تفسير سورة المدّثر

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة المدثر صلى الله عليه وسلم مكية وهي ست وخمسون آية

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)
روى جابر ان النبي ﷺ قال كنت على جبل حراء فنؤديت يا محمد إنك رسول الله
فنظرت عن يمني ويساري فلم أر شيئاً فنظرت إلى فوقي فإذا هو قاعد على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت دثروني دثروني فدثرته خديجة فجاء جبريل وقرأ ﴿يا أيها المدثر﴾ أي المتلفف بثيابه من الدثار وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار الثوب الذي يلي الجسد وأصله المتدثر فأدغم
قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)
﴿قم﴾ من مضجعك أو قيام عزم وتصميم ﴿فَأَنذِرْ﴾ فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا أو فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد وقيل سمع من قريش كما كرهه فاغتم فتغطى بثوبه مفكراً كما يفعل المغموم فقيل له يا أيها الصارف أذى الكفار عن نفسك بالدثار قم فاشتغل بالأنذار وإن آذاك الفجار
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ واختص ربك بالتكبير وهو التعظيم أي لا يكبر في عينك غيره وقل عندما يعروك من غير الله أكبر ورُوي أنه لما نزل قال رسول الله ﷺ الله أكبر فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي وقد يحمل على تكبير الصلاة ودخلت الفاء بمعنى الشرط كأنه قيل وما كان فلا تدع تكبيره
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)
﴿وثيابك فطهر﴾ بالماء عن النجاسة لأن الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى في غيره مصلاة أو فقصر مخالفة للعرب في تطويلهم الثياب وجرّهم الذيول إذ لا يؤمن معه إصابة النجاسة أو طهر نفسك مما يستقذر من الأفعال يقال فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بالنقاء من المعايب وفلان دنس الثياب للغادر ولأن من طهر باطنه يطهر ظاهره ظاهر
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)
﴿والرجز﴾ بضم الراء يعقوب وسهل وحفص وغيرهم بالكسر العذاب والمراد ما يؤدي إليه ﴿فاهجر﴾ أي اثبت عل هجره لأنه كان بريئاً منه
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)
﴿وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ بالرفع وهو منصوب المحل على الحال أي لا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه كثيراً أو طالباً أكثر مما أعطيت فإنك مأمور بأجلّ الأخلاق وأشرف الآداب وهو من منّ عليه إذا أنعم عليه وقرأ الحسن تَسْتَكْثِرُ بالسكون جواباً للنهي
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧)
﴿وَلِرَبِّكَ فاصبر﴾ ولوجه الله فاستعمل الصبر على أوامره ونواهيه وكل مصبور عليه ومصبور عنه
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨)
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِى الناقور﴾ نفخ في الصور وهي النفخة الأولى وقيل الثانية
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩)
﴿فذلك﴾ إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ مرفوع المحل بدل من ذلك ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ خبر كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير والفاء في
562
فَإِذَا للتسبيب وفي فَذَلِكَ للجزاء كأنه قيل اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل في فَإِذَا ما دل عليها الجزاء أي فإذا نقر في الناقور عسر الامر
563
عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)
﴿عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ وأكد بقوله غَيْرُ يَسِيرٍ ليؤذن بأنه يسير على المؤمنين أو عسير لا يرجى أن يرجع يسيراً كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)
﴿ذرني ومن خلقت﴾ أي كله إلى عيني الوليد بن المغيرة وكان يلقب في قومه بالوحيد ومن خلقت معطوف أو مفعول معه ﴿وَحِيداً﴾ حال من الياء في ذرني أي اترني وحدي معه فإني أكفيك أمره أو من التاء في خلقت أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه
أحدا ومن الهاء المحذوفة أو من أي خلقته منفرداً بلا أهل ولا مال ثم أنعمت عليه
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢)
﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً﴾ مبسوطاً كثيراً أو ممدوداً بالنماء وكان له الزرع والضرع والتجارة وعن مجاهد كان له مائة ألف دينار وعنه أن له أرضاً بالطائف لا ينقطع ثمرها
وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣)
﴿وَبَنِينَ شُهُوداً﴾ حضوراً معه بمكة لغناهم عن السفر وكانوا عشرة أسلم منهم خالد وهشام وعمارة
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤)
﴿وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً﴾ وبسطت له الجاه والرياسة فأتممت عليه نعمتي الجاه والمال واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾ استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه فيرجو أن أزيد في ماله وولده من غير شكر. وقال الحسن أن أزيد أن أدخله الجنة فأوتيه مالاً وولداً كما قال لأوتين مالا وولدا
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦)
﴿كلا﴾ ردع له وقطع لرجائه أي لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم فلم يزل بعد نزول الآية في نقصان من المال والجاه حتى هلك ﴿إِنَّهُ كان لآياتنا عنيدا﴾ معاندا جاحدا وهو تعليل الردع على وجه الاستئناف كان قائلا قال لما لا يزال فقيل إنه جحد آيات المنعم وكفر بذلك نعمته والمكافر لا يستحق المزيد
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧)
﴿سَأُرْهِقُهُ﴾ سأغشيه ﴿صَعُوداً﴾ عقبة شاقة المصعد وفي الحديث الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك أبدا
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨)
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ﴾ تعليل للوعيد كأن الله تعالى عاجله بالفقر والذل بعد الغنى والعز لعناده ويعاقبه في الآخرة بأشد العذاب لبلوغه بالعناد غايته وتسميته القرآن سحراً يعني أنه فكر ماذا يقول في القرآن ﴿وَقَدَّرَ﴾ في نفسه ما يقوله وهيأه
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩)
﴿فَقُتِلَ﴾ لعن ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ تعجيب من تقديره
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠)
﴿ثم قتل كيف قدر﴾ كرر للتأكيد وثم يشعر بأن الدعاء الثاني أبلغ من الأول
ثُمَّ نَظَرَ (٢١)
﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ في وجوه الناس أو فيما قدر
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢)
﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ قطب وجهه ﴿وَبَسَرَ﴾ زاد في النقيض والكلوح
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣)
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ عن الحق ﴿واستكبر﴾ عنه أو عن مقامه وفي مقاله ثُمَّ نَظَرَ عطف على فَكَّرَ وَقَدَّرَ والدعاء اعتراض بينهما وايراد ثم المعطوفات لبيان أن بين الأفعال المعطوفة تراخيا
فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)
﴿فَقَالَ إِنْ هذا﴾ ما هذا ﴿إِلاَّ سِحْرٌ يؤثر﴾ يروى عن السحرى رُوي أن الوليد قال لبني مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلوا ولا يعلى فقالت قريش صبأ والله الوليد فقال أبو جهل وهو ابن أخيه أنا أكفيكموه فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام الوليد فأتاهم فقال تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه قط يتكهن وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط وتزعمون أنه كذب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب فقالوا في كل ذلك اللهم لا ثم قالوا فما هو ففكر فقال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه وما الذي يقوله إلا سحر يؤثر عن مسيلمة وأهل بابل فارتج النادي فرحاً وتفرقوا متعجبين منه وذكر الفاء دليل على
أن هذه الكلمة لما خطرت بباله نطق بها من غير تلبث
إِنْ هَذَا
إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)
﴿إن هذا إلا قول البشر﴾ ولم يدكر العاطف بين هاتين الجملتين لأن الثانية جرت مجرى التوكيد للأولى
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦)
﴿سأصليه﴾ سأدخله بدل من سأرهقه سعودا ﴿سقر﴾ علم لجنهم ولم ينصرف للتعريف والتأنيث
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧)
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ تهويل لشأنها
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨)
﴿لاَ تُبْقِى﴾ أي هي لا تبقى لحماً ﴿وَلاَ تذر﴾ عظما أو تبقى شيئاً يبقى فيها إلا أهلكته ولا تذره ها لكابل يعود كما كان
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)
﴿لَوَّاحَةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هي لواحة ﴿للبشر﴾ جمع بشرة وهي ظاهر الجلدي أي مسوّدة للجلود ومحرقة لها
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
﴿عَلَيْهَا﴾ على سقر ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ أي يلي أمرها تسعة عشر ملكاً عند الجمهور وقيل صنفاً من الملائكة وقيل صفاً وقيل نقيباً
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١)
﴿وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار﴾ أي خزنتها ﴿إِلاَّ ملائكة﴾ لأنهم خلاف جنس المعذبين فلا تأخذهم الرأفة والرقة لأنهم أشد الخق بأساً فللواحد منهم قوة الثقلين ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ﴾ تسعة عشر ﴿إِلاَّ فِتْنَةً﴾ أي ابتلاء واختيارا ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ حتى قال أبو جهل لما نزلت وكان شديد البطش أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فنزلت وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إِلاَّ ملائكة أي وما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون وقالوا في تخصيص الخزنة بهذا العدد مع أنه لا يطلب في الأعداد العلل أن ستة منهم يقودون الكفرة إلى النار وستة يسوقونهم وستة يضربونهم بمقامع الحديد والآخر خازن جهنم وهومالك وهو الأكبر وقيل في سقر تسعة عشر دركاً وقد سلط على كل درك ملك وقيل يعذب فيها بتسعة عشر لوناً من العذاب وعلى كل لون ملك موكل وقيل إن جهنم تحفظ بما تحفظ
565
به الأرض من الجبال وهي تسعة عشر وكان أصلها مائة وتسعين إلا أن غيرها يشعب عنها ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله ﴿ويزداد الذين آمنوا﴾ بمحمد وهو عطف على لِيَسْتَيْقِنَ ﴿إيمانا﴾ لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل أو يزدادوا يقيناً لموافقة كتابهم كتاب أولئك ﴿وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون﴾ هذا عطف أيضاً وفيه توكيد للاستيقان وزيادة الإيمان إذ الاستيقان وازدياد الإيمان دالان على انتفاء الارتياب ثم عطف على لِيَسْتَيْقِنَ أيضاً ﴿وَلِيَقُولَ الذين في قلوبهم مرض﴾ نفاق ﴿والكافرون﴾ والمشركون فإن قلت النفاق ظهر في المدينة والسورة مكية قلت معناه وليقول المنافقون الذين يظهرون في المستقبل بالمدينة بعد الهجرة والكافرون بمكة ﴿مَاذَا أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً﴾ وهذا إخبار بما سيكون
كسائر الاخبارت بالغيوب وذا لا يخالف كون السورة مكية وقيل المراد بالمرض الشك والارتياب لأن أهل مكة كن أكثرهم شاكين ومثلا تمييز لهذا أو حال منه كقوله هذه ناقة الله لكم آية ولما كان ذكر العدد في غاية الغرابة وأن مثله حقيق بأن تسير به الركبان سيرها بالأمثال سمي مثلاً والمعنى أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب وأي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين وغرضهم إنكاره أصلاً وأنه ليس من عند الله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَاء﴾ الكاف نصب وذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى أي مثل لتصديقه ورؤية الحكمة في ذلك يضل الله من يشاء من عباده وهو الذي علم منه اختيار الضلال ﴿وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ﴾ وهو الذي علم منه إختيار الاهداء وفيه دليل خلق الأفعال ووصف الله بالهداية
566
والإضلال ولما قال أبو جهل لعنه الله أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر نزل ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ﴾ لفرط كثرتها ﴿إِلاَّ هُوَ﴾ فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها ﴿وَمَا هِىَ﴾ متصل بوصف سقر وهي ضميرها أي وما سقر وصفتها ﴿إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ﴾ أي تذكرة للبشر أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها
567
كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢)
﴿كَلاَّ﴾ إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون ﴿والقمر﴾ اقسم به لعظم منافعه
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣)
﴿والليل إِذْ أَدْبَرَ﴾ نافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف وغيرهم أدبر ومعناهما ولى وذهب وقيل أدبر ولى ومضى ودبر جاء بعد النهار
وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤)
﴿والصبح إِذَا أَسْفَرَ﴾ أضاء وجواب القسم
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥)
﴿إِنَّهَا﴾ إن سقر ﴿لإِحْدَى الكبر﴾ هي جمع الكبرى أي لإحدى البلايا أو الدواهي الكبر ومعنى كونها إحداهن أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها كما تقول هو أحد الرجال وهي إحدى النساء
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦)
﴿نَذِيراً﴾ تمييز من إِحْدَى أي إنها لإحدى الدواهي انذارا كقولك وهي إحدى النساء عفافاً وأبدل من ﴿لّلْبَشَرِ﴾
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)
﴿لِمَن شَاء مّنكُمْ﴾ بإعادة الجار ﴿أَن يَتَقَدَّمَ﴾ إلى الخير ﴿أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ عنه وعن الزجاج إلى ما أمرو عما نهى
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ هي ليست بتأنيث رهين في قوله كل امرئ بما كسب رهين لتأنيث النفس لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل كل نفس بما كسبت رهن والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك
إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩)
﴿إِلاَّ أصحاب اليمين﴾ أي أطفال المسلمين لأنهم لا أعمال لهم يرهنون بها أو إلا المسلمين فإنهم فكوا رقابهم بالطاعة كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)
﴿فِي جنات﴾ أي
هم في جنات لا يكننه وصفها ﴿يَتَسَاءَلُونَ عَنِ المجرمين﴾ يسأل بعضهم بعضاً عنهم أو يستاءلون غيرهم عنهم
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)
﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ﴾ أدخلكم فيها ولا يقال لا يطابق قوله مَا سَلَكَكُمْ وهو سؤال للمجرمين قوله يستاءلون عن المجرمين هو سؤال عنهم وإنما يطابق ذلك لو قيل يتساءلون المجرمين ما سلككم لأن مَا سَلَكَكُمْ ليس ببيان للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم لأن المسئولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون قلنالهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلمين إلا أنه اختصر كما هو نهج القرآن وقيل عن زائدة
قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣)
﴿قالوا لم نك مِنَ المصلين﴾ أي لم نعتقد فرضيتها
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤)
﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين﴾ كما يطعم المسلمون
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥)
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائضين﴾ الخوض الشروع في الباطل أي نقول الباطل والزور في آيات الله
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)
﴿وكنا نكذب بيوم الدين﴾ الحسب والجزاء
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧)
﴿حتى أتانا اليقين﴾ الموت
فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)
﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين﴾ من الملائكة والنبيين والصالحين لأنها للمؤمنين دون الكافرين وفيه دليل ثبوت الشفاعة للمؤمنين في الحديث إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩)
﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة﴾ عن التذكير وهو العظة أي القرآن ﴿مُعْرِضِينَ﴾ مولين حال من الضمير نحو مالك قائماً
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠)
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ﴾ أي حمر الوحش حال من الضمير في مُعْرِضِينَ ﴿مُّسْتَنفِرَةٌ﴾ شديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها وبفتح
568
الفاء مدني وشامي أي استنفرها غيرها
569
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)
﴿فرت من قسورة﴾ حال وقد معها مقدرة والقسورة الرماة أو الأسد فعلة من القسر وهو القهر والغلبة شبهوا في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر محمد جدت في نفارها
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (٥٢)
﴿بل يريد كل امرئ مّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ قراطيس تنشر وتقرأ وذلك انهم قالوا لرسول الله ﷺ لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا يكتب من السماء عنوانها من رب العالمين إلى فلان ابن فلان نؤمن فيها باتباعك ونحوه قوله لَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حتى تنزل عليها كتابا نقرؤه وقيل قالوا إن كان محمد صادقاً فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار
كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣)
﴿كَلاَّ﴾ ردع لهم عن تلك الإرادة وزجر عن اقتراح الآيات ثم قال ﴿بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخرة﴾ فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف
كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤)
﴿كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ ردعهم عن إعراضهم عن التذكرة وقال إن القرآن تذكرة بليغة كافية
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥)
﴿فَمَن شَاء ذَكَرَهُ﴾ أي فمن شاء أن
يذكره ولا ينساه فعل فإن ذلك عائد إليه
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)
﴿وَمَا يَذْكُرُونَ﴾ وبالتاء نافع ويعقوب ﴿إِلاَّ أَن يشاء الله﴾ إلا وقت مشيئة الله أو إلا بمشيئة الله ﴿هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة﴾ في الحديث هو أهل أن يتقي وأهل ان يغفر لمن اتقاه والله اعلم
569
سورة القيامة مكي وهي أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

570
Icon