تفسير سورة سورة القصص من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها ثمان وثمانون
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة القصص وتسمى سورة موسى
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة القصص وتسمى سورة موسى
ﰡ
﴿ علا في الأرض ﴾ استكبر وتجبر في أرض مصر، وجاوز الحد في العدوان حتى أدعى الربوبية ؛ من العلو وهو الارتفاع. ﴿ وجعل أهلها شيعا ﴾ أي فرقا وأصنافا في أنواع الخدنة والتسخير في الأعمال الشاقة [ آية ٦٥ الأنعام ص ٢٢٧ ].
﴿ ونمكن لهم في الأرض ﴾ نسلطهم عليها يتصرفون فيها كيف شاءوا. وأصل التمكين : أن نجعل للشيء مكانا يتمكن فيه، ثم استعير للتسليط وإطلاق الأمر، وشاع حتى صار حقيقة لغوية فيه. ﴿ يحذرون ﴾ يخافون من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود من بني إسرائيل ؛ من الحذر وهو الاحتراز من الأمر المخيف. يقال : حذره – من باب علم – إذا احترز منه.
﴿ وأوحينا إلى أم موسى ﴾ أي ألهمناها ؛ ولم تكن نبية بالإجماع.
﴿ ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ ليصير الأمر إلى ذلك ؛ فاللام لام الصيرورة والعاقبة. والحزن – بالتحريك وبضم فسكون - : نقيض السرور ؛ وفعله كفرح. وحزنه الأمر وأحزنه : جعله حزينا.
﴿ قرت عين ﴾ أي هو قرة عين﴿ لي ولك ﴾ ؛ وهو كناية عن السرور به [ آية ٢٦ مريم ص ٦ ].
﴿ فارغا ﴾ خاليا من التفكر في شيء سوى ابنها موسى الذي وقع في يد العدو. ﴿ إن كادت لتبدي به ﴾ أي لتصرح بأنه ابنها من شدة وجدها عليه ؛ من بدا يبدو وبدوا وبدا : ظهر ظهورا بينا. ﴿ لولا أن ربطنا على قلبها ﴾ ثبتناه وقويناه بإلهامها الصبر، وبما أنزلنا فيه من السكينة. وأصل الربط : الشد للتقوية ؛ ومنه رابط الجأش، لقوي القلب.
﴿ قصيه ﴾ اتبعي أثره وتتبعي خبره. يقال : قص أثره يقصه واقتصه وتقصصه، تتبعه ومنه القصص للأخبار المتتبعة. ﴿ فبصرت به عن جنب ﴾ فأبصرته عن بعد أو من مكان بعيد.
﴿ بلغ أشده ﴾ نهاية قوته ونموه﴿ واستوى ﴾ أي وتم استحكامه وكمل عقله ؛ من الاستواء، وهو اعتدال العقل وكماله. والأغلب أن يكون ذلك في سن الأربعين. ﴿ حكما ﴾ نبوة.
﴿ ودخل المدينة ﴾ هي مصر. أو منف. أو عين شمس من بلاد القطر المصري.
﴿ فوكزه موسى... ﴾ ضربه بيده مضمومة أصابعهما في صدره وهو لا يريد قتله، وإنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه. والوكز : الضرب بجمع الكف.
﴿ فوكزه موسى... ﴾ ضربه بيده مضمومة أصابعهما في صدره وهو لا يريد قتله، وإنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه. والوكز : الضرب بجمع الكف.
﴿ ظهيرا للمجرمين ﴾ معينا لمن أوقع غيره في جرم.
﴿ يترقب... ﴾ يترصد الأخبار هل وقفوا على ما كان منه. يقال : ترقبه وارتقبه، انتظره ورصده. ﴿ يستصرخه ﴾ يستغيث به من قبطئ آخر بصوت مرتفع ؛ من الصراخ وهو رفع الصوت ؛ لأن المستغيث يصرخ رافعا صوته في طلب الغوث. ﴿ لغوي مبين ﴾ ضال بيّن الضلالة لتسبّبك في قتل رجل.
﴿ قال يا موسى ﴾ القائل هو الإسرائيلي الذي استصرخ موسى حيث توهم إرادته البطش به دون القبطي من قول موسى له : " إنك لغوي مبين ". وقيل : القائل هو القبطي حيث فهم من قول موسى للإسرائيلي : " إنك لغوي " أنه هو الذي قتل القبطي بالأمس.
﴿ وجاء رجل... ﴾ هو مؤمن آل فرعون.
﴿ يأتمرون بك ﴾ يأمر بعضهم بعضا بقتلك. أو يتشاورون في شأنك ليقتلوك ؛ وسمي التشاور ائتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر.
﴿ يأتمرون بك ﴾ يأمر بعضهم بعضا بقتلك. أو يتشاورون في شأنك ليقتلوك ؛ وسمي التشاور ائتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر.
﴿ توجه تلقاء مدين ﴾ قصد ما يحاذي جهتها. و " تلقاء " اسم مصدر في الأصل منصوب على الظرفية. يقال : داره تلقاء دار فلان، إذا كانت محاذية لها. و " مدين " : قرية شعيب عليه السلام، ولم تكن في سلطان فرعون وملكه، وبينها وبين مصر مسيرة ثمان ليال.
﴿ يسقون ﴾ مواشيهم. ﴿ تذودان ﴾ تطردان أغنامهما عن الماء ؛ حتى يفرغ الناس وتخلو لهما البئر ؛ من الذود بمعنى الطرد والدفع. ﴿ قال ما خطبكما ﴾ ما شأنكما لا تسقيان مع الناس ؟ ! والخطب : الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب. ﴿ قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ﴾ أي حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعد ريها عن الماء عجزا منا عن مساجلتهم ؛ من أصدر الرباعي. وقرئ بفتح أوله ؛ من صدر الثلاثي.
والصدر عن الشيء : الرجوع والانصراف عنه ؛ ضد الورود. يقال : صدر عنه يصدر ويصدر صدرا، رجع. والاسم بالتحريك. والرعاء : جمع الراعي ؟ ؛ من الرعى وهو الحفظ.
والصدر عن الشيء : الرجوع والانصراف عنه ؛ ضد الورود. يقال : صدر عنه يصدر ويصدر صدرا، رجع. والاسم بالتحريك. والرعاء : جمع الراعي ؟ ؛ من الرعى وهو الحفظ.
﴿ تمشي على استحياء ﴾ مع استحياء، قد سترت وجهها بثوبها. والاستحياء والحياء : الحشمة والانقباض والانزواء. يقال : استحييته واستحييت منه، واستحياه واستحيا منه.
﴿ على أن تأجرني ﴾ نفسك﴿ ثمان حجج ﴾ أي في ثمان سنين. أي على أن تكون لي في فيها أجيرا ؛ من أجرته أي كنت له أجيرا ؛ مثل أبوته : أي كنت له أبا. أو على أن تثيبني رعي ثمان حجج ؛ أي تجعله وأجري على الإنكاح. يعني بذلك المهر ؛ من أجره الله على ما فعل، أي أثابه، والمفعول الثاني " ثماني حجج " بتقدير المضاف المذكور ؛ لأن العمل هو الذي وقع ثوابا لا نفس الزمان.
﴿ آنس من جانب الطور نارا ﴾ أبصرها وأحسها من الجهة التي تلى جبل الطور ؛ ونقد ظنها نارا وهي من نور الله ؛ من الإيناس وهو الإبصار بالعين الذي لا شبهة فيه. ﴿ أو جذوة من النار ﴾ أي عود من الخشب في رأسه نار، وهي القبس. ﴿ تصطلون ﴾ تستدفئون بها من البرد [ آية ٧ النمل ص ١١٩ ].
﴿ من شاطئ الواد الأيمن ﴾ جانبه عن يمين موسى ؛ وجمعه شطآن وشواطئ.
﴿ في البقعة المباركة ﴾ البقعة : القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جانبها ؛ وجمعها بقع وبقاع، ووصفت ب " المباركة " لما وقع فيها من التكليم والرسالة، وظهر فيها من الآيات والمعجزات. ﴿ من الشجرة ﴾ أي من ناحيتها.
﴿ في البقعة المباركة ﴾ البقعة : القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جانبها ؛ وجمعها بقع وبقاع، ووصفت ب " المباركة " لما وقع فيها من التكليم والرسالة، وظهر فيها من الآيات والمعجزات. ﴿ من الشجرة ﴾ أي من ناحيتها.
﴿ كأنها جان ﴾ حية في سرعة حركتها وخفّتها. ﴿ ولّى مدبرا ﴾ هاربا خوفا منها. ﴿ ولم يعقب ﴾ لم يرجع على عقبه [ آية ١٠ النمل ص ١٢٠ ].
﴿ اسلك يدك في جيبك ﴾ [ آية ١٢ النمل ص ١٢٠ ].
﴿ واضمم إليك جناحك من الرهب ﴾ أي إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى. أو إذا فزعت عند معاينة الحيّة فاضمم يدك إلى صدرك يذهب عنك الفزع. والجناح : اليد. والرّهب – بفتح فسكون، وقرئ بفتحتين وبضم فسكون - : الخوف و الفزع.
﴿ واضمم إليك جناحك من الرهب ﴾ أي إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى. أو إذا فزعت عند معاينة الحيّة فاضمم يدك إلى صدرك يذهب عنك الفزع. والجناح : اليد. والرّهب – بفتح فسكون، وقرئ بفتحتين وبضم فسكون - : الخوف و الفزع.
﴿ ردءا ﴾ عونا. يقال : ردأته على عدوه وأردأته، أعنته عليه. وردأت الحائط : دعمته بخشية لئلا يسقط.
﴿ سنشد عضدك بأخيك ﴾ سنقويك به ونعينك. وشد العضد كناية عن تقويته ؛ لأن اليد تشتد بشدة العضد – وهو من المرفق إلى الكتف – والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور.
﴿ سحر مفترى ﴾ مختلق. أو سحر تعلمته على الله تعالى كذبا.
﴿ عاقبة الدار ﴾ أي عاقبة الدنيا وهي الجنة.
﴿ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ أراد بنفي بإله غيره نفى وجوده ؛ لزعمه أنه لو كان موجودا لعلمه، وهو لم يعلمه فكان غير موجود. ﴿ فاجعل لي صرحا ﴾ بناء عاليا كالقصر ؛ من صرح الشيء وصرحه : إذا بينه وأظهره. ﴿ لعلى أطلع إلى إله موسى ﴾ أراد به التهكم بموسى ؛ كأنه نسب إليه القول بأن إلهه في السماء فقال لوزيره : ابن لي صرحا أصعد فيه لعلى أراه ؛ تهكما بموسى. ﴿ وإني لأظنه من الكاذبين ﴾ في إثباته إلها غيري. وأراد بالظن اليقين ؛ فلا ينافى ما ادعاه أولا من اليقين بعدم وجود إله غيره. وكذا طلبه بناء الصرح رجاء الاطلاع على إله موسى : لا ينافى يقينه بعدم وجوده ؛ لأنه على سبيل التهكم والسخرية.
﴿ وجعلناهم أئمة ﴾ قدوة في الضلال والكفر، يتبعهم غيرهم فيه ؛ فيكون عليهم وزرهم ووزر أتباعهم.
﴿ من المقبوحين ﴾ المطرودين المبعدين ؛ جمع مقبوح. يقال : قبحه الله، أي نحاه وأبعده عن كل خير. أو من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه وزرقة العيون.
﴿ وما كنت ثاويا في أهل مدين... ﴾ أي وما كنت مقيما في أهل مدين وقت تلاوتك على أهل مكة قصة موسى وشعيب ؛ حتى تنقلها إليهم بطريق المشاهدة، وإنما أتتك بطريق الوحي، فإخبارك بها إنما هو عن وحي إلهي، ورسالة ربانية. والضمير في قوله : " تتلو عليهم " لأهل مكة، والجملة حالية.
﴿ لتنذر قوما... ﴾ أي لتنذرهم العقاب الذي أتاهم من نذير قبلك ؛ أي على لسانه وبواسطته.
و " ما " اسم موصول مفعول ثان " لتنذر "، و " من نذير " متعلق ب " أتاهم ". وهذا القول في تفسير الآية جار على ظواهر القرآن ؛ قال تعالى : " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " ١، " أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " ٢. وقيل : القوم هم العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا يتصور إنذاره لمن سلفهم. و " ما " نافية ؛ أي لم يأتهم نذير قبلك.
فإذا قيل : إنهم قد أتاهم نذير لأنهم من ذرية إسماعيل وقد بعث إلى العرب وذراريهم لعدم انقطاع رسالته بموته ؛ فيجب عليهم العمل بها إلى أن يبعث إليهم رسول آخر. يقال : إن المراد من عدم إتيان نذير إليهم أنه لم تأتهم ولم تصل إليهم دعوة رسول قبله على حقيقتها. ولا شك أن أحكام رسالة إسماعيل قد أندرست ؛ لتطاول الأمد بين بعثته وبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولم يقف الأكثرون في أغلب هذه الأوقات المتطاولة على حقيقتها ؛ فجعل ذلك بمنزلة عدم إتيان النذير لهؤلاء المعاصرين.
ولا يحمل لفظ القوم على العرب عامة، لا مع إبقاء عدم الإتيان على ظاهره لمنافاته لقوله : " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " وقد أرسل إليهم إسماعيل، ولا مع تأويله بما ذكر للقطع ببلوغ دعوة إسماعيل إلى العرب بعده في الجملة وفي بعض الأزمنة.
الشرط، وجوابها محذوف تقديره : لما أرسلناك إليهم رسولا. و " لو " الثانية : تحضيضية، وجوابها قوله " فنتبع آياتك ". وحاصل معنى الآية : أنه تعالى أرسل إليهم ليبطل تعللهم عند حلول العذاب بهم بسبب كفرهم بقولهم : " لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين "، وهو كقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ٣. ومعناها التركيبي : لولا إصابة المصيبة لهم بما اكتسبوا من الكفر المسبب عنها قولهم المذكور لما أرسلناك إليهم رسولا. فجعلت الإصابة سببا للإرسال ؛ باعتبار ترتب القول المذكور عليها، ولذا أدخلت عليها " لولا "، وعطف القول عليها بالفاء المفيدة للسببية.
و " ما " اسم موصول مفعول ثان " لتنذر "، و " من نذير " متعلق ب " أتاهم ". وهذا القول في تفسير الآية جار على ظواهر القرآن ؛ قال تعالى : " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " ١، " أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " ٢. وقيل : القوم هم العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا يتصور إنذاره لمن سلفهم. و " ما " نافية ؛ أي لم يأتهم نذير قبلك.
فإذا قيل : إنهم قد أتاهم نذير لأنهم من ذرية إسماعيل وقد بعث إلى العرب وذراريهم لعدم انقطاع رسالته بموته ؛ فيجب عليهم العمل بها إلى أن يبعث إليهم رسول آخر. يقال : إن المراد من عدم إتيان نذير إليهم أنه لم تأتهم ولم تصل إليهم دعوة رسول قبله على حقيقتها. ولا شك أن أحكام رسالة إسماعيل قد أندرست ؛ لتطاول الأمد بين بعثته وبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولم يقف الأكثرون في أغلب هذه الأوقات المتطاولة على حقيقتها ؛ فجعل ذلك بمنزلة عدم إتيان النذير لهؤلاء المعاصرين.
ولا يحمل لفظ القوم على العرب عامة، لا مع إبقاء عدم الإتيان على ظاهره لمنافاته لقوله : " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " وقد أرسل إليهم إسماعيل، ولا مع تأويله بما ذكر للقطع ببلوغ دعوة إسماعيل إلى العرب بعده في الجملة وفي بعض الأزمنة.
الشرط، وجوابها محذوف تقديره : لما أرسلناك إليهم رسولا. و " لو " الثانية : تحضيضية، وجوابها قوله " فنتبع آياتك ". وحاصل معنى الآية : أنه تعالى أرسل إليهم ليبطل تعللهم عند حلول العذاب بهم بسبب كفرهم بقولهم : " لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين "، وهو كقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ٣. ومعناها التركيبي : لولا إصابة المصيبة لهم بما اكتسبوا من الكفر المسبب عنها قولهم المذكور لما أرسلناك إليهم رسولا. فجعلت الإصابة سببا للإرسال ؛ باعتبار ترتب القول المذكور عليها، ولذا أدخلت عليها " لولا "، وعطف القول عليها بالفاء المفيدة للسببية.
١ آية ٢٤ فاطر..
٢ آية ١٩ المائدة..
٣ آية ١٥ الإسراء..
٢ آية ١٩ المائدة..
٣ آية ١٥ الإسراء..
﴿ قالوا سحران تظاهرا ﴾ أي قال كفار مكة : ما أوتي موسى ومحمد سحران تعاونا بتصديق كل منهما الآخر، وإنا بكل واحد من الكتابين كافرون. وقرئ " سحران " أي موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
﴿ وصلنا لهم القول ﴾ أنزلنا عليهم القرآن إنزالا متواصلا متتابعا ؛ ليكون ذلك أقرب إلى التذكر والتذكير، فإنهم يطلعون كل يوم على جديد. أو جعلناه متتابعا في الأنواع : وعدا ووعيدا، وقصصا ومواعظ، ونصائح وأحكاما ؛ إرادة أن يتعظوا فيتعلموا. وأصله من التوصيل، وهو ضم قطع الحبل بعضها إلى بعض.
﴿ هم به يؤمنون ﴾ المراد بهم مؤمنو أهل الكتاب.
﴿ ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾ أي يدفعون السيئة والأذى من الكفار بالاحتمال والصفح والحلم ؛ من الدرء وهو الدفع.
﴿ وإذا سمعوا اللغو ﴾ أي السب والشتم من الكفار﴿ أعرضوا عنه ﴾ تكرما وتنزها. واللغو في الأصل : السقط ومالا يعتد به من كلام وغيره ؛ كاللغا واللغوى.
﴿ إنك لا تهدي من أحببت... ﴾ نزلت في حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان عمه أبي طالب.
﴿ وقالوا إن نتبع الهدى... ﴾ أي قال أهل مكة للرسول صلى الله عليه وسلم : إننا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب أن يتخطفونا من أرضنا ويخرجونا من بلادنا. والتخطف : الانتزاع بسرعة. ومرادهم : التعلل في عدم اتباع الرسول بالخوف من اجتماع العرب على حربهم، ولا طاقة لهم بهم، فرد الله عليهم بقوله :﴿ أو لم نمكن لهم حرما آمنا ﴾ يأمنون فيه على أنفسهم وأموالهم. ﴿ يجبى إليه ثمرات كل شيء ﴾ يحمل إليه ويجمع في من كل جهة ثمرات أشياء كثيرة. يقال : جبى الماء في الحوض، جمعه فيه. والاستفهام للتقرير ؛ والمقصود أنا فعلنا ذلك معهم وهم مشركون، فكيف نعرضهم للتخطف إذا آمنوا ؟.
﴿ بطرت معيشتها ﴾ كفرت نعمة معيشتها الرافهة الآمنة ؛ فلم تقم بحق شكرها. أو تمردت و طغت في معيشتها ؛ وهو تهديد لكفار مكة. والبطر : الأشر وقلة احتمال النعمة والطغيان بها. وفعله كفرح.
﴿ وما كان ربك مهلك القرى ﴾ بيان للسنة الإلهية، وأنه تعالى قد مضت سنته ألا يعذب قوما قبل الإنذار إليهم ؛ إلزاما للحجة، وقطعا للمعذرة، حتى لا يقولوا : " لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك " ؛ وهو كقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ١.
١ آية ١٥ الإسراء..
﴿ من المحضرين ﴾ المشهدين عذاب الله وأليم عقابه ؛ جمع محضر، اسم مفعول من أحضره، وأغلب ما يستعمل الإحضار في العذاب.
﴿ قال الذين حق عليهم القول ﴾ ثبت عليهم مقتضاه وتحقق، وهو قوله تعالى : " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " ١، ونحوه من آيات الوعيد. والقائلون هم الشياطين، أو رؤساء الكفر الذين اتخذهم اتباعهم شركاء لله ؛ بأن أطاعوهم في كل أمر.
﴿ أغويناهم كما غوينا ﴾ أغويناهم بطريق الوسوسة والتسويل، لا بالإكراه والإلجاء ؛ فغووا باختبارهم غيا مثل غينا باختيارنا، فنحن وهم في ذلك سواء.
﴿ أغويناهم كما غوينا ﴾ أغويناهم بطريق الوسوسة والتسويل، لا بالإكراه والإلجاء ؛ فغووا باختبارهم غيا مثل غينا باختيارنا، فنحن وهم في ذلك سواء.
١ آية ١١٩ هود، ١٣ السجدة..
﴿ لو أنهم كانوا يهتدون ﴾ أي لو أنهم كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل،
يدفعون به العذاب عنهم لدفعوه به. أو لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين لما رأوا العذاب.
يدفعون به العذاب عنهم لدفعوه به. أو لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين لما رأوا العذاب.
﴿ وربك يخلق ما يشاء ﴾ تجهيل للمشركين في اختيارهم الشركاء واصطفائهم إياهم آلهة وشفعاء ؛ أي وربك يخلق ما يشاء خلقه﴿ ويختار ﴾ أي وهو سبحانه يصطفى ما يشاء اصطفاه ؛ فيصطفي مما يخلقه شفعاء ويختارهم للشفاعة، وبفضل بعض مخلوقاته على بعض بما يشاء. ﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ أي ما استقام لهم المشركين أن يصطفوا ما شاءوا، ويفضلوا بعض مخلوقاته على بعض ! فيجعلوا منها شفعاء وشركاء لله ! فليس لهم إلا اتباع اصطفائه تعالى ؛ وهو سبحانه لم يصطف شركاءهم الذين اصطفوهم للعبادة والشفاعة على الوجه الذي اصطفوهم عليه. والخيرة : الاختيار. وجملة " ما كان لهم الخيرة " مؤكدة لما قبلها. أفاده الآلوسي.
﴿ أرأيتم ﴾ أخبروني [ آية ٤٠ الأنعام ص ٢٢٢ ]. وفي هذه الآية واللتين بعدها دلائل على كمال القدرة الإلهية، موجهة للتوحيد في العبادة.
﴿ سرمدا ﴾ أي دائما لا ينقطع. والسرمد : دوام الزمان من ليل أو نهار.
﴿ فبغى عليهم ﴾ طلب الفضل عليهم، وأن يكونوا تحت أمره لقوته وغناه.
﴿ مفاتحه ﴾ جمع مفتح، وهو ما يفتح به الباب. أو المفاتح : الخزائن، جمع مفتح. ﴿ لتنوء بالعصبة ﴾ أي لتثقل المفاتح العصبة وتميلهم من ثقلها فلا يستطيعون حملها ؛ والباء للتعدية. يقال : ناء به الحمل، أثقله وأماله ؛ كما يقال : ذهب به وأذهبه بمعنى. والعصبة : الجماعة التي يتعصب بعضهم لبعض، وخصت في العرف بالعشرة إلى الأربعين. ﴿ لا تفرح ﴾ لا تبطر ولا تأشر بكثرة المال.
﴿ مفاتحه ﴾ جمع مفتح، وهو ما يفتح به الباب. أو المفاتح : الخزائن، جمع مفتح. ﴿ لتنوء بالعصبة ﴾ أي لتثقل المفاتح العصبة وتميلهم من ثقلها فلا يستطيعون حملها ؛ والباء للتعدية. يقال : ناء به الحمل، أثقله وأماله ؛ كما يقال : ذهب به وأذهبه بمعنى. والعصبة : الجماعة التي يتعصب بعضهم لبعض، وخصت في العرف بالعشرة إلى الأربعين. ﴿ لا تفرح ﴾ لا تبطر ولا تأشر بكثرة المال.
﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ ولا تترك نصيبك من الطيبات التي أحلها الله لك.
﴿ فخرج على قومه في زينته ﴾ أي في زينة بهرت الأنظار ؛ حتى تمنى الناظرون إليه أن يكون لهم مثلها. وهي مظاهر الغنى الفاحش، والترف الزائد.
﴿ ويلكم ﴾ كلمة أصلها الدعاء بالهلاك. منصوبة بمقدر ؛ أي ألزمكم الله الويل، ثم استعملت في الزجر والبعث على ترك ما لا يرضي.
﴿ ولا يلقاها ﴾ ولا يلقى هذه المثوبة ؛ أي لا يوفق للعمل بها. أو لا يلقى هذه الكلمة التي تكلم بها الأحبار ؛ أي لا يفهمها﴿ إلا الصابرون ﴾ يقال : تلقاه أي استقبله. والضمير راجع – على الثاني – لمقالة الذين أوتوا العلم.
﴿ ولا يلقاها ﴾ ولا يلقى هذه المثوبة ؛ أي لا يوفق للعمل بها. أو لا يلقى هذه الكلمة التي تكلم بها الأحبار ؛ أي لا يفهمها﴿ إلا الصابرون ﴾ يقال : تلقاه أي استقبله. والضمير راجع – على الثاني – لمقالة الذين أوتوا العلم.
{ فخسفنا به وبداره الأرض غيبناهما فيها. يقال : خسفت الأرض تخسف، وانخسفت وخسفها الله، وخسف به، وخسف هو ؛ أي غاب.
﴿ ويكأن الله يبسط الرزق... ﴾ " وي " : اسم فعل بمعنى أعجب ؛ وتكون للتحسر والتندم. وكان المتندم من العرب المظهر لندمه يقول : وي ؟ وقد تدخل على " كأن " المشددة – كما في الآية – والمخففة. والقياس كتابتها مفصولة ؛ وكتبت متصلة بالكاف لكثرة الاستعمال. وقيل : " ويكأن " كلمة وواحدة بمعنى ألم تر. ﴿ ويقدر ﴾ يضيق.
﴿ لرادك إلى معاد ﴾ إلى بلدك الذي نشأت فيه وهو مكة. وسمي بلد الرجل الذي كان فيه عادا ؛
لأنه – عادة – يتصرف في البلاد ثم يعود إليه. روي أنها نزلت بالجحفة بعد أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة واشتاق إليها.
لأنه – عادة – يتصرف في البلاد ثم يعود إليه. روي أنها نزلت بالجحفة بعد أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة واشتاق إليها.
﴿ فلا تكونن ظهيرا للكافرين ﴾ معينا لهم على دينهم. والخطاب فيه وفيما بعده للنبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود أمته. والله أعلم.