظُ مِنَ البَشَرِ، وَتَخْوِيفٌ لَهُمْ.
(٣٣) - وَقَسَماً بِاللَّيْلِ إِذَ وَلَّى وَذَهَبَ.
(وَهَذَا جَوَابُ القَسَمِ).
الكُبَرِ - الدَّوَاهِي العِظَام.
(أَوْ أَنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّهَا إِنْذَارٌ لِلْبَشَرِ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الخَيْرِ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ).
(٣٩) - إِلاَّ المُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ، الذِينَ يُعْطَوْنَ كُتُبَ أًَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الحِسَابِ فَيَتَنَاوَلُونَهَا بِأَيْمَانِهِمْ، فَإِنَّهُمْ فَكُّوا رَهْنَ أَنْفُسِهِمْ بِحُسْنِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
(٤٠) - وَيَكُونُ أَصْحَابُ اليَمِينِ هَؤُلاَءِ فِي الجَنَّاتِ يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ.
(٤٥) - وَإِنَّهُمْ كَانُوا يُشَارِكُونَ أَهْلَ البَاطِلِ فَيَخُوضُونَ مَعَهُمْ فِيمَا يَخُوضُونَ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ والاسْتِهْزَاءِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ.
(٤٧) - حَتَّى جَاءَهُمْ المَوْتُ، وَرَجَعُوا إِلَى اللهِ فِي الآخِرَةِ، فَعَلِمُوا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ.
(٤٨) - وَمَنْ كَانَ مُتْصِفاً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ لاَ تَنْفَعُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَفَاعَةُ شَافِعٍ فِيهِ، لأَنَّ مَنْ مَاتَ كَافِراً فَجَزَاؤُهُ النَّارُ، وَيَبْقَى خَالِداً فِيهَا.
قَسْوَرَةٌ - اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الأَسَدِ.
(رُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَجَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِي كُلَّ مِنَّا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ، عُنْوَانُهُ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ إِلَى فُلاَنٍ بْنِ فَلاَنٍ... وَنُؤْمَرُ فِيهِ بِاتِّبَاعِكَ).
(٥٣) - وَيُوَبِّخُهُمْ اللهُ تَعَالَى، وَيَزْجُرُهُمْ عَلَى اقْتِرَاحِهِمْ إِنْزَالَ صُحُفٍ مُنَشَّرَةٍ إِلَيْهِمْ، وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ لَنْ يُؤْتَوْا هَذِهِ الصُّحُفَ المُنَشَّرَةَ، وَإِنَّ الذِي حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا الاقْتِرَاحِ هُوَ أَنَّهُمْ لاَ يُصَدِّقُونَ بِالآخِرَةِ، وَلاَ يَخَافُونَ أَهْوَالَهَا، وَمِنْ ثَمَّ أَعْرَضُوا عَنِ التَّأَمُّلِ فِي تِلْكَ المُعْجِزَاتِ.