ﰡ
ومن سورة القصص
قوله: وَيَرَى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما [٦] هكذا قراءة أصحاب «٣» عبد الله بالياء والرفع.
والناس بعد يقرءونها «٤» بالنّون: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) بالنصب. ولو قرئت بالياء ونصب فرعون، يريد: ويُرِيَ الله فرعونَ كَانَ الفعل لله. ولم أسمع أحدًا قرأ بِهِ.
وقوله: عَدُوًّا وَحَزَناً [٨] هذه لأصحاب «٥» عبد الله والعوامّ (حزنا) وكأن الْحُزْن الاسمُ والْغَمّ وما أشبهه، وكأن الحزن مصدر. وهما بمنزلة الْعُدم والعَدَم.
وقوله: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [٩] رفعت (قُرَّتُ عَيْنٍ) بإضمار (هُوَ) ومثله فِي القرآن كَثِير يرفع بالضمير.
وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) وَفِي قراءة عبد الله (لا تقتلوهُ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَك) وإنما ذكرت هَذَا لأني سَمِعْتُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ يَذْكُرُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عبّاس أنه قال: إنها قالت (قرة عين لى ولك لا) وَهُوَ لَحْنٌ «٦». وَيُقَوِّيكَ عَلَى رَدِّهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ الله.
(٢) الآية ٧١ سورة الأنعام
(٣) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش
(٤) ا: «يقرءون»
(٥) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش.
(٦) أي لمخالفته رسم المصحف
وقوله: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [١٠] قد فَرَغَ لهمّه، فليس يَخلط هَمّ موسى شىء وقوله (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) يعني باسم موسى أَنَّهُ ابنُها وَذَلِكَ أن صدرها ضاقَ بقول آل فرعون: هُوَ ابن فرعون، فكادت تُبدي [بِهِ] أي تظهره. وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كادت لَتُشعِرُ بِهِ) وَحَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَرَأَ (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعًا «٢» ) مِنَ الْفَزَعِ.
وقوله: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [١١] قصّى أثره. (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ). يقول: كانت على شاطىء البحر حَتَّى رأت آل فرعون قد التقطوه. وقوله (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعني آل فرعون لا يشعرون بأخته.
وقوله: وحرّمنا عليه المراضع يقول: منعناه من قبول ثدى إلّا ثدى أُمّه.
وقوله: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ [١٥] وإنّما قَالَ (عَلَى) ولم يقل: ودخل المدينة حين غفلة، وأنت تَقُولُ: دخلت المدينة حين غفل أهلها، ولا تَقُولُ: دخلتها عَلَى حين غفل أهلها. وَذَلِكَ أن الغفلة كانت تُجزئ من الحين، ألا ترى أنك تَقُولُ: دخلت عَلَى غفلة وجئتُ عَلَى غفلة، فلما كَانَ (حين) كالفضل فِي الكلام، والمعنى: فِي غفلة أدخلت فِيهِ (عَلَى) ولو لَمْ تكن كانَ صوابًا. ومثله قول الله (عَلى فَتْرَةٍ «٣» مِنَ الرُّسُلِ) ولو كَانَ عَلَى حين فترة من الرسل لكان بمنزلة هَذَا. ومثله قوله العجير:
..... ومن يكن... فتى عامَ عام الماءِ فَهْو كبير «٤»
(٢) في الطبري: «فازعا»
(٣) الآية ١٩ سورة المائدة
(٤) البيت بتمامه- كما فى اللسان-:
وقوله: (فَوَكَزَهُ مُوسى) يريد: فلكزه»
. وفى قراءة عبد الله (فنكزه) ووهزه أيضًا لغة. كلٌّ سواء. وقوله (فَقَضى عَلَيْهِ) يعني قتله.
وندم «٢» موسى فاستغفرَ الله فغفر لَهُ.
وقوله: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [١٧] قَالَ ابن عباس: لَمْ يستثن فابتُلِي، فجعل (لَنْ) خبرًا لموسى. وَفِي قراءة عبد الله (فَلَا تَجْعَلْنِي ظَهِيرًا) فقد تكون (لَنْ أكُونَ) عَلَى هَذَا المعنى دُعاءً من موسى: اللَّهُمَّ لن أكون لَهُمْ ظهيرًا فيكون دعاءً وَذَلِكَ أنّ الَّذِي من شيعته لقيه رجل بعد قتله الأول فتسخر الَّذِي من شيعة موسى، فمرّ بِهِ موسى عَلَى تِلْكَ الحال فاستصرخه- يعني استغاثه- فقال لَهُ موسى: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي قد قتَلت بالأمس رجلًا فتدعوني «٣» إلى آخر. وأقبل إليهما فظنّ الَّذِي من شيعته أَنَّهُ يريده. فقالَ (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) ولم يكن فرعون علم من قتل القبطي الأول. فترك القبطي الثاني صاحب موسى من يده وأخبر بأن موسى القاتل. فذلك قول ابن عباس: فابتلي بأن صاحبه الَّذِي دَلّ عليه.
وقوله: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ [٢٢] يريد: قصَد ماءَ مَدْيَنَ. ومَدْين لَمْ تصرف لأنها اسم لتلك البلدة. وقال الشاعر «٤»
رأتنى تحادبت الغداة ومن يكن | فتى عامَ عام الماءِ فَهْو كبير |
رُهبانُ مَدْينَ لو رأوكِ تَنَزَّلُوا | والعُصْمُ من شَعَفِ العقولِ الفادر |
(٢) هذا تفسير للآية ١٦ «قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ»
(٣) ا: «وتدعونى»
(٤) هو كثير كما فى معجم البلدان (مدين). والعصم جمع الأعصم وهو الوعل. والعقول جمع عقل وهو الملجأ.
وشعف العقول رءوسها وأعاليها. والفادر: الوعل المسن أو الشاب. وكأنه من صفة العصم فيكون مرفوعا. وقد جاء صفة للجمع لما كان الجمع على زنة المفرد.
(٥) أي مهتديا
(إِنَّ خَيْرَ «١» مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقُوّته إخراجه الدلو وَحده، وأمانته أن إحدى الجاريتين قالت: إن أبى يدعوك، فقامَ معها فمرّت بين يديه، فطارت الريحُ بثيابِها فألصقتها بجسدها، فقال لَهَا: تأخّري فإن ضللت فدُليني. فمشت خلفه فتلك أمانته.
وقوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [٢٧] يقول: أن تجعل ثوابي أن ترعى عليّ غنمي ثماني حجج (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) يقول: فهو تطوّع. فذكر ابن عباس أَنَّهُ قضى أكثر الأجلين وأطيبهما.
وقوله: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [٢٨] فجعل (ما) وهي صلة من صلات الجزاء مع (أيّ) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه (أيَّ الأجلينَ مَا قضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ) وهذا أكثر فِي كلام العرب من الأوّل.
وقال الشاعر:
وأيّهما ما أتبَعَنَّ فإنني | حَريصٌ عَلَى إثْرِ الَّذِي أنَا تابِعُ |
وقوله: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ [٢٩] قرأها عاصم (أو جذوة) بالفتح والقراءة بكسر «٢» الجيم
(٢) الرفع لحمزة وخلف وافقهما الأعمش. والكسر لغير عاصم وهؤلاء.
وقوله: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [٣٢] و (الرَّهَبِ) قرأها أهل المدينة (الرّهَب) وَعَاصِم «١» والأعمش (الرُّهْبِ).
وقوله: رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [٣٤] تقرأ جزمًا ورفعًا «٢». من رفعها جعلها صلة للردء ومن جزم فعلى الشرط. والرِّدْءُ: الْعَوْن. تَقُولُ: أردأت الرجل: أعنته. وأهل المدينة يقولونَ (رِدًا يُصَدِّقْنِي) بغير هَمزٍ والجزم عَلَى الشرط: أرسله معى يصدّقنى مثل (يَرِثُنِي «٣» وَيَرِثُ).
وقوله: فَذانِكَ بُرْهانانِ [٣٢] اجتمع القراء «٤» عَلَى تخفيف النون من (ذَانِكَ) وكثير من العرب يقول (فذانّك) و (هذانّ) قائمان (وَالَّذانِ «٥» يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) فيشدِّدونَ النون.
وقوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) يريد عَصَاهُ فِي هَذَا الموضع. والجناح فِي الموضع الآخر: ما بين أسفل الْعَضد إلى الرُّفع وهو الإبط.
وقوله: فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ [٣٨] يقول: اطبخ لي الآجُر وهو الأجور والآجُرّ. وأنشد:
كأنّ عينيه من الغوّور | قَلْتان فِي جَوف صَفًا منقور |
وقوله: قالوا سحران تظاهر [٤٨] يعنون التوراة والقرآن، ويُقال (سَاحرَان تَظَاهَرَا) يعنونَ مُحَمَّدًا وموسى صلى الله عليهما وسلم. وقرأ عاصم «٧» والأعمش (سِحْرانِ).
(٢) الرفع لحمزة وعاصم. والجزم للباقين
(٣) الآية ٦ سورة مريم
(٤) هذا فيما يلغه. وقد قرأ بالتشديد ابن كثير وأبو عمر ورويس راوى يعقوب
(٥) الآية ١٦ سورة النساء وقد قرأ بالتشديد ابن كثير
(٦) هذا الرجز فى وصف بعير. والقلت: النقرة فى الجبل تمسك الماء. والصفا: الحجر الصلد الضخم لا ينبت
(٧) وكذا حمزة والكسائي
قَالَ: وقال سفيان بن عيينة عَن حميد قَالَ: قَالَ مجاهد: سألتُ ابن عباس وعنده عكرمة فلم يجبني، فلمّا كانت «١» فِي الثالثة قَالَ عكرمة أكثرت عَلَيْهِ (سَاحِرَان تَظَاهَرَا) فلم ينكر ابن عباس، أو قَالَ: فلو أنكرها لغيّرها. وكان عكرمة يقرأ (سِحْرانِ) بغير ألف ويَحتج بقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) وقرأها أهلُ المدينة والحسن (سَاحِرَان تَظَاهَرَا).
وقوله: أَتَّبِعْهُ [٤٩] رَفْع «٢» لأنها صلة للكتاب لأنه نكرة وإذا جزمت «٣» - وهو الوجه- جعلته شرطًا للأمر.
وقوله: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ [٥١] يقول: أنزلنا عليهم القرآن يتبع بعضه بعضًا.
وقوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [٥٣] يُقال: كيف أسلموا قبل القرآن وقبل مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَذَلِكَ «٤» أنهم كانوا يجدونَ صفة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتابِهم فصدقوا بِهِ.
فذلك إسلامهم.
و (مِنْ قَبْلِهِ) هَذِه الْهَاء للنبي عَلَيْهِ السَّلَام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صوابًا، لأنهم قد قالوا: إنه الحق من ربنا، فالهاء هاهنا أيضًا تكون للقرآن ولمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [٥٦] يكون الحبّ عَلَى جهتين هاهنا:
إحداهما: إنك لا تهدي من تُحبَّه للقرابة.
والوجه الآخر يريد: إنك لا تهدي من أحببت أن يَهتدي كقولك: إنك لا تَهدي من تريد، كما تراه كثيرا فِي التنزيل (وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه.
(٢) هذا فى الآية التالية ٤٩. وفى ابعد تلاوة الآية: «جزم» يريد الجزم فى «أتبعه»
(٣) الرفع قراءة زيد بن على كما فى البحر المحيط. وهى قراءة شاذة. والجزم هو القراءة المعول عليها.
(٤) هذا شروع فى الجواب عن السؤال
وقوله: (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) و (تُجْبَى «٢» ) ذُكِّرت يُجبى، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه، كما قَالَ الشاعر:
١٤٠ ب إن امرأ غَرَّهُ منكُنَّ واحدة | بعدي وَبَعْدَك فِي الدُّنْيَا لَمغرور |
لقد ولد الأخيطل أمُّ سَوْءٍ | عَلَى قمَع اسْتِها صُلُب وشامُ |
أبطرك مالك وَبطِرتَه، وأسْفهك رأيك فسفهته. فذُكرت المعيشة لأن الفعل كَانَ لَهَا فِي الأصل، فحوّل إلى ما أضيفت «٥» إِلَيْهِ. وكأن نصبه كنصب قوله (فَإِنْ طِبْنَ «٦» لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ألا ترى أن الطيب كَانَ للنفس، فلمّا حوَّلته إلى صاحب النفس خرجت النفسُ منصوبة لتفسِّر معنى الطيب. وكذلك ضقنا بِهِ ذَرْعًا إنما كان المعنى: ضاق به ذرعنا.
(٢) هى قراءة نافع وأبى جعفر ورويس راوى يعقوب
(٣) هو جرير يهجو الأخطل. والقمع بزنة عتب وضرب: ما يوضع فى فم السقاء ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب، استعاره لفرجة الاست. والصلب جمع صليب. والشام جمع شامة وهى علامة تخالف البدن وكانت أم الأخطل كالأخطل نصرانية
(٤) الآية ١٣٠ سورة البقرة
(٥) ا «أضيف»
(٦) الآية ٤ سورة النساء
ما أعطيتك دراهمك إلَّا قليلًا، إنّما تريد: إلا قليلًا منها.
وقوله: (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) [٥٩] أُمّ الْقُرَى مكة. وإنّما سميت أمّ القرى لأن الأرض- فيما ذكروا- دحِيت من تَحتها.
وقوله: فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ «١» [٦٦] يقول القائل: قَالَ الله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) كيف قال هنا: (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فإن التفسير يقول: عَمِيت عليهم الحجَج يومئذ فسكتوا فذلك قوله (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فِي تِلْكَ الساعة، وهم لا يتكلمون.
قوله: فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [٦٧] وكل شيء فِي القرآن من (عسى) فذُكر لنا أنها واجبة.
وقوله: مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [٦٨] يُقال «٢» الْخِيرة والخَيْرَة والطِّيرَة والطَّيْرة. والعربُ تَقُولُ:
أعطني الْخَيْرَة منهن والخِيَرَة منهن والخِيَرة وكل ذَلِكَ الشيء المختار من رجل أو امرأة أو بَهيمة، يَصْلُح إحدى هَؤُلَاءِ الثلاث فِيهِ.
وقوله: إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً [٧١] دائما لانهار معه. ويقولون: تركته سَرْمَدًا سمْدًا، إتباع.
وقوله: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [٧٣]. إن شئت جعلت الْهَاء راجعة عَلَى الليل خاصة وأضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار، فذلك جائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنَّهما ظُلْمة وضوء، فرجعت الْهَاء فِي (فيه) عليهما جميعا، كما تقول:
(٢) فى اللسان فى نقل عبارة الفراء. قبل هذا الكلام: «أي ليس لهم أن يختاروا على الله» وكان هذا من نسخة غير ما وقع لنا.
وقوله: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [٧٦] وكان ابن عمّه (فَبَغى عَلَيْهِمْ) وبَغْيه عليهم أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كانت النبوة لموسى، وَكَانَ المذبح والقُرْبَان الَّذِي يُقرّب فِي يد هارون فما لى؟
وقوله: (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) نَوؤها بالعُصْبة أن تُثقلهم، والعُصْبة هاهنا أربعونَ رجلًا ومفاتِحه: خزائنه. والمعنى: ما إن مفاتحه لتُنيء العصبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بِهم وتُنيء بهم، كما قال (آتُونِي «١» أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) والمعنى: ائتوني بقِطْرٍ أُفرغ عَلَيْهِ، فإذا حذفت الباء زدت فِي الفعل ألفًا فِي أوله. ومثله (فَأَجاءَهَا «٢» الْمَخاضُ) معناهُ: فجاء بِهَا المخاض. وقد قَالَ رجلٌ من أهل العربية: إن المعنى «٣» : ما إن الْعُصْبَة لتنوءُ بِمفاتِحه فحوّل الفعل إلى المفاتِح كما قَالَ الشاعر:
إن سراجًا لكريم مفخره | تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا ما تَجْهَرُه «٤» |
حَتَّى إِذَا ما التأمت مَوَاصِلُهْ | وناءَ فِي شقّ الثِّمالِ كاهِلُهْ |
ما ساءك وناءك من ذَلِكَ، ومعناهُ ما سَاءك وأناءك، إلا أَنَّهُ ألقى الألف لأنه مُتبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعامًا فهنأني ومرأني، ومعناهُ، إِذَا أفردت: وأمرأني، فحذفت منه الألف لِمَا أن أتبع ما لا ألف فيه.
(٢) الآية ٢٣ سورة مريم.
(٣) انظر ص ٩٩، ١٣١ من الجزء الأول. [.....]
(٤) يريد أنه خرجه على القلب.
ممكورةٌ غَرْثَى الوشاحِ السَّالِسِ | تضحك عَن ذي أُشُر عُضارس «٢» |
وقوله: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي [٧٨] : عَلَى فضلٍ عندي، أي كنت أهله ومستحقًا لَهُ، إذ أعطيته لفضل علمي. ويُقال: (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) ثُمَّ قَالَ (عِنْدِي) أي كذاك أرى كما قَالَ (إِنَّما أُوتِيتُهُ «٣» عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ).
وقوله: (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) يقول: لا يسأل المجرم عَن ذنبه. الْهَاء والميم للمجرمين. يقول: يعرفون بسيماهم. وهو كقوله: (فَيَوْمَئِذٍ «٤» لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ثم بيّن فقال: (يُعْرَفُ «٥» الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ)
وقوله: وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ [٨٠] يقول: ولا يلقى أن يقول ثَوَابُ اللَّهِ خير لمن آمن وعمل صالحا إلا الصابرون. ولو كانت: ولا يلقاه لكان صوابًا لأنه كلام والكلام يُذهب بِهِ إلى التأنيث والتذكير. وَفِي قراءة عبد الله (بَل هي آيَاتٌ بيِّنات) وَفِي قراءتنا (بَلْ هُوَ «٦» آيات) فمن قال
(٢) الممكورة: الحسنة الساقين. وغرثى الوشاح: «خميصة البطن دقيقة الخصر». والسالس: اللين. والأشر:
تحزيز الأسنان. ويريد بذي أشر ثغرها.
(٣) الآية ٤٩ سورة الزمر.
(٤) الآية ٣٩ سورة الرحمن.
(٥) الآية ٤١ سورة الرحمن.
(٦) الآية ٤٩ سورة العنكبوت.
وقوله: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ [٨٢] فِي كلام العرب تقرير. كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله.
وأنشدني:
ويكأن من يكن له نشب يح | بب ومن يفتقر يعش عيش ضُرّ «٣» |
ولقد شفى نفسي وَأبرأ سُقمها | قولُ الفوارس وَيْكَ عَنْتَرَ أقدم «٤» |
وَيْ، أمَا ترى ما بين يديك، فقال: وَيْ، ثُمَّ استأنف (كأن) يعني (كأن الله يبسط الرزق) وهى تعجّب، و (كأنّ) فِي مذهب الظن والعلم. فهذا وجه مستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلة،
(٢) الآية ٤٤ سورة آل عمران.
(٣) فى اللسان (وى) أنه لزيد بن عمرو بن نفيل. ويقال لنبيه بن الحجاج. والنشب: المال والعقار.
(٤) هذا من معلقته.
وقوله: لَخَسَفَ بِنا [٨٢] قراءة العامة (لَخَسَفَ) وقد قرأها شَيْبَة «٣» والحسن- فيما أعلم- (لَخَسَفَ بِنا) وهى فى قراءة عبد الله (لا نخسف بنا) فهذا حجّة لمن قرأ (لخسف).
وقوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ [٨٥].
يقول: أَنْزَلَ عليك القرآن (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ذكروا أن جبريل قَالَ يا مُحَمَّد أشتقت إلى مولدك ووطنك؟ قَالَ: نعم. قَالَ فقال لَهُ ما أنزل عَلَيْهِ (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) يعني إلى مكة. والمعاد هاهنا إنما أراد بِهِ حَيْثُ ولدت وليس من العود «٤». وقد يكون أن يجعل قوله (لَرادُّكَ) لمصيرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك فيكون المعاد تعجّبا (إِلى مَعادٍ) أَيّما مَعاد! لِمَا وعده من فتح مكة.
وقوله: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [٨٦] : إلا أن ربك رحمك (فأنزل «٥» عليك) فهو استثناء منقطع. ومعناهُ: وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم تتلوها عَلَى أهل مكة ولم تحضرها ولم تشهدها. والشاهد عَلَى ذلك قوله فى هذه السّورة (وَما كُنْتَ ثاوِياً «٦» فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي إنك تتلو عَلَى أهل مكة قصص مدين وموسى ولم تكن هنالك ثاويًا مقيمًا فنراه وتسمعه. وكذلك قوله (وَما كُنْتَ «٧» بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) وهأنت ذا تتلو قصصهم وأمرهم. فهذه الرحمة من ربّه.
(٢) فى الآية ٩٤ سورة طه.
(٣) وهى قراءة حفص ويعقوب. [.....]
(٤) فى الطبري أنّه على هذا من العادة أي لرادك إلى عادتك من الموت أو حيث ولدت.
(٥) سقط فى ا:
(٦) الآية ٤٥.
(٧) الآية ٤٤.