تفسير سورة المدّثر

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُوْرَةُ الْمُدَّثِّرُ
مكية، وآيها: ست وخمسون آية، وحروفها: ألف وعشرة أحرف، وكلمها: مئتان وخمس وخمسون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾.
[١] روي أن رسول الله - ﷺ - قال: "كنتُ على جبل حِراء، فنوديت: يا محمد! إنك رسول الله، فنظرت عن يميني ويساري، فلم أر شيئًا، فنظرت فوقي، [فرأيت شيئًا، وفي رواية: فنظرت فوقي] (١)، فإذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض -يعني: الملك الذي ناداه-، فرعبت، ورجعت إلى خديجة، فقلت: دَثِّروني دَثِّروني، فنزل جبريل وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ " (٢)، الكلام فيه كـ (الْمُزُّمِّل)؛ أي: المتلفِّف بثوبه، من الدثار، وهو ما فوق الشعار الذي يلي الجسد، وقيل: هي أول سورة نزلت، والأصح أن أول ما نزل:
(١) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
(٢) رواه البخاري (٤٦٣٨)، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة المزمل، ومسلم (١٦١)، كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ -، من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنه.
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١] كما ورد به الحديث الصحيح (١).
...
﴿قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)﴾.
[٢] ﴿قُمْ﴾ من مَضْجَعِك ﴿فَأَنْذِرْ﴾ خَوِّف الكفارَ النارَ إن لم يؤمنوا.
...
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)﴾.
[٣] ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ عَظِّمْه مما يقول عبدة الأوثان.
...
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)﴾.
[٤] ﴿وَثِيَابَكَ﴾ أي: نفسك ﴿فَطَهِّرْ﴾ من الذنب، قال ابن عباس: "لا تلبَسْها على معصية ولا غدر، البسها وأنت طاهر" (٢)، وقيل: معناه: ثيابك فقصر؛ لأن تقصيرها طهرة لها؛ لأن العرب كانوا يجرون ثيابهم فخرًا وخيلاء، فربما أصابتها نجاسة.
...
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)﴾.
[٥] ﴿وَالرُّجْزَ﴾ قرأ أبو جعفر، ويعقوب، وحفص عن عاصم: بضم الراء، والباقون: بكسرها (٣)، وهما لغتان معناهما واحد، كالذِّكر والذُّكر،
(١) انظر: تخريج الحديث المتقدم.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٩/ ١٤٥)، وانظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٠)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٣٩٣).
(٣) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٠)، و "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٣)، و "معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٥٩).
والمراد: الأوثان، وقيل: الضم للصنم، والكسر للنجاسة ﴿فَاهْجُرْ﴾ لا تقربها.
...
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ لا تُعط مالكَ مصانعةً لتُعطى أكثر منه، و (تَسْتكْثِرُ) رفع لأنه مستقبل في معنى الحال؛ أي: لا تعط مستكثرًا، قال الضحاك: وهذا خاص بالنبي - ﷺ -، ومباح لأمته، لكن لا أجر لهم فيه (١).
...
﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧)﴾.
[٧] ﴿وَلِرَبِّكَ﴾ أي: لأمره ﴿فَاصْبِرْ﴾ على الطاعة.
...
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨)﴾.
[٨] ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ نفخ في الصور، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، يعني: النفخة الثانية.
...
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩)﴾.
[٩] ﴿فَذَلِكَ﴾ أي: وقت النقرة ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يعني: يوم القيامة.
﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ شديد.
(١) انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان (٨/ ٣٦٤).
﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ يعسر فيه الأمر عليهم.
﴿غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ هين، تأكيد، وفيه إشعار بيسره على المؤمنين.
...
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)﴾.
[١١] ونزل في الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان يسمى: الوحيد في قومه (١) أي: لا نظير له في ماله وشرفه في بيته ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ أي: خلقته من بطن أمه فريدًا لا مال له ولا ولد.
...
﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢)﴾.
[١٢] ثم أنعمت عليه ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا﴾ كثيرًا له مدد بالنماء؛ كالزرع والضرع والتجارة.
...
﴿وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣)﴾.
[١٣] ﴿وَبَنِينَ شُهُودًا﴾ حضورًا بمكة، لا يغيبون، وكانوا عشرة أو أكثر.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٩/ ١٥٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٣٨٢). وانظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٢).
﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا﴾ ببسط في (١) العيش وطول العمر والولد بسطًا.
...
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾ له من المال والولد.
...
﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦)﴾.
[١٦] ﴿كَلَّا﴾ ردع له عن الطمع، ثم علل الردع على سبيل الاستئناف فقال:
﴿إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا﴾ القرآن.
﴿عَنِيدًا﴾ معاندًا، فما زال الوليد بعد هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك.
...
﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧)﴾.
[١٧] ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ سأكلفه مشقة من العذاب.
(١) في "ت": "بسطت له في".
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ﴾ ماذا يقول في القرآن لما سمعه من النبي - ﷺ -، وكان يقرأ ﴿حم﴾ السجدة، فقال لقومه بني مخزوم: سمعت منه كلامًا ما هو بكلام إنس ولا جن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق (١)، فلم يرض قومه بذلك ﴿وَقَدَّرَ﴾ في نفسه ما يقوله قدحًا (٢) وهيأه.
...
﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿فَقُتِلَ﴾ لُعن ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ تعجيب من تقديره، واستهزاء به.
روي أنه لما قال ما قال حين سمع القرآن، قالت قريش: صبأ الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم، وكان يقال للوليد: ريحانة قريش، فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكموه، فقعد إلى الوليد حزينًا، وكلمه بما أحماه، فقام الوليد فناداهم، فقال: تزعمون أنه مجنون، فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون: إنه كاهن، فهل رأيتموه يتكهن؟ وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعرًا؟ فقالوا: لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر فقال: إنه (٣) ساحر، فقال (٤): أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله،
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٣)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (٢/ ٢٤٥).
(٢) "ما يقوله قدحًا" زيادة من "ت".
(٣) في "ت": "ما هو إلا".
(٤) "فقال" زيادة من "ت".
وولده ومواليه؟ ففرحوا بقوله، وتفرقوا متعجبين منه (١).
...
﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ تكرير للمبالغة.
...
﴿ثُمَّ نَظَرَ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ في وجوه الناس؛ ليعلم ما عندهم.
...
﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ كلح وجهه وكرَّهه ﴿وَبَسَرَ﴾ زاد في الكلوح.
...
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ عن الحق ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ عن الإيمان واتباع محمد - ﷺ -.
...
﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا﴾ الذي يقول محمد ﴿إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ يروى عن السحرة.
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (١٠/ ٧٣)، و"الكشاف" للزمخشري (٤/ ٦٥١).
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ يعني: يسارًا وجبرًا، وهما عبدان من بلد فارس كانا بمكة، وكان رسول الله - ﷺ - يجلس عندهما، فقال الوليد: ما هذا القرآن إلا قول جبر ويسار.
...
﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿سَأُصْلِيهِ﴾ سأدخله ﴿سَقَرَ﴾ اسم من أسماء جهنم، وهو بدل من ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾، ولم ينصرف للتعريف والتأنيث.
...
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ هو تعظيم لشأنها.
...
﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾ شيئًا من لحم ولا عصب إلا أهلكته، ثم يعود كما كان.
...
﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾ مغيرة للجلد حتى تجعله أسود.
﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ هم خزنتها: مالك، ومعه ثمانية عشر على بابها، أعينهم كالبرق الخاطف، وأنيابهم كالصياصي، يخرج لهيب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، نزعت منهم الرحمة، يدفع أحدهم سبعين ألفًا فيرميهم حيث أراد في جهنم. قرأ أبو جعفر: (تِسَعْةَ عْشَرَ) بفتح السين وإسكان العين الأولى والثانية لتوالي الحركات (١).
...
﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١)﴾.
[٣١] ولما نزلت هذه الآية، قال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة، وكان قويًّا شديد البأس: أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني أنتم اثنين، فنزل تجهيلًا لهم: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾ (٢) لا يطاقون، وليسوا كما يتوهمون.
﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ﴾ تسعة عشر ﴿إِلَّا فِتْنَةً﴾ ضلالًا.
﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بأن يقولوا استهزاءً: لم كانوا تسعة عشر؟
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٦٢ - ٢٦٣).
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٥).
﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ هم اليهود صِدْقَ محمد؛ لأن عددهم في التوراة تسعة عشر (١)، وتعطف على ﴿لِيَسْتَيْقِنَ﴾.
﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ من أهل الكتاب ﴿إِيمَانًا﴾ تصديقًا، لموافقة محمد كتابهم، ثم بالغ في نفي احتمال الشك، فعطف على ﴿لِيَسْتَيْقِنَ﴾، فقال:
﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ من غيرهم في عدد الملائكة، ثم عطف على ﴿لِيَسْتَيْقِنَ﴾ أيضًا.
﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ شك بالمدينة ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾ بمكة.
﴿مَاذَا﴾ أيّ شيء الذي ﴿أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا﴾ العدد المستغرب ﴿مَثَلًا﴾ استبعادًا أن يكون هذا من عند الله، والمراد بالمثل: الحديث نفسه.
﴿كَذَلِكَ﴾ أي: كما أضل الله من أنكر عدد الخزنة، وهدى من صدَّقَ.
﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ولما قال أبو جهل: أما كان لمحمد أعوان إلا تسعة عشر؟!
نزل: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ﴾ (٢) من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار ﴿إِلَّا هُوَ﴾ ثم رجع إلى ذكر سقر.
فقال: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى﴾ عظة ﴿لِلْبَشَرِ﴾.
...
﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢)﴾.
[٣٢] وقوله: ﴿كَلَّا﴾ رد على الكافرين وأنواع الطاغين على الحق، ثم
(١) "تسعة عشر" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٦).
أقسم تعالى فقال: ﴿وَالْقَمَرِ﴾ تخصيص تشريف وتنبيه على النظر في عجائبه، وقدرة الله تعالى في حركاته المختلفة التي هي مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يخل.
...
﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾ قرأ نافع، ويعقوب، وحمزة، وخلف، وحفص عن عاصم: (إِذْ) بإسكان الذال من غير ألف (أَدْبَرَ) بهمزة مفتوحة وإسكان الدال بعدها على وزن أَفْعَلَ، وقرأ الباقون: (إِذَا) بألف بعد الذال (دَبَرَ) بفتح الدال من غير همز قبلها على وزن فَعَلَ (١)، ومعناهما واحد؛ أي: ولى ذاهبًا.
...
﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ أضاء وتبيَّنَ.
...
﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥)﴾.
[٣٥] وجواب القسم: ﴿إِنَّهَا﴾ أي: سقر (٢).
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٦)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٦٣).
(٢) "أي: سقر" زيادة من "ت".
﴿لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ جمع كُبْرى؛ أي: البلايا العِظام.
...
﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ ونصب (نَذِيرًا) حال؛ أي: إنها لكبيرة في حال الإنذار، وذكَّر (نذيرًا)، لأنه بمعنى العذاب، قال الحسن: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها (١).
...
﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)﴾.
[٣٧] وتبدل من ﴿الْحَيَاةُ﴾ ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ﴾ أن يسبق إلى الخير.
﴿أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ عنه إلى الشر؛ نحو: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] وهو أمر وعيد وتهديد.
...
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ أي: رهنٌ بعملها في النار، والهاء في (رَهِينَةٌ) للمبالغة، أو على تأنيث اللفظ، لا على معنى الإنسان، ولو كانت صفة، لقيل: رهين.
...
﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ هم الذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق،
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (١٠/ ٧٦)، و"تفسير القرطبي" (١٩/ ٨٥).
وهو استثناء (١) ظاهره الانفصال، وتقديره: لكن أصحاب اليمين، وذلك لأنهم لم يكتسبوا ما هم مرتهنون به.
...
﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ بينهم.
...
﴿عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ ماذا حل بهم؟
...
﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)﴾.
[٤٢] فإذا خرج الموحدون من النار، قال المؤمنون لمن فيها، وذلك أن الله أطلع أهل الجنة في الجنة حتى رأوا أهل النار وهم في النار، فسألوهم: ﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ أدخلكم.
﴿فِي سَقَرَ﴾ قرأ أبو عمرو: (سَلَككُّمْ) بإدغام الكاف، في الكاف والباقون: بالإظهار.
...
﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣)﴾.
[٤٣] فأجاب الكفار و ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ لله تعالى.
(١) "استثناء" زيادة من "ت".
﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ ولا نحض على إطعامه.
...
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾ ندخل في الباطل مع المبطلين.
...
﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)﴾.
[٤٦] ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ البعث.
...
﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ الموت (١).
...
﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)﴾.
[٤٨] قال الله تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ من الملائكة والأنبياء والصالحين.
(١) "الموت" زيادة من "ت".
﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ﴾ مواعظِ القرآن (١) ﴿مُعْرِضِينَ﴾ نصب على الحال.
...
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠)﴾.
[٥٠] ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ﴾ جمع حمار ﴿مُسْتَنْفِرَةٌ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن عامر: بفتح الفاء؛ أي: استنفرها غيرُها، وقرأ الباقون: بكسرها (٢)؛ أي: طلبت النفار من نفسها؛ لشدة خوفها.
...
﴿فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)﴾.
[٥١] ﴿فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ هم الرماة الذين يتصيدون.
...
﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (٥٢)﴾.
[٥٢] ولما قالوا للنبي - ﷺ -: إن سرك أن نتبعك، فليصبح عند رأس كل منا كتاب منشور من الله تعالى إلى فلان نؤمر فيه باتباعك، نزل:
(١) "مواعظ القرآن" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٠)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٨)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٦٥ - ٢٦٦).
﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا﴾ (١) قراطيس ﴿مُنَشَّرَةً﴾ تنشر وتقرأ.
...
﴿كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿كَلَّا﴾ ردع عن اقتراحهم الآيات ﴿بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ﴾ لأنهم لو خافوا النار، لما اقترحوا هذه الآيات بعد قيام الأدلة.
...
﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤)﴾.
[٥٤] ﴿كَلَّا﴾ ردع عن إعراضهم، ثم ابتدأ فقال: ﴿إِنَّهُ﴾ أي: القرآنَ ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظة.
...
﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥)﴾.
[٥٥] ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ اتعظ به.
...
﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)﴾.
[٥٦] ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ﴾ قرأ نافع: (تَذْكُرُونَ) بالخطاب، والباقون: بالغيب (٢).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٩/ ١٧١)، وانظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٨)، و"الدر المنثور" للسيوطي (٨/ ٦٥٥).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٠٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٦٦).
216
﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ لهم الهدى.
﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى﴾ بأن يُتقى ويُطاع ويُحذر عصيانه.
﴿وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ بأنْ يغفرَ لعباده إذا اتقوه، والله أعلم.
***
217
Icon